الدمعة السابعة
.
.
.
سألهم طفلهم في أولها ما هذا ؟!..أجابوه غيمة سودة وبتزول ..
سألهم طفلهم في اخرها ما هذا ؟!..أجابوه خيمة سودة لمزلول..
هاد بيتك المربوط بحبال ..وهي حارتك صحرا وجبال ..
وكل مين سألك عن عنوان ..قلن ضاع أنا بلا عنوان ..
ما عاد اسم بابا ع الباب ..بابا استشهد وما عاد في باب ..
و ع حيط خيمتي القماش ..في وجع عم بعنّ في حرفين زرق كبار بيتهجو (يو أن )..
وفي الك ماما اسما سوريا ..هي مو هون ..
هي هنييييك مطرح ما النار عم تطلع والدخان عم يطلع ..
صرخات وآهات ورواح عم تطلع ..كل ما توجعت حاكيا وناديا ..
فشلى قلبك وفشلى حلمك ..وقلا يامو سوريا انا تعبان وبردان انا عطشان وجوعان..
بدي مي وبدي في ..بدي احضنك يامو واغمرك واتخبا بدي شمك يامو وبحضيناتك اتربى ..
بدي آكل من زيتك وزعترك ومربي..ومربى..يا ويلي شو طيبة فيكي المربى ..
بدي آكل من خبزك وقمحك ..من مرك وملحك ..وان نشف ريقي يامو حـإشرب من ندي جرحك ...
عبالي شوارعك وقت الزحمه ..... عبالي نتوفه رحمه .... عبالي حس حالي محمي ...
يامو سوريا يا يامو هوني بيضربو الصغار بيتمرجلو علينا ....
هوني بيتزوجو بناتك صغار وبسوقو علينا هوني ما في صغير ولا ختيار ...
هوني ما في هوا الشام ولا عز الشام ولا كرامه الشام ما في رفيق ولا جاار هوني في كل شي عم يندبح
متل ما قلتلك فشلى قلبك فشلى حلمك.....
،
تنظر أمامها بشرود تام وضباب الجو يزيد شرودها لوعة كل ما فيها يصرخ بالالم ،
بداية من عينيها المتورمتين وأنفها المحمر وحتى شفتيها المشققتين نتيجة "انفلونزا" طويلة داهمت جسدها الهزيل ، تفتقد بيتها الدافئ وسط هذه البرودة القارصة في ساعات الصباح الأولى تشعر بالرغبة في البكاء ولكن لا دموع تعينها ، لم تتوقع يوماً ان تنخر عظامها الأحزان حقاً تشعر أن عظامها تصتك في بعضها نتيجة الحزن والبرد
يااا الله
لم أتوقعني يوماً بهذا الشتات كل ما فيني يصرخ ألماً ...يتوسل الأشجان لأن تخلق ترياقاً يخفف على قلبي ما حلّ به ..البرد القارص ينخر عظامي نخراً ويدك حصون الصبر في فؤادي هتافات التفاؤل بحت ومضى صوتها هباء مع ذرات الهواء حتى غدا لا شيء ..أين أنا من كل هذا انني أموت في المخيم..أموت شجنا وقهرا لا بردا أو جوعا ..شهر كامل عشته هنا !
استوت واقفة وهي تحوقل بصبر لتدلف الى الكرفان القاطنة فيه وأمها ومجموعة من اللاجئات ..منذ دخولها للمخيم وحالها عصي على التصديق ..ليست هي متأكدة من ذلك وتين الحقيقية تركتها وحيدة هنالك تقتات الياسمين عشقاً وتنثر عبائق الشام في أزقة دمشق التاريخية ..أما هذه فلا تشبهها ولا تمد لها صلة ..لن يطول المقام بها هنا ..كما أدعى أباها قبل أسبوعين حال وصوله خبر استشهاد رنيم ولجوئهم ..وها هي تنتظر وعده ..أتعلمون ؟! تشعر أن كل الناس منافقين ..يدعون الحب على حساب من ! ..على حساب تلك القلوب الرقيقة الطيبة بالغة الشفافية ..لو رعاهم أباها بكنفه وسط اتضرام نار الحرب الهائجة ..لو أدرك أن قلوبهم عطشى لعاطفة حانية ...لا لكلمات مستعطفة خلف هواتف منافقة !
