كاتب الموضوع :
ثريا ا ا
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: كهرمان / بقلمي
-
الفصل الخامس
. . .
برفقٍ بالغ .. يضعها على سريرها الوثير العريض .. حتى استقرّ جسدُها الرقيق المسترخي عليه ..
يجذب الغطاء الأبيض إلى عنقها ، يحجبها عن عينيه المتيّمين .. ليحول كل تركيزه إلى وجهها الملائكي النائم بنسيج الشعر بلون الليل متناثراً حوله كما يحيط سواد الليل بدائرة القمر المضيئة ..
سوادٌ دامسٌ جميل ، مشكلاً تناقض ساحر مع البياض النقي السائد بحجرة نومها البيضاء ..
بياض الحائط .. بياض الخزانة .. بياض السرير .. بياض الغطاء .. بياض الوسادة ..
بياض وجهها الملائكي الذي لم يشوهه سوی الدوائر الداكنة التي تحيط بأجفانها المطبقة في سلام ..
يتكرر هذا المشهد في اﻵونة اﻷخيرة على نحوٍ أكثر كثافة؛ مع ذلك لَمْ ، ولن يعتاده ..
السّكاكين التي تطعنه في استمرار .. لا تقلّ ، الخناجر التي تخترقه .. في تضاعف ...
حبوبه المنومة تكاد تهلك جسدها الغضّ الحَسّاس ، غير أنه يفضل ذلك على أن يتلاعب به الأطباء !
ليس يائساً إلی درجة يرمي معها أنثاهُ تحت رحمةِ عقاقير خبيثة لن تحولها إلا .. إلى جثة هامدة تتنفّس ..
بدأت رحلة حروفه الإيحائية تحيطها .. تخترق عقلها الباطن .. تتلاعب به ..
كمثلِ ساحرٍ متمرّس يتحكم بعصاه السّحرية .. لقلبِ كل ما يشتهي ويرغبْ ..
ابتلع كلماته حين لمح شفتيها تتحركان بحروف مبهمة .. كما لو تتجاوب معه ..
ثم عاد إليها سكونها ليتنفس الصّعداء .. ويعود السّاحر في إكمالٍ لمهمّتهِ الإيحائية ..
. . .
كان صباح يوم جميل من أواخر شهر فبراير ، تبتدئ بها اﻷجواء في اﻻعتدال في توديع لشتاء هذا العام .
بعد دقائق طويلة من اﻻنتظار لا يعلم مالذي كانت تفعله بها؛ وعلى يقينٍ من أنها لم تقضها في انتقاء الثياب والزينة ، هَاهو ذا كَيانها الآسِر يطلّ .
وقفت أمام نافذته تدفن نفسها داخل معطفها اﻷسود المفتوح بإهمال : خير ؟ أدق عليك من الصبح ، ليه ماترد علی مكالماتي ؟
سرح في تأملها باشتياق ، مضی وقت منذ آخر مرة خرجاها معاً؛ باسثناء لقاءاتِهما القصيرة في سيارته أثناء مشاوير الجامعة .
كان يحاول خلق مساحة بينهما ، ووضع حد ﻻلتصاقه بها؛ بعدما اكتشف أن الاحتكاك المبالغ يؤذي من بحالتها؛ محاولاً الاكتفاء بمحادثاتهما العابرة المختصرة في الطريق .
غير كلما احتاجت إليه وقامت باستدعائه .. يهرع إليها باسطاً لها ذراعيه عن وسعهما ، مع أنه ﻻ يملك للتخفيف عنها سوی حبوبه المنومة ، وعباراته المهدئة .
لوَت فمها بازدراء وهي تبتعد خطوة إلی الخلف : ﻻ تناظر كذا !
- اشتقت لك وفاء .
- وين بتوديني ؟ مالي خلق مكان .
- مشتاق لطلعاتنا ..
تكلمت بعد سكوت تفكير : متعب ، حالياً كذا أنا مرتاحة ، ﻻ ترجع زي أول .
رفع رأسه بكبرياء مجروح : كيف زي أول ؟
لكنها أعادته لمسار حديثهما ، وقد تبدلت نبرتها إلی مسالمة : برد اليوم ، أجّل الطلعة ليوم ثاني .
