السلام عليكم ورحمة الله , يسعدلي مساكم
عساكم بخير
ببلغكم بتغيير موعد البارت
بيكون بارت واحد في الاسبوع , يوم السبت
قراءة ممتعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الحادي عشر
-
أحبك
فليسمّوا الحبّ وهمًا ,
كذًبةٌ
اغراء
أفي مقدورِ هذا الماء , إلّا أن يكون الماء ؟
*احمد بخيت
-
المملكة العربية السعودية – الخبر
العاشرة صباحًا
قالت للمرة الألف
: بتحطّين بالك عليها ؟
تأفّفت بضجرٍ حقيقي , وهي تنزل فنجان القهوةِ التركية من يدها
: وجد استحي على وجهك ! عنبو غيرك مليون مرة عدتي هالكلمة , انا عمّتها يعني عيوني الثنتين دارين اخاف عليها اكثر من نفسها , وانتي من وين جايّك ذا الطبع ! من متى انتي تزنّين وتلحّين وتعيدين وتزيدين ؟ اسكتي خلاص !
زفرت بقوّةٍ ثمّ قالت
: اوّل مرة اسافر بدونها ! غير انّ هذاك ماهو مسجون غير انّها قاعد تداوم بالجامعة !
مسحت سُلاف على كتفها , وقالت برفق
: له اكثر من شهر طالع , ودارين لها شهر تقريبًا تداوم , اللهم لك الحمد كل شي في مكانه وماهو صاير شي
برجاءٍ قالت
: خذي اجازة , لين ارجع بس , عشان تفتحين عينك عدل
بصبرٍ قالت سُلاف
: يصير خير ان شالله – نظرت الى ساعتها , ثمّ قالت – متى تطلعين المطار ؟
: الحين المفروض
التفتت الى ثريا
: كل شي جاهز ؟
هزّت رأسها ايجابًا
: كل شي تمام مس وجْد , واتّصلت رويدة خلال دقيقتين تكون واصلة
نهضت حينها , واتّجهت الى المجلس الآخر
انحنت الى جدّتها
قبّلت رأسها وكفّها
: يمه انا ماشية
: استودعك الله يمه حبيبتي , طمنينا عنّك
: بالك عليهم يمه , عمّي احمد ودارين امانة عندكم
ربتت على كتفها
: لا تخافين حبيبتي , الله الحافظ
زفرت ونهضت
خرجت مع عمّتها الى الباحة الخلفية للمنزل
قالت وجْد بزفرة
: صاحين انتم بذا البرد تلعبون سلّة !
رمى احمد الكرة وأصابها في السلّة , ثمّ التفت الى وجْد
قال بمشاكسة
: واخيرًا بتمشين ! ما بنخلّي مكان ما نروح له وما نخلّي احد ما نعزمه
قالت سُلاف برجاء
: احمد تكفى !
تحوّلت ملامحها الى القلق , لينفجروا ضحكًا
لوجْد شخصيّتان
قلقةٌ لحوحة مترقّبة , مع عائلتها الصغيرة
باردةٌ هادئةٌ لا مبالية , في حياتها الأخرى
قال احمد مبتسمًا
: امزح معك لا تصيحين
بهدوءٍ قالت
: ماني خايفة منّك , انت عاقل
ضحكَ رغمًا عنه , واقترب منها
انحنت وقبّلت وجنتيه
ثم التفتت الى شقيقتها
التي عانقتها وازدردت ريقها
قالت سُلاف
: وش فييك بتصيحين ! ماهو انتي تبينها تسافر بدونك ؟
قالت دارين
: كأني هوّنت , اطلع البس وجْد ؟
ظلّت وجْد صامتة
ليسحب احمد دارين
: ششش لا تتبزرنين , يلا وجْد درب السلامة
اخيرًا ودّعت عمّتها , وخرجت
فتح السائق باب السيارة
جلست ومن الجهةِ الأخرى كانت رويدة
تحرّكت السيّارة باتّجاه المطار
ووجْد شاردةُ الذهن
انتبهت الى صوتِ هاتفها
فتحت الرسالة , ابتسمت لاسمه , ولرسالته ذات الأحرف الانجليزية
" رحلة سعيدة جميلتي , لن يطول لحاقي بكِ
قلبٌ لكِ "
تنفّست بعمق
منذ شهر
يرسل لها في اليوم عشراتِ الرسائل
مختومةً بكلمتين , وان كانت الكلمتان يرسلهما في اوقاتٍ كثيرة دون كلامٍ آخر
" قلبٌ لكِ "
كانت تعلم في قرارةِ نفسها انّ ذلك القلب , هو قلبه
كان يخبرها شيئًا , دون ان يصرّح به
كتبت بهدوء , وبأحرفٍ انجليزية
" سأكون بانتظارك , لن تبتسم باريس الّا بوصولك
ابتسامةٌ لك "
كان ينتشي بكلمةِ ابتسامةٍ لك
تعلمُ انّه معجبٌ كثيرًا بابتسامتها !
