كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
،
ماضٍ
بُحَّ صوتها من فرط البُكاء،قَضَت الليل بأكمله دافنة وجهها وسط وسادتها التي تَكاد تصرخ من ثقل دموعها،أعمَّال شاقَّة ابتدأتها بكبح الشهقات و إخناق الغَصَّات حتى شعرت بغياب النَفَس عنها،لذلك تَسَلَّلت من السرير من بين أَذرع غطاءها المُفتقر حناناً تَعَرَّفت عليه بين أحضانه النابذة جَسدها..أتى الصباح و وجهها أصبح بيدر مقطوف اليَنع و من فوقه تطوف أسراب سُحب سوداء تحمل في أرحامها حُمماً لا غَيث..،ها هـي تعقد أبيات رجـاء على مسامع رفيقتها و تَجُر أذيال ضعفها علَّها تلتمس منها قوَّة ذَبُلت من شدَّة قَحط روحها..احتضنت كَفَّها بكلتا يديها و رفعتها بارتعاش قُربَ قَلبها و من بين شفتيها المائلتين من رياح الأسـى،:أرجـــوش نــدى مالي أحد غيرش
نَفَرت يدها و هي تَرتد للخلف و الدموع اتخذت وجهها مَسكناً تُشارك رفيقة دربها مأساتها،هَزَّت رأسها برفض عنيــف و لسانها انطلق يُهاجمها،:مستحيـــل مستحيـــل اساعدش على هالجنون حـــرااام تعرفين يعني شنو حـرام !
انخفض رأسها بإعياء و النحَيبُ ارتفع شاقَّاً سُكون الشِقَّة الشاهدة على جريمتها الشنعاء،بلا حيـلة هي،فقيرةٌ لا تملك لنفسها رغيف أمل فمن أين لها آمالٍ تنثرها على من اتخذ رحمَها مَهداً له ؟ عــادت ندى و اقتربت منها،أحاطت وجنتيها الغارقتين بكلتا يديها،رفعت وجهها تستقبل انكساراته،هَمست لها بحنان ضَعَّف ولادة الشهقات في صدرها،:حبيبتي جنان افتحي عيونش
امتثلت لأمرها كاشِفة عن منبعيها اللذان يَقصُر من ثُقبهما عُمر فَرَحِها،ازدردت ندى غَصَّتها المُشفقة على صديقتها لتهمس و كأنَّها تُحادث طِفلة،:حبيبتي جنان ربي رزقش شلون ترفسين النعمة ؟ شلون قلبش يطاوعش تذبحين ولدش بايدش ؟ هذا قطعة منش جنان حرام تحرمينه من الحياة
حَرَّكت رأسها ببطئ وَهِن نافيةً تُهمها المُنغرسة أشواكاً في فؤادها الحانّ إلى استنشاق رائحة طفل ينمو وسط أحشائها،ارتفع صَوتها المَذبوح بسيوف الشهقات،:تعتقدين قلبي مو قاعد يتقطع ؟ "أغمضت عينيها تهرب من واقعها المُتَشَرّب عَلقماً لا يُجتَرع،أردفت و الصَوت قد هَزَل" ندى كنت انتظر هالحمل،ولدنا أنا و فيصل "فتحتهما لتنحني آلامُ نظراتها على باب نَدى المُوصَد كُرهاً" ولدنا أنا وحبيبـ ـي
شَدَّت على وجهها لتقول مؤكدة و عينيها ترتطمان بعيني جنان بقوَّة،:عشان جذي لازم تتمسكين في البيبي مو تجهضينه
زَمَّت شفتيها راسمةً خَطُّ حُزن تنتحر عنده الآمال،حاجباها اعتلا قمَّة الواقع المَرير و من أسفلهما انهمرت سُيول تَنعى فقدها المُتضاعف،حبيب و فلذة كَبد في وقتٍ واحد،أيُّ قوَّة تلك التي ستتجلدين بها جنان ؟! هَمَسَت بتسليم،:نـدى فيصل بيطلقني ليش يجي البيبي و يتبهذل في هالعلاقة ؟!
