كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
الساعة الحالية
ذقنها يستقر على ظاهر يديها المَضنيتان من سُقم قلب أوهنهُ وَجع نبضات كان الاعتراف سيفُها القاتل..حاولت أن تقتلع جذور الحقيقة من روحها التائهة،أن تَطمس حياتها بغَرِق أمطار و أن تُفني ما نما قُربها من أزهار بتلاتها أحناها الفراق..هي الآن تَعيش أسوء فصول حياتها،ذاك الفصل المُختبئ بين نسماته رياح احتقار و تأنيب،و هي شَجَرته المُسقاة بماء الخيانة باتت تَتَلون أغصانها بدماء الخداع المُجَعّد أوراقها الشابَّة بقُرب ذاك البعيد،إلى ما وراء السماء بعيد..،تَهَدَّل ذقنها بعد انحسار سطح كَفّيها اللتان ارتفعتا ليكون رسغهما الضماد لطنين رأسها الضاج بغوغاء المنطق المرفوض عند حُكم و مبادئ قلبها الطاغية..تجاذبت بضع ذرات هَواء تَمسَح بها على شِرخ روحها،نَفخَت بشفتيها زفراتها المُلتاعة من حجم تَيهها القابع في ذاتها بعينان مُغمضتان هاربتان من ضوء واقع كُرهها البالية أطرافه أعماه أحد كائنيه..،البارحة بعد خروجها من جناح أخيها و خطيبته،أرسلت لأحمد الذي كان يستفسر غيابها،أخبرته بانشغالها في العمل و مع العائلة للتجهيز لزواج أخيها،و طلبت منهُ الاتصال غداً عندما يَتحرر من وجود زوجته،فلا تُريد أن تكون في المكان نفسه عند محادثته لها..،جِفنيها أنهيا مُهمتهما الاضطرارية و أفسحا المجال لعدستيها المُتَخبطتين على الهاتف القابع وسط الفراغ مابين ذراعيها المرفوعتين..أخفضت يُمناها ضاغِطة بإبهامها على الزر أسفل الشاشة،ضاقت عينيها من الضوء المُنبَعِث منها و تراءت أمامها أرقام الساعة المائلة بِسبَبها شفتيها بسُخرية على حالها الأعوج،كانت الحادية عشر،وجودها في المصرف كان من الثامنة،و هي التي اعتادت في أيَّامها الآمِنة من هُجوم مشاعر أن لا تَطأ قدماها المَصرِف قبل التاسعة صباحاً..ارتخت أهدابها مُسبِرةً أغوار فؤادِها،هل هو هروب ؟ هُروبٌ من سريرٍ انصهرت أغطيته من حَرارة غيرتها المُسعَرة بحطب اجتماع حياته بتلك،و هُروبٌ من وسادة تَشَبَّعت بدموعٍ يَخجل كبريائها التماس بَوحها الغافي فوقها..هُو عُري من اتهامات جُدران أدركَت بعد تُفَحصٍ لسكناتها و ارتعاشاتها أن القلب لا زال مَنسيِاً تحت قدميه..و هُو تَحَرُّر من قيد هَواء يبكي اشتياقاً للامتزاج بأنفاس تُسكِرها..هُو تَصَدُّع نَفس من خِشية إثم تَكالبَ عُظم ذَنبه على كَتِف إيمانها..،
