كاتب الموضوع :
قطرةندى
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
رد: خدعة مصيرية
الفصل التاسع
تم العشاء في جو متوتر .وليندا شاحبة ,حافظت على الصمت امام نظرات الكونت القلقة .وماريو من جهته ,لا يتزحزح ويناقش في امور شتى محاولا استيعاب انتباه جده .
كانت ليندا تشعر بالاختناق وبصعوبة كبيرة في ابتلاع الطعام .فقد اهانها ماريو وظل معها في غرفتها حتى اختارت بسرعة فستانا قمحيا ليظهر عقد الياقوت الازرق.
وبعد ان نظر دون ادريانو الى ليندا استدار نحو ماريو وقطب حاجبيه وقال :
"اريدك, قبل ان تتولى ادارة المزرعة ان تقوم برحلة صغيرة ,بمثابة شهر العسل ."
لم يتحمس ماريو ولا ليندا .لكن قبل ان يشعر بخيبة امل اضاف قائلا :
"بامكانكما ان تمضيا اسبوعين على الساحل ,وسيكون ذلك رائعا .من ناحيتي ,أنوي زيارة اسبانيا لكن بعد عودتكما .
ليندا ,اعتقد بانك ستحبين منطقة فيناديل مار.هناك شاطىء رائع والفنادق فاخرة يقصدها السياح من ارجاء المعمورة.
اعتقدت ليندا ان ماريو سيرفض هذا الاقتراح ,لذلك لم ترى مناسبا ان ترد.لكن ,لشدة دهشتها وافق ماريو قائلا:
"هذا اقتراح جيد وجذاب .فضلا عن ان ليندا ستكسب من المكوث قرب الشاطىء كل صحة وعافية ."
"رحلة شهر العسل تتم للعريس فقط والعروس ويندي ستبقى هنا ."
كانت لهجته قاطعة وكادت ليندا ان تعترض لكن ماريو سبقها قائلا :
"ربما انت على حق ,سنذهب غدا صباحا الى فينا ديل مار "
شعر الكونت بالارتياح وغادر المائدة تاركا العروسين وحدهما .اقترح ماريو في لامبالاة وضجر :
"ما رأيك لو نخرج للنزهة ؟"
في بادىء الامر كانت سترفض لكنها فضلت الخروج على البقاء مسجونة في الداخل ,وأشارت له بحركة ايجابية من رأسها .
"سأجلب لك شيئا تلبسينه في حال شعرت بالبرد"
نهض ماريو سعيدا بالتخلص من هذا الجو الثقيل .وبعد لحظات عاد حاملا شالا طويلا مطرزا ,قال وهو يقترب منها :
"هذا يكفي .انه من الحرير وخفيف على الجسم ."
انتفضت عندما وضعه على كتفيها .فلاحظ ماريو ردة فعلها وقال بسخرية:
"اطمئني ,لا انوي تمزيقه وهذا لا يعني اني على استعداد لأمزق كل ما ترتدينه ."
"لماذا تصر على أن تكون زوجتك في مظهر محتشم ؟انت لست متحفظ فيما يتعلق بلباسك الخاص."
راح يميزها مطولا وقال :
"هناك مثل يقول : المرأة العفيفة هي امرأة مهجورة .لكن هذا المثل لا ينطبق عليك ,لأن ويندي هي الدليل الواضح ."
شعرت ان الدموع تحرق عينيها فأزاحت رأسها واجتازت ممر المدخل .فكرة واحدة تعزيها ,فوجود شقيقتها سلاح مروع و مخيف .ولو كانت تعرف كيف تستعمل هذا السلاح بمهارة .سيشعر ماريو بأن كبرياءه على المحك وسيسرع في طردها هي وويندي الى انجلترا ."
عبرا الشرفة قبل الدخول الى الحديقة المضيئة بنور القمر .وراحا يتنزهان بين أشجار الاوكليبتوس التي تحيط بالمنزل .
راح ماريو يشرح لها كيف تتم عملية التوزيع في المزرعة ويقول :
"عندما احتل المغامرون الاسبان هذه الاراضي .وهبهم ملك اسبانيا مكافأة بمنحهم هذه الاراضي .واخد كل فرد حقه من الاراضي باعتبار استحقاقاته ومركزه الاجتماعي."