ولتذكّره بها دومًا , فانها تختمُ جميع رسائلها بها !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثالثة مساءً
انزلت كوب الشاي , ثمّ التفتت الى خالها
: صج خالي ما له داعي ماخذ اجازة وياي اليوم ! خلاص اردْ بروحي
قالت جدّتها بحدّة
: لا والله ما ترجعين بروحك , ما انساها لهم يوم جيتيني تبكين واسبوع ما تنامين واسبوعين ما تاكلين , وتهذين وتسرحين
قالت ولاء مبتسمة
: جدّتي حاسبتها لك ومراقبتك
ضحكت رغمًا عنها
ليقول تركي
: جد ضروري نروح معاك , كانهم ما عرفوا قدرك نعلّمهم , وان ما عجبنا الوضع رجّعناك معانا
التفت الى رزان
: حمد بيجي صح ؟
رفعت رأسها عن هاتفها
: ايه , هذا هو وصل اصلًا
ابتسم تركي
: الله يسعده ذا الحمد , والله خوش ولد
قالت غِنا بنبرةٍ قوية
: اي والله خوش ولد
تجاهلتها رزان ونهضت لترتدي عباءتها
دخت امرأةٌ حينها وقالت
: يلا يمّه جاهزين – نظرت الى ولاء وسألتها – تمشين معانا ولاء ؟
هزّت رأسها نفيًا
: لا عمّتي ما له داعي , انتي وعمّي نايف وتركي وجدّتي ورزان وزوجها رايحين , كفاية
قالت الجدّة
: قومي معانا , انت بنت خالها الكبير الله يرحمه , كبيرة البنات لازم تمشين معانا
انفجرت غِنا ضحكًا
: يدّتي رايحة تتهاوش ! ماخذة الفزعة معاها
ابتسمت رزان وهي تجلس
: انا اتركوا لي اللي تهاوش معانا وحنّا طالعين
نهض تركي حينها , وهو يقول
: هذا ابو سالم وصل , يلا مشينا , غِنا البسي عباية مضبوطة لا اجلدك
بتذمّرٍ قالت
: انا عمري ما لبست عباة , لا تخنقوني الحين !
انزل عقاله من على رأسه
لتضحك رغمًا عنها وتنهض
: زين لا تنافخ
صعدت مع ولاء الى الأعلى
وهي تنظرُ الى هاتفها
قرأت رسالة سنا
" غِنا متى توصلون ؟ منتظرتك من امس والله "
كتبت وهي تسحب عباءةً من ولاء
" بنطلع الحين , لا تستانسين وايد معاي جيش "
ارسلت سنا وجهًا يضحك , وكتبت
" ننتظرهم بلهفة دامهم منّك "
ابتسمت غِنا ابتسامةً بسيطة , ورتّبت العباءة والحجاب ونزلت
خرجوا جميعًا , ليعتدل حمد في وقفته
انزل النظارة عن عينه ونظرَ الى رزان اوّلًا , ثمّ الى غِنا
اقتربتا منه
قالت غِنا مبتسمة
: شلونك ؟
ابتسم بمحبّة
: دامني تطمّنت عليك , الحمد لله بخير , نفسيتك تمام ؟
ساخرةً قالت
: نفسيتي توب , بروح اهد بيتهم عليهم وارد
بجديّةٍ قال
: صفّي نيّتك عشان الله يعينيك ويفتح عليك , لا تتكلّمين كلام فارغ
تأفّفت واولته ظهرها
التفت الى رزان
: تجين معاي ؟
صمتت لثوانٍ , ثمّ قالت بهدوء
: اوكي
ركبت بجانبه
ممتنةً لقلبه الطيّب
لم يتركهما مذ جاءتا
راعى غربتهما وان كانتا في بلدهما
اهتمّ بهما , والآن اصرّ ان يكون مع عائلةِ غِنا ليأخذها الى عائلتها الأخرى
في السيّارة الأخرى
خالُ غِنا الأوسط بجانبه والدته
خلفه شقيقته وولاء
وفي سيارة تركي , كانت معه غِنا فقط
التفت اليها , وسألها
: اصدقيني , تبين ترجعين ولا لا ؟
قالت بوجوم
: ما ابيهم , بس لازم
: ليش لازم ؟ حنّا اهلك , هذا بيتك وخوالك , شفتي امّي تموت عليك والبنات مستانسين بوجودك , ليش تروحين لناس ما تبينهم ؟
قالت ببحّة
: حياتي اللي طلعت جذبة كبيرة , ابيهم يحسّون بمرارتها , ابيهم يشوفون جريمتهم كل ما شافوني
: غِنا !
قالت برجاء
: خالي تكفى لا تناقشني , اصلًا بيتهم مو بعيد عن بيت يدّتي , كل ما احتجتها اكلّم واحد من الشباب يودّيني لها , لا تخاف علي انا هدّيت رياييل
ضحكَ رغمًا عنه
: كفو بنت يوسف ! والله ماهي داخلة مخّي انتي وشغلتك ! لو انّنا عايشين هناك كان حشّينا رجولك قبل ما تشتغلين هالشغلة
بحدّةٍ قالت
: شفيها شغلتي ؟ ابوي راضي عنها
لوّح بيده بلا مبالاة
: الله يرحمه بس !
رمقته بنصفِ نظرة , ثمّ قالت
: لا تجرّب صبري !
