كاتب الموضوع :
هــدوء
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: دموع الياسمين / بقلمي
.
.
.
السلآم عليكم ورحمة الله وبركاته (())
مسآؤكم/صباحكم فل وياسمين وجووري والكثير الكثير الأوركيد ^^
خلينا نحكي شوي قبل ما تقرأوا الياسمينة.. ..أنا فتاة أول سبب دفعني للكتابة هو تطوير نفسي ..ورفع همتي ..وهادا الأمر للأسف ما عم يتحقق بقلة الردود ..وقلة الانتقادات الهادفة ..وقلة التفاعل والحماس ..أنا عم أطلب رجاء ً أي متابع خلف الكواليس يظهر لو برد بسيط يرفع همتي ..ما بتعرفوا قديش كلمة بسيطة ممكن تعمل في جوفي وتطلع مني ابداع ..خدوها يا جماعة من جانب ديني الكلمة الطيبة صدقة ..وتأكدوا انو بمشيئة الله لن أترك الرواية حتى ان لم تتحقق الردود وتبسطني ..لكن ما بوعدكم انها ما تكون هالرواية تجربتي الاخيرة في عالم النت..ان شاء الله ما تزعلوا مني بس لازم تكون العلاقة بيننا شفافة مشان ما نخلق حواجز تبعدني عنكم وانا التي أبغى قربكم ..ان شاء الله ما أكون أزعجتكم ..وتفضلوا الياسمينة ان شاء الله تعجبكم
.
.
.
الياسمينة الثانية
نمسك أمانينا بكلتا يدينا ..نتشبث بها بكل ما أوتينا من قوة ..نقربها من أفئدتنا لنحميها من بطش هذا العالم ..ورغم كل هذا تتفلت منا كطير يرغب بالحرية ..نحاول ارجاعها ولكنها تأبى وتأبى ..فقفص أفئدتنا لا يتسع الى حجمها الكبير ..تناغمها لا يليق بوجه بائس ..ومداركها الواسعة لا يعلمها فكر ضيق ..آفاقك لا بد ان تتسع لتكون ملاذاً جيداّ لأمانينك .يجب أن تتغير والا فلتتركها تطير الى روح أشد بياضاً وأكثر عملاً ..روح لا تعترف بالكسل واليأس..روح تنظر الى الجانب المشرق دائماً ..روح مثالية تماماً..
زم شفتيه وهو ينظر الى مداد حبره على صفحته البيضاء ..رفع نظارته الطبية على شعره الأشقر الناعم ..وهو يقيم كلماته ..يبدو أنها مثالية كثيراً ..وقاسية لا واقع بائس تعترف به ..ولا أكدار متعبة تراها في الحياة ..أحرفه منافقة وجداً ..الأماني تصل اليها بمدى صدقك في تحقيقها ..وبمدى صبرك على همك ..أمانيك ان كانت صادقة فستحققها في غمرة حزنك ..ستتآلف معك هي ..كور الورقة ملقياً بها في سلة القمامة الواقعة تحت الطاولة الخشبية ..زفر وهو يخلل كلتا يديه في شعره متكئاً على طاولته ..كان يظن أنه سيبعد عن عمله بعد خروجه السجن ..ولكن الصحيفة كانت لا تزال تحفظ له مكانه في الكتابة ..انه لطف من الله وفضل منه ..لو فقد عمله لتردت حاله وأخته ..الشيء الوحيد الجيد ..هو هذا البيت الواسع المملك له ولأخته ..أخته ..اهٍ منها ..كيف خانها لسانها وتكلمت عن قصائده التي كان يطرحها في أمسيات شعرية ممنوعة أمنياً ..كيف خانها ذاك اللسان الذي يجب أن يقلمه ويقلل طوله ؟..وذاك الضابط أحمد ..لم لا يزال يضمر له شراً وكرهاً ؟!..لم يكن ذنبه خيانة زوجه له وتواصلها معه..ردعها كثيراً ولم يجبها أصلاً الا مرة واحدة كان يريد فيها تأديبها محافظاً على ميثاق الصداقة بينهما الذي أمتد 6 سنوات مليئة بالحب والأخوة ..كشفهما يومها ..أو ليقل كشفها هي ..لأنه لم يقترف ذنباً يستخفي به عن الناس ..كرهه من يومها ..توعده كثيراً بالضنك الذي سيصيبه ..الذنب الاول والأخير عليه وعلى زوجه..هو لم يثق به ..ألم يعلم أنه مسلم شرقي يخاف الله ويغار على حرماته ؟!..ألم يحفظ شخصيته وخوفه من الله خلال السنوات الست ؟!..أستفاق من أفكاره على صوت ارتطام نظارته على الطاولة بعد أن تشبثت كثيراً في رأسه ولكنها لم تقاوم لتنزلق في النهاية ..تزامن وقوعها بدخول ديم الغرفة ...وقفت خلفه وهي تتثاوب قائلة : عبود هي فطورك جاهز قبل ما تطلع ع الدوام ..
