بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء العاشر
-
الكلمات عبث ,
وأنت كنت دائمًا لغتي
التي لا يفهمها أحد
*غسان كنفاني
-
المملكة العربية السعودية – الرياض
اوقف السيّارة امام المنزل , والتفت اليهما
: تقدرين تنزلينها ؟ شكلها مو واعية !
دون ان تجيبه , لامست وجنتها وقالت برفق
: غِنا وصلنا , يلا ننزل
فتحت الباب ونزلت , ومدّت لها كفّها لتساعدها
نزلتا , ونزل حمد
قالت رزان
: ما قصرت حمد
: ما سوّيت شي , طمنيني عليها
هزّت رأسها ايجابًا واولته ظهرها لتدخلانِ الى المنزل
فتحت ولاء الباب
وشهقت من منظر غِنا
: وش فيها !
: امسكيها معاي
امسكت بها ولاء وهي تكاد تبكي
كانت غِنا كشبح !
واجمة , هزيلة , عينيها غائرتين وشاردتين
ادخلتاها الى غرفةِ الجدّة الجانبية
هلّلت بشهقةٍ حينَ رأتها
: لا اله الّا الله , لا اله الّا الله , بسم الله على بنيتي
انزلتاها بجانبها , لتسحبها اليها وتبكي
: يا روحي يا بنتي , وش جرى عليك يا امّي !
كأنّ غِنا استفاقت , حينَ وجدت ريحَ امّها في جدّتها
تأوّهت وهي تشدّ على جدّتها , بكت بحرقة
: ابي امّي , ليش خلّتني ليش
بحسرةٍ اغمضت جدّتها عينيها
: راحت لربها يا روحي , راحت وخذت روحي معاها , وقبلها هدى خذت قلبي معاها , تركوني بناتي وراحوا قبلي
بانهيارٍ وقلّة حيلة صاحت
: يـــدّة
بكت جدّتها وهي تمسح على ظهرها
: بس يا امّي , بس يا حبيبتي ماهو زين عليك
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الخامسة وخمسٌ وثلاثون دقيقة صباحًا
بتأوّه غسلت وجهها , ثمّ خرجت من الحمام
قال بجنوْ وهو يشدّها اليه
: تروحين اليوم ؟
ببحّةٍ ووتعبٍ قالت
: اي
: لا تعاندين شكلك تعبانة , خلّك بالبيت
بكت باشمئزازٍ وقالت
: الالم اتحمّله , بس قرف ما احب ارجع
نظرَ اليها بصمتٍ لثوانٍ , ثمّ انفجر ضحكًا وهو يهزّ رأسه بلا تصديق
: مدري وش اقول والله ! انتي وش انتي !
ابتسمت رغمًا عنها , وجلست معه الى الطاولة
سحبت كوب القهوة ترتشف منه
تأفّف
: يا بنتي انتي حامل , وش قهوة من الصبح ؟
بمللٍ قالت
: غيث صاير عجوز انت والزن ذا !
ابتسم , وقال بعد ثوانٍ
: مو باقي كثير تفقدين هالعجوز
اهتزّ الكوب بين كفّيها , انزلته على الطاولة
قالت بحدّةٍ مرتجفة
: لا تعيد هالكلام اللي ما له معنى , انت بتطيب , بتطيب عشاني , بتصير بخير صدّقني , اليوم بتوصل تجهيزات غرفتك الطبّية
بانزعاجٍ قال
: ميلاف ما ابي انام في غرفة كأنّي بمستشفى , ابي اعيش حياتي طبيعية لين امـ...
