كاتب الموضوع :
عمر الغياب
المنتدى :
قصص من وحي قلم الاعضاء
رد: أزهرت بهطولك
(17)
" جذر الغياب "
***
لليل أحبك .. مابقى في السما نور
والى ضواني الليل .. للصبح أحبك
واللحظة اللي كلها صد وغرور
اشوف قبري بين عينك وقلبك
في صدري اسراجٍ حزين ومكسور
رغم المطر والريح ... شلته افدربك
والله مابه غير لوعاتي قصور
وخوفي عليك الله ربي ..وربك
إلى متى ببني على صمتك جسور
لاحيرتني اسباب سلمك وحربك
العمر احبك... مابقي فينى شعور
ومتى جفاني العمر ... وشلون أحبك
بدر بن عبدالمحسن
***
كنت جالسة على الصوفا ممسكة بالمرآه صغيره والتي أرى فيها ملامحي مكبره..
قال سأعود.. " هذا هو طال شعري يا الفياض ، مهرتك ما عاد هي الأوليه.. تعبت من هالحزن اللي فيني.. ما كانت إلا امي هي ضحكتي وفرحتي.. وإلا أنا نسيت الاهتمام، شعري واللي عهدته ما احد يشوفه غطيته بطرحتي الزيتية.. ومتى تزينت ؟ كبرني الحزن ما كبرتني ايامي.. ملامح شيب في وجه شابه.. ما شيب راسي إلا أنت.. نظرت في الملابس.. ماهي لي، ما تناسبني.. طرحتي مختفيه.. ماني متعودة تشوفني بدون طرحة.. زوجك يا المهره.. يا هي الكلمة تفرحني وتبكيني.. أنا صدق صرت عروس له، طيب وش يعوض عمر اللي راح.. وشلون افرح مثل أي عروس.. مليت من الحزن والله مليت... يارب.. يارب عليك تكلان.. تفرج همي.. قومي صلي.. مالي غير ربي يفرجها لي.. "
***
منذ عُمر ، تلك الليالي القصيرة التي مرت بنا الآن، الأمنية الوحيدة والتي كانت تهتفين بها " يا الفياض أنا أنت، وأنت أنا.. "
كانت ايدينا تحضن الشوق، تذكرت أيامنا الجميلة ، والاغاني القديمة وصوت طلال مداح حين يقول " أنتِ ما مثلك بشر .. يا قمر خمسة عشر .. زاد همي والسهر ، من هواك ومن غلاك.. مرحبا بك يا هلا بك.. يا هلا يا مسهلا."
فستانك " البينك " ذو اطراف الدانتيل كنتِ ترتديه كثيراً.. كان يمثل براءة شخصيتك ، اتذكر آنذاك فقدتِ طرحة التي تتغطين بها عني، وسقطت منك دون أن تشعري بفقدها ، لأقتلفها وبعشق شممت رائحة الخوخ العطر الذي لا تستغنين عنه..
علمني الشوق الصبر برضا ..
ابتسمت بمحبة " ها وش رأيك في ذاكرتي.. "
وبنبرة مجروحة " غصب عني انساها.. افعالك من كبر نستني افعالك وأنت صغير .. "
لأمسك اناملها السبابة والابهام وأردف " روحي كانت فدا عيونك يا حبيبتي.. ويكفي ان رفضك لي كل هالسنين طيحتني.. "
سنوات وأنا لا استطيع التفريط بك ، سنوات يا المهره وأنا احبك بشعور ماله حدود .. رائحتك وحضنك ونظرتك الاخيره كلها تقول " أنا احبك بس مجروحه.. "
المهره.. تراني بعدك كنت ضايع ، ناديت نفسي مين انا وعيا تجاوبني.. عيت اجلس بمكاني، من عيادتي لبيت ميمتي، كله لأجل انشغل وما اتذكر رفضك لي.. واحبك.. ايه لا تناظريني كذا أنتِ اقرب من الضلع للضلع.."
