كاتب الموضوع :
عمر الغياب
المنتدى :
قصص من وحي قلم الاعضاء
رد: أزهرت بهطولك
"صوتِ تفجّر في الضلوعِ "
***
(20)
***
ابعتذر … عن كل شيء …
إلا الهوى .. ما للهوى عندي عذر ..
ابعتذر .. عن أي شي ..
إلا الجراح .. ما للجراح إلا الصبر ..
إن ضايقك اني على بابك أمرّ …
ليلة ألم … واني على دربك مشيت عمري وأنا
قلبي القدم …
ابعتذر … ابعتذر … كلي ندم …
عن كل شيء … إلا الهوى …
ما للهوى عندي عذر …
ا تصدقي … ما اخترت أنا أحبك …
ما احدٍ يحب اللي يبي …
سكنتي جروحي غصب …
ياحبي المرّ … العذب …
ليت الهوى وانتي … كذب …
كان اعتذر لك عن هواي …
ما أقول أنا … كوني معاي …
ان ضايقك اني على بابك أمرّ …
ليلة ألم …
واني على دربك مشيت عمري وأنا …
قلبي القدم …
ابعتذر … ابعتذر … كلي ندم …
عن كل شيء … إلا الهوى …
ما للهوى عندي عذر …
الله كريم .. حبك … يكون …
همي القديم …
وجرحي القديم …
والله عليم … يا أحلى العيون …
ان الفراق … جزا الفراق …
ابوعدك … كان الطريق بيبعدك …
بامشي الطريق …
وكان الجحود بيسعدك …
مالي رفيق …
ابجمع أوراق السنين … وأودعك …
كان الفراق اللي تبين … الله معك …
بدر بن عبدالمحسن
***
كنتُ أسمع صوت هديل أم الغيث.. لأذهب نحو ساحة المنزل، وأجدها تحتضن امرأة ومعها طفلين... أعلم أننا كُلفنا بما لا طاقة لنا به، لكننا التقينا في نهاية المطاف.. بلا معياد أو كقدر لم نفكر به من شدة ما به من جمال.. البسمة التي كانت بمثابة فرحة...
صوتك، وصوت أم الغيث
" اقربي يا حنين هذا هي شيخة اختك العودة.. "
هل الحنين مؤذٍ يا شيخة.. والحياة التي فرقتنا التي لم تربت على كتفينا صغاراً... هل أعلم بأنك أختي من الرضاعة، وبأن اخي قد اختفى في لحظة وضحاها.. يقال أنه سافر بعيداً ولم يعد... حضنتك والدتك هديل حتى أصبحتِ نظر عينيها ...
أم الغيث " هذا هي حنين أختك، وعمتك بنفس الوقت يا شخية..."
نظرت لعينيها، الليل شعرها المبلل ، وعيناها قمر، صوتك يا حنين يدعو للسهر وثرثرة طويلة...
اقتربت منها ، وبصوت مُتعبٌ
عندما قلت ليِ " حنين... لي اخت وعمة غير ...."
يالله، كل ذلك وكبرت، العناق الذي أحرق شوق السنين..
تبتسم عينيها، وأردف
" عشر سنين يا شيخه.. وشوله الغياب كله.. ما فكرتِ بأمي هيا، وأخوي سالم اللي اختفى من بعدك... ما ندري وين أراضيه.. ! "
أنتِ صغيرة جداً يا حنين على احتمال الفقد.. تلك الحكاية التي انتهت الآن أكبر بكثير من أن اسردها لكِ.. قبل أن ارحل صورة سالم وأمُي هيا ونظرات وداع أمي هديل، وأبي.. التي اشتقت له كثيراً...
" مشتاقة لكم بالحيل.. وأنا أختك لا تطرين سالفتي.. أنا طيبّة الحين... بس ابي اشوف أمُي هيا وأبوي وينه؟ "
أمسكت بيديني... وأخذتني لحجرة أمُي هيا.. يالله يا الرائحة الجنة اشتقت ، والله العظيم اشتقت كثيراً...
ظليت صامتة أنظر لها ولا أعرف كيف اخبرها بأنني حفيدتك وابنتك وصلت بالسلامة...