قاطعته وكأنّها لم تسمعه
: متى ما حسّيت انّك محتاج تنام فيها بتنام فيها , براحتك الحين خلّك في غرفتك وعلى سريرك
زفر دون ان يجيب
مرّ وقتٌ قبل ان تنهض وتقول
: انا بلبس عبايتي
,
,
المملكة العربية السعودية – الخبر
التاسعة صباحًا
نزلت الى صالة الطعام
وضعت حقيبتها وعباءتها على احدِ المقاعد وهي تقول
: صباح الخير
اجابوها بخفوت
: صباح النور
جلست يمينَ وجد , لتباشرها العاملة
قالت
: حطّيلي بس عصير
قالت وجْد
: ليه ما تفطرين ؟
: ما اشتهي , سهرانة للثلاث واكلت في الليل
سألتها سلاف بعد ان انزلت كوب الشاي
: شلون كان دوامك ؟
بحماسٍ قالت
: وناسة , كأنّي داخلة دار ازياء , اشكال والوان وموديلات وناس , يعني تحسين حياة حياة بنات كثير ويسولفون ويضحكون ويتمشّون ويجلسون سوا
سألتها جدّتها مبتسمة
: تعرّفتي على احد ؟
: اي سولفت مع البنات اللي في القاعة
سألها احمد
: حسّيتي بسهولة في الفهم ؟
: يعني شوي استصعبت الموضوع , بس اكيد بتعوّد
قال باهتمام
: شرح الدكتورات ملمْ زي اللي يجونك للبيت ؟ ولا في فرق ؟
: في فرق , اللي يجوني للبيت تركز عليّ بروحي , اللي في الجامعة قدامها تقريبًا خمسين طالبة تركز على الكل وتهتم للكل
قالت سلاف بمحبّة
: الله يوفقك
ابتسمت , انهت عصيرها ونهضت
: انا طالعة
قالت وجْد بهدوء
: انتبهي لنفسك
هزّت رأسها ولوّحت مودّعةً وخرجت
قال الجدّة بخفوت
: عينك عليها ؟
هزّت رأسها ايجابًا
ليزفر احمد
: خنقتوا البنت ! اتركوها تعيش يا عالم هي حياة وحدة
تنفّست باضطرابٍ وقالت
: حياة وحدة مستحيل اخلّي احد يدمرها
بجديّةٍ قال
: وجْد لا تبالغين ! خالد...
نهضت فورًا
والرائحةُ قد ملأت انفها , بشهقةٍ خفيفة قالت
: عمي تكفى !
زفرَ وصمت
وخرجت وجْد , هاربة !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
التاسعة صباحًا
شعرت بكفٍّ تلامس وجهها
فتحت عينيها بسرعة , واعتدلت في جلستها
ثمّ زفرت بكسل
قالت جدّتها بحنوْ
: بسم الله عليك , صح النوم يا امّي , من امس نايمة عزّ الله ما صار نوم !
مدّدت ذراعيها
: وايد تعبانة صار لي فترة ما انام عدل , رزان وين ؟
: في المطبخ تفطر
نهضت وقالت
: بغسل ويهي والحقها
خرجت من الغرفة وجدّتها من خلفها
بعد دقائق ذهبت الى المطبخ
قالت ببحّة
: صباح الخير
ضيّقت رزان عينيها وهي تنظرُ اليها
: صباح النور , شلونك ؟
جلست دون ان تجيبها
قرّبت اليها رزان كوب الحليب
ووضعت جدّتها امامها طبقًا
: كلي
رفعت القرص الصغير المخبوز , الغارق بالعسل
قضمت منه قضمةً صغيرة , وانزلته
قالت دون ان ترفع رأسها
: لا تطالعوني جذي
شعرت بأحدهم يداعب شعرها القصير
وقبل ان تلتفت قال
: شلونج
ابتسمت ونهضت لتعانقه
: الله يسلمك , شلونك انت ؟
قبّل جبينها وقد وجد رائحةَ امّها فيها
قال مبتسمًا , يقلّدها
: ولهت عليجج
ضحكت بتعب , وجلست ليجلس بجانبها
قالت جدّتها مبتسمة
: من امس الليل جا وينتظرك تقومين
: يعلني افداك , ياي عشاني !
