كاتب الموضوع :
هــدوء
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: دموع الياسمين / بقلمي
.
.
.
سلآم من الله عليكم (())
صباحكم /مساؤكم ياسمين عبق ينتشلكم من كل دائرة تحيلكم الى التعب ^^
وهاكم الياسمينة ..قراءة موفقة
الياسمينة الثالثة
تنصهر الأفئدة على حرارة الأحزان لتستحيل سائلاً لزجاً شديد السخونة يحرق كل شيء منه يقترب ويصيره الى رماد غائر في الظلام لا يعترف بالبزوغ وكل ما يراه أفول في أفول ، لا جدوى من أن تربت على كتف أحترق من لهيب أكداره فحروقه العميقة اندمالها أضحى مستحيلاً ..المكسور جبره صعب بكلمة أو كلمتين ..والموجوع صرخته العاتية التي تخترق السماء لن تسد أنينها ضمة أو قبلة على الجبين تقطر حناناً ..المريض لن تكتم آناته وشهقاته المنهكة كلمة طيبة وابتسامة دافئة ..والفاقد لن تمسح دمعاته المشتاقة مواساة عميقة ..كل ما نفعله اتجاه البؤساء محاولات في تخفيف الكمد من على قلوبهم ..أحزانهم عميقة لا ندركها من خلال عيني الرأس ..نحتاج الى عيني قلب تتخطى الحواجز وتصل الى الأحشاء فترى نزيف حرب ...حب ...فقد ...رحيل ..مرض وحتى...فشل على هذه الأرض يا صاح ..ثمة أمور تقطر لها العينان دماً بدل الدموع ..على هذه الأرض أشياء تشيب لها جدران الروح وتشيخ بسببها القلوب ..كل شيء يهوون أمام دمعة يتيم فقد أباه الذي يحب في ليلة ظلماء أفتقد فيها البدر ..كل شيء يهوون امام ابتسامة خذلان على ثغر ام بائسة لم تعطي لنفسها الأحقية في الحياة من أجل ولدها الذي جازى صبرها على ضنك الحياة بالقائها في دار عجزة مقيتة ...كل شيء يهووون أمام آنات مريض يتقلب على سرير العجز متلوياً من اختراق الأوجاع أحشائه وامتلاء روحه بالكدمات ...كل شيء يهووون أمام ذهول الأحزان عند دمعات رجل تمنى بالتفوه بكلمة "بابا" والأيام تصيره يتيماً ليتزوج فيحلم بابن يسد رمق جوعه لتلك الكلمة فيكون عقيماً ...يا صاح على هذه الأرض أشياء كثيرة تدمي جراح القلب لا نعلمها نحن الذين نتململ من ضيقة واااسعة ..ونشتكي ضنك الحياة وشعثها واجسادنا بخير ووالدينا بخير وبلادنا آمنة لا تغرق بالدماء ..كم نحن عاجزين عن الشكر ..لا نعترف بالجميل كثيرون الشكوى والبكاء !!
خرجت مع أفواج الطالبات ...ملامحها غائبة وتقاسيمها منصهرة أمام الأحجام الكبيرة ولاسيما أن جسدها صغير نحيل يوحي للناظر بطفولة عمرها ..وقفت عند باب المدرسة منتظرة عمر يصطحبها الى البيت تتأمل جموع الطالبات بعينين شاردتين ...صوت القارئ ما زال يملأ قلبها وروحها وكلها ..لا تستطيع الفرار منه ..ويبدو أنه لا جدوى من الفرار مما لا مفر منه ..الصوت أخذها الى عوالم أخرى شاردة ومليئة بالضباب الذي أعماها عن الحقيقة ..انها وحيدة ومشتتة وكأنها نسيت كفها اليمنى في الصف ممسكة بالقلم تنسخ الكلمات الخارجة من فيه المعلمة وكأنها كلمات لا تعوض ..نسيت رأسها ملقياً على وسادتها صاخباً بالحزن والشتات ..نسيت سمعها في سيارة عمر تقتات القرآن فرجاً وتنسلخ عن شتاتها ..انها تنسى نفسها وتشعر بالوحدة واللاشيء ..انها في معمعة شديدة الوطيس تستنزف صبرها وجلدها على الحياة ..