وهي تسبح وتستغفر... لترتفع عينيها وترى من فتح باب الغرفة...
التقت عيني بعينها لتدمع...
" بنيتي شيـــــــخة... "
ركضت لها، وارتميت بحضنها.. قبلت يدينها ورأسها وعيونها...
" يا بعد روح شيخة... وشلونك يُمه... "
ابتسمت بمحبة " زان لوني يوم شفتك.. أي والله زان... هو أنتِ شيخة والا ظلها.. "
رجعت قبلت يدينها... " والله شيخة يا قلبي... أنتِ طيبه... اشتقت لك بالحيل... "
ابتسمت... " وينها هديل، وعبدالله، وليدي عبدالله بشروه... "
الغيث الذي وقف عند الباب وهو يمسح دمعته...
" مسافة الطريق وأبوي يكون على الوصول.. "
***
اتصال الغيث، والذي اخبرني بأنه أمُي هيا تريدني بشدة..
" عساه خير..."
وقفت سيارتي أمام الباب المنزل.. وترجلت لأرى الباب الموارب مفتوح قليلاً، انقبض قلبي... وادخل بقلق...
" يا أهل البيت... "
صوته، هذا صوت أبوي.. مسكت يدي أمُي هيا...
" خذيني معك... عسى ما يوقف قلب أبوك... "
ابتسمت لها بُحبْ " بسم الله على قلبه.. تعالي يابعدي... "
كانت تسند علي.. لأخرج من الغرفة ومشيت نحو ساحة المنزل، وأرى هيبته وشموخه...
للحظة توقف كل شي... ريح الشمال تعصف بنا..
ازداد نوراً وكبرت يا يُبه...
أبو الغيث " شيـــــــــــــــخة... شيخة أبوها.. "
ضحكت لأرتمي بحضنه ، طفلة نست أنها كبرت...
" يُبَـــــــــه... "
وهو يطبطب على كتفي، وفرحي بقربه
" أبوي أنتِ.. يا أبوي أنتِ.. شيخة أبوها أنتِ حية... اللهم لك الحمد.. اللهم لك الحمد.... "
ابتعد عن حضنه وتدمع عيناي...
" الحين صرتِ بخير... حبيبتي أنتِ تغيرتِ كثير يا أبوي... "
قهقه بمحبة... " صرت واحد ثاني يحق لي اشوف عروس صغير.. "
وهو يغمز لي، لتردف هديل...
" عبــــدالله.. هو شفت بنتك وحنيت للزواج... "
ضحكوا.جميعًا .. ونظر لأمي بحب وهو يمسك بيدي
" ما عاش اللي يأخذ فوقك مره... الغيث يا أبوك روح للمطبخ واذبح الخيال... كأن قلبي حاس والله بجيتك... "
ابتسم الغيث " ابشر على هذا الخشم... "
***
مشيت لأخرج من المنزل... وأجد سيارة رعد تقف عند عتبة بابه...
ليفتح الباب ويمسكها بشدة...
بغضب " انزلي يا زهرة.. لا ترفعين ضغطي... انزلي اقولك...."
أن أكون أقرب إليك من كل شيء، ما عاد الوقت يحتمل التأخير
من حقي ايضاً أن أكون وطنك...
اقتربت منهم...
" عساه خير يا أبو زهرة... "
التفت لي، وابتسم..
رعد " يا ما شاء الله... حمدلله على سلامة الوصول يا الغيث... "
ابتسمت له بود " الله يسلمك... "
رعد " حياك، والله انه عشاك الليلة عندي... "
ابتسم داخلي... " ما عليك قصور طال عمرك.. بس الأهل عندهم عشاء... اعذرني بيوم ثاني.. "
ليمسكني من يدي
" لا والله .. ما أنت معذور... حياك... "
ثم التفت لابنته
" انزلي لا تفضحينا بين العرب... "
وأنا اسمع صوته، وطوله هو ذلك الغريب مرة أخرى، لكن يقف أمام والدي مباشرة، الذي جعلني أرتعش وأفرح بقربه
هل يُمكن اعتبار ما حدث ، صدفة بلا معياد...