بحزن أجابت " طيب ليه توجعني.. ليه ماني مصدقه شيء من حكيك هذا.. ليه تخليني اتأمل فيك خير وتخيب ظني فيك.. ليه يا الفياض..؟ انتهينا من رفضتني .. انتهينا من الحُبْ وسيرته، وانا طويت جرح الليالي.. تقول تحبني.. ليه أخذتها كانت اقرب لي من روحي.. كانت الوحيدة اللي تفهمني.. أي يا الفياض ساره كانت الوحيده اللي تقرأني وتفهمني.. تبيني اوجعك.. طيب لمن اخذتها وش اللي زادها فيني، حلوه وجسمها حلو، طيب انا زين كله وكنت بين اهدابك، رسائلنا يا الفياض تذكر.. تذكر وعدك لي ليه، ليـــــــه ، مين اللي اختارها لك؟ يعني كنت تجهل انها كانت صديقتي، ليه تطعني من هالسكين.. ليه يا الفياض.. لا تقرب.. "
وأنا بخوف عليها، حاولت تقدم منها لكنها وبصدود " طيب يا قلبي.. بحكي لك كل شيء.. كنت تعرفين انها الوحيدة لأبوها مالها لا سند ولا عزوة، وأبوها احرجني قدام المجلس.. وعمي كان وقتها موجود وهو اللي أصر أني اوافق.. "
اتسعت عينيها من دهشة " أبـوي.. شلون، وكيف ما حاك لي.. "
ابتسمت بوجع " ما كان يبي يعلمك عشان ما تتوجعين، وأنا يا عمري بين نارين، جهة من طرفك، وجهة من طرف عمي.. واستخرت عشرين مره، ما هو من مره وحده، ويشهد الله علي، ما كنت الا انت الحبيبه وساكنة روحي.."
رفعت وجهها وقبلت عينيها " يا المهره انت روحي، قد لك شفتي حياة بدون روح، هذا انتي... وخلينا ننسى... طيب ما تذكرين طرحتك شيفون الورديه.. "
وبعقدة حاجبيها " طرحتي..! وش اللي طرى عليك! .."
ابتسمت " كانت معي طول هالسنين.. وباقي ريحتها.. "
ضحكتِ " وأنا اللي ما تركت مكان وانا ادور عليها، وآخرتها تكون معك، وحتى وقتها تذكر سألتك وكنت تتهرب مني.. "
حضنتها وبحب " كلها لأجل اتذكرك.. أها بس ما هو تروحين عند عمي وتعاتبينه، ترى ما هو الفياض.. هذا ابوك .. وأنت اخبر بنفسك.. "
ضحكتِ بإرهاق " طيب.. كأنك تقرأ أفكاري.. وشلون طلقتها ..؟ "
كان يضع أناملي على رأسه، وألتمس خصلة الشيب لأرتجف وبغصة " هو لهالدرجة كبرنا بدون ما نحس.. "
ابتسم بلهفة " مين قال، أنا بعدني طيب وبخير بس من بعد شوفتك زان حالي.. "
ضحكت " الفياض.. صاير تضحكني وتبكيني وتجرحني وتضايقني كلها بوقت واحد.. "
حضني وبهمس " هذا لا قال لك.. المحبة يصير لك بـ انسان واحد.. يا عسى عمري مديد لك يا روح الفياض وعمره.."
وبتنهيدة " يعني اسامحك الحين.. وإلا أنا سامحتك وخلصت.. "
ضحكت بصوت عالِ " وشلون تقولين ما احبك ، أنا آسف على جروحك، وعلى سنين اللي مضت، وعلى كل دمعة بكيتها لأجلي.. طلبتك يا المهره.. ما عاد بقى من العمر كثر ما راح.. أنا أوعدك أني أكون ابو، وأخو، وصديق، وزوج، وعهد علي ما ازعلك... ودام ربي جمعنا بسقف واحد .."
ضحكت واحاول أن اغلق فمي، ولكن ضحكت بشدة " الفياض تذكر أول عيد لنا.. ما انسى موقفك .. "
ابتسم بمحبة " كنتِ شقية.. ونفس الوقت بريئة، سقى الله ذيك الايام.. "
مسحت دموعي " صدق، شلون خرجت وثوبك مقلوب.. وغير كذا داخل بكل ثقة... آه بطني.. "
ضحك معي، ومسك يدي، " يعني وش تتنظرين من واحد من صباح ربي وأنا ادور الرعيه مع عمي، والمشكلة اقوله يا عمي مالي هوى فيهم، يقول تعلم... الله يا كان هو شديد... وإلا غازي اخوك ما سلم من عمي.. تهرب من النخيل، ومن الرعي، وما غير يطامر وراه... وانا من ضحك حاولت اهرب، ولبست ثوبي حتى اتذكر العم محمد قلت نخيتك تأخذني لبيت عمي، العيد راح علي.. "
ضحكت، ثم ضحكت " ياربي.. طيب وبعدين وش صار.. "
ابتسم " يا فدا هالضحكة.. أي اضحكي.. وبعد رحت لبيت ميمتي لقيت الباب مقفل، وقلت شكل خالي أبو عاطف مر عليهم وأخذهم للمسجد، ما لقيت نفسي إلا وانا عند باب ومنحرج.. وريحتي تحوم الكبد.. واضطريت ادخل عليكم، قلت لو اخذ ثوب من غازي، وبعدين اعلمه.. بس لقيت وحده حلوه تنتظرني.. "
ضحكت " الله يا الكذوب.. ما كنت انتظرك.. كنت أنتظر أمي المزن.. تبخر غرفتها، وجلست أنتظر بالصالة.. وألقاك.. ضحكت من قلبي.. "
الفياض " أشوف باقي تضحكين علي.. يعني لهالدرجة كان شكلي سيئ.. بس قلبي وجعني.."