مسحت بكفيها الصغيرتين وجهها المجهد الشاحب وشيء في داخلها يناجي الرحمن دائماً ..لمحت سيارة عمر البيضاء تقترب منها شفقت عليه في دواخلها ..انه يجهد نفسه كسائق لها ولبلسم ...غداً سيصطحبها "باص" متخصص في نقل الطالبات وسيعود عمر لعمله بشكل أفضل وستقل الضغوطات عليه ..ابتسمت برفق وهي تفتح باب السيارة لتلج داخلها ..تمتمت بالسلام ..وصلها رده ..ثم وقعت السيارة في صمت محدق ...أبعد الصمت صوته الصاخب الممتلئ ضجيج استحال الى حزناً بعد أن كان المرح خليله
: وتين ...مالك الصبح كنت مش منيحة ..كأنك تعبانة
أنتشلها من فوهتها التي لم تختر الوقوع بها ..سؤاله المهتم ..عن ماذا تسألني يا عمر ؟! عن سؤال هام في روحي فلم أجد له جواباً ..عن سؤال أكثر ما يؤلمني فيه أن لا جواب له ..عن ماذا تسألني وأنا السابحة في ملكوت العدم ..اللاشيء والضباب المقيت عن ماذا تسألني وانا التي لم أختر الشرود طريقاً أو حلاً ولكنه كلما وجدني وحيدة نشب مخالبه في جسدي الضئيل ..فيحيلني الى الحزن الذي لا أجد له سبباً ..قلبي مثقل يا شقيقي الذي لا أجد اليه رابطة يطمئن بها قلبي ..قلبي مثقل بتكتلات تملأه نحيباً ..هلم الى أختك وامسح على فؤادها الذي تعب ..وعذه بالله من الأحزان مجهولة الأسباب ..التي لا تستبق للصبر فيها مكاناً ..أختك تلفظ أنفاس صبرها لا تشعر بها تنفذ من جوفها ..يا الله ارفق بقلبي ...حاولت مدراراً لقتل البحة الأليمة من صوتها ولكنها تلصقت بصوتها كغراء تكلمت بحزن
: ولا شي يا أخي ..تعبانة شوي
دائماً وعندما نشعر باللاجدوى من البوح نلقي بحمال القلب على شماعة "التعب" ..رد بهدوء وهو يشعر بشظايا الحزن تترامى على مقلتيه
: سلامتك ..يا وتين ما تشوفي شر ..أوديكي ع المستشفى ؟!
: لا لا شوية ارهاق ..بتعرف فقدي للذاكرة بعيشني بدوامة وأكتر اشي مربكني عدم تذكري لشي ..مع أني بعيش في البيت اللي فيه كل زكرياتي
آهة أنفلتت من جوفه لتغيب في غياهب الأسى فيه ماذا فعل فيها ؟! ..أين يلقي بها وماذا سيجني وراء سذاجته وجنونه ..الجميلة تنصهر تحت نار العدم وهو ينظر ..يقتل القتيل ويمشي في جنازته ..كيف سأواجهك وتين ؟! ..زوجتي الغائبة خلف الكثير من العلاقات الكاذبة ..كيف سأواجهك وأنا الذي قتلتك بكفي الآثمتين في حرب طاحنة تسحق جسدك الضئيل تحت أقدامها الغليظة ..كيف سأنظر في عينيك اللتان لم تعرفا سوا الحزن والكمد من لجوء وفقد الى تيه وشتات ..الى أين سأولي وجهي وثمة ذنوب تتراكم في جوفي فيسود لها وجهي ..كيف سأغسل الذنب وهو أكبر من أين يُغتسل وكيف ستعود لي ضحكتي وهي أبعد ما تكون عني ..من أين لي بعمر ثانٍ لا يعرف الحزن والأسى ..وتين ذات الأربعة الحروف ..أي ذكريات تتحدثين عنها والمنزل خلا منك ولم يعرفك يوماً ليتفاجئ بضمك له واستجدائك الذكرى من خلاله ..خبريني كيف له أن يلقي بتراتيل الذكرى عليك وهو الذي لم يعرفك يوماً ولم يتأمل صفحة وجهك ..كيف له أن يساعدك ويحط من فقدك وهو عاجز يا وتين ..عاجز كمثلي تماماً ..ذكرياتك ليست هنا ..انها بعيدة وبعيدة جداً ..في أعماقك تقاوم القيد وأنينه ..وتناديك يا صغيرة عودي الي انني هنا في أعماقك ..لم أغب كما زعموا ....ولم تنكسر أركاني ..