عُقدة استنكار قَرَّبت حاجبيها ناطِقةً بقهر،:انتِ ليش واثقة ان بيطلقش ؟! حتى لو كان في باله هالفكرة اتمسكي فيه و حاولي ترجعين العلاقة مثل قبل،هذا زوجش و ابو اللي في بطنش
رفعت يديها تُخفِض كَفي نَدى عن وجهها لتقول باستسلام سـاحق،:ما بترجع العلاقة خلاص "تَعَسَّر خروج صوتها من وَجَع ما ستنطقه " انــ ـا خاينة في نظره ندى ما في أمــ ـل نرجع مثل قبل "شَهقة اقتطعت مَسير كلماتها و جَرَّحت حلقها المَضني" هذا غير ياسمين اللي بدت تشغل تفكيره،قولي لي شلون نرجع مثل قبل ؟!
نَطَقَت بحدَّة نصفها قهر،:انا وانتِ ندري انش مو خاينة،حاولي وياه مرة ومرتين وثلاث وعشر لين ما يصدقش
رفعت كتفها مثل مسكين عُميت عينه عن الأمل،:و اذا ما صدق ؟ انذبح مرة ثالثة بهجرانه بعد ابوي و محمد ! بتركه قبل لا يتركني،اذبح نفسي و لا هو يذبحنــ ـي
اجتذبتها الأريكة السوداء لتنخرط في بُكاء اختُزِلَت عنده بقايا روحها المَعلولة من فقدٍ يُلَوّح لها من على بُعدٍ تَكاد تَخاله غير موجود من فرط التصاقه بها،فهو يكاد يمتزج بأنفاسها مُسبباً لها اختناق ستُرفَع روحها على إثره..مَرَغَّت وجهها في قماش الأريكة و كأنَّها تتعرف على اللون الجديد الذي سترتديه حياتها بعد أن تتخلى عن جنينها و تقطع وصال العِشق الرابط بينها و بين فيصل،ذاك الحبيب الذي حَشَر سبابتيه في أُذنيه رافضاً الاستماع إلى تبريرها الطاعن إتهامه القاسي..ستتركه لياسمين لتحظى به،ستتنازل عن وطن حضنه لها،و ستُسلّمها مفاتيح روحه التي اعتادت أن تُسبِر أغوارها لتنفض عنها غُبار الأسى و تغرس مكانه ربيعاً يأبى أن يزور الحُزن أرضه..هي ستُحاول أن تمسح آثار قُبلاته عن شفتيها و قد تُجدد خلايا جلدها لتتخلص من وقع لمساته الرقيقة،و لَرُبما ستتبنى قلباً آخر لم يتعلم العشق أبداً و لم ترقص نبضاته على لحن أنفاسه عند كُل فَجْر..ستنتحر من أجل أن تعتاد فقده..،اقتربت منها نـدى لتجلس خلفها و كَفُّها المُشاركة كلماتها علاج جروح جنان و تضميدها حَطَّت على كَتِفَها،ضغَطَت بحَنو ناطِقةً من بين عَبراتها،:يا عمري خلاص والله قطعتين قلبي
حَرَكَّت وجهها يساراً حتى اتضحت ملامحه المغسولة لندى،اجترعت شهقاتها لتتساءل بارتعاش،:الساعـ ـة جم ؟
رفعت رأسها للساعة المُعلَّقة لتُجيب و عيناها تعود لوجهها،:ثمان و أربعين دقيقة
اعتدلت من استلقائها المائل و هي تُرجِع خصلاتها خلف أُذنها،هَمَست ببحَّة و بظاهر كفيها تمسح دموعها،:لازم اروح المُستشفى "وقفت مُتوجهة لغرفة نومهما و هي تُواصل" ما باقي شي على وقت العملية
لَحقتها ندى و الرجاء حذاءها،:جنان فكري مرة ثانية،مو بس في الجنين حتى انتِ،دخلتين الشهر الرابع العملية مُمكن تكون خطر عليش