عيناها تَطفوان في الفراغ المُبتَلِعَهُ فيضها الناشر عباءة بؤسه فوق سَقِف سُكونها،فبعد أن اهتدى قلبُها لحقيقته الموشومة قسراً فوق حُجراته بات الجَزَعُ يُلَبّد سماء حَواسها ماطِراً عليها أسهُم تَأنيب تنغرس في ضميرها المُنتَحِب..،على قارعة النسيان كانت تقف تنتظر رَسو القطار الذي سيُسافر بها إلى دُنيا تخلو من وجهه،حيثُ الأرض نَقِيَّة لم تُنحَت خطواته بين رمالها،و السَماءُ تحتضن قَمَرها و لا أثر لسِحره المُنبِت أضغاثاً في روحها..لكن القِطار غادر و ثَوبُها المحموم بعطره مَحشوراً طَرَفُه بين ضيق فتحة باب قلبه المُنغَلِق على حَبّها رافضاً تَحريره من قيوده المُدمِية..،
احتضن المعقد رجفة حَواسها التي جَفَلت من ملامحه التي ظَهرت من خلف الباب المفتوح بفجأة..قَبضتها أحكمت تَمَسُّكِها بيد المَقعد و الارتعاشات تتطافر من جسدها شاقَّةً الهواء مُصَيّرة صمته انفجاراً مُدوي سَقَطَت على إثره مدائنها الواهنة..،
ثَقُلت أنفاسها و حنجرتها تَمَرَّغت بوحل غَصَّاتِها،أهدابها تَمَكَّن منها تَصافق نتاجهُ كان بضع ذرات دمع انتثرت فوق بياض مُقلتيها..،لماذا أنت هُنا ؟ من الخطر تواجدك فقد أهوى صريعة تحت قدميك من حِمل اعتراف أحالني يائسة،بأناملي المُتَقَرّحة أحفر قبري بعد أن ارتدي كَفَن الذنب لِأتوسد لحدي..أبحث عن توبة تنتشلني من قعر سوء اقترافي،لكن احتلالك لي أححب عن قلبي سماءً نجومها امتدت باتصال تُرشدني لهدايتي..و لكنني لا أرى و الذنب يُغشي محاجري..،
اقترب من المكتب بعد أن دفع الباب فاصلاً روحيهما عن أي تَدَخُل خارجي هي ترجوه لألَّا تُفنى من سطوة حضوره..استدار حوله ثُمَّ توقف عند يمينها،خطوة واحدة فقط كانت خيط الحرام و الحلال،على الرغم من الثالوث الذي شَكَّله إغلاقه للباب،هما و الشيطان ! كفّه اليُمنى استَقَرَّت ببطانها على المكتب الأبيض،و اليُسرى ارتفعت يُدير أصابعها في الهواء بغية سؤال فحواه الاستنكار،و ببحة التقطت موجاتها ذكريات رمادية،:انتِ شنو مسوية ؟! لأي درجة وصلتين من الاستهتار و عدم الاحترام ؟!
عُقدة حصيلة عدم فهم قَرَّبت ما بين حاجبيها،تساءلت بضياع شَتَّتَ حروفها،:شـ شـنو شسويت ؟!
حاجباه باغتهما ارتفاع نصفهُ تَعَجُب و نصفه الآخر استهزاء،:لااا نسيتين شنو سويتين ؟! الواضح انش من كثر قلة الذوق ما قمتين تذكرين
تَحَرَّرت من جلوسها لتقف تواجهه،طولها المشهور بين أترابها لا يُساوي شيء أمام طوله الذي يَضطرها لرفع رأسها إليه.. و هي التي أمست مَحنية القلب بسببه..بحدَّة مُرتعشة قالت و أنظارها تَلتقط الحيز من حوله دون وجهه،:ما اسمح لك ترمي علي هالكلام،انا ماني فاهمة شنو تقصد ؟ ما اتذكر اني أزعجتك أو اذيتك " و بسُخرية ناقعة في المرارة أردفت" ولا تعودت على رمي الاتهامات ؟!