همس بأسى قاتل : الله يعينك ..الله يعينك
أستغربت شروده أولاً ..ودعاؤه المغطس بماء الأسى ثانياً ..أومأت برأسها ..وما هي الا لحظات حتى كانت السيارة تقف أمام البيت ...قبل نزولها تساءلت
: عمر روحت بلسم ؟!
أومأ برأسه ...كادت أن تنزل ولكنها تساءلت مرة ثانية
: وبيسان ورهف اجو ؟!
ابتسم بصدق ..ليتكلم : اه اجوا ..أنس موجود والكل بستناك بدهم يتغدوا
: انت ما بدك تنزل تتغدى؟!
: لا والله في كم شغلة بدي أعملها
ابتسمت له لترد وهي تفتح باب السيارة :يعطيك العافية ..يلا سلام
رد السلام بخفوت وهو يتأملها تخرج من السيارة ...انها صغيييرة وبريئة وحزينة ..وهو مجرم صلف بحق طفولتها المهدورة ...انه يتآكل ندماً كل يوم من غير أن يتفاعل مع الهواء أو الماء ..انه لا يتفاعل الا مع الأسى والأسى والندم ....ياارب أوقد له شمعة في جوفه تنير دياجير العتمة في حياته ......
................................
زفرت بقلة حيلة وهي تلمحها ذاهبة اتجاه الكشك ..ملقية بكلماتها عرض الحائط غير آبهة لعدم تقبلها للنسكافية ..الجو اليوم حاار جداً ..تقلب عجيب في الطقس ..غير ملائم أبداً لكوب نسكافية ..جلست على المقعد الخشبي في الحديقة لتضع حقيبتها البنية في حضنها ..أخرجت هاتفها وهي تفتح "الفيس بوك" تتصفح آخر الأحداث والتطورات ..الأسير محمد القيق مستمر في اضرابه ..الحصار مستمر ومؤسف جداً في مضايا ..وقصف مدمر في درعا ..والكثير الكثير من الشهداء في الخليل والقدس ورام الله جراء عمليات الطعن والدهس الفدائية ..أسرى يملأون السجون ..وآخرون هاربون من قبضة الظلم والاستبداد..مقاومة مجرووحة لأمة فقدت شموخها وعزتها ..ابتسمت برفق وهي تلمحها تجلس بجانبها ..تكلمت بحنق
: انتي بتجننني وحلوة بس مشكلتك عنادك ...وبتحكيلي مالو قمر مش راضي يسامحني ..منتو أخوان !!
قهقهت بهدوء وهي تناولها كوب النسكافية تجبرها على شربه كأم تجبر طفلها النحيل على شرب كوب من الحليب لا يستسيغ طعمه
: اشربي وانتي ساكتة ست رحيل ..بدك اياني اشربو لحالي؟!
: لا .....استغفر الله كبيييرة ومعصية
: كم محاضرة ضايل عليك
: وحدة ...لا تستنيني روحي انا بروح مواصلات أو مع غيث
: مين حكى اني بدي أستناك ..واثقة ما شاء الله
: فكرتك منيحة ..الله يهديني
ضحكت بهدوء وهي تتأمل اكفهرار ملامحها الرقيقة ...رحيل الحزينة ذات العينين البنيتين المحاطتان بهالة من الشحوب جراء بكاء عميق وسهر بائس ..رحيل الحزينة ملامحها مأساوية اذا ما غصت في أعماقها ستجد شيء عمييييق ومووجع ..انها رقيقة كالزهر ولكن رياح الأقدار لا ترحم فكسرت ساق ثباتها ..فأضحت مكسورة الساق ..اتكأت برأسها على كتفها وهي تنظر شاردة الى الأمام ..للتو شعرت بالصداقة وجمالها ..غالباً كانت كل رفيقاتها ..رفيقات مصلحة أو زمالة دراسة أو اي شيء لا يمت للصداقة بصلة ..ولكن واليوم وجدت ضالتها ..صديقة صدوقة صادقة الوعد منصفة ..لكم أحبتها وتعلقت في حبال الود بينهما ..تشبهها الى حد بعيد ..انها أختها التي لم تلدها أمها التي غابت عنها وتركتها وأخيها يقارعان الحياة القاسية ..تكلمت بهدوء وهي تنظر للأفق والمارة : بتعرفي يا رحيل ...عنجد انك انسانة مش عادية ..معك عرفت معنى الصداقة ..ومعنى الاحتواء والبوح...يمكن كنت كتيير ناقمة لعدم انجاب امي لبنت ..مع انو عبود كان الي الكتير ..بس انا اليوم عنجد لقيت أختي اللي ما أنجبتها امي ..عنجد انك بتجنني مع انك كئيبة شوي وحادة وما بتحبي الأكل و...