" إن شاء الله بنزل، بس شوف لي درب... "
***
ترجلت ومشيت في طريقي نحو المنزل سريعاً... لكن هذا المرة يتتبعها نظر الغيث، تبدلت ملامحي الغاضبة من أبي إلى الخجل...
وهو يقول من خلفي..
" جهزي القهوة وهاتيها عند باب المجلس.. انجزي يا بنت... "
***
ساعة العاشرة والنصف
في الإحساء
تحديداً في فيلا أبو الفارس
عندما اقلبت نحوي الخادمة...
" نعم ماما... "
بتنهيدة " أبي سحابة موجودة.."
بعد دقائق لأرى ترحيبها بصوتها المتزن..
" حي الله أم عواد نورت الإحساء.. تفضلي "
بضيق وأنا اتجه معها لمجلس الحريم
" الله يبقيك.. يا أم الفارس جيتي اليوم نصفي النفوس، وعذري استسمح منك، وأدري ما به عذر لكن قلبك كبير يا سحابة.. "
رأيت فيك كقلبين حُزنان، وإن اختلفت أشكال أوجاعنا... أنا فقدت الفارس ولا تحملت فقدته، وشلون فقدت الاثنين يا أم عواد..
ابتسمت لها
" معذورة يا أم عواد.. والله يسامحك... لكن هقوتي فيك تكونين على وعدك.. اتواصل معك يا أم عواد، ولا القى منك أي رد..."
أم عواد " بلاه من خوفي يا سحابه، شاهد الله علي ما بغيت الفياض يبعد عن نظر عيني.. لكن ربك مطلع على القلوب... "
أجبت " صار الي صار.. عشاك الليلة عندي، ولك مبيت ثلاث ليالي.. "
ابتسمت بتعب " كثر الله خيرك.. لكن أم عاطف لوحدها ولا اقدر اتركها.. الوعد في يوم ثاني... "
سحابة " والله ما تروحين مكان.. هذاني حلفت... توصلين هنا ولا تتعشين كبيرة بحقي... وبعدين الفياض قريب على وصول... ارتاحي واعتبري البيت بيتك... "
أم عواد " بيض الله وجهك يا أم الفارس، اجل بدق على عاطف... "
***
على الجانب الآخر
اتلقى اتصال من ميمتي العودة.. لأجيب بهدوء
" ها الغالية نسري للرياض... بالي مشغول على أمُي.. "
تنهدت أم عواد " ما عليها خوف، أنا بغلت حليمة تنتبه لها.. وهذا هي بعدها نايمة... وأم الفارس لزمت علي اتعشا عندها، عقب العشاء نسري.. "
ابستمت بارتياح " دام كذا تطمنت.. تأمريني على شيء ثاني.. "
لتردف " لا يا جدتك سلامتك.. "
***
أغلقت الهاتف لأجد سيارة الفياض تقف في المواقف، ترجل ونظر لي
ابتسم بمحبة " أبو حميد... يا مرحبا يا مرحبا... "
نزلت وصافحته " يا مرحبا بك.. اعذرني بس والله ميمتي أصرت الا تجي تشوفك... "
بان الغضب بعينه " أم عواد هنا... ! "
ضربته على كتفه " بعدك عنها سنه ترى كثير يا الفياض.. واشتاقت لمحمد، وإلا أنت ناسي هي اللي كبرتك مهما ما سوت تظل ميمتك يا أبو محمد، ولا تنكر وتتحجج لي بكلام ماله داعي.. كيف هنت عليك يا الفياض.. تخليني أشوفك عقب السنة يا الظالم.. "
حضني بمحبة " حياك لا نحكي عند الباب... "
دخل الفياض، وصوته
ابتسمت له وأنا أردف " ارحب بـ أخوي، وش تأمر؟ "
ابتسم لي الفياض " يا مشاعل معي ولد خالي عاطف.. ابي درب "
وأنا أنظر له بمحبة " حياك أنت وضيوفك.. "
***
ليجلس عاطف بالمقلط، وانا واقف..