نَطَقت و هي ترتدي حجابها بسُخرية ناقعة في المرارة و عيناها ينعكس لهما من المرآة حالها الرَث،:يا ليت اموت اريح لي
بتأنيب عَقَّبت،:جنان شهالكلام ! استغفري ربش
زَفَرت و هي تلتقط معطفها الأبيض هامِسةً،:استغفر الله ياربي "توقفت أمامها مُردِفة" خلاص ندى لا تحاولين ما بتراجع عن قراري،و انتِ على راحتش اذا ما تبين تجين وياي
تجاوزتها للخارج بعد أن تناولت حقيبتها و مفاتيح الشقة،تبعتها ندى لخارج المَبنى حيثُ لفحهما هواء لندن الشتوي المغزول بلسعات تجرح الجلد..أغلقت أزرار معطفها الكبيرة ثُمَّ حشرت يديها في جيباه الأماميان،رفعَت عينيها لندى التي كانت تُراقب حركاتها و وجهها المُصطبغة أطرافه بالأحمر..نَطَقت برجاء،:لا تقولين لفيصل
تَراجعت خطوة للخلف ثُمَّ استدارت دون أن تنتظر رد من ندى التي ما أن اختفى طيف جنان عن مدار نظرها حتى أخرجت هاتفها ضاغطةً الأرقام بسرعة،تعلم أنَّها ستزيد النار اشتعالاً و لكنَّها لن تقف هكذا ببرود و صديقتها على وشك أن ترتكب جريمة ستندم عليها حتى الموت..،رفعته لأذنها ليأتيها الرد بعد ثوانٍ،قاطعته على عجل مُتسائلة،:منصــور وياك فيصل ؟
،
تمشي على الطريق الذي رَسمتهُ بيديها العاريتين من دفئ،فمُنذُ أن تَخَلَّى عنها أمسى الشتاء بين يديها غازِلاً أنفاسه القارصة بين خطوطهما،هي ذاهبة للمقصلة و بنفسها ستُحيط عُنُقِها بحبل إعدامها،ستنحر الأنفاس و ستقتلع ثَمَرة أودعها في رحمها..أغمضت عينيها بقوَّة عندما لاحت لها أطياف تلك الليلة التي كان نتاجها هذا الحمل،ليلة الفستان الأسود المُرتديه جسدها لأجله،و كأنَّها أهدت جسدها له و هو بكُل سعة صدرها قَبَل الهدية ناحِتاً بين طيَّاته مشاعر أَثَرُها عَميق تخشى أن لا تستطيع دثرها..،استجابت عينيها لصوت ضحكات بريئة على يمينها،التفتت بفضول لتصطدم نبضاتها بأوجُه عنوانها البراءة و النقاء..استدارت بسُرعة هاربةً من حبالهم الشادة روحها للتراجع عن قرارها،انفلتت منها شهقة قبل أن تتدارك نفسها و تقف قبل أن تصطدم بالمرأة و الطفل الذي بين ذراعيها..مالت شفتاها للأسفل تُنذِر بالبُكاء و هي ترى كيف يمص إبهامه بسُكون ملائكي،اعتذرت ثُمَّ أخفضت رأسها مُطلقة سراح قدماها في مشي سريـع..و كأنَّها المرة الأولى التي ترى فيها أطفال،بل و كأنَّهم ازدادوا اليوم ! فهم في كُل زاوية و أصواتهم تتعالى من جميع الجهات ! فتصادمها معهم يُضَعّف من ثقل قلبها..،ربع ساعة قضتها في المشي حتى وصلت المشفى..دخلت مُتجاوزة الممرات باتجاه المصاعد..ثوانٍ و كانت في الطابق الثالث القسم الخاص بالنساء و الولادة، وهناك جلست تنتظر على المقاعد برأسٍ يكاد يحفر الأرض هَرباً من التَجَمُّع الغفير للأطفال..