ضحكت بخفوت وعيناها تلمعان حباً لهذه الجميلة صاحبة العينين الفاتنتين ..حركت كتفها الذي تتكأ عليه تلك بنذالة ..مقاطعة كلامها قائلة بنبرة مرحة :
اه اه كملي وشو كمان ..
قطبت حواجبها بضيق وهي تنظر اليها قائلة بقهر : وزنخة ما بتخلي حدا مرتاح ع كتفك
: بالله ليش شايفة كتفي وسادة ؟!
ابتسمت بنذالة لتعيد رأسها على كتفها قائلة : اه اه وسادة وأحلى وسادة كمان !!
: هي المرة سمحتلك تحطي راسك ع كتفي ..لانو مبين عليكي التعب ..المرة الجاي لأ ..وأحكي رحيل مش منيحة
رفعت رأسها قائلة بتقطيبة مادة لسانها بطفولية : مش منيحة ..وبعدين بالناقص !!
حركت رأسها دليل قلة الحيلة : الله يهديك ... أخوك كيف متحملك مش عارفة !
: يصحلك
: مجهزة جواب اسم الله
: طبعاً
تحركت واقفة بعد أن نظرت الى ساعتها السوداء لتقول بهدوء : طيب ديومتي عن ازنك بدي أروح ع المحاضرة
وقفت بحب لتسلم عليها مقبلة وجنتيها : الله يوفقك يا روحي ..اتصلي علي بس تروحي ماشي
لوحت لها بيدها ذاهبة لتتكلم : ان شاء الله عيني !
.............................
صداع يكاد يفتك رأسها ..مستيقظة منذ الصباح تحضر لـ" البرزنتيشن" الخاص بها اليوم ..غير التفكير الطويل الذي يملأ ليلها بكل شيء ..أختها الشامية وأباها الحزين الذي يتآكل حزناً لينصهر جسده ويصبح أخيراً رث الجسد والحضور ..انه يضمحل وجدتها لا تلتفت وكأنه ليس بابنها ..لا تدري من أين أخذت كل هذا التجلد والتشبث بالاشياء الجاهلية التي لا تمت للاسلام والصحة بصلة ..اه منها لكم ترهق أباها ..ولجت الى القصر ..فسلمت بهدوء ..رغم انها تعلم أنه لا أحد سيرد السلام ..وذلك لأن كل واحد فيهم معتكف في غرفته ..ولكنها عادة فيها متجذرة بمجرد أن تلج الى مكان تلقي تحية الاسلام ...فتحت باب غرفتها ملقية بنقابها واللاب كوت والحقيبة والقفازات على السرير ..جلست على طرفه ما تزال ترتدي العباءة والشالة السوداء الطويلة ...ضغطت بكفيها على رأسها مخففة الألم ...ثم ألقت بجسدها للخلف ..يااااااارب نطقتها ..شالتها انزلقت الى كتفيها بعد أن خلعت الدبوس ..ليظهر شعرها الأسود الكثيف شديد النعومة والذي قصته " مدرج " فأعطى لوجهها جمالاً كبيراً تزيده عينيها الواسعتين ..ما كادت ترفع جسدها عن السرير الا وتصلها صوت جدتها وأباها والعائلة أجمعها ..تنفست بعمق تستنجد بآخر ذرات الصبر التي تحملها ..جدتها تريد أن تقتل أباها حياً وهي لا تقبل أن تساوم بالموت أباها الذي تحب ..ابنة أبيها وتاجه الذي يفتخر به ..ولن تسمح لأحدهم بأن يملأ قلبه كمداً ..ألا يكفيه وفاة زوجه وابنته ..أياً كان وفي كل الأحوال تبقى الشامية زوجته التي خلق في قلبه لها وداً ..وتبقى تلك ابنته كما هي ..رغم أنها تعرف أن أباها يخلق لزوجته الراحلة أكثر من الود ..انه يحبها كثيراً ويشفق عليها .خرجت من الغرفة وملامح التعب ما زالت بادية على وجهها حتى عباؤتها ما زالت تغطي جسدها وشالتها على أكتافها ..عيناها مغطاتان بكثافة أهدابها التي تبدو كشجر أنحنى على بحر لامع ..كانت جدتها تقف متكئة بعكازها أمام باب غرفتها الذي فتح فظهر من خلاله أمها التي تقف مقابلة لأبيها الواقف أمام جدتها مكفهرة الملامح ..زادتها التجاعيد منظراً قاسياً على قلب أبيها
: قتلك البنية ذيك بنت الشامية ..ما تدخل بيتي وأنا عايشة ...واذا تبغى تجيبها لا عاد تقلي يمه ..انسى امك !!