ابتسم وصمت
بعد دقائق توقّفت السيّارات الثلاث امام المنزل
كان عبد المحسن في الخارج
يدخّن سيجارته
نظرَ اليهم ببرود وهم ينزلون من السيّارات
قال تركي بخفوت
: من ذا ؟
بسخريةٍ قالت
: اخوي طال عمره ! عبد المحسن
ابتسم تركي , واقترب من والدته يعينها
اقتربت الجدّة من الباب , وبعصاها ضربت ساق عبد المحسن بخفّة
: وسّع يا ولد معانا حريم
نظر الى العصا بذهول , وابتعد فورًا
دخلت الجدّة اوّلا , ومن خلفها ابنتها
ثمّ ولاء ورزان
التي نظرت اليه ببرودٍ شديد
ثمّ ابو سلمان , الذي صافحه برسميّة
: مساك الله بالخير
بهدوءٍ قال
: مساك الله بالنور , تفضّل
اخيرًا غِنا , ومن خلفها تركي وحمد
قالت ساخرة
: شلونك يا الاخو
بسخريةٍ هو الآخر قال
: حيّاك الله
حمد من خلفها اطال النظر اليه , ثمّ صافحه دون ان يتكلّم
ثمّ تركي , الذي قال برسميّةٍ هو الآخر
: شلونك يا عبد المحسن ؟
اومأ بخفّة
: الله يسلمك , تفضّل
,
سلّمت عليهنّ وهي تكادُ تقفز الى الخارج
حينَ انتهينَ ولم ترها
اسرعت الى خارج الغرفة
لتراها ومن خلفها حمد وتركي
شهقت وارتدت الى الخلف
عقدت غِنا حاجبيها وقالت
: شصاير ! شفيها هذه
قال حمد ساخرًا
: حنّا البشر الحريم اللي كاشفين يشردون اذا شافوا رجّال ماهو محرم
قالت غِنا ساخرة , متمتمة
: نفس الكلام سبحانك يارب !
تركتهما ودخلت الى الغرفة
عانقتها سنا بشهقة
: اشــتــقــت لك , اشتقت لك اشتقققت لك
ربتت عليها غِنا بابتسامةٍ لم تستطع اخفاءها
ثم ابعدتها عنها
نظرت الى جدّتها وخالتها , التان تنظران اليها بحنوٍّ كبير
ثمّ الى والدتها
قالت ببرود
: الله بالخير
نغزتها جدّتها خفية
لتخفي ابتسامتها
هذا يعني انّ جدّتها تستنكر فعلها , لكنّها لا تريهم استنكارها
اقتربت وصافحت والدتها
التي فاجأتها بأنّها عانقتها
ثمّ قالت بنبرةٍ مهتزّة
: نورتي بيتك
ابتعدت عنها وقالت بجفاء
: آخر ما اذكره انّه ما كان بيتي
حمحمت خالتها , وخزرتها بنظرةٍ قوية
لتتأفّف , خلعت العباءة وجلست ارضًا , متّكأةً بظهرها الى ساقي رزان
قالت امّ سالم " الجدّة "
: الا جدّتكم وينهي فيه ؟
انفجرن ضحكًا رزان وغِنا
لتهمس ولاء من بين اسنانها
: ووجع حتّى وجع
باحراجٍ كبير رفعت سنا يدها تحاولُ اعادةَ خصلٍ وهميّةٍ الى الخلف
وبهدوءٍ قالت ام عبد الوهّاب
: تعبانة ونايمة
قالت خالة غِنا " ام عزْ " , بجديّة
: ما عليكم امر تصحّونها , حنّا جايين نشوفها
التفتت ام عبد الوهّاب الى سنا , باحراجٍ قالت
: روحي يا سنا شوفي جدّتك
نهضت ام عبد الوهّاب لتضيّفهم
التفتت ولاء برجاءٍ الى غِنا ان تنهض بدلًا عنها
لكنّ رزان قالت من بين اسنانها
: على تبن
زفرت ولاء ونهضت , اخذت دلّة القهوة وقالت
: عنّك يا ام... ؟
هزّت رأسها بتساؤل
لتبتسم ام عبد الوهاب بهدوء
: ام عبد الوهاب , ارتاحي حبيبتي !
قالت ولاء بلطف
: معليش ما يصير
التفتت لتضيّف جدّتها وعمّتها اوّلًا , ثمّ التفتت الى ام عبد الوهاب ومدّت لها فنجانًا
قالت غِنا ببرود
: انا ابي
قالت رزان بذات البرود
: وانا بعد
نظرت ولاء الى جدّتها بغضب
اومأت جدّتها وهي تغمضُ عينيها
بمعنى " ما عليه , عطيهم , وحسابهم بعدين ! "
ضيّفتهما بابتسامةٍ متوعّدة
,
برجاءٍ قالت
: يمّه لا تفشلينا مع الناس , جايين بيشوفونك !
قالت بحسرة
: انا متفشلة من ربّي , ومن نفسي , ومن الناس , هاللي جايين يبون يصغرون قدري يا سنا
: يمه الله يخليك , طلبوك بالاسم , وبعدين محد يقدر يصغّر قدرك في بيتك
تأوّهت بحسرة , ثمّ نهضت بتثاقل , ونزلت مع سنا التي تسندها
دخلتا الى المجلس وفورًا صفّرت غِنا
: وصلت بطلة الفلم
قرصتها ولاء بخفية
تأوّهت , وسمعت رزان تقول بحدّةٍ هامسة
: ولاء ما لك شغل !
قالت ولاء بهمسٍ غاضب
: والله يا ويلكم !
نهضتا ام سالم وام عز , قالت ام سالم بنبرةٍ ثقيلة
: حياك الله
سلّمت عليهما , وجلست بعيدةً عنهما
اقتربت منها ولاء , وقالت بجفاء
: شلونك يا خالة
انحنت وقبّلت يدها
كما تربّت , وكما جرت العادة
رغمَ غضبها منها , وحنقها عليها !