ذاك يصرخ و ذاك يضحك بحلاوة يسيل لها لُعابها،و آخرون مُنهمكون في اللعب بالألعاب المركونة جانباً..،دقائق و نودِيَ على اسمها،وقفت بطريقة سريعة و توجهت لغُرفة الطبيبة التي استقبلتها بابتسامة ناعمة..جلست على المقعد قُرب المَكتب و هي تستمع لحديثها،:كيف حالكِ سَيّدة جيــنان هل أنتِ جاهزة للعملية ؟
بَلَّلت شفتيها قَبل أن تُجيب و هي تدعك باطن كفَّها بتوتر لم يغب عن أعين الطبيبة،و بابتسامة كاذبة،:نعم جاهزة
أرجعت خصلاتها الشقراء خلف أذنها مُتسائلة،:أين زوجك ؟ هل هو في الخارج ؟
تَجَمَّدت عند ذكره و حركة كفيها توقفت،ازدردت ريقها بصعوبة و هي تُشيح بوجهها عنها و أهدابها بدأت بحركتها المُضطربة،تحمحمت قبل أن تُجيب ببحَّة،:لم يستطع المجيء،لديه عمل مهم
أومَأت رأسها بتفهم ثُمَّ وقفت و هي تُشير للسرير في الزاوية،:تفضلي هُنا لدقائق
وقفت تتساءل بتردد،:لماذا ؟
ابتسمت لها مُجيبةً،:فحص روتيني قبل العملية
اقتربت ببطئ حتى جَلست على السرير،خلعت حذاءها الرياضي و هي تتساءل بخفوت،:هل الشيء ضروري؟
أجابتها و عينيها على الجهاز الذي بدأت بتشغيله،:نعم نحتاج ذلك في تقرير العملية "استدارت لها مُردفة" استلقي
تَمَددت على ظهرها حَسَب طَلبَها و تَصَلُّب مؤلم تَمَكَّن من فكّها،تزاحمت الدموع في صفحة عينيها التي لم تَجُف بعد،هي تعلم ما سيحدث الآن و هذا ما لا تُريده،تخشى أن تضعف و ترجع عن قرارها،لا تُريد أن ترى كيف يتوسَّد جسده الضئيل رحمها،جسده الهزيل،المسكين الذي ستحرمهُ نعمة النوم بين أحضانها..،رفعت بلوزتها بعد أن فتحت أزرار معطفها،ارتعشت من برودة السائل اللزج الذي مسحت به على بطنها الذي لم تظهر عليه بعد آثار الحَمل،هذه المَرَّة الأولى التي تخضع لهذا الفحص،فيصل الذي علم بأمر الحمل قبل إسبوع حَجَز لها موعد سيأتي بعد ثلاثة أيَّام..أغمضت عينيها للحظة و ملامحها تنكمش بخفَّة للسعة البسيطة المُسببها الجهاز..بدأت الطبيبة تُحَرّكه بخفَّة على المنطقة السُفلية من بطنها و هي لم تُحاول أن ترفع عدستيها للشاشة..سمعت صوتها الهادئ،:انظري ها هو
رفعت عينيها بصعوبة تُتابع إصبع الطبيبة الذي يُشير لشيء أسود يُخالطه بياض لم تستطع تمييزه،قالت و هي تنظر لها بابتسامة،:انظري جسده واضح جداً
مالت دمعة على خَدَّها سَقَطت من مُنحدر عينيها الشاهدة على هذا المنظر المُفتت قلبها المكسور،تساءلت الطبيبة بقلق و هي ترى دموعها،:هل هُنالك شيء ؟
مَسَحت دمعتها بسرعة و هي تُجيب،:لا لا شيء
عادت لتدقيقها في الشاشة تاركَةً جنان تُعاين غَصَّاتها..،:اوووه انظري
التفتت لصوتها مُتسائلة باستفسار،:ماذا هُناك ؟