انخفض حاجبه الأيمن و ظَلَّ الأيسر مُعتَلِياً قِمَّة جليده ذو الشذرات الحادة القابعة وسط قلبها..نَطق و البرود مُستَهلَّه،:والله يا مدام البنك كله يتكلم عن اللي سويتيه
التوى القهر في جوفها،و كأنهُ يبحث عن أي عُذر ليتهمها و يُسيل الشتائم عليها،مُجرد أن نطق أحدهم بكلمة هو صار من المؤيدين لها،دون أن يستفسر منها هي المُتَهمة عن حقيقة ما يقولون..نَطقت تطعن اتهامه،:و انت على طول تصدقهم ؟!يمكن يتبلون علي
مالت شفتيه جانباً باستفزاز،:صدقتهم لأني ما استبعد منش هالتصرف قليل الذوق
ارتفع صدرها من استحواذ رئتيها على ذرات الهواء المُتَكَسّرة في صدرها،بلا مُراعاة لمشاعرها يُطلِق لسانه أسهُمَه..هي قليلة ذَوق في نظره،مُستهترة و غير مُبالية..شتائمه ابتلعت ما كان ينمو فوق شفتيه من مَديحٍ إكليله الغَزل..بات الغَزل شظايا تغزل عروقها..،
بخفوت مَبحوح نطقت و ذراعها ارتفعت تُشير بسبَّابتها للباب،:يا انك تحترم نفسك او تطلع،ما اسمح لك ترمي علي هالكلام
عَقَد ذراعيه على صدره يُترجم تَجاهُله لأمرها،تساءل بجديَّة،:اللحين ابي افهم ليش طردتين العميلة ؟
قابلته بجانب وجهها،فعيناها خارت قواهما من إشارات تَجاذب تتطافر من ملامحه..العُقدة تَضاعفت بين حاجبيها و عقلها لا زال جاهلاً مقصده،:اي عميلة ؟! ما طردت أحد،للحين ما انجنيت !
ارتفع صوته بتَوبيخ أسعره إنكارها،:العميلة اللي طردتينها قبل أمس،من غير أي احترام دفعتينها زين انها ما طاحت و تعورت و صارت لنا مشكلة..و هالاتهام اللي رافضتنه كان عليه شهود فلا تنكرين و عطيني أي معلومات عنها عشان نعتذر وانتِ تعتذرين قبل
صَمَتَ ينتظر اعترافها..فلا حجَّة لديها الآن،فقد وَضَّح لها الأمر المُصادق عليه جميع الموظفين بما فيهم ندى،فلا داعي لإنكار و إطالة تضطره لوقوف أكثر معها قد يكسر الدرع الهَش الذي ارتداه قبل دخوله..،عيناه مُتَسمرتان على جانب وجهها تَتَصيد ملامحها القابعة في تركيزها..رفعهما بخفة لطرف حاجبها الواضح انشداده و من أسفله ارتخى جفنها مُتَخذاً موضع ارتجاع الأحداث..و بالخفَّة ذاتها أخفضهما لمنبع السَكَر،هُناك حيثُ تُنحَر الأنفاس من اللمسَّة الأولى..كانا مزمومتان بضيق مُتأكد وجوده هو سببه قبل أن يَكون اتهامه،أرختهما ببطىء مصدوم لم تستنبطه عيناه اللتان أغمضهما مُشيحاً وجهه بعيداً عن حِبال إبليس الجارة نفسه لوَحل الذنوب،استغفر في داخله و يُمناه ترتفع ضاغطاً بطرف إبهامه و سَبَّابته فوق زاوية مدمع عينيه..،فتحهما و الاستغراب ينحني بين الخطوط المحيط بهما من ضحكتها الساخرة..أعاد بصره إليها و هذه المَرة ألقى بجُرم هواجسه تحت قدميه..تساءل باستنكار،:شنو اللي يضحك ؟!
هي التي وقفت كلمة "عميلة" حاجزاً أمام استيعابها انفلتت منها ضحكة احتوتها سُخرية مُتَعجّبة،فتلك لم تكن عميلة،كانت قاتلة رَقَصت على جراحها بعد أن أودعت عُلَلَاً في روحها التي أمست تَتَخبط تبحث عن مَصلٍ ينقذها من التهام المَرض لخلاياها و التي لخمس سنوات من الغياب ظَنَّت أن النسيان كان حليفها..و لكن عَوداً واحداً استطاع أن يخترق الغشاء ناشراً فَزعاً بين نبضاتها..،قَطَعت ضحكتها و هي تستدير إليه و ذراعاها تُشاركان ذراعيه الانعقاد،مالت زاوية شفتيها للأسفل و هي تخفض رأسها قليلاً لتقول،:ماشاء الله مداها تجي تشتكي عندك ؟!