تسألت " ليه.. "
بنبرة خبيثة " كنت تهبلين.. وفستانك الابيض مطلعك فتنه.. "
ضربته على خفيف بكتفه " يمه منكم نظرتكم تخوف يا رجاجيل.. "
ضحكت " يلا قومي.. ما بقى شيء ويأذن العشاء.. أبي اسري لأمي سحابه.. تراها مشتاقه لي.. وأنا بعد ميت شوق لحضنها.. "
ونار تحرق قلبي .. " هذا وش يقول، أمه سحابه.. طيب وش فيني كذا! والله انك ما انتِ صاحية تغارين من أمه.. أجل في واحد عاقل يقول ميت لشوق حضن أمه، الله اكبر عليك يا المهره ما هو أنت ميته شوق لشوفة أمي المزن... اعوذ بالله منك يا ابليس... "
الفياض " أفا وش اللي مكدر خاطرك يا عيوني.. "
ابتسمت " لا ، ولا شيء.. بس طرى على بالي أمي.. خايفه عليها من الآلام رجولها كل ما لها وتزيد... "
الفياض " ما هنا إلا كل خير.. قومي تجهزي.. بنتظرك بالسيارة.. "
واسمع رنين هاتفي.. لأتلقى اتصال منه....
حاولت أن لا اجيب، لكن سأل وبتعجب " منهو المتصل! ؟ "
نظرت فيه " الفياض، تذكر طيحة النايف ، وأبوي الغازي.. "
وتعجب " أي.. "
بلعت ريقي " رعد ولد خالتي منيره، كان يهددني من فترة، وهذا هو يدق .. "
سحب الهاتف، ونظر بي بحدة " خيـر. "
***
في الجهة الأخرى
ابتسمت وأنا اسمع صوته " ألف مبروك يا الفياض.. تستاهل المهره.. ترى بأسها قوي وأنت نداً لها.. أي صحيح انا ولد خالتها منيره.. ان كان تذكر .."
الفياض وبغضب " وأنت ما تدل رقمي، ما تستحي على وجهك تدق على بنت خالك..! "
ابتسمت وبهدوء " ما فيها شيء اهني وابارك لكم، وما كان عندي علم أنك تمنع اكلم بنت خالي بموضوع خاص.. بس تبي صراحة هي تلوق فيك، مدري شلون خليت الفارس يأخذها.. إلا بسألك انت شلون ترضى على نفسك تأخذ لك وحده مأخذها أخوك قبلك... "
الفياض وبهدوء وبداخله نار تحرقه " أي طيب وش تبي، زبده.. "
نظرت للكادر " يا بعد حيي، نبي أرض المجد تتنازل عنها.. "
الفياض " حلم ابليس بالجـنه، هالأرض تسجلت من زمن جدي بـ اسمي.. ، وشكلك التهيت بدنيا كثير.. ولا عاد اشوف لك تدق على هالرقم.. "
ابتسمت " ابشر، بس مو قبل نتقابل.. "
الفياض " في إجازة.. أول ما انتهي احجز موعد... "
طوط.. طوط...
نظرت للكادر بقهر " شفت.. هذا هو قفل وجهي.. "
الكادر بهدوء " انت وش فيك مستعجل.. أهم شيء هو اللي اخذ المهره.. والفارس راح.. يعني ما عاد يعثرنا بشيء... |
ونظرت وهو يقلب الاوراق " طيب ، وضاحي وش صار عليه... وبنت ناس بعدها ما شافت أهلها.."