أجابت بابتسامة واسعة،:يبدو لي أنَّها فتاة
اختنقت نَبضة في قلبها حتى ذوت و سَقَطت مُحدِثة جَلَبة اضطربت منها دواخلها،ردَّدت حُجرات قلبها،فتــــاة ! قد تَرث وسع عَينيها و عدستاها تصطبغان بلون عَدستي والدها،رُبما سينمو لها شعر لهُ تَمَوجات كتموجات شعرها..و صوتها سيَرث بَحَّة والدها التي تُلهِب مسامعها..ستكون لها ضحكتها أنفها و شفتي فيصل الصغيرتين..إن وُلِدت ستكون نسخة منهما هما المُتضادان في العَيش..،ارتعدت من صوت يُشبه صوت ارتطام حوافر الخيول بالأرض يرتفع من الجهاز..نظرت للطبيبة و الاستفسار واضح في مُقلتيها..أجابتها و الابتسامة لم تترك شفتيها الزهريتين،:صوت نبضاتها
أمال الأسى شفتاها الذابلتين و النَحيب اعتلى كاسِراً حُصُونَها الواهية،فنبضات صغيرتها كانت ستُدفَن بيدي والدتها مَيّتة القَلب..نَفَرت الجهاز عن بطنها و لسانها ينطق بعَبرات بلُغتها الأم،:مابي مابي اشوف مابي اسمع
كُل شيء يعود لأصله،و كُل فَرعٍ يَرجِع إلى شجرته،هي إن عادت إليها في السماء ابنتها لتُحاسبها على تفريطها و سَخطِها لنعمة الله بماذا ستُجيب،أيُّ التبريرات ستستعير ؟ فحُجَجها مدحوضة المَنطق و لا يقبلها دين ولا عَقل ! تساءلت الطبيبة بقلق و هي تمسك بكتفها بعد أن جلست من استلقائها،:هل أنتِ على ما يُرام ؟ هل تُريدين إلغاء العَملية ؟
لم تُجبها فهي كانت مُنهَمكة في جَرَّ شهقاتها المُثقلة بسكاكين جَرَحَت حَلقها،كانت تُغلِق أزرار معطفها بارتعاش وبَعثرة شَتت وَعيها..و قفت بتمايل و ملامحها قد أضناها لَطم يد الحياة القاسية..خَرجت من الغُرفة بتخبط و ذراعيها تُحيطان بطنها و كأنَّها بهما تحمي ابنتها من جُنونها،انكمشت ملامحها و أسنانها بقسوة بدأت تُمارس عقابها على شفتها السُفلية حتى استطعمت دماءها،كيف استطاع قلبها ؟ بل كَيف سَيَّر عقلها قدماها ؟ هل أعمـى العِشق بَصيرتها و نما حتى طال ضميرها ليُقَيّده ؟ ذاتها الآن تحتاج مُعلّقات سَماح تَسردها على مسامع طفلتها بعدما تصرخ صرختها الأولى،و لكن كيف ستطلب الغُفران من خَالقِها ؟
،:جنـــان
،
سُرعته تَكاد تصل المئتان و هو بها يُريد أن يخترق المسافات ليصل لتلك المجنونة قبل أن تُقبِل على ذبح روحها و روح جنينهما..قبضته مُمسكة بالمقوَّد بقوّة نصفها مهزوز،ففكرة أنَّها ذاهبة لإجهاض طفلهما أودعت تَوتراً بين خلاياه..لا يدرِ بأي حال هي الآن ؟ هل تم إدخالها لغُرفة العمليات ؟ رُبما لن يلحقها و إن وصل سيتعثر بقطعة حَمراء قُتلت براءتها بسيف أمّها..أغمض عينيه بأسـى عند هذي الفكرة هامِساً برجاء،:يــارب
ارتفع صوته مؤنِباً نفسه على غفلته،:انا شلون ما فكرت انها مُمكن تسوي العملية بدون علمي ؟!
