18-09-15, 12:21 PM
|
المشاركة رقم: 3
|
المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
عضو مبدع |
|
مدونتي |
|
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
كاتب الموضوع :
الأزمان
المنتدى :
علم النفس , دراسات علم النفس , كتب علم النفس , ابحاث علم النفس
رد: كتب علم النفس عن الوطن العربي
مقدمة : مراحل تطور العلوم النفسية
يقول هيرمان ابنغهاوس عالم النفس الألماني: "إن لعلم النفس ماضيا سحيقا لكن تاريخه قصير جدا". ويقصد بذلك أن أفكار علم النفس ومواضيعه قد طرحت وعولجت منذ أندم العصور، لكن هذا العلم لم يصبح علما مستقلا، له منهجه العلمي الخاص وطرائق بحثه الخاصة، إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر" ويمكننا تقسيم مراحل تطور علم النفس إلى ثلاثة أطوار:
1- الطور ما قبل العلمي:
وهو أطول هده الأطوار، وفيه كانت الأفكار النفسية تنحصر في ملاحظات الأفراد لسلوك الإنسان وأحاسيسه وانفعالاته وعواطفه، وتضمينها في القصص والأسفار والخرافات والأساطير والكتابات المختلفة التي وصلتنا من حضارات الإنسان القديم قبل الميلاد في وادي النيل ووادي الرافدين وسورية القديمة وفي حضارات الشرق الأقصى وغيرها من الحضارات القديمة. وقد تجسدت هذه الأفكار والملاحظات في ملاحم وقصص وأناشيد وصلت إلينا من هذه الحضارات، ومن أشهرها "أغاني أورفيست " الفرعونية القديمة، وقصة "فتح جوبا "، ومسرحية "دعوة سيث " التي تبين أن سكان وادي النيل قد وظفوا المسرع توظيفا نفسيا لحفز الجماهير وإثارة مشاعرهم. كما تجلت هذه الأفكار والملاحظات في "وصايا شوروباك لابنه زياسودرا " التي تدل على اهتمام شعوب ما بين النهرين وسورية بمسائل التربية والسلوك. وتعد "ملحمة غلغامش "، وهي أعظم أثر ملحمي ميثولوجي، من أهم الآثار وأعناها بالأفكار النفسية والاجتماعية وفي مجال المعرفة العلمية كان المصريون القدماء أول من عرف أثر الدماغ هو مركز العقل وهو الموجه للجسم [10 ص 18، 19].
2- الطور ما قبل المنهجي:
هنا لم يقتصر الإنسان على ملاحظة الأفكار النفسية ووصفها، بل حاول دراستها وتفسيرها، رغم ضآلة معلوماته. وبرزت الأفكار والمسائل النفسية في هذا الطور في شأن أعمال ومؤلفات المفكرين القدماء في الطبيعة والطب والتشريح. واستمر هذا الطور منذ الحضارة الإغريقية القديمة إلى أوائل القرن السابع عشر. وهن أبرز من عالج المسائل النفسية ع ند الإغريق: أفلاطون، الذي اعتبر النفس في ذات طبيعة روحانية، وأنها خالدة بعد فناء الجسد، وقسمها إلى النفس العاقلة والنفس الغاضبة والنفس الشهوانية، ورأى أن النفس هي التي تحرك الجسد. وكان أرسطو الملقب بالمعلم الأول، أعظم مفكري الإغريق في مجال علم النفس، وقد عده العلماء المؤسس الأول لعلم النفس. فقد وضع كثيرا من المؤلفات النفسية، وأشهرها كتابه "في النفس "، وابتدع منهجا علميا وطرح كثيرا من الأفكار النفسية، وطور أفكار أفلاطون حول النفس ومراتبها، وقال بوحدة النفس والجسد، كما بحث مواضيع التفكير والسلوك والجماعات والتفاعل الاجتماعي وغيرها من المسائل النفسية المهمة (ص 34، 35). كما ساهم الرومان في تطوير الأفكار النفسية، وبرز في هذا المجال الطبيب جالينوس (القرن الثاني قبل الميلاد) حيث ألف كتبا ورسائل طبية عديدة أجمل فيها المعارف الطبية والنفسية، وأغنى الأفكار حول الأساس الفيزيولوجي للنفس، وأقترب من الوصول إلى مفهوم الشعور.
وفي عصر الدولة العربية- الإسلامية التي استمرت من القرن السادس إلى القرن الرابع عشر للميلاد، طور العلماء العرب والمسلمون الأفكار النفسية التي اقتبسوها عن الثقافات السابقة وأغنوها بأفكار ومواضيع وأطروحات جيدة. ومن أبرز هؤلاء العلماء في مجال النفس: أبو نصر الفارابي (870-950 م،، الذي عالج في كتبه مسائل نفسية عديدة كمراتب النفس والسلوك والشخصية والجماعات، والعقل والأحلام وسيكولوجية القيادة وغيرها. ومن أشهر مؤلفاته "آراء أهل المدينة الفاضلة". والطبيب أبو بكر الرازي [864-932 ]، الذي لقب ب"جالينوس العرب" و ألف العديد من الكتب في مجال علم النفس والطب النفسي، واهتم بالعواهل النفسية الكامنة وراء كثير من الأمراض الجسمية، وأوجب على طبيب الجسم أن يكون طبيبا للروح، وأن يشجع المريض ويؤمله بالشفاء، ومن أهم كتبه في هذا المجال "كتاب النفس " و كتاب الطب الروحاني ". أما ابن سينا [980-1037) فكان أعظم أطباء وعلماء عصره، وهو الملقب بالشيخ الرئيس وصاحب "القانون في الطب " الذي درس في كليات الطب في العالم قرون عدة، ومن مؤلفاته المهمة "كتاب الشفاء" و "كتاب النجاة". ويعد ابن سينا بحق أول طبيب نفسي، فهو أول من شخص الحالات النفسية وعالجها علاجا نفسيا، ومارس الطب والطب النفسي، وكان يهتم بحالة مرضاه النفسية، ويربط علاجه الطبي والنفسي بالعوامل الاجتماعية. وهو أول من فصل الفلسفة عن العلوم الطبيعية واتجه إلى التجربة العملية، كما عالج في مؤلفاته العديدة كثيرا من المسائل والمواضيع النفسية كالأنا والشعور والحس والأحلام، ووضع براهينه الشهيرة على وجور النفس، ووصف الأمراض النفسية وصفا علميا قائما على الملاحظة والتجربة كالهوس والفوبيا والأرق والأحلام وغيرها. ونشير أيضا إلى ابن الهيثم العالم الفيزيائي الذي بدأ حياته طبيبا، وبحث في سيكولوجية الإدراك، وألف كتاب "تأثير الموسيقى في الإنسان والحيوان "، وابن مسكويه وكتابه "تهذيب الأخلاق" الذي هدف منه إلى إصلاح الفرد والمجتمع عن طريق معرفة النفس الإنسانية. كما نشير إلى محمد بن البيروني (973-1048) صاحب الكتاب المهم "تحقيق ما للهند" الذي برز فيه البيروني رائدا للدراسات الانتروبولوجية النفسية- الاجتماعية. وتجدر الإشارة إلى الفيلسوف الإمام أبي حميد الغزالي (1058-1111) الذي عالج في كتابه الضخم "إحياء علوم الدين " مواضيع نفسية عديدة كالسلوك والدوافع والعادات والفروق الفردية بين الأطفال وضرورة مراعاتها، واتبع في أبحاثه منهج الملاحظة الخارجية ومنهج التأمل الباطني. ونشير أخيرا إلى مساهمات ابن باجة صاحب كتاب "تدبير المتوحد " ومؤسس المدرسة الأرسطوطاليسية، وابن طفيل، الفيلسوف والطبيب الأندلسي العربي الكبير، صاحب كتاب "حي بن يقظان" ، وابن حزم الذي وضع نظرية سيكولوجية مهمة في الحب عرضها في كتابه "طوق الحمامة في الألفة والآلاف " وابن رشد ألف أكثر من عشرة كتب في النفس، وساهم في تطوير الأفكار النفسية وبحثها ودراستها، وإلى المفكر الاجتماعي الكبير ابن خلدون، صاحب المقدمة الشهيرة، واضع حجر الأساس لعلم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي.
3- بداية الطور العلمي:
جاءت بداية هذا الطور نتيجة النهضة العلمية التي اجتاحت أوروبا مند القرن الخامس عشر، والثورة الصناعية والتحولات الاجتماعية الجذرية التي طرأت على المجتمعات الأوروبية في مختلف ميادين الحياة. ومن أبرز من ساهم في فصل علم النفس عن الفلسفة وتأسيس علم النفس كعلم مستقل الفيلسوف الفرنسي ديكارت، المؤسس الثاني لعلم النفس، و إليه يرجع الفضل في تفسير السلوك والخبرات عن طريق فعالية أجهزة الحس والجملة العصبية والعضلية، وقد اعتبر ديكارت الشعور من أهم خاصيات العقل، ووضع نظرية الفعل المنعكس في علم النفس الفيزيولوجي، وأصحاب المدرسة الربطية الإنكليزية مثل جون لوك وهيوم وسبنسر وهارتلي، الذين طرحوا مبدأ ترابط الخبرات الحسية ومبدأ السببية وترابط الأفكار وتداعيها، وعالم الفزيولوجيا الشهير دارون، صاحب كتاب "أصل الأنواع " ونظريته في النشوء والارتقاء، التي دفعت إلى دراسة سلوك الحيوان كمدخل لدراسة السلوك الإنساني، ودراسة أثر البيئة والوراثة على تطور الكائن الحي، وغالتون الذي ساهم في إدخال المنهج الإحصائي إلى علم النفس، وهيرمان إبنغهاوس، وهو أول من درس الذاكرة دراسة منهجية. ويجمع العلماء على أن عالم النفس الألماني الكبير فونت [1832-1920]، هو المؤسس الحقيقي لعلم النفس كعلم تجريبي، واعتبروا كتابه "أسس علم النفس الفيزيولوجي " (1874) بمثابة إنجيل علم النفس، كما أسس فونت أول مخبر تجريبي لعلم النفس في العالم "لايبزيغ عام 1879 "، وأصدر أول مجلة سيكولوجية متخصصة في العالم [انظر 10].
أ- العلوم النفسية في الوطن العربي في الربع الأخير من القرن التاسع عشر
لقد جاء انفصال علم النفس عن الفلسفة في الثقافة الغربية نتيجة طبيعية لتحولات جذرية طرأت على المجتمعات الغربية في المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية والصناعية التي سبقت الإشارة إليها، وعلى وجه الخصوص نتيجة تقدم العلوم البيولوجية والفيزيولوجية، الأمر الذي سمح للعلوم الإنسانية ومنها علم النفس، باتباع طرائق وأساليب أقرب إلى طبيعة الإنسان، وأندر على تمكينه من دراسة ذاته ومجتمعه و أحواله (8، ص 336).
إن تطور أي علم عن العلوم، في أي قطر من أقطار الوطن العربي، يتوقف إلى حد كبير، على توفر وتطور المؤسسات التعليمية فيه، وتحديدا على منظومة التعليم العالي والمتخصص ومؤسساته. وهذا أمر يتوقف بدوره على التطور الاجتماعي والاقتصادي في هذا القطر أو ذاك وقيام السلطة الوطنية فيه، أي أنه مشروط بالتحرر من الاستعمار وتحقيق الاستقلال السياسي ثم الاقتصادي.
وبهذا الخصوص يقول الباحث المصري حامد عمار: "يمكن اعتبار البحوث نوعا من النشاط الإنساني تقوم به جماعة من أفراد المجتمع لتحقيق وظائف معينة، مستمدة من حاجات هذا المجتمع وظروفه " (8، ص 61). وبينما كان الغرب يمر بالتحولات الجذرية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية المذكورة أعلاه، كان الوطن العربي يرزح تحت نير الحكم العثماني. إلا أن رياح التغيير أخذت تهب على بعض أقطار الوطن العربي منذ أواخر القرن التاسع عشر، نتيجة انبعاث الشعور القومي، وظهور الحركات والجمعيات العربية السرية، في بلاد الشام خاصة، ونتيجة الاحتكاك بالثقافة الغربية، وأيضا نتيجة شعور الدولة العثمانية بتخلفها عن ركب الحضارة العالمية، مما دفعها إلى القيام ببعض المحاولات الإصلاحية، واقتباس النظام التعليمي الفرنسي والمناهج الفرنسية، وإدخال التعليم الحديث إلى بعض أجزاء إمبراطوريتها (انظر 7، ص 308).
في بلاد الشام لا نجد في الربع الأخير من القرن التاسع عشر أي أثر للعلوم أو المؤلفات والكتب النفسية، باستثناء كتاب "الدروس الأولية في الفلسفة العقلية" لمؤلفه [دانيال بلس] الأمريكي الأصل والمقيم في لبنان، مؤسس الجامعة الأمريكية في بيروت، وقد نشره بالعربية عام 1874 ليكون كتابا مدرسيا يحتوي على المبادئ الأولية في الفلسفة وعلم النفس، وعالج مجموعة من المواضيع النفسية كالمشاعر والإرادة والذاكرة والنسيان (7، ص310). ولكن تجدر الإشارة إلى المقالات والدراسات النفسية التي نشرت في مجلة "المقتطف " التي تأسست في بيروت عام 1876، ثم انتقلت إلى القاهرة عام 1885. وكان لمؤسسيها يعقوب صروف وفارس نمر وشاهين مكاريوس فضل كبير في تقريب مناهل العلوم الغربية من قراء العربية، و إغناء المكتبة العربية بترجماتهم ومؤلفاتهم وأبحاثهم في العلوم والفلسفة. وقد نشرت هذه المجلة مجموعة من المقالات تتعلق بمواضيع نفسية مهمة وبعلم النفس عامة للعالم اللبناني يعقوب صروف، مثل أربع مقالات عن الذاكرة، وتعريف الأقدمين والمحدثين بها، وعلاقة الذاكرة بالوظائف الفيزيولوجية، واضطرابات الذاكرة، والخيالات والتخيلات وأسبابها، والعقل والجسد، وغيرها من المقالات التي ساهمت بتقديم مواضيع علم النفس في إطار علمي [انظر 15، ص 438].
أما في مصر، التي كانت تتمتع بحكم ذاتي واستقلال نسبي عن الدولة العثمانية وحكومة وطنية، وعلى الرغم من أن العلوم الإنسانية لم تحظ بكثير من الاهتمام بالمقارنة مع العلوم التقنية والعسكرية والطبية، فقد أنشئت فيها مدرسة للمعلمين لتخريج معلمي اللغة العربية عام 1872، ومدرسة المعلمين [النورمال] لمعلمي العلوم والرياضة والآداب عام 1880، ومدرسة المعلمين التوفيقية عام 1888. إلا أن علم النفس لم يكن بين المواد التي تدرس فيها، ولم يظهر علم النفس في المناهج إلا عام 1906، وكان نصيبه في الخطة الدراسية لا يتعدى ساعة أسبوعية في السنتين الأخيرتين [انظر 15، ص 433]. وكان أول كتاب يحمل اسم علم النفس ويعالج مواضيعه هو "كتاب علم النفس " للشيخ محمد شريف سليم الذي ألفه عام 1895 لكنه لم ينشر إلا عام 1911 عندما تقرر تدريسه في مدارس المعلمين والمعلمات. ولابد من الإشارة هنا إلى الدراسات والمقالات المنشورة في مجلة "المقتطف" اللبنانية التي انتقلت إلى القاهرة عام 1885، كمقالة "كم ذاكرة لك؟ " [تموز- يوليو 1885] ومقالتين عن "الفرينولوجيا " [حزيران، تموز- يونيو، يوليو 1886] كما نشرت المجلة بعض المقالات عن بعض الظواهر النفسية الغريبة كالتنويم المغناطيسي و جولان النائم ومناجاة الأرواح في مقالات عدة. وتجدر الإشارة في مجال علم النفس المرضي إلى كتاب "أسلوب الطبيب في فن المجاذيب " (1892) للدكتور سليمان نجاتي مدرس الأمراض العقلية بمستشفى القصر العيني.
وهكذا يتبين لنا أن مصر ولبنان هما القطران العربيان الوحيدان اللذان حظيا بالثقافة النفسية، ونشرت فيهما الدراسات والمقالات النفسية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وأن مصر قد فاقت لبنان في هذا المجال.
ب- العلوم النفسية في الوطن العربي في القرن العشرين [1900- 1989]
في حديثنا عن مسيرة العلوم النفسية في الوطن العربي خلال الفترة الواقعة بين [1900- 1989] سنخص بالحديث أولا أربعة أقطار عربية ظهرت فيها أول الجامعات العربية؟ وكانت سباقة في الدراسات والمؤلفات السيكولوجية، وهذه الأقطار هي، حسب الترتيب الهجائي، سورية والعراق ولبنان ومصر، ثم نتناول العلوم النفسية وتطورها في بقية الأقطار العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، و من ثم نخصص فقرة مستقلة للحديث عن الوضع الراهن للعلوم النفسية في الوطن العربي في السنوات العشر الأخيرة من القرن العشرين.
1- مسيرة العلوم النفسية في سورية :
ثمة معالم ومحطات رئيسة في مسيرة العلوم النفسية والعلوم الأخرى في سورية ترتبط بتاريخ سورية وتطورها سياسيا واجتماعيا وثقافيا. فقد افتتح معهد الطب العربي عام 1903، وافتتحت مدرسة الحقوق عام 1913، وشكلا معا النواة الأول للجامعة السورية [جامعة دمشق حاليا]. وفي فترة الحكم الفيصلي [1918-1920] بعد إعلان استقلال سورية، وتنصيب فيصل ملكا عليها، عين المربي الكبير ساطع الحصري وزيرا للتربية والتعليم، فاهتم بإعادة تنظيم التعليم عامة ودور المعلمين خاصة، وعني عناية خاصة بالدراسات التربوية والنفسية. وفي عام 1919 صدرت مجلة "التربية والتعليم " وهى أول مجلة عربية من نوعها في هذا المجال وخلال مرحلة الانتداب الفرنسي [1920-1945] خضعت سورية لتأثير النفوذ الفرنسي الثقافي، واقتبست المناهج التربوية الفرنسية. وفي عام 1933 صدر قرار يقضي بربط معهد الطب ومدرسة الحقوق والمجمع العلمي العربي ودار الآثار بمؤسسة واحدة تحمل اسم الجامعة السورية [جامعة دمشق حاليا]. ومن أجل تلبية الحاجات المدرسية والجامعية تم تأليف أو اقتباس أو ترجمة عدد من الكتب النفسية التعليمية لتدريس علم النفس في القسم الثاني من البكالوريا (الشهادة الثانوية) السورية وفي دور المعلمين وبعض السنوات الجامعية [8، ص 341].
وهنا تجدر الإشارة إلى الكتب والمؤلفات العديدة التي أصدرها د. جميل صليبا بمفرده وبالاشتراك مع د. كامل عياد تأليفا وتحقيقا ونشرا، ومن أهمها: من أفلاطون إلى ابن سينا- محاضرات في الفلسفة العربية" دمشق 1935، وكتاب "ابن خلدون- منتخبات مع مقدمة عن حياته وفلسفته " دمشق 1934 وكتاب "حي بن يقظان لابن طفيل الأندلسي- تقديم و دراسة وتحليل " [دمشق 1935] وجلي أن هذه الكتب المذكورة وثيقة الصلة من حيث مواضيعها بعلم النفس، وبخاصة علم النفس عند العرب. ونشير أخيرا إلى كتاب د. جميل صليبا "علم النفس " دمشق 1940، وهو أول كتاب يصدر في سورية ويحمل اسم علم النفس، ويمكننا أن نعده بحق بداية تاريخ علم النفس الحديث في سورية [8 ص 341].
وبعد جلاء القوات الفرنسية عن سورية عام 1946 وحصولها على الاستقلال التام، التفتت الدولة السورية الفتية إلى المناهل الثقافية العالمية، وأوفدت الطلاب وطلاب الدراسات العليا إلى أمريكا وبلدان أوروبا الغربية والشرقية، واهتمت بالتربية والتعليم و التعليم العالي. وفى عام 1946 افتتحت في الجامعة السورية [جامعة دمشق] كلية الآداب والعلوم الإنسانية، التي تضم قسما خاصا يعنى بالدراسات الفلسفية والنفسية والاجتماعية، كما افتتح في العام نفسه المعهد العالي للمعلمين [كلية التربية حاليا] وتضم هذه الكلية قسما خاصا بعلم النفس وقسما للصحة النفسية. ثم امتدت الدراسات النفسية إلى كليات أخرى مثل كلية الطب وكلية التجارة [الاقتصاد حاليا] وغيرهما من الكليات التي أصبح علم النفس بفروعه المتعددة جزءا من مقرراتها. وقد دفعت الحاجة الماسة إلى الكادر التدريسي المؤهل في فروع علم النفس إلى إيفاد عدد كبير من المعيدين إلى الجامعات العربية والأجنبية للتخصص العالي في العلوم النفسية، كما نشطت حركة التأليف والترجمة في هذا المجال.
ومن أهم الكتب الجامعية والدراسات النفسية التي أصدرها أساتذة كلية التربية بجامعة دمشق والمختصين في هذه الفترة، نذكر كتب الدكتور سامي الدروبي "علم النفس ونتائجه التربوية" (دمشق 1949)، "سيكولوجية المرأة" [القاهرة 1952]، "علم الطباع " [القاهرة 1960]، ومؤلفات الدكتور فاخر عاقل "علم النفس وتطبيقه " [دمشق 1945)، "علم النفس " [دمشق 1946]، "مدارس علم النفس " و"نظريات التعلم " (دمشق، بيروت، طبعات عدة)، وكتب الأستاذ حافظ الجمالي "سيكولوجية الطفل " (دمشق 1956)، "علم نفس الطفولة والمراهقة" [جامعة دمشق 1960]، "علم النفس الاجتماعي " [ترجمة عن الفرنسية] دمشق 1963، ومؤلفات نعيم الرفاعي "علم النفس في الصناعة والتجارة" (جامعة دمشق 1963] ، "الصحة النفسية" [جامعة دمشق، طبعات عدة) ومؤلفات وكتب أخرى لباحثين ومؤلفين آخرين.
وبعد قيام الحركة التصحيحية (16 تشرين ثاني- يناير 1970) حدث تطور كبير في مجال التعليم العالي، حيث صدر قانون جديد للبعثات العلمية، وصدر مرسوم الكتاب الجامعي الذي ألزم كل مدرس بإعداد أو تأليف كتاب لكل مقرر جامعي يقوم بتدريسه، الأمر الذي ساعد على زيادة النشر الجامعي، وصدر عام 1975 قانون تنظيم الجامعات، الذي أسس نظام الدراسات العليا في الجامعات السورية، وأجاز للكليات المختلفة، ومنها كلية التربية، منح درجات دبلوم الدراسات العليا والماجستير والدكتوراه. وتضم كلية التربية، حاليا، بالإضافة إلى الأقسام التربوية المختلفة، قسم علم النفس وقسم الصحة النفسية وقسم الإرشاد. وبعد صدور مرسوم الكتاب الجامعي عام 1981 أصبح لزاما على كل مدرس جامعي إعداد كتاب جامعي للمقرر الذي يقوم بتدريسه، الأمر الذي أدى إلى تنشيط حركة التأليف والترجمة في الجامعات. كما نصت اللائحة الداخلية لكليات الآداب في الجامعات التي لا توجد فيها كلية للتربية على افتتاح قسم للتربية وذلك في جامعات حلب وتشرين والبعث. وتجدر الإشارة إلى مساهمة وزارة الثقافة ودور النشر الأخرى في سورية في نشو الوعي النفسي والثقافة النفسية، وتلبية حاجة الطالب والباحث إلى المراجع والمصادر والكتب في مختلف فروع العلوم النفسية. فقد أصدرت وزارة الثقافة، ضمن منشوراتها "سلسلة الدراسات النفسية" التي صدر منها حتى الآن أكثر من عشرين كتابا مترجما إلى العربية عن اللغات الأجنبية، كما صدر عن دور النشر الأخرى كتب عديدة في مجال علوم النفس.
ملاحظات :
على الرغم من أن العمل السيكولوجي في سورية قد أدى واجباته وقام بالتزاماته، رغم ضعف إمكاناته وصعوبة ظروفه، فقد وفر للدارس والطالب الجامعي الكتب المقررة والمراجع الضرورية، في الحدود الدنيا، وقدم للقارئ العادي ثقافة نفسية جيدة، وبخاصة في السنوات الأخيرة، إلا أن هناك ملاحظات لابد من إبدائها حول مسيرة العلوم النفسية في سورية خلال هذه الفترة:
1- إن معظم الكتب والمؤلفات النفسية الصادرة في سورية، وحتى الستينات، قد وضع لغاية تعليمية بحتة، ولم تكن مراجع ودراسات تهدف إلى رفع مستوى الثقافة النفسية لدى القارئ عامة وزيادة وعيه النفسي.
2- إن الجزء الأعظم من الكتب النفسية الصادرة لا يتميز بعدم الأصالة ويقوم على الترجمة أو الاقتباس، ويكاد أن يكون منفصلا تماما عن مشاكلنا وبيئتنا وثقافتنا إلا ما ندر.
3- إن غالبية الكتب والدراسات النفسية الصادرة ذات طابع نظري بعيد عن الجوانب العملية والتطبيقية، وربما كان من بين أسباب ذلك انعدام أو ندرة المختبرات والمعامل النفسية، وعدم دخول علم النفس إلى حياتنا الاجتماعية والاقتصادية.
4- إن العلوم النفسية بفروعها المختلفة لم تدخل بعد حياة المواطن والمجتمع عامه في سورية، باستثناء الجامعات والقوات المسلحة والشرطة وبعض المعاهد والمراكز ودور المعلمين والمعاهد المتوسطة المتخصصة. فالعيادات النفسية شبه معدومة ونادرة حتى في المدن الكبرى، وكذلك الأمر بالنسبة لمراكز التوجيه المهني والتربوي والنفسي. كما، لا نجد أثرا لعلم النفس في الصناعة أو التجارة أو الإدارة أو غير ذلك من مجالات الحياة الاجتماعية، هذا على الرغم من التطور الهائل للعلوم النفسية والاجتماعية ودخولها جميع ميادين الحياة، وهذا أمر ينعكس سلبا على فرص العمل المتاحة أمام خريجي أقسام علم النفس.
5- عدم دخول العلوم النفسية والإرشاد النفسي إلى المدارس السورية بجميع حلقاتها، فلا توجد خدمات نفسية ولا عيادات نفسية اجتماعية أو تربوية أو توجيه نفسي في مدارسنا، كما هو الأمر في مدارس العديد من بلدان العالم بما فيها بعض الأقطار العربية، ولا توجد روائز للذكاء أو مقاييس للقدرات والشخصية والمواقف إلا فيما ندر. وهذا كله يزيد من صعوبة الحصول على عمل بالنسبة لخريجي أقسام علم النفس.
6- عدم توفر مستلزمات البحث العلمي ومتطلباته وأدواته وشروطه بشكل جيد، سواء في الكليات والجامعات أو في المراكز والمؤسسات الأخرى [انظر 80" ص 348]
2- مسيرة العلوم النفسية في العراق :
لا نجد في العراق أي أثر للدراسات النفسية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ورغم افتتاح ثلاث دور للمعلمين في الربع الأول من القرن العشرين في العراق إلا أن مناهجها كانت تخلو من العلوم النفسية وتقتصر على التربية وأصول التدريس، ثم أدرج مقرر علم النفس التربوي في مناهجها. وفي عام 1933 أنشئت دار المعلمين العالية، وأصبحت تعرف باسم كلية التربية عام 1958 وأصبحت تابعة لجامعة بغداد. وكانت وظيفتها- و لا تزال- تخريج المدرسين للمدارس الثانوية العراقية، وقد عنيت عناية خاصة بتدريس علم النفس التربوي ثم علم النفس النمائي، ثم أنشئ في الكلية فرع للتخصص بالتربية وعلم النفس، واهتم بعلم النفس العام وعلم النفس التربوي والتجريبي والاجتماعي والصحة النفسية والقياسات النفسية.
وصدرت في العراق مجموعة من الدوريات في النصف الأول من القرن العشرين التي اهتمت بالتربية وعلم النفس، وأولها مجلة "التربية والتعليم " التي صدرت خلال الفترة [ 1928-1930]، وتولى الإشراف عليها ونشر المقالات التربوية والنفسية فيها الأستاذ ساطع الحصري، ونشرت المجلة مجموعة من الدراسات النفسية المهمة في مواضيع اختبارات الذكاء والامتحانات والوراثة والفروق الفردية لكل من ساطع الحصري وفاضل الجمالي ومتى عقراوي وخالد الهاشمي وغيرهم. وفي عام 1935 صدرت "مجلة المعلم الجديد " ونشرت مجموعة من المقالات النفسية لعدد من الباحثين والاختصاصيين كالأستاذ نوري الحافظ "حول اللاشعور" والدكتور أحمد عزت راجح (النمو العقلي ومراحله عند الأطفال- 1941)، ومحمد ناصر (الاستدلال عند الطفل- 1941).
كما صدرت في العراق خلال هذه الفترة مجموعة من الكتب النفسية مثل كتاب "علم النفس " للعالم [وود ورث]ي الذي ترجمه ونشره في بغداد عبد الحميد الكاظم وكان كتابا مقررا في دار المعلمين العليا، و "المدخل إلى علم النفس" للأستاذ صالح الشماع ودرس في دار المعلمين الابتدائية. وفي إطار علم النفس التربوي أجريت في العراق دراسات عدة وبحوث سيكولوجية مهمة منها: تطبيق اختبار الجيش الأمريكي على الطلاب في مدارس بغداد الابتدائية والثانوية ودار المعلمين، وتعديل اختبار [ستانفورد- بينيه] المترجم إلى العربية باللهجة المصرية من قبل الأستاذ إسماعيل صبري ونشره باللهجة العراقية على يد محمد كامل النحاس وعبد الرحمن القيسي. كما حاول الدكتور عبد الجليل الزوبعي تطبيق اختبارات الذكاء على الطلاب العراقيين (اختبار "كلتل " الخالي من آثار العوامل الثقافية على بعض طلاب كلية التربية واختبار "كودنو"،- رسم رجل- على عدد من الأطفال العراقيين). وترجم فريد نجار كتاب "علم النفس التربوي " للعالم ستانفورد، وألف ونشر الأستاذ ضياء أبو الحب كتاور "علم النفس التربوي " (انظر 50، ص 413- 416). وفي إطار علم النفس التكويني (النمو) نشر الدكتور أحمد عزت راجح محاضراته على طلاب دار المعلمين العالية باسم "علم نفس الطفل "، ووضع صالح الشماع دراسة مهمة بعنوان "اللغة عند الطفل- من الميلاد إلى السادسة" ونشرها ونال عليها درجة الماجستير من جامعة القاهرة. ومن أهم الكتب والدراسات في مجال الصحة العقلية وعلم النفس الجنائي نذكر كتاب "علم النفس الجنائي " لـ د. أحمد عزت راجح (1943]، وكتاب "علم النفس الجنائي والقضائي " (1949) لأحمد محمد خليفة و مبادئ علم النفس الجنائي" [1949] لسعدي بسيسو، كما نشر له بحث باللغة الإنكليزية ضمن منشورات الأمم المتحدة بعنوان "جرائم الأحداث في الشرق الأوسط" (انظر 50، ص 405- 409]. وفي مجال علم النفس الاجتماعي نشير إلى كتاب "الشخصية العراقية" (1952] وهي رسالة نال عليها علي الوردي درجة الدكتوراه وأجمل فيها النظريات الرئيسة في تطور الشخصية، وحاول تحديد معالم الشخصية العراقية. كما أسهم الدكتور عبد الله محيي بدراسة بعض المشكلات الاجتماعية التي يواجهها الطلاب العرب، وعني خاصة بدراسة مشكلات المرأة العربية، وقد نشرت هذه الدراسة في مجلة "القضايا الاجتماعية" الأمريكية.
ملاحظات :
لم يكن هناك من الدراسات النفسية في العراق خلال العهد العثماني ما يستحق الذكر.
ساهم الأساتذة العرب المنتدبون لتدريس علم النفس في دار المعلمين في بغداد، ومن ثم في كلية التربية مساهمة كبيرة في حمل أعباء التدريس من ناحية، وفي إثارة الاهتمام بالدراسات التربوية والنفسية. ومن أهم الأساتذة العرب المصريين الذين ساهموا في تطوير الدراسات النفسية في العراق أحمد عزت راجح، ومظهر سعيد، ومحمد كامل النحاس، وأحمد محمد خليفة، وإبراهيم حافظ.
لقد نشأت العلوم النفسية وتطورت في العراق بالارتباط والتواصل الوثيق بالتربية، وكان تدريس علم النفس في معظمه في دور المعلمين العالية والابتدائية وفي كلية التربية، ولهذا تأثرت الدراسات النفسية بهذا الاتجاه، وكان معظمها يعالج المسائل السيكولوجية في مجال علم النفس التربوي وعلم نفس النمو (انظر 50، ص 421-424).
3- مسيرة العلوم النفسية في لبنان :
كان كتاب "أصول علم النفس وأسرار العقل الباطن " (1904) لمؤلفه يوسف إسكندر جريس أول كتاب سيكولوجي صدر في لبنان في القرن العشرين. وقد تناول مجموعة مواضيع سيكولوجية كالعواطف والإرادة والذاكرة والأمراض النفسية، أما الكتاب الثاني فكان "سيكولوجيا الإنسان: نفوسنا المريضة وعلاجها النفساني " (1938) لمؤلفه منير وهيبة الخازن. وكان الاهتمام بعلم النفس يقتصر على كليتي التربية والآداب بالجامعة الأمريكية. ثم تأسست الجامعة اللبنانية (1953) وجامعة بيروت العربية [ 1960] وضمتا قسما لعلم النفس و قسما للفلسفة وعلم الاجتماع، واتسع نطاق الاهتمام بالعلوم النفسية. ومن أهم الكتب النفسية التي صدرت في لبنان في هذه الفترة كتاب منير وهيبة الخازن "معجم مصطلحات علم النفس " (بيروت 1956)، و قاموس التربية وعلم النفس التربوي " [بيروت 1960] وصدر عن الجامعة الأمريكة لمؤلفيه فريد نجار وفايزة معلوف أنتيبا ونعيم نقولا عطية وماجد فخري.
وتجدر الإشارة هنا إلى مجموعة الرسائل والأطروحات لطلاب الدراسات العليا في الجامعة الأمريكية في الخمسينيات، التي عالج نصفها نظريات التعلم، والعوامل التي تؤثر فيها ومدى استمرارها، واتبعت المنهج التجريبي (انظر 70، ص 309)، بينما بحث النصف الآخر مواضيع شتى، قاسمها المشترك علاقتها بالبيئة اللبنانية مثل: "انحراف الأحداث " و السكيزوفرينيا " و قياس روائز الذكاء" و حوافز التحصيل"، و أنماط تربية الأطفال وعلاقتها بشخصية الطفل" (70، ص 309).
كما صدرت في لبنان منذ أوائل القرن العشرين مجموعة من المجلات العلمية التي تعنى، إلى جانب العلوم الأخرى، بالعلوم النفسية. ومن أهمها: مجلة "المشرق" وصدرت في أوائل القرن العشرين، ومجلتا "الأبحاث " و المجلة الطبية اللبنانية" وصدرتا عام 1947، ومجلة "الباحث " وصدرت في أواخر السبعينيات. كما صدرت في الثمانينيات مجلة متخصصة هي "مجلة الأبحاث التربوية" وتصدرها كلية التربية في الجامعة اللبنانية. وقد نشرت في هذه الدوريات دراسات وبحوث سيكولوجية مهمة لعدد من كبار الأساتذة والباحثين اللبنانيين مثل ألبير نصري نادر وجورج شهلا ونقولا فياض وحبيب كوراني وليفون ميليكيان وجوزيف بطرس وغيرهم.
كما ساهمت دور نشر لبنانية عديدة في نشر الوعي النفسي والثقافة النفسية مثل: "دار العلم للملايين "، و منشورات عويدات"، و المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، و دار الفارابي "، و معهد الإنماء العربي".
ملاحظات :
1- ساهم تكور حركة النشر في لبنان منذ بداية القرن العشرين بظهور عدد من الدوريات الثقافية والعلمية الرصينة وبالتالي بنشر الثقافة النفسية، كما ساعد على تأليف وترجمة كثير من الكتب والمراجع النفسية المهمة.
2- ساعد توفر مختبر علم النفس في الجامعة الأمريكية والجامعات الأخرى على قيام أبحاث ودراسات سيكولوجية تجريبية وثيقة الصلة بالبيئة اللبنانية مثل: [دراسات وأبحاث ليفون مييليكيان أستاذ علم النفس في الجامعة الأمريكية].
4- مسيرة العلوم النفسية في مصر :
ظل تدريس علم النفس في مدرسة المعلمين الخديوية ودار العلوم ومدرسة المعلمات مجرد تمهيد لتدريس أصول التربية العلمية والعملية. وكان يتولى تدريس علم النفس مع التربية مدرسون مصريون غير مختصين مثل علي عمر مؤلف كتاب "هداية المدرس "، والشيخ محمد شريف سليم مؤلف كتاب "علم النفس "، والشيخ محمد حسنين الغمراوي مؤلف كتاب "الغرائز وعلاقتها بالتربية". ثم تولى التدريس أساتذة من خريجي دار العلوم الحاصلين على دبلوم التربية في إنكلترا مثل: مصطفى أمين وعلي الجارم مؤلفا كتاب "علم النفس وآثاره في التربية والتعليم% كما تولى التدريس في دار المعلمين العليا أساتذة من خريجيها حصلوا على درجة البكالوريوس من إنكلترا مثل: إسماعيل محمود القباني وأمين مرسي قنديل مؤلف كتاب "أصول علم النفس وأثره في التربية والتعليم ".
ولم ينهض تدريس علم النفس على نحو أكاديمي سليم، مشجع على البحث والتأليف، إلا بعد تأسيس جامعة القاهرة عام 1925، وافتتاح قسم الفلسفة وعلم النفس فيها، حيث بدئ بتدريسه كمقرر مستقل إلى جانب العلوم والمقررات الأخرى، وكان تدريسه خاضعا لتأثير مدرسة علم النفس الفرنسية التي ركزت اهتمامها على علم النفس العام بصورة رئيسة. ومما ساهم في تطوير علم النفس تأسيس المعهد العالي للتربية عام 1928 الذي اختص بالعلوم التربوية والنفسية، وأصبح يعرف فيما بعد باسم كلية التربية، وإيفاد المبعوثين إلى الخارج من خريجي معهد التربية وكلية الآداب. وكان يتولى تدريس علم النفس أساتذة ومحاضرون أجانب بعقود مؤقتة، وهذا ما أعاق تكور علم النفس، وكان له أثره السلبي على نشوء الكادر العلمي الوطني. وبعد عودة الأساتذة المصريين الذين أنهوا دراساتهم العليا في أوروبا وأمريكا في الأربعينيات إلى مصر، حدثت قفزة كبيرة في تطور العلوم النفسية. وفي هذه المرحلة انفصل علم النفس عن الفلسفة والتربية، وتأسس قسم خاص به في جامعة عين شمس بالقاهرة كما تأسس قسم آخر للأبحاث النفسية- الاجتماعية (انظر 13، ص 31).
وفي الخمسينيات برزت في مصر ثلاثة اتجاهات في تطور العلوم النفسية. يرتبط الاتجاه الأول بأسماء أساتذة علم النفس المصريين، خريجي بريطانيا (إسماعيل القباني، عبد العزيز القوصي، محمد فؤاد) وخضعوا لتأثير أساتذتهم البريطانيين. وقد طور أساتذة هذا الاتجاه علم النفس التجريبي والإحصائي، وكانوا أول من استخدم الاختبارات النفسية ومقاييس الذكاء في صدر.
أما الاتجاه الثاني فيمثله جماعة علم النفس التكاملي وعلى رأسها الدكتور يوسف مراد أستاذ علم النفس المعروف (خريج جامعة السوربون) وتلاميذه. وامتاز أصحاب هذا الاتجاه بدراساتهم السيكولوجية المتكاملة، ونظرتهم إلى الإنسان من حيث هو كائن حي متكامل، ومن حيث هو كل نفسي- فيزيولوجي. وأصدروا مجلة "علم النفس " خلال الفترة الواقعة بين [1945- 1953] وهي أول المجلات العربية المتخصصة في علم النفس.
أما الاتجاه الثالث فقد تأثر بالنظريات الفرويدية والتحليل النفسي الفرويدي، وقد مثل أصحاب هذا الاتجاه التيار الفرويدي في علم النفس بمصر. وكان على رأس هذا التيار الدكتور مصطفى زيور أستاذ علم النفس المصري المعروف (60 ص 57، 69).
وقد ساهم الباحث الدكتور عبد العزيز القوصي مساهمة كبيرة في تطوير البحوث والدراسات السيكولوجية في مصر. فقد أسس أول مخبر لعلم النفس بكلية التربية في جامعة القاهرة، وهو يعد بحق مؤسس علم النفس التجريبي في مصر والوطن العربي. وتجدر الإشارة أيضا إلى جهود الدكتور يوسف مراد، زعيم جماعة علم النفس التكاملي ومؤسس مجلة علم النفس، التي سبق ذكرها، والدكتور مصطفى زيور، صاحب الفضل اعبر في تأسيس أول كلية لعلم النفس في مصدر (جامعة عين شمس]، وإلى جهود الدكتورة سمية فهمي، أول امرأة مصرية- بل وعربية- تحصل على درجة الدكتوراه في علم النفس عام 1953، وأستاذة علم النفس في جامعة عين شمس، وكان لها دور كبير في تأسيس الجمعية المصرية للبحوث النفسية عام 1947.
وبرعاية المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية انعقد خلال الفترة الواقعة بين 10 - 12 أيار [مايو) عام 1971 المؤتمر الأول لعلم النفس في مصدر تحت شعار"علم النفس والتنمية الاجتماعية". وقد تفرعت عن المؤتمر ثلاث لجان بحثت المحاور الثلاثة التالية:
- لجنة علم النفس والإنتاج.
- لجنة دور علم النفس في التربية.
- لجنة التغيير الاجتماعي.
وقد أقر هذا المؤتمر ثماني عشرة توصية تتعلق بجميع فروع العلوم النفسية، وضرورة مشاركتها في حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المطروحة في مصر (13، ص 35-36).
ولابد من الإشادة على نحو خاص هنا بدور المجلات العلمية والثقافية والمتخصصة في نشر الوعي النفسي والثقافة السيكولوجية الصحيحة، مثل مجلة "المقتطف " التي استمرت في الصدور بالقاهرة من عام 1885 حتى عام 1952، ومجلة "علم النفس " التي سبق ذكرها، ومجلة " التربية الحديثة" التي بدأت بالصدور عام 1928، وصحيفة " التربية" التي أصدرها وترأس تحريرها الدكتور إسماعيل القباني منذ عام 1948، وغيرها.
ونشيد أخيرا بالجهود المثمرة لكبار أساتذة علم النفس المصريين في تطوير الدراسات السيكولوجية، لا على الصعيد القطري فحسب، بل وعلى الصعيدين العربي والعالمي، مثل: د. إسماعيل قباني، الذي قام بإعداد اختبار ستانفورد بينيه (تعديل تيرمان 1916) وتقنينه محليا، ووضع اختبار ستانفورد للحساب بالاشتراك مع د. محمد عبد السلام وتقنينه محليا، وأعد اختبار الذكاء المتوسط واختبار الذكاء المصور للأطفال عام 1938، والدكتور قباني هو صاحب فكرة الفصول التجريبية التي قامت على أساسها المدارس النموذجية، وقد ألص كتابا قيما بعنوان "القياس النفسي والتربوي " [1960]. ونشير إلى الأستاذ مظهر سعيد، الذي تمكن بجهوده من إدخال مقرر علم النفس إلى كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1930، وإلى المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1945، و إلى المعهد العالي الصحي عام 1960، و إلى دورات ضباط الشرط عام 1950. كما نشير أيضا إلى إسهام د. عبد العزيز القوصي، رائد دراسات القدرات العقلية، ويرتبط اسمه في الأوساط العلمية بمجموعة الباحثين الذين كشفوا عن القدرات المكانية، كما أنه مكتشف العامل المكاني K ، حيث أعد رسالته لنيل الدكتوراه بإشراف العالم سبيرمان في جامعة لندن [15، ص 460]. ونشير أخيرا إلى أبحاث وجهود علماء مصريين آخرين مثل د. يوسف مراد، الذي تزعم الاتجاه التكاملي في علم النفس، وظل معنيا بالتراث السيكولوجي العربي الإسلامي، ويعد كتابه "مبادئ علم النفس العام " الكتاب العربي الأول الذي يستشهد فيه مؤلفه بنصوص عربية قديمة لابن سينا والغزالي وغيرهما، وحديثه لطه حسين والعقاد وتيمور.
ملاحظات :
1- لاشك في أن مسيرة العلوم النفسية في مصر هي الأغنى والأكبر والأعمق في الوطن العربي، فقر زاد عمرها على قرن من الزمان، وتوفرت لها الشروط الموضوعية والذاتية المناسبة للتطور والتفتح، ولتحقيق منجزات كبيرة.
2- اهتم عدد كبير من الباحثين النفسيين المصريين بالجوانب التجريبية والتطبيقية العملية من الدراسات السيكولوجية، وهذا ما انعكس إيجابا على مسيرة هذه العلوم، وأدى إلى دخولها مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والعسكرية.
3- إلى جانب الجامعات المعنية بالعلوم النفسية توجد في مصر مجموعة متكاملة من مراكز و معاهد البحث العلمي التي تهتم بالعلوم النفسية وتغني مسيرتها وتطور أبحاثها مثل: معهد العلوم الاجتماعية التابع لجامعة الإسكندرية، والمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، ومعهد الرأي العام والإعلام، كما صدرت وتصدر في مصر عدة مجلات متخصصة مثل: "مجلة علم النفس " و المجلة العربية للطب النفسي "وغيرها.
4- إن تنوع الاتجاهات والتيارات النفسية بصدر قد أغنى بلا شك الأبحاث والدراسات في العلوم النفسية، لكن هذا التنوع يكمن وراءه انعدام التصور النظري العام المتسق بين الباحثين النفسيين والافتقار إلى منطلقات ومسلمات أساسية واحدة، وهذا ما أدى إلى تشتيت جهود الباحثين والمختصين النفسيين، وعدم تركيز بحوثهم ودراساتهم على دراسة المشكلات الاجتماعية في مصر، وعلى تعزيز دور العلوم النفسية في عملية التنمية الاجتماعية [1، ص 38].
5- مسيرة العلوم النفسية في بقية الأقطار العربية في النصف الثاني من القرن العشرين [1950-1989]
لم تبدأ مسيرة العلوم النفسية في بقية الأقطار العربية كالأردن والإمارات وتونس والجزائر والسعودية والسودان وفلسطين وقطر والكويت وليبيا واليمن، إلا في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، وذلك بعد حصولها على الاستقلال أو بعد تأسيس الجامعات والمعاهد العليا فيها. ففي الأردن تأسست الجامعة الأردنية عام 1963، وقد ضمت كلية الآداب فيها أقسام التربية وعلم النفس والفلسفة وعلم الاجتماع. وتوفر هذه الجامعة لطلابها فرصة الدراسة الجامعية والدراسات العليا، وتمنح درجات الليسانس والماجستير والدكتوراه في غالبية أقسامها ومنها قسم التربية وعلم النفس. وقد اعتمدت الجامعة الأردنية في البداية على أساتذة من الأقطار العربية وبخاصة مصر والعراق وسورية، ولديها الآن كادرها الوطني من أعضاء الهيئة التدريسية.
وفي الإمارات العربية المتحدة تأسست جامعة الإمارات العربية المتحدة عام 1977، وتعنى كليتا الآداب والتربية فيها بالعلوم النفسية، وتعتمد في تدريسها للعلوم النفسية على الأساتذة المعارين من الأقطار العربية، وبخاصة مصر والعراق وسورية والأردن. وفي تونس تأسست الجامعة التونسية عام 1960، وتضم كلية الآداب فيها قسم الفلسفة والدراسات الجامعية، وفيه يدرس علم النفس كأحد مقررات هذا القسم. أما في الجزائر فبعد حصولها على الاستقلال تأسست جامعات عدة مثل جامعة قسنطينة (1969)، وتضم كلية علم النفس التي يتلقى فيها الطلاب جميع العلوم النفسية، وتمنح هذه الكلية درجتي الليسانس والماجستير في العلوم النفسية. وهناك المعهد العالي للعلوم الاجتماعية التابع لجامعة وهران ويضم قسما لعلم النفس. وقد استعانت الجامعات الجزائرية بالأساتذة العرب المعارين من الجامعات العربية من أجل تعريب التعليم الجامعي فيها. وفي المملكة العربية السعودية تأسست جامعات عدة تعنى بالدراسات والعلوم النفسية وأهمها: جامعة الملك سعود [الرياض سابقا وتأسست عام 1957)، وتضم كلية التربية فيها قسمي التربية وعلم النفس وتمنح درجتي البكالوريوس والماجستير. وهناك جامعة الملك عبد العزيز [عام 1967] ، وتضم كلية الآداب والعلوم الإنسانية التي تعنى بالدراسات النفسية، وجامعة الإمام محمد بن سعود [تأسست عام 1974]، وتضم كلية الآداب فيها قسما لعلم النفس. وفي السودان تأسست جامعة الخرطوم عام 1956 ويعنى بالعلوم النفسية فيها قسم علم النفس التابع لكلية الآداب بالإضافة إلى كلية التربية، كما تأسست جامعة أم درمان الإسلامية عام 1965 ويعنى بالدراسات النفسية فيها قسم علم الدراسات الفلسفية والنفسية التابع لكلية الآداب بالإضافة إلى كليه التربية، وتضم هاتان الجامعتان أقساما للدراسات العليا في مجال التربية وعلم النفس، وتمنحان درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه. وفي فلسطين تأسست جامعة بيرزيت عام 1972، وتضم قسما للتربية وعلم النفس. وتأسست جامعة قطر عام 1974، وتضم كلية التربية فيها قسما لعلم النفس التعليمي وقسما للصحة النفسية، وتصدر عن هذه الكلية مجلة "التربية" وهي مجلة فصلية عمة متخصصة بالعلوم التربوية والنفسية. أما جامعة الكويت فقد تأسست عام 1966 وتضم قسما لعلم النفس تابعا لكلية الآداب وقسما لعلم النفس التربوي تابعا لكلية التربية كما تضم قسما للدراسات العليا. وقد ساهمت دولة الكويت مساهمة كبيرة في نشر الثقافة والعلوم النفسية من خلال إصداراتها القيمة مثل "مجلة العلوم الاجتماعية" و مجلة العلوم الإنسانية" وتصدران عن جامعة الكويت، ومجلة "عالم الفكر" وسلسلة "عالم المعرفة" وغيرها من المجلات الثقافية العامة التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت. أما في ليبيا فقد افتتحت جامعات عدة أقدمها جامعة قار يونس (عام 1955) وتضم كلية للتربية وجامعة الفاتح وجامعة سبها وتضم كل منهما كلية للتربية. وفي المغرب تأسست جامعة محمد الخامس عام 1955، وتضم قسما لعلم النفس يتبع كلية الآداب، كما تصدر في المغرب مجلة متخصصة وهي "المجلة المغاربية للطب النفسي" وهي مجلة فصلية متخصصة تصدر باللغة الفرنسية. وفي اليمن هناك جامعتان رئيستان: جامعة صنعاء (تأسست عام 1970) وجامعة عدن (تأسست عام 1975)، وتضم كل منهما كليتين تعنيان بالعلوم النفسية وهما كليتا الآداب والتربية، وثمة كليات أخرى للتربية موزعة في مدن يمنية أخرى.
ج- مسيرة العلوم النفسية في الوطن العربي في العقد الأخير من القرن العشرين [1990-1999]
تميز العقد الأخير من القرن العشرين بازدياد الاهتمام بالعلوم النفسية في الوطن العربي. وقد تجلى هذا الاهتمام المتزايد بانتشار تدريس علم النفس بفروعه في المدارس الثانوية والمعاهد المتوسطة المعنية والدورات المتخصصة، وفي مختلف الأقسام والكليات المعنية بالجامعات العربية التي تزايدت أعدادها خلال هذه الفترة. كما تجلى هذا الاهتمام بتزايد الحاجة إلى المختصين النفسيين في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والإعلامية، وبصدور العديد من الكتب والمؤلفات في العلوم النفسية [تأليفا وترجمة] في مختلف الأقطار العربية.
كما شهد عقد التسعينات نشاطا مؤسساتيا بارزا في مجال العلوم النفسية. حيث تم تفعيل المؤسسات الموجودة من قبل، والأهم من ذلك ظهرت أنشطة مؤسساتية بالغة الأثر في إرساء قواعد جديدة لتفعيل الاختصاص. فقد تم تفعيل المؤسسات المتواجدة من قبل، مثل: الجمعية المصرية للدراسات النفسية، والجمعية المصرية للطب النفسـي واتحاد الأطباء النفسانيين العرب، وما يصدر عن هذه المؤسسات وغيرها من دوريات متخصصة مثل "مجلة علم النفس"، التي صـدرت منذ أواخر الثمانينيات عن الهيئة العامة للكتاب في مصر، وتتوزع مواضيعها على فروع علم النفس بشكل يعكس التوجهات الأكاديمية في مصر، ومجلة "الجمعية المصرية للدراسات النفسية"، و مجلة العلوم الاجتماعية"، و المجلة العربية للعلوم الإنسانية" الصادرة في الكويت.
ومن جهة أخرى وهي الأهم، ظهرت في هذا العقد مؤسسات نفسية جديدة وبدأت بممارسة أنشطتها العلمية والمهنية المتخصصة. فقد تأسست "رابطة الأخصائيين النفسيين" في مصر، وبدأت منذ عام 1990 بإصدار مجلتها "دراسات نفسية" كما تأسس "مركز الدراسات النفسية" في طرابلس [لبنان] وبدأ منذ عام 1990 بإصدار مجلته الفصلية المحكمة "الثقافة النفسية" وعدلت تسميتها إلى "الثقافة النفسية المتخصصة" في أواخر التسعينيات، كما تأسس "مركز الإرشاد النفسي " في مصر، وبدأ منذ عام 1993 بإصدار مجلته "الإرشاد النفسي ". وتأسست في هذا العقد أيضا "الجمعية المصرية للصحة النفسية"، و الجمعية المصرية لحل الصراعات "، و الجمعية النفسية اليمنية" التي بدأت بإصدار مجلتها "الصحة النفسية" منذ عام 1994.
وتجدر الإشارة على نحو خاص إلى تأسيس "الاتحاد العربي لعلم النفس " عام 1995، الذي يضم ممثلين عن جميع الأقطار العربية، إما على مستوى الأفراد أو على مستوى الجمعيات، ويعقد مؤتمرا سنويا عربيا جامعا في كل عام. كما تأسست عام 1996 "الجمعية السورية للعلوم النفسية" وعقدت مؤتمرين في عامي 1997 و 1998، وتأسست "رابطة الباحثين النفسيين " في عدن عام 1996، و رابطة الأطباء النفسيين العاملين في الخليج العربي "، و رابطة الأطباء النفسيين في الأردن "، و الجمعية اللبنانية للدراسات النفسية" [1996] و الجمعية اللبنانية لرعاية الصحة النفسية"، و الجمعية اللبنانية للطب النفسي"، و"الجمعية التونسية لعلم النفس "، و الجمعية التونسية للطب النفسي "، و الاتحاد المغاربي للطب النفسي " الذي بدأ منذ أوائل التسعينيات بإصدار "المجلة المغاربية للطب النفسي " باللغة الفرنسية. كما تأسس "مركز دراسات الطفولة" في جامعة عين شمس بالقاهرة، و الجمعية الأردنية للتأهيل النفسي "، و المركز العربي للدراسات الأمنية والتأهيل " بالرياض، و "الجمعية العراقية للطب النفسي "، و مركز معوقات الطفولة" بجامعة الأزهر، و الجمعية المغربية للدراسات النفسية".
كما عقدت في التسعينيات مؤتمرات وندوات نفسية قطرية وعربية وإقليمية وعالمية في العديد من العواصم العربية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
- " مؤتمر الطفولة في الإسلام " وعقد في القاهرة عام 1994 بمبادرة من جامعة الأزهر، وشارك في أعماله أكثر من خمسين باحثا ينتمون إلى مختلف الأقطار العربية، واشتمل على 36 بحثا تركزت على ستة محاور متعلقة بموضوع المؤتمر.
- "مؤتمر الجمعية العالمية الإسلامية للصحة النفسية " وعقد في القاهرة عام 1991.
- "مؤتمر مركز الدراسات النفسية بطرابلس " (لبنان) عام 1994 تحت شعار "مدخل إلى علم نفس عريي "، وشارك فيه ممثلون عن جميع الأقطار العربية.
- ندوة " الثقافة النفسية" وعقدت في القاهرة عام 1994 تحت عنوان "واقع تدريس العلوم النفسية في العالم العربي " [ انظر 21، ص 152-170].
- "مؤتمر الرابطة السورية للطب النفسي " وهو المؤتمر الثاني لهذه الرابطة وعقد عام 1998 بالتعاون مع المكتب الإقليمي للجمعية العالمية للصحة النفسية.
- "مؤتمر الجمعية النفسية اليمنية" وهو مؤتمر عالمي عقد في عدن عام 1997 بالتعاون مع جامعة عدن والاتحاد العالمي للصحة النفسية.
ومن المؤتمرات العربية الجامعة المهمة نشير إلى:
1- "المؤتمر التربوي للجمعية السورية للعلوم النفسية" الذي عقد بالتعاون مع كلية التربية بجامعة دمشق في أيار- مايو عام 1997 تحت شعار "دور كليات التربية في تطوير التربية من أجل التنمية في الوطن العربي " وشارك فيه عدد كبير من الباحثين من مختلف الأقطار العربية، وقد عقدت ضمن فعالياته ندوة نفسية بعنوان، "المرشد النفسي: إعداده، ودوره التنموي "، وحضره أكثر من 50 باحثا واستمر أربعة أيام. وفي إطاره عقدت الورشة النفسية العربية الأول تحت عنوان "شخصية الإنسان العربي وسبل التدخل النفسي لتفعيل دورها الحضاري ". وقد تم التأكيد في هذا المؤتمر على حاجتنا الماسة إلى مهارات وخبرات علماء النفس العرب، والحاجة إلى مؤسسات علمية ونقابية تجمعهم وتقوم في الآن نفسه بالدور المهني والنقابي والعلمي. وأكدت الورشة المصاحبة للمؤتمر على الهوية العربية الجمعية، وضرورة تخطي القيود النرجسية والتعمق في استكشاف الذات، ومحاولة التناغم مع الواقع والانسجام معه. وطالب المؤتمر بضرورة توفير الإرشاد النفسي في حياتنا بأي وسيلة كانت "انظر 118".
2- المؤتمر التربوي الثاني للجمعية السورية للعلوم النفسية، بالتعاون مع كلية التربية بجامعة دمشق، تحت عنوان "نحو مشروع عربي لتوصيف مهن المساعدة النفسية وتسريع خدماتها" في الفترة الواقعة بين 17-19 أيار/ مايو 1998. واشتمل المؤتمر على ثلاثة وعشرين بحثا ضمن خمسة محاور. واشترك الباحثون في ورشتين نفسيتين عقدتا في ثلاث جلسات: الأولى بعنوان " العلوم النفسية والشباب العربي "، والثانية "توصيف مهن المساعدة النفسية وتسريع خدماتها".
وقد صدرت عن المؤتمر و الورشتين النفسيتين 14 توصية تحث على تفعيل مهن المساعدة النفسية وتطوير خدماتها ونشرها، وضرورة إدخال الإرشاد النفسي والمدرسي في مراحل التعليم المختلفة، والعمل على تأسيس جمعية عربية للاختصاصيين النفسيين لتوحيد جهود المؤسسات والروابط في جميع أقطار الوطن العربي (انظر 32).
3- المؤتمر الرابع عشر لعلم النفس في مصر، والمؤتمر العربي السادس لعلم النفس. وعقدا في شباط/ فبراير 1998 بمناسبة اليوبيل الذهبي للجمعية المصرية للدراسات النفسية، وبدعوة من الجمعية المذكورة والاتحاد العربي لعلم النفس؟ وبالاشتراك مع كلية التربية بجامعة عين شمس. وقد كان هذان المؤتمران تظاهرة علمية نفسية كبيرة، اشتملا على ثلاث ندوات: الأولى بعنوان "تطوير التعليم الجامعي وتنمية الشخصية المصرية، والثانية "الصحافة النفسية"، والثالثة "آفاق القرن الحادي والعشرين لعلم النفس في الوطن العربي "، وقدم إلى المؤتمرين 23 بحثا لكبار أساتذة علم النفس وعمداء كليات التربية [انظر 30، ص 113- 125].
وننوه أخيرا بمؤتمر"السيكولوجيا العربية" الذي يعقد مرة كل عامين في بيروت بدعوة من مركز الدراسات النفسية (طرابلس- لبنان)، ويشارك فيه عدد كبير من المختصين النفسيين العرب (انظر 19، ص 53-58].
إن هذه الوقائع والأنشطة المتمثلة في انعقاد العديد من المؤتمرات والندوات النفسية، القطرية والعربية الجامعة، وتأسيس العديد من الجمعيات والروابط والتنظيمات النقابية المهنية، القطرية والعربية، وصدور العديد من الدوريات النفسية، هذا بالإضافة إلى صدور أعداد كبيرة من الكتب والبحوث النفسية العربية والمعربة.. إن هذا كله يشير بوضوح إلى أن الباحثين النفسيين العرب قد أدركوا جيدا الحاجة الماسة للتعاون والتنسيق فيما، وتوحيد جهودهم من أجل توجيه العلوم النفسية نحو آفاق الحياة الرحبة، والخروج من دائرة الجامعات والمصحات والعيادات إلى المشاركة الفعالة في خدمة المجتمع وتنميته، ومواجهة التحديات الخطيرة التي يحملها القرن الحادي والعشرون. كما تدل هذه الوقائع للأنشطة النفسية العربية المتنوعة على تنامي حركة الاختصاص، وتعاظم أعداد المتحمسين لتطويع العلوم النفسية للواقع العربي من أجل تنمية المجتمع العربي وخدمة الإنسان العربي (انظر 19).
إن إنشاء مؤسسات علم النفس من جمعيات و روابط واتحادات يساهم في إبراز العلوم النفسية على الصعيدين العلمي والاجتماعي وفي تحديد هويتها، ويفتح أمام علماء النفس الأبواب الواسعة لتلبية الحاجات الملحة لبلدانهم ومجتمعاتهم ومواطنيهم، ابتداء من صانعي السياسة ومتخذي القرار، ومرورا بأجهزة الإعلام والتدريب والإرشاد والخدمات النفسية والاجتماعية والتربوية، وانتهاء بالفرد العادي في حياته اليومية وسلوكه العادي [انظر 2، ص 22].
قبل أن ننهي حديثنا عن واقع مسيرة العلوم النفسية في الوطن العربي لابد من الإشارة إلى جهود الجامعة العربية ودورها ودور مؤسساتها المختلفة- وبخاصة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم- في تطوير العلوم النفسية والاجتماعية والتربوية. فقد افتتحت الجامع ة منذ عام 1950 بالتعاون مع منظمة اليونسكو "مركز التربية الأساسية في العالم العربي، بسرس الليان في مصر، الذي يعد الخبراء الاجتماعيين والنفسيين من أجل تقديم العون لسكان الريف ويساهمون في تنميته (16ج 1، ص 318- 319)، كدا يصدر هذا المركز مجلة "تنمية المجتمع " وهي مجلة شهرية تصدر في القاهرة، هذا بالإضافة إلى المراكز والمؤسسات الأخرى التابعة للجامعة العربية، وبخاصة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بأنشطتها ومؤسساتها المتنوعة وإصداراتها المهمة مثل: "المجلة العربية للبحوث التربوية"، و المجلة العربية للثقافة"، و المجلة العربية لبحوث التعليم العالي "، و المجلة العربية للتربية" وغيرها. ومن بين المراكز العربية التابعة للجامعة العربية والمعنية بمسيرة العلوم النفسية، نذكر أيضا: "مركز البحوث الاجتماعية للعالم العربي " في القاهرة، و معهد الدراسات العربية العليا"، و معهد الإنماء العربي" ومقره طرابلس بالجماهيرية الليبية وله فروع في بيروت ودمشق والقاهرة، ويصدر سلسلة "الدراسات الإنسانية- علم النفس" وتعنى عناية خاصة بالعلوم النفسية [انظر 16، ج1]. ونشير أخيرا إلى اتحاد الجامعات العربية ومقره عمان في الأردن، ويصدر دورية نصف سنوية وهي "مجلة اتحاد الجامعات العربية".
د- آفاق تطوير العلوم النفسية في الوطن العربي
سبق أن ذكرنا في المقدمة أن زيادة الاعتماد على المعطيات التجريبية الدقيقة وعلى الطرق الإحصائية والرياضية وطرق القياس والاختبار الدقيقة قد جاءت نتيجة حاجة موضوعية في المجتمعات الأوروبية. وهذه الحاجة هي التي أملت ضرورة انفصال علم النفس عن الفلسفة وتحوله إلى علم تجريبي، ونتيجة الحاجة الموضوعية أيضا تفرع علم النفس إلى مجموعة متكاملة من العلوم النظرية والتطبيقية التي تغلغلت في جميع جوانب حياة الإنسان الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية، والمادية والروحية، والتي تعرف الآن باسم العلوم النفسية. وإذا كان هذا حال العلوم النفسية في أوروبا وأمريكا والبلدان المتقدمة فما هي حالها عندنا في الوطن العربي؟ والآن، ونحن على أبواب القرن الحادي والعشرين، وبعد أن توفرت لدينا مؤسسات التعليم العالي من معاهد وجامعات ومراكز ومؤسسات، وحدثت تحولات وتغيرات عميقة في الوطن العربي، بدرجات متفاوتة من قطر لآخر، على جميع الأصعدة الزراعية والصناعية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية، وتأسست الجمعيات والاتحادات والروابط النفسية في غالبية أقطار الوطن العربي، فمن حقنا أن نتساءل بعد أن تحقق كل ما ذكرناه أعلاه:
ما هو دور العلوم النفسية في بناء المجتمع العربي وتنميته؟ وماذا قدمت هذه العلوم لأبناء المجتمعات العربية من التوعية والثقافة، والإعداد والتأهيل النفسي لتقبل واستيعاب التغيرات الجارية والمقبلة في بنية المجتمع، وللاستعداد أخيرا لدخول القرن الحادي والعشرين بما يحمله من تحديات موجهة على نحو خاص تجاه البلدان النامية ومنها وطننا العربي كالعولمة، والشرق أوسطية واحتمالات الحرب والسلام، والتطبيع وفقدان الهوية الثقافية والغزو الإعلامي وغيرها؟
في بحثه الموسوم ب "بعض سمات علم النفس المعاصر وعلاقتها بتدريس علم النفس في المرحلة الجامعية" والمقدم إلى المؤتمر الأول للجمعية السورية للعلوم النفسية الذي عقد في كلية التربية بجامعة دمشق "أيار- مايو 1997 " يتحدث الباحث السعودي علي بن صديق الحكمي عن أهم سمات علم النفس المعاصر فيجملها في سمات خمس هي: 1- الصراع، 2- أحادية الثقافة، 3- أزمة الهوية، 4- اتساع القاعدة المعلوماتية والتغير السريع، 5- الصورة المشوهة [انظر 18]. ولعل السمة الثالثة- أزمة الهوية- من أهم السمات التي تميز العلوم النفسية في الوطن العربي، برأينا. حيث إن العلوم النفسية عندنا لا تزال تعتمد بصورة رئيسة على النظريات والمنطلقات والاختبارات والمقاييس النفسية ذات المنشأ الغربي، الأمر الذي أدى إلى اتسام العلوم النفسية العربية بالسمة الغربية بدلا من أن تكون لها هويتها المتميزة، القائمة على معطيات الثقافة العربية والواقع العربي. وفي كتابه "واقع التجربة السيكولوجية في الوطن العربي" (1994) يعالج الباحث الغالي أحر وشاه أزمة الهوية في علم النفس العربي، فيرى أن "المشكل الحقيقي يتجلى في عدم أصالة إنتاجنا السيكولوجي، وأن خطابنا السيكولوجي لم يتجرد بعد من الدور الذي يلعبه كوكيل فرعي لمدارس واتجاهات سيكولوجية لا علاقة لها بخصائص الإنسان العربي ومقوماته الأساسية" (4، ص 9)، ولا رابط بينها وبين واقع الإنسان العربي وبيئته. وقد أدى انعدام وجود الهوية المتميزة للسيكولوجيا العربية وتأثرها الكبير بالنماذج والنظريات الغربية إلى محدودية الابتكار وقلة الإسهامات الأصيلة لعلم النفس العربي. أما بالنسبة للصورة المشوهة لعلم النفس المعاصر فهي سمة ملحوظة داخل الوطن العربي وخارجه. وهذه السمة، أي الصورة المشوهة لعلم النفس المعاصر، قد جاءت نتيجة أفكار مسبقة وخاطئة عن العلوم النفسية. ويؤكد عالم النفس ستانوفيتش STANOVICH [1992] أن علم النفس يعاني من مشكلة الصورة، وأن معظم الناس لا يعرفون علم النفس بصورته الصحيحة، وهناك خلط كبير بين علم النفس كعلم ذي منهجية علمية وبين موضوعات أخرى لا علاقة لها بعلم النفس كالتخاطر، والاستشفاف LAIRVOYANCE والحركة النفسية PSYCHOKINESIS وسبق المعرفة PRECOGNITION وغيرها.
ويرى الباحث الأستاذ فؤاد أبو حطب، في حديثه عن مستقبل علم النفس في الوطن العربي، أن هناك ثلاثة احتمالات أمام علم النفس في الوطن العربي، وتتمثل هذه الاحتمالات بثلاثة "سيناريوهات ": الأول هو " السيناريو" التشاؤمي الذي يقضى باستمرار الحال على ما هو عليه، كما ستستمر العوامل المعيقة لتطور علم النفس. وأما الاحتمال الثاني فهو أكثر تفاؤلا ويستند إلى النموذج التطوري، حيث من المتوقع في ضوئه تزايد الجهود الإبداعية والتجديدية القليلة التي قام بها وأنجزها علماء النفس العرب. وأما الاحتمال الثالث فهو "السيناريو التحويلي أو الثوري "، حيث من المتوقع في ضوئه حدوث تغيرات جوهرية في علم النفس كعلم وكمهنة في الوطن العربي، وهو يتطلب تحولات فائقة السرعة، في ضوء الموجة المعلوماتية الثالثة التي سيشهدها القرن الحادي والعشرون، حتى يتمكن من أداء دوره في نظام كوني وكوكبي جديد. ويرى الدكتور أبو حطب- ونحن معه في هذا الرأي- أن السيناريو الثاني، أي النموذج التطوري، هو الاحتمال الأكثر قابلية للتحقق في ضوء ظروف الوطن العربي وأوضاعه (3، ص 127-18).
ونحن نرى أن العلوم النفسية في الوطن العربي يجب أن تنطلق من كون علم النفس هو علم تجريبي تطبيقي، وليس علما نظريا تأمليا، ومن ضرورة الربط الوثيق بين العلوم النفسية من ناحية، وبين البيئة العربية والثقافة العربية وخطط البناء الاجتماعي والتنمية الاجتماعية في الوطن العربي وأحدث منجزات العصر الحديث من ثقافات واتصالات وشبكات معلوماتية من ناحية أخرى.
ومن المناسب أن نرجع ثانية إلى المؤتمر الأول لعلماء النفس المصريين، الذي انعقد في القاهرة عام 1971، تحت شعار "علم النفس والتنمية الاجتماعية". ونلاحظ هنا ملاحظة اعتراضية قبل الحديث عن هذا المؤتمر، وهي أن هذا الشعار الذي طرح قبل ربع قرن لا يزال شعار جميع مؤتمرات العلوم النفسية التي تعقد الآن، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذا الشعار لا يزال مطلبا لم يتحقق ولم يتحول إلى واقع وحقيقة. من بين أهم التقارير التي قدمت إلى هذا المؤتمر تقرير د. فرج أحمد فرج ، "التطور الاجتماعي وآثاره النفسية في مصر"، وأكد فيه أن تغيير البنية الفوقية لا يمكن أن يتم بإجراءات قانونية أو تشريعية وبقرارات أو مراسيم، وذكر أن "التغيير في البناء الفوقي، أي في الفلسفة والقيم والتشريع والموقف مع العالم بعامة، هو الذي يعني المشتغلين بالعلوم النفسية. فالبناء الفوقي يتضمن- فيما يتضمن من أبعاد- بناء الأفراد النفسي، وقيمهم واتجاهاتهم وأنماط سلوكهم في مواجهة مختلف المواقف الاجتماعية" [12، ص50] وسلط الباحث فرج في تقريره الأضواء على الجانب النفسي لأهم مسائل التحولات الاجتماعية والاقتصادية، كما أشار إلى دور علم النفس وعلماء النفس في قضية التحول الاجتماعي، وفي تقديم العون لهيئات ومؤسسات الدولة والإدارة والتخطيط في سبيل تكوين إنسان متطور من جميع الجوانب (انظر 12، ص 50- 51). في كتابه "المنهج العلمي في دراسة المجتمع " يتناول د. حامد عمار الباحث المصري المعروف مسألة العلاقة بين القاعدة التجريبية والتحليل النظري في الدراسات النفسية. ومع تركيزه الشديد على أهمية استخدام طرائق البحث التجريبي، يشير في الوقت نفسه إلى ضرورة التحليل النظري العام للظواهر الاجتماعية، ويقول: "لابد من أن تعقب الدراسة التجريبية للظواهر الاجتماعية نظرة متكاملة شاملة توضح مكان هذه الظاهرة إلى جانب الظواهر الأخرى في المجتمع " [9، ص 14]. كما يشير إلى أن الظاهرة الاجتماعية تعد جزءا لا يتجزأ من الموقف الاجتماعي الكلي، ولا يمكن بحثها إلا في ضوء الارتباط بالظواهر والمفردات الاجتماعية الأخرى لهذا الموقف [ب9، ص 11]
وقد خرج مؤتمر علماء النفس الأول في مصر بعدد كبير من التوصيات أهمها:
- ضرورة إحداث هيئة قومية ترعى البحوث النفسية وتنظمها وتشجعها.
- تشكيل لجنة مختصة تقوم بوضع القوانين واللوائح لمهنة الاختصاصي النفسي وتحديد أعماله ووظائفه.
- توجيه العناية والاهتمام إلى دراسة مشكلات الطفولة والشباب ومشكلات تعليم الكبار.
- تكوين لجنة مختصة لتقويم الدراسات والبحوث النفسية التي أجريت للعمل على تطبيق نتائجها.
- ضرورة تعميم نظام المرشد النفسي والأخصائي النفسي التربوي في مختلف مراحل التعليم.
- ضرورة الاهتمام بدراسة المجتمع الإسرائيلي لمجابهة الحرب النفسية الإسرائيلية (13، ص 36).
إذا ما قارنا هذه التوصيات المذكورة أعلاه بتوصيات المؤتمرات والندوات النفسية القطرية والعربية الأخيرة التي عقدت في أواخر التسعينيات لوجدنا أن أكثرها لا يزال يتكرر في المؤتمرات الأخيرة رغم انقضاء ربع قرن وأكثر، وأن غالبيتها لم تتحقق حتى الآن... وهذا إن دل على شيء فإنما يدلى على البطء السلحفاتي في مسيرة العلوم النفسية في الوطن العربي رغم ظهور العديد من المؤسسات النفسية من جمعيات وروابط واتحادات. فنظام المرشد النفسي والأخصائي النفسي التربوي لم يعص ولم يطبق إلا فيما ندر من الأقطار، والمجتمع الإسرائيلي لم يدرس حتى الآن دراسة كافية من أجل مجابهة العدوان والاحتلال والمؤامرات والحرب النفسية الإسرائيلية.
يرى الباحث د. أبو حطب أن هناك أربعة عوامل رئيسية قد تؤدي إلى الإسراع بمسيرة العلوم النفسية في الوطن العربي وتطويرها وهي:
1. تحرير مفهوم التنمية من النماذج الخارجية الغربية، و إحلال النموذج الخاص لهذه التنمية الملائم لثقافتنا وشخصيتنا العربية.
2. التفاعل الإبداعي بين التراث القومي والحاجات المعاصرة، وجعل العلوم عامة وعلم النفس خاصة جزءا من الممارسة الاجتماعية اليومية.
3. الحث على تنمية الفكر السيكولوجي الإبداعي، والخروج من التبعية إلى الابتكارية، ومن التقليد إلى التجديد.
4. البحث عن هوية مهنية جديدة لعلم النفس (انظر 2، ص 18-21).
في ضوء ما تقدم نرى التأكيد على المقترحات والتوصيات التالية التي يمكنها- برأينا- المساهمة في دفع مسيرة العلوم النفسية في الوطن العربي إلى الإمام والعمل على تطويرها:
1) تفعيل جميع المؤسسات النفسية القطرية والعربية من روابط وجمعيات واتحادات، وتحقيق التعاون والتنسيق فيما بينها، تحقيقا للتواصل بين علماء النفس العرب، وتوفيرا للأرضية العلمية والمهنية المشتركة للنهوض بالعلوم النفسية لكي تؤدي دورها المطلوب في بناء المجتمع وتنميته.
2) ربط تدريس المقررات النفسية بمختلف فروعها ومجالاتها وميادينها بالمؤسسات المعنية من اجتماعية وصحية وثقافية وإعلامية وتربوية.
3) إعادة النظر في إعداد المختصين بالعلوم النفسية بحيث لا يقتصر إعدادهم على مهنة التعليم وحدها، بل يشمل جميع الميادين التي دخلتها فروع علم النفس كالصناعة والتجارة، والإعلان والإعلام، والجيش والشرطة، والقضاء، والثقافة والفنون، وغيرها من المجالات، الأمر الذي يؤدي إلى توسيع مجالات العمل أمام المختصين بالعلوم النفسية، والإفادة منهم في مختلف جوانب الحياة والعمل والإنتاج.
4) العمل على نشر الثقافة النفسية، وتوحيد المصطلحات النفسية على مستوى الوطن العربي، وهذا أمر يمكن تحقيقه من خلال التعاون والتنسيق بين الجمعيات النفسية القطرية والعربية، الأمر الذي ينعكس على ما تصدره هذه الجمعيات والاتحادات والمؤسسات النفسية من كتب ودوريات علمية. كما يمكن للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة لجامعة الدول العربية أن تقوم بدور كبير في هذا المجال.
5) تأسيس معاهد خاصة بالعلوم النفسية التطبيقية كمعهد علم النفس الصناعي، والتجاري والإعلامي، ومعاهد الرأي العام وغيرها من المعاهد المتخصصة الأخرى نظرا لدورها الكبير في الحياة الاجتماعية والسياسية المعاصرة.
6) ضرورة إحداث وظيفة المرشد النفسي، والمرشد النفسي التربوي، والمرشد النفسي الاجتماعي في جميع المؤسسات التعليمية والتدريبية والإنتاجية، من مدارس ومعاهد وجامعات، ومعامل ومصانع ومؤسسات من أجل حل المشاكل النفسية، والنفسية التربوية، والنفسية الاجتماعية للتلاميذ والطلاب والعاملين في قطاع الإنتاج، وهذا ما أكدت عليه جميع الندوات والمؤتمرات و الورشات النفسية.
7) التنسيق مع وسائل الإعلام المقروءة والمرئية المسموعة لنشر الثقافة النفسية الصحيحة، وإعداد البرامج النفسية بإشراف خبراء ومختصين نفسيين.
8) العمل على زيادة الاهتمام في أقسام وكليات علم النفس والمؤسسات الأكاديمية الأخرى المعنية- بتدريس العلوم النفسية- بالجذور الأول لعلم النفس، وبتاريخ الأفكار النفسية في حضارات الوطن العربي القديمة وبخاصة في الثقافة العربية الإسلامية، تحقيقا لربط العلوم النفسية بالبيئة والثقافة العربية، وتأكيدا للحقيقة الموضوعية والإنصاف، و إبراز دور الوطن العربي والثقافة العربية الإسلامية في طرح المواضيع والأفكار النفسية ومعالجتها، حيث إن معرفة ماضي أي علم شرط مهم من شروط تطويره.
9) السعي عن طريق المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم إلى إصدار معجم موحد للمصطلحات النفسية (إنكليزي- فرنسي- عربي)، أسوة بإصداراتها المماثلة مثل المعجم الطبي الموحد، والمعجم العربي الموحد للمصطلحات العسكرية، ورفده بملاحق دورية من أجل تغطية المصطلحات النفسية الجديدة، تحقيقا لهدف إيجاد لغة سيكولوجية عربية موحدة ومشتركة بين الباحثين العرب، وتخلصا من تباين وفوضى الترجمات الفردية الخاصة لهذه المصطلحات.
10) العمل على إصدار مجلات تخصصية بالعلوم النفسية من قبل الكليات والجمعيات التي لا تصدر مثل هذه المجلات.
11) تحقيق التواصل واللقاءات بين الباحثين النفسيين العرب من جهة، وبينهم وبين الباحثين النفسيين الأجانب في الدول الإسلامية والبلدان الأوروبية والآسيوية من جهة أخرى لتبادل الرأي وإيجاد الحلول للمشكلات والمعوقات التي تعترض مسيرة العلوم النفسية، وتعزيز المشاركة العربية في المؤتمرات النفسية العالمية، والتشاور بين أعضاء الاتحاد العربي لعلم النفس لتنسيق مشاركة علماء النفس العرب فيها، حيث إن هذه المؤتمرات العالمية هي الخطوة الأول نحو العالمية.
|
|
|