نظرت ام عايد الى غِنا بحنين
لتبتسم غِنا باستهتار
: شفيج ؟ تصدقين حجيّة يزاج الله خير عطيتيني , شوفي يدّتي هذه , صج الواحد يفتخر ان عنده يدّه , ويع ما اتخيّل انج مربيتني وانّي عايشة معاج
بهدوءٍ مبطّنٍ قالت ام سالم
: غِنا يا امّي اسمحي لي اتكلّم
ازدردت غِنا ريقها , لأنّها تعلمُ هذه النبرةَ جيّدًا !
همست رزان
: جاك الموت يا تارك الصلاة , هالمرّة حتّى انا ما بيدي لك شي
قالت ولاء بتشفٍّ
: ليتها ترنّك كف يرجع عقلك
بخوفٍ مضحكٍ قالت
: لا يدّتي ما تطق طراقات !
حينها جلست سنا بجانبها , تفرضُ نفسها عليها
بغيرةٍ طفوليّة , ارادت ان توصل لهاتين انّها هي شقيقةُ غِنا !
انها احقُّ منهن بها
همست سنا
: كأنّك زوّدتيها
اعتدلت غِنا في جلستها , نظرت الى سنا طويلًا , قبل ان تلتفت الى رزان وولاء
قالت ولاء مبتسمة
: ما شالله على انكم توأم بس انتي احسك احلى !
قالت رزان ببرود
: وين احلى ! غِنا احلى بكثير
بنصفِ نظرة نظرت الى سنا , ثمّ اشاحت عنها وهي تقول
: بدون زعل يعني
بابتسامةٍ مغتاضةٍ قالت سنا
: ما فيها زعل , بالعكس افرح انّ توأمي تكون اجمل مني
ابتسمت رزان نصف ابتسامة
وضحكت غِنا بخفّة
قالت ام سالم بجديّة
: ماني جايّتك اواصلك واودّك يا ام عايد , هذه بنتنا وان كان دمها لكم , بنتي كبرتها ورضعتها وتعبت عليها , ما ابي احاسبك على شي وانتي بذا العمر , يكفي حسابك لنفسك ويزود عليك ويتعبك
صمتت لثوانٍ , ثمّ قالت
: غِنا اختارت تعيش عندكم وانا ما ابي امنعها وان كان يضايقني هالشي , لكن ان شفت منكم تقصير واذية لبنتي , لا والله امنعها واجي واسحبها سحب لبيتي , هذه خالتها وبمجلسكم خالها , شهدوهم , البنت عندي مدلّلة ما تجيها كلمة تغثها , عايشة حياة طبيعية في بيت اهلها , ان كانكم بتصيرون اهل لها تركتها , وان كانكم تبون فوق جرمكم الأوّلي بتأذون بنتي وتوجعونها , لا بالله ماني تاركتها
ظلّت ام عايد صامتة , لتقول ام عبد الوهّاب ببحّة
: غِنا بنتي , طلعت روحها من روحي , وان ما كنت ربّيتها فأنا اللي ولدتها وشفت الموت فيها , ويشهد الله ما لي علم عنها ولا بوجودها
قاطعتها غِنا ساخرة
: خوش ام والله
تجاهلتها والدتها وتابعت
: وحتّى عمّتي ما عطتها عمدًا , القصة ملخبطة...
قالت غِنا بحدّة
: جذّابة ومشلوعة عينها
قالت ام سالم بصبرٍ بدأ ينفذ
: غِــنــا
صمتت بغضب
شعرت بكفِّ رزان تشدّ على كتفها , لتتنفّس بعمق
قالت ام عبد الوهّاب
: غِنا ملاقية صعوبة بتقبّلها لنا , ونفس الشي حنّا نلاقي صعوبة في اننا نستوعب ان عندنا بنت بعد اربعة وعشرين سنة ! هالوضع ماهو طبيعي , والطبيعي يكون بيننا نفور وحزازية وتحفّظ لين نتعوّد , هذه بنتي وان ما وسعها البيت توسعها عيوني , مثل ما شلتها تسع شهور ببطني , وانحرمت اربّيها , بعطيها اللي اقدر عليه بعد هالعمر
,
في مجلس الرجال
صمتوا لبعضِ الوقت بانتظار ابو عبد الوهّاب
ضيّفهم في ذلك الوقت عبد المحسن , وبعد برهةٍ دخل ابو عبد الوهّاب
بعد ان صافحهم جلس
حينها قال ابو سلمان دون مقدّمات
: انت ما تجهل سبب جيّتنا لكم , بنتنا تسرّعت في البداية وجاتكم بدون علمنا وشورنا , ثمْ رجعت لنا تبكي , وذي المرة رغم انّنا عارضناها لكنها اصرّت
احتدّ صوته قليلًا وهو يتابع
: تراب امها ما نشف , اختي ما كان عندها غير غِنا تطالع الله ثم تطالعها , جبتها لكم لأجل ما اكسر خاطرها , لكن والله وعزّة الله اللي يكسر خاطر غِنا كسر خاطري , وانا اذا انكسر خاطري شيْن
همّ عبد المحسن بالردِّ عليه , وقد استفزّه كثيرًا
لكنّ والده اشار له ان يصمت , ليقول هو
: البنت من دمّي ولحمي ايه , لكنها ماهي من ثوبنا ولا مواخذينا ولا حنّا اللي ربّيناها...