صوت حانق من خلفه أرفع عينيه للمرآة لتصطدم بعينيها الباصقتين عليه نظرة مُلتوية،:لأن عقلك غايص ويا هالياسمين من جذي ما فكرت
التفت لمنصور بجانبه عندما استدار لها ناطِقاً بتحذير،:نـدى ولا كلمة
تجاهلته مُواصلة،:و انا الصادقة لو هو مـ
قاطعها بحدَّة،:خــــلااااص
زَمَّت شفتيها و صدرها يرتفع بقهَر لينخفض بعُنف زافرةً حَنَقها..استدارت للنافذة و هي تعقد ذراعيها على صدرها و من أسفلها قدمها ترتطم بأرضية السيارة بقلق على رفيقتها..المستشفى كان يبعد بالسيارة حوالي العشر دقائق ولكن خوفهم ضَعَّف الدقائق و طَوَّلَ المسافات..،
أمام باب المشفى أوقف السيارة مُتَرجلاً منها بعد أن طلب من منصور ركنها،كان يجري مُسابِقاً الريح لها و من خلفه تُسابق خطواته نـدى التي ذَوت طاقتها من رُعبها المُتأزم في عروقها..،توجها للطابق الثالث حسبما أعلمتهُ نـدى..و قَبل أن يُكمَل انفتاح باب المصعد انسلَّ من بين فتحته الضيقة حتى اصطدمت جوانبه بكتفه لكنه واصل طريقه دون أن يلتفت لألم..،هُناك عند المَمر المؤدي لعيادة الطبيبة أبصرتها عيناه مثل غريقٍ يلتمس حَبلُ نجاة يُعيده لاستقامة الأرض و سُكونها..ناداها من بين أسنانه و عقله قفز بألف عقاب و عقاب..،:جنـــان
التفتت إليه ليتضح لهُ و لندى عَذابها الراسم خرائط ضجره على وجهها المقتول جماله،تباطأت خطواته و هو يَرى كيف رفعت ذراعها مادةً يدها لهُ بارتعاشاتٍ شعر بها تقتلع عظام قفصه الصدري حتى اخترقت بؤرة قلبه..التقط كفَّها و لوَهنها استطاع بخفَّة أن يجذبها له حتى اصطدمت بصدره،أغمض عينيه و ذراعيها بضُعف عانقتا عُنُقِه حيث من أسفله غَفى وجهُها غارسةً الشهقات بين طيّاته..أحاط جسدها المائل عليه بإعياء و عيناه التقطتا حَركة نـدى التي مالت على الحائط براحة..التفتت بسرعة عندما ارتفع صوت جنان بصوتٍ اقتطعت كلماته غَصَّاتها المحمومة وَجَعاً..أخفض بصره ينظر لجانب وجهها المغسول من دمع،:كنــ ـت بذبــ ــ بذبــ ـح البيبـ ـبي فيـ ـصـ ـل البـ ـيبي كان بيمــوو
اختنقت بآخر حُروفها و بُكاءها صَيَّرهُ اللاوعي لحنٌ مُزعج أصمَّ أُذنها،أنزل رأسه دافناً فمه في أُذنها من فوق الحجاب ليهمس برقة احتاجها في هذه اللحظة،:اششش خـلاص الحمد لله ما صار شي،البيبي للحين في بطنش خلاص اهدي
شَدَّ من احتضانه لها زافِراً قَلقه الذي استولى على حواسه لدقائق طويـلة،دَفَن وجهه في كتفها مُتناسياً الحُكم الذي فَرضه على ذاته بتحريم اقترابه من نيرانها،صوتُ كبرياءه يوسوس لهُ بالابتعاد و لكن قلبهُ المُناضل فاز برغبته في الالتحام معها..،
،
,،
حـاضر