قال بودْ
: ان ما جيت عشانك من عشانه اجي
قالت رزان ببرود
: عشاني مثلًا
كشّر بوجهه
: نقص عليك يا القملة
قالت غِنا بنصف نظرة
: اي قص علي , عبالك ما ادري انك تموت عليها القملة ؟
ضحك رغمًا عنه
: والله كلكم عزيزات علي , البنات كلّهم , مدري وشوله تتّهموني بالتفرقة !
قالت الجدّة
: نصاب , عنده رزان واقطع
انفجر ضحكًا , ثمّ قال
: افا يمّه !
ارتاحت رزان في جلستها وقالت
: جد تركي ليه ما جيت من اول ؟
سألته غِنا
: مو ساكن بالرياض ؟!
هزّ رأسه ايجابًا
: ساكن بالرياض بس بيتي بعيد وشغلي مكثّف , لما جيتوا قلت آخذ اجازة بس قالت ولاء عن قرارك انّك ما تجين , فانتظرت وامس علمتني امّي بجيتك على طول اخذت اجازة وجيت
سألته رزان
: كم اجازتك ؟
انزلَ كوب الشاي ثمّ قال
: اسبوعين
التفتت غِنا تنظرُ اليه
زفرت ثمّ غطّت عينيها ومسحت على جبينها
مسح على رأسها برفق
وقال بخفوت
: الله يرحمهم ويغفر لهم , لا تسوّين في نفسك كذا
بصوتٍ قد اختفى من شدّة كتمها لبكائها قالت
: وايد تشبهها , وايد !
ابتسم بألم , والتفت الى رزان
التي كسرت نظرتها
سألها بهدوء
: ما كلّمتي ابوك ؟
نهضت بحدّة وقالت
: رجاءً خالي
خرجت من المطبخ مسرعة
لينظرَ الى والدته
التي قالت بغضب
: وشو له تذكر طاريه ولد ابليس ؟ الله يفكنا من شرّه
قال بجديّة
: البنت ما تعرف ابوها ! كم بيصير عمرها بعد وهي مقاطعته ؟
: خلها تقاطعه العمر كلّه , هماه طلع عيون امها لين توفّت ثم كمل على البنت لين ودّيناها لخالتها
قالت غِنا باهتمام
: صج هو متى طلع من السجن ؟
اجابها خالها
: من ثلاث سنين , جا كم مرّة لي ولأبو سلمان يسأل عن رزان ويبي يشوفها , قلنا له برّى البلد ومقاطعتنا
: عنده عيال غيرها ؟
هزّ رأسه
: اظن عنده بنت , هو تزوج بعد ما طلع من السجن
زفرت الجدّة قهرًا
: الله يرحمك يا هدى , جاها الخبيث من فعايله فيها
قالت غِنا باستدراك
: صج خالتي تاركة لرزان مذكّرة بخزنة بايطاليا , شلون وصلت هناك ؟
قال تركي مبتسمًا
: امّك اللي حطتها , لأنهم توأم كان بينهم اتّفاقات ومؤامرات ما ندري عنها ولا نفهمها !