قاطعه حمد بحدّة
: ماهو ذنبها انكم ما ظميتوها لكم
قال عبد الوهاب وقد اخذته الحمية
: لها مكان في بيتنا وعلى عينّا وراسنا , حقها علينا مثل حق اختها , ونبي نعدل بينهم ونتعوّد عليها , هي بنتنا بالنهاية , حتّى وان ربّيتوها , مصيرها رجعت لبيتها
بابتسامةٍ باردةٍ قال تركي
: صدقني ماهو قاصرها شي ورجعت تدوره عندكم , غِنا لو تقدر خذت حياتكم وعطتها لأمها وابوها , غِنا جايّة تاخذ الاربعة وعشرين سنة اللي سرقتوها منها وعاشتها بكذبة , وان كانت تحب الكذبة اكثر بكثير من حقيقتكم
قطع ابو سلمان النقاش , وهو يسأل
: ليش رميتوها ؟
قال ابو عبد الوهّاب , وهو يشدّ على قبضته
: هذه امور عائلية
انفجرا تركي وحمد ضحكًا , وابتسم ابو سلمان
قال ابو سلمان بهدوء
: بغيت اتأكد ان كانت جدّتها فعلًا رمتها او لا !
قال تركي وقد عقد حاجبيه باستفزاز
: تخيّل يا ابو سلمان امّي معطية احد من عيالك !
ضحك حمد بعمق , ثمّ مسح على عينيه
نهض عبد المحسن وخرج من المجلس
شاعرًا بالاهانةِ التي تعمّدوا ان يوصلوها لهم !
حينَ رأى ابو سلمان وجوههم قد تغيّرت وامتقعت
نهض وقال بهدوء
: بنتركها عندكم , وبأصغر اتّصال منها بنجيكم كلّنا وناخذها وتظلّون بحسرتكم عليها
قال تركي بصدق
: اكسبوها , والله ان كسبتوا غِنا انتوا الربحانين
قال حمد مبتسمًا
: انا اشهد
نهض عبد الوهّاب وسألهم
: كلّكم خوالها ؟
قال ابو سلمان
: انا وتركي خوالها , وحمد زوج بنت خالتها اللي كانت معاها بايطاليا
عقد عبد الوهّاب حاجبيه بضيق
استأذنوا عائلةُ غِنا , وخرجوا من المنزل
خرجت غِنا معهم تودّعهم
ساعدت جدّتها لتركب , وقبل ان تغلق الباب سحبتها جدّتها
قرصت ذراعها وقالت بهمس
: اصبري لي بس لين اشوفك , حاسبتها في تفتر
تأوّهت بضحكةٍ عميقة , ثمّ ابتعدت وقالت
: اوصي رزان تشقه التفتر
اغلقت باب جدّتها والتفتت بنظرها الى سيّارة حمد
قبّلت كفّها ولوّحت بها الى رزان
ثم التفتت لتدخل الى المنزل
تأفّفت حين رأتهما , وسارت من جانبهما الى المنزل
قال عبد الوهاب بسخرية
: شفت حمد
قال عبد المحسن منزعجًا
: خالها مدري ولد خالها , يا اني كرهته بشكل
بضحكةٍ قال عبد الوهاب
: زوج بنت خالتها
التفت اليه بصدمة
: لا يا شيخ !
هزّ رأسه مؤكّدًا
رمى عبد المحسن سيجارته ارضًا , دعسها بغيضٍ وقال
: الكلب نافخ صدره وشايف نفسه ! والمرة اللي فاتت جا واخذها ! بس هيّن خلني اشوفه مرة ثانية
ابتسم عبد الوهاب ودخل الى المنزل
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثالثة وعشرون دقيقة مساءً
بتعبٍ كانت شبه مستلقية على المقعد القريب من سريره
مغمضةٌ عينيها وحاجبيها معقودان
ناداها بخفوت
: ميلاف نمتي ؟
همهمت وفتحت عينيها
ببحّةٍ قالت
: لا , تبي شي ؟
: عطيني موية
اعتدلت في جلستها ورفعت الكأس الى فمه
شرب بعضه وابتعد
لتعيده الى مكانه , ثمّ سألته
: حاس بشي
ابتسم والمٌ يجتاحه بقوّة
: لا
قالت بعد صمتٍ لثوانٍ
: شرايك نزوجك
ضحك بسخرية , ثمّ قال
: تكفين ميلاف
امسكت بكفّه , وقال بجديّة
: من جدّي
ابتسمَ يسايرها
: خلاص روحي اخطبيلي , بس لا تنسين تعلمينهم انّ فيني سرطان رئة وتضخّم عضلة , واني عايش على المسكّنات وتحت مراقبة الاجهزة , وانها بتنام معاي على ذا السرير , وانّي ماني مطوّل معاها
اغمضت عينيها لتجمح غضبها/حزنها
ثمّ فتحتهما وقالت بهدوء
: اللي ابيها لك تدري
عقد حاجبيه , وقال مستنكرًا
: من ذي ! تراك ترمّين الغاز من جيت
ابتسمت ومسحت على جبينه
: تدري انّك كنت معجب في ورد لما كنتوا صغار !
قال بصدق
: جميلة ورد
ابتسمت بمحبّة
: والحين صارت اجمل
: ميلاف ما يجوز !
: يجوز
صمتَ لثوانٍ , ثمّ قال بحذر
: ما تفكرين باللي افكر فيه اكيد ! مستحيل تفكرين فيه اصلًا
ظلّت مبتسمةُ بصمت
ليقول ببداية غضب
: انسي الموضوع
بانفعالٍ قالت
: ليش ؟
قال بذهول
: ورد اختك ! شلون ترخصين حياتها وتحكمين عليها بالتعاسة !