أومأ برأسه من دون أن يلتفت لها أو حتى يلفظ كلمة الشكر..تعودت على هذا لم تهتم ..تريد أن تبتسم من دون ان يضنك عليها شيء ..عادت الى غرفتها وقفت أمام خزانتها وهي تبحث عن الجلباب المناسب ..أخرجت أخيراً جلباباً بنياً جوخ يحميها من صقيع فبراير المستمر وشال بيج مقلم بألوان متداخلة ..كادت أن تبدأ ارتداؤها لتتجه للجامعة ..لولا وصولها صوت طرقه الباب ..استغربت ما به كل شيء جاهز "جبنة بيضاء مقلية " وزيت وزعتر ومربى وجبنة وابريق شاي ..ماذا ينقصه ؟!..فتحت الباب باستغراب وقبل أن تتكلم وصلها صوته البارد الذي يخفي اهتماماً بالغاً : ما بدك تفطري؟!..تبسمت بحق ..شعرت انها نابعة من أعماقها ..اهتمامه العتيق تشتاقه وها هي تلمح القليل منه ..ردت وهي ما زالت تبتسم وعيناها تلتمعان : لا طبعاً بدي افطر ..بس البس مشان ما اتأخر ...استغرب ابتسامتها والتماع عينيها ألم تعد تحتاجه ؟! ..أوجدت من تبوح له من بعده ؟!..أماذا؟! ..يبدو أن كل ظنونة ما هي الا خزعبلات اخترعها عقله الذي مرض من كثرة ما ألم به من أفكار ..كاد أن يبتسم ..ولكنه تدارك الأمر وتجمدت ملامحه كما كانت ألتفت متوجها الى غرفة الجلوس من دون أن يرد ..أما عنها فقد أغلقت الباب وتوجهت الى ملابسها التي حضرتها ..بالرغم من أن الفجر له روحانية وطمأنينة خاصة ..الا انها لا تستطيع مراضاته في هذه الاوقات التي تلين القلوب وتوسع الآفاق ..لا بأس ما دام قد اهتم بها اليوم فها هو ينسلخ عن تطبعه الذي خلقته يداها ..لا بأس سيعود لها أخاً ورفيقاً وأباً ..سيعود لها كل شيء ..تدرك أن ما قامت به سيء للغاية وانها كانت مندفعة ..ولكنها تستغرب كل هذا ..كيف اندفعت وتكلمت عن قصائد وامسيات شعرية ممنوعة ..لم خانها لسانها هكذا مع أنها ربته وكانت تقوده كما تريد ؟! .. رب كلمة يتفوه بها الانسان لا يلقي لها بالاً تهوي في النار سبعين خريفاً ..يا الله ما أشد قوتها هذه العضلة البسيطة ..انها تقودك لجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت وما خطر على قلب بشر ..أو ترمي بك في نار تشوي جلدك وتسحقه ..تمتمت بأذكار الصباح وهي تقف أمام المرآة تضبط الشالة وهي تثبتها بالدبابيس ..مسكت قلم الكحل وهي ترسم به عينيها الواسعتين ..تتمنى أن تترك عادة التبرج به خارجاً ..ولكنها تحاول ..في السابق كانت تلطخ وجهها في كريم الاساس وأحمر الشفاه والكحل ..وكانت تلبس جلابيب قصيرة ومخصرة تبين تقاسيم جسدها وتملأ وجهها زينة فتزيدها فتنة ..ولكنها بدأت بالانحلال عن معصيتها ..أسر أخاها كان له دور كبير في هذا ..ومنشورات الدكتور اياد قنيبي..منشوراته التي كانت تلامس شعاب قلبها ..بعد أن وقعت أول مرة في يدها منشور له بعنوان " بين ساندرا وايمان " ..