كاتب الموضوع :
قطرةندى
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
رد: خدعة مصيرية
فجأة دوت الاصوات من جميع الجهات وظهر الفرسان من وراء غيمة من الغبار واحاطو السيارة .كانو يطلقون الصياح مثل الدراويش المولولين .وفي صفوف مشدودة جاء الرعاة ليؤلفو ا الموكب .وصلو الى اسفل السلالم التي تؤدي الى القاعة وظلو يطلقون صياحهم الثاقب .
وعندما ترجلت ليندا من السيارة ,خلعوا قبعاتهم العريضة في تحية ساخرة .فهزت العروس رأسها في خجل ,ثم دخلت القاعة متأبطة ذراع دون ادريانو ,وراح الارغن يعزف مقطوعة رائعة .وفي خطى بطيئة توجها الى حيث ماريو كان بانتظارهما .كادت ليندا ان تتجاهله بثيابه الغريبة لكن ملامح وجهه النبيلة تعبر عن رصانة غير اعتيادية .
لعبت ليندا دورها بغاية الكمال وكأنها في حلم .وبالكاد شاهدت الزينة الفاخرة والجمهور الغفير على المقاعد.
كان شبح ليندا النحيل تغمره اشعة الشمس الملونة التي تتسرب عبر الزجاج,وبهدوء ظاهري, لفظت قسمها بصوت صارم ومن دون انفعال ,لم ترتعش او ترتجف ,عندما ردد ماريو برباطة جأش واتزان الكلمات قائلا :
"اني اقسم لك بالاخلاص والحماية والحب حتى يفرقنا الموت ."
اطلقت زفرت عميقة .ليس ما يقوله سوى كذبة صغيرة.للأن موتا اخر ,موت دون ادريانو ,هو الذي سيجلهما احرارا من جديد .
انغلقت يد ماريو القاسية على يد ليندا وادخل خاتم الزواج في اصبعها .فارتعشت رموش عينيها وتشابكت نظراتهما ولمحت ليندا في نظرته لمعانا ساخرا ,فحولت عينيها بسرعة .
اقترب الكونت ليقبلهما .ولم تنتبه الا في هذه اللحظة ان المراسم اشرفت على الانتهاء .فاسترخت قليلا .
ما ان اصبحت في الخارج, حتى ارتفع صراخ التهنئة ,وبينما كانا يهبطان السلالم راح الناس يمطرونهما بالورود المختلفة .
ضحك ماريو ودفع ليندا نحو السيارة .لكن زوجات الرعاة تجمعن وراءهما .واذا بماريو يحملها ويدفعها داخل السيارة .احمرت وجنتا ليندا مما زاد حماس الجمهور الذي صرخ قائلا :
"قبلها ,قبلها "
وبالفعل اطاع ماريو .فاخرج ليندا من السيارة واوقفها بقسوة افقدتها توازنها .ثم امسكها بعنقها وجذبها نحوه وقبلها ثم دفعها للسيارة من جديد ودخل وراءها .
اقلعت السيارة وافاقت ليندا من الارتباك والخجل من جراء القبلة وحدقت بعيني ماريو وصرخت تقول :
"ليس في الصفقة التي عقدناها ما يسمح لك ان تتصرف معي كالفتيات اللواتي تمضي معهن الوقت في الحانات .كيف تجرؤ على ذلك ."
اختفت ابتسامة ماريو وقال بجفاف :
"لقد قلت لك انك ستتزوجينني .غير اني اعترفت ان لك بعض الحقوق بصفتك زوجتي .اذا كان خروجي الى المدينة برفقة النساء يزعجك فاني مستعد للتخلي عن ذلك .على كل حال ,لم يعد هناك أي سبب كي اتمادى
في هذا .تبدأ الهموم مع الزواج .لكن العزوبية لا تجلب الفرح .والان,بما اننا متزوجان ,فمن واجبك ان تخففي عني هذا الحمل .
بعد قليل راح العروسان يستقبلان المدعوين على مدخل الصالون .
كان الفضول يحتلهم فراحو يراقبون العروسين خفية ويتلفظون بالملاحظات الخاطفة باصوات منخفضة ولدهشة ليندا اقترب ماريو من بيلا وامرها قائلا :
"اذهبي وانضمي الى اصدقائك وتمتعي. سنهتم نحن بالطفلة."
