كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
تَوكلتُ على الله
،
فَقدُ ذَّات
مَضى إسبوع على خِصامهما،فالثلاثُ أيَّام تضاعفت مُخالِفَةً أوامر كانت فِطرة ذاك عَمياء عنها..اعْتَصَمَ جسده فوق مَقعد المَكتبة الذي عند طاولتها كان لِقاءهُما الأوَّل..ارتدى الملابس نفسها و صَفَّفَ شعره بالطريقة ذاتها..حتى كتاب تلك اللحظة احتضنهُ بين كَفَيه يَدَّعِي قراءة الموضوع الذي قاطعهُ في منتصفه دخوله المَرِح..فَرُبما تَرتجع الدقائق شَبابها مُتَعَرِيَةً من كهولة اضمحَلَّت منها نسائم أفراحها..بعد أن لم يَبقَ سوى وجع الذكرى..،
زَفَرَ ضيقه ليتكاثف ما أفرغه غَيمةً سوداء تُمطِر فوق رأسه وابلٌ من اشتياق يُفَتت خلجاته المُتعَلّقة بذاك اللطيف..شحوب ابتسامة استَقَرَّ فوق شفتيه و وجهه يتراءى أمام بصره المُحَلّق عن أرض واقعه..افتقد مُشاكسته على مدار الساعة،اتصالاته المُتَكرّرة أثناء دراسته..صَخبه الليلي و رفيقاته اللا نهائي عَدَدَهُن..يغفو والهاتف وسادته يرجو اتصالاً يقطع قافلة نومه المُضطربة المسير..و لكن الصَمت ما كان يَرن بإصرار طامِحاً إلى نيلٍ من روح أوْهَنَهَا هَجرُ قرينها..،إذاً هذه النهاية ؟ حَبْلُ الصَّداقة الثخين الرابط عضديهما قَطعته سكّين والده الغامض..و أحالتهما كائنان يتخبطان بين رياح الوحدة الضارب وَجَعُها في العظام..كيف استطاع لسانه أن ينطقها ؟ و كيف أطاع قلبهُ حُكم شرايينه المُستبدة الرافعة أمراً بشد الحصار على علاقتهما حتى يتم التأكد من سلامة الحاضر من ترابطهما الجُزيئي..فذاته تجاذبت بلا مادة مُحَفّزة بذاته البريئة..هو هاينز ابن برلين الأحمق !
،:أيها الشاب
تصافقت أهدابه بخفة أعادت ما استَلَّهُ الألم من وَعي،رفع رأسه لأمينة المكتبة التي وبختهما عدَّة مرَّات..كَبَحَ ابتسامة كادت أن تَتمكن من شفتيه بحَنين و هو يُجيبها بأدب،:نعم سيدتي
ببرود أشارت للساعه الدائرية المُعلَّقة أعلى مكتبها و هي تقول،:لقد انتهى الوقت،يجب أن تُغلَق المكتبة
وَقفَ بسرعة بإحراجٍ تَلَقَّفَ أطراف ملامحه،رفع الكتاب قائلاً،:سوف أعيد هذا أولاً و سأخرج
تَوجه بخطوات واسعة للأرفف العديدة المنتشرة بترتيب حَسب أنواع الكتب،أعاده إلى مكانه ثُمَّ تراجع بالخطوات ذاتها،تَمنَّى للسيّدة لليلة سعيدة قبل أن يخرج دون أن يسمع لها رد أو يرى منها لُطف لجملته اللبقة !
قَصُرَت خطواته بعدما حَطَّت قدماه على الشارع..كفَّاه في جيبيه و رأسه مُطَأطِئاً يُتيح لعينيه إمكانية تَتَبُع بصمات قدميه..عَقله غار في صومعة أفكاره مُعيداً تشغيل مُحَرِّك ألمه لينثرهُ خَدراً على عروقه عَلَّ نوماً يستولي عليه هارباً به إلى مرسى الكوابيس حيثُ الوجع أَخَفُّ وطأة،فهناك الأمواج حسية تهابها روحه و لكنه عنها في مأمن عقله الباطني..على عكس هُنا تحت سقف واقعه،الأمواجُ تَحسس بها حتى أصغر خليَّة في جسده،فهو يتحلل بين جُزيئات مائها مُستسلماً إلى جُرف غرق..،
صوت مُدوي اخترق سُكون الحي المُتَدثر أسفل غطاء السماء في هذا الليل على عكس مركز برلين الضاج بالصخب المُثير دواراً في الرأس..و اختُرِقَ بتوالٍ له الزُجاج الأمامي للسَيَّارة التي كان يمشي بجانبها..تَوَقفت خطواته و غشاء مُشَوَّش غَلَّف عقله و عيناه فاغرتان محاجرهما على الثُقب المُتشعِّر مُحيطه..تَقَدَّم خطوة افتقرت لدهاءٍ لطالما تَغَنَّى به مَن حوله..و قبل أن تُسايرهُ القدم الأخرى ارتدَّ جسده بفزع و عيناه تلمحان للحظات الرصاصة و هي تخترق الزجاج نفسه..رأسه استدار للجهة المُتراشق منها هذا الرُعب المُختبىء أسفل عباءة الليل و عيناه شَدَّ الهلع أطرافهما حتى كاد يَشهد انهيارهما..،سقوط المرآة الجانبية ألهمَ عضلاته بالفرار الذي قبل ثوانٍ استعصى على فكره المعقود بغصن صداقته المُتَهشّم..تَحَفَّزَت قدماه للجري و أنفاسه بدأت بشد الرحال القَسري عن رئتيه،وَقْعُ خطواته و هي ترتطم بالإسفلت أجَّجَ ضوضاء أزعجت سَهر القمر..لهاثه اجترع رياح الليل الباردة..و اضطراب بؤبؤاه اجتذب لَغطاً التقطته أعْيُن الأشجار الشاهدة على خوفه..،الصوت بدأ يَخفُت كُلَّما ابتعد،هو بلا عنوان كان يجري و بَوْصلته انعكس اتجاهها لتُلقي به عند نهاية الحي،بالتحديد الطريق المُؤدي إلى مركز المدينة حيثُ هُناك غاب الصَوت..و دون أن يقف ليرتشف كأس راحة استدار لينحرف في أحد الأزقَّة القريبة،فهو و لله الحمد قد اكتشف مُسبَقاً أربعة طُرق تُؤدي إلى شقته..،
استغرق ثمان دقائق حتى أصبح أمام بابها،أخرج المفتاح من جيبه و رجفة عظيمة استكانت بين أصابعه منعته من السيطرة عليه ليسقط عند قدميه..انحنى بسرعة ليرفعه و هو يتلفت يُمنَةً و يساراً بخشية نضحت من عينيه..،
فتحه ثُمَّ أغلقه بسرعة فائقة بعد أن دخل لتنهار قواه التي وقفت على قمَّة الموت قبل دقائق..اجتذبته الأرضية و أنفاسه التهمتها حِدَّة جَرَّحت حلقه المُنكمش ريقه المذهول..يداه تلقفتا بهوت ملامحه مُمَرّراً أصابعه على وجهه لتتبلل بعرقه المُتسرب من مساماته عابراً طريق الكوابيس..استَقَرَّت يداه حوْل عُنُقِه و انشداه ابتلع بصره المُتَصنِّم على الفراغ..
أمُستَهدف هو ؟! أم أنَّ إطلاقاً تجاوز الخَمسُ رصاصات أضاع طريق ضَحِيَّته ؟!