الدكتور يدرس في جامعة العلوم والتكنولوجيا الصيدلة وهو داعية وسطي راقٍ ..أعتقل بتهمة مناهضة الحكومة وحوكم بالسجن سنتين ...لكم حزنت حين علمت انه معتقل كانت تتمنى أن تحضر عنده ولو محاضرة ..ولكنها وللأسف عرفته بعد الفقد ..محافظة على صلاتها وأذكارها ووردها ..حرّقت كل ملابسها التي ما تزيدها الا فتنه خارج المنزل ..ورجعت الى الله ..فيا رب اقبل توبة عبد ضعيف لم يدرك زوال الحياة ومضيها جيداً ..اننا يا الله في هذه الحياة تغرينا ملذاتها فتبعدنا عن بر الأمان كلما خضنا فيها أكثر ..نحاول أن نبقى بالقرب منك كي لا تدمينا سهام الأقدار ..اللهم اني نعلم أنك حي قيوم قوي متعال لا تأخذك سنة ولا نوم ..ونعلم أنك تعلم يا الله أننا ضعفاء ..بشر لا نقوى على الهوى ولكننا نجاهده ..أمدنا بالصبر يا قوي وارفع عنا الهوان
ارتدت حقيبتها البيج وحملت أوراقها وهي تتجه الى غرفة الجلوس ..جلست بجانبه وهي تراه يمسك الهاتف بعد أن أنهى تناول طعامه وكاس الشاي ما زالت تتربع كفه ..آلمها ذلك ..يبدو الأمر عادياً ولكنها أعتادت انتظاره لها واهتمامه البالغ بها ..مسكت الخبزة وهي تأخذ لقمة تغمسها في الزيت لتنتقل الى الزعتر فتلتصق حباته في الزيت وكأنه غراء ..أكملت فطورها من دون أن تنبس بكلمة ..وأكمل هو بتصفح هاتفه بلا اهتمام ..حمدت الله ووقفت وهي ترتب ملابسها ..عندما أقتربت من الاله تغيرت ..محق الضعف في ذاتها ..لم تعد سلبية كما كانت ..أصبحت أكثر قوة وأكثر صبر ..تكلمت بهدوء وهي توجه نظراتها اليه : عبود بدك توصلني بطريقك ولا أروح مواصلات ؟!
وأخيراً رفع رأسه اليها ليتأملها ..استغرب ملابسها ..لكم عانى معها لتكف عن تبرجها وتهوانها في حجابها ..ولكنها كانت لا تستجيب ..ويعترف أنه لم يكن صارماً ..كان قد رخا لها الحبل وأشبعها دلالاً ودلعاً تحلم به كل فتاة ..مع أنه كان يتآكل من الغيرة ..كان يمنى نفسه أنها ستتغير وحدها بعد أن تمر هذه الفتر ة وستنضج ..خاصة أنها كلما خاضت معه في نقاش تعجزه في ردودها وقوة شخصيتها التي أكتسبتها من دراسة المحاماة ..لا يخفي على أحد ..فرح أيما فرح وهو يلمح جلبابها المنسدل على جسدها مغطياً اياه ..فضفاض لا يصف ..معتم لا يشف ..قاتم لا يلفت النظر ..وقف وهو يضع هاتفه في جيب بنطاله الجينز توجه اليها وهو يقبل رأسها ..ليتكلم بهدوء : هيني بالسيارة ..ضبضبي السفرة وتعالي
لم تنطق بكلمة بقيت ذاهلة ..تعداها ذاهباً الى السيارة ..بينما كانت هي تستعيد ملامحها لترسم ابتسامة طويلة ..دمعت عيناها ..وأول من فكرت بشكره ربها ..قال " ادعوني استجب لكم" وها هو يستجب لها ..ويعطيها من دون أن ينضب نهر عطائه ..سبحانه اذا رضي عن العبد أذهله بكريم نعمه ...