حمل ويندي بين ذراعيه وفي الحال اشرق وجه الطفلة وراحت تبتسم وتلامس بيديها خدي ماريو.ولدهشة ليندا رأت زوجها يتجاوب مع اهتمام اختها وخلال لحظات تغيرت ملامحه .فمه القاسي ونظرته الساخرة ورصانته المتعالية ,كلها امتلات بحنان كبير .فشعرت بالارتباك لم تصدق ان هذا الرجل الفظ والعنيف بامكانه ان يتمتع بهذا الحنان .
ولما بدأت ويندي تلعب بشعره الاسود المشعت راح ماريو يقهقه ضاحكا بصوت مرتفع مما لفت نظر الحضور كله .وفي هذا الوقت دخل الكونت متأبطا ذراع امرأة ذات شعر أبيض كالثلج .كانت ملامحها متعالية ومتشامخة ,وتدريجيا عم الصمت المكان .شعرت ليندا بتوتر واضطراب واستعدت لتحمل هذا اللقاء .
تقدمت العجوز من العروسين بخطى ثقيلة وتوقفت قربها .فبدأ الكونت بتقديم العروس والطفلة ,لكنها ردعته بطريقة متحدية وقالت :
"ها انت يا ماريو تتحمل اعباء عائلة بأكملها ,زوجة وطفلة .يتهيأ لي لدى رؤياك ان هذه الطفلة ابنتك ."
ضحك الحضور وامتلأوجه ليندا بالاحمرار.لكن ماريو لم تبدو عليه الصدمة. فملامح وجهه مسترخية ووجهه بشوش .انحنى بسخرية وأجابها :
"هذا النوع من الحدس يظهر في محله عمتي ايزابيلا ."
حاولت ليندا كبت استغرابها .فرد دون ماريو الوقح لا شك يتجاوب مع شكوك المدعوين بان ويندي حقا ابنته .وان هذا الرجل الشريف يتحمل مسؤوليته .
حينئذ فهمت ليندا خطة ماريو .بزواجه منها ,فهو يريد تمويه ماضيه لكي لا يعود مضطرا لتحمل شفقة الناس لمن يقبل تحمل عبء طفلة من رجل آخر.
حتى عمة ماريو انخدعت فراحت تبتسم وقالت بهدوء :
"سامحني يا صغيري وقدم لي زوجتك ."
وخلال الساعات التالية تهيأ لليندا ان هذه المجموعة الصغيرة المتعلقة بالقيم التقليدية كانت تنظر اليها بتسامح وعطف .كما ان كلمات ماريو ساهمت في تهديم الحاجز بينها وبين المدعوين .لكن احدهم سارع بالقول :
"افهم الان لماذا كنت كتوما فيما يتعلق باجازتك السنة الفائتة !وصدقنا انها اجازة ترفيهية ,لككنا نعرف الان ,يا صديقي ,ماذا كنت تفعل هناك ."
خيمت الحيرة على الجميع ,لكن والد الرجل اسرع في تغيير الحديث وراح يتكلم عن سوق الماشية .لكن ليندا ظلت تعاني الاهانة .فاحمر وجهها وهمست باعتذار غير واضح واخذت ويندي من ماريو وغادرت الصالون بسرعة.انزعج الحضور من تصرفها وتحلو بالصمت .
من حسن حظها وجدت ليندا بيلا في الغرفة واوكلتها بشقيقتها .و بارتياح توجهت الى الغرفة المجاورة .
كانت تشعر بحالة قريبة من الارهاق والتعب فخلعت طرحتها ورمتها على السرير وراحت تتمتم قائلة :
"تبا له !كيف تجرأ؟"
وقفت فجأة وراحت تخلع ثوبها ورمته ارضا ,ثم ارتدت روبا اخضر وبدأت تسحب من شعرها الدبابيس العديدة حتى انسدل على كتفيها شلالات شقراء مكسوة بالزهور العطرة .لم تمض عشر دقائق
حتى انفتح الباب بقوة ودخل ماريو الغرفة وقال بصوت قاطع بعد ان اخد قراره النهائي :
"غيابك لاحظه الجميع وهم يتساءلون عن سببه .ارتدي ملابسك من جديد وبسرعة .سننزل معا الى الصالون ."
