المنتدى :
خواطر بقلم الاعضاء
يا طالب الخير.. أقبل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..، خطا ببطءٍ وهو يرفع رجلاً ويضع رجلاً رويداً رويداً ، كان من الحذر بأنه كان من فترةٍ لفترة يمنع نفسه من التنفس ويتلفت كأنما هو ملاحق ، وكانت حواسه كلها يقظةً متحفزة بحيث أنه ينتبه حتى لصرير الخنافس في ذلك الهدوء العجيب ، وبالحذر ذاته رفع يده للخزنة العملاقة وببطءٍ راح يضغط أزراراً معينة ، وبعد لحظاتٍ صدر من الخزنة صوت صريرٍ مفاجئ إثر فتح قفلها ، تطلَّع حوله حذراً ثمَّ مدَّ يده وأخذ قدر ما يستطيع من حُزَمِ النقود ووضعه في كيسٍ كان يحمله ، عقد الكيس بتروٍّ ثم وضعه في حقيبته وأغلق الحقيبة حتى لا يصدر للكيس صوت خرفشة إذا تحرك ، وبنفس الحذر الذي دخل به خرج ، حتى إذا صار إلى برِّ الأمان ، وقف بين مجموعةٍ من رفاقه وطرح الحقيبة أرضاً وأخذه الضحك حتى صار يضحك بهستيرية عجيبة ، انحنى واضعاً يديه على بطنه وهو لا يزال يضحك ويقهقه بقوة حتى أنه لم يعد يستطيع التنفس ، دمعت عيناه واحمرَّ وجهه من فرط الضحك وأخذ يهفُّ وجهه بكفه علَّه يجد نفساً ، شاركه بعض رفاقه الضحك لكن بشكلٍ أقل هستيرية ، وقال من بين ضحكاته وبالكاد يُتَبَيَّنُ كلامه: الأبله ، كم يمرُّ من الزمن وهو لا يتعظ ولا يتعلم ؟ أصبح لي 3 سنين وأنا كلما ساءت أحوالي المادية ولم أستطع شراء الخمر سرقته وتمتعت برفقة إحداهن زيادةً على الخمر ، وعلى الرغم من انتباهه لتناقص أمواله إلا أنه لم يشكَّ فيَّ قط ! غمزه أحد رفاقه وقال ضاحكاً : أيها العبقري ، لابدَّ أنه لم ينتبه لك لفرط ذكائك وحذرك ، ليتني لديَّ مثل ذكائك ونباهتك ! تمالك نفسه من الضحك وإن ما زالت الابتسامة على وجهه وقال مزهوًّا بنفسه وقدراته: لا يا حبيبي ، إنها الصنعة والموهبة ، وإنما هي فيَّ أنا و لا يمكنك مجاراتي ! ابتسم مغتبطاً وهو يرى عبارات الثناء تنهال عليه من رفاقه ، إلا أنه لاحظ من بين نشوته وزهوِّه بنفسه ورفاقه على وشك المغادرة أن يوسف رفيقه لم يعلق ولم يتكلم ، وفوق ذلك كان وجهه مربداً منزعجاً طوال الوقت ، قال له بتعجب: ما لك يا يوسف ؟ لا تبدو لي بخير ، هل هناك ما يضايقك ؟ نظر له يوسف باستصغار بادي النبرات والملامح وفي عينيه أسفٌ عميق: لا شيء يا عمر ، لا شيء ! إني فقط أشعر بالأسف عليك ، تتكلم منذ اليوم وتتفاخر بأنك 3 سنينٍ وأنت تسرق جارك ، بل وأنك تنفق المال في الخمر والنساء ، سترك الله ففضحت نفسك وجاهرت بدلاً من التوبة والرجوع ، إني لآسفُ عليك ! وأدبر عنه مولياً له ظهره ، بينما أظلمت الدنيا في عيني عمر ! كان كلام يوسف مباغتاً فنفذ إلى أعماق روحه ، نسف الجدران والعوازل المبنية دون ضميره النائم فاستيقظ ! أي ذنبٍ اقترف ؟ ستره الله المرة بعد المرة بعد المرة ، ولكنه لم يتعظ ، بل فاخر ـــــ بكل بجاحة وعدم استحياءٍ من الله ـــــ بظلمه وجبروته ، أخذته العزة بالإثم ، فأيُّ فلاح بعد هذا يرجو ! لم تعد ساقاه قادرتان على حمله من الرهبة ، سقط على ركبتيه منهاراً ، تساقطت دموعه كالقطر منهمراً ، يا الله ! كيف سيقابل ربه ، بل كيف سيستطيع الآن أن يدعوه وقد عصاه ، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام ، أفلا يستحيي من الله ! وضع كفيه المرتجفتين على رأسه ، لـــ3 سنين وهو يأكل الحرام ويشرب الحرام ويلبس الحرام ويقترف الحرام ، بل وينفق على رفاقه بالحرام ! زاد ارتجاف جسده وانهمار دمعه ، يا ترى ، هل يتوب الله عليه ؟ هل يغفر له ظلمه وعدوانه ؟ هل سيعفو عن الدماء المغذات بالحرام التي تجري الآن في عروقه ؟ بكى بحرقةٍ حتى كاد يهلك ، كان منظره غريباً مفزعاً لأي أحدٍ يراه ، فقد كان منكباً في منتصف الشارع والليل في ذروته والناس نيام ، يبكي بحرقة وندم بشكلٍ مفزع ! شعر من بين بكائه بظلٍّ سقط عليه ، انحنى عليه أحد ما لم يتبين من هيئته إلا لحيته المعفاة ووجهه الوضيء ، رفعه ذلك الشخص وقال له: لا حول ولا قوة إلا بالله ، ما بالك يا أخي ؟ نظر له عمر صامتاً ولا تزال آثار الحرقة والندم في وجهه ، حوقل الرجل مرة أخرى ثم أسنده و سار به دون أن ينبس ببنت شفة ، حتى وصلا إلى مسجد ، تركه الرجل حينئذٍ وقال له بابتسامةٍ وقور : يا أخي ، أنا لا أعرفك ولا أعرف ما الذي أوصلك إلى هذه الحال ، ولكنني أعرف أن مشكلتك ــــ مهما تكن ــــ فحلها هو الصلاة ، صلِّ يا أخي ، صلِّ لعل الله يخرجك مما أنت فيه ، وسار مبتعداً حتى اختفى كأنما لم يكن موجوداً ! نظر عمر بتردد إلى المسجد ، كيف يدخل ؟ كيف وهو الذي لم يدخل مسجداً منذ سنين ! يشعر بأن قدميه ستخونانه ولن يستطيع الدخول ، ولكنه على الرغم من ذلك دخل ، خلع نعليه ودخل خائفاً ، يشعر وكأن جدران المسجد ستنهار عليه ، تصرخ به ، كيف تجرؤ أن تعصي الجبار ، كيف ! زاد ارتجافه عندما وقعت عيناه على المصاحف ، أخذ واحداً بتردد وجلس ، فتح القرآن عشوائياً ، وكان من نصيبه سورة الزمر ، وقعت عيناه على الآية 53 : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم } شعر بأنه كمن يهوي في عمق وادٍ سحيق ، ارتجف فؤاده وأخذته الرعدة ، يا الله .. يا الله ..! إنه الله.. إنه الله بكل عظمته وجلاله يناديه.. يتودد إليه، يأمره بالرجوع ، يأمره بأن يثوب إلى رشده ويعود إلى فطرته.. إنه الله ينادي في الظلمات..هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من سائلٍ فأعطيه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ ينادي العصاة والمجرمين بـ يا عبادي وهم العصاة المذنبون، يتودد إليهم فيقول من تقرب إليَّ شبراَ تقربت له باعاً ومن تقرب لي باعاً تقربت له ذراعاً.. ومن أتاني مشياً أتيته هرولة، فما نبغي بعد هذا؟ إنه اللـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه ينادي من فوق سبع سماوات ، فأين المجيبون ؟! أين المسارعون لردِّ النداء ؟ نكس رأسه وانفرط يبكي.. يبكي نفسه.. يبكي سنين عمره التي مضت ولن تعود .. عمره الذي ضاع ما بين مومسٍ و***** .. ما بين خمرٍ وسيجارة.. يبكي كل لحظةٍ مرت منغمساً في الهوى .. كل لحظةٍ كان يستطيع أن يبني بها بيتاً في الجنة.. فاختار أن يعمره في النار ، وبئس ما اختار! يبكي نفسه يوم أعرض عن المساجد وسدَّ أذنه عن داعي الله وصوت آذان .. بينما تركها مفتوحة لكل أغنية وفحش. اختار دور البغي على بيوت الله .. ولم يدرِ المسكين كم في المساجد من راحةٍ وسكينةٍ لمن أرادها! ولكن.. كان ذاك فيما مضى.. واليوم عصرٌ جديد.. واليوم عمرٌ جديد.. وصفحةٌ جديدة.. سيمضي ولن يلتفت.. سيشد الهمة ويقوي العزيمة .. سيشمر ويشق الجموع ليلحق بقافلة الناجين المجيبين نداء الحقِّ من فوق سبع سماوات، ونحن كذلك.. آنَ لنا أن نعود.. ونجيب نداء الحقِّ.. ونأمنَّ لأقدامنا أماكن في الجنة.. فهيا بنا نجيب الدعاء.. ويا له من دعاء ! بقلمي دمتم بود ✨
|