،
الجزء الرابع و العشرون
ماضٍ
التقطت الحروف بلسانها،مضغتها مُتَذوّقة سُكَّرها المُغلِّف عقلها المُراهق،ابتلعتها بتَلَذُذ أسكرَ حواسها،أذابت جُزيئاتها بحمض معدتها المُصطَبغ بلون زَهري أفرغتهُ سَحابة بيضاء تُسمَّى بالحُلم..،أطلقت تنهيدة أغرقها عسل غير مُصفَّى نَضحَ من الصفحات و يدها ترتفع تُعانِق خدَّها الغافية فوقه خيالات قد تُحيلها كائناً لا يُمَيز واقعه..أغلقت الكتاب ذو الغلاف المطبوع فوقه صورة لخيال رَجُل يُقَبّل امْرأة على أعتاب التلاشي،قُبلة أسالت لُعاب قلوب المُراهقات الطامحات لحُب محشور بين الكلمات..و لنكن مُنصفين فلُعاب النساء اليتيمات من رَجُل مهما كانت صلتهن به يسيل قبل المُراهقات ..و هي التي وَرثت الأسباب كُلَّها لتَلد نتيجة مطموسة الأطراف تُبَرر انجرافها..يَتيمة من وجود أب أنفاسه لا زالت تُشارك الطبيعة عَملها،مفقودة العضيد المُغادر إلى أرضٍ لا تدري هل هو مُتَوسّد جوفها أم مُتَوسّد عاداتها التي أغشت روحه عن دموع نَحَتَهَا الاشتياق بين طيَّات ملامحها..، ؟ رفعتهُ إلى صدرها،تُطبطب بهِ على قلبها المكسور الجناحين،مُصَيّرة أوراقه البيضاء ضماداً لجراحها المكشوفة،و الحروف غُرَزِها الغازلة خيوط بَوحِها بين عتبات النزيف..،شُرود أحكم عُقدته حول بصرها و الرؤية تُصَعّر أمنيات اجتذبتها حبال روحها المُتَلَهفة لبضع اهتمام..لابتسامة و تربيتة كَتِف،لقُبلة على جبين الأنوثة المنزوعة الثوب..ذاك الثوب المجدول بسعف نخلة باسقة قَصُرَ ظِلُّها...،موجات أصوات مُتَفَرِّقة ثَقَبت البؤرة المُتَكدَّسة فيها أحلامها المنتظرة رفَّة ريح حانية تُسافر بها إلى مدينتها الفاضلة..حيثُ الفَقد لا يغفو على صفحات قاموسها السحري..،استلَّت أهدابها ضوء الواقع لتبتلعه عدستيها التائهتين،أدارت رأسها للواقفات على يسارها و الابتسامة زينة وجوههن و غمزاتٍ و همسات تتناقل بينهن..بادرت بردة فعلها مُقَرّبة حاجب إلى الآخر،تساءلت بخفوت،:شعندكم ؟
ندى التي كانت أقربهن إلى روحها،دنت منها تُشاركها الجلوس ناطقةً باتساع ابتسامة،:اول شي شنو تعطيني مُقابل الخبر ؟
مال جسدها جانباً مُستَقِرَّةً بكوعها على الطاولة و راحة كَفّها تحتضن وجنتها اليُمنى،بمُسايرة قالت،:اللي تبينه
حاجبيها باغتهما اعتلاء و هي ترى كيف أَعَدْن النظر لبعضهن و ضحكات هامسة تُغادر حناجرهن،تساءلت بفضول،:شنـــوو ؟ شصاير ؟!
نَطَقت ندى بعد أن تَمَسَّكت بكتفيها بطريقة أوزعت تَعَجُّباً في نظراتها،:يوم الأربعا
قَطَعت كلماتها ضامةً شفتيها للداخل تُكبِح ضحكتها،قالت هي بقلة صبر،:اييي شنو في يوم الأربعا ؟!
أطلقت غَيثها الناضج إلى طوفانٍ غارق بعد زمن،:أحمد راضي بيحضر المدرسة،داعيينه قسم العربي
,،
حاضر
،:قلت لك أبي السرير في هذي الجِهة ليش تعاند ؟
نَطَقَت بجملتها ثُمَّ أستَقَرَّ ظاهر يُمناها على خصرها و هي مُتَقَدّمة بساقها التي تهتز بحَنَق..اقترب منها شادَّاً شفتيه بابتسامة هَدَفُها القضاء على غضبها..بلُطف قال و كفه احتضنت كَفَّها برقَّة،:حبيـبتي مو قصدي اعاندش أنا قلت لهم مثل ما طلبتين،بس شفت إن الغرفة تصير ضيقة بهالطريقة،فقلت لهم يغيرون الترتيب
نَفَرت يده لتعقد زعلها على صدرها،و بحاجب مُرتفع عَقَّبت،:زين خليتني اشوف قبل،يمكن يتراوى لك أنه ضيق
زَمَّ شفتيه للداخل مما أوضح من غمازتيه و خطوط صغيرة امتدت عند زاوية عينيه من تصغيره لهما و هو يقول بمُجاراة،:ما عليه يا عمري ولا يهمش اكلمهم يجون يعيدون الترتيب من جديد،تامرين بشي ثاني بعد ؟
ضيقه السابح في مُقلتيه خَطَفَ نبضها..جَلِيٌّ و جداً وَقعُ كلماتها المُفتقرة للذوق عليه..بَلهاء هي، لا تَسكُن قريحتها العِنادية إلا بإفساد الأمور..لا يُهم في أي زاوية يستقر السرير،الأهم أنهما سيجتمعان في غُرفة واحدة قريباً..لا داعي للهُراء الذي بَصَقهُ لسانها المُحتاج أن تبتاع من اجله فرامل تَحَكُمِيَّة تستطيع بها لجم سفاسفه..،مَسَّت خدها بطرف سَبَّابتها قبل أن تنطق بتردد،:خلاص ماله داعي
هَزَّ رأسه يُعاكس كلماتها و هو يُخرِج هاتفه من جيبه قائلاً،:لو الوقت مو متأخر اتصلت لهم،بس باجر الصبح بكلمهم
اجتذبت ذراعه بكلتا يديها قبل أن يستدير و التصقت به هامسة بنعومة بــالغة مُوزعة فيضاً من نظرات رقيقة،:خــلاص حبيبي انسى اللي قلته
حاجبه اعتلى و هو يقول طارقاً وَتَر كلماتها قبل قليل،:لا بكلمهم احسن من ما اعاند
اقتربت طابعة قُبلة على خده القريب قبل أن تبتسم بحلاوة أودعت ابتسامة على شفتيه..نطقت،:خلاص آخر مرة اقول هالكلمة آسفة
بَلَّل شفتيه ثُمَّ نَطق بنبرة مُلتوية حَفِظت مكنونها الأعوج غَيباً،:بنشــوف
اتسعت ابتسامتها بطريقة طُفولية أضحكته..قاطع خلوتهما طَرق الباب الخفيف..التفتا إليه ليُبصِران رأسها المُطِل من خلف الباب
،:هَلــوو يصير ادخل ؟
تَركت خطيبها و هي تتقدم إليها بابتسامة مُحِبَّة،:أكيــد جنان تعالي دخلي
استجابت لها و هي تُقول بنظرات ترنو بخبث لأخيها،:بعض الناس قالوا ان ممنوع ادخل قبل العرس
استدارت له بدهشة،:عــلي !
اعتلت ضحكته قبل أن ينطق بدفاع،:امزح يا بنت الحلال "أشار لها بيده مُردِفاً" تعالي تعالي أختي العزيزة تفضلي
تَرَكت هاتفها على "التسريحة" مُتَقَدّمة بخطواتها داخل الغرفة..عيناها تتَحركان ببطئ على الأرجـاء مُتَطَلّعة بدقة على تفاصيل عُشَّ أخيها و ابنة خالها الزوجي..الجُدران بيضاء،ازدردت ريقها بغَصَّة فالبياض ذاته طُبِع فوق جدران غُرفتهما المَنسية وسط ضباب لندن المُستَل عَبَق الروح..أرجعت خصلات وهمية خلف أُذنها تُحاول بهذه الحركة إرجاع سيل الماضي إلى جُحره المُظلَم..واصلت تَطَلُّعها دون أن تنتبه لأنظار جـود المُتَفحِصة لها..كانت ترتدي فستان بيتي بسيـط،أبيض إلى رُكبتيها و يكشف عن ذراعيها،يزيد اتساعه عند الصدر المُطَرَّز بقطعة دانتيل أنثوية..البياض تضاد مع رمال جسدها الذهبية ناحِتاً وَسماً سِحره يُذهِل بَصَراً بات الارتشاف من خَمرِها مُحَرَّماً عليه..شَعرها مَرفوع بِأكمله حتى قِمَّة رأسها كاشِفاً بدر وجهها الواضحة آثار سَهر البُكاء على سطحه الأملس..،
نَظَرت لهما بابتسامة صادقة و انبهار يتراشق من عينيها،:ماشاء الله تجنن الغُرفة،الجناح بكبره جميــل ذوقكم عجبني،الله يهنيكم يـارب
بادلتها جـود الابتسامة و هي تقول بسعاة عانقت صوتها،:حبيــبتي تسلمين والله
نَطَق عَلي،:تعالي شوفي غرفة الملابس
و مع تَحركهم ارتفع صوت رنين هاتف جـود التي تراجعت لتُجيب عليه..كانت والدتها تَستفسر عن موعد قدومها فالساعة تجاوزت العشارة و النصف..طَمأنتها و أخبرتها بمجيئها القريب..أغلقته مُخفضةً إياه على "التسريحة" قُرب هاتف جنـان الذي ألفتها ضوؤه..و بفضولها النامي بلاءً في ذاتها تناولته بخفة و عينيها على باب غُرفة الملابس التي يَصلها منها صوتيهما..أرجعت أنظارها للهاتف الذي عاد ضوؤه..كانت تنبيهات "واتس اب" فحوى كلماتها فَغر فاهها بصدمة غَلَّفت عدستيها..ارتفعت أنظارها لخيال ابنة عمَّتها بعدم تَصديق..أَيُعقَل ؟!