...................................
: وتيييييييييييييييييين ولك يلا تأخرنا
خرجت بسرعة من الغرفة وهي ترتب شالها الأبيض بيديها حاملة حقيبة المدرسة ..لمحت عمر يقف متجهاً الى الخارج تلحقه بلسم ..انحرجت من تأخرها ..أطالت في صلاتها وهي تتجه الى الله بالحاح أن يفك ضيقتها التي تشعر بها دائماً ولا تعلم لماذا ..وقرأت وردها ..ناسية أن اليوم أول يوم دوام لها في المدرسة الجديدة بالفصل الثاني للثانوية العامة الدورة الصيفية ..ستقدم الفصل الثاني بعد أن قدمت الفصل الأول في سوريا البارحة وصلت أوراقها وشهادتها ..استغربت أنها قدمت في سوريا ..وما تعلمه انها كانت عند خالتها المقيمة هناك ..التي ذهبت عندها لتدرس المرحلة الثانوية لسهولة المناهج بالنسبة للأردن..استغربت فعل أهلها الغريب ...واستغربت انحلالها أكانت تعيش مع خالتها في بيت فيه رجل غريب عليها ؟! ..يا الله سامح معاصيها التي لا تدركها بعد ..استغفرت بهدوء وهي تتجه الى صالة الجلوس مبعدة عن بالها الافكار السيئة ..تكلم أبو عمر بحنية وهو يلمحها شاردة الذهن : صباح الخير يا بنتي ..تعالي افطري ..ابتسمت بهدوء وهي تنظر الى والديها ردت وهي تتوجه الى الباب مستعجلة : صباح النور ..الله يسعدكم ..اخواني اكيد مستعجلين استنوني كتيير ..اكلت سندويشة قبل صلاة الفجر ..سامحوني سلمت ثم خرجت ..ثم ابتسمت بتفاؤل وهي تتجه نحو السيارة ..ركبتها وهي تلقي السلام ..تكلمت بلسم بحنق : شو يختي ليش تأخرت وانتي صاحية قبلي ..هلأ بتروح علي محاضرة التمنية والدكتور برحمش ..صرت بدي انحرم ..وجه عمر اليها نظرات حادة مهدداً اياها ..انحرجت من توبيخها لها : اسفة ..ان شاء الله ما بتنعاد ...وقعت السيارة في هدوء بعد اعتذارها الشاحب ..وقف عند جامعة بلسم لتنزل مغلقة الباب بقوة ..غاضبة ..تجمعت الدموع في عينيها لم تكن تقصد اغضاب اختها ..نظر اليها من المرآة ..لكم يحزنه ضعفها ..تنحنح متكلماً بثبات : ما تزعلي منها يا وتين ..بس هي شوية عصبية وطباعها حادة ..بس طيبة وبظن بتعرفي هادا الاشي ..أومأت رأسها وهي تمسح دمعاتها بهدوء ..زفر بهم ..هم عظيييييييم ..أين عمر الذي كان يتوقد مرحاً ولا مبالاة ..أين عمر الضاحك والمبتسم دائماً ..أين هو من كل هذه المعمعة ..لم أختفى هكذا وهو في أمس الحاجة اليه ؟!..فتح الراديو على اذاعة القرآن الكريم ليصل الى مسامعهما صوت القارئ " فارس عباد " ..اهتزت روحها ووقعت الآيات على صدرها بقوة ..والصوت يأخذها الى عوالم رمادية ..ياسمين وبيت عتيق وأحياء تاريخية وضحكات ناعمة وعينان زرقاوتان ..صداع ألم برأسها وهي تقع في زوبعة مليئة بالسواد ..وصوت من بعيد يناديها برقة " وتين " وآخر يضحك وآخر يتكلم عن سخطها والفأل الغير حسن المرتبط بها ..وآخر يبكي ..وآخر يحتضر ..كادت ان تصرخ به ان أغلق المسجل لولا اغلاقه اياه وحده وهو ينظر اليها بذهوووول بعد ان ناداها ألفاً لوصولهم المدرسة ولم تستجب ..