الكادر " انت تعرف ضاحي، اخذها عشان يحرق قلب أبوها.. ما علينا.. منيع ما شفت له خبر.. "
بارتباك " منيع بيد عمر.. ولد الذين كأن الأرض انشقت وبلعته ،مختفي.. "
الكادر " بعدني اقولك لا تستعجل... دق على ضاحي.. ابيه بموضوع.. "
نظرت فيه، وبفضول " وش عندك! .. "
نظر ببرود " شيء ما يخصك.. "
جلست على الكرسي، وضعت قدمي على طرف طاولة..
بضحكة " الكادر ما بينا شيء تسده عني.. بس بدق عليه بشوف وش نهايته معاكم.. "
الكادر وهو يرجع نظارته بطرف أنامله
" يا بن الحلال قلت لك موضوع ما يخصك.. دق عليه الحين.. "
****
الدمام
في تلك الاثناء كنت ارتب غرفة النوم، واسمع صوت المياه.. وتتعالى رنين الهاتف الموضوع فوق المنضدة.. اقتربت وإذا اجد ميم متصل بك..
" هذه فرصتك يا شيخه .. اسكت وخلني ادق على اهلي.. "
وبتوتر وأنا أرى باب دورة المياه والتفت مره اخرى على الهاتف، حين صمت.. حاولت أن امسك به.. وإذا به رقم السري... دب الخوف في قلبي، وكل مافي أخذ يبكي، أصابعي، أنفي، وروحي.
" كم الرقم يا شيخه ... تذكري.. "
مرت ثانيتين لأفتح الهاتف معي، وبعين كلها خوف وتوتر... احاول أن اتذكر رقم أخي الغيث... وضعت الارقام...
" رد يا الغيث.. تكفى رد.."
لأسمع إغلاق صوت المياه، حتى اضع الهاتف بمكانه...
نظر بي، وهو يجفف رأسه متجه نحو خزانته، ليرمقني بنظره..
ضاحي " شيخه، شماغي جاهز.. "
أحاول الثبات، ألا اميل ولا انكسر..
وبصوت يختنق " جاهز، معلق بدولاب... ضاحي تكفى خلني أروح عند ليلى.. بعدين كل شيء نظفته لك"
واعدد على اصابعي " بيتي اللي بعيد عن الرياض نظفته... ووبخرت لك لبسك. بس لا تردني خلني اروح.."
***
في الجهة الاخرى...
رأى رقم مجهول يتصل به، رفع الخط.. ليجد صمت من ثم صوت بعيد... ليدقق
صوتها، صوت اخته شيخه...
وبشوق " شــــيخه... شيـخه ردي يا أخوك، وينــك شيخـــه"
اغلقت الهاتف، لأقف على مركز الشرطة، وأخبرتهم بأن يجدوا لي رقم الهاتف...
***
علمني أبي العفة والكبرياء، ولكن لم يعلمني الفقد، هو ببساطة طبقه عليّ بكل جبروت حينما تزوجت به.. حين تفقد بنت عائلتها وهي ما زالت معلقة بضحكتهم، فذلك كافٍ تماماً لأستجيب لأي فقد، تتشكل ملامحُ وجهي بعوامل العمر، أهو الشبه الذي تركته لعائلتي، يستعجل لموتي....
بعد أن ارتدى ثوبه، "ونسفة شماغه" ارتدى الكبك، من ثم يعطر...
ضاحي " لا تنتظريني اليوم... وعيالك لا يخرجون مكان... واقفلي الباب.. ولا اسمع انك رحتي مكـان... سمعتيني يا شيخه.. "
ابتسمت له " إن شاء الله.. ما راح تتقهوا.. "
ليتقدم ويلتفت لي ينتشل هاتفه، ويضع بجيبه الايمن.. ليرن هاتفه..
امسك بهاتفه مره اخرى، ويرد
" يا انك رجه يا رعد، وش بغيت.. "
لأتنفس صعداء.. " ياربي.. إن شاء الله سمعت صوت يا اخوي.. "
وأمشي إلى النافذة لأجده قد ركب سيارته وانطلق مسرعاً...