لمعت عينيها وقالت ببحّة
: هي راضية !
قال قبل ان يفهم
: اذا هي مجنونة انا ماني بايعها...
صمت لثوانٍ , ثمّ قال بخفوت
: وش راضية فيه ؟
قبّلت كفّه , وقالت
: ورد حالمة ورومانسية , قبل خمسطعش سنة يمكن قلت لها كم مرّة بتزوجك لا كبرت , للحين محتفظة بوعدك , تدري كم مرّة انخطبت وما وافقت
قال بلا تصديق
: ميلاف وش تخربطين !
برجاءٍ حانٍ قالت
: الوحيدة اللي تناسبك وتستاهلك ورْد
هزّ رأسه برفض
: مستحيل , ورْد بنت عمّي , ما ادمّر حياتها
بكت ميلاف بضعف
: ليش تتكلّم كذا ! انت بتطيب , صدقني بتطيب وتقوم سالم عشاني وعشانها وعشان خالتي وعمّي
سحبها اليه وعانقها بضعفٍ هو الآخر
لا تفهم ميلاف !
لا تفهم انّه على حافةِ الموت
ستدفعه ريحٌ ترمي به الى هاويةِ الموت الأسود
سيموت بمرضٍ خبيثٍ متفشٍّ في جسده
يعبث بقلبه ورئتيه
يأكل عافيته رويدًا رويدًا
قالت بأمل
: وش قلت
تنفّس بعمق , ثمّ قال
: اتركيني افكّر
اغمضت عينيها , ودمعتين شوّهتا ملامحها الجميلة
لفظتهما من عينيها , علّ قلبها المثقل يرتاح ان سقطا عنه !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الرابعة مساءً
بشرودٍ رفعت الشوكة الى فمها
شعرت به يهمس
: وش فيك ؟
التفتت اليه بانتباه
: هلا ؟
ابتسم
: وش تفكرين فيه ؟
زفرت , وقالت
: ما عرفت ليش سافرت وجْد ؟
انزل كوب العصير وقال
: اكيد سفرة عمل
: طيب ليه ما خذت دارين معاها ؟ - بقلقٍ قالت – تكون ما عاد تهمها ؟
انفجر ضحكًا , ثمّ قال
: وجْد متوحشة جدًّا من ناحية دارين , بس اظن عشان الجامعة
من صدر الطاولة حمحمت والدتهما بحدّة
لتزفر زينة , وتقول بخفوت
: يا صبر ايوب
ابتسم خالد , والتفت الى ابنِ اخيه
: فايز شلونك ؟ من زمان ما شفتك
بحدّةٍ قالت والدته
: اي من انتقلت للشرقية
ابتسم فايز , وقال بهدوء
: الله يسلمك , عايشين
قال ابو فايز
: انت شلونك خالد ؟ بتشتغل ولا تدرس ولا وش خطّتك
قال بزفرة
: ما ادري يا اخوي , للحين ما حطّيت شي واضح قدّامي
قالت والدته بحدّة
: وراك ما حطيت ؟ من متى طلعت من السجن ؟ وش تسوّي في الشرقية ؟ اتركوا بنات خلق الله اعفوهم لوجه الله لمتى بتلاحقونهم !
اسقطت زينة كوبَ العصير بتوتّر
لأوّل مرّة تتحدّث والدتها بهذه الصراحة امامَ الملأ !
هزّ ابو فايز رأسه وقال بهمس
: لا حول ولا قوّة الا بالله
نهض وقال بضيق
: عليكم بالعافية
نهضت ام احمد بضيقٍ اكبر وقالت
: عليكم بالعافية
خرجا من غرفةِ الطعام
مسحت زينة على جبينها تخفّف توتّرها
قال خالد مبتسمًا بغبنة
: اوّل عزيمة لي في بيت زينة خربتيها يمّه ! ما شالله عليك !
قال وافي وقد اقلقه التوتّر
: يمّه !
رفعت رأسها اليه
بحنوٍّ قالت
: ما في شي حبيبي , خذ اختك واخوك واطلعوا فوق مع عيال خوالكم
نهضت الجدّة وتبعت ابنيها
قال احمد بلطف
: خالتي لا تتضايقين
نهض فايز وجلسَ بجانبها
قبّل رأسها وقال
: عمّتي ما عليه جدّتي خايفة عليكم
هزّت رأسها
: مو مشكلة , يلا قوموا نروح للمجلس
اشارت للخادمتين الواقفتان قريبًا ليرفعا الطعام
نهضت وقالت
: انا بطلع اشوف الصغار وارجع
نظروا اليها وهي تصدُّ عنهم لتصعد الى الأعلى
انحنى ظهرها المستقيم دائمًا
ثوبها البيتي الأنيق , بلونيه البنفجسي والفضّي
سحبت ثقله بخيبةٍ معها
ابتسم احمد وقال
: انيقة حتّى وهي تصيح
ضحكَ خالد بضيق
ورماه بعلبة المناديل
: قوم قوم
نهضوا معًا الى المجلس الواسع
قال خالد بتحذير
: زينة بتنزل الحين , اقسم بالله اللي يغثها بكلمة انكم ما عاد تشوفون وجهي ولا وجهها , انا بنفسي بقول لحامد يحرمها من شوفتكم والجية عندكم
التفت الى والدته
: بالاخص انتي يمّه تموتين على جوري وخالد , والله وعزّة جلال الله ما عاد تشوفينهم لو غثيتي زينة بكلمة , بسكم حرام عليكم ! مو كافي اللي تعيشه واللي تحس فيه ؟ تزيدونها انتوا !