قام بتعديل المرآة الأمامية راسماً على تقاسيمه عدم الاهتمام : حتى لو قلت لك ، هايبر جابان ؟
وصلته شهقتها المندهشة ، فأعاد نظره إليها بابتسامة تشعّ خبثاً .
اقتربت تدخل رأسها من النافذة : كيف تعرفه ؟!
- أعرفه !
- متی موعده ، الحين ؟
- لا ، بس أبي من اهتمامك الحين قبل أصير طرطور هناك .
- متی يبدأ ؟
- تقريباً .. الساعة ثلاث .
سحبت شهقة طويلة لم توقفها إلی غدت تسعل في وجهه .
- من جدك ؟! بتسحبني معك إلی .... ومتی يخلص ؟
- تسع الليل .
- مشوار طويل ، بأتعب والله .
- يعني بلاش ,Okay ! وفرتي علي مشوارين ، مع السلامة .
وما أشغل محرك السيارة وجد غيمة دخانها أمام نافذته ، ومن ثم بها قابعة جواره .
- بس والله تعب ...
- طلعتنا بتكون قصيرة ، بأرجعك ترتاحين .
سألت فيما تتخلص من المعطف وترميه بالخلف : حجزت التذاكر والا بنقطع هناك ، والا كيف نظامهم ؟
- ماقد رحتي له ؟
- ما أعرف منه إلا اسمه .
ثم هتفت صائحة بغتة : نسيت نظارتي !!
انحرف إلى منعطف معلناً عدم نيته للعودة من أجل نظارتها .
لم تستمر في الإلحاح حينما وقعت عينها على نظارته السوداء ، الملقاة بإهمال على الطبلون منذ فترة طويلة .
- ليه رميتيه ؟
تعذرت تمد شفتيها متذمّرة : كبير ...
- ارجعي شيليه ، ورديه بأدب !
ابتلعت لعابها من جدّيته المخيفة ، ثم انقادت لأمره باستكانة راسمة عليها تعابير اﻻمتعاض .
- طيب وبكرة وبعده ، بنفس الساعة ؟
- بكرة موعدهم بدري ، من الصبح . شربتي لك حليب ، ماء ، أي شيء ؟
- شربت مويه ..
- لك نفس تاكلين ؟
أجابت بالنفي في الوقت الذي أركن سيارته في مواقف مخصصة لسوقٍ مركزي .
- تجين معي ، والا بتتمين ؟
- قلت مابي آكل !
نبه ممسكاً بمقبض بابه : بأطفي السيارة وأقفل عليك ، يعني لا مكيف ولا هواء ربنا .
- شكراً ، من يومي أبحث عن موتة سهلة . مع السلامة ، أشوفك في الجنة .. إذا مكتوب لك .
- ضامنة الجنة ما شاء الله ، وليه مشككة فيني ؟ وش ناقصني عنك ؟
لمَح في صمتها غموض غير مريح قبل أن تجيبه بتمويه : يالله روح ، ادع لي بالرحمة مقدماً .
خرج من السيارة ، مودعاً : ما بأطول حبيبتي ، إن شاء الله ألحقك قبل تموتين .
أغلق الباب وما إن أدار ظهره انطلقت الطرقات الفوضوية على زجاج نافذته .
- كسرتي سيارتي !!
تحرك ثغرها يقول شيئاً ، فهزأ بها قائلاً : طلعي صوت ، أسمعك .
- نظارة .. اشتر لي نظارة !
أدخل مفتاحه بالباب ، فنتج عن صرخة خافتة؛ لكنه أسرع بإعادة الباب يسند به جسدها : تشوفيني أفتح الباب ؟! ورى ما توخرين ؟!
- ما نبهتني !!
قال يسند ذراعه علی الباب : تعالي معي ما دام تبين لك نظارة ، شلون بأعرف قياسك ؟
- من منا الكذاب ؟! كيف جبت لي النظارة الشفافة ؟!
حكّ فكه بقنوط : جرحتيني على فكرة ، ولا لمستيه للحين .
- مفروض أرميها ، ما منها فايدة .
- الله يسامحك ، يا قاسية . زين تعالي معي .. واﻻ مافيه نظارة .
امتدت بجسدها إلی المقاعد الخلفية تستعيد معطفها ، وعادت للاختباء أسفله .