" بخليك شوي ، بشوف والأهل وجايك، وخذ راحتك "
***
أعلم كم أهلكتنا المسافات يا الفياض.. وأعلم مدى انشغالك عني بي، تدور حول الحياة لتسعد قلبي، وتحارب الوقت لتجعلني مبتسمة، أحبك وربي أحبك ويشهد هذا الليل الحزين، الحنين، الشجن، الحياة، الفوضى الأمان، الدلال، والعطف والحنان، والضياع المستقر كلها وجدتها فيك يا الفياض.. يا كيف بتحمل تكون لوحدة غيري
" ليه احس نفسي وحدة ثانية، من غاب ضو الشمس، وحكي جدتك ما يغيب عن ذهني.. حاولت اشغل عقلي، نظفت البيت رغم انه ما يتحاج تنظيف، سويت الكيك والجريش والمرقوق بخرت البيت، ما خليت شيء بخاطري الا وانا سويته... بس بعدني كلامها مأثر فيني، وإلا الحمل ما خليني حساسة بزيادة.. خلاص يكفي.. يكفي... "
" ما هقيت حضورها وشوفتها توجعني... ليه.. ليه تبي ترجع الفياض لسارة، وعسى قلبك هالمجنون بحبه، كلام حرمة كبير تهز جبالك يا المهرة! وين عقلك وراجحة تفكيرك، استغفر الله العظيم وأتوب إليه... "
ذهبت نحو دورة المياه، نظرت نفسي في المرآة، وجهي المرهق تنهدت لأتوضأ وأصلي ركعتين ارتحت فيها كثير..
لأجلس في الصالة، واغفو بتعب...
***
فتحت الباب بهدوء، ومشيت نحو الممر المؤدي لصالة المعيشة، وجدتك نائمة الآن، أتأملك، لا شيء أقرب إليك من روحي يا المهرة.. وليس لروحي مكان غير صدرك، ولذلك يسكن الجنين رحم أمه، فلقد تكونت كالنطفة ، فعلقة ، فمضغة، حتى بلغ حبك الأربعين بي ، وأصحبت مني ومني يا المهرة، أصابني رعشة الحنين، لأقبلك...
انزعجتِ، لتفتح الأهداب بضيق، وبصوتكِ المبحوح
تردفين " الفيــــاض.. حبيبي متى وصلت.. "
ابتسم " تو وصلت.. سلامات عساك مو تعبانة... وجهك مصفر.. اكلت لك شيء.."
حضنته، خفت فقده
" أي اكلت لي شيء بسيط.. عشان اقدر أتعشا معك.. "
قبل يديني
" تسلم هاليدين يا روحي، عسى ما اتعبك هالفنعوص... "
بتعب
" ابد والله.. "
بسؤال مباشر " انت شفتي أم عواد.. "
لأنظر له بوجع " ايه، كانت موجودة هنا.. دليتها على فيلا خالتي سحابة... "
وهو يضمني " بنت أصول.. أجل يا عمُري ابي اغير لبسي على سريع ولد الخال عاطف هنا... ولا أبي اتأخر عليه... "
ابتسمت له " ما عليك أمر حبيبي، خذ العشاء اللي سويته وعليكم بالعافية... "
" ابشري.. يا جعلك تسلمين يابعدي.... "
***
غير ملابسه على سريع... وهو يرسل لي قبلة على هواء لأضحك بحب له، اغلق الباب...
حاولت أن أتماسك لكن ضعفت قواي ، سقطت بتعب
" أرهقت نفسك يا المهرة وباقي عقلك ما نسى... انسي .. اعتبري ما كأن صاير شيء.. طوفي ياما طوفتِ كلام الناس، وقفت على أم عواد... تقول زني على الفياض واقفي.. ليه أحد قال لك أني مهبولة اعطي زوجي وحبيبي ودنيتي كلها لسارة... توجعين وتروحين كذا عادي... يارب... يارب ابعد هالضيقة عني... اعوذ بالله منك يا ابليس.. اعوذ بالله منك... "
اتصل على غدير، لتجيب من بعد رنة الأولى...
" حي هالصوت والله، وشلونك يا المهرة؟ "
ابتسمت لها بتعب
" طاب لوني يوم سمعت صوتك.. غدير... بسألك! "
غدير " في شنو... "
ابتسمت بوجع " هو عادي كذا الغثيان الحمل، مغص ، ودوخة وبس فيني النوم.. "
ضحكت " يابعدي ايه هذا هو.. بس انتهبي لصحتك... وأبشرك حجزت بعد يومين لمصر لأمي، وغازي أخوي معنا... "
ابتسمت لها براحة " الله يسعدك، كان ودي أنا أكون معها بس أعرفك ما أنتِ مقصرة مع أمُي.. الله يعطيك القوة يا أم النايف.. يلا أجل ما أطول عليك.. تأمريني على شيء.."