ألتفت الى المقعد الخلفي واضعاً كفه على ظهر المقعد الأمامي والآخر على المقود مقترباً منها ..رفعت رأسها وملامحها شاحبة ودمعاتها حاتمية السخاء صنعت مجرى على وجهها ..أفزعه شحوبها ..كاد أن يتكلم لولا نزولها وتوجهها الى المدرسة ..بقي ينظر اليها وهي ذاهبة ألقى برأسه على المقود محزوناً على حالها ..ماذا ستفعل ان اكتشفت الحقيقة ...كان مجنوناً حين وافق على عرض أباها الأكثر جنوناً منه ..عقد قرانه عليها مقابل العفو عن تكاليف علاجها ..كان سيدفع التكاليف ويبتعد عن هذه الزوبعة المجنونة ولكن أنى له ذلك وأباه صديق أباها المقرب ..تاجرين في اراضي الخليج يضربون الأرض ..تجانست بينهما علاقة شديدة الثبات ولم يستطع أباه رد أبيها بعد توسله أن تبقى عندهم وهو لا يعلم أن يضعها بعد أن فقدت الجميع والسعودية تلفظها ..أوهموها انهم أهلها وهو أخاها ..لحين عودة أباها من ارضه محملاً برضا امه ليصطحبها معه ..انهم يزجونها في متاهة اخرى ..الفتاة هذه عااانت كثيراً ..أقحموها في حرب لا باع لها فيها ..عاجز حقاً عن التفكير في كل هذا ......
....................
خرجت من غرفتها الكبيرة الملونة بالتفاحي والأبيض ..ذات أثاث أنيق وراقٍ ..وهي تحمل كتبها العلمية ونقابها وقفازاتها مرتدية اللاب كوت القصر هادئ بعد أن شهد حرب طاحنة البارحة ليلاً ..لكم يحزنها أباها ..وتحزنها أختها الشامية ..أكثر الأفراد تعاطفاً مع بنت الشامية وأكثرهم وعياً وادراكاً هي ..ربطت نقابها وهي تدلف الى السيارة آمرة السواق الاتجاه الى جامعتها ..طالبة في السنة الثالثة تدرس الكيمياء وتعشق تفاصيلها ..متفوقة بامتياز ..تخيلت أختها في هذه اللحظة والتي كان آخر الأخبار عنها أنها فاقدة للذاكرة بعد رحلة الحرب واللجو ء ..ماذا ينقصها لتعيش هنا مع أسرتها ..أصلاً بماذا يختلفن عن بعضهما البعض ..هي ولدت في سوريا وأنا ولدت هنا ..في أرض الحرمين الشريفين ..لأنال أنا نصيب العيش بهناء مع اسرة ثرية تسافر اينما تريد وفي كل عطلة ..بل وتضج مساكنها في الخادمات والسواقين والعمال ..وتمتلأ جيوبها بالأموال وتزخر موائدها بالطعام ..انها تعيش في رخاء ..تنهدت بحزن ..سوريا التي كانوا يزورونها كثيراً ويأكلون البقلاوة والبليلة والكعك وحلا الجبن أضحت رماد ..خيراتها التي تزودوا منها كثيراً اندثرت وتخلوا عنها هم ..لربما أكلوا من خيراتها أكثر من القانطين فيها ..أهلها البسطاء ..الذين يعملون كثيراً ..سوريا لم تعد كما كانت انها تحتضر والكل تخلوا عنها بعد أن أخذوا منها ما يريدون لكم هم سيئين ..تتمنى لو تسمع صوت أختها ..يا الله فك كربتها وضيقتها وهوانها ..توجهت الى الجامعة لمحت رفيقتها تتجه اليها فابتسمت بدفء ..توجهتا الى المختبر معاً لتتكلم رفيقتها بفضول :" ندى ..ما في أي اخبار جديدة ؟! " استفسرت متصنعة اللافهم : عن شو ؟!