انقلبت الأدوار و أصبح هو الآن يُعايش عَدم الفهم،عَقَّد حاجبيه فما دخله بتلك العميلة،تساءل يُريد جَواباً،:من ذي ؟! و ليش تجي تشتكي عندي ؟!
رَفَعت كَتفيها،:و الله انت قول لي،يعني تشتغل مُحامي لها و لأختها ؟!
انحلَّت عُقدة ذراعيه مُتَقَدِماً خطوة و يده ارتفعت أمام وجهها ناطقِاً،:انتِ شقاعدة تخربطين ؟! بس تدرين الغلط مني جاي احاول اعدل الأمور بس انتِ ما تستاهلين الا الخصم
تراجع ليبتعد لكن كلماتها المُنحَدِرة من قِمَّة سُخريتها أوقفته،:لا عاد اتوقع الخصم ما بيرضي ست الحسن،مطلبها غيـر غيـــر من أيَّام لندن،صح و لا انا غلطانة ؟!
اصطدم سَيل نظراتها المُلتوي بقهر يرتدي قلنسوة الخَبث بنظراته الغارقة في الصدمة الدالَّة على وصول مَقصدها لعقله..على الرغم من أنهُ وَضَّح بدايةً أن إعلامه بالأمر جاء عن طريق المُوَظفين،لكن غيرتها المُناقضة سَحابة تَوبتها دفعتها لتلبيس تلك و أختها تُهمة نقل الحَدث..،انتظرت منهُ جواب غاضب،عيناها وقفتا على باب عينيه تُناشد اشتداد غَيهباتهما..أرادت أن تصطاد نُفور عِرق عند صدغه و اضطراب تُفاحة آدم في حلقه،لكنهُ عاند رغباتها و تَوَشح بشتائه الرافض أي اقتحام ناري،:و شنو دخل ياسمين بالموضوع ؟
أصابها وابلٌ من غيظ مُحكِماً قَبضته على قلبها و مسامعها تلتهب من نُطقه لأسمها..أجابتهُ بقهر،:العميلة اللي تتكلم عنها ما هي عميلة من الأساس،اخت هاللي دزتك لي "و بسُخرية على نفسها أردفت" ضرتي
تَجاهل أفكارها السقيمة وكلمة "الضرة" تلك ليقول بجديَّة،:ما دامها ماهي عميلة فالأمر ما يهمني "ابتسم لها باستفزاز مُردِفاً" عاد حاولي تعدلين الفكرة السيئة اللي اخذوها عنش الموظفين
أشاحت وجهها عنه ناطقةً بلا مُبالاة،:ما هموني أصــ
انقطعت كلماتها من رنين هاتفها المركون على المكتب..أخفضت بصرها إليه،لم يَكن سوى أحمد الذي وَعدها بالاتصال..تناست وقوفه رافعةً الهاتف لتُجيب بنعومة تعاضدت مع الكلمة التي أفصح عنها لسانها و انغرسا في قلبه المُثقَل من وَجع،:صبــاح الخير حبيــبي
النار التي أحرقت جوفها قبل ثوانٍ اتخذت حَيزاً من روحه ناشرةً أجنحتها الحارقة فوق سماءه المُزَعزعته رياح أنثوية لا تُرَوض..تابعها بعينيه و هي تبتعد عن المكتب تمشي جهته و عينيها على الباب من خلفه..،:ما عليه يا عُمــري اليوم بــ