ابتسمت بمرارة
ثمّ التفتت اليه
قالت قبل ان تنهض , وبحسرةٍ كبيرة
: وايد تشبهها
نهضت وخرجت من المطبخ
قالت والدته بحسرة
: قبلها رزان ما شبعت من وجهك , والحين ذي المسكينة
قال بجديّة
: خلّك من وجهي , وش وضع غِنا الحين ؟ اهلها وش هم من ناس ؟ بتعيش عندهم ولا عندنا ولا ترجع ايطاليا
: ما ادري يا امك , اهلها ضغطوا عليها وكأنهم ما يبونها , هي رجعت تدوّر عليهم , ان ما ناسبتها قعدتها معاهم بترجع ايطاليا والعلم عند الله
,
دخلت الى الغرفة
نظرت الى رزان الجالسة على طرف الشبّاك
تضمّ ركبتيها الى صدرها
اقتربت منها , واتّكأ بذقنها الى كتفها
: شتسوين
ببرودٍ قالت
: العب , تلعبين معاي ؟
: مليقة
: شكرًا
ابتعدت عنها غِنا وقالت
: محد جبرج على شي شفيج انعفستي
التفتت اليها وقالت بغضب , لا يظهر الا ما ندرَ جدًا
: محد يقدر يجبرني عليه , لا على شوفته ولا صوته , انمسح من حياتي هالانسان
: انزين شفيج معصبة ! انمسح وولى باللي ما يردّه , ما عندج سالفة خابّة عمرج على ولا شي
اشاحت رزان بوجهها
وذكرى سيئة بحقِّ والدها هاجمتها
اغمضت عينيها وازدردت ريقها
بعد دقائق التفتت الى غِنا
قالت بهدوء
: وش بتسوّين انتي ؟
رفعت كتفيها , ثمّ قالت بقلّة حيلة
: بكلّم اي احد يحفر لي قبر عند امّي , انتحر وتودّوني لها
قالت رزان ببرود
: حلو , وآخر شي هي تدخل الجنة وانتي للنار , توكّلي على الله
اغمضت عينيها بتعب , ولم تجبها
,
,
المملكة العربية السعودية – الخبر
دخلت الى المبنى , لتسرعَ اليها رويدة
دخلتا الى المصعدِ معًا
قالت رويدة
: بعد عشر دقائق يوصل الاستاذ فهد , عندكم اجتماع حول مشروع اعمار , علمًا ان الاستاذ ضاري اعتذر عن الحضور قبل يومين
هزّت رأسها بزفرة
: عندي خبر
: بعد الاجتماع عندك توقيع مستندات مع استاذ جمال , والظهيرة عندك غداء عمل مع مدام نهى الفضلْ
هزّت رأسها
: اوكي
خرجتا من المصعد حينها , قالت قبل ان تدخل الى مكتبها
: رويدة القي نظرة اخيرة على صالة الاجتماعات
هزّت رأسها
: تمام مس وجْد
نهضت السكرتيرة قبل ان تدخل وجْد الى مكتبها
: مس وجْد عندك ضيف
قالت وهي تفتح الباب
: بعد الاجتماع
دخلت وهي تنظرُ الى هاتفها
واتّجهت الى طاولتها
: صباح الخير
استنفرت خلايات جسدها بأكملها , شعرت بعامودها الفقري يسحبها لتقف باعتدال
التفتت بلا تصديق
الى البحّةِ السمراء
الى النبرةِ التي تخصّها !
قالت بذهول
: صباح النور ! وش تسوّي هنا !
ضحكَ بخفوت , ثمّ قال
: اطلع ؟
هزّت رأسها باستدراك
: لا , اي
صمتت لثوانٍ تستجمعُ نفسها , ثمّ قالت بهدوء مهتز
: اعتذرت عن الاجتماع !
قال بعد ان ضحك من تخبطها , وهو يرتاح في جلسته
: شفت انّ من الغباء اعتذر عن اجتماع اشوفك فيه
صمتت لثوانٍ , قبل ان تحمحم بجديّة , وتجلسَ خلف مكتبها
قالت برسمية
: اهلًا فيك , بس المفترض اشوفك في غرفة الاجتماعات
هزّ رأسه بابتسامة , دونَ ان يعلّق
بتنفّسٍ مضطربٍ مسحت على جبينها
نظرت الى ملفٍّ امامها وتشاغلت به
سألها بهدوء
: شلونك
دون ان ترفع رأسها قالت
: الحمد لله
صمتت لثوانٍ , حتّى انطلق لسانها دونَ شعورٍ منها
: اكيد انّك بخير بعد سفرة الاستجمام مع المدام !
عقدَ حاجبيه لثوانٍ , ثمّ تذكّر كلمات فهد قبل يومين
" : رحلة استجمام سعيدة يا صديق !
