كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
توّكلتُ على الله
،
فَقدُ ذّات
شيءٌ من الوِحدة يُخنِق أنفاسه كدُخان حَرِيقٍ أضْرَمَته نُفُوس أنانية..هو كان ضحية نفسه،ضحية حُلم خائن..حُلم قاده لفقدٍ موجع يَتَشَعّبْ بين عُرُوقِه كمرضٍ خبيث يستنزف روحه المُشتاقة لعينين يرى من مكانه وبُعده المُرّ لمعة الدمع وسطهما..
رَفَعَ قارورة الماء المملوء نصفها إلى فمه..أفرغها وهو يشرب الباقي،كان الماء بارداً شعر به يسري في حلقه يُثلج حرائق صدره..أنزلها وكَفّهِ الحاملة لها ارتفعت ليمسح فمه بظاهرها..رمى القارورة في كيس القمامة القريب،أمسك أداته وباشر عمله وعقله يغرق أكثر مُتجاهلاً أطواق النجاة التي تُلقى إليه..
لا يُريد الراحة لعقله،يُريد أن يغيب وسط ذكرياته، أن يضيع صوت عقله بين أصوات الماضي...أصوات يَحُبُّها و يخاف يوماً أن يستيقظ وهو قد نساها...نسى نبرتها ولحنها المميز..
وجوه محفورة وسط إطار بات يصغر كُلّما مضت السنين..إطاراً زواياه أصبحت بقايا تُنذِر بسقوطها..سقوطها الذي يهدد بغياب تلك الوجوه..أطفال في ذاكرته و هُم واقعاً نسوا الطفولة،يتشبث بحبلٍ قديم تراكم الغُبار عليه وتباعدت خيوطه وبات لا يحتمل ثِقل جسده الرجولي..
هو كناجٍ من غرق،رمته سفينته وسط أمواج تلاطمت وتعاضدت و حملته فوقها حتى ألقته على شاطئ مقفر..ينظر لأجساد تغرب مع الشمس..ينطفئ نورهم معها،يرفع يده مُلَوّحاً فاتحاً فمه يبحث عن صوته الضائع بين خيبات الزمن، يركض برجليه الحافيتين يحاول الغرق ليصلهم لكن القدر يعود ويرميه فوق الرمال..تُريد الحياة أن تلتهمه كصيّدٍ غنيم تُمارس قسوتها وجبروتها عليه..تنهش لحمه وتفصله كُل يوم عن عظمه،تُعذبه أقسى عذاب،تُجبره أن يعيش و الذكرى من فوقه تتلاشى كما يتلاشى السحاب بعد الغَيّث..
Hallo maestro
لم يلتفت للصوت و كأنه لا زال مُتعلقاً كمسكين على باب عقله يَدُقَّهُ لينهل من الذكرى..واصلت يداه حركتها الرشيقة،بِتَمَرُّسْ يحركهما و كأنه يعزف على آلة موسيقية..هذا هو فَنُّه الذي يُجيده،أَحَبَّ ما ينشغل فيه وسط غُربته..
سمع الصوت القريب الواقف صاحبه على يمينه،:كيف هي ذراعك ؟
ترك مابيده و استدار له وعينيه تنظر إلى يديه وهو يمسحهما بالخرقة بعد أن تناولها من فوق كتفه،:بخير..ليس بالشيء الكبير
عاد الصوت لكن هذه المرة بنبرة مُتعجبة،ابتسم بسخرية لكلماته،:كيف ليس شيء كبير؟احتاج الجرح ثمان غرز !
و كم تحتاج روحه من الغُرَز !
رفع الخِرقة يمسح جبينه عن زخات العرق المُتكونة فوقه وأبدلها بلون أسود كان قد ترك أثر على ملابسه..رماها على كَتِفه بعد ان انتهى وبهدوء قال..
،:صدقني أنا بخير،لا اشعر بالالم الآن "و بمرح قال وعيناه تنظر إلى وجه صديقه" لقد اكتشفت أنك جبان،تخاف من الدماء كفتاة صغيرة
ضحك بخفة وهو يرى علامات القهر على وجه صديقه ويده ارتفعت ليضرب بقبضته كتفه وهو يقول،:كنت خائف عليك ليست الدماء السبب
ابتسم له ولم يُعَقّب على كلامه،على الأقل يوجد شخص يهتم لأمره هنا !
