كاتب الموضوع :
هــدوء
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: دموع الياسمين / بقلمي
الدمعة العاشرة
.
.
.
حبات الثلج تتساقط برقة مخفية خلف جمالهاوبهجة الناس بها ..هماً عظيماً يملأ أفئدةالمتشردين في مخيمات المنفى ..وقسوة لاذعة تدك الروح دكاً بلا رحمة..تكتسي الارض بثوبها الأبيض ممتلئةً ببرودةقارصة تصتك لها عظام المساكين ..وتختلط رائحةالشتاء برائحة البارودالمحترق لتشكلان نسيجاً لا يمكن الفرار من تذكاره ..
تجلس على سجادتها بعدأن أنهت فرضها ملقية بحمال روحها على سجادتها وعيناها الى القمر تنظر ، علاقتها به باتت عميقة لا يمكن تفسيرها سحر خاص به يقودهانحوه ..انبلاجه بحضور قوي وسط عتمة السماء السحيقة يملأها ايماناً أن نصيبها من الضوء سيمنحها الله اياه ولو كانت وسط العتمة .. حمدت ربها طويلاً ..لولاه لما وصلت أمس الى البيت في الوقت المناسب كان أخاها ملطخاً بدمائه بعد أن دخل في معركة حامية الوطيس مع " عمران ..ابن خالتها" وأبناء عمومته.. الحقد يتجذر في العائلتان وأرواح كثيرة تذهب ..بسبب روح واحدة ذهبت بسبب طيش مراهقين ..يارب أيعالجون المواقف هكذا ؟!..أين هم من تعاليم الاسلام ؟!..أهم أعلم من الله ؟! يارب عقلوهم كم هي صدئة أما يكفيهم انتحار الأحلام على حافة الهاوية وهلاك الأرواح على أعتاب الحياة ..حال الأمة مؤلم يدخل الروح في صومعة بالغة النشيج ترفض كل شيء ..لم الحقد فيهم ..لم لا يعفون..أما زال رداء الجاهلية يلتصق بهم ..أما زالت قلوبهم تمتلأ جهلاً وبغضاً وضغينة ..ألم يرسل سيد الخلق ليمحو تخثرات الجهل التي تملأ العقول ..ألم يرسل ليهذب الأخلاق ويملأ القلوب جمالاً
استوت واقفة وهي تخلع حجابها لتطويه ملقية به وبسجادتها على كرسيها ..خرجت من غرفتها وهي ترجع شعرها خلف أذنها متوجهة نحوغرفته ..المنزل واسع لا يقطنه سواها وأخيها المندفع ..حزن يملأ قلبها ..ماذالوكانت في عائلةطبيبعةمكونة من أب وأم وأخوة
أب يذهب في كل صباح الى عمله تاركاً زوجه وأطفاله يملأون المنزل ضجيجاً وحياة ..وأم تقوم بتربية أبنائها واعداد مايودون دون كلل أوملل..واخوة يتقارعون دائماً بشغب طفولي ..ماذا لو؟!
سبحانك يا الله لا اعتراض على قدرك ولكن القلب هرم وفاضت أحزانه منتظراً بالفرج الذي وعدت..طرقت الباب ليصلها صوته سامحاً لها بالدخول..فتحت الباب بهدوء وهي تلمحه جالساً على سريره يتكأ على ظهره مغطياً نصف جسده السفلي بمجموعة من الأغطية الدافئة علها تخفف برودة يناير القارصة ..حاملاً بكلتا يديه مصحفه ..وعيناه اليها تطلع ..ولسان حالها يقول " ماذا تريدين " ..أقتربت منه بحنية لتجلس على حافة السرير متكلمة بحنية
:كيفك غيث ان شاء الله أحسن ؟!
أومأ رأسه ليعيد النظر الى مصحفه متجاهلاً اياها غير متعمد ..ظنته مستاء من وجودها فتكلمت واقفة وهي تمسح عبراتها
: اسفة شكلي أشغلتك ..هيني طالعة !!