وإذا بي امسك الكرسي وأدفعه نحو الخزانة، واضع قدمي حاولت أن اتوازن ولا أهتز بفعل الخوف، أمسكت بحقيبة السفر، أشم رائحة الماضي فأحن لرائحة والدتي وصوت أبي، أستعشر كل اللحظات التي مررت بها، أضحك وأبكي.. مسحت دموعي، وفتحت حقيبتي وضعت بعض ملابسي بفوضى، ورحت مسرعة نحو غرفة صغاري لأجدهم نائمين بعمق، اتجهت نحو خزانتهم وبقيت أخذ بعض القطع والأشياء المهمة، لا اعلم أحسست بأن أخي الغيث سوف يأتي وينتشلني من هنا.. ترجف يدي حينما رأيت صورته معلقه على حائط الصـالة، كان قوي النظر ، لا يبتسم ربما لأن صورته التقطت عندما كان عسكرياً... لأرتدي عباءتي ومشيت مسرعة لأغلق الباب خلفي واذهب لحجرة أطفالي...
أناديهم بهمس " عز يا ماما قوم حبيبي... وزين قومي حبيبتي... "
عزيز والذي يفتح عينيه " يمه، وش فيك، وراه لابسه عباتك.. "
بخوف " مافي شيء حبيبي ، بس ابوك وافق ان اروح عند ليلى.. يلا زين اصحي يا ماما... "
زين بنعاس " ماما ترى ما نمت الا متأخر، من الواجبات... "
وبهمس " ما عليه حبايبي... يلا عز البس ثوبك، وأنتي يلا البسي عبايتك بسرعة بنتظركم بصالة... "
مرت الدقائق ثقيلة، وحينما خرجت من البيت، أمسكت بالعز..
" عز حبيبي وقف لنا تاكسي... "
ويصادف سيارة أجرة أمامنا...
وانبهه " قله ياروح مدري ليه حاسه انه ابوك هو اللي وقفه.. شوف لي لو اوبر..."
زين " أنا طلبت ماما... بس بالعادة تخلينا انا وعز، وشنطه هذا ليه... "
حاول ان اصمت تسأولتها التي تدور برأسي.... حينما اتت سيارة لأجده واقفا...
وابلع ريقي " ضـــــــاحي! "
ضاحي " أيـوه اطلعوا اوصلكم عند بيت ابو حاتم... يلا عجلي وراي اشغال.. "
بكيت بداخلي... " وين ما تطقينها عوجه يا شيخه، يارب يارب..."
وبهدوء " هالشنطة فيها اشياء اشتغلت عليها، وليلى بترسلها عند مستشفتها... "
ضاحي بطول بال " اطــــلعي، وانت يا عز ادخلوا انت واختك، ولا تفتح لباب لأحد... "
عز يجيبه " تأمر أمر يبه.. يلا زين مشينا... "
وبتلعثم " خلهم يا ضاحي، ابيهم معي... عز يقدر يجلس مع ولد اخوها... "
ضـــاحي " لا... وراهم مذاكرة.. يلا ادخلوا بسرعة... "
لأراهم قد دخلوا البيت ، واغلقوا الباب، مسك اصابعي وبهدوء
أردف " ما جازت لي سالفة تاخذين عيالك معك... وبعد متصله على أخوك الغيث... تهقين لا جاء بيأخذك مني"
هنا صمت، الخوف اثقل كاهلي... حاولت أن اجيب وبضياع
" أبو العز.. أنت ما قصرت تكفى 10 سنين ما كفتك وانا بعيده عن اهلي... أدري ما انت مقصر علي.. بس طلبتك وربي العظيم ما عاد اطلب شيء ثاني.. خلني أشوفهم لو مرة... مره بس يا ضاحي.... بموت ان ما شفتهم"
ضحك بأسى " اشوفك ما متِ إلى الآن... "
سنوات عجاف على موتي، وجفاف اليتم داخلي، ظمآنة يا عائلتي.. " أين انتم.. "
كأن الوجع ينخر صدري " ضــاحي فين بتروح، هالطريق مو بيت أبو حاتم.. "
وأنت ترفع يدك وتعدل " نسفة شماغه... "
ابتسمت " عندي مناسبة صغيرة لرجل أعمال، قلت تحضرين معي... "
ويغص في حنجرتي البُكاء.. " طيب روح بس انا اروح معك ليـه؟ وبعدين ليلى فشله اتأخر عليها..! "
ضاحي بنبرة هادئة " لا تخافين، في هناك حريم مثلك... يعني بعقلي بوديك مكان كله رجال! . "
مـا زال ويظل الوجع ينخر صدري، كلم تكلم، كلم تذكرت.. الوحدة، والخوف جداً
وفوق شفتيّ تنتحبُ دعوتين " يارب تكفيني شره، اللهم اجعل كيده في نحره... يــارب. "
***
تشير الساعة الثامنة مساءً...