نهضت ليندا بسرعة وقالت بلهجة حاسمة:
"انني اقول لا بكل تأكيد ,بامكان مدعويك ان بتلفظو بما يريدون ويعلقون كما يشاؤون .لايهمن ذلك !لن اعود الى الصالون وارجوك ان تتركني وحدي."
اقترب منها بنظرة مهددة وقال :
"لا تعاندي والا اضطررت ان اضع عليك الملابس بنفسي ,لديك خمس ثواني لتقرري ."
امتلات عيناها بالتحدي وأضافت تقول :
"اذا تقدمت خطوة واحدة سأبدأ بالصراخ . وماذا سيقول المدعوون؟"
اذا صرخت سأرغمك على السكوت حتى ولو اضطررت الى استعمال الوسائل العنيفة ."
شعرت انه مصر على قرراه ولن يتراجع عنه ,وبالرغم من ذلك كانت تعبر عن عناد فاجأها هي بالذات .رفعت ذقنها بفخر ونظرت الية نظرة واثقة متحدية .فجأة غدرها ماريو وامسك بالروب وشده ناجحا في خلعه عنها .ثم رماه باشمئزاز على السرير بينما كانت ليندا مصدومة من هذا العنف الرهيب .لم تقدر على اصدار اكثر من صرخة مكتومة .ويدا ماريو اطبقتا على كتفيها العاريتين كمخالب حيوان مفترس .وهمس يقول في غضب :
"ألم أحذرك ؟"
وجذبها نحوه .كأنه يريد معانقتها ...لم يسبق لها ان شعرت مثل هذا اليوم باحساس عنيف الى هذا الحد .كأنه موجة تجرفها وتعريها من أي حكم او تحليل .لم تكن قادرة على فهم نفسها واعتبرت ان انفعالها عائد الى الكراهية والرفض اللذين تشعر بهما نحو ماريو رفع هذا الاخير رأسه وقال :
"اذن...هل سترتدين ملابسك ام سأضطر الى .."
تمكنت من دفعه عنها .وهو بدوره تركها فقالت وهي ترتجف :
"انت محتال !لا يكفيك ان تهينني كما فعلت ,بل تصر على معاملتي مثل بنات الشارع ."
"هل تعتقدين انك مختلفة عن تلك النساء اللواتي ينتظرن الرعاة في الحانات؟ انهن يبعن انفسهن من اجل المال ,مثلك تماما ,وهن صادقات تجاه انفسهن .ليس مثلك يتصرفن ببراءة ونعومة ظاهريا لكنهن مقيتات واكثر وضاعة من سواهن .عرفت ليندا اهانات كثيرة ,لكن هذه الاهانة تفوقها كلها .انه لن يتراجع امام أي شيء ليشفي غليل انتقامه .لكنها حاولت الدفاع عن نفسها وهي تقول :
"لست ابدا مثل هذه النساء اللواتي تقارنني بهن .عندما قبلت المجيء مع جدك..."
قاطعها ماريو بجفاف قائلا :
"هذا المجنون المسكين بامكانك ان تخدعيه اكثر مني .لا شك انك صدمت عندما تبين لك انني من نوع الرجال الذين لا ينساقون بسهولة ,وان الدموع لا تؤثر في .على أي حال ,اننا نتصرف بقلة تهذيب امام مدعوينا ."
اشار باصبعه الى الفستان المرمي على الارض .وقال بلؤم :
"اسرعي في ارتدائه .ولا داعي لتمشيط شعرك ,فلم يعد امامنا وقت ."
ابتسم بسخرية وقال :
"عندما يرى الحضور شعرك المنسدل ,سيعتقدون اني عانقتك بشغف وحماس."
ليندا تتعذب كثيرا ,وببطء حملت فستانها وبدأت بارتدائه .انها تستسلم لأنها تخشى هذا الرجل وردات فعله غير المنتظرة ...هذا الجل الاناني مثل الريح والقاسي كالنسر ."
|