،:أنا جائع الآن لم آكل منذ الصباح،دعنا نذهب للغذاء
رفع رأسه للساعة المُعلقة،:فقط نصف ساعة فلدي عمل كثير
وهو ينظر للسيارات من حوله،:هذا واضح..لا تخف لن نتأخر،فقط نصف ساعة وعُد لمحبوباتك
’
الجزء الثالث
الساعة تجاوزت الثانية ظُهراً ولم يَسمع أيُّ صوت صادر من الغرفة،لم يُفتح الباب ولم يَفتحهُ هو !
بعد أن عاد من صلاة الفجر تَوَسّدّ الأريكة وغطَّ في نوم عميق يهرب فيه عن الأفكار و التساؤلات التي غزت عقله بعد الهدوء الذي أحاطه وحيداً..استيقظ عند الساعة العاشرة و النصف،لم يَستوعب في البداية أين هو،تساءل لماذا الجدران بيضاء من حوله،أين جُدران غُرفة نومه الداكنة ؟
التَقَطَت عيناه ثوبه المُلقى على الأرض،وفوق الأريكة كان "لبشته" النهاية نفسها...تنهد بعد أن استعاد عَقله الأحداث الماضية،و بدأت الكلمات المُختلطة بالدموع تعود أصواتها إلى أُذنه..قضى وقته إلى الآن وحيداً،لم يَجرُأ أن يُحدِث كيمياء بينهما قد تؤدي لإنفجار يَجهل مُخلّفاته..
نَظرَ للساعة مُجدداً..الثانية و ثلاثة عشرَ دقيقة،عادت عينيه إلى الباب ليتأمله ثانيةً و يستذكر تفاصليه الدقيقة التي حَفظها بعد تأمل امتد لثلاث ساعات متواصلة..زَفرَ بضيق وهو يسمع صوت هاتفه بجانبه،لم يَنظر له ولم يرفعه..يعلم من المُرسِل..فهي قبل نصف ساعة كانت تُحادثه،لم يَرغب أن يَرُدّ عليها فأسئلتها ليس عندهُ جواب لها،وهي بهذه الأسئلة تزيد من توتره وقلقه من الليلة الغريبة..فهو حاول بالقدر الذي أستطاعه عَقله اليَقِظ أن يُكذب على نفسه ويُقنعها أن ماحدث كان أمراً طبيعياً قد تَمُرّ به أي أنثى ليلة زواجها..
لكن تساؤلات أخته وشكوكها باتت الآن تأخذ حيزاً من عقله المُقترب من الانفجار،يّتذكر المُحادثة بينهما و التي أنهاها هو بعد أن تصلّب لسانه وأُطبِق فمه و الكلمات بُترت لم يعرف كيف يجمعها ليُشكل جواباُ لائقاً يُكبِح أسئلتها..
،
:عروس ترفض تنزف بيوم عرسها وتسميه شي عادي ؟ بسام انت جاد في حجيك لو شنو ؟!
بهدوء أجابها،:يا منال أنا كل الا سويته وافقت على طلب البنت ماادري هي بشنو تفكر،يمكن البنت تستحي
بتعجب لم يُقنعها جوابه،:و شنو هالحيـا الا يخليها ما تنزف ؟! كلنا نستحي ويوم عرسنا مارفعنا عيوننا حتى في عيون أهلنا بس انزفينا والحمد لله ما سوينا هالدراما كلها !
زمَّ شَفتيه وهو يغمض عينيه للحظات قبل أن يقول،:منال كل بنت و تختلف عن غيرها،يمكن هي حياها كبير يوصل لدرجة انها ترفض الزفة،و بعد أنا الا خبرتني امها،و امها مرأة كبيرة ما اتوقع بتوافق على طلب بنتها اذا كان السبب شي تافه..
أصدرت صوت يدل على عدم اقتناعها وهي تقول بنبرة شك،:والله يا خوي شكلك اتدبست في هالزواج،انا ما كان قلبي مرتاح لهالبنت قلت لك خذ ندى بنت خـ
قاطعها قبل أن تُكمل بحدة كان يجب ان يستخدمها مُنذ بداية المُكالمة،:اسمعي يا منال،حنين اللحين زوجتي وفي بيتي و انا ما ارضى ان تصدرين في حقها أي شكوك عقيمة،و لا ارضى تقارنينها بأحد..