على طاولة في الزاوية اليُمنى انزوت معه،كلاهما عاقد أصابع كَفّيه يُحيك خُيوط كلماته عَلَّهُ يظفَر بمعطفٍ صوفي يتدثر به عند اشتداد شتاء العِتاب..جفناها لم يبرحا مكانهما رافضان الارتفاع للكشف عن كَنزها الأثمن المُشتاق لهُ قلبه المَهجور حُبّه بجريرةٍ لا يَعلُمها..،هُو لم يمنع عينيه من شدّ رحالها للإطمئنان على ملامحٍ كانت حَلاله قبل عامان..عامان فقط غَيّرا مَجرى حياتهما،حُرّم عليه فيهما النَوم براحة بلا هَواجس صَيَّرت عقله عَجوز يتَعَكَّز على الظن الذي لا يُشفي سُقم أسئلته..و هل للفراق أجوبة تنقذ عليلاً من مَوت قلبٍ مُحتَم ؟ فالفراق لا تُحَل قضيته إلا بلقاءٍ يُعيد برمجة الذاكرة مُلقياً بالماضي في زبالة النسيان..و أسَفاً أنَّ هذا عَصي..،استعان بصوته ليَخرُج هَمسه مُحَرّكاً ذرات صمتهما الصَخب،:نــور
بَلَّلت شفتيها قبل أن تُجيبه بذات الهَمَس و عيناها لم تُفارقان أصابعها،:نـعم
ابتسامة نصفها ألم عانقت شفتيه ناطِقاً،:باقي على سفرتكم اسبوع
جُملته هذه كانت لها القُدرة باجتذاب نظراتها التي التقت بنظراته المُتفحصَّة ردَّات فعلها،حَرَّكت عينيها بهروب و عُقدة خفيفة بانت لهُ بين حاجبيها..فهي لم تتوقع أن يَكون الحديث مُتَعَلّق بالسفر..عَقَّبت و هي تمس وجنتها اليُمنى بطرف سبَّابتها،:اي ان شاء الله
تَخَلَّى عن استناده مُتَقدّماً بجسده ناحيتها ليقول و الرجاء لسانه،:نـور أرجوش اتحملي بنفسش و لا تلتفتين لفهد أبداً
نَظرت إليه و العُقدة طالت باقي ملامحها لتقول باستنكار،:عبد الله شهالحجي ؟ و من متى انا التفت لفهد ؟! ارجوك لا تبدا اعتقاداتك الغلط
هَزَّ رأسه بتفَهُم،:ادري ادري يا نور انش مو ملتفتة له بس ابي اتطمن عليش
أطلقت تنهيدة مُتَفَهّمة قبل أن تُجيبه،:خلاص لا تحاتي،في شي ثاني بعد ؟
صَمَت يُقَلّب سؤالها بين مسامعه،نعم هُناك أشياء و أشياء،في داخلي مُجلّدات خَطَّتها أنامل روحي لعامان،فأنا الأعمى في هذا الفراق،ذاتي لم تُبصِر بعد أسباب انتحار وصالنا..و قلبي لم يَكُف عن صراخته المُناشدة عَفواً يُنقِذ دقاته من سجنٍ أخنقها بقضبانها و هي التي لم تُذنِب..،هَمَسَ لها و عيناه مُتعلقتان برفيف أهدابها،:مشتــاق يا نور والله مشتــاق
قَبَضَت يدها بتماسُك لتقول و عيناها على صدره،:عبد الله ارجوك اوعى على نفسك،انسى اني كنت زوجتك
رفع كتفيه بقلَّة حيلة و بابتسامة مريرة نَطَق،:مو سهل النسيان
أكَّدت تُعارضه،:بلى سهل خلاص ارحم روحك انسى و عيش حياتك،الله مو كاتب اننا نستمر ،صدقني عيشتنا مع بعض ما تصلح
تساءل و يَدُ روحه قَبَضت على قلبه،:انتِ نسيتين ؟
نَطَقت دون أن تُواجه عينيه فهي تَعلم أن بنُطقِها ستعلن حِداده و لا تُريد ان ترى تابوت انكساره يُشَيَّع على قارعة عينيه،:ايــ ـه نسيـــت
