صحيح أنها استعدت لقبول كل العواقب التي ستنتج عن هذا القرار ,لكن الرجل الذي قبلت الزواج منه لم يظهر على حقيقته الا اليوم .
كبتت دموعها ونهضت خارج السرير وخلعت فستانها بقوة .كان ذيل قميص نومها يمسح ارض غرفتها ذهابا وايابا ثم جلست قرب النافذة وظلت مسمرة مكانها لمدة طويلة كالبلهاء.فجأة سمعت صوت خشخشة صغيرة وبعدها عم صمت عميق .ثم اقنعت نفسها بأن ما سمعته مجرد وهم .لكنها سمعت نفس الخشخشة مرة ثانية .فالتفتت ليندا حولها وفتحت عينيها تبحث جيدا في العتمة .فلاحظت ظلا يتحرك نحوها ,ارتبكت ولم تجرؤ على القيام بأي حركة .بريق معدني لفت نظرها على ضوء القمر رأت البكله الفضية فعرفت من يكون صاحبها ,استعادت صوتها وقالت باستغراب :
"ماذا تريد ؟كيف سمحت لنفسك ان تقتحم غرفتي من دون سابق انذار ,دون ماريو ؟"
قهقه ضاحكا واقترب منها بترنح وشعرت بنفسها على وشك السقوط .وقال ساخرا :
"انا بحاجة للحديث معك .في الحقيقة ,فكرت مطولا بالوضع الدقيق الذي وجدنا نفسنا فيه ,واعتقد انني عثرت على حل لذلك."
ادركت بانزعاج انه متعب .والعطر الخفيف الذي يرطب قميصه يدل انه لم يقض الليل وحيدا .
قالت :
"انا أيضا ,اخدت قرارا نهائيا .قررت ان ارحل من هنا واريد ان تعدني بمساعدتي في العودة الى بلادي ."
امسك كتفيها بشدة .وراحت ترتعش عندما بدأت يداه تمتدان الى جسمها ,لكنها ظلت جامدة رافضة ان ترجوه الا يفعل ذلك .
قال صارخا :
"هذا مستحيل !انه يشوش مخططي ,اليك ما انوي فعله :سأتزوج منك , لكن عليك الا تعتقدي اني سأفعل ذلك لأني أخضع لارادة جدي .أبدا .اريد ان القنه درسا وابرهن له ان زواجا مدبرا بهذه الطريقة لن يؤدي الا الى الفشل ,الفشل الذي سيؤلمه كثيرا .صحيح اني بزواجي ساحقق له امنيته العزيزة على قلبه ,لكن عليه بالمقابل ان يفي بوعده ."
بالكاد نطقت ليندا قائلة :
"وعد ؟ أي وعد ؟"
"ان يعهد الي ادارة المزرعة بكاملها .لا اريد شيء آخر .لقد عملت كثيرا بلا هوادة لانني أعرف ان ملكية المزرعة ستكلفني عذابات شتى !وأخيرا وضعني امام الامر الواقع :الزواج ام خسارة المزرعة. وليس فقط الزواج وانما هو الذي سيختار العروس !واذا رفضت سوف يحرمني من الميراث .لكن يا آنسة سنحتال على هذا الماكر معا ,لندعه يعتقد أنه سيد الوضع .فقد أصبح عجوزا ولن تدوم سيطرته الى الابد."
ارتعشت امام لهجته المحزنة ,فأضاف يقول :
" بعد بضع سنوات ,سيموت ,وكل واحد منا يذهب في طريقه .لكن في الوقت الحاضر ارغب في ان نتزوج .سيكون احتفالا شكليا فقط ولن يربطنا أي قسم او يمين طبعا لن اغير تصرفي بالنسبة اليك ,اعتقد ان الزواج واللقب الذي ستنالينه سيكونان عزاءين كافيين .سأتجرأ وأسألك ,الست زوجة سبق وعاشت من قبل خبرة الزواج ,اقصد بذلك انك كنت ملكا لرجل آخر ."