،:و انا شقلت بسام ؟!
،:قلتين ولا ما قلتين،خلاص الموضوع انتهى وصار اللي صار الكلام ما بيغير شي،اللحين بسكر اتوقع ما عندش شي مهم،مع السلامة
أغلقه ولم يستمع لردها،يكفيه أفكاره المُقيّدة في عقله لا يتحمل قُيود أخرى تزيد من وَجَعِه ..
،
مَسَحَ على وجهه بحيرة وكَفيه ارتفعا إلى شعره،شّدّهُ بخفة قَبلَ أن يَقِف قاصداً باب الغرفة..نعم ليس الأمر طبيعياً لكن يَعلم أن سبباً مُقنع يَقبَعَ وراء هذا الطلب..و هذا يُفَسّر موافقة والدتها لها،لكـن ما معنى حَديث والدها ؟! عينيّ الرَجل لا يزورها دَمع إلا لسبب فعلاً آلمَ عِرقاً خَفيّاً في قَلبه..و أيُّ سبب هذا وماهو حجم هذا الألم ؟!
زَفرَ بعد أن فَشلَ مُجدداً من الهروب من أفكاره،كُل فِكرة وإن كانت بعيدة تقوده إلى ما حدث البارحة..
وَقَفَ أمام الباب،قّرّبَ رأسه إليه..ألصقَ أُذنيه يسترق السمع رُبماً صوتاً لنَفَسِها يَصله يُخبِرُه أنها لا زالت كائناً حيّاً يُشاركه المكان..
هّزَّ رأسه بعدم اقتناع،لا يَجدي لصق أذنه كسارق،رفع يده و بهدوء طَرق برؤوس أصابعه الباب،طرقتان ولم يَصِلُه الردّ..نادى بصوّت تستطيع سَماعُه..
،:حنيــن
لا ردّ..
مؤكد لن تُجيبه..بماذا يُفكر ؟ هو و الذي يَجهل حقيقة ماحدث لم يستطع أن يَخرُج من قوقعة الأفكار..بالطبع هي في وضع لا يَسمح بالمناقشة..لكنها لم تأكل شيء منذ البارحة..و إن لم يَكن حالهما طبيعي فهي مع ذلك "عروس" لا يَجب أن تَمُرّ ساعات يومها الأول معه خلف باب مُقفل وتفصلهما خطوات بُعدها كسنوات ضوئية !
نادى بصوّت أعلى ويده على المقبض،لا يُريد أن يَفتحه دون أذن منها،على الرغم أنها غُرفته معها،و لكن قد تكون في وضع لا تحب أن يراها عليه..!
،:حنيـن مُمكن أكلمش شوي
تّنهّد بحيرة ويده ترتفع لخِصره و الأخرى لا زالت مُمسكة بالمقبض،أنزل رأسه وأغمض عينيه وهذه المرة خَرج صوته أقرب للهمس..
،:حنـين
ثانية..ثانيتان..ثلاث
و في الرابعة شَعَرَ بالمقبض يتحرّك..رَفعَ رأسه بسرعة وعينيه تعلّقت بالباب وهو يُفتَح بهدوء..تراجع خطوة للخلف يُفسح لها المجال لتُقابله،انتظرها ولكن لم يُفتَح سوى الباب وليس أمامه سوى الغرفة خالية..عقّد حاجبيه ورجليه تخطو للداخل ولسانه يُناديها..
،:حنيـن انتِ وين ؟
هَمّس أنثوي تَحَرّرَ من دموع الليلة الماضية،أصبح أنقى و نعومته جليّة كشمسِ تُشرق بعد ليلٍ كان طوله كسنة..