أستغرب تجهم صوتها ليضع مصحفه بجانبه ناظراً اليها باستغراب تكلم ببحة والزكام قد أخذ من جسده مكاناً علياً ..
: ايش مالك ؟! ..زعلتك بشي ؟!
نظرت اليه مستنكرة ..ما زلت تظنه مستهزئاً ..لا تستطيع تجاوز شخصيته القديمة المليئة بالسخرية والبرود والتهكم والكثير من الحنية التي يملأها بها ..اليوم هو تغير من أجلها فقط ..تعلم أن يتحامل على نفسها لكيلا يرى دمعتها ..ولكنها تعبة ..تكلمت بهمس
: لا ولا اشي ما في !!
لمح حزنها ..يا رب البرية تعب من محاولته في ايقاف سيلان دموعها ونشيج روحها ..انها عصية على التجاوب وهو تعب ..تعب جداً ..ابتسم بدفء متكلماً برقة
: اه ما حكتيلي ايش صار معك بالجامعة ..انبسطتي ..شفتي المجتمع اللي بدك تدخلي فيها
ابتسمت لرقته ..لتعاود الجلوس على طرف السرير قائلة بحماس
: والله انبسطت ..ديانا جننتني بهبلها وجنونها ..بس برضو استمتعت
: انت كم جبتي معدلك بالتوجيهي
بابتسامة عريضة: 97.3
ابتسم لتفوقها : ماشاء الله ..علمي والا..
قاطعته بحماس أقوى وافتخار جريح : علمي طبعاً علمي ..مفكر أختك هينة !!
الآن بصدق ابتسم ..ابتسامة عريضة وزعت على جميع ملامح وجهه الفرح مظهرة على خده الأيسر غمازة يتيمة زادت ابتسامته رقة تكلم مفتخراً بصنيعها
: والله ماشاء الله عليها خيتي ..اه وشو بدك تتخصصي ؟!
وقعت في حيرة : مش عارفة ...بس نفسي بالعربي
استغرب رافعاً حاجبه : عربي ..معدلك بأهلك للطب وفروعه
: لا لا ما بدي تخصص بدو دراسة كتيير ...انا ازا نفسيتي بتكون سيئة ما بدرس
لم يعجبه كلامها تكلم بطفولية : حرة انتي ..هيني درست هندسة وتعبت هالخمس سنين ..بس هيني هسا ماسك شغل منيح ..الصيدلة حلوة كثييير وانت شاطرة انا جبت بالصناعي 96 بس العلمي أصعب !!
ابتسمت بحيرة ...اهتمامه بمستقلبها جمييل ..جميييل بحجم السماء
: ان شاء الله بستخير ..وباخد كلامك بعين الاعتبار
ابتسم لرقتها ..أردفت
: غيث شو بدك تعمل مع عمران ..ما بكفي طوش !!؟
غص بوجعه : مش عاررف يا اختي ...هاد الزلمة مش ناوي ع خير ..أنا حكيت مع أبوه جوز خالتي وحكالي انو اخوانو حكو لولادهم بكفي طوش ونزاعات ..بس هدول ولادهم مفكرين هيك رح يريحو براء بقبره ..بعرفوش انو بتعذب بزيادة !!
بوجع عاتٍ: كان طيش مراهقين يا أخي ...بعدين ما همة اخدو الدية وخلصت الأمور ..بس هدول ناس ما بفهمو ..أكملت كلامتها بنشيج : والله ما بفهمو !!