سكت قليلا وتابع يقول :
"وآل فالديفيا الذين ينتمون الى الطبقة النبيلة , حصلو على هذه المزرعة وأداروها حسب التقاليد .الرعاة لا يعتبروننا ارباب عمل ,بل أفرادا نافذين في عائلة ينتمون اليها .ونشأت بيننا علاقات حميمة وهم يكنون انا كل الاحترام ."
تدخلت ليندا قائلة بقوة :
"انت فرح ان عمالك لا يموتون من الجوع .لكنني مقتنعة بأنه اذا اراد احدهم مغادرة المزرعة ,فلن يتمكن من ايجاد أي عمل."
انتفض ماريو بعنفوان وقال :
"عمالنا أحرار ان يذهبو متى رغبوا. "
"مثلي؟ ان آل فالديفيا كانو وما يزالون من الطغاة المستبدين ,انتم لا تعتبرون الناس كائنات من لحم ودم ,بل دمى تحركونها كما تشاؤون .لنأخد مثلا :اسبوعي العطلة على شاطىء البحر ,هل أخدتم رايي؟ ابدا .لكني لا أرغب بالسفر وخصوصا معك."
وبينما كانت تستشيط غضبا ,ظل ماريو متعجرفا كأي أرستقراطي نبيل واعتلت وجهه ابتسامة عابرة وقال :
"الا تعجبك فكرة قضاء بضعة أيام معي ؟انت بحاجة الى عطلة ,يا عزيزتي .أعصابك متوترة وفيناديل مار ستجدين الهدوء لكن بجانب ذلك..."
فجأة أصبح صوته قاسيا وقال :
"يجب ان نحرص على ان يظل جدي في مزاج جيد .النجاح اصبح من الآن وصاعدا في قبضة يدي ,واذا اضطررت ان ندهب في رحلة شهر عسل فسنفعل ذلك .سأبدد لك همومك من الآن .لن تخشي شيئا مني ,اني اعدك بذلك.سأحاول جهدي ان أجعل اقامتك ممتعة وسأشكرك على الخدمات التي تؤدينها لي."
في صباح اليوم التالي اقلعت الطائرة وكان يقودها ماريو بنفسه .استدار فوق المزرعة وتوجه نحو الغرب .كان ماريو يبدو مرتاحا وهو يقود .ومهما كانت تفكر بهذا الرجل الغريب ,فهي تتق به تقة عمياء .وفي ملامح وجهه البشوشة يبدو انه عازم على الاستفادة من هذه الاستراحة غير المنتظرة ان رافقته ليندا ام لا .رمقها بنظرة ,فكانت مستقيمة بجلستها,متقلصة ,مكتفة اليدين.تعبر عن توترها الداخلي .
انحنى ماريو فوقها وقال :
"ما رأيك ببعض البهلوانيات؟"
لم تقدر ليندا ان تمتنع عن الارتجاف .فهي تشعر انه على استعداد للقيام ببعض النزوات الطائشة .
تلعثمت تقول :
"لاشكرا"
فجأة راحت الطائرة تهبط بسرعة نحو الارض .بدت الكارثة حتمية .اغمضت ليندا عينيها وضغطت فكيها ,بانتظار ان تسمع الصدمة .وراحت تصلي الى ان شعرت بالطائرة ترتفع من جديد بصورة تدريجية .
فتحت عينيها وكان ماريو يبتسم بهدوء .فصرخت به غاضبة :
"انت انسان مجنون حقا ,كدت تقتلنا ."
قهقه ضاحكا وقال :
"نعم ’لكن بطريقة جميلة ,يا عزيزتي ما أجمل ان يختفي الانسان من الوجود في شعلة من النار كأنه يلعب بالموت ."
حاولت جهدها اسرجاع عقلها وقالت :
"اقتل نفسك اذا كان هذا ما ترغبه ,لكن افعل ذلك لوحدك .شخصيا افضل حياة تعيسة على موت رائع ."
|