،:اهنـي حنيـن
استدار للصوت ليراها تقف بثوب ناعم قصير..كانت تقف ويديها الاثنتان تُمسِكان بمقبض الباب،رأسها مرفوع بإستقامة تُلغي انحناءه بالأمس،وجهها بارد لا تُغلفه ملامح بُكاء و يُلطخ بياضه إحمرار..عينيها للأسفل،ردة الفعل الوحيدة التي ميّزها..خَجل طفيف لم تستطع تجاوزه...ازدردَ ريقه و إبتسامة خَفِيّة لم يكشف عنها سوى تجعيدة خفيفة عند زاوية فَمه اليُمنى..فهو للتوّ استوعب أنه لم يراها هكذا دون حجاب أو عباءة،أنثاه حلاله لا تفصلهما قيود..على الرغم أن عقد قرانهما كان قبل شهر !
انتبه لهمسها يعود مُجدداً و أذنه بدأت تعتاد لصوّتها الجديد على حياته..
،:بغيـت شي ؟!
,،
يرتفع البخار من القهوة بتكاثف بعيداً عن الكوب بسانتيمترات قليلة..يَرّفُض الإنحكار وسط هذا الكوب الورقي،يُفضّل الشتات و الضياع في الغرفة على أن يُسجَن في قعر كوبٍ لن يبقى فيه سِوى تَصَدُّعات سوداء مُرّة !!
رفعت الكوب ترتشف بعينين سارحتين تكادان لا ترمشان،عَقلها يسبح في بحرٍ تركزت فيه الأملاح وتجمعت على جروحٍ لا يَقِف نَزفُها،جروح كانت ناتجة عن عملية انتحار كُبرى..
،:كله قهوة قهوة،ما تتمللين ؟!
رفعت رأسها للصوت القريب..ابتسمت لها ببرود وهي تراها تجلس أمامها،أبعدت عينيها بذات البرود للكوب تُكمل تأملها الذي قاطعته صديقتها..،زمّت شفتيها وهي تسمع صوتها مُجدداً
،:ادري تبيني اقوم بس عناد ماني قايمة
همست بضيق قبل أن تقف،:لا تقومين انا اللي بقوم
أمسكت يدها مُعارضة،:نـور بلا هالتصرفات مو أطفال احنا،قعدي كلها جم دقيقة وبيخلص البريك
بحدة همست،:ما ابي اقعد لان ادري بتجيبين لي وجع راس بأسئلتش اللي مالها داعي
رفعت حاجبها وبضحكة،:و من جاب طاري أسئلتي " اللي مالها داعي " ابداً ماكان الموضوع في بالي "و بخبث أكملت" إلا إذا انتِ تفكرين فـ
قاطعتها بقهر وصوتها ارتفع قليلاً،:سارة خـلاااص
حَبست سارة إبتسامتها التي بانت في عينيها المُتنقلتان على ملامح صديقتها،هَمست ورأسها يقترب منها وعينيها تعلقتا بعينيّ من أمامها..
،:فعلاً ما كانت بفتح هالموضوع ولا بسأل أسئلتي الا ماتحبينها..بس الواضح أن الموضوع اساساً ما يغيب عن بالش..ويهمش مو مثل ما قلتين مايشغل تفكيرش
اضطرب بؤبؤها ورمشيّها بدأت حركتهما السريعة..ثَقُل النفس في صدرها وقلبها انقبض لدرجة آلمتها،لا تريد أن تكون مكشوفة لهم،تكره أن تكون أفكارها عُرضة لهم..يستطيعون أن يفهمون ما بدخلها من عينيها ومن رجفة يديها المُتَعَرّقتين..تكره ضِعفها وهشاشتها اللذان أوصلاها لهذا الكَسر الذي لا يُجبر..ارتعش نَفسَها كما يَرتعش نَفسَ الأطفال عند البُكاء..الدموع تناثرت في ساحة عينيها الواسعتين وشفتيها الصغيرتان تميلان للأسفل لتزيدان من اهتزاز ذِقنَها..
رفعت يدها لجبينها وشهقة خفيفة انفلتت منها عَنوة،جعلت الدموع تزداد فوق خدّها..أرادت أن تتكلّم أن تنفي هذا الضعف البغيض،لكن ألماً في حلقها منعها من أن تَنطق،صوتها لم يُسعفها،كان مُتآمراً ليفضح ضِعفَهَا..
شعرت بيد صديقتها تُمسك بيدها المُرتجفة فوق الطاولة الصغيرة،سمعت هسمها المُرتبك..