صوتها المُتنَغم بدلع اقشَعَرَّ لهُ صنوان أذنه و واصل طريقه إلى خَيط الرَجاحة المُحيط عَقله ليقطعه بنصله المُنتثر سُمّه فوق عينيه مُعمِياً بصيرته عن سوء تصرفه..،شَهَقة اخترقت حلقها مُبصِقة أنفاسها المرعوبة من حركته المُفاجِئة.. الهَلَع رَسم خطوطه حول عينيها المُتوسعتين،و رَجفة رَعدية تَلَقفت أطراف جسدها الذي بدأ يغرق في عرقه..تَصَنَّمت بالكامل و كأن فعلته حَنَّطَتها و ألغت عَمل عضلاتها..عُنقها المشدود بصعوبة استدار ليسارها و عيناها الذائبتان من خوف انخفضتا تُلقيان نظرة على هاتفها المسكين..في لحظات استحوذت عليه قبضته من فوق أذنها ليُلقيه بلا تفكير بعيداً حيثُ تَلَقَّاه الحائط بقسوة قبل أن تحتوي الأرض بقاياه المُنتثرة فوقها بفوضى..،
,،
كانت مُنهَمِكة في عملها..تُحاول أن تستخرج إبداعاتِها في التصميم و التي تعلم جَيّداً مدى رداءتِها..ابتسمت و هي ترى هيكل البطاقة الذي صممته في الحاسوب،ليس مُبهِراً و لا يحوي أي إضافة مُلفِتة،مال عُنُقِها و شفتيها تَميلان بتقييم و عينها اليُمنى تَضيق بعدم اقتناع للنتيجة..دَعَكت أنفها بسبَّابتها و هي تهمس لنفسها بضحكة،:ما عليه يمشي الحال
ضغطت أمر بالطباعة بعد أن تأكدت من وضعها للأوراق الخاصَّة التي اختارتها بعناية..،كانت بطائق دعوة لأولياء أمور الطالبات المُشاركات في المُسابقة..نصحنها المُعلمات بإرسال رسالة لهواتفهم أسرع و أوفر "بدل ما تخسرين أوراق و حبر" لكنها لم تستجب لهم،فالرسائل الورقية أرقى و فحواها اهتمام واضح..على عكس الرسائل الهاتفية تُوحي بعدم الاهتمام و الاستعجال "كأني ابي اخلص من الشي بسرعة،مُبتذَل"،و على الرغم من اتقان إحداهن للتصميم إلا أنها رفضت مُساعدتها بحجَّة انشغالها..لذلك لم يبقَ لديها سوى مهاراتِها المُتوقفة عند عُمرها الخامس عشر،المرة الأولى التي استخدمت فيها برامج الحاسوب..،رنيــن هاتفها قطَع مُشاهدتها للأوراق و هي تُطبَع..كان رقماً غير مُسجَّل..و كأنه رقم منزل ولكن مُمَيز ! تَرَدَّدت في الإجابة أولاً لكنها فَكَّرت في أنهُ قد يكون أمراً طارِئاً..،بصوتها الناعم نَطَقت،:الـو نعم
صوت أنثوي مُنتَعِش،:السلام عليكم،الآنسة ملاك معاي ؟
عُقدة تَرَبَّعت فوق حاجبيها..لا تعتقد أنهُ أمر خطير من نبرتها الواضحة فيها الابتسامة،لذلك قالت بهدوء،:اي نعم ملاك،خير اختي
،:معاش بنك "......" مُمكن تشرفينا بُكرة الساعة تسع و نص الصبح
تضاعفت عُقدتها،فهي لا تربطها أي علاقة مع هذا المصرف..تساءلت بحذر،:في شي اختي ؟
بضحكة قالت،:كل خير ان شاء الله،اذا جيتين راح تعرفين
مالت شفتيها للأسفل بتعَجُب و هي تقول بخفوت،:ان شاء الله
أغلقت الهاتف و علامات تَعَجُب تُعَشعش فوق رأسها..لا تتذكر أنها أجرت مُعاملة مع هذا المصرف،هي أساساً لا تعلم بوجوده في المنطقة ! و من الواضح انها ستحتاج لمن يرشدها إلى موقعه..تناولت الأوراق من الطابعة و هي تهمس بحاجبين مُرتفعين و الضحكة تكسو ملامحها الناعمة،:يمكن فزت بالمليون و انا مادري !