بُسرعة أرجعته مكانه و هي تنتبه لصوتهما يقترب..ثوانٍ و بانا لها.. عقدت ذراعيها على صدرها و ابتسامة مُرتَبِكة تستقر بين ملامحها المُنطوية تجاعيد الصدمة بين تقاسيمها..رَشَّحت صوتها من كَومة ما قَرأت مُتسائِلة،:ها عجبتش ؟
أجابت بحاجبين أرفعهما الانبهار،:أكيــد،ذوقكم بيرفكت حتى الحمام يغري للإسترخاء،عليكم بألف عافية
كان الرد منهما،:الله يعافيش
تَقَدَّمت للباب خارجةً و هي تقول،:يله تصبحون على خير
نَبَّهتها،:تيلفونش جنان
استدارت للموضع حيثُ هاتفها يستقر..التقطته بأصابعها و هي تضغط الزر بتلقائية ناطِقةً،:لو نسيته محد بيقومني الصبح للدوا
قطعت كلماتها و هي تُرَكّز في الشاشة و عيني جـود تلتهم ردَّة فعلها..رفعت رأسها مُعيدةً جُملتها بابتسامة أطرافها مُتَهَدّلَة بارتعاش،:تصبحون على خير
،
فصلت النظرات إلى قسمين،واحدٌ ينحني بتنبيش بين تقاسيم أختها و آخرٌ يلتوي على وجه أخيها و الذي كان يُشارك أختها الوادي نفسه..يُحاول بتجسسه الظفر بإجابة لهذا التَبَلُّد المُرتَع على حياتها..،
هي تلك الفريسة الوَهنة المُنطوية بوجع بين يدي التَيه الماطر عليها بحيرة تشدقت سُخريةً على حالها البالي..تَتَقلَّب على جمر الماضي،ينسلخ جلدها و طريق الحق غَيرُ آتٍ،تعود و ترتدي جلداً آخر تُريد به امتصاص دواء يُوقف نزيف دماءها الفاغرة جراحها أبوابها لتلتهب مع انتهاء كُل دقيقة..،
قريباً ستُضاف سنة على الفقد،و سيبدأ موسم جديد من الاقْتيات على الأسَى،موسم البُكاء و غسيل الخدود المَيِّتة من نَوح..،تنهيدة تَربَّعَت فوق صدرها تُواصل ارتشاف إكسير روحها تاركةً جسدها كائناً رخواً يتخبط بين أمواج الذكرى..مال رأسها على رُكبتيها المرفوعتين مُستَمِرَّةً في جَرِّ أبيات نعيها المسفوكة حروف كلماتها..والدها بدت لها ثقته اليوم بعد ما نَطقهُ من كلمات،صدره الذي احتواها بحنان وَشوشت لها نبضات قلبه بأمرٍ يَتَخَفَّى خلف عزيمته..استثقلت السؤال،حقيقةً هي خَشيت أن تصلها إجابة تُضَعّف من حطب نيرانها،لذلك انتبذت زاوية الأمان..علَّها تفوز ببضع أنفاس على قيد الحياة..فلقد سَئِمت من نقل توابيت أنفاس منحورة..،قطعت عدستيها طريقهما المحفوف بصخور البؤس و هضاب اللوعات لتصطدم نظراتها بعيني أخيها الذي ابتسم لها بحُب استنبط عِرقها الأخوي هاجسه..شَدَّت شفتيها و هي تقف،لا تدري هل كانت الشدَّة ابتسامة أم ميلانٌ مَرير..هَمست بخفوت مَبحوح،:تصبحون على خير
تركتهما مُتوجهة للأعلى دون أن تُنهي فيلم السهرة الذي اقترح فيصل مشاهدته..هي أساساً لا تعرف اسمه و لم تُتعِب عقلها للتركيز في أحداثه..،
تلك عندما تأكدت من اختفاء نـور اقتربت من فيصل الذي يُشاركها الأريكة و على صدره تغفو صغيرته..نظرت لها بابتسامة و هي تقول هامسةً،:تشبه أمها
حاجبهُ الأيسر عَلَّتهُ السُخرية و الأيمن ارتخى ينتظر غباءً تنثره على مسامعه،رفعت عينيها إليه و أصابعها تعبث بأطراف خصلات جنى،هَمست و بصرها مشدوه للنظرة التي ستنعكس في عينيه بعد ما ستنطقه،:اليوم شفتها في بيت عمي
أخفض حاجبه و تصافق رموش باغت عدم الاهتمام الذي اصطنعهُ ظاهره،أبعد عينيه لوجه ابنته هارباً عن خيال تلك القاطع خُلوة بصره،و لكن أسفاً استعرت نبضاته و هو يرى انعكاساً مصَغَّراً لها..بين أحضانه..،
أكملت بذات الهمس و النظرات نفسها،:وجهها كان تعبان بشكل واضح
عيناه احتواهما اهتمام لم تكتمل دقيقة من ادعاء عدمه،أزاح ما تراكم من غُبار الصمت عن طبلة أذنه ليستقبل صيوانه كلماتها التي جعلت وضعها الغريب في المصعد يحوم مُجدداً فوق رأسه..تركت أصابعها خصلات ابنته..عقدت ذراعيها على صدرها و لسانها بتردد بَلَّلَ شفتيها،انتفخ خديها من زفرتها المُرتعشة،نطقت و قلبها زارهُ في لحظة عشرات ردَّات الفعل التي قد تصدر منه على إثر ما ستُفصِح عنه،:اعتقد انها على علاقة مع واحد
شَدَّت على ذراعيها من عِرقاً نَفَرَ عند صدغه..تَجَهُم استولى على حواسه و عدستيه لوهلة شعرت أن غيهباتهما ستبتلعها..ازدردت ريقها مُواصلةً،:كان تيلفونها قريب مني،شفته كاتب لها حبيبتي،يسأل عنها انا انصدمت الكــ
قاطعها بهمس لهُ حدَّة السيف المسلول للنَحر،:ماله داعي تكملين "يده تأبطت ذراع ابنته ليرفعها على ظهره حاملاً جسدها الصغير و هو يقف مُردِفاً ببرود منبعه تكهرب من شرارات" الله يهنيها
عُقدة استنكار قَرَّبت ما بين حاجبيها و هي تقول بصوت انحسر هَمسُه،:شنو الله يهنيها ؟! اصلاً غلط انها تكوّن علاقة بهالطريقة،حــرام
سُخرية أمالت شفتيه ناطِقاً،:عقلها في راسها و تعرف الحلال من الحرام "رفع إصبعه بتحذير تراشق من عينيه " مرة ثانية لا تجين تكلميني في اي شي يخصها،ماتهمني
بَصق آخر كلمة تحت قدميها و ابتعد داثراً لَمحة الاكتراث المنقوشة برمال صحرائه أسفل جفنيه..،مَسَحَت عن وجهها شذرات الأسى و زفرة انطوت عشرٌ من الحيرات امتزجت بصمت الفجر..استقرت يديها خلفَ عُنُقِها و أسئلة تنعق في صدرها..أهي الوحيدة التي ترى أن كل واحد من هذين الاثنين يرقص فوق جراح الآخر على موسيقى الحُب المشنوق ؟! ألا ترى بصيرتهم كيف أن الفراق أنبت علقماً في تُربة روحيهما حتى باتا يُثمِران بؤساً لا نهاية لمُدلَهمه ؟! سقطت يديها في حضنها بقلة حيلة..فمن ذا الذي سيُعينها على عَقد وثاقهما المفصول ما دامت قُلنسوة العَمى تُغشي حُجرات قلوبهم..؟
,،