لتردف " سلامتك.. يلا فمان الله.. "
بهدوء أجيب " فمان الكريم.. "
اغمضت عيني وأتحامل الوجع... وجع ينخر في العظم...
" يـــــارب.. تماسكي يا المهرة... وأنت يا أمُي خلك قوي.. أدري أمك مرت بظروف أقوى من كذا.. بس خلك معي لا أفقدك أنت بعد... يارب"
عضيت على شفتي بوجع... وأخذ نفس عميق...
وجع .. وجع.. وجع... نظرت لأسفل قدمي، وأرى الدم، بل نزيف...
لأقع بطولي.... حاولت أن اقف لكن للوجع كلمته اغمضت عيني بدوخة داهمتني، لا أرى شيء بعدها...
***
" بعد أن تعشا عاطف وتسامرنا أنا وياه ودعته .."
وأم عواد، لم اقابلها متعمداً... جلست قليلاً مع والدتي والمزن..
" يلا اترخص عنكم... بشوف المهرة تأخرت عليها واجد... "
ابتسمت سحابة والمزنه " الله يحفظكم بعينه التي لا تنام... "
بخطوات هادئة فتحت الباب خفت أن أزعجها وأجدها نائمة، فهي كالعصفور في خفة نومها... مشيت في الممر... وقفت وصعقت وأنا أرى بقع الدم على الأرضية... وجسدها يحتضنها بكل سخرية...
أحاول أهزم الموت، وابعد الحزن بكِ، المهرة أخطو بخطوات ثقيلة
أصابك أذى من بعدي.. أرفع رأسك عالياً، وأضع إحدى يدي على فمك، احصي تنفسك، والأخرى ترمم خصلات شعرك التي بعثرتها سقوطك.. أجدك نائمة على كتفي..
" بسم الله على قلبك.. المهرة حبيبتي أنتِ... المهرة... "
فتحتِ عينيك بتعب، والدمع يشاركنا هذا اللحظة
" مابي افقده.. مابي افقد ولدي... ولدي لا يصير فيه شيء... موجوعة يا الفياض.. موجوعة بالحيل..."
أحتاج أن تحملني الآن يا الفياض على كتفيك.. لتسعة أشهر وأنجب طفلنا الأول... ابيه يشبه حُبنا الطاهر..."
***
تذكر في مكاننا المتفق عليه...
" الفيــــــــــــاض.. "
بضحكة " اوعدني أول ولد نسميه محمد... اوعدني.. "
ابتسم بحب منذ الصغر " والله أوعدك باللي خفق لي هالقلب لكِ.. أنتِ اللي أوعديني تكوني قوية.. أوعديني يا المهرة... "
ابتسمت وهي تركض " يلا ما اقدر أطول.. بالغصب غدير خلتني اخرج على أساس اقابل مهياف ... ما تدري اني اقابلك.. الفياض ترى كبرنا صح... ما عادني بشوفك بتغطا عنك... بس أنت وعدتني.."
ضحك بحب " يا مجنونة روحي قبل ما يظلم الليل.. يلا بحرسك لين توصلين... "
***
" وعدتيني تكونين قوية يا المهرة.. وعدتك بأن محمد بكون أول اسم لولدنا... كوني قوية بأخذك للمستشفى.. "
بوجع " أخاف فقدته... ولدي يا الفيـــــــــاض.. "
وأقبل عنيك التي تدمع
" يا روحه... بجيب لك عبايتك ثواني بس... "
ركضت سريعا نحو الدولاب وابحث عن عباءتها، سحبتها ووصلت عندها، أساعدها لترتدي العباءة، وحملتها على كتفي
" بسم الله عليك.. بسم الله على روحي.. المهرة ، أن شاء الله خير.. إن شاء الله خير... "
خرجت بها سريعاً نحو السيارة، لأتحرك وصوت احتكاك "الكفرات"...