ضحك واغلق الهاتف , وابقاه محتارًا ينظرُ الى الهاتف
: وش يقول ذا ! "
حينها ابتسمَ ابتسامةً عريضة , وقال
: اووه , حيل استانسنا
ضغطت على القلم بين اصابعها
ابتسمت وهي تضغطُ على اسنانها , ورفعت رأسها , لتقول ببرودٍ مستفز
: سعيدة بسماع هالشي
نظرَ الى عينيها دون ان يجيبها
مرّت ثوانٍ , قطعتها طرقةُ الباب
فورًا ابعدت نظرها وقالت
: تفضّل
دخلت رويدة تقول على عجل
: مس وجْد استاذ فهد بانتظارك...
حينها انتبهت الى ضاري
قالت باحترام
: استاذ ضاري اهلًا فيك , ليتك اعطيتنا خبر بحضورك , تفضّل لصالة الاجتماع
نهضا معًا , وقال ضاري ساخرًا
: صحيت من النوم وقررت اجي , ما مداني اعلمكم
ظلّت تنظرُ اليه رويدة بصمت
كتمت وجْد ضحكتها من تعابير رويدة
سارا ناحية الباب , وافسح لها ضاري لتخرج قبله
دخلا الى صالة الاجتماعات
لينهض فهد مبتسمًا
ثمّ اختفت ابتسامته حينَ رأى ضاري
: انت ما قلت مانت جاي ؟
اقترب ضاري ليسلّم عليه
وهمس
: وش مكذّب على البنت ؟ سفرة ومدام !
ابتسم فهد , وقال وهو يشعر انّه سينفجر ضحكًا
: قالت لك ! فقدت السيطرة البنت !
ضحكَ ضاري بخفوت وابتعد عنه
قالت وجْد بهدوء
: شلونك فهد
بابتسامةٍ عريضةٍ قال
: الحمد لله , آخر مرة اذكر عصبتي مني !
جلست دونَ ان تعلّق
سحب الملفّ من امامها ليضايقها
نظرت اليه , ثمّ قالت بنبرةٍ اضحكته
: حط الزفت خل نخلّص عندي شغل
: ليش متضايقة ؟
بانزعاجٍ سحبت الملف وقالت
: لا تصير بثر
حمحم ضاري بحدّة , ونظره منصبٌّ عليهما
ابتسم فهد وجلس
عقد ضاري حاجبيه بعصبيّة , وهو يفتح الملفّ بحدّة
اتّكأ فهد بجبينه الى كفّه وهو يكتم ضحكه من غضب ضاري المفاجئ !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الحاديةَ عشرةَ صباحًا
كانت ترتّب عطورها وتستمع اليه
: قالت صعب تقرّب منها بهالسرعة , عين وجْد عليها الحين بأيّامها الأولى
زفرت وقالت
: طيّب اجل انا بتّصل عليها , متى تجون الرياض ؟
: الويك اند ان شالله
ودّعته , واتّصلت بابنةِ اختها
التي اجابتها بمحبّة
: هلا خاله
: هلا حبيبتي , شلونك ؟
ابتسمت
: الحمد لله
بزفرةٍ قالت
: ودارين ؟
: هذه هي قدّامي , شكلها مستانسة
: شلون صار شكلها ؟
: نسخة من سُلاف , نفس الحواجب والبياض والعيون والضحكة , ابد ما تشبه وجْد
ابتسمت زينة , وقالت
: احد حولها ؟
: بشكل واضح لا , بس لاحظت وحدة ما تفارقها بكل مكان ملاحقتها
زفرت وقالت
: تأكدي من تكون , احنا نلاحقها وهذه تلاحقها واكيد وجد تراقبها
: لا تقلقين انتي , ما شالله عليها اجتماعية على طول تأقلمت مع الجامعة
: متى بتتعرفين عليها ؟
: ما ادري بالضبط متى , تلاقين وجْد مشدّدة في...
حينها صمتت
ثمّ قالت بخفوت
: قاعد تطالعني !
اغمضت زينة عينيها بتوتّر
نهضت دارين واقتربت منها
قالت بلا تصديق
: مرحبًا !