أقتربت منهم لتقف قبالتهم وهي تلمح الدمعات المتعلقة في مقلتي أبيها المتوسل بعينيه أمه أن ترفق بقلبه الذي شاخ حزناً ..وولج الى عالم الكبار صغيراً ..أي ظلم تمارسه جدتها على قلب أبيها الضعيف ..خرج صوته محصوراً مكتوماً شديد الأسى
: بس يمه هذي بنت ..من روحي ..كيف تبيني أتركها ..يمه لجل رضا الله لا تعالجي خطأي بحياة بائسة لوتين ..وتين ما لها دخل بخطأي ..وتين فاقدة للذاكرة عايشة في أسرة تفكرها أهلها ..مدري للحين شلون رح تتقبل الصدمة وانها عايشة ببيت زوجها اللي تعتبره أخوها ..وانت تزيديها عليّ ..لجل الله يا يمه ..هونيها عليّ
أذاب قلبها بوحه ..أبنها المتسرع الأرعن ..ولكنها لن تستجب له وليذهب هو وخطأه وليعش نادماً على ما أقترفته يداه..ألم تحذره عندما كثرت روحاته الى سوريا ..أنها ان اكتشفت بتزوجه على ابنة خالته .. لن تغفر له..كيف يطالبها بالغفران الآن وهو الذي عصى كلامها وعق أمه التي ربته ..لماذا الآن وبعد فوات الآوان كل شيء ينطق فيه "فلتغفري" ..ألتفت الى غرفتها موصدة الباب أمام وجهه غير آبهة لخذلانه وخيبته اللذان تشكلا على تقاسيم وجهه ..جثى على ركبتيه بقلة حيلة ..وأصابعه تتخلل شعره الكثيف الذي طبع جماله بابنتيه ..حبيبتيه ..أقتربت منه وهي تضم رأسه الى قلبها بأسى ..ان اباها حزين ..يتجرع وجبات من الكمد الدسم ليلاً ..سيصاب بتخمة شجن تملأ معدته وجوفه وكله ان لم تنته جدتها عما تفعل ..سيصبح على حافة الموت ..الموت شجناً ..تكملت بمواساة ..وتعلم أن المواساة لن تجدي
: يبه الله يعينك ..قوول يا الله فرجها ..مدري شقول ..مالنا غير الله
ما زال وجهه مغطى بيديه غائب عن ابنته ..تكلم بهمس مكتوم مخنوق
: ندى ..ذيك اختك وش ناقصها لتعيش بحياة طيبة مثلك ..وتين تعيش بين عايلة تظنها هلها ..وماهيب بهلها ..وكله بسببي ..وش أقول لربي لما يسألني عن الحياة البائسة اللي تعيشها بنتي ..وش أقوله وأنا الملطخ بالذنب ..تخيلي وضعها ..تفقد أختها وأمها ووطنها وذكرياتها ..وحتى أبوها ...واااااخ من أبوها العاجز ..ندى أبوك يمووت مو كافي تركتها من بعدي وانا أدري انها تحتاجني أكثر من أي وقت ..أكمل رافعاً رأسه ناظراً الى عينيها ..خالياً من أي جسد يحجب صفحة وجهه المغرق بالدموع الشاحبة ..الرجل حين يبكي تعجزه الحياة حقاً ..تمسكه من يده التي تسحقه ألماً ..وتضغط بقسوة وهي تنشب بأظفارها المتخثر بداخلها كل دم ...ثم تأمره بالوقوف بعد أن يمتلأ دمامل متقرحة ..فيبكي ..وتبكي السماء لحزنه ..