خبروه
أن المال يخبو أمام اندفاع العاطفة للقلب المضنى ..
لاشيء أصدق من قبلة دافئة على جبيني قبل ذهابي الى امتحان الثانوية العامة ودعوة ترفع الى السماء يا أبي ..
لا شيء أقرب لقلبي من اهتمام بالغ ,وحنو هادر ..والكثيير من الحب المنهمر ..
أحتاجك وتركتني ..لم أنت أبي ان لم تكن لقلبي أباً حقيقياً ..
أبشرك ..فابتسم ..قلبي أضحى يتيماً لا أب له ..
جلست بجانب أمها وهي تستمع لثرثرات أعتادتها هنا ..
: والله البرد هلكني ..برد وتعب وجوع ..شو ناقصنا لنعيش منيح
وأخرى
: شو عملنا يا الله لحتى يصير فينا هيك ..ما فينا أكتر ..تعبنا..أبي استشهد بداية الثورة وزوجي مصاوب وولادي هلكانين تعب ..المي ما عم تكفي ..والمازوط بالشتوية ما بيكفي وحتى الخبز
فررجك يا الله !
..................... دعنى وجرحى فقد غابت امانينا هل من زمان يعيد النبض يحيينا؟!
***
يا ساقى الحزن لاتعجب ففى وطنى نهر من الحزنى يجرى فى روابينا
***
كم من زمان كئيب الوجه فرقنا واليوم عدنا ونفس الجرح يدمينا
***
جرحى عميق خدعنا فى المداوينا لا الجرح يشفى ولا الشكوى تعزينا
***
كان الدواء سموما فى ضمائرنا فكيف جئنا بداء كى يوداوينا؟!
***
هل من طبيب يداوى جرح امته؟ هل من امام لدرب الحق يهدينا؟!
***
كان الحنين الى الماضى يؤرقنا واليوم نبكى على الماضى ويبكينا
***
من يرجع العمر منكم من يبادلنى يوما بعمرى ويحيى طيف ماضينا
***
انا نموت فمن بالحق يبعثنا؟!.. لم يبق شيئ سوى صمت يواسينا
***
صرنا عرايا....... وكل الارض قد شهدت انا قطعنا بايدينا ايدينا
***
يوما بنينا قصور المجد شامخة...... والان نسأل عن حلم يوارينا
***
اين الامام رسول الله يجمعنا...... فاليأس والحزن كالبركان يلقينا
***
دين من النور بين الخلق جمعنا..... ودين طه ورب الناس يغنينا
***
يا جامع الناس جول الحق.. قد وهنت فينا المروءة اعيتنا مآسينا
***
بيروت فى اليم ماتت قدسنا انتحرت ونحن فىالعار نسقى وحلنا طينا
***
بغداد تبكى وطهران يحاصرها بحر من الدم...... بات الان يسقينا
***
هذى دمانا رسول الله تغرقنا.... هل من زمان بنور العدل يحمينا؟؟؟!!
***
اى الدماء شهيد كلها حملت فى الليل يوما..... سهام القهر تردينا
***
القدس فى القيد تبكى من فوارسها..... دمع المنابر يشكو للمصلينا
***
حكامنا ضيعونا حينما اختلفوا....... باعوا المآذن والقرآن والدين
***
حكامنا اشعلوا النيران فى غدنا.. ومزقوا الصبح فى احشاء وادينا
***
مالى ارى الخوف فينا ساكنا.. ابدا ممن نخاف؟!الم نعرف اعادينا
***
اعداؤنا من اضاعوا السيف من يدنا واودعونا سجون الليل تطوينا
***
اعداؤنا من توارى صوتهم فزعا... والاض تسبى وبيروت تنادينا
***
اعداؤنا اوهمونا..... آه كم زعموا وكم خدعنا بوعد عاش يشقينا
***
قد خدرونا بصبح كاذب زمنا............فكيف نأمل فى يأس يمنينا!!!