,،
الصـوت في ازدياد،و كأنها لم تدفع قُرابة المئتان دينار لتصليحها..لا تستبعد أن تتَوقف في منتصف الطريق لو اقتطعت مسافة أطول من التي بين شقتها و عملها..زَفَرت بغيظ و لسانها يلتوي مُفرِغاً الشتائم على ذاك الذي سَرق المال و لم يُصلِحها..شتائم لو سَمعها بشر لا زالت نقطة حيائه تَتَوسد جبينه لتقطعت أوداجه من فرط صدمته من عُظمها..،تناولت هاتفها المُلقى على مقعد الراكب بيد و الأخرى مُتَمسكة بالمقود بقوَّة حتى لا تنحرف السيارة..ضغطت بعض الأرقام ثُمَّ رفعته لأذنها..ثوانٍ و عبر مسامعها صوته الهامس،:هلا في شي ؟
مال فمها جانِباً من نبرته،بالتأكيد مشغول و تَكرهه عندما يكون مشغول ! نَطَقت من طرف أنفها،:ابي عنوان الكراج اللي وديت لهم سيارتي
،:برسله واتس اب
تأفأفت،:زيــن بسرعة
أغلقته ثُمَّ أنزلته فوق فخذيها..دقيقة و جاءها رده..ألقته على المقعد لتزيد من سرعتها قبل أن تنطفىء الإشارة،عليها أن تنعطف يساراً فالمرأب يقع في الشارع المُقابل..،استغرقت عشر دقائق حتى توقفت أمامه..و قبل أن تترجل من السيارة أحلَّت ربطة شعرها و بدأت بتحريك خصلاته بأصابعها تُوزِع عليه فوضوية تُرضي غُرورها..زادت من أحمر شفاهها و ضاعفت من عَبَقها المُثير كَحَّة من حدَّته..أوقفت المُحرّك و نزلت منها و هي تُثبت نظارتها ذات الإطارين المُربعين على عينيها..دَخَلت غير آبهة بالتحذير المكتوب بلون أحمر مُلفت يمنع دخول النساء،و هي التي تَحَرَّرت من قيود تحذيرات ربها الأعلى التي لم تنعكس من كتابه في عدستيها..تَطَيَّبت و تزَينت لتُقابل رجالاً بهم يُخف ميزان حسناتها ذو الثقب في أسفله و الذي لم تُجاهد شيطانها لسدّه..،
اقترب منها أحد العاملين و حاول أن يكون لبقاً معها،:أختي ممنوع تدخلين اهني،المكان بس للرجال اذا تبين شي اوقفي برا
رفعت نظارتها فوق رأسها ليرتفع بعدها حاجبها المرسوم بدقة،و ببرود نطقت مُتجاهلة ما قاله،:وين صاحب الكراج ؟
بمحاولة تَفهيمها،:اختي والله ممنــ
بحدَّة أعادت سؤالها و محاجرها ألتبسها جليد تَصَدَّى لتحذيراته،:ويــن صاحب الكراج ؟
،:يـاسر شعندك ؟
انتقل بصرها للآتي من خلفه..رَجُلٌ يبدو ثلاثيني،ذو طول مُهيب و ملامح استطاعت أن تستنبط الغُموض المُنحشر بين زواياها..وَقَف بجانب الرَجُل المُحَذّر و هو يمسح أصابعه بخرقة تَبدو مُغرقة بزيت ما يُزيل ما تراكم بين أصابعه من سواد..نَطَق يسأله مُتجاهِلاً وقوفها،:من هذي ياسر ؟
فَتَح فمه يُريد أن يُجيبه لكنها نَطَقت بصوت اغتلظ من شدَّة قهرها..من أسوء الأمور لديها من يتجاهل وجودها،فهي اعتادت أن تكون محط الأنظار و محور الأحاديث،فكيف بهذا الرَجُل أن يتجاهل وقوفها المُلفت..،:اعتقد الـهذي واقفة اهني !