،:نور والله آسفة ما كان قصدي،حبيبتي لا تصيحين
سحبت يدها بقوة نصفها قهر..تناولت المنديل لتُخفي فضيحتها عن التي أمامها وعن نفسها..شعرت بحرقة خفيفة وهي تمسح خدها بقوة ،مسحت أنفها وبدأت باستنشاق هواء جديد يُعيد ترتيب الفوضى التي أُحدثت داخلها..كوني أقوى نور كوني أقوى..
أخرجت الزفير بهدوء وهي تَشعر بانسلال الرجفة عن جسدها،و إن بَقيَ القليل في قلبها ولكن لا يُهم..فالقلب مَخفي وسط حُجراته لا يُمكن لأحد أن يطّلع على خفاياه ويكشف مستوره..
رَفعت عينيها لها بعد أن ارتدت البرود مُجدداً،تصالحت مع شتائها الصعيقي،وقفت وهي تقول بهمس بـارد كان يسخر بألم..
،:اللي تبينه صار،و ظنونش تأكدت،مرتاحة اللحين؟
بأسف نطقت،:نـوور
رفعت يدها أمامها،:مابي اسمع ولاشي سارة،ارجوش مرة ثانية اذا ماكان عندش سالفة لا تجين تكلميني،عن اذنش
مشت مُبتعدة عن سارة وعن المشاعر السلبية التي جاءت بها..كانت جالسة بهدوء وسط أفكارها،لكن قدومها القوي ونظراتها المُشككة أكدت لها أنها لا زالت واضحة للجميع..حاولت أن تختفي وراء البرود و اللامُبالاة لكن حواسها تفضحها..برجفة أو دمعة او ارتعاشة نَفس !
لن تبكي أمام أحد مُجدداً،ستكون أقوى،ستتجلد الى أن تَفقد شعورها وينطفئ إحساسها،ستغوص في بحٍر بعيداً عنهم،بحر يخلو من ترددات أصواتهم المُزعجة،ستنسى نور الضعيفة..نور التي تبكي لكلمة ينطقونها أو نظرة شفقة يوجهونها لها..ستكون أقوى بإذن الله ستكون أقوى..
,،
ماضٍ
أمام بحرٍ لا نهاية له،وصوت أمواجه يضرب في قلبه ببرودة أرجفته وهو المعتاد على صعيق برلين الذي يضرب في العظم،،كان يقف مع رفيق الشباب و الشيب المتخلل في الشعر،شريك الأمس و اليوم،حافظ السرّ الأمين..
له ساعة ويديه مختبئتان في جيب بنطاله الأسود يبحث عن دفئٍ بسيط علّه يشعل حطب الروح المتصلب بجليد الأسى..
همس بعد صمتٍ أطبق ضجيجه على أُذن رفيقه:ابي أرجع برلين
تقدم خطوة حتى أصبح يُقَابِله،يقرأ عينيه المغلفتين بزجاج عاكس ترى فيه نفسك بحيلة اكتسبها منذ صغره،تراك ولا تراه..مهما حاولت !
بذات الهمس الذي يبدو أنه شعار الأصدقاء في هذا الليل الساكن:من متى صرت تترك الأمور وتهرب؟!
ظهرت تجاعيد عند زاوية فمه وبرزت ابتسامته الجانبية لتقتل الصمت وتُفنِيه وتكتب مافي القلب على أوراقٍ اصفرّت بإشتياقٍ الى حبرٍ يُسكَب عليها،يغرقها بكلماته وحروفه المعقودة حتى النهاية:مو بس اهرب الا اتمنى الموت..
سأل محاولاً جعله يعرض عن قراره الذي قد يعصف بقلب تلك البائسة التي وقفت على أبواب السماء سنوات،:و أهلك،أمك وأخوانك..بتروح وبتتركهم بكل سهولة؟!