ذبحٌ غار في الروح سافِكاً وَحلٌ من دم لَطَّخ بدايات الأمل المُرفرف بوهن على شُرفات الحب المستحيل..ذَبحٌ خَنَق هديل الفؤاد و فَجَّر ارتعاشات اغتصبت خلاياها،شَمسُها المُتَطَلِّعة لغدٍ أشاحت ظهرها لمُستَقبلٍ ربيعه آتٍ حتماً و لكن بعلقم ثمار و عَفن زهور،فالأرض ستخلع رداءها الأخضر مُتَوشّحة بثوبٍ مُتَفَحّم حِداداً على موت الآمال اليانعة التي أجهضتها الحياة قبل أن يُعانقها شعاعها المُنحني اعوجاجاً..هي حبيبة الماضي الأبي،ذاك الزمن المُجَمِّد عقارب ساعتها الأثرية عند تلك اللحظة التي احتضنتها فيها الابتسامة قبل أن ينهبها الأسى بيد الحاضر الكئيب..،اجتذبت أطراف سترها فاصلةً عُيون الليل عن فضائحها..حيثُ قُبلات بُصِقَت بقسوة فوق خارطتها المغصوبة..اجتذبت ما احتفظت بهِ الغُرفة من هواء لتختنق بغُبار الساعة الماضية..،بجَرارة من تَمَّ نَحرها ؟ أبالصَبر ؟ ذاك القَيد المُعاند هَرباً بدأ يَنمو في خَلجاتها..ألِأنَّها اعتنقت الصَّبر نُحِرَت ؟ اقتاتت على مبادئه،اندمجت مع أحكامه و سارعت إلى تلبية أوامره..نَهَرت صُراخ ثَقَبَ طَبلتها،واجهتهُ ببرود العالم و رَفعت حاجب الثقة المشروخة..ظَنَّت أن سذاجتها،حُسن نيَّتها و حُبَّها الجنيني قادرون على هَلك صوامع العدو و الإستحكام على أراضيه لتُتَوج مَلِكةً على عرشه الأصعب..،
يَمينها شَرَعت أبواب خطوطها لتَصُف بَوح جَسدها فوق راحتها المُنهَمِكة في شَق طُرق ما تَبَقَّى من أنوثتها..استقبلت حَنَّة ذلك النَبض المسجون بين عظمتي ترقوتها المُلتَهبتين من وَقع بصمات شفتين كان السُم سُقياهما مُنذ الطفولة..و أمسى جَسَدها أرضاً لاستفراغها القاتل..،
استكانت قافلتها فوق الموضع المُنتَظر غِسل مَوت و طَيُّ كَفَن..فالقَبُر حَفَرته صَفعته ليلة بزوغ قَمر عُمرها..ليلة البياض و ابتسامة الخَجل،ليلة النوم على السَحاب و الاندماج الروحي الذي أضحى تَفَكُّكاً قاري لا صُلح يُعيد تجميع حُطامه..فلا ارتجاع في الموت...،
أصابعها استعانت بما بَقِي من دفئ يتنفس ضاغِطةً من فوق الغطاء على الموضع ليُحَفّز ضَغطها حَرَكة الدموع المُتراشقة من تَوَرُّم محاجرها..تَمَنَّت أن تُمتَلك أرضها بلَين و هَمسٍ مُحِب..تَمَنَّت قبلها صلاة تحملها على أجنحة العَيش الرغيد،و قُبلة على جبين الخَجل تَعقِد حَنانها لؤلؤاً حَوْل جَيدها..لَكَن ماضٍ امتزج بروح جَلَّادها ألقاها صريعةً فوق تراب القسوة و الشراسة..فلا قُبلة و لا دُعاء عند القنوت..،شَهيقٌ صَيَّرَتهُ اللوعة عَبرَةً اخترق حنجرتها الذائع صَيت صَمتها بين شَعب السماء،صَخب الصَمت زَعزع سَهر القمر و قَطَع مَسار النجوم..كُلَّهم كانوا شاهدون على موت الحروف في صدرها..و كُلَّهم كانوا مُشفقين على قلبها من اختناق يُلَوّح بسيف الظمأ...فعَطَشٌ كان حَصيلتها من صمت فاتهُ الإشراق...،ليتها و ليتها و ليت..و لكن ما الجدوى من نَدَم تَقَطَّعت أصابع الحياة من فَرط عَضّها حتى استحالت العَودة إلى سَكينة ما مضى ؟!فلا الحِبر يَترك نَوم الوَرق و لا "نَعم" يلتقطها لسان تَمنَّى لو رفض..،ناشد رأسها يَمين كَتِفها،لَطمت وجهها ذرات الهواء الباردة المُندَفعة من فم المَكَيف..تَطَلَّعت للكتف الأيسر لتنحشر فجائع وجهها وسط قماش وسادتها المُرمَد من حريق عينيها..و مابين اليُمنى و اليُسرى غَفى عِطره ليُمارس تَعذيباً من نوع آخر،و مع اصطدامه بأنفاسها يرتفع صوت الانكسارات و تَهفت أصوات الآمال..،احتقار فاض من صدرها غارِقاً ملامحها العوجاء من تَصَلُّب الكَمد بين طَيَّاتها،احتقرت جسدها الذي و رغم الإهانة لا زال يَتَقَلَّب فوق جَمر جحيمه
شَدَّت بارتعاش على سترها يد عند صدرها و الأخرى امتدَّت للخلف تُوَشّح ظهرها المُتدثر نصفه أسفل خصلاتها الناحبة..أصابع قدميها لامست الأرضية لتجتذب خلاياها برودتها التي صَفعت ما اشتعل من نيران في جوفها و استَقَرَّت بعنف جبل جليدي صادةً طبول حرب نبضاتها..،
،:قلت طلعي
أصْمَتت أنين أنفاسها و همسهُ المُتَدحرج على عتبات الندم اقشَعَرَّ لهُ جلدها..أكمل بهمس ارتفع فوق ناصية القهر،:قلت روحي قولي لهم ابي اتطلق،ليش عاندتين ؟ ليـــــش ؟!
كان رأسه يسكن راحتيه و ظهره كَسرهُ انحناء بفأس فعلته..كيف احتضنتها ذراعاه بشراسة كُلَّما عادت ذاكرته لرش ملح التأنيب على ضميره استحقرها و زاد نمو بغضه لذاته ؟..،ضغط بأصابعه عاصراً رأس في جوفه قُطعة خردة بالية غير صالحة لاستعمال دَنيوي..تفتقر للحدود و المعايير..و يتيمة من اتزان يُصَيِّره كائناً طبيعيا يُواصل يومه دون أفعال شاذَّة..عيناه أخنقهما ظلام تُبصِقَه أجفانه علَّها بغَياهبٍ تبتلع حقيقة واقعه المشؤوم..،
،:كان من أحلى أيَّام حياتي
تَصَنَّم أسفه لتنصَّب جُلَّ حواسه نحو سيلها المبحوح..الغريبة بدايته !
ببحة امتزج فيها الألم بالغصَّة،:عشان أكون صادقة،كان أحلى يوم في حياتي..ما اذكر اني فرحت مثل ذاك اليوم،أو يمكن فرحت في طفولتي أكثر بس ذاكرتي ماتسعفني
استنشقت نَفس عميــق تَحلَّلت أُكسجيناته في جوفها بوَجع كاد يُحَطّم جسور قفصها الصدري،أكملت بحروف أسقمتها الرعشة،:كنت طااايرة و احس مع كل نفس اتنفسه اعيش عمر جديد،قلبي متفاجىء مو مستوعب الخبر حتى نبضه كان يتخبط من صدمته !
كَتِفَها ارتفع بعد أن أحالهُ نُضوبها كَفُّ حنان تُطَبطب على خدها إشفاقاً..نَطَقت بابتسامة عَقَدها الأسى ليفصلها إلى نصفين،نصفٌ مُلتَوي بهضيمة و الآخر قَوَّسَتهُ نسائم الذكرى الحالمية..،:يُوسف أخو ملاك خطبش
هَزَّة زلزلت مَوجات صوتها المخنوق في بحر ظُلمته،ارتطم تسريب عينها المثقوبة بأشواك الحُب المُتَعذية جذوره على تُربة قاحلة و سُقياها غَضَب غيمٍ أسود أسكنتهُ رياح خَفِيَّة سَماؤها أكملت،بوجنتيها الباليتين،:ما صدقت حـ ـزتها،يوسف الا طول عمري كنت استحي ارفع عيوني لعيـ ـونه من هيبته خطبني ؟!