لم يَنظُر لها حتى و أعاد سؤاله على ياسر،:من هذي و شنو تبي ؟
اضطربت عضلة في فكها و شرارات غَضب بدأت عبور عروقها و رغبة في صفعه كانت تُقرقع في صدرها..سَمعت جواب ذاك الياسر،:مادري تقول تبيك
حاجبها اعتلى صهوة استهزائها،:اهــا يعني انت صاحب الكراج "أزاحت نظارتها من بين خصلاتها التي ارتخت تُلامس جوانب وجهها و هي تُردِف"لا ذوق ولا لباقة ولا شغل عدل انصحك تسكر كراجك
حَشَر كفّه في جيبه مُعَقّباً ببروده الطبيعي،:و انا انصحش تستبدلين هذي "و هو يُشير لنظارتها" بوحده للنظر عشان مرة ثانية تقدرين تقرين المكتوب عند الباب "أشار خلفه قبل أن تفتح فمها" مُمكن تتفضلين المكتب ما اعتقد انش تبين توقفين و حوالينش كل هالرجال
أبعدت عينيها عنه باحتقار ثُمَّ تَقدَّمت للجهة التي أشار إليها..استدار هو لياسر بعد ابتعادها قائلاً بزفرة،:شهالأشكال اللي ابتليت فيها !
ابتسم،:يبين عليها راعية مشاكل
ارتفعت زاوية شفته بسُخرية،:انت شفتها شوي وتعطيني بُكس،مشتطة الأخت " تَلَفت وهو يتساءل" وين هاينز ؟ للحين ما خلص جولته ؟
زادت ابتسامته مُجيباً،:شكله للحين ماخلص،تخيل يسأل عدنان من هي كانت اول حب في حياتك
انهى جُملته و انفجر ضاحِكاً من الصدمة التي تراءت على وجه مُحمد الذي هَمَس بنفاذ صبر،:هذا ما يعقل ! مادري متى بتتغير اهتماماته،يبي لي الحق عليه و اعرسه لا ينحرف،عاد ماحصل غير عدنان يسأله هالسؤال ؟
مَسَّ أنفه بظاهر سَبَّابته و بقايا الضحكة فوق شفتيه،:توقعنا عدنان يتفل في وجهه لكن عارض أفكارنا وضحك عليه
ابتسم و هو يهز رأسه،:غبي هالرجال،زين ناده لي بروح اشوف موضوعها
دَلف للمكتب بعد أن شرع الباب بأكمله..كانت تجلس على المقعد عند مكتبه،ساق على الأخرى و قدمها المُستَقِرة على الأرض يرتطم كعب حذائها بالأرضية الرُخامية برتم مُزعج..جَلس في مقعده و هو يقول بنبرة بذل قصارى جهده لتخرج لبقة مثلما تُريد،:آمـري أختي شنو الموضوع ؟
اتكأت بكفيها على المكتب ناطقةً بحدَّة،:قبل اسبوع جبت لكم سيارتي تشوفون شنو مشكلتها يطلع منها صوت اول ما افتحها و اذا جيت بدوس بريك،اخذتون ميتين دينار و ما شفت شي تغير
ابتسم لنبرتها الهجومية الواضحة و اتهاماتها المُبطنة..و قَبل أن يُجيبها دخل هاينز الذي تَعَلَّقت عينيه بها بتفَحص يُثير قريحة مُحمد المُستحقرة هذه الحيوانية..شَزَرهُ بعينيه و لكن ذاك غَمَز لهُ و هو يرفع إبهامه بإشارة "أحسنت" و ابتسامة عريـضة..تحمحم قبل أن يقول بالانجليزية،:مساء الخير يا آنسة
حَبَس مُحمد ابتسامته و هو يرى كيف تجاهلته و رمقته بنظرة لا مُبالية قَلَّصت ابتسامته البلهاء..نَطَقَ هو يُريد أن يُنهي الأمر فلا داعي لإطالته،:من اللي جاب السيارة بالتحديد ؟
بدون تردد أجابت،:رائد سلطان
هَزَّ رأسه بالإيجاب،:اوكــي تمام عرفته،زين ماعليه سلمينا السيارة اللحين و بنعيد تصليحها ببلاش و اذا تبين بنرجع لش الفلوس اللي اخذناها
حَرَّكت يدها بعدم اهتمام،:ماني محتاجة
تناول دفتر صغير و قلم وهو يتساءل،:مُمكن الاسم
مَرَّرت لسانها على أسنانها و أصابعها ارتفعت تمس عُنقها بحيرة..رفع عينيه لها و هو يقول ببطىء مُستغرب،:لو سمحتين اسمش !