: نور راحت وانا اللي كنت مقصر بحقها وحتى رنيم ..تخيلي رنيم اللي حبتني وشعرت بالفقد ..هي ما تكلمت عن فقدها لالي بس أنا حسيت من خلال كلماتها ..كانت تحب الكتابة ...بس الحرب ما رحمت طفولتها وحلمها اللي مات بقلبها ..ماتت وانا اللي كنت أتمنى تعيش بحياة هانئة مثل أي بنت ..صغيرة كثير ..عيونها زرق لمحت لمعة الحزن فيهم ..صدقيني لو تشوفيها ما رح تبكي عليها ..لأنها الحين عند مليك مقتدر..رح تبكي على أبوك ..وعلى عجزه ..ورح أصغر بعينك لاني قدرت وبكل شراسة أعيش أسرة بسيطة بهالفقد والحزن ..لو تركت نور تتزوج رجال من هلها وقريتها ..لكانت حياتهم أحسسن ولكانت ...
ماتت الكلمات بجوفها بماذا تواسيه وهذا الكم الهائل الذي يحمله في صدره المثخن بالجراح ..بماذا تواسيه ؟! ...ياارب ساعده لينهض... قدماه لا تحمل جسده المثقل بالهموم ..شهقت بقوة ودموعها تتساقط ضمته الى صدرها قاائلة بأسى : كافي يبه ..كافي يا عزوتي ..لا تبكي ..الله يفرجها عليك ..الله يسامحك ويسامحنا ..ويهدي جدتي ..كافي يا عين بنتك ..كاافي فديتك
................................
متكأ على المقود مخفٍ وجهه عن المارة ..انقباضات معدته لا ترحمه ..انها تحيله الى أرض من الألم تسحقه لتصيره الى فتات عاجز عن التماسك مرة أخرى ..ينتظر عمر الأخرق نفس المشهد يتكرر كثيراً ..ولكن هذه المرة هو السائق العاجز عن النوم واتعاب عمر في انتظاره طارقاً على باب السيارة ..كيف له أن ينام هنا ؟! ..وهو العاجز عن الغطس في أحلامه وهو على سريره وتحت فراشه الدافئ الوثير ..الأرق الذي يملأ فكره لا يتركه ينام هانئاً مبعداً كل شيء عن مخيلته ..يتذكر أنه عُّذب ذات مرة بمنعه من النوم ..أن يبقى واقفاً ..وكان الحارس يراقبه كل حين ..يومها دخل الى عالم من الهلوسة لم يلجه يوماً ولم يدرِ بوجوده ..كافيين خاص بقلبه ينبهه كلما غفت عينيه ..يجعله مستيقظاً حتى في نومه ..تنهد مستنشقاً ذرات الهواء مالئاً بها حويصلاته الهوائية ..مطلقاً ثاني اكسيد الكربون محملاً بذرات وجع حارقة ..لفظها مع الفضلات علها تخفف كمد قلبه ..رفع رأسه حينما فتح عمر الباب ..ليجلس بجانبه ..يقود سيارة عمر ويريد أن يأخذها بعد أن مرضت سيارته وأحتاجت المصلح ليصلح وجعها ويجبره ..ليت الآلآم النفسية كلها تتحول الى آلام جسدية تضمد في بضعة ضمادات فيندمل الجرح ويختفي ..
رفع رأسه بعد ان رد السلام على عمر الخافت ..عمر يختفي خلف تكومات همومه ..فقده لأخيه زيد ..ودخول تلك الفتاة الى عالمه الذي كان يصخب بكل حياة ..صيره الى هموم متكدسة ..صيره الى عمر لا يعرفه ولم يتقن قراءته في هذه الحالة يوماً ..أين أنت يا رفيق ..انك على شفا حفرة من الانهيار ..الدنيا تلعب لعبتها مرة أخرى وتبعدك عني ..تبني حواجز من الضنك لتشبت أوصار متعززة من الألم تربطك فيها ..يا رفيق ..أختفت ملامحك وأنصهرت من نيران الأشجان لتصبح صفحة واحدة ملساء لا ترى فيها عينين أنف وحتى فم واسع غبطت فيه ابتسامته ..انك تنجلي وهذا ما يؤلمني ..يربكني اختفاؤك وانا الذي عهدتك حاضراً بابتسامة تعليق ممازح وحتى ضربة قاسية تدفع بها كتفي ممازحاً اياي "بدفاشة" ..يا رفيق ..تبعث بك الحياة لتلقيك في دائرة تائهة لا تستطيع الفرار من براثنه المظلمة ..تمشي وحيداً في دياجير الليل ..تناجي ضياء القمر ..وتبكي دواخلك عمرها الراحل في حياته ..أواه من دنيا تسرقنا منا وتسرقك مني !!
|