أطلق زفرة تدل على معاناته : يا رحيل تتذكري الطفل اللي كان مليان دم ..اللى كان مرة في البيت..ولك هداك اخوهم الصغير أخدوه معهم ليطاوشني ..شربوه الحقد ..أخدتو للدار مشان أداوي جرحه بعد ما نسوه قد ما قلوبهم ع بعض ..وبعد ما اعتنيت فيه ورجعته اتهموني اني مختطفه ..والطفل بعيط وهمة مش فاهمين متمسكين بغباءهم ..وأكمل ببوح : يختي تعبت ..تعبت كثير ..مش عارف ليش هالقد حاقدين عليّ ..تعبت من الطوش والمخافر والسجون ..حاسس حالي من ولاد الشوارع ...حاسس اني لحالي بالرغم من انو ولاد عمي جمبي
تكلمت بحنية : الله يكون بعونك ..عليك بالدعاء ..الوحيد اللي قادر يخفف هالتعب عن قلبك هو ربنا ...يمكن أنا احكيلك كلمتين مواساة وأروح وأنساك ..بس ربنا أبداً ما بينساك ..لانو فاهم وجعك وحزنك .ومطلع على الطيبة اللي جوات قلبك ..الله يبعد عنك هالهمجية ويختارلك الأحسن ويوفقك بالدنيا والآخرة
ابتسم بفرحة ..أن تكون راضية عليه رحيل لهو فرج عظيم يملأ قلبه ...تكلم بصدق
: انك تكوني راضية عليّ يا حلوتي ..احسن اشي بالحياة ..المهم تكوني سامحتيني على افعالي القديمة وعدم مراعاة مشاعرك
طفرت دمعاتها وهي تستمتع لرقة قلبه.. أخاها .لكم يؤلم قلبها بوحه ..متعبة أركانه ..وزاد عليها الزكام والحمى هزلاً وتعباً ..تباً لهم ولقلوبهم ..يا رب انتقم لنا ممن ظلمنا وانصرنا على من عادانا
اقتربت منه ماسحة على شعره بيدها الرقيقة متكلمة بابتسامة وهي تنظر الى ملامحه
: الله يسامحك يا أخي دنيا وآخرة ... ولو انت عزوتي من لي غيرك ؟َ
توضيح عائلة رحيل
الجد والجدة ..من طرف الأب
الابن الاول محمد وزوجته مطلقة "سماح"
الأبناء رحيل وغيث
الابن الثاني أحمد الزوجة "منار " أخت سماح
الابناء سمر وميس وايهم
الابن الثالث محمود
أنس ومها ومارية وسمية
الجد والجدة من طرف الأم
الابن الاول كامل
الابناء سرى وسجى وكريم وكرم
البنت الثانية سماح
البنت الثالثة خولة وزوجها عادل
الابناء عمران وجاد واياد وسلام
" المشاكل واقعة بين عائلة عادل وعائلة غيث "
" الشخصيات هي مو مهمة فقط وضعتها للتوضيح وايصال الصورة ^^"
...........................................
تثرثر بكل شيء وهي تنظر الى أمها تتنقل في المطبخ بمهارة اكتسبتها من سنوات أمومتها الثماني عشر ..للتو صحوت من نومها العميق لتلج الى المطبخ بعد أن غسلت وجهها وكل ما فيها فرح حد الثمالة ..3 أسابيع برفقة أبيها أجمل من الدنيا كلها ..ياااه لكم تشعر بالفرح ..تود لو انها تعانق السماء أو تغني مع الطيور أو حتى تنثر فرحها على السماء
الأُنثى عالم ..
طلاء الأظافر والشعر الطويل والاكسسوارات و"البُكل " الملونة والفراشات والورود ..أشياء بها تلتصق وجمالها بها يكتمل ..
في لمساتها سحر جليّ ..لو شاركت بصنع سفينة لوضعت لها بصمة وردية كأحلامها ...ولو حلقت في السماء مع الطيور لرسمت على أجنحتهم تحفة جمالية وبساطة لذيذة .. ..لو تناغمت مع الفراش لما فرقت بينهن ..ولو اتحدت مع الزهور لحرت في مكانها ..
الأنثى ونبضها ..معضلات يصعب فكها والوصول الى مكنونها .