ضحكة بمرارة اللحظة باغتت حنجرتها،:لو ما الحيا قلت لها في نفس الوقت موافـ ـقة "أسبرت نظراتها أغوار فراغٍ مَضى دون أن يُلَمِّح لها بسراب براكين لتنجو قبل الانصهار،أردفت و زَهرُ أنوثتها يذوي مع نُطقِها" ما كنت أدري باللي ينتظرني ورا هالموافقة
عيناه مُلتصقتان بلا حراك برأسها المُشيح عَبرة وجنتيها عن قَسوة بَصره..أسنانه تُمارس احتكاك يترك أثراً ليس بهيّناً على سمعه المُتراشقة عليه أسهم بَوحِها..،
مال رأسها يميناً و كتفها الأيسر يرتفع لصهوة التَيه،:ما اقدر اقول اني كنت أحبـ ــك "شَهقة ثَبَّطت نشاط كلماتها المهزوز" بــ ـس كنت انسان مو عادي بالنسبة لي..ليش مادري ؟! "باطن يدها اجتذبتهُ غَصَّات حلقها لتَردف بتقطُّع" لكــ ـن كل اللي سويته فينـ ـي وآخرتها اللي صار الليلة قاعد يحارب هاللي يكبر داخلــ ـي
انفَكَّت عُقدة أصابعه ليتناثر ما انطوى من عَبَقِها بين يديه في حفرة الندم السرمدي..استجاب نبضه لحروفها المعقوفة باضطراب و أبواق حَربٍ اعتلى زعيقها بين حُجرات قلبه الصخري..،إذاً لم أكن عادياً بالنسبة لروحكِ البريئة ؟! و بين ضيق حروفك أرى أنني "اللاعادي " لازالت محشوراً..و إن لم يكن حُب ذاك الذي تراشق على قلبكِ العُذري
فها أنا ذا جنينٌ على أعتاب الماضي مُلقى لقيطاً لم يُسقى من ثدي العشق،أهفو إلى امرأة تنتشلني من قعر هذياني و تُوزِع على أرضي غيثاً لا ينضب منه رحم سُحابتك الزهيدة..امْرَأة تتلقفني بكفيها راسمةً بخطوط راحتيها خارطة ذاتي الضائعة في جسد الطفولة المُغتَصبة براءتها،حيثُ الدماء كانت أحلامي و القتل لُعبتي..،امْرَأة أرى في محراب عينيها انعكاس سُكون عُمري و شِفاء فؤادي..أهدابها غُرز تدمل جراحي و عدستيها نهرٌ عَذبٌ سال بين أوطاني..،أريد امْرَأة تَلدني كائناً بقلبٍ قُطني لم تُعَفّن جواه أضغاث ظُلمٍ و انتهاك..امْرَأة إذا ما زار النوم عيني كانت محاجرها مَلَكٌ يَحرُسني..،
وَقَفت بعد أن استفرغت ما تَراكم لثلاث سنين فوق أنفاسها..فليعرف قلبهُ أن صولاتٍ و جولات احتُدِمَت في صدرها مُنذ اللحظة الأولى التي اقترن فيها اسميهما نُطقَاً..فَيُوسف العلم الأعجمي يشتد سَواد ظُلمِه وسط بياض قلب أُنثاه الهَش..حُــور المائل ظِلَّها من انتظار عند نَهر العشق المَوْحِل..
،:تدري ليش عاندتك ؟
ارتطم نَبعُها الفائض بجفاف مُحيطه المالح،ناطِقَةً بإيضاح فَحواه تَجُرَّها للهلاك،:ندمك النايم على رمشك هو اللي مَعلّقني بسماك..يمكـن في أمـ ــل !
,،
أسنان فرشاة الشعر تنحشِر وسط خصلاتها المُبَلَّلة بقسوة ابتاعتها من يدها المُحتَكِرة بُضاعة القَهر المُهلَكة في خزينة ماضيها المنتَهية صلاحية مكنونها..تلك الخبيــثة بنظراتها الماكرة، ابتسامتها المُنطَلِقة من فوق مُنحَدر التَشَفّي و حروفها المعقودة نقاطها بعلقم سَمَّم حُجرات قلبها المَضني من حقيقة لا زالت مُستَمِرة في شرخ ثقتها..،أخفضت الفرشاة لتتراءى لها بضع خصلات سقطت مُنقَطِعة الحياة من همجيتها المُناقضة نعومتها الفطرية..ألقتها على المنضدة بإهمال و زفـرة مُحَمَّلة بجَلبة مشاعر فَرَّت من فَوَّهة شفتيها المُتَشققتين من فرط تعذيبها المُقاد بحملة أسنانها المتوترة..،من الذي أخبرها ؟! قَبَضت يدها برجفة و صوت تلك بنشاز ثَقَب مسامعها
،:البلد صغيرة الخبر ينتشر في ثواني
هَمَست بكُره تَمَكَّن من صوتها،:حقيــرة
تَعلم أنَّها ستتخذ هذا السر المدفون في جوف روحها ذريعة تطلقها من مدفعها المُستَهدِف زواجهما..مُتَيَقّنة مثلما أنَّها مُتَيَّقنة بعُمق جراحها أن و لا واحدة منهن تُريد لهذا الزواج التَكَلُّل بتاج الاكتمال و الحياة البَهِيَّة..هي و يا للغرابة شريكة لَهُن في هذه الإرادة..و لكن ليس بشرخٍ جـديد..تُريد أن ينفك العَقد القارن اسميهما برضا هي واثقة من قُدرتها على تمثيله..و لكن هُو..ذاك الذي في شهر قَرأت في عينيه ألفُ مُعَلَّقة تستهل أبياتها بغَزَلٍ مُصَفَّى لها هي وحدها..غَزلٌ لو كان مَودوعاً في جوى أُنثى غيرها لشَكَّتهُ قِلادة تَفخَر بارتداءها حَوْل عُنُقِها،تَتَباهى بصبابته النَقِيَّة أمام الناس..،ابتسمت بمَرارة و هي ترى انعكاس صورته في المرآة،كيف في شَهر نما الربيع في قلبك ؟! هل الحُب صَيداً سَهلاً على قنَّاصك ؟!
تَبِعَتهُ عينيها و هو يتوجه للسرير بعد أن أنهى استحمامه و ارتدى ملابس نومه..التقطت أسنانها العلوية زاوية شفتها من الأعلى و أصابعها سَيَّرها التَوَتر داعكةً باطن يدها..هذه المُشاركة لا تُحَبذها..فجلدها فَقَد قدرته على التَجدد و بات صريعاً بين يدي أنفاسه النائمة في مهد الطفولة البريئة..أرجعت خصلاتها خلف أذنها و هي تقف مُتجاهلة طيف ملامحه المُلتَبسة كَسل النوم بإغراء،واصلت مُتابعتها له..يرفع الغطاء عن السرير برأس مُنخَفض لهاتفه،جلس بساق مثنية و الأخرى ممدودة باسترخاء..اقتربت و التردد حذاءها،أصابعها تُحيكان بتشابك خيوط يغزلها الارتباك..رفع رأسه بعد أن وضع هاتفه على المنضدة قُرب السرير..تساءل و هو يرى استقرار مُقلتيها عليه،:تبين شي ؟
ارتفعت ذراعها لتستكين راحة يدها خَلفَ عُنُقِها تُتَرجم ما تراكم بين حواسها..ببحة نَطَقت،:لا بس مافيني النوم قلت بطلع برا اسهر اذا ما كان يضايقك
ابتسامة جانبية أمالت شفتيه و أمالت عضلة في فكَّها استشعرت استهزازاً مُستَفَز..ببرود أجابها و هو يضجع مُرخِياً ذراعه على عينيه،:اخذي راحتش،تصبحين على خير
انتظر منها جواب لكن لم يصله سوى صوت الخواء المُبتلع الغرفة..رفع ذراعه قليلاً مُمَيّلاً رأسه بخفة يستفسر عدم ردَّها..اصطدمت جوارحه بأضلُع القَهر المرسومة على ملامحها،يبدو أن نَبرته مَسَّت عِرق الكبرياء الأبي..ادَّعى عدم الاهتمام و هو يتساءل بهمس،:في شي ثاني ؟
نَفَثت نفس ارتطم ثقله بصدره قاصداً قلبه ليُوزع تأنيباً بين شرايينه..لكنهُ تَصَدَّى له بما تَبَقَّى لهُ من طاقة لم تستنزفها بحار أنوثتها اللُجيَّة..تابعتها عيناه و هي تخرج من الغرفة غالقةً الباب بقوَّة تَعبيراً عن ضيقها..هو لم يَتبعها و عقله رَشَّح نفسه من إرضاء يُطَبطب بهِ على قهرها..أشاح وجهه عن الباب مُضَجِعاً على يمينه بتجاهل غَلَب طَبعه هذه المرة..فعَصَبهُ الشَمي استنشق مقادير وصفتها الماكرة و تذوق حتى لُذِع منها..،
،