ما كـان عليه المجاهرة بحبه لنسناسه، امرأة تشبهني بأصراري، في مكابرتي، في ملامحيّ الغاضبة، واختياراتي الخاطئة، وصمتي المربك، يُراقبني نايف، وامرأة غبية مثلي، تظن إنه أتلهف لحبه...
وبتنهيدة " يلا وهج، كـافي.. قسم بالله دلعك طلع من عيوني.. طيب خلاص لا تكلميني، بس مهو عيب نتأخر على الجماعه... يلا اهلي ينتظرون قدومنا.."
وبضيق " دقائق واخلص، والله يخليك لا تمثل لي الحُبْ قدامهم.. "
النايف " طيـب، بس اطلعي.. "
وبضيق " لا تسلك لي.. صدق ما ابيك تقرب مني أنت ونسناسك.. "
اقترب مني، قبل جبيني البارد " يا عمري قلت لك نسناس قتلته مـــات.. وقسم بالله انه مــات، وبعدين انا مجنون اجيبه لحبيبتي ولا وفي يوم زواجنا.. بعدني ما انهبلت"
أنتَ مغرور، واكره جدلك الطويل مُتذاكياً أو مستحمقا يا النايف " طيب.. ابي البس.. ممكن . "
النايف " عـــادي زوجك أنا ، ما احد غريب.. "
بخجل " ما علـيه بس بعدني ما تعودت عليك.. "
النايف بخبث ، وقبل الورد " آه يا وجع صدري، بطلع سيارة لا تطولين... "
***
خرج، ارتديت فستان صيفي ناعم بلونه الكريمي، واخذت طقم الذهب، ولبست عباءتي... لم اضع مساحيق التجميل، ومن يريد تحدث فـ ليتفضل...!
بعد ان صعدت سيارة، توجهنا لبيت خالتي غدير، تستقبلنا رائحة البخور، والقهوة...
سلمت على يديها وقبلت جبينها " كيفك يا خالتي... "
غدير أم نايف " بخير... حياك بنتي المجلس.. ديما موجوده.. "
النايف " وشلونك يمه.. عسى امورك طيبه.. "
ابتسمت " بخير وأنا أمك.. وش فيها مرتك؟ ماهي متزينه! "
النايف " ما احب اشوف عليها من الخرابيط.. انتِ علميني كيفك يا الغالية.. جهزتِ امورك عشان نقل.."
غدير أم النايف " أي خلاص جهزت.. قلت اجلس عند ميمتي وأبوي، دام البيت خلى علي... "
النايف " زين ما تسوين يُمَه بقلق عليك انا وسعود، إلا هو وينه... "
غدير أجابت " تعال استريح، نسى غرض له وراح يجيبه.. "
***
في مجلس الحريم
دخلت وهج، ملامحها المتضايقه، وحزن مرسوم عليها..
حضنتها " أفا وهج، وش فيك كذا! "
وهج ببكاء " تكفين ديم ما ودي اتكلم، احسني مخنوقه يا ناس، مقهوره... "
وانا اردد واطبب على ظهرها " بسم الله عليك، خرعتيني وش فيك، عسى النايف ما زعلك...! صاير بينكم شيء... "
وهج وهي تبتعد وتمسح دموعها وبغيض " تخيلي ألقى ثعبانه على فستاني وبغـــى يقلتني... "
لأضحك وابتسم لها " يا زينك حسبت عندك سالفة، الله يسامحك بس.. وقفت قلبي.. "
وهج بكره " إلا أنا اللي قلبي بغى يوقف، هو عبيط يجب لي ثعبانه، يقول ما كان يدري وانه مقلب من اصحابه.. يقهــــر "
ضحكتِ وبهمس " تخليت شكلك.. يا بنت الحلال، بين له موقفه ، لا تقولين راحت ليلتك بزعل ونكد.. "
وهج " أي هذا اللي صار... ماني طايقته... "
لأقرص كفيها " مهبوله انتِ، والله يبي لك ضرب، مسكين ولد عمتي ومتحمل! قسم بالله تبطين الكبد.. وهيج احنا وش قلنا، ما كبرنا على هالسوالف العناد والمكابر ليش...! "
وبتأفف " يختي ماني طايقته.. الله يسعدك قفلي سيرة، ايه وأنتِ علميني كيف سعود معك... "
ابتسمت " حمدلله.. أمورنا طيبه.. حنون ومتفهم، ما توقعته كذا صراحة، رغم انه ولد عمتي بس كنت اجهله... "
وهج " أي تعلميني فيك.. طيب وريوم كلمتك، وش صار عليها! "
وبابتسامة " ريمـا بخير، قبل شوي كلمتها، مسافر بكره.. "
وهج " الله يهنيها.. تستاهل ريمـا. "
امسكت بيدها وضغطت بشدة " وأنتِ بعد تستاهلين تفرحين، لا تضعين أمور تافهة على أحلى ايام.. "
وهج " يصيـر خير..."