تمسك وليدها بعاطفة لو فّرغت على الصخر لحطمته ..بعد أن تحمله في رحمها شهوراً تتجرع بها الالام حباً وتقاسي فيها الأوجاع شوقاً ..تضع طفلها فرحة وآلآم لا حصي تتملكها ..ومع ذلك تبتسم
انها أمٌ ..بوجودها يرحمنا الله ..الشيء الوحيد الحسن في هذا العالم
هي أخت ..تشاكس وتلاعب وترسم بلمساتها سحر يملأ البيت فيصنع منه عالم وردي يفيض بكل جمال
هي صديقة وزوجة وعالمة وكاتبة وداعية وطبيبة وممرضة
بفرشاتها المتفردة بإمتلاكها ..تعطي للحياة لوناً جميلاً بعيداً عن السّواد والرماد ..تغني معزوفة السلام بصوتها العذب وابتسامتها الرقيقة
عاطفتها الحانية لو وُّزعت على العالم لنضبت نار الحرب ..وانفجرت ينابيع السلام لتروي الأرض الردماية التي خلفتها نار الظلم والقسوة والحقد
الأنثى شيء يَصعب تفسيره ..انها حياة ..انها كل المجتمع
تكلمت امها اخيراً بعد ان أخذت دور المستمعة مطولاً وهي تضع الطبق الأخير على طاولة السفرة المقابلة تماماً للمطبخ المصمم بالطريقة الأمريكية
: وتين روحي فيقي بيك ..قوليلي الفطور جهز ومنشان يلحق ع صلاة الجمعة
أومأت رأسها فرحة ..شعور انها تحيا في أسرة طبيعة يداعب قلبها بود وهذا ما يفرحها ..دلفت الى الغرفة لتهب عليها الرائحة الباردة التي تملأ امها دائماً ..رائحة الياسمين الشامي الخالص ..استشقت الرائحة بحب وكل خلاياها تستجيب لادمانها الرائحة ..الياسمين وأمها رفيقان ..كم تذكرها الرائحة بأزقة دمشق البسيطة وأسواقها التاريخية ..للروائح قوة عجيبة تصل الى ارشيف الذاكرة أسرع من الضوء لتذكرك قصراً بما أحتوت من ذكريات ..ابتسمت بدفء وهي تقترب من أبيها المنزوي الى جهة الشمال واضعاً كفه تحت خده مغلقاً عينيه بهدوء ..ابتسمت لملامحه تأخذ من شكله الشيء الكثير وخاصة ..شعره الأسود الفحمي الكثيف والناعم ..من رآهما يعلم سريعاً أنهما أب وابنته ..على النقيض كانت رنيم بشعر خربوي فاتح قصير وخفيف شديد النعومة ..ابتسمت لذكرى تلك الجميلة ...كل ملامحها كانت في كفة وعيناها الزرقاوتان شديدات اللمعان في كفة أخرى ..لكم غبطتها على جمال عينيها التي ورثتهما من جدتها الجميلة ..اه يا رنيم لماذا رحلت ..لو أنك اليوم معي لفرحنا سوياً ..ولضحكنا سوياً ..أشتاقك يا شطر قلبي والكثير مني ...مسحت دمعتها التي طفرت لتتكلم برقة وهي تهز أباها
:بابا يلا قوم ..الفطور جهز عم نستناك ..واليوم الجمعة
تقلب ذات الشمال بعد أن همهم بنعاس غير مستجيب لندائها ..تكلمت بيأس
: بابا يلا الله يسعدك ..فيق ..حاج نووم !
أكملت محاولاتها دون أن تشعر باستجابته ..خرجت من الغرفة يائسة ..باحثةعن أمها لتوكلها مهمة ايقاظ أباها ..هكذا نحن عندما تعجزنا الحياة ولا نستطيع منها فراراً نلجأ الى أمهاتنا مراراً ظانين أنهن قادرات على فعل كل شيء ..ولا ندري عجزهن عن الحياة !!
بحثت عنها بعينيها مستغربة من عدم وجودها مقابلها في المطبخ من الجهة المقابلة للسفرة ..مشت وكادت ان تلف المطبخ لولا أنها رأتها ملقية على الارض السيراميكية الباردة بلا حركة ..فتحت عينيها بذهول .. لم تستطع كبح جماح بكائها ..أنهارت بجانب امها وهي تصرخ باستجداء : بابااااااااااا
لمحته فزع قادم اتجاههما وامارات النوم ما زالت بادية على وجهها وبيجامة النوم ما زالت على جسدة ..