قالت والدته بحرقة
: من حسرتي عليكم يا الاثول , ضيّعت نفسك من قبل وهي ما تقعد , ضيّعتك مرّة وضيعت نفسها الف مرّة , دارية والله , دارية وش تحس فيه , بس ذا اللي جنته على نفسها يا يمّه , هذا اللي جابته لنفسها
قال ابو فايز بزفرة
: يمه السالفة قديمة وش له داعي ذا الكلام !
قالت بغضب
: انا ولا هم ؟ ما بيهجدون لين يودّرونا كلّنا معاهم
جاءهم صوت خطواتِ زينة
ليشير اليهم خالد بالصمت
وجلس بجانب فايز
الذي قال بهدوء
: صاير عصبي حيل !
بزفرةٍ قال
: يطلعون الواحد من طوره
قال فايز
: اعطيهم الحق
رمقه بنصفِ نظرة , ثمّ قال بجفاء
: اكرمنا بسكوتك
ابتسم فايز نصف ابتسامة
ليضحك خالد , وقال
: تدري ثنتين من البنات قالوا لي ابتسامة فايز هذه تخقق
رفع فايز حاجبيه , ثمّ ضحك بخفّة
ليقول خالد ساخرًا
: قليلات الخاتمة بوجهي قالوها , يلا ضامن نفسك لو دقّيت اي باب يوافقون عليك
قال فايز بنبرةٍ مبطّنة
: انت ما تحتاج احد يوافق عليك
زفر بهمٍّ ولم يجبه
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
دخل من خلف شقيقه وأغلق الباب
صعد الى الأعلى فورًا
فتحَ باب غرفتها
صفّق ساخرًا , وقال مستهترًا
: عسى قلبك ارتاح ؟ عساك مستانسة الحين ؟
اسرعت عائلته الى الصوت
قال والده بحدّة
: عبد المحسن لا تتعدّى حدّك
التفت الى والده وقال وهو يشير اليه
: يبه يرحم والديك انت لا تتدخل
زجره عبد الوهّاب
: عبد المحسن !
سحب تحفةً زجاجيةً صغيرة ورماها بكلِّ قوّته ارضًا , ثمّ قال بغضب
: تبوني اوطّي على رجلها واتشكّرها ؟ شوفوا لأي حال وصّلتنا !
التفت اليها وصرخ دونَ وعي
: ليش سويتي كذا ؟ ليش عطيتي بنت ولدك ليش ؟ اللي يسوى واللي ما يسوى اكل وجيهنا , اهانونا في مجلسنا , حقّرونا ونقصوا قدرنا , فضحتينا وحنّا ما انسمع عنّنا الا كل خير
التفت الى والده واشار اليه باتّهام
: انت الاب , صاحب البيت , من كنّا هالطّول ما شلت مسؤوليتنا , كبرنا واحنا هم على امّي , هي اللي تربّي وتهتم وتدرّس وتسأل , كنت اطوّل في الشارع تلبس عبايتها وتطلع تدوّرني , كانت تروح مع عبد الوهاب للجامع البعيد عشان يحفظ القرآن , تخاف ترسله بروحه تروح وتنتظره بالشارع لين يطلع , كانت تشيل سنا كلما جاتها حرارة وتركض بالشارع معاها عبد الوهاب يركبون تاكسي ويودونها المستشفى , وش كان دورك في حياتنا عشان تعلمني حدّي ؟ بسبّتك وبسبّة امّك شوف لأي حال وصلنا , تمسخرنا ! , وباقي ما انتشر الخبر , باقي بننفضح ونصير على كل لسان , قطّينا بنتنا ! الاب بالبر ما يدري عن شي , الجدّة متبرعة ببنت ولدها !
بنحيبٍ رجته والدته
: محسن تكفى !
ضحكَ بحرقة
: وش اللي تكفى ! وش قيمتهم هاللي جايبين غِنا يهينونّا في بيتنا , غِنا بنتك توأم سنا , شوفي شكلها شوفي تربيتها , عمرك فكرتي تربّين سنا هاللّون ؟ عمرك تخيّلتي بنتك شرطية !
اخرج من جيبه مجموعة صور ورماها ارضًا وهو يصرخ بغضبٍ هادر
: شوفي , شوفي بنتك , هذه صورها بايطاليا , شوفي لبسها , شوفي شعرها
سحب احدى الصور وصرخ ببحّة
: هذا حبيبها , شوفي شلون ماسكها , هذه بــــــــنـــتــكـــم ! بنتكم اللي ربّوها الناس ! , من ذنبه ذا ؟ من بيقابل ربّي فيكم بذنب غِنا ؟
كانت سنا امام الباب تغطّي فمها وتبكي , ووالدتها بجانبها تنتحب
في منتصف الغرفة عبد المحسن , وقريبًا منه عبد الوهاب
وبقرب الباب والدهما
اقتربت غِنا تسير ببرود
اتّكأت بذراعها الى باب الغرفة , وقالت بسخرية
: شفيكم تصارخون ؟
ضحك عبد المحسن بقهرٍ وغبنة , والتفت الى والده
: بتقدر تشيل مسؤوليتها ؟ بتقدر تعطيها شي بسيط من اللي ما عطيته لولا واحد فينا ؟ انتي يمه بتقدرين تربّينها وهي بهالطّول ؟
قالت ببرود
: مو محتاجة تربية
التفت اليها عبد الوهّاب بغضب , لتقاطعه قبل ان يتكلّم , بحدّة
: ولا كلمة , ولا واحد منكم له كلمة علي , انا ياية اعيش بينكم حقّ الدم اللي بيننا , حق التربية والطّاعة ما لكم منّه نصيب , انا بنت يوسف وندى واقطع
خرج والدهم من الغرفة
ليصرخا عبد المحسن وغِنا في آن
: اي روح للبر...