هي تَلَبَّسها القَهر غارساً أشواكه في البؤرة التي يُدَر منها كِبرياءها القاسم ظهر شخصيتها المُتوازنة،فهي لولا نَزعة الكبرياء هذه لقَصَدَ الزواج مَعبَراً آخر،أكثر إشراقاً و ثَمَرهُ أشهى..،يدها بحَرارة تُمَرَّر على ذراعها لدرجة أنَّ إحمراراً بدأ ينتشر فيها من شدَّة دعكها..أنفاسها لم تَتَحَرَّر من أثقالها و العين تَعيش فَصل تصافق الأهداب،شفتها السُفلية تَشَقَّقَ رداءها من سكاكين أسنانها..ألقت بجسدها على الأريكة بعد أن تناولت جهاز التَحَكُم،فتحت التلفاز و عينيها يُغَلفهما غشاء ابتسامته تلك..و كأنهُ عالِماً بما يدور في رأسها..ضَغَطت على الجهاز تُفرِغ عَرق حَنَقِها..تكره استفزازه و تكره قدرته الخيالية على فك رموزها..و كأن أفكارها عارية أمامه..يستطيع التلصص عليها بأريحية حتى من خلف قضبان الصَد التي تَشن حربها على روحه..،زَفَرت حيرتها من رَجُل قضى عُمره يدرس أسرار حَضارتها الساقطة على يد النُكران..يدها ارتفعت ليستقر جانب رأسها في راحتها و عيناها النُصف مُغلقتان بلا استيعاب تُناظران ما ينقله التلفاز..لم يستغرق الأمر دقائق حتى مال جسدها بخفة يُجاري ثقل النَوم الذي تَمَكَّن منها على أريكة غُرفة الجلوس..مثلما أرادت هي و مثلما تَيَقَّن بَسَّـــام...،
,،
السَهرُ كان رَفيقه و الليلُ بات في قُعر قلبه..ظَلامٌ يرتدي عباءة فَقدٌ جَديـد أشَدُّ قَسوَّة مما سبقه يَراهُ يقترب من شاطئه الخاوي على سطحِ سفينة شراعها يقصد القاع و لا غيره و يُناشد غَرقاً يستل معهُ روحه المَضنيَّة..ابتلع الصمت الذي نحا حنجرته مُنذ أن أطلق عليه آستور برصاصته المُختَرِقة جواه المَسعَر..زواج..هذه الكلمة التي خَطَّها لسانه تاركاً الصفحة فارغة من تفاصيل تُقَطّعه إرباً إربا بلا رَحمة..،اجتذبت راحتاه رأسه الذي لو وُضِعَ في كَفَّة الميزان لَهَوت من زُحام أفكاره المُلتاعة..أيُّ الحُروب تنتظره و أيُّ قَلبٍ سيُكسَر ؟! ألم يَحن موعد النضوب و الجفاف من ظُلمٍ أسفاً أصبح شُربةَ ماءٍ تستلذ به حواسه التي زَرَعها آستور غَصباً في أرضه..مال رأسه و يَمينه انخفضت ماسةً بأطراف أصابعها المَلف المُوصَد،المسجون داخله مَساوئ مُتَلَهّفة لعربدتها الطامسة ضوء حياته..،الخَوف تَرَبَّص منه واقفاً أسفل عقارب الفجيعة ينتظر الساعة التي سيبدأ عندها الفَقد..أزاحَ كَفّه عن الملف بنفور أجَّجَهُ تَوتره..غير قادر على استقبال مكنونه،لا يدري أيُّ الوجوه سَيَرى و أيُّ القضيا ستُكَبّلهُ..عيناه عَبرتا طريق مشواره المُتَسيدَتَهُ عدالة آستور المُتَصَدّعة..و هو فقيرُ الحيلة المفتاح لرفع راية تلك العدالة المُرمَدة من نيران صَديقة..و قف لتُشارك قدماه العبور نَفسه الذي غَرِقت فيه مُقلتيه..تَوَقَّف أمام اللَّوحة الحاملة فوق جناحها ما قَطَفهُ من مُجرمين..العشرون تقترب من مُعانقة الرَقم السابع الذي ستُشارك صورة صاحبه وجوه ضحاياه المدفونة في ورق..،تُرى من هو ذاك ؟ أو تلك !
،:كُنتَ شُجاع
استدار لصوته..لم ينتبه لدخوله المكتب..اقترب منه و ابتسامة تسبح في الماضي اعتلت شفتيه..واصل حديثه،:كنتَ شُجاع على الرغم من غُربتك و الخَطر القريب منك،استطعت ببراعة أن تخدع هانكس حتى تم القبض عليه بالجُرم المشهود
تَوَقَّف بجانبه ثُمَّ رفع يد مُستَقِرَّاً بسبَّابته على إحدى الصور هامساً،:والد إيـلي،انتهت قضيته بسرعة كبيرة "وَجَّه لهُ نظرة مُبَطَّنة مُردِفاً" و الفضلُ يعود لابنته
هو عَقد نَظراته بنظرات هاينز الذي أدار جَسده ليُواجهه..ابتسم و فوق جفنيه اصطفَّ جيشٌ من طيور واعية لبَوح صمت صديقه..ارتفعت يده إلى كتفه تُمارس شَداً مُعيناً و هو يهمس،:خائف من كَسر قلب آخر،أليسَ كذلك ؟
تجاهل سؤاله مُستفسِراً،:هل لكَ علم بما في الملف ؟
حَرَّكَ رأسه بالنفي،:لا لم يُخبرني والدي،أعرف فقط أن القضية تحتاج إلى زواج مثلما قال لك
زاوية فمه ارتفعت بسُخرية،:إنهُ يُمَثّل دور والدي في مسلسل قضاياه،يختار شريكة حياتي بنفسه !
أفصحَ عن مافي قلبه،:لقد اعترضت و أبديت لهُ رفضي الشديد،لكنه قال لي أنني اذا رأيت مافي الملف سوف أُغَيّر رأيي
عُقدة استقرَّت بين حاجبيه و هو يتسائل بصوت محشو بنبرة استغراب،:و لماذا ؟
أرفعت الحيرة من كتفه و شفتاه تميلان للأسفل،:لا أدري،لم أفهم مقصده
زَفَر وهو يعود بأنظاره للملف المُتَوَسّد مكتبه برهبة..وصلهُ همس هاينز المُتسائل،:متى ستفتحه
أجاب بضعف تَمَكَّن من ذاته،:لا طاقــة ليَ الآن
,،
وَاضِعاً ساق على الأخرى بجلسة إسترخــاء تمازج هدوءها مع سُكون الفَجر الأثيري..أشعل سيجارته يستنشق منها رماد أفكاره و خُطَطِه المُتَسَتّرة بثوب الطيبة و التواضع المُصطنعان..السماء من فوقهِ سَقفٌ مُرَصَّع بنجومٍ تَكاد تذوي عن رِفعتها من دناءة روح هذا المُلَوّث بأنفاسه نقاء الليل..مَسبح واســع يمتد على يساره و مُحيطه أمتارٍ من زرعٍ يانع يُسلِب من العين انبهارها..و من خلفه "فيلته" ذات الطوابق الأربعة المُهَندَسَّة بخطوط مَكرٍ و دهاء..،ارتشف من كأس الشيطان مع انفتاح البَوَّابة البعيدة نسبياً عن مكان جلوسه..ابتسامة التوت منها شفتيه و حاجبه يرتفع بمُتعة وهو يراها تقترب منه بمشيتها المُتَغَنّجة..،دقيقة و كانت تجلس على الطاولة الخشبية أمامه بشعرها الأشقر المُمَوج بنعومة بــالغة..هَمَست لهُ بخبث،:كانت البداية مُوَفَّقة
أزاح ظهره عن المقعد مُقَرّباً رأسهُ منها هامساً بذات الخبث،:أتمنى أن تكون النهاية مُوَفَّقة
حَرَّكت شعرها بثقة مُنقطعة النظيرة و هي تقول،:لا تخف ما دمت أنا المسؤولة
أنهت جُملتها ثُمَّ التصقت به مُستَقِرَّة بشفتيها على المنطقة اليُمنى قُرب شفتيه..استمَرَّت قُبلتها ثوانٍ قبل أن تبتعد هامسةً بدلع سقيم،:انتظرك في الداخل
ازدرد ريقه بعقل لَعقته أنوثتها و عيناه تَتبع ابتعادها المُناديه..من يجتمع في روحها الجمال و الدهاء ليست امْرَأة،بل مَكيدة غارقة في العسل !
,،
ثَقُلَت روحه من مُعاينة أجساد اجتذبت جليد الأسِرَّة المُحتضنة آلامها،حُقنة في الوريد ليتها تستل من القلب عَذابه..جهاز تَنَفُس و ضماداً بُلِيَ من استفراغ دماء..بعد سنوات من عَمله اكتشف أن مهنته تكون عند الأسى عامِلاً مُساعِداً على زيادة عُمق الجِراح..فأُذنه تُصَم من آهات وَجع و عروقه تلتهب من ارتعاشات أجساد اختُزِلت قواها على يد وابلٌ من الأسقام..أو أن حُزنه المُحتَكِر دُنياه بَصَق رمادية على بصره منعته من التَمَتُع بجمالية هذه المهنة ؟!