.............................
زفر بهم وهو يفتح باب البيت سلّم بهدوء ..ركن حقيبة اليد الجلدية الخاصة به جانباً ليخلع نعليه ، مسكها ودلف الى داخل الصالة ليضعها وأوراقه على الطاولة الخشبية الموضوعة وسط صالة الجلوس نظر اليهم وهم يمتمون رادين السلام وكل في عمله منشغل زيد الصغير يمسك الجهاز اللوحي بكلتا كفيه ليلعب بحماس يظهر على تقاسيم وجهه وأمه تشتغل في السنارة والصوف ومستمتعة بذلك أيما استمتاع أما عن بلسم فقد كانت مشغولة في هاتفها المحمول وخالد لا يجلس معهم يبدو أنه في غرفته ..جلس بجانب أمه وهو يتنفس بتعب للتو وصلته محاكمة عبد الله ..9 شهور ظلماً سيقضيها في عتمة الزنزانة وحيداً ..تكلمت أمه بحنية :ايش عمر كيف حالك يما ؟!
ابتسم باصفرار وشحوبه ظاهر : الحمد لله يا الغالية
بحنية جارفة : تعبان يا حبيبي ..وأردفت بأمر وهي توجه نظراتها لبلسم : بلسم قومي حضري لأخوك الأكل
قامت تلك وهي تتململ بروتينة أما عنه فقد ألتفت بحزن لأمه : يما حاكمو عبود 9 تشهر !
شهقت بحزن وهي تنظر اليه ويداها ما زالتا مشغولتان بتشبيك خيوط الصوف : الله يفك أسره يا حبيب أمك ..الله يفك اسر كل المظلومين ويعين أمه !!
ابتسم لحنيتها وهو يتأمل الكتلة الصوفية الخضراء التي بين يديها ..تكلم متسائلاً : يما شو بتعلمي ؟!
ابتسمت بحب : بعمل كنزة لـ "أنس " ..الله يسعد قلبه حبيب ستو !
انفرجت أساريره لذكر الصغير ..ما ألذ صورته ..ابن اخته
: الله يسعده ..وأردف بمرح : يا ريت يجيني من الدلع نصيب
استنكرت قائلة : والله اني بدي اعملك ومخططة بس انت مستعجل
قهقه بحب وهو يقبل عالي الجبين قائلاً: الله يحفظك يا ميمتي ..انت بالدنيا كلها
دخلت بلسم الصالة قائلة : يلا عمور تفضل هي الأكل
ابتسم عندما لمح صحن الرز الأصفر وصحن اللبن ..يزينان الصينية
: ياااي وانتو عاملين رز ولبن "منسف" ..الله يسلم هل الايدين
ما كاد يقترب من الصينية الا وخالد يلج الى الصالة ضاغطاً بقبضته على صدره بقوة وصوت قحاته يخيل لسامعها انه سيفقد أجزاء من جسده بسببها ..تكلم بصعوبة وهو يلمح عمر
: عــ ـمـ ـور قـ ـوم خـ ـدني ع المـ ـشـ ـفـ ـى مـ ـش..
لم يكد اكمال كلماته الا وهو منهار على الأرض صريع آلامه التي أنهكت جسده الضئيل ..صرخت أمه بفزع وهي تلقي بالسنارة والخيوط على الكنبة راكضة نحوه : يمااا ابني
أما عمر فاللقمة الاولى ما زالت في فمه لا يستطيع ابتلاعها وهو يلمح انهيار أخاه الحبيب وأخيراً قام نحوه راكضاً ليحمله بكلتا كفيه متجهاً به نحو المستشفى !
ودموع بلسم المشفقة وذهول الصغير تحيطهما ...
........................