***
دخل ابي وهو يضع الخبز فوق طاولة.. وابتسم من ثم قبل جبين والدتي..
" وشـلونك يا ام غفران؟ عساك احسن.. "
لتجيب بكلمات متقطعه " طـــ ـــيـ ــبـ ـه .."
ليردف أبي " تعالي يا أبوك، حطي لنا نواشف، وكوب شاي.. "
ابتسمت له " ابشر يبه... "
ذهبت لأخذ رغيف الخبز، اتجهت نحو المطبخ وضعت بعض الزيتون والجبن على طبق دائري أبيض... رأيته من نافذة المطبـخ ، وهو يترجل بسيارته...
ابتسمت " كيفك يا عاطف.. عسى تكون من نصيبي، الله يصلحك بس يا غفران غضي بصرك، وشلون وانا من يطلع لا دخل اتابعه... اففففف وبعدين اخرج من راسي... "
مسكت صنية وضعتها فوق الطاولة... وابتسمت له
" يُبَــــه .. ابي اكمل دراستي... الجامعة قريب ويبدأ التسجيل فيها.. "
ابتسم وبحنو " سجلي يا بنتي.. بس ابيك طبيبة، نسبة الثانوية ما هو مرتفع... "
فرحت " إلا يُبـه ، امتياز بمرتبة شرف الاولى، يعني يُـبَه صدق موافق على التمريض.. "
والدي وهو يشير بالجلوس بجانبه " تعالي هنا.. أي موافق لـيه ارفض.. تعالي.. "
ضحكت بفرح، وارتميت بحضنه وابكي، ابكي فقد اخوتي صغار، ابكي على جرحيّ والذي قد قارب على الشفاء..
" مشكور يبه، ما توقعتك بتوافق... "
والدي يجيب " أها بس ما اقبل الا امتيـــاز.. إذا ما جيبتهِ ما راح تكملين.. "
قبلت كتفه " وعــد اجيب الامتياز، بعدين ما أنت واثق ببنتك.. "
ضحك وبمحبة " بنت أبــوك.. يلا عيشتنا لا تبرد.. "
***
في الجهة الأخرى
كنت أخذت بعض الملابس والدتي، وبعض الاشياء المهمة، اثناء خروجي من المنزل، لأرى منزلها والإنارة الخافتة، ابتسمت بداخلي.. ومشيت لأصعد السيارة، وسرت نحو بيت " ميمتي أم عواد.. "
اتصلت على الفياض...
ليجيب " أنت ما تستحي! ميمتي متلهفة على شوفتك! غلطت وادمح زلتها، تراها حرمه كبيره... "
الفياض بهدوء " وش بغيت يا أبو حميد... "
وأنا اهز رأسي رفضاً " يهديك الله.. تعال ترى فوق السنه غايب عنها... ماحن قلبك عليها ولو شوي..."
الفياض بـ جفا " ما لي رجعه عندها، اللي انكسر عمره ما يتصلح يا أخوك.. "
وبتنهيدة " يا بن الحلال، تعوذ من الشيطان.. هي غلطت واعترفت بهالشيء، وش تبي اكثر، يرضيك انها متوجعة من غيابك، ما على لسانها الا أنت، احب اذكرك إذا نسيت، ترى هي من كبرتك، وإذا ما خبرتك ما تدري يمكن لك خيره في بعدك عن أمك... المهــم تعال... ساعة يا الفـياض ساعة يمديـك تجهز أنت واهلك.. يـلا فمان الله... "
***
حين تقتحم الأشياء لا مجال للإصلاح يا حنين.. أدرك أنا بعد العُسر يّسر.. نظرت لـ ضياء... وابتسمت لها
" كيف سلطان؟ هالقاطع ما عاد يمر على عمته! .. "
ابتسمت " سلطان من رقى مرتبته، ونقلوه هنا بالرياض أنا اللي حرمته ما اشوفه.. الله يعين، أنتِ اللي شلونك؟ "
ابتسمت بحزن " بخـير، الغيث مو كأنه طول، كل هذا يجيب المقاضي.. "
ضياء " بدق علـيه.. وأنا بعد بديت اقلق.. إن شاء الله خـير."