أخيراً أخرج يديه المسكينتين من حضنهما القماشي المزيف، ويا للأسف لا زالت أصابعهما متجمدة أطرافها،رفع تلك اليدين اليتيمتين ومسح بهما وجهه بضياع أنهكه منذ أن تفجرت أمامه عيون الماضي،
وبتنهيدة مُثقل شهيقها:ما ادري ما ادري "انزل يده و أخذ يتلفت هنا وهناك" مافي طرّاد اهني؟ ابي طرّاد ابي اي شي يرميني وسط البحر
ضحك رفيقه بخفة:انت من صدقك تتكلم؟من وين تبي طرّاد الساعة ثنتين وربع الفجر
عقّد حاجبيه وهو يرفع معصمه ليتأكد ،انصدم من سرعة مرور الوقت،و كأنه بسرعته يقتل بقاياه المتناثرة عند بوابة الزمن،يقتلها ليقطعها بقسوة،يحرقها فتنتشر رائحتها النتنة ليفيق عقله من غفلته المريضة..
نظر له باعتذار:آسف أخرتك على بيتك والله ما حسيت بالوقت
بمزاح قد أراد به تلطيف الجو قليلا و إبعاد الكآبة عن صاحبه:لو جاي بسيارتي جان من زمان تركتك بروحك ورحت لسريري بس شسوي جاي وياك
ابتسم له وهو يستدير ويخرج مفاتيحه متجه لسيارته القريبة وسط نظرات رفيقه الحائرة و المتسائلة،نصف الموضوع بحوزته لكن نصفه الآخر عتمة بالنسبة له،سطور مُشَفّرَة لم تُترجم بعد..
,،
حاضر
مساءً..أحد مجمعات التسوق
انتهى عشاءهما و انطلقا من جديد لتسوقهما الاعتيادي،كُل واحدة تشتري ماينقصها..ويا ليت ما ينقص الروح يُشترى !
رفعت فستان ماروني طويل ليس به أكمام يكشف عن الكتفين بطريقة أنيقة عاري الظهر تُغطيه قطعة من الدانتيل الراقي،أعجبها،بسيط ويُناسب ذوقها،لكن أين تلبسه ؟!
ضحكت بخفة وهي تقول..
،:عجبني الفستان بس للأسف مافي مناسبة عشان اشتريه
ردت بصوتها الناعم دائماً،:عادي مو لازم مناسبة اشتريه في المستقبل بتحتاجينه
هزت رأسها بالرفض،:لااا ما استحمل اشوفه عندي و ما البسه
بمزاح قالت،:البسيه لنفسش عادي مافيها شي
ضحكت وهي تنظر للسعر،:ادفع هالمبلغ عشان بس البسه لنفسي !
،:و لعمتي بعد
،:اييي عشان تتأكد أمي من جنون بنتها،اقعد لها بفستان حفلة بدون سبب "وهي تتذكر" الا على طاري الحفلة..شنو قال لش يوسف البارحة؟
عقدت حاجبيها وتساءلت وهي تَدَّعِي عدم الفهم،:ما فهمت؟ شنو قال لي؟
استدارت لها بكامل جسدها وهي تخفض صوتها و إبتسامة خفيفة على شفتيها،:يعني اقصد ما علق على شكلش..كنتِ ما شاء الله تجننين
إبتسامة حسرة تكونت على شفتيها حاولت بجهد ان لا تنتبه لها ملاك،:لا ما قال..تعرفينه اخوش ما عنده هالسوالف
تأفأفت،:ولا بيتغير هاليوسف..ما يعرف يقول كلمة حلوة حتى لش انتِ زوجته !
حاوت أن تضحك بمرح،:عادي تعودت عليه،لو بيقول مثل هالكلام بانصدم
ابتسمت لها بصدق، وعيناها تنظر لها بحب:الحمد لله انش كنتِ من نصيبه..ما اتوقع ان وحده غيرش ممكن تتحمل يوسف وغرابته
اختفت ضحكتها المصطنعة،و كلمتها أثارت شيء في داخلها..
غريب عنها وهي عنه غريبة..لم يلتقيان إلى الآن،لا زالا عالقان وسط زُحَام الغَيّبَة،ضائعان حيث لا مرآة تعكس دواخلهما..