ابتسمت الأخرى بارتباك
: هلا
ارتجفت زينة , وجلست على المقعد حينَ سمعت صوتَ دارين
قالت دارين بابتسامةٍ ودودة
: تشبهين وحدة اعزّها حيل , من بعيد كأنك هي
رفعت حاجبيها بابتسامة
: جدْ !
مدّت دارين كفّها لتصافحها
: انا دارين الـ - تردّدت لثوانٍ , ثمّ قالت مبتسمة – دارين رياض
صافحتها ونهضت مسرعة
: هلا دارين , اعذريني مستعجلة
ابتعدت عنها وهي تهمس
: خالتي , خاله وش فيك !
باضطرابٍ قالت
: انتبهي , ان درت وجْد بتنفيك من الخبر
ازدردت ريقها
: ما توّقعتها بتنتبه لي , قاعدة بعيد عنها !
زفرت زينة , واستأذنت لتغلق الهاتف
اغلقته ووضعته جانبًا
مرّت ثوانٍ لتبتسم لنبرةِ دارين
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثانية عشرةَ مساءً
نزل الدرج وهو يعدّل غترته
سمعَ صوت هتافٍ لأطفال
ابتسم واتّجه الى المجلس
: هلا والله !
قفزا اليه ليحملهما معًا
قبّلهما وقال
: شلونكم ؟
قالت الفتاة
: مشتاقيلك خالو
قبّل وجنتها
: يا بعد قلب خالو , وانا مشتاق لكم , شلونك مهند ؟
قبّله مهند الصغير دون ان يجيبه
انزلهما , ونظرَ الى شقيقته
التي نهضت متقدمةً اليه
قبّل جبينها , وعانقته بودْ
: شلونك ؟
هزّ رأسه
: الحمد لله , وش عندك جايّة اليوم ؟
جسلت وعقفت احدى ساقيها الى الأخرى
: امّي عازمتني عالغدا
فركَ جانب وجهه , وحكّ خده الخشن بلحيته
وقال متمتمًا
: الله يعدّي هاليوم على خير
رفعت احد حاجبيها بابتسامةٍ بسيطة
دخل والدهم الى المجلس
قال بهدوء
: هلا وعد
نهضت لتقبّل رأسه
: هلا يبه , شلونك ؟
اومأ بهدوء , ثمّ التفت الى ابنه
: يلا حمد للمسجد
نهض وسار مع والده
صادف رغد في خروجه
قال بخفوت
: وش جايبها ذي ؟
رفعت كتفيها بقلّة حيلة
: امّي تستخدم عليك الضغط النفسي
قال بغيظ
: حريمتهم
ضحكت بخفّة , وخرج خلف والده
دخلت رغد الى المجلس
لتقول وعد بهدوء
: وش تتساسرون انتي وياه
قالت رغد وهي تداعب ابني اختها
: ولا شي
قالت وعد
: رغد طالعيني
بتأفّفٍ رفعت رأسها اليها
قالت وعد بجديّة
: لازم تفكّرون باسم عايلتنا وسمعتها , ماهو تساعدين اخوك على قلّة العقل اللي يسويها
قالت رغد
: طيّب
انزلت رأسها وقالت
: شهد وش رسمتي ؟
,
بعد نصف ساعةٍ عادا حمد ووالده
دخلا الى صالةِ الطعام
والتفّوا حول الطاولة المستطيلة
بصمتٍ شديد كانوا يأكلون , عدا صوتُ الصغيرين
قالت وعد بحزم
: شهد ومهند , هدوء
قال حمد وهو يكتم تأفّفه
: وعد اتركيهم , اتركيهم الله يرضى عليك , بتجنّين عيالك يا بنت الحلال ! اطفال بيلعبون بيسولفون ! من وين جايبة قانون الصمت على السفرة ؟ ما ورد في حديث ولا آية !