قطعا كلماتهما والتفتا الى بعضهما
قال عبد الوهاب بزفرةٍ مهمومة
: ذا اللي كان ناقصنا
خرج عبد المحسن من الغرفة , متجاهلًا انين جدّته الذي لم ينقطع
نظرَ اليها عبد الوهّاب طويلًا , ثمّ قال بقلّة حيلة
: الله يسامحك
وخرج هو الآخر , وتبعته والدته
اقتربت سنا من جدّتها , لتقول غِنا ساخرة
: خلّيها ما عليها شي
التفتت اليها سنا بعصبية
: غِنا روحي هناك لو سمحتي
نفثت ضحكةً ساخرة وتركتها ونزلت الى الأسفل
استلقت نصف استلقاء على الأريكة , واخرجت هاتفها تعبثُ به
مرّ وقتٌ طويل لتغرب الشمس وتظلم الغرفة
شعرت بثقلٍ بجانبها
التفتت اليه , استلقى من الجهةِ المعاكسةِ لها
ورأسه قريبٌ من رأسها
بنبرةٍ فضّةٍ قالت
: خير , شتبي ؟
ببرودٍ قال
: اسولف معك , نتبادل خبرات
تجاهلته واعادت عينها الى هاتفها
ارتشف من كوبِ الشاي , ثمّ قال
: عرفيني على نفسك
قالت ساخرة
: غِنا يوسف الداحم , عمري اربعة وعشرين سنة جنسيتي كويتية وايطالية...
قاطعها
: اي هلا فيك , شلون كان شغلك , تحسّين انّك ناجحة فيه يعني ؟
فتحت موقعًا خاص , وكتبت اسمها فيه , ثمّ مدّت اليه الهاتف مفتخرة
: شوف بس
قال وقد رفعَ احد حاجبيه
: ما اعرف ايطالي , الحين يطلعْ كلّه ذم فيك وانتي تنصبين علينا
ضحكت دون ان تعلّق
بعد صمتٍ يسير
قال بنبرةٍ تفهمها , نبرةٍ لعوب !
: اقول غِنا
همهمت , ليقول
: من ذي اللي خذتك المرة اللي فاتت , البيضا
توقّفت اصابعها عن العبثِ في هاتفها
وذات النبرة , بصوتٍ آخر وكلماتٍ اخرى , كانت قد سمعتها قبل فترة
" : اقول غِنا , من ذا اللي تهاوش مع حمد , ملامحه غريبة "
قالت بضيق
: خالتي
عقد حاجبيه
: شكلها صغيرة
: اي شكلها صغير , بس عمرها فوق الثلاثين وعندها ثلاث عيال
ظلّ صامتًا , ثمّ نهض وخرج من الغرفة
قالت متوعّدة
: قاعدتلك يا ويه البوم , عباله اخلّيها الجلبة تهدْ حمد الوردة وتاخذه , انا لج يا رزانوه
,
,
فرنسا – باريس
نزلت من الطائرة , وركبت السيّارة فورًا
اغلق السائق الباب , وجلس في الأمام , وقال وهو يمدّ لها صندوقًا
: سيّدتي هذا لك
اخذته باستغراب
: ما هذا ؟ مِمّن ؟
: اعطاه لي رجلٌ عربي , قال انّها امانة
فتحته , لتفوح رائحةُ الكعكِ الفرنسي , وورقةٌ مطويّةٌ عليه
فتحتها بحاجبين مرفوعين
بالانجليزية قد كتب
" اهلًا بك في باريس
قلبٌ لكِ "
ابتسمت بذهول , واخرجت هاتفها لتتّصل فورًا
اجابها بنبرته التي تجمّد اطرافها وتشلّ حركتها
: هلا
ابتسمت
: انت في باريس ؟
ابتسم هو الآخر
: ما تحمّلت السعودية بدونك
ضحكت بعمقٍ ثمّ قالت
: عساس كان عندك شغل !
: خلّصته
قبل ان تتحدّث , سمعت صوتًا من طرفه , صوتٌ قريبٌ منه
: ضاري انا جاهزة , متى نروح ؟
قال بنبرةٍ جادّة
: خلاص اكلمك بعدين , مع السلامة
بهتت ملامحها , لم تستطع حتّى ابعاد الهاتف عن اذنها
بينما اغلق هو الهاتف , والتفت اليها
قالت باستغراب
: من تكلّم ؟
اشار بلا مبالاة
: مو شي مهم , يلا نمشي
ابتسمت وهي تحملُ حقيبتها
: وين بتعشّيني ؟
ابتسم وخرج قبلها
: مطعمك المفضّل !
,
,
-
الى الملتقى
-
{ وَمَا تَوْفِيقِيْ إلّا بِالله عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبْ }