المنتدى :
المنتدى العام
ما زال هناك قطار في المحطة
ما زال هناك قطار في المحطة
تجد في مجتمعنا الفلسطيني كل ما يمكن أن تتخيله وما لا يمكن أن تكون قد تخيلته من قبل والخصوصية هنا تأتي من وضع وقع فيه مجتمع تحت رحمة احتلال سبقه انتداب جاء بذلك الاحتلال وثبته داخل مجتمع لا يمت له بصلة يعيش حياته في دائرة إفرازاته اليومية ويعاني من وجوده وتشابك علاقاته معه . وفي هذا المجتمع الذي يعيش في تناقض ما بين محاولاته للتحرر والاستقلال وما بين عجزه عن توفير قوت يومه وضعف حكوماته المتتالية عن تقديم ضمانات لحياة هانئة وادعة توفر له سبل العيش الكريم وتقدم له الحلول الاقتصادية وتبلور له خطة إستراتيجية بعيدة المدى تبين له مستقبله المتوقع . ومن هنا قد يتخيل البعض وجود حياة فاضلة داخل فلسطين خالية من الشوائب وتتفرد في مجموعة من القيم والأخلاقيات والممارسات التي تحسد عليها ولكن الواقع افرز الكثير الكثير مما لا يحمد عقباه ومما لا ينبغي وجوده . ولن نخجل إن اعترفنا وكشفنا ما نخشاه فلم نعد نحتمل ، فهناك من حاول أن يبيع أطفاله كي يحصل على المال ، وقد تستغرب وجود العملاء لإسرائيل ممن يخونون شعبهم لقاء حفنة من المال رغم الحالة النضالية والروح الوطنية السائدة ، وهناك من يسكت على رؤية أشكال من الفسق تنتشر في عدة أماكن وعدة مدن فلسطينية في نفس الوقت الذي تتعرض فيه هذه المواقع للانتهاك الإسرائيلي باستمرار ، وقد تجد اللصوص الذين لا يتورعون عن سرقة ما قد تقع عليه أيديهم والذين يثيرون الذعر والرعب ، وتجد أيضا الفساد المنتشر في القطاع الحكومي سواء كان فسادا ماديا أو إداريا ، وقد تصل إلى صورة أستاذ مدرسة يدخن هو (وزملائه) من الطلبة في ملعب المدرسة أو ساحتها أو حتى خارجها وكيلا تفاجأ فقد تجد الطلاب هم تلاميذ يتلقون مدخلات التعليم والتهذيب ويخرجوها إلى عالم "الزعرنة" في الشوارع بعد أن كانوا قد عبروا كل صف في سنتين على الأقل. ومن المظاهر المثيرة والتي تراها في فلسطين ظاهرة قيادة السيارات من قبل أطفال افلت لهم أهاليهم الحبل وقد حسبوا أنفسهم رجالا يشعلون سجائرهم وهم (يجعصون) على المقاعد الأمامية بعد أن يكونوا قد أرجعوها إلى الوراء ويضعون السماعات على آذانهم أو يرفعون جهاز الصوت إلى أقصى درجة كي يٌسمعوا من لا يسمع من الأغاني الهابطة والتي تنتشر كثيرا هذه الأيام. وقد ترى أكوام القمامة تتدلى من الحاويات الخاصة بها وتملأ الأرصفة وتنتشر حولها في منظر منفر كريه في نفس الوقت الذي تسمع فيه رئيس البلدية ومن حوله يتغنون بانجازاتها ومشاريعها القائمة على المحسوبية والواسطة والاستغلال والاهتمام في بعض الأشخاص والأماكن على حساب الآخرين فترى عمال التنظيفات يدخلون إلى بيوت وحدائق بيوت معينة دون غيرها لينظفوها ويخرجون ما فيها من أوساخ ويصلون إلى منتصف الشوارع الأخرى ثم يعودون أدراجهم دون أن يتموا عملهم بها رغم أنهم يكسبون رزقهم من خلال هذا العمل . وقد ترى سائقوا السيارات العمومية يدخنون سجائرهم رغم منعها داخل سياراتهم أثناء القيادة ويتكلمون في الهاتف المحمول معرضين ركابهم لخطر الموت دون خوف آو وجل كون القانون مشرع وغير مطبق . وقد تدخل الى المسجد فترى السنة النبوية غير مطبقة فالصفوف غير متراصة و الرجال يقدمون الأطفال ويدفعونهم للصلاة في الصفوف الأمامية مع أن العكس هو الأصح وترى العبادة وقد أصبحت عادة فالصوت المرتفع والحديث الجانبي واستخدام الموبايل تشوش على بقية المصلين . وترى الأئمة وقد تجاوزوا حدودهم فجيّروا المساجد ونظّروا لأحزابهم وجماعاتهم واستخدموا المنابر للاستقطاب السياسي واستخفوا كثيرا في عقول الناس وتركوهم دون وعي ودون دراية في شؤون عباداتهم .
ولكن ورغم كل ما مر قد لا تتخيل أو تستوعب ذلك الشجار العنيف بين عائلتين تتجاوران منذ زمن بعيد في أخوة ومحبة والذي يذهب ضحيته أرواح بشرية بريئة ويسيل الدم الفلسطيني رخيصا وترى مدى الكراهية والحقد الذي لا تعرف له سببا في نفس الوقت الذي تحيط بهم جرافات الاحتلال ودباباته . ويا ليت الأمر يقتصر على شجار بالأيدي فقط بين شبان أو رجال بل يتعدى الأمر ليصل الى النساء والأطفال ويُستخدم السلاح الأبيض والأسود والأحمر حتى يصل الأمر الى القتل وتمتلئ المراكز الطبية والمستشفيات بالعشرات من الجرحى والمصابين من قبل الطرفين ، ويستحيل رأب الصدع بعد ذلك حتى لو تم الصلح واستنفرت العشائر ورجال الإصلاح .
ومن المحير وما يدير الرأس ويربك العقل الاعتداء على المراكز الطبية والمستشفيات وتحطيمها والاعتداء على من فيها من الطواقم الطبية من قبل هذا الطرف أو ذاك . وقد تشعر بالدوار عندما ترى حجم الدمار الذي حل بها وحجم الخسائر المادية والمعنوية الذي يصيبها رغم ما قامت وتقوم به من خدمات خاصة أثناء الانتفاضات المتكررة دون احترام وتقدير لعشرات الشهداء من منتسبيها الذين سقطوا أثناء تأديتهم لواجباتهم وفي كثير من الأحيان لمن يقومون الآن بالاعتداء على ارثهم وتضحياتهم .
والذي يدمي القلب ويثير المشاعر عمليات القتل التي انتشرت بكثرة في مجتمعنا ، فمن غزة الى سلفيت رغم البعد المكاني ورغم الانقسام وكأن هناك اتفاق غير الذي نطمح للوصول إليه في عمليات قتل تقشعر لها الأبدان ويأنفها الحيوان أصابت الأب والأم قبل أن تصل للنسيب والغريب والتي بينت مدى رخص الدم لدى مجموعات أو أفراد استباحوا العرض والأرواح البريئة دون وازع من دين أو ضمير أو مبدأ في عمليات تشابه وتتجاوز ما اقترفه ويقترفه اليهود بحقنا على مدى احتلالهم . وهذه ظاهرة زادها دون أن يكون مبررا لها الوضع الاقتصادي واليأس بالتغيير وسياسات الاحتلال وعدم جدية قوانين العقاب في مثل هذه الجرائم . ويسبب غياب عمليات الإرشاد والتحذير اقتراف هكذا مجازر ترتكب بأيدي داخلية لا تستطيع الدفاع عن نفسها خارجيا وليس لها إلا القتل المتعمد وبلا سبب تقريبا أو لسبب أو أسباب تافهة لا تتعدى لعب أطفال.
إن القتل ليس الوسيلة لحل المشاكل والخلافات وان التفنن في عمليات القتل لن يخفي الجريمة ولن يمنع من اعتبارها كبيرة تفوق في نتائجها العمالة وإفشاء أسرار الشعب ونقلها للعدو .
إن دور الطب النفسي هو ما نحتاجه في هذه المرحلة وعلينا أن نغير ثقافاتنا ونظرتنا للأمور فليس كل من يراجع طبيبا نفسيا هو شخص مجنون وليس عيبا أن نعترف بحاجتنا الى الإرشاد والعلاج النفسي ومن الضرورة انتشار عيادات الطب النفسي في كل قرية ومدينة ومخيم شرط أن تراعي الظروف المادية لمراجعيها حتى لا يكون ارتفاع أسعارها السبب في العزوف عن زيارتها . كذلك الأمر بالنسبة لوسائل الإعلام التي يجب أن تكون رائدة الإرشاد والتوعية ونبراسا يحتضن هموم الناس ووسيطا عادلا لإيصال الكلمة للمسئولين الذين من واجبهم التفكير في كافة الوسائل والطرق التي تهدئ النفسيات وتجد الحلول الخلاقة والبناءة للجم المشاعر العدائية ليس بالهروب الى الخارج وتحميل الاحتلال كل ما نعانيه فافتعال الأعذار لن يجدي نفعا ولن يخفي الواقع بكل تفاصيله.
سمير الأسعد
فلسطين
|
22-08-15, 02:10 PM
جديد مواضيع قسم المنتدى العام
العرض العادي