***
في مركز الشرطة – تحديداً في مكتب سلطان
الغيث " يا سلطان مهو معقولة اللي يصير... أنا متأكد سمعت صوتها، واكيد ما قدرت تكلمني من هالزفت ضاحــي جعله الماحي.. "
وانا امسك بعض الاوراق " الغـــيث ما له داعي العصبية، عطنا وقت.. وإن شاء الله نلقى بنت العم.. "
الغيث " شـــلون يهون علـيه يفرق بنت عن اهـلها وش عقلتيه المتحجرة... الله يصبرني على فراقها ... الله يصبر قلبك يا شيخه... الله يصبـــره.. "
رفعت الهاتف " ســامر، ما لقيتوا شيء للآن مهو معقولة.. طيب .. طيب.."
رفعت عينه لأجد لهفته، وخوفه
واجيب بهدوء متزن " قول لا إله إلا الله.. وبعدين اجلس.. "
بخوف " صبيت عظامي.. قل اختي طيبه موجودة حــيه.. "
وبتنهيدة " رقم اللي عطناه مجهول... وغير كذا منقطع... "
ليدور يمنه ، ويسره، بغضب " شــــلون الكلب قدر ينتبه... كيف اعرف انها حيـه.. يا سلطان... وش الحــــل! "
بهدوء " نحاول ندور اسمها مره ثانيه.. لا تخاف يا الغيث، أنا بنفسي بدور عليها ، هدي نفسك... "
الغيث " يا بــرودك.. بطلع وبشوف المستشفيات.. ما راح اجلس كذا... مقهور عليها.. "
اجبت " براحتك... "
***
ولأني ألبس فستان خمري اللون، لم اتزين، إلا بوضع احمر الشفاه... وجدته ترجل وفتح لي الباب...
وبابتسامة لم اعهد عليه من قبل " انـزلي يا ام عز.. "
ليمسك يدي، ويدخلني... وإذا بي اجد جميع من الناس يرحبن به..
" حي الله ضــاحي.. حي الله العريـــس اقلط... "
ابتسم ضاحي وهو ينظر بي " هذه هي زوجتي شيخه، جايه بخصوص انها تفرح معــي... "
وبصــدمة رأيته يدخل المنزل، وشدني معه...
لأرى عمته تبتسم " ما شاء الله.. يا ما شاء الله.. تفضلـي يا شيخه.. حياك.. "
بلعت ريقي ولم استطع رفع نقابي، كتمت الوجع والبكاء ...
لأنظر له " ضــــاحي... تمزح صــح"
ابتسم " وش فــــيك.. هذه عقد قران اختي... شكلك صدقتي انه بـ يتزوج عليك... "
مسكتني مرأة كبيرة بالعمر " ما عليه ضاحي كثير المزوح... ارتاحي يا بنتي... "
ابتسمت لها " تسلمين يا خاله، ولا عليك أمر أبي دورة المــياه... "
لتذهب معي.. وفتحت نقابي، وأبكي بحرقة... " مت.. ياربـي وش الحظ اللي عـــليه، وشلـون عرف انه كنت بهرب منـه، اخخخ ياربي موتني... والليلة يخليني اتعرف على اهـــله وش مقصــده بـ هالحركة ... يارب صبـرني على الفرقا.. يــــارب.. "
***
سـنه غياب ، انجبت ذكرياتي، وطفلة ما زلت حبلى بشوفتك يا الغيث...
اشتقت لحديقتي.. يُتعبنِي حُبي الصامت..
التفت أزهــار البابونج على عنقـــي، لم اشعر إلا بيد تقيد شفاهِ
بخوف، تفوح من رائحة اصابعه التبغ " لا... لا. ".
***
نهاية الجزء السابع عشر من الفصل الرابع..
***
همسة محبة/ " اللهم أسألك أيام حلوة تورد الحياة بداخلنا كدعاء يستجاب أو أمنية تتحق.
لقاؤنا الاحد القادم بإذن الله .
***
عمر الغياب – عَـبَير.
|