خرجت متجهاً لأقرب مستشفى...
***
بغضب " أنتِ ما تسحتين على وجهك.. مالنا إلا كم أسبوعين متزوجين، وأنا متزوج يا وهيـــــــــــج.. قومي معي بأخذك للمستشفى قومي... "
" أنا اللي مستحية يا النايف.. حكيت لك كل شيء وبعدني ما فيني حيا.. ما أنت ملزوم فيني طلقني وفكني من شرك... "
قطع المسافة الفاصلة بينهم، ومسك يديني
" بتقومين، وإلا شلتك بيديني... "
بعناد " أقول لك فكني.... "
رمى العباءة في وجهي ويزمجر " اخلصـــــــي علي... "
ارتديت العباءة... وامشي معه نحو السيارة من ثم لدكتورة نساء وولادة...
الموقف كان أكبر مني... لتكشف علي، وتبتسم لي...
" يا النايف تقدر تدخل... "
بضيق " ها يا دكتور بشري.. "
ابتسمت " واضح خوفك وقلقك.. بس تطمن زوجتك بكرية.. بس في بعض النساء غشاء البكارة من النوع المطاطي.. وكثير يصير لبس في الموضوع... "
النايف وجهه مرتاح " لك البشارة والله.. "
وضع المبلغ في طاولة..
***
بعد ان وصلنا للمنزل
تحديداً في صالة المعيشة
اقترب مني لأبعد يدينه عني...
" ابتعد عني.. "
النايف " وهج.. "
بغصة
" الله يخليك كافي.. إلى هنا وكافي يا النايف... ابيك ترجعني البيت.. ولا أبي أشوف وجهك... ممكن.. "
وهو يقبل يديني وراسي…
" والله واللي خلق فيني هالروح كنت منزعج، وانتِ بعد كلامك شكيت فيك.. ابي احط نقاط على الحروف يا وهج، منهو اللي كان يتحرش فيكِ… انطقي ولك الأمان.."
لتبكي ، وتبكي
حضنتها بحب " انا حيوان لكن ما اعرف اعبر عن مشاعري احب اشياء غريبة واتصرف اغرب، بس انتِ عطيني مجال و أوعدك حبيبتي ما يصير الا كل شيء زين… ها وش قلتِ؟! "
ابتسمت بتعب
" ما اتذكره والله… بس كان واحد من اللي عيال الحي اللي تلعب معهم .. ما اعرفه .. ومن خوفي منه ما اتذكره … "
ضمني لحضنه..
" انا آسف على جروحك ، وآسف اني ثقلت عليك، يوم انك بزر كنتِ عنيدة وتقهرين وكنت ابي اكسر رأسك واثبت لك حبي لك… لكن وين اللي يسمع …. "
ضحكت وتمد يديك تمسح دموعي … وتقبل عيني
" تضحكين ها…. "
ضحكت من قلب " ايه تستاهل كرهتني فيك ومن نسناسك…. موتني خوف والله بغيت اموت، وللحين فوبيا والسبب انتَ… "
***
اقترب من قلبي وكما لو أنكِ لم اقترب من قبل ، فأهوي إليك كما لو أنَّ صدرك هو الوطن، والحياة ، والعيد السعيد…
***
بعد ساعتين والنصف، ساعة تشير الى منتصف الليل
" عمر.. حبيبي هذا اتصال من الفيـاض.. "
استيقظ من نومه وبفجعة
" وش فيه؟! "
رديت عليه " والله مدري بس اكيد ما دق الا في شيء ضروري .. ان شاء الله انه خير… "
***
على الجانب الآخر
اتصلت عليه ، بقلق
عمر " حي الله ابو محمد.. عسى ماشر !! "
تنهدت " ابد والله.. ابيك تجي الحين وتأخذ عمتي المزن… الله اخذ امانته، المهرة اجهضت… وغير كذا سفرة خالتي المزن بعد يومين مابي تدري او تحس وانت عارف …"
عمر بوجع " لا حول ولا قوة الا بالله ، الله يعوضكم خير ، هي وينها الحين؟! "
بنبرة موجعة " في العمليات… سامحني كان فجعتك بس انت عارف البير وغطاه.. "
عمر وهو يتحرك لدولابه ويظهر ثوبه الابيض مع شماغه …
" مسافة الطريق واكون عند جدتي المزن، ما قصرت يا ابو محمد.. اي اكيد ما عليك.. طمني عليها.. في امان الله.. "
***
اغلقت الهاتف…
وهي من خلفي " بسم الله عليك وش فيه وجهك انقلب لاسود… "
ارتديت ثوبي على سريع وقبلت عينيها
" اعذريني بتركك الحين… رايح مشوار ضروري… "
امسكت يدي…
" عُمـر.. لا يكون المهرة تعبانة… "
ابتسمت لها " قلت لك مشوار حبيبتي … يلا انتبهي على نفسك… احتمال اطول لا تنتظرني … "
قبلت راسها… وخرجت…
***
بعد مرور نصف ساعة …
خرجتِ يا المهرة ، تدفعك الممرضة على سرير المتحرك للغرفة … امسكت بيديكِ..