هذه الملاحظة الاخيرة كانت بالنسبة الى ليندا صفقة حقيقية .شعرت فجأة تجاهه بقرف وحقد ,الى درجة انها كادت تبوح له بحقيقة ويندي ,فقط من اجل ان يعتذر عن هذه التهمة والشتيمة .غير ان غريزتها نبهتها الا تقدم على فعل كهذا .وتبين لها بوضوح ان دون ماريو لا يمكنه قبول كون زوجته قد ملكها رجل آخر قبله .ولهذا السبب ,فهو يتعذب بأنانية وعنفوان لانه سيضطر قبول ذلك ولو بصورة شكلية .
ظلت ليندا صامتة فأسرع يقول :
"اذن ,ما رأيك ؟ هل أنت مستعدة لمساعدتي لمواجهة هذا الماكر العجوز ؟"
سألته قائلة بحقد وبرود :
"أيمكنني الاختيار ؟"
ظل دون ماريو مسمرا عينيه الثاقبتين في وجه الفتاة الشاحب وهو ما زال ممسكا بها.وليندا تحاول جاهدة ان تظل هادئة وغير مبالية .أطلف ضحكة ساخرة وقال :
"هذا الجمال الذي تتحلين به لا يبدد ضجري ولا يؤثر بي .في بلادنا ,النساء لسن باردات ,بالعكس ,انهن شغوفات .لذلك لا تخافي مني ,بصفتي زوجك في المستقبل :لن احاول ابدا ان اتقاسم غرفتك ,هل هناك اسوء من عناق كتلة جليد ؟"
وللحال ابعدها عنه بعنف ,فقالت بغضب :
"افهم اشمئزازك يا سيد .انا أشعر نحوك بالشعور نفسه ,يؤلمني ان ارى نفسي في غرفتي بصحبة رجل مستهتر ."
أصابته في عزة نفسه وكانت ردة فعله ان حملها من دون أي جهد وجذبها نحوه بشدة قئلا وأسنانه تصطك :
"آمرك ان تعتذري مني .والا ستندمين عما قلته ."
قالت وهي تتخبط للتخلص منه :
"اتركني .ابتعد عني ."
"ليس قبل ان تعتذري على ما قلته الان ."
"وعن ماذا تريدني ان اعتذر ؟لأني قلت الحقيقة ؟لم أطلب منك ان تعتذر بعد ان شتمتني ,انت الرجل النبيل ."
ابعد رأسه الى الوراء وأطلق ضحكة ساخرة ومتعجرفة وقال :
"لم أعتبر نفسي ابدا رجلا نبيلا ,هذا النوع من الرجال الضعفاء الذين يمضون معظم أوقاتهم في النوح ,لا أعتقد ان هذا النوع من الرجال يعجبك يا آنسة ؟"
"اني افضل الرجال الذين لا يستعملون القوة الا بعد ان يجربوا كل وسائل الاقناع الاخرى ."
"اني أفكر عكس ذلك .فالتصرف بهذه الرقة يرهق من دون جدوى .من الافضل استعمال القوة منذ البداية ."
وكي يدعم قوله ,ضمها نحوه بشدة وانصب عليها بغضب بارد كأنه يريد ان يعاقبها ويحقرها .وتذكرت ليندا ما قاله بخصوص نساء تلك البلاد ,فارغمت نفسها على البقاء جامدة .وهكذا ,ببرودها التام ,تؤكد له رفضها الدخول في لعبته ,وفي الوقت نفسه تظهر له كرهها واحتقارها لغلاظته .
ومن دون اظهار أي ندم ,ابتعد عنها وابعدها عنه .ثم ابتعد بخطى فخورة .ولما وصل الباب أعلن قائلا :
"حافظي على العناق لنفسك ,أيتها الآنسة الباردة ,لا اعرف اذا كان واجبي الاعجاب بذلك الرجل الذي توصل الى ان يجعل منك امراة كاملة وأما لطفلة,ام يجب ان أتأسف عليه."