: عن هذيك اختك ....بنت الشامية !
: لأ للأسف ما في !
توقفت رغد قائلة بحنق : ودي اعرف شلون انتي متعاطفة معها ..اكيد البنت صايعة ومانها مؤدبة ..عايشة في سوريا طول عمرها ..شامية وش بطلع منها ؟!
استغفرت ألفاً وهي تهدأ نفسها لكيلا تغضب ..وهي التي لا تغضب كثيراً ..بل انها حللليمة وجداً وقفت من دون أن تلتفت لرغد لترد : في كل مكان في الصالح والطالح ..لا تسقطي أخلاق زوجة أبوك السورية ..على كل البنات السوريات ..انتبهي لكلامك...الله يعينهم حرب وحصار وجوع !
زمت شفتيها بقهر وحنق ..تكرههم وتشعر انها أعلى منهم قدراً ..هم العبيد وهي وأمثالها الأسياد ردت : يستاهلون مو همة يبون الحرب ؟! ما في احد ضربهم على ايدهم وقل لهم ينقلبو على رئيسهم ..هذا شعب ما يشبع وما يستحي ..
صرخت ب: خلص ..بعد أن نفذ صبرها ..تكره هذا الكلام والتمييز العنصري الذي يعيشه العرب المسلمين اليوم ..وسط كل هذه الشبكات السياسية نخرج بشيء واحد ان لا ذنب للابرياء في الحرب ..لا ذنب لهم ..تعلم أن صديقتها مقهورة ..بعد أن تطلقت أمها من أبيها والسبب يرجع الى تزوج أباها سورية ..ولكن ما ذنب الزجاج النضيف ان كانت احدى قطعه متسخة ..هذا ان حسبنا ان الحق على السورية وليس على أباها الذي لم يتفاهم مع زوجه قبل التعدد التفت اليها قائلة : رغد اذا تبين تمشين معي وصحبتنا تستمر لا تتكلمين بهذا الموضوع ؟! أومات رأسها بقهر وهي تتعداها ..لتلج الى المختبر ..تنهدت بهم وهي تتجه خلفها ملتقطة ثباتها وصبرها الذي تزعزع بعد هذه المشادة الكلامية!!
..........................
منحنية على السرير ودموعها تتساقط لترتطم في الفراش مخلفة آثار داكنة ، تضم قميصه الى فؤادها بقوة ورائحته تنفذ من ملابسه لتعبر الأماكن كلها في سرعة رهيبة فتقطع نياط قلبها ، ..رائحته الباردة تتكاثف مع عطره العالق بملابسه لتشكل مزيجاً صهر قلبها في حرارته ، وصوت آخر شهقاته وابتسامته الدافئة تزيدانها حزناً ، لطالما كان للأم قلب خاص يحتضن مشاعرها الجياشة التي لم تسطع قدرة الكون على حصرها ..حزنها استثنائي لانه حقيقي نابع من شغاف قلبها وخاصة اذا تعلق الأمر بأشبالها ..أجزاء من جسدها ..كانت تنظف غرفته وأخيه التي فرغت من آثاره بعد أن تبرعوا بسريره ومكتبه وملابسه ..ولكن قميصه الأرجواني الشاحب لم تستطع أياديهم انتشاله من كفيها المتجعدتين من تواكب الأقدار ، لكم يؤلمها رحيله بعد أن قضى معهم عمراً لا تكف النفس عن تذكره ..بعد أن ملأ أرجاء المكان ضجيجاً بحضوره الشاحب المرح ..كتبه الجامعية التي لم تحظى بصحبته سوى فصل جامعي واحد تبكيه وتبكي رحيله المر ..ومصحفه الذي بهت فجأة حين فارق صاحبه ينتظر يوم الرحيل ليشهد بتقواه ..وزهراته التي غرسها ذبلت تنتظر صاحبها يسقيها حباً وعطاءً قبل الماء ..كل التفاصيل تناجي رحيله أن أرفق بنا ..ورائحة الفقد تطفو على كل الأصوات لتبين وحدها ..ساطية بكل جبروت على ضعف التفاصيل ..!