ضَمَّ شفتيه للداخل و اختناق نفسه شُلَّت منهُ عَضَلة في قلبه،غَرست خنجر كلماتها في روحه،بالتحديد في البؤرة التي كان يرتشف منها إكسير الأمل..نَحَرتهُ على صفيح كلمتها و ثُمَّ حَرَقت بقاياه ناثرةً رماده على أرضٍ كانت ذات يومٍ بصفاء القَمَر ليلة اكتماله..و اليوم لم يَعد هُناك قَمر و لا صفاء بهِ هو يَنعَم..، وقف حاملاً على ظهره ثِقل اعترافها ليُمسي مَحني الحُب،نَطَق لسانه قبل أن يبتعد،:ادعي لي انسى،ادعي لي انساش
و تَطارُداً مع ابتعاده تَجَمَّعت الدموع وسط عينيها و التأنيب ارتفعت حُموضته حتى باتت تَرغب في استفراغ مَتعابه..خَذلته و صَفَعت قلبه الأبيض بنتانة فعلتها الشنعاء،و لكن ما حيلتها إن كان سَوط والدته يقف حائلاً بين التقاءهما ؟! أخفت وجهها بيديها سامحةً للدموع باقتطاع طُرق وجهها بعد أن بان لها وجه سارة التي قالت بضجر،:تونا بسم الله ما مدانا نفرح انش نسيتين يجي عبد الله و يرجعنا للصفر !
,،
الأسقُف ذابت من سعيرها،و الأرضُ ابتلعها لهيبها بشراهة مانعاً قدماها من الفِرار،الجُدران أمست جبلاً تَتَسَلَّقه و الأبواب كُلَّها مُوصدة..و كأنّ كُل شيء يَصرخ لها بأنَّ الموت هو النجاة..لا تدرِ من أين ظَهَر و لا كيف اخترق النيران ليقف أمامها بجسده الذي يَفوقها حَجماً و قوَّة،فهي كانت و للأسف ذليلة لخوفها المُتمكن من حواسها..لطالما اغترَّت بجُرأتها و شجاعتها في المواقف الصعبة..لم تعلم أنَّ النيران تضرم خططها لكبح شجاعتها المشوشة..،لهُ عينان تُشبهان غَيهبات السماء في ليلة شتوية صامتة..و التمست نظراته حِجاباً لا مَرئي يمنع مُواجِهه من قراءة أفكاره..،لم تُسعفها طاقتها الذاوية للهروب و كان هو ملاذها الوحيد،لا تعرفه و لا تدرِ إن اهتدت إليه كيف سينتهي الأمرُ بها ؟ لذلك استسلمت للا وَعي و سَمحت لهُ بابتلاعها و اجتراع حواسها التي فقدت بقايا قُدرتها بعد أن أحاطت ذراعه خِصرها..،أغمضت عينيها برعشة و جسدها ينطوي على نفسه أسفل الغِطاء،دَفَنت جانب وجهها في وسادتها مُغمضةً عينيها بقوَّة تُحاول أن تتجاهل شُعورها المُضطرب و ذراعه على خصرها..تحشرج البُكاء في حَلقِها فالموقف لم تستطع أن تُكبح زيارته لذاكرتها مُنذ أن استيقظت و هي على سرير المشفى..حتى بعد أن اتصلت لوالدتها و أتت لها لتحتمي في صدرها مُفرغة دمعاتها بعد نُضوبٍ أجَّجتهُ الصدمة..،شُعور غَريب يلتف حول عُنُقِها ناحيته..حاسَّتها السادسة تهمس لها بأنَّ أسرارٍ مُقيَّدة بذاك الرَجُل..فخلف تلك العينين حقيقة ليست بهينة..! تأفأفت بتعب و هي ترفع الغطاء فوق رأسها هامِسةً بتوبيخ،:خـلاص يا ملاك نامي نامي مالش دخل في هالغريب
,،
يتبع
|