المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
من الموت للحياة
بعد تلك السحقة ، بعد تلك القدم وذاك النعل ، بعد الشمس الحارقة وزئير الأسود الإفريقية ، وأقدام الأطفال الحافية ، التي لم تخف يوماً المشي عليها ، بعد جيوش النمل الحثيثة ، وبصقات رجال القبيلة ، بعد الموت جراء الإنسحاق والتذلل واللا إكتراث .
اهتزت عُشبة متيبسة استيقضت ، أولدت من جديد ؟ لا تعلم لا تذكر الكثير ، استشعرت ما حولها وجدت نفسها بين عصي وأغصان في عُصبة ربما، لا تعلم إلى أين ؟
محمولة على كتف أحدهم تذكرت ذوي البشرة السمراء الحالكة ، نعم تذكرت أنها ما تزال في إفريقيا ، تهتز الآن ، مغمورة بين الأرض والسماء ، حياة جديدة ، كانت تحت أقدامهم ، هي الآن فوق كتف أحدهم ، لا يعلم بوجودها حتى ، ولا تشغل أي حيز من تفكيره ، ولا تشغل التفكير!
محمولة ولكن لمَ استيقضت ؟ لما تحيا حياة أخرى ؟
أولن تنتهي المذلة ؟ يا للسخف حاولت أن تتيبس أكثر لكنها نسيت أنها قد فقدت ماؤها كله وتغير شكلها بما يناسب الحياة الجديدة ما أجهل الأعشاب .
ارتطمت من وإلى غصنين أحدثا صوتاً في اعتراض على طريقة رمي الرزمة التي احتوتهم !
رجل أسود رمى العُصبة وتلاشى أو أنه واقف ولكن لا يشعرون به ، تراب جديد ولكنه متشابه ، أعشاب متيبسة أخرى لم تعرفها العشبة المغمورة ، لا جديد سوى أنها شعرت منذ قليل بابتعادها عن الأرض قليلاً ثم عادت مرمية لا جديد !
تصلبت الأغصان باردة وشعرت العشبة بالرطوبة ، لا بد أنه الليل !
موجات غريبة من العدم من اللاشيء ومن ثم فُكت العُصبة فتدحرجت العُشبة على غُصن جديد لكنها علقت في أحد تجاويفه ، ومن ثم عادت لتشعر أنها محمولة من جديد!
إلى أين يا تُرى ؟
كثيراً ما كانت تتجاذب أطراف الحديث مع أعشاب رطبة أو شبه متيبسة لم تحضى بمحادثة مع أعشاب متيبسة تماماً لا تعرف الكثير عن عالمهم بل لا تعرف إلا ما مرت به اليوم .
سُكبت مادة باردة على الأغصان وابتدأ الجو حارق خانق ، خف وزن العشبة تشعر بأنها ستموت من جديد ، ثم ارتفعت حتى حملتها ألسنة النار ، تذكرت مغني الروك المحمول على أيدي المعجبين ينتقل من يد إلى أخرى كما تتناقلها الآن ألسنة النار كما المغني ، تذكرت بصفعات أيدي المعجبين لسعات السوط الذي يحمله رجل أبيض ويفلق به ظهر خادمة سوداء ضعيفة ، تذكرت من السوداء بملامسة السوط لجلدها أنه مصنوع من جلد الحيوانات ، تذكرت أن الحيوانات كانت لها بداية ، تذكرت شيء عن البداية ، تذكرت الانفجار الأول تذكرت الوقت تحديداً تذكرت الزمان ، تذكرت أنه حدث بمكانٍ ما تذكرت المكان ، تذكرت اللاوقت واللامكان ، تذكرت الاتصاق والانسحاق ، واللامنطق واللاشيء ، تذكرت اللاحركة واللاسكون ، تذكرت اللاعُشب اللابشر اللاألوان ، تذكرت اللاعدم تذكرت انعدام العدم ، تذكرت ما هو أقل من أن يتم تذكره ما هو أقل من وقت تذكره ،برهة ، وانفجر كل شيء ، تذكرت في زمن موتها الجديد هذا ، هذا الزمن الممتد الآن ، تذكرت أننا جميعاً شظايا ذاك الإنفجار وعلمت أنها شظية ، علمت أنها من الشظايا التي يمكن تلافيها للبعض والتي ممكن أن تكون قاتلة للبعض .
وعلمت أن الرجل الأسود ذاك ما هو إلى شظية ارتطمت بها فأهلكتها ، وعلمت أن البشر أنفسهم من شظايا ذاك الإنفجار ، بعضها يترافق في الطريق ، وبعضها يتصادم ، وبعضها يتخبط ، وبعضها يحاول تجاوز التصادم لحماية نفسه ، وبعضها يفضل التصادم ولو أهلك نفسه حتى !
تعلمت أنا من تلك العشبة أننا جميعا بهذا الكون مجرد شظايا الانفجار الكبير .
|