حَرَّك رأسه ناثراً غُبار هذه الأفكار الخالية من منطق..يبدو أن النُعاس اجترع رزانة عقله ! رفع يده المحشور بين سَبَّابتها و الوسطى قلمٌ أزرق داعكاً عينه برسغه و هو يتثاءب،أخفضها بعد أن حَفَر تجاعيد حول جفنيه..رَمَش بتَعب يُحاول التركيز في الملف الذي بين يده،لحظات و أبعد عدستيه لساعة معصمه ينظر للوقت..تأفأف بضجر فلقد مَرَّت دقيقتان فقط مُنذ آخر مرَّة تابع فيها الوقت !
تَبَقَّى ساعاتان على انتهاء عَمله..يتمنى أن لا يحدث أمر طارئ يَضطرهُ للمكوث لوقت أطول..أعاد قراءتِهِ للملف للمرة العشرون و لا زال عقله غير قادر على استقبال المعلومات،يشعر و كأنهُ يقرأ طلاسم..لذلك تَركَه على المنضدة المُتَوسطة جناح أمراض القلب،تناول كوب قهوته مُرتشفاً ما بقي منه،أخرج هاتفه من جيب سرواله الأزرق يعبث به مع جلوس أحد زُملائه بجانبه..،:ها عبــود هدوء اليوم الجناح
وضع هاتفه قُرب الملف وهو يُعَقّب،:صل على النبي لا تحسدنا خلنا نرجع البيت و ننام احسن مما نقعد للظهر
ضحك و هو ينظر لساعته،:باقي ربع ساعة و تصير ست متى يخلص دوامك ؟
أجاب و عيناه انحرفت لليسار،:ثمان
صمت عند هذه الكلمة و عيناه تلتقيان بعدستان من الزُمرد تُوزِعان عليه فيض من نظرات أثارت جُرءتِها اشمئزازه..أخفض بصره و هو يستغفر في سِرّه مُعيداً عبثه في هاتفه..شعر بوقوف صاحبة الزُمرد عند إحدى الغُرف و زميلتها مُواصلة حديثها الذي يبدو أنها لم تستمع لكلمة واحدة منه من فرط تحديقها الدقيق فيه و الذي أشعرهُ بارتباك مُقيت..أمشطوبٌ الخَجل من ذاتها ؟! كيف لأُنثى أن تنظر لرَجُل غريـب بأريحية تامة نظرات أقل ما يُقال عنها وَقِحة ! عَضّ شفتيه بحنق و هو يُثَبّت قدميه على الأرض مانعاً نفسه من الذهاب لها مُوقفاً هذا السيل المُفتقر للحياء و الأدب..،
،:صبــاح الخير يا شباب
التفت للصوت..كانت الاستشارية سُعاد،من أكبر الاستشاريين سِناً في المُستشفى و أقدمهم،حاول أن يبتسم لها مُجيباً بهمس على عكس زميله الذي أجاب بعُلو مَرِح،:صباح الخير
ارتشفت من كوبها قبل ان تقول بابتسامة واسعة،:الله يعطيكم العافية
استدارت للجهة التي تقف فيها تلك الوقحة و زميلتها..اتسعت عيناه وهو يسمعها تُنادي عليهما..بسرعة تناول ملفه تاركاً المقعد،فلن يتحمل سهامها عن قُرب فرُبما تحدث فضيحة،:أنا استأذن
منعته سُعاد،:لحظة لحظة انتظر شوي
ضَمَّ شفتيه بتحامُل و قدمه تصطدم بالأرض برتم مُتَوتر حاول به كَبح رغبته في شتم تلك التي اقتربت حتى اتضحت لهُ ملامحها،أبعد عينيه بنفور واضح لسُعاد التي قالت مُوَجّهة الحديث لها
،:دكتورة مروة هذا هو دكتور عبد الله اللي سألتيني عنه
,،
شَعَرت بوخز خفيف على إثره باغتت حنجرتها آه مُتَألّمة،:آآه يحرق
والدتها التي كانت تمسح خَدَّها بخفة و خلاياها تعيش ضُعف ألم ابنتها،:ماعليه ماما تحملي شوي"أكملت بتَعَجب" انا ابي اعرف شلون ما شفتي الباب و دعمتين فيه ؟!
ضَحَكت بخفَّة مُبَرّرة كذبتها،:تعرفيني ماما أنا عجولة ما انتبهت له"أمسكت رسغها مُردِفة" ماما عطيني انا بحط لي المرهم
ضَربَت يدها،:لاا،ادري لو اعتمدت عليش بتنسينه مثل اذا مرضتين تنسين تشربين الدوا و ابتلش فيش
مالت شفتيها بزَعل مُصطنع و جفنيها ينخفضان،:افا ماما صرت بلشة
و هي تضع المرهم في عُلبته،:اي بلشة "قَرصت خدها الصاحي و هي تُكمل بابتسامة حنونة" بس بلشة احبها و ما اقدر استغني عنها
بادلتها الابتسامة بحلاوة،:حبيبتي ماما
استدارت تجمع حاجيتها في حقيبتها تستعد للذهاب للمدرسة و هي تسمع سؤالها،:شنو تبين غدا اليوم ؟
أجابت و هي تتناول عباءتها،:على راحتش اي شي باكله
يدها أحاطت ذقنها بتفكير،:شرايش اكلم حور و يوسف يجون يتغدون عندنا عن بروحنا ؟
توقفت عن لف حجابها و رجفة تلك الساعة تعود لها..ازدردت ريقها قبل أن تُجيب،:لا ماما تدرين أيام الدوام اكون تعبانة مابي اقابلهم بنفس ضايقة،خليها للجمعة
هَزَّت رأسها بموافقة قبل أن تخرج من الغرفة،:ان شاء الله
انفلتت تنهيدتها بعد أن خَلت الغرفة من والدتها..منذ الحادثة و هي تُمارس الكذب معها،بالطبع لن تُخبرها بما رأته،فلا داعٍ لإيداع كَمَدٌ جديد في قلبها المُرتَع على الأسى..فهي لن تَتَحمل حقيقة ان يكون ابنها هاوٍ للذبح ! و اللهُ العالم إن كانت غريزته الشاذَّة تطال أرواح البشر أم اقتصرت على الكائنات الضعيفة فقط..،استقبلت عينيها التَورم القابع أسفل جفنها الأيسر،حيث إخضرار مُزرق طَبعته كف أخيها،حتماً ستُثير أسئلة في نفوس زميلاتها،بعضهن سيُشفق،و بعضهن سيشمت و أوَّلهن ريم تلك،و أُخريات لن يُعيرانها رُبع اهتمام..،
رَشَّت عطرها البارد،ثَبَّتت حقيبتها على كتفها و خرجت من الغرفة تُودع والدتها قبل أن تُغادر الشِقَّة،ارتفع صوت هاتفها و هي على السُلَّم،أخرجته ليتضح لها وصول "إيميل"..فتحته لتتراءى أمامها قائمة الطالبات المُشاركات في المُسابقة..فتحت باب السيَّارة و عينيها تلتهمان الأسماء تبحث عن ضالَّتها..ثوانٍ و ابتسامة ثِقة تَربَّعت على شفتيها الكرزيتين..فإسم سُميَّة يتوسَّط القائمة...،
,،
،:يُقال أن الذَّات تُرَبَّى..فهي تتغذى على ما يعيشه المَرء من مواقف و ما يَقرَأهُ من كُتب،و هي أيضاً تُعاقَب عند تَسويفها و اعتلائها صهوة الذنوب..سواء ذَنبٌ ديني أم دَنيوي..هُناك في التاريخ من اقتُلِعت ذاته من جذوره لأسباب سياسية أضحت تَبَلُّدَاً شَرِساً في النَفس،ماري انطوانيت،ذات أنثوية اقتاتت على التَرف و البَذخ..أنستها القُصور و الأسقف المُذَهَّبة واجباتها كَمَلِكة،ذاتها تَشَوَّهت من سُكَريات ما تناولته،فمعدتها اتخمت شادَّة الخناق على قلبها داثِرةً عناوين الرَحمَّة و الشفقة..فهي و بالفم المليان نَهَبت رغيف الخُبز من فم الفًقراء ليلذع لسانها حُجرات قلوبهم الواهنة بجُملتها الشهيرة "إذا لم يكن هناك خُبز للفقراء دعهم يأكلون كَعكاً " !
رُبما البعض يُقول أن لا لوم عليها لما كانت تُعانيه فرنسا من تَخَبط في تلك الفترة..و لكن أليس التغيير ينبعث من الذَّات ؟ فإن كانت الذَّات بؤرة الفساد و النَفس الأمَّارة بالسوء فاغرة محاجرها طوال الوقت فكيف سيحدث التغيير ؟!