***
اى الحكايا ستروى عارنا جلل.... نحن الهوان وذل القدس يكفينا
***
من باعنا؟؟!!! خبرونى كلهم صمتوا والارض صارت مزادا للمرابينا
***
هل من زمان نقى!! يف ضمائرنا يحيى الشموخ الذى ولى فيحيينا
***
يا ساقى الحزن دعنى اننى ثمل!!!!!.... انا شربناه قهرا ما بايدينا
***
عمرى شموع درب المنى احترقت والعمر ذاب وصار الحلم سكينا
***
كم من ظلام ثقيل عاش يغرقنا!!!!!!! حتى انتفضنا فمزقنا دياجينا
***
العمر فى الحلم اودعناه من زمن.... والحلم ضاع ولا شيئ يعزينا
***
كنا نرى الحق نورا فى بصائرنا.... والان للزيف حصن فى مآقينا
***
كنا اذا ما توارى الحلم!!!!...... عانقنا حلم جديد يغنى فى روابينا
***
كنا اذا خاننا فرع نقطعه!!!!!!........ وفوق اشلاءه تمضى اغانينا
***
كنا اذا استكان النور فى دمانا فى الصبح ننسى ظلاما عاش يطوينا
***
كنا اذا اشتد فينا اليأس وانكسرت منا السيوف ونادانا .... . منادينا
***
عدنا الى الله عل الله يرحمنا !!!!!!!!....... والان نخجل من معاصينا
***
الان يرجف سيف الزور فى يدنا فكيف صارت كهوف الزيف تؤوينا
***
هل من زمان يعيد السيف مشتعلا!!! لاشيئ والله غير السيف يبقينا
***
يا خالد السيف لا تعجب!!! ففى زمنى باعوا الآذن والقرآن راضينا
***
هم من ترابك يا بن العاص فى دمنا ثأر طويل.. لهيب العار يكوينا
***
قم يا بلال وأذن صمتنا عدم.........كل الذى كان طهرا لم يعد فينا
***
هل من صلاح بسيف الحق يجمعنا فى القدس يوما فيحييها ويحيينا
***
هل من صلاح يداوى جرح امته؟؟؟!!! ويطلع الصبح نارا من ليالينا
***
هل من صلاح؟؟؟!! الشعب هده امل مازال رغم عناد الجرح يشفينا
***
هل من صلاح يعيد السيف فى يدنا ولتبتروها!!!! فقد شلت ايادينا
***
حزنى عنيد وجرحى انت يا وطنى لا شيئ بعدك مهما كان .. يغنينا
***
انى ارى القدس فى عينيك ساجدة... تبكى عليك وانت الان تبكينا
***
آه من العمر جرح عاش فى دمنا.... جئنا نداويه يأبى ان يداوينا
***
مازال فى العين طيف القدس يجمعنا لا الحلم مات ولا الاحزان تنسينا
***
لا القدس عادت ولا احلامنا هدأت...... وقد نموت وتحيينا امانينا
***
ما اثقل العمر ... لا حلم ولا وطن ... ولا امن ولا سيف ... ليحمينا
*************
فاروق جويدة
" انظروا الى رفات الحزن في عينيها ،
ألم تستنهض الانسانية في قلوبكم ..
انسانيتكم مالها خاملة ؟ أركانها نائمة تدعي الى النجاة دعاً ثم تأبى وتهجو ها بأيدٍ آثمة
أرواحنا على حافة الهاوية ..تعشق الخوض في الحياة الزائلة ..
تلهو وتعبث ..تتكبر وتتجبر ..تعصي وتعاند ..تبكي جنوناً ..وتضحك مجوناً ..
القرب من الخالق أختفى ..والخوف من عليائه أندثر ..
عاث الظالم ..وتمادى الفاسق ..وفتحنا أبواب المال لكل ماجن ..
الفقر فينا أنتشر ..والحزن علينا تسلط ..لم نعد نشعر ببعضنا البعض
ال"أنا" تفشت ..
تائه ..أكتب وأنا مخذول وحائر
أوووووه لا أستطيع ترتيب خطراتي "
" همست في أذن القمر ذات ليلة حالكة الظلام
: أيها القمر ..أيها الشاهد على كل الحوادث ونوائب القدر
أيها المطلع على أسرار هذا الكون ...تسمع نحيب فتاة فقدت أباها في حرب كافرة ..وأنين أسير في زنزانة ظالمة ..وبكاء طفل في طوفان هادر من الدماء ..وتبكي بعاطفتك الرقيقة ..خبرني كيف تصبر على كل هذا ..ألم تتبلد الأحاسيس في جوفك ؟..ألم تعتد مشاهد الدماء والدمار ..ما زالت تشعر !..كيف ؟!
خبرني أيها الحبيب
أجاب بجملة واحدة :
في كل مرة احمل قلباً غضاً !
صمت ..في حضرة القمر كل شيء يصمت "
تقرأ كلماته وهي تتوسط أقصوصات الورق كأميرة هائمة في ملكوتها ..جمعتها طويلاً ..كلماته النورانية تلامس شغاف قلبها بجمال مصفى تشعر به دائماً وشيء من عبقه يصلها يكتبها ..تكاد تقسم ..
أين أنت ؟ ومن أنت ؟ حروفك ..أحروف من نور هي أماذا؟! كلماتك ..كيف رتبتها في نسق يهيم بقلبي ؟! بربك ..هل استعملت حروف اللغة أم استعملت حروفاً خلقت لك وحدك ..أتدري أن كتاباتك كتعويذات بالغة التأثير تصيب بسهامها روحي فتسيرها تسييراَ ..مؤثر بحق وأنا بحرفك مغرمة ..!
.....
أرتشف رشفة مرة من قهوته السوداء ..مرة كمرارة الخطب في روحه ..وهو يتأمل صفحته البيضاء الغير مسطرة اللامنتظمة كهو .. سمعها تحاكيه ..يقسم ..ماذا فعل ليجازى بفتاة غبية وساذجة وعنيدة ؟!..لم يكن لها سوا أب حانٍ ألقى على روحها دلالاً وحباً لا يضمران ..ثم ماذا ..جازته بالقاء الشباك عليه ..كان ضحية تهورها ..هه ..يا للسخرية ..فتاة تساعد على القبض على أخاها المجرم ..فدائية من الرعيل الأول ..ذاك الأحمد الذي تهاتفه بسطحية وسذاجة ..أستدرجها لصالحه ..لصالح عمله الفذّ ..سيلقي بالقبض عليه ..والنتيجة مراهقة أخته المتأخرة !
يا الله ما من ورقة تسقط الا وتعلمها ..ما من دمعة تنهمر الا وتدري بها ..ترى وجوه البائسين تتلفح الصمت وتناجي الجوع ..اربط على قلبي صبراً ..دبر لي فاني لا أحسن التدبير
ساعدني يا الله فالمحن تشتد ..والقلب هرم !
تنهد بهم واقفاً وهو يترك كوبه وحيداً على مكتبه سيواجهها قبل الرحيل ..سيفضي ببعض ما ألمّ بالقلب من خطب ..لن يكبت أكثر ..عاطفته الحانية ان تمادت ستقتله ..ستتمادى تلك في طغيانها على قلبه ..ولن يتركها تعمه ..!
توجه الى غرفتها وقف طويلاَ أمام الباب وهو يستمع لثرثراتها المراهقة ..ضخ الادرينالين وصل أقاصيه ليخلف احمرار هائج يغزو بشرته الشقراء غزواً ..دمعة صغيرة ملأت عينه ..تفلتت من جبروت قلبه ..لم يعد يستحمل ..كل ما فيه يدعو للسخرية ..قصته غبية وطويلة والضحية هو ..فتح باب الغرفة بغته ..فغرت فاها وهي تنظر اليه بدهشة ..والهاتف ما زال ملتصقاً بأذنها ..ستموت لا محالة ان لن تمت جسداً فستموت كمداً ..ثوان واستوعبت الصدمة لتقفز دمعة هالعة من عينها ألقت الهاتف على السرير وهي تقف مبعدة نفسها عن مسرح الجريمة ..احمرت بشرته بشدته ورسالة ذاك الأرعن الأخيرة تستفز مشاعره " دير بالك ع اختك الساذجة .."
"ساذجة " كانت القشة التي قصمت ظهر البعير وقف أمامها غضبان آسفا عيناها الفاتنتين أختلط ماؤهما الأخضر بدموعها ..نظرت اليه راجية الا أن انزلاق كفه على وجهها أصابت قلبيهما بوابل من حزن صرخ بها حانقاً : شو عملت اشي غلط ..بشو قصرت معك ..لتخوني ثقتي فيك ..لأ ومو بس تخونها وكمان تساعد على أسري ..ايش ما عملتلك ..حنيت عليك كأبو وبحت لك كصديق ..سامحتك كتييير وانت ما بتحسي بتعبي
تنظر الى الأرض وأدمعها مستهلات
بماذا تجيب ؟! للتو أدركت كم كانت غبية ..قتلت أخاها بيداها ..ألقت به في غياهب السجون بلا رحمة ..ماذا فعل ليجازي بأخت سيئة كمثلها ..باحت وتمادت مع ذاك الأحمد ..لفقت لأخاها تهمة وهي لا تدري ..ماذا ستفعل ان سجن حقاً ..ستموت ..لا تستطيع احتمال يوم واحد بدونه ..فكيف بأيام طوال ..يا الله ألقت بأخاها في النار بلا شعور
أقتربت منه تلتمس الأمان ولكن قلبه مضنى فاض الحزن عليه فتجمد قسوة
همست بـ : عبد الله ..
قاطعها صوت طرقات متقطعة خفيفة كثيرة ..عرفت من ايقاعها أنها غريبة وجافة ..نظرت اليه بذهول وهي تراه يخرج ..كادت تناديه لولا أنه خرج ..جلست على السرير بوهن ..ستموت
أما هو فدلف الى الممر الطويل بتهالك ..شاحبة ملامحه ..فتح الباب ..ثلاثة بلباس مدني ورابع بلباس عسكري يزدهون بأجهزة لا سلكي جوفاء في أيديهم دفع العسكري وهو –ضابط برتبة ملازم – يده بالورقة التي بين يديه اليه ..قرأها طويلاً ..ثم أفسح المجال وأشار نحو غرفته في صمت ..كانت الورقة من المدعي العام في محكمة أمن الدولة ..تعطي الحق لهؤلاء بتفتيش غرفته ..ومصادرة كل ما يمكن أن يهدد أمن الدولة ..الضابط ذو اللباس العسكري أنزوى جانباً يراقب ممارستهم لهوايتهم في التفتيش والعبث بكل ما يقع بين أيديهم
أما هو فوقف بعيداً ..يشعر أنه خسر كل شيء وربح لا شيء ..تابعوا تفتيشهم ولم يتركوا اي ورقة مطبوعة مكتوبة في خط يده الا والقو بها في كرتونة كبيرة صماء ..حتى كتاباته باسم قمر لم تسلم من الزج بها في الكرتونة ..الورقة التي حملها المدعي للعسكري كانت تحمل أيضاً أمراً باعتقاله ..قال لهم :
بدي أروح أغير ثيابي وأسلم على الأهل ..قالها وهو ينظر الى ذلك بنظرة غامضة
وافقوا مترددين ..لمح ابتسامة ذلك الهازئة ..أصابت قلبه ..أخته أهانته وهي لم تشعر به أيضاً خرج من الغرفة متوجهاً اليها ..عيناها الهالعتين كانتا تنزفران دماً ..وقفت برجاء تخاطبه ألا يقول ما يحدث ..أن يرفض الواقع ..ولكنه خذلها ..كما خذلته
: أحمد اللي كنت صديقته ومساعدته في سجني ..هيو معهم ..وهيني رايح ومريح ..شكراً لالك !
كادت تتكلم لولا انه أغلق الباب من بعده بقسوة
سقطت على الأرض غير مستوعبة آخر أمل لها بالحياة ..رحل ..يا الله ستموووت حقاً
...........................
وقف مشدوهاً وهو يقرأ خط الأخبار
" اعتقال الكاتب والناشط السياسي عبد الله القمر بتهمة اطالة اللسان "
صرخ ب: ياااااااااارب وهو يجثو على ركبيته بهوان
صديقه سيقتلوا الحلم في قلبه ..سيحولوه الى شظايا ..وسيهلكو ا روحه الطيبة
ماذا فعل ليعتقل ؟!
ماذا كتب لينحر سيف قلمه ..حروفه رقيقةوصادقة
لطالما باح له بخوفه وقلقه ..ولكنه لم يلق بالا لكلامه ..وها هو يخسر صديقه ..بلا مبالاته ..يا الله يا رب العباد تعلم ما يعتمل في أفئدة عبادك الصالحين ..فرج كربه وفك ضيقته وأبدل حزنه فرحاً وفك أسره
...............................
أما تلك فدموعها سقطن ..الخبر كان عصي على التصديق ..سجنووه لماذا ؟
ماذا فعل ؟
ألأنه كتبها وكتب حزنها وفرحها ..؟!
كان صادقاً في حرفه ..لماذا كل من تحبهم وتثق بهم يرحلون ..؟!
ألعنة منها تلقى على كل من تحب ..يااااااااارب أيدني بصبر
غمرت رأسها في وسادتها أكثر وهي تطلق شهقات ملتاعة ..
لماذا هو بالتحديد ؟! ..أدمنت حرفه ..لن تحتمل تصفح جريدة خالية من أريجه
يا رب كلما أمسكت طرف الطريق ..تفلت مني ..كلما عاد النبض لقلبي ..خانني
ساعدني يا رحمن وأمسح عن فؤادي ما يعانيه
وضعت هاتفها على أذنها بعد أن دقت على صديقتها ..لتهمس بشجن بالغ وبعض من دموعها تعلق بأحرفها
: ديانا ..سجنوا قمر ..
.................................
تدندن بأغنيتها المفضلة وهي تضع بعض من المساحيق التجميلية على وجهها
مسحة من ظل العينان والكثير من الكحل الأسود ....يزيدان عيناها جمالاً ..تعشق كل ما يخص الفتيات ..تحب أنوثتها تشعر أنها بنعمة من الله ..اذ منّ عليها أن تكون أنثى رقيقة القوام والمبسم ..رتبت فستناها الصوفي الواصل لركبتها باللونين (النيلي والجنزاري ) وهي تلمح نفسها مرة أخيرة عن المرآة
أبتعدت عن مرآتها وهي تلتقط هاتفها (الزهري ) كادت أن تفتح (الفيسبوك) لولا سماعها صوت طرق باب غرفتها ..متزامن مع صوت رنين هاتفها ..أقتربت من الباب وهي تفتح الخط
فغرت فاها من منظر صديقتها الهالع وي كأنها للتو خرجت من الأسر
وصلها صوت تلك المليء بالشجن : ديانا ..سجنوا قمر
متزامن مع ارتماء صديقتها بين أحضانها ونحيبها المحترق
أغلقت الخط مستأذنة من رحيل وان لم تكن قد ردت عليها
لتحتضن ديم بقوة ..صوت شهقاتها يوحي لسامعها أنها خارجة من قبرها أو أنها تسمع الموتى ونحيبهم..
أجلستها على سريرها وهي تمسح على رأسها المغطى بشال أسود ملقى باهمال لم تعهده في رفيقتها الانيقة ..لا تريد أن تسألها عن حالها ..فحالها منكسر ..هش.. لا يحتمل ..تعلم أنها وحالياً لا تحتاج سوا للكثير من النزف ..أحياناً نحتاج لجرعة من الدموع المحترقة لتمسح عن القلب تعبه ..نحتاج لأن نبكي ونبكي بقوة ليس لشيء ..بل لان طبيعتنا البشرية الضعيفة طغت ..
.........................
.