أرجعت خصلاتها خلف أذنها و هي تقول بثقة على حافَّة الخوف،:الآنسة وَعد
و هو يَكتب،:وعد شنو ؟
بحدَّة أجابت،:وعد و خلاص
تمتم بينه وبين نفسه،:وعد وعد زين لا تضربينا ! "ناولها الدفتر مُردِفاً" تفضلي سجلي رقم التيلفون و وقعي،اللحين بنسلمش سيارة من اهني عشان تقدرين ترجعين و وقت اللي تجهز سيارتش بنكلمش "استدار لهاينز الواقف قُرب الباب" قُل لهاني أن يُسلمها أي سيارة
وقفت بعد أن انتهت،ثَبَّتت حقيبتها على كتفها و قبل أن تمشي نَطَق ببرود و هو يتراجع للخلف مُسترخياً في جلوسه،:زيــن عالأقل مشكور يعطيك العافية !
أجابته من غير نفس،:اذا جهزت السيارة يصير خير
خَرَجت و من خلفها هاينز الذي هَمَس له قبل أن يبتعد بملامح مُتقرفة،:لا تَصلُح
تقابلا عند الباب مع آستور الذي كان سيدخل لكن خطواته استلَّت الصدمة سرعتها ليتوقف في مكانه دون حَراك بفم فاغر و عينان تَكادان تطفران من محاجرهما..خَرجت كلمة هاينز غارقة في القهر من بين قَضبان أسنانه،:أبــــي
هي و التي تَعَجبت نظراته رفعت يدها باستفسار لتقول،:خير يالأخ شتبي !
حَرَّك رأسه نافِياً و هو ينطق بسرعة و قدماه تُواصلان طريقهما للداخل،:عُذراً عُذراً
واصل هاينز طريقه معها و نظرات والده طَرَقت آثاراً نحتها الماضي في ذاكرته الطفولية..،
،
هُناك داخل المكتب حيثُ تَوَجه آستور لمُحمد ناطِقاً بأمر،:اخرج الملف وافتحه
فزَّ كالملسوع هامِساً بفحيح و وجهه احتكرته يدُ الخشية،:لا لا ليس الآن
اقترب منه هامساً من بين أسنانه،:كُلَّما تأخرنا ستزداد الامور سوءاً،افتحه
كفه تَخلَّلت أصابعها خصلات شعره شاداً بحسرة على ذاته المُصيّرها آستور بلقع لا يتردد فيه سوى صدى ضياعه و انتهاكات رجولته..استدار حول نفسه،يد على رأسه ويد فوق خاصرة الحيرة..لا يستطيع أن يُواجه ذَبحٌ آخر،ليس واثقاً من قُدرته على اجترار أنفاس الوَجع و ارتشاف دماء البؤس و التَيه..،نَظَر لهُ برجاء،:اخبرني ماذا به أولاً
بجُملة واحدة يُنهي بها رجاءاتِه،:اكتشف بنفسك
أغمض عينيه و الكَمَدُ بات ظِلاً لأهدابه المائلة كَمُنحدر ينتظر فَيضُ دمعات شاخت العَين و لم يَرتوي عذابها منه..لا يُريد أن يكتشف هو،ففتحه له يعني التزامه التام بمحتواه..النظرة الأولى على مكنونه ستنهب أنفاسه المُتَجرعة صَخر الخوف من فَقدٌ جديد ينام بين قبور النسيان..،زَفَر و قلَّة الحيلة حذاؤه نقلته للدرج القابع فيه الملف المشؤوم..فتحه و تناولهُ بيد تَلَبسها ارتعاش مُضنِي..جَلَس على المقعد مع دخول هاينز الذي تَصَنَّم في مكانه و هو يراه بين يديه..،
استنشق نفَس عَميق بهِ هو يبدأ حَربه دون جَيشٍ و لا مُعين إلا مارَحِمَ ربي..هَمَسَ و أصابعه استعدَّت لتلوث بقُبح خداع سُيشاركه النوم فوق وسادة تأنيب الضمير..
،:بسم الله الرحمن الرحيم
,،
يتبع
|