قال يزيح قبعة المعطف عن رأسها الذي صنعت منه بديلاً عن نظارتها :
- قسم ما أنتي بحاجة له ، شعرك مسوي الغرض .
عبرت عن إصرارها وهي تعيد القبعة فوق رأسها بعناد .
أثار ذعرها وهو يدسّ يديه أسفل قبعتها ويعبث بشعرها ينثر خصلاتها بفوضوية ، ثم جلب كمية أكبر إلى الأمام يحجب بهم المزيد من تقاسيمها الناعمة .
وابتعد فخوراً بإنجازه واضعاً يديه على خصره : خلاص ، اختفی وجهك .
صرخت فزعة حين عاد واقترب علی حين غفلة يعتصر وجهها مغمغاً من بين أسنانه المطبقة بلذة : Why You So Damn Beautiful ? Why Are You Sooo Cuuuuute ?
أضحت تئِنّ بتألّم ومعاناة من مداعبته العنيفة ، وتنازع للكلام من بين يديه الغليظتين : ترى هذا تحرش ، بأشكيك لحقوق الإنسان !!
- ودي أحشيكِ بكيكة وآكلك ياخي !
وتمادى ليتلقى صفعة قوية على خده ، لما حملها ينوي إطارتها في الهواء .
- تعطيني كف ؟! تصكين متعب كف ؟!
- وش مفكرني عندك ؟ لعبة شاريها ؟
لوى فمه بابتسامة بغضاء حاقدة : أنتي لعبتي من زمان يا .. Baby Doll !
اعترفت باشمئزازٍ حقيقي : قربك أحياناً يقززني ، يخليني ودي أتف عليك !
رفع حاجباً ، ثم أومأ برأسه في وعيد : طيب ، رحلتكِ وألغيناها !
وتابع فيما تقدمها مخلفاً إياها وراءه .
- وعقابك في اﻻنتظار .
تعمد تجاهل خطواتها الرشيقة القافزة ﻻحقةً به :
- عادي ، بتوديني بكرة أو بعده !
- مب فاضي ﻻ بكرة ، ولا بعده .
انحنت أمامه بشقاوة تخاطبه بثقة : بتفرغ نفسك علشاني ، وتوديني .
أوقف تمايلاتها المدلّلة الإغرائية يجذبها إلی جانبه ، حال لمَح سيارة متطفلة على سكون مواقف السيارات الفارغة .
- دلعك ما بيفيدك ، دوري شيء مغري أكثر .
- صوص .. صوص !! ... متعب صوص !! ساعدني متعب ، متعب !! ...
حذّرَها بجدية : انتبهي يا وفاء ، ﻻ تستغليني بهالنقطة .
أزالت يديها عن أذنيها ورمت بهما إلی جانبيها ، تتابع السير إلی جانبه محبطة .
أرسلَ قشعريرة إلی بدنِها ، وهو يزيل قبعتها .. ويمرر بيده الثقيلة علی شعرها .
- أنتظر الاعتذار المغري .
أحس بالتصلب المفاجئ الذي ساد عليها .
همهمت بشيء ما وبصرها معلق في الخواء ، حاول معه التقاط الكلمات المبهمة من فمها الشبه مغلق .
تساءل فيمَ يفكر اﻵن ... هذا العقل الغريب اﻷطوار ؟
- متعب ؟
انحنی برأسه أمام وجهها بطريقة مرحة .
- أخليك تكرهني ؟
- يا ليت !! تفضلي !!
مكثت صامتة ، يتأملها مترقباً ، محاولاً التنبؤ بالاعتراف القادم .
- بابا مثلك .. ولا يزال ...
- وش تقصدين ؟ ما فهمت .
- بابا حق ...
جعد مابين حاجبيه : أبوك حق وشو ؟
جعلته علی أعصابه وهو ينتظر إجابتها البطيئة ، حتی نطقت : مخدرات !
رغم تيقنه من أنها إحدی الهذاءات الحمقاء النابعة عن الداء البائس خاصتها لا غير .
لكن لم يقدر أن يحول دون الارتجاف والعرق الذي اكتسحه؛ وكأنها استجلبت دليل قاطع علی الجرم الذي ألبسته إياه !