نظرت بتعب وبحزن، الاضاءة القوية ، مابين الممرات ، صوته الحنون وهو يتقبل الفاجعة..
" دكتورة طمينني عليها… "
دكتورة، وهي بنفسها تنقلها للجناح الخاص مع المشرفين والممرضة…
" للأسف فقدنا الجنين.. والعُمر قدامكم، نفسيتها تعبانة كثير ، وجسدها للأسف ما يتحمل … في خطورة كبيرة، ولازم يكون في فترة طويلة اذا في حمل آخر.. تستاهل سلامتها … "
خرجت دكتورة واقترب منها لأجدها ساكنة بهدوء ثقيل اوجعني منظرها…
وضعت قبلة حنونة على جبينها الحار..
" حمدلله على سلامتك يا قلبي… المهرة.. "
رفعتِ عينيكِ وبعيني وتدمع
" فقدته"
***
تلتصق بي وتقبلني وتحتضنني ، لقد انتظرته بلهفة الأم
لأبكي..
" الفيـاض… ولدي مات … توه نتفه في بطني ما لحقت اتهنا فيه.. "
وهو يضع انامله على فمه
" اششش.. بتعترضين على حكمة ربك.. ربي ارحم منا فيه.. مأجورة وشفيع لنا يا عُمري… "
وبندم " ليتني ما جادلت فيك السنين والسنين… كان عيالنا كبروا قدامنا… انا آسفة.. والله العظيم آسفة… ابيه تكفى يا الفياض ابي ولدي ابي لمه لحضني بعده ما كبر فيني.. صغير والله صغير… "
الفياض يتقرب مني ويحضنني
" بسم الله عليك… المهرة اهِدي ، معوضين خير والله معوضين خير…. نامي حاولي تنامين يا روحي … "
ضربت صدره
" مابي انام…. ابي ولدي جيب لي ولدي… ليه تحرموني منه.. "
***
وهو في مكتبه جالس بهدوء... ونار تحرق صدري
جلست مقابلاُ له..
الكادر بغموض " وش الاعجوبة الي خلتك ترسل أهلك.. "
بضيق " ضميري صحى بوقت ، قبل ما اقسى عليها... ما هقيت بكون كذا، والله اني ندمان قد شعر راسي.. "
ابتسم الكادر " زين.. زين الي حسيت ببنت عمك... اجل حطني على بالك زين ، طلبية وصلت، وأنت هالمرة راح تجيبها.. "
بضيق وبشدة " أنا ادري خنت وطني، بس هالطريق مسدود يا الكادر.. ببتعد عن هالشغلة بكبرها... "
نزلت الكلمات على الكادر كالصاعقة
" فيها موتك يا ضاحي.. وهذاني علمتك.. "
***
أدري القفلة شريرة... أول سر أن شيخة هي بالأساس بنت هديل أم الغيث، واخت بالرضاع لسالم بن عبدالله..
وباقي كم سر ينكشف الستار عليه من ضمن الأحداث القادمة..
***
نهاية الجُزء العشرون... ملتقانا بإذن الله الخميس بعد منتصف الليل..
***
همسة محبة: " ولَعلّ ما تلح به.. مُقدَّر لك . "
***
عمر الغياب / عَـبَير
|