قال والده بهدوء
: حمد
صمتَ حمد , وقالت وعد بنبرةٍ يمقتها حمد
: هذه آداب الطعام , هذا اللي يليق بعيال مشاري القايد
ضحك بضيقٍ شديد , ونهض من السفرة
: الحمد لله
تبعته رغد المتضايقة
: الحمد لله , بالعافية
خرجا من غرفة الطعامِ مسرعَيْن
هاربين من اعرافٍ تحاولُ التضييق عليهما
بعد وقتٍ يسير اجتمعوا في صالة الجلوس
ضيّفتهم الخادمة بالشاي والبسكويتات المخبوزة في المنزل
قالت وعد وهي تضع كوبها على الطاولة
: اي حمد , شلونك
تنفّس بعمق , ونظر الى رغد , ليضحكانِ بخفّةٍ وبقلّةِ حيلة
قال مبتسمًا وهو ينظر الى وعد
: الحمد لله , عايش ماهو ناقصني شي
: متى بتتزوّج ؟ انت الوريث الوحيد لمنذر المنذر وما عدت صغير
ارتاح في جلسته
: انا متزوّج
رفعت احدَ حاجبيها
: متزوّج ؟!
هزّ رأسه ايجابًا
: مملّك على رزان
اشمأزّت من اسمها , وقالت بهدوء
: محد في عائلتك موافق عليها
بهدوءٍ مبطّنٍ بغيضٍ قال
: ما انتظر موافقة احد , هذه حياتي
: ما تليق فيك
: ليه ؟ ماهو ممكن تكون احسن منّك ؟
بكِبرٍ قالت
: مستحيل هالشي , لكنّنا ما نتناقش في افضليّتها
بدأ يتوتّر , قال بحدّة
: وعد سكّري الموضوع
بواقعيّةٍ قالت
: تنكح المرأة لجمالها او نسبها او مالها او دينها , وش اللي لقيته فيها ؟
بضحكةٍ غاضبة قال
: طبعًا انتي يهمّك نسبها على كل شي
: يهمني طبعًا
: وعد انتي همّك في حمولتك وش بيقولون
ابتسمت
: اكيد يهمّوني حمولتي , اهل زوجي وعمام عيالي في النهاية , ويهمني اسم ابوي وسمعته
بحدّةٍ قال
: لو اضطريت بترك لكم السعودية باللي فيها وما عاد تشوفون وجهي
: عشان مين ؟ انت شخص ملتزم ودارس علوم قرآن وسنّة وخريج قانون وتعيينك في القضاء ما يبي وقت طويل , تشوف بنت مثل رزان وبدون ما نتناقش في شي يخصها , تناسبك ؟ تناسب تكون ام لعيالك ؟ تناسب تكون عروس لعايلة المنذر ؟
يكره ان تكون وعد محقّة
يكره ان تكون شقيقته المتكبّرة , ذات الاهتمامات التافهة في نظره
على حق !
رزان التي هام بها حبًّا
ليست ملتزمةً في دينها , ليست محجّبةً على اقل تقدير
رزان والدها خريج سجون , وان كانت عائلة والدتها من اهل نجد ولهم نسبٌ مشرّف
رزان تنفقُ على نفسها من عزف كمانها
ذاتُ الرزان
لها عينانِ تثقبانِ قلبه
لها نبرةٌ مجروحةٌ تدمي قلبه
لها ابتسامةٌ نادرة , تبهجُ قلبه
مغرمٌ هو برزان , متيّمٌ بها
ويستلذُّ بحبه لها , لا ينتوي انتزاعها من قلبه ابدًا
وان انتقدتها وعد
وان عادتها والدته
وان عارضها والده
ما ان ترضى رزان ان تبقى معه , لن يلتفت الى مخلوقٍ وضعه الله في حياته
سيتزوّجها , ويترك لهم مالهم واسمهم وسيطهم
سينجو بحبّه منهم
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثانية مساءً
بتأفّفٍ نظرت الى هاتفها , ثمّ اعادته الى الحقيبة
وهي تقطع الباحةَ الخالية الا من عدّة فتيات , جيئةً وذهابًا
بعد دقائقٍ رن
اسرعت اليه واستغربت من الاسم
اجابته
: فيصل !