يُحكى أن ذات زَمن كان هنالك رَجُل أعزب لا زوجة و لا أولاد،فقط والدان عجوزان،كان يعمل في إحدى المزارع،يستيقظ كُل يَوم قبل طلوع الشمس..يستحم و يرتدي ملابس المرزعة و يخرج من كوخه بعد أن يتناول كأس حليبه الدافئ مع والديه..و هُناك بين التُربة و الحبوب يقضي يومه بأكمله و لا يَعود إلا بعد الغروب..كان لهُ جار في مثل سِنّه يعمل في المزرعة ذاتها،و صُدفةً كانا يُحبان ابنة الحي ذاتها..تلك الفاتنة السمراء،كان يكره ذلك الجار،فهو دائماً ما يُحاول جذب أنظار صاحب المزرعة،في كُل عطلة يشد رحاله إلى الأحياء القريبة ليأتي ببذور لثمار غريبة عن أرضهم و يزرعها لينفخ صدره فخراً وهو يستمع لكلمات المديح من رئيسهما..و ما يُزيد كُرهه له أنهُ كان على الدوام جليساً للكُتب..أي فُرصة ينالها يستغرقها في تأمل الصَفحات و هو الذي على عكسه لا يعرف سوى قراءة اسمه و اسمي والديه..بعد مَضي عَشر سنوات،كان بطل قصتنا يخرج من منزله قبل طلوع الشمس و مذاق الحليب لا زال بين تشققات لسانه،إلا أنَّهُ في الطريق لم يُقابل جاره،فذاك انتقل لمنزل في الحَي المُجاور بعد أن تزوج الفاتنة و اشترى مزرعة صغيرة مما ادخره من أموال بيع الثمار الغريبة !
أنهت جُملتها و هي تسند ظهرها بطرف المكتب القابع في بداية الفصل..أحاطت قدم بالأخرى و يديها من خلفها تستقران ببطانهما على خشب المكتب..بابتسامة قالت و أنظارها تتوزع على وجوههم المُندمجة،:اعتقد المغزى واضح من القصة،على الرغم إن القصتين بينهم فوارق إلا انهم يحملون المغزى نفسه..بالتحديد يتكملون عن الذَّات و مشاكلها
تَحَرَّرت من استنادها و استدارت للوحة البيضاء المُثَبَّتة في الجدار..كتبت بضع كلمات بخط واضح و هي تقول،:هذا الواجب ابيه المحاضرة الجايَّة،اي قصة حتى لو كانت من خيالكم تتكلمون فيها عن مشكلة في الذات،و طبعاً لازم تناقشونها أمام زملاءكم "نظرت لساعتها الجلدية المُحيطة معصمها الناعم و هي تُردف بابتسامة" ماشاء الله على الوقت انتهينا "و بضحكة" اتوقع ان راسكم يألمكم من هذرتي
تفارقت الأصوات ناكرين ما قالته،أحدهما بصوت عالي،:بالعكس دكتورة أحلى مُحاضرة
ابتسمت له و رأسها يميل برقة،:شُكــراً على الإطراء"أشارت للباب" تقدرون تتفضلون
بدأت بتجميع حاجياتها أثناء خروجهم..طالبتان اقتربتا منها وهما تحتضنان كُتبهم،إحداهن بخجل تساءلت،:دكتورة تدرسين مادة غير هذي ؟
خلعت نظارتها ذات الإطار المُربعي الأسود و بابتسامة تَلَونت بأحمر شفاه صباحي،:والله حالياً الجامعة ما عطوني الا هالمادة،يمكن يصير تغيير الكورس الجاي
برجاء قالت الثانية،:عاد دكتورة خبرينا عشان اذا المادة موجودة في خطتنا ننزلها عندش
رافقتهما للخارج مُجيبةً بضحكة،:لا تحاتون بعلق على باب مكتبي ورقة عشان كل من يشوفها
بادلاها الضحكة ثُمَّ افترقتا عنها إلى محاضرتهما..و هي في طريقها للمكتب تقابلت مع ثلاث من المُحاضِرات..إحداهن قالت،:فاتن تعالي ويانا بنروح نتريق
قَطَّبت جبينها و يدها ترتفع لصدغها،:اووه للأسف ما اقدر عندي تصحيح،ان شاء الله مرة ثانية
ابتسمت لها بعدم اقتناع،:اهــا اوكي على راحتش
فَور ابتعادها استدارت لزميلاتها و هي تقول بنبرة مُتَشَكّكة،:ما تلاحظون انها تتهرب و على طول تتعذر ؟! هذي ثالث مرة ترفض القعدة ويانا !
زميلتها نَطَقت بحسن نيَّة،:يمكن صدق مشغولة
الأخرى قالت بحاجبان أرفعهما الاستنكار،:عاد كل مرة ! كلنا في نفس وضعها بس عندنا وقت ليش هي غير !
تأفأفت،:زيــن كيفها المرة مالنا دخل فيها،امشوا لا نتأخر
,،
حبيبتي ! و رُبما عُمري و حياتي،قُبلة هُنا و قُبلة هُناك..احتضان و امتزاج..يا إلهـــي..،حديث أخته البارحة أشعل ما خَمَد لفترة في صدره..ظَلَّ طوال الليل يتقَلَّب على شوك فقط من كلمة حبيبتي تلك التي قَرأتها..و صورتهما في المكتب بداية عودته،و هما بذلك الاقتراب الحَميمي بَصَقت حُمَمَهَا عليه حتى بدأت مسامات جلده تستفرغ عَرَقاً برائحة الغيرة..عندما كان هارباً في لُندن،كان التهابه أخف وطأة،فهناك تخترق فكره الخيالات اليتيمة من صِحَّة و التداعيات التي تُوَسوس لهُ بها نفسه المُشتاقة..و الآن عندما أنهى فصل الاغتراب بدأ يعيش الاحتراق حقيقةً،ينام و يصحو فوق غَيمة من كوابيس زواجهما..كيف نَسِيَ جَسدها رائحة جسده الرجولية و تَلَبَّست رائحة رَجُل آخر ؟! هَمساته التي ضَعَّفت من بَحَّة صوته لا زال يَذكُر حروفها التي أودعها في أُذنها المُزَيَّنة بقِرط ألماسي أهداهُ لها ذات فَجر..تُرى ألا زال يَسكن أُذنيها ؟ أم أن النسيان حُكِمَ عليه هُو أيضاً ؟دفئ لمساته و خطوط البَوح المُنتعشة بخَمر جسدها..أفي الخاطر أم بين نُفايات الجحود ؟! أغمضَ عينيه و هَمسُها ذاك جَنَّد فُرسان اقتطعوا شرايين قلبه..
،:تدري ان لمستك دفا روحي ؟
مَرارة ارتخت منها شفتيه..فالروح يبدو أنّها وَجَدت دِفئاً أحن..،
،:اقول لش طردت العميلة من المكتب،لو ما تمسكَّت بالجدار يمكن طاحت و تعورت
رفع رأسه للصوت القريب و عُقدة استغراب بانت بين حاجبيه من هذا الحديث،رَكَّز جَيّداً على الصوت الذي كان قادماً من المَمر المؤدي إلى المصاعد
،:مو معقولة شهالقلة الأدب ؟!
،:ايــي و شكلها تفشلت من اللي سوته و ما داومت اليوم اللي بعده لأن الخبر انتشر في البنك و كل من مستنكر تصرفها حتى ندى صديقتها تعرفينها صح ؟!
،:ايي اعرفها،استغفر الله عيــب
زمَّ شفتيه حابساً نَفساً مُدَمّراً بين رئتيه..انحرف للممر ليراهما تنتظران أمام المصعد..أطلق النَفَس و بعده أطلق لسانه سؤاله ليتأكد قبل أن يقصد مكتبها،:من هذي اللي تتكلمون عنها ؟
تلك التي كانت تتكلم عَضَّت على شفتها بخوف من النظرة المُرعبة التي حَفرت عدستيه..تساءل بحدَّة أرجفتها،:من هذي تكلمي ؟
ازدردت ريقها بصعوبة قبل أن تُجيب برَبكة،:جنـــان
~ انتهى
،
عُذراً جـداً جـداً على التأخير
اخذت وقت في مراجعة الجزء
و حابَّة أوضح شي بخصوص علي و جود ،يمكن يصير سوء فهم
احنا نطلق مُسَمَّى "المخطوبين" على الشخصين اللي معقود قرانهم
يعني بينهم رابط شرعي بس للآن ما صارت حفلة زواج و ماسكنوا في بيت واحد
،
قــراءة مُمتعة
،
|