تجلس على كراسي الانتظار في قسم الطوارئ بذهول لا تريد أن تفقد أمها كما فقدت من قبلها " رنيم " تنهدت بهم وهي ترجع برأسها للخلف ودموعها قد ملأت مقلتيها ..نظر اليها أباها بحزن ..لا يدري ماذا ينتظرها من أقدار هذه الجميلة ..ان فقدت أمها اليوم فستفقد نفسها ..وسيفقدها !!
أمه لا تريد الاعتراف بابنة السورية وهو بدأ في الوصول الى حالة اليأس من موافقة امه لدخول وتين لعالمهم ..عندما بدأت الثورة بالاندلاع ظن أنها ستلين ولكن لم تلن وقالت " يستاهلون يبون الحرب " .. مزقتنا عصبية قبلية ..محقها الاسلام قبلاً ..وعادت ولكن بشكل أقوى وأقسى وأعتى يا رب هون علينا !
عندما دخلو المشفى كان نبضها معدوماً خال أنها ماتت ولكنه قاوم وأوصلها للطبيب الذي كانت ملامحه تدل على اليأس من حالتها ..خرج الطبيب من الغرفة ..توجها نحوه بسرعة ليتكلم بصعوبة وتبدو امارت الحزن على وجهه
: والله مش عارف كيف بدي احكيلكم اياها ..بس المؤمن القوي بصبر وربنا ما ببتلي عبد الا اذا أحبه ...
قاطعته بانهيار ودموعها تنزل: لأ منشان الله لا تقولا يا دكتور ..لا تقول انو ماما ماتت رح روح فيّا ..رح مووت من بعدا ..فرجك يا الله
ضم كتفيها الأب ليقربها من صدره وعيناه استحال لونها الى احمرار كالجمر في توقده تكلم بصبر بعد ان تنحنح ألفاً ولم تنجلي بحة الحزن عن صوته : تكلم يا دكتور ..والله بعيننا
ابتسم الدكتور بشحوب ..يواجه كل يوم العشرات من الحالات ولكنه في كل مرة يجد صعوبة تحزنه نظرات التأمل من أعين أحباب الغائبين ..وكأنهم يتأملون في وجوده وجود الغائبين .. : السيدة أصابتها سكتة قلبية مفاجئة مما أدى الى وفاتها ومما...
لم يكد يكمل حتى جثت وتين على ركبتيها وهي تضع كلتا كفيها على رأسها باستجداء معدوم للصبر الذي غدى ذرات في روحها
: لأ منشان الله ماما ما ماتت ..انتو كزابين عم تكزبي عليّ بس انا ما رح صدقكن
وقفت بتوهان وهي تتأرجح كبندول لتتوجه الى ابيها وعيناها من الدموع نضبت
: انت جيت بس مشان تخرب علينا ..بدك بس توجع قلبي ..انا ماني فاهمة ليش عم تكزبو عليّ ..فرجك يااااااا الله
خرجت من بوابة المشفى وهي تمتم بذهول ..على حافة الجنون ..
كان يركض خلفها وهو يلعن نفسه مراراً لقد أذاق هذه العائلة الحزن لو لم يتزوج نور لأحتضنها زوج بسيط من أهل البلدة ولعاشوا في بساطة ..
صرخ بجنون وهو يلمح السيارة المسرعة المتوجهة نحوه وسائقها الأرعن الذي يبدو بأنه يحمل اصابة خطيرة في سيارته
: وتييييييييييييييييييييين
ألتفت نحوه بذهول وعيناها تائهتين مصدومتين ..لم تكمل نظراتها ولم يكمل هو الاتجاه نحوها لان السيارة كانت قد دفعتها عن الارض متراً تطير بها وهي تشهق مستنجدة روحها بأن تخرج ..لترتطم أرضاً مصدرة دوياً هائلاً أثار جنون الأب الذي أخيراً قد وصل اليها ليجثو على ركبتيه بجانبها وهو ينظر الى وجهها المصفر وجسدها الأحمر ودمائها قد صنعت من سيلانها بحيرة صغيرة ..أما عن السائق فقد كان يقف بجانب باب السيارة بذهول ناظراً نحوها متسمرة ملامحه ..ماذا فعل ؟!!
انتهى ^^
|