شطرت قلبي برحيلك المؤسف وأخذت من روحي قسيمتك التي كتبتها باسمك لتصطحبها برحيلك وتسجيه بجانبك ..أرجوك أرفق بها فأنا من دونك تعبت وهلكت جوارحي لتعكس هلاكها شحوباً على صفحة وجهي التي لم تبرأ بعد من تجاعيد الأقدار !
أنتحبت بقوة لتصدر صوتاً مأساوياً وهي تتذكر مشاغباته التي أدمنتها ..وصوت القرآن ينتبعث من حنجرة القارئ _ماهر المعيقلي_ بآية " ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون *أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون "فتزيد صخب الحزن في قلبها لوعة ..راضية بقضائك الهي وأمانتك واستردتها بعد أن بعثتها سنيناً في الحياة تصارع كل شيء ..ولكن ان القلب ليحزن وان العين لتدمع وانا على فراقك يا خالد لمحزنون ..لمحزنون وقلوبنا شاخت من الكمد!
ولجت تلك بسرعة الى الغرفة بعد أن أفتقدت حس أمها في المنزل قلبها انقبض وهي تلمح انهمار دمعاتها السخية التي لم تحظ بالسخاء الا بالفقد ..زمت شفتيها بأسى وهي تقترب من أمها لتجلس بجانبها ..رفعت ذراعها التي ما زالت تغطيها بجلبابها الأخضر الشتوي الثقيل لتلفها على كتف أمها ..لتشعر الأم بحسها ..حس ابنتها التي ستجيء اليوم لتزورها ..طفلا بيسان كانا يقفان على الباب بحزن وهما يلمحان جدتهما تبكي بكمد ..لم يعتادا حزنها وهي التي تداعبهما ..أجبرت بيسان على رسم ابتسامتها لتتكلم بشحوب : روحوا يا ماما العبوا بالصالة ..أومأا برأسيهما ذاهبين من دون اين ينبسا ببنة شفة ..اما عنها فقد زادت من ضمها لتتكلم بخفوت : خلص يما ..خلص يعمري ..بكفي بكي ..الله يرحمو ويجعل مثواه الجنة ..صبر صبر كتيييير على تعبه ..وان شاء الله ربنا بجازيه الجنة ..قاطتعتها أمها لتقف متحررة من ذراع ابنتها البكر فتكلمت بشجن وهي تمسح دمعاتها : اكثر اشي محزني يا امي وتين اللي عايشة بضيااااع ..مرات بحسنا ظالمين ..شو بدو يصير بالبنت لو اكتشفت ؟!
رفعت عينيها الى امها وهي التي ما زالت تجلس على حافة سرير أخيها ..لمحت قميص أخاها الراحل المتعلق بكفيها تكلمت بألم : الله يعينها يما ..مش عارفة شو أحكي قصتها عجيبة وقصة عمر وجنونه أعجب
زمت شفتيها بكمد لترد مدافعة عن شبلها : بتعرفي انو مش لحالو اللي قرر هالقرار أبوها ترجى أبوك ..وبتعرفي انهم صحاب مقربين ..جنون اللي سواه بالهبنت ..الله لا يسامح كل من كان السبب بحزنها وضياعها ..هالبنت رح تعاني
استغفرت بهدوء مستوية لتطلق من جوفها تنهيدة حارة مشبعة بآسى عميق لتقول وهي تتوجه خارج الغرفة : الله يكون بعوننا ...انا رايحة أغير مشان أطبخ ..وعاصم كمان شوي بصحى !!
ابتسمت لها بفتور ..وكأنها أذنت لها بابتسامتها الراضية ..لتتوجه خارجاً فتتوجه أمها من بعدها ..مغلقة الباب ورائحة خالدما زالت تتشبع في عبراتها !!
.....................
انتهى
|