بنبرةٍ اقلقتها
: اطلعي انا برّى
فورًا اسدلت غطاء وجهها وحملت حقيبتها واسرعت
ركبت في الخلف
قالت بارتجاف
: وش صاير ؟ غيث وينه ؟
حمحم , ثمّ قال
: غيث شوي تعبان
تهاوى قلبها , قالت بشحوب
: وش فيه !
رفعَ كتفيه
: بسيطة ان شالله
بحدّةٍ قالت
: وش فيه ؟ وش صار بالضبط
زفر وقال
: استفرغ دم واغمى عليه
تماسكت وقالت
: وينه الحين ؟
: في المستشفى , الطبيب قال طبيعي....
قاطعته
: ودني له
دون ان يتكلّم سار الى المشفى
حافظت على اتّزانها
لم تبكِ , رغمَ قلبها الذي تفتّت داخلها
متخيّلةً منظره
بوجعٍ قالت
: ليته فيني ولا فيه
قال فيصل بحدّة
: اعوذ بالله , وش ذا الكلام !
صمتت , حتّى وصلا الى المشفى
نزلا وسارت خلفه
دخلا المصعد المزدحم وصعدا الى الدور الثالث
اقتربا من بوّابةٍ الكترونية
التفت فيصل الى موظف الاستقبال
: لو سمحت عندنا مريض بنشوفه
: وش اسمه ؟
اخبره بالاسمِ كاملًا
: غبث المعلّا
قال الموظّف بعد ان بحث في جهازه
: لازم تسألون الطبيب
قالت ميلاف بقلّة صبر
: وينه الطبيب ؟
: شوفيه وراك
التفتا اليه فورًا
قالت برجاء
: تكفى دكتور اخوي داخل ابي اشوفه
الطبيب الذي عرف شقيقها حينَ رأى فيصل , قال
: لازم تتعقّمين وتلبسين , لأن الغرفة ما تتحمّل اي بكتيريا , وما تقدرين تطوّلين
: وش صار فيه ؟
: طبيعي لوضعه , بنحتجزه يومين لين يستقر وضعه , بعد كذا يحتاج رعاية وغرفة مجهّزة
هزّت رأسها
: غرفته جاهزة
أشار للممرضة لتجهّزها
اخذتها الى غرفة تؤدّي الى غرفةِ غيث
عقّمتها وجهزتها , ثمّ فتحت لها الباب
دخلت بارتجاف
اقتربت , مسحت على رأسه
ببحّةٍ باكية قالت
: غيث
فتح عينيه بتعب
قال ببحةٍ عميقة
: ميلا !
كتمت بكاءها , انحنت وقبّلت جبينه
: حبيبي شلونك
ابتسم
: الحمد لله , ما فيني شي ترى
نفثت ضحكة صاحبها بكاء
قال برفق
: ششش , لا تصيحين يرحم والديك
مسحت دمعتيها وقالت
: ما اصيح عشانك , اصيح عشان لطعتوني في المدرسة اليوم , تعبت وجعت
ابتسم , سحب كفّها وقبّلها
قال بهدوء
: لا تخافين انا بخير
هزّت رأسها نفيًا
: ماني خايفة , ادري انّك بخير يا روحي , بتقعد يومين هنا لين يتطمنون عليك , بعدها ان شالله بتنام في غرفتك
هزّ رأسه موافقًا , لا يملك قوّةً ليجادلها
اشارَت اليها الممرضة لتخرج
انحنت وقبّلت رأسه مجدّدًا
: تعافى بسرعة , بجيك مرة ثانية
ببحّةٍ قال
: بنتظرك
ودّعته بابتسامة , وخرجت
وقد تركت روحها تعانق روحه
-
الى الملتقى
-
سيفتح الله بابًا كنت تحسبه
من شدّة اليأس لم يخلق بمفتاحِ
-