جهد لتحريك شفتيه النحيلتين في إبطال للاتهامات التي تطلقها هذه الصغيرة بلا مسؤولية : وش هالهذرة الفاضية علی الصبح ؟
- تنكر يا متعب ؟
هذه الطفلة ، ألا تدرك أنها تضع حياتها علی المحك .. بقذفها لاتهامات خطيرة كهذه جزافاً ؟!
- متعب ، أعترف لك اعتراف ثاني ؟ متعب ... أنا أتعرض لاضطهاد بالجامعة .. وتعرضت لتحرش مرتين ....
خرج صوته متحشرجاً : من بنات ؟
خنقت العبرة صوتها لما شرعت بالنطق ، فاختارت السكوت مكتفية بإيماءة .
بصعوبة تنحنح ، غاض الطرف عن كل شيءٍ يسأل :
- وفاء ، أبوك مدمن ؟
- لو قابلته يا متعب .. بتشوفه رجل محترم ، مبين طبيعي .. مو مثل اللي باﻷفلام !!
استثبت اﻵن بأنها واحدة من ضلَالاتِها الوهمية اللعينة ، يجب أن يضع حداً في الحال !
- كيف تعلمين يا وفاء بهالموضوع ، ما دام مبين علی الرجال إنه طبيعي ؟
دَقق بالعينين الخاليين من التعبير في انتظار .
- الكل يدري !! زوجته ، وعياله .. حتی ماما تدري !!
زأرَ في غضب : أمك تدري وساكتة ؟! مستأمنة عليك عند هالمدمن ؟!!
كشرت اﻷخری في وجهه : ﻻ تغلط علی ماما ، وﻻ علی بابا .. غصب عنه .. أكيد عنده ظروفه !! وماما ما كانت تدري !! لو إنها علی أيامها تدري .. كان سوت الهوايل ، ماما قوية !!! بس الحين ... الحين ما تقدر تسوي شيء ....
أخذ نفساً عميقاً في استعادة لهدوئه ، وتفسير إجابتها التي تكتنف الضبابيّة عباراتها .
- أمك مريضة يا وفاء ؟
تابع أنامل يديها التي تجمّع الدّم بهم من شدة اعتصارهما بعضهما ، فتغاضی عن اﻹجابة المنتظرة واعتزم الاحتجاج غاضباً : اتهامك باطل يا وفاء ، أنا شكلي مدمن يا وفاء ؟ منظري مدمن ؟! هيئتي هيئة مدمن ؟! ناظري زين !!
طغی اﻻحتقار أساريرها ، لتصعقه بالقول :
- تبيني أكذب الجامعة بكبرها ، وأصدقك أنت ؟
وتبعته بشكوی مريرة : ملامحك البريئة ، وغمازتك الحلوة ، طيبتك .. حنانك وعطفك .. كله قناع !.. كله كذب ! متعب ، أنت خدعتني !!
أكبر مما يحتمل ، أكبر مما يحتمل !
انهارَ على قدميه يفرك وجهه بقوة يكاد يفقأ عينيه معها .
تكلم بصوت هستيري مرتجف : وفاء اسمعيني زين ، لازم أشرح .... لحظة ، خليني أهدأ ... ارحميني .. واللي يرحم والديك ... تكفين لحظة !!
جلست مقابله تواسيه بنبرة مهدئة : متعب ما بأكرهك ، ولا بأزعل .. لا تخاف .
رفع عين مرهقة إليها ، لتتابع وتزيد من شقائه : ما يحق لي أكرهك ، بابا أخس منك .
- أنتي هبلة ؟ عارفة بأي قضية تتكلمين ؟ ليه تحسسيني كأنك تتكلمين عن جارتك اللي تسقي زرعها ؟
- عارفة يا متعب بأي قضية نتكلم ..
- تقولين متعب كثير يا وفاء ، شكلك تحبيني .
سدّدت لكمة حانقة على كتفه : شايفه وقت مزح ؟!
- وفاء ... أنتي مب خايفة الحين ؟
- بطنك توجعك ؟ ليه ماسك بطنك ؟
حرك رأسه بلا حيلة ، هامساً بضياع : مجنونة .. مجنونة ..
دعَك وجهه مجدداً يسترجع تماسكه .
- اسمعي يا بنت الناس .. مثل ما قلت ! أنا مب مدمن ، ولا كنت ، ولا بأكون ....
- لا تكذب !....
صاح بحدة : لا تقاطعيني !! علمتك بالحقيقة ، واللي تسمعينه بالجامعة دخليه من أذن وخرجيه من أذن ، فاهمة ؟ لا تصدقين إلا متعب ، مفهوم ؟
- لا ! أبي أعرف ، أبي أعرف ليش كنت بالسجن خمس سنين !
تكلم بأسنانٍ مصطكة فيما يشد شعره يوشك انتزاعه من جذوره : وش قلت لك الحين ؟!! وش علمتك ؟!!
عبرت عن الرفض بتحريك رأسها : لازم أعرف يا متعب ، لازم تعترف يا متعب !!..
هتف وهو ما بين ضحكٍ وشفير البكَاء كَالمجنون : قلتي متعب مرتين .. حتى وأنتي زعلانة !! مرتين يا وفاء وأنتي زعلانة ... وفاء !! والله تضحكيني .. يا وفاء ... تحبيني وما تدرين ....
سيطرَ عليه سعالٌ عنيف ، تتخلّله تأوّهاته المتألمة من أحشائه .. مع ذلك لم ترحمه نوبة الضحِك الهستيرية كأنما تقسِم على عقابه حتى المَوت .
بينما تلك اﻷخيرة راحت تربت علی خده بشدة تخاطبه مرتعبة : متعب لا تجن !! متعب ؟! لا تجن .. لا تجن !! متعب أنا خايفة !! متعب اسكت بتصير مجنون !! متعب !! متعب !!....
لم تجدي محاولاتها تهدئته ، أو ربما لم يعد يمكنه اﻹصغاء !
ومع ذلك استمرت الفتاة بتوسلاتها للمجنون الذي جعل من فرائصها ترتعد :
- أغني لك متعب ؟ تبيني أغني لك ؟ متعب ... الله يخليك اسكت ، والله خايفة !! متعب ....
I've seen the world ... Done it all .. Had my cake now ..
- وفاء ....
- Diamonds, brilliant .. And Bel Air now ... Cold winter nights, mid February .. When you and I were forever wild .. The crazy days, city lights ...The way you'd play with me like a child
- كملي .. كملي ...
- Cold winter days, rock 'n' roll .. The way you play for me at your show ... And all the ways I got to know .. Your pretty face and electric soul ....
- لا تسكتين .. أبي بعد ... أبي بعد ....
وهمهم كطفلٍ يحاول الحفاظ على كبريائه : بس .. أبي أعرف ... ليه تبكين .. وفاء ؟
ثم أخذ يمسح عن وجهها المياه الغريبة ، التي تتناثر من مقلتيه السوداوين .
- When the light started out they don’t .. know what they heard ... Strike the match, play it loud, giving love to the world .. We'll be raising our hands, shining up to the sky .....
- لا !! لا تسكتين !! وش فيك ؟ مطر ؟!
أدار رأسه لينظر إلى ما تحدق بالأعلى ، وسرعان ما انتفض يقوم عنها ويجلسها معه ، في حين تحاول خِلسة إخفاء ضعفه بمسح وجهه المحمرّ .
ثم استقاما واقفين في ارتباكٍ لا يجرؤ أيّهما النظر للآخر في الوقت الذي صعدَ الصوت الصارم لرجل أمن المركز؛ يُعرِب عن شكوى وصلتهم عن وجود ثنائيّ مجنون ، يتضاجعان علناً في منتصف مواقف السيارات الخاصة بالسوق التجاري .
حاول تمويه ارتباكه بالاستقواء على ضابط الأمن لكنها أخرسته بقرصةٍ خفيّة توقف سيل الألفاظ البذيئة التي تكشف عن فمٍ فاسد أثار صدمتها ، حيث لم تختبر منه قط من قبل سوى الكلام الطيّب والمعسُول .
وأخذت تشده معها ، مبتعدة به إلى حيث سيارته .
- شكلنا نسينا أنفسنا ..
غمغمت في حرجٍ في حين يغلق الباب .
نقلها إلی مقعدها يطلبها برجاء : خلينا نأجل مهرجانك إلی بكرة ..
جاءته إجابتها بعد سكوت قصير ، علی هيئة سؤالٍ ذا نبرة روحانية مخيفة :
- متعب ، أنت تقرأ أفكاري .. أو تسمعها ؟
حرك السيارة مجيباً : لذلك قاعد ساكت وأسولف معك بخاصية اسمها تخاطر اﻷفكار .
- مو أول مرة والله ، معقولة صدف ؟ أنت مهكر جسمي ، اعترف متعب ! والا حاط جهاز تنصت بدماغي ؟
- ايه نعم ، ولذلك ما أحتاج ﻷني ألجأ أسألك وأفتح معك محاضر وتحقيقات .
- كذاب ! أنت حتی اسم جدي الخامس سألت عنه !
ضحك عالياً بمرح : لزوم التمهيد للمستقبل يا حبيبتي !
- لكن حط في علمك؛ ماني موافقة عليك ، إلا في حال تأكدت إنك بشري .
- ليتني فضائي صدق ، زماني خاطفك لكوكبي ومتزوجين ومخلفين عشيرة .
أراحت ظهرها إلى المقعد ، وبادٍ على ملامحها الحيرة .
ثم هتفت ببهجةٍ مفاجئَة :
- متعب وش رأيك في الأغنية الأولى ؟ توصفنا بالحرف ..
كاد يوافقها بسرور لولا استأنفت : شفت لما أقل لك كل شيء عندي يتحقق ؟ أنا ساحرة متعب ! افرح يا متعب ، حبيبتك ساحرة .. تقدر تحقق كل شيء ..
- عفستي أم الأغنية؛ بدلتي بالكلمات وخربتي اللحن ، قالت ساحرة ! وش دخل الساحرة ، عمرك حضرتي جنّ ؟
- ايه متعب ، الجنّ معي دايماً .
- سألت إذا عمرك حضرتي جنّ ، ما سألت إذا راكبك جني أو ﻻ .
كما في كلّ مرة ظلّ يغلق أفكَارها ، واستمر بإرهاق تفكيرها وهو يغلق كُلّ فكرة تنتجها .. حتی تنهّدت ، وأغمضت عينيها في استِسلام .
اعتمدَ هذه الطريقة في جميع حواراته مع أفكَارها السّحرية ، حتی تطور به إلی استغلالٍ .. في كل مرة تستنجد به حين يسوء بها الحال ويشتد !
وصل إلی التمادي في تقمص شخصية الطبيب النفسي؛ بحيث يخصص مدة لا تقل عن ساعة كاملة يمكثها لديها في شقتها .
يمثّل بأنه يدخلها معه في حوارٍ مع اﻷفكَار الخاطئة التي تسيطرُ عقلها ، يتركها تتحدث وتتحدث .. فيما هو يكتفي بالغرق في تأملها .. وعيش لحظاته الثمينة معها .
ولا يقوم سوی بالرّد المختصر الذي يسد بها كل فكرة تعرضها عليه لتصل إلی نهاية مغلقة .. فينتهز الوقت في العودة إلی تأملها في حين تنتقل إلی فكرة أخری ، ثم أخری .. إلی أن يُجهد تفكيرها فتستسلِم .
وحينئذ يبدأ معهَا نقطته الممتعة اﻷخيرة .. رِحلة اﻻسترخاءِ !
مرحلة اﻻسترخاء ، التي اخترعها بعد كُل حوار مع أفكَارها ، يدّعي أنه يقوم فيها بإزالةِ الحيرَة التي وضع بها أفكَارها ؛ بزرعِ اﻷفكَارِ الصحيحة محلَّ اﻷفكَار القديمةِ الخاطئة .
فيأخذها بحديثٍ هادئ وكلماتٍ مُطمئِنة .. لا تخلو من النظرات القذرة ، والملامسات الشيطانية؛ والتي يغلفها بقناع المنقذ الشهم ، والصديق السّليم النية !
ولكنه بذات الوقت حقاً يبتغي مصلحتها ، بإلهائها عن الحبوب المنومة التي تبقی تلح بمطالبته بها .. منذ استقباله لدی الباب وحتی مغادرته لشقتها .
فقد اتخذ قراره بمقاطعة تلك العقاقير الكيماوية ولو جزئياً ، أو علی اﻷقل التخفيف منه إلی أقصی حد ، وبقدر ما يستطيع .
* * *
TBC
-
|