أرتمت على فراشها باهمال..حل الليل وأفل النهار وأفل معه الكثير منها ..تفتقد الحي وتفتقد ثرثرات نساء الحي الملقيات على رأسها بالفأل الغير حسن ..كل شيء كان يحدث في الحي قديماً كان سببه هي ..حتى موت قطة ام علي الموبوءة كان سبيه هي ..ورغم هذا كانت دائمة التفاؤل ..محبة للحياة ..مبتسمة للقدر ..وماذا جنت من هذا كله ؟! ..لم تجن سوا قلبها المهدم وروحها المكسورة ..اما ابتساماتها فما كانت الا مساحيق منافقة تخفي بجمالها تجاعيد الحزن في داخلها..للتو أكتشفت انها لم تكن فرحة فعلياً لم تكن الا كتووومة ..تكتم الحزن في قلبها ..رنيم وحدها من كسبتها ..بينت ضعفها وبكت عندما احتاجت البكاء وكانت نهايتها ترفع الجبين ..اما هي فأدعت الفرح وضحكت للاشيء ولم تلقَ من الدنيا الا ظلمات جديدة متهكمة بسذاجتها ..تنهدت بهم وهي تتقلب في فراشها وصوت الرياح يزيد أفكارها جنوناً ..تشعر أن الرياح ان استمرت بهوجانها ستقلع الخيام من جذورها ....
الخيام ..نعم الخيام ..أصبحت هوية معظم المسلمين ..شعب الخيام أشد صدقاً من اؤلئك الذين يتلفحون برداء الكرم وقلوبهم مليئة بنفاق
تذكرت مضايا المحاصرة ..بكتها بعنف وأبيات شعرية تتردد في أذنها "ينام المتخمون وأي عز لمن شبعوا ..وقد جاعت مضايا" ..ااه .مضايا يا لوعة الفؤاد يا مزيداً من الأسى ينهك قلبي ..يا صهير من الحنين وعمق من الوجع ..حصارك يدمي قلبي ..يقسم بقايا روحي شظايا
سوريتي ..اه يا سوريتي ..متى أراك حرة كما يجب ؟! متى أستنشق عبق الياسمين من خلالك من دون خوف أو لغوب ؟! متى أستيقظ مبتسمة على صوت عصافيرك الجميلة ؟! ومتى أقبل ترابك الطاهر وأنا أشتم فيه وقع أقدام جنود صلاح ؟! ..متى ؟!
الى متى سأبقى مشتتة هكذا ..روحي وجسدي والكثييير الكثيير مني ..ألم تشبعي من الفدائئين أم ما زلت تعرضين تقديم عربون محبتهم واحدا تلو الآخر ..أظن أنك أدركت مكانتك العصية في قلوب أبناءك ..سوريتي يا جميلتي ..عودي كما كنت ..أفتقدك بشدددة !
...............
لا يستطيع النوم كل ما فيه نادم ..يا ليته أعاره انتباها بدلاً من لا مبالاته الغبية ، للتو أدرك أنه غبي وساذج ولا يستحق صديق ك عبدأ الله ..
يا الله ماذا فعل بصديقه .كيف كان بارداً أمام أمر ساخن كهذا ؟!
كيف يتقابل البارد والساخن ..ألم يكن يجب أن يقابل السخونة سخونة ..والتهديد فعلاً أهوجاً ..
عبد الله ..ماذا تفعل في زنزانتك في أول يوم لك وفي أول تجربة ..كيف ستألف ظلمتها ورائحة الرطوبة في أحشائها ..وكيف سترى دموع المارين عليها المتكدرة على الحائط وستصمت ولن تكتب كيف ستحتمل العيش من دون قلم ورقة أين ستجد نفسك ان ضاعت الأوراق وتكسرت الأقلام ..كيف سترتب بعثرتك ..يا الهييييي ..ماذا صنعت بقلبك !
أستوى جالساً في فراشه ..شعره مبعثر وعيناه غائرتان في الصمت ..يشعر بندم شديد وخوف عاتٍ يهدم أركانه ..صديقه الصدوق هنالك في أقبية مظلمة لا تحترم النور ..
.................