الغربة بينهما ترتفع كأسوار تحيط بهما حَدَّ حَجب نور الشمس عنهما،لم تستيقظ مدينتهما فسباتها دائم في جحرٍ تختبئ عن صعيق شتاءهما الأزلي..لم تنتهِ رحلتها الإستكشافية بعد..شدت الرحال وحيدة تبحث عنه..تبحث عن الإنسان داخله،تبحث عن شيء آخر غير اسمه وعمره و عائلته...تبحث عن رَجُل لم تكن أنثاه قطّ
تُزَعزِع رحلتها رياح ساخنة ينفثها هو،يجعلها تتعثر بنظراته فتسقط لتحاوطها رمال تُمَهّد لقبرها المحفور بيديه،قبر موحش اختار لها ان تسكُنَه،أن تختنق فيه حيث لا هواء،فقط برد موجع ينخر عظامها الراجفة بضياع..
هي ضائعة فيه..في غُربته هي غريبة !
،:حــور !
تنهدت..لا وقت لهذا يا حور..لا المكان و الوقت مناسب،لا تثيري استغراب ملاك،تناسي ذاك الغريب..تجاهلي اسمه و تجاهلي كل ما يتعلق به،عيشي و لو للحظة بعيداً عن فوضاه !
نطقت بابتسامة واسعة زينت شفتيها ولم تصل لعينيها،:هــا شنو قلتين،بتشترين الفستان ؟
،
فتحت الباب بمفتاحها وهي تحاول حمل الاكياس دون أن تسقط،لقد استنفذت كل طاقتها في التسوق،غرقت بين أكوام الملابس المعلقة بأناقة مُفرِطَة تدفعك إلى تَحَسُس قماشها و معرفة أي المناسبات خُيطت لها..
اشترت واشترت دون تفكير ودون قياس،تخيلت نفسها فقط ترتدي هذه الملابس،تخيلت شعرها ومساحيق التجميل الخفيفة في وجهها،حتى انها اشترت العطور الخاصة لكل قطعة،كعبها العالي الذي لا تستغني عنه الا للضرورة انتعلته في مخيلتها..
لكن…في كل المناسبات كانت وحيدة،لا يشاركها اللحظة غير أكياس المحلات الفارغة وأحمر الشفاه الضائع غطاءه،وعطرها الذي لا يزال يلتصق بعنقها لم يُستًنشَقَ بعد..
توجهت مُباشرة للأعلى حيث غرفة نومها...و غرفة نومه الإحتياطية،ابتسمت بسخرية وهي ترمي الأكياس على السرير،خلعت حجابها وعباءتها ورمتهما على الأكياس..زفرت وهي ترفع قميصها الشفاف لتتحرر منه لتبقى بالقميص الداخلي الخفيف الكاشف عن ظهرها وذراعيها.
.
رفعت يدها و بأطراف أصابعها أزالت ربطة شعرها و تناثرت خصلاتها كريش جناحين طيّر تُرفرف على كتفها ساترة ظهرها،خصلاتها الفاتحة عانقت بدر وجهها الخالي من المساحيق..ملامحها مُستقِرَّة لا تُبعثرها فوضى،جلست على السرير وهي تتناول حقيبتها من على الأرض و أخرجت هاتفها،نظرت للساعة وأغلقته ثم رمته و الملل بدأ يأخذ حَيّزاً من وجهها..بانت تجاعيد خفيفة على جبينها كجرس إنذار يُحَذّر من تَخَلُّخل إستقراره القصير..
رفعت ركبتيها و ذقنها استقر فوقهما وبذراعيها أحاطت رجليها..أغمضت عينيها بهدوء كان أقرب للبرود،سكون الغرفة أبعدها عن واقعها،أغمضتهما وعقلها اختار السواد نفسه،و كأنه ارتفع مُحلقاً بعيداً عن جمجمتها،شعرت بخفة في رأسها الذي مال جانباً..و نفسها الثقيل انتظم..غفت بعد ان استشعر قلبها السكينة تُحيط به،أرسل عقلها إشاراته إلى أعصابها أن استرخي،اغتنمي الفرصة و حلقي بعيداً عن الاشتداد الذي جَرَّكِ الى فُوَّهة الشلل..
كفيها تباعدا قليلاً عن تشابكهما وذراعيها خففا من احتضانهما لرجليها المتنملتين من طريقة نومها الخاطئة.. داعبت أنفها رائـحة قوية يُخالطها نسيم بارد يحمل قسوة أصلُها رُكام ماضٍ مُشَوّش..
أصدرت صوّت يدل على ضيقها من حركة مُزعجة تقترب منها..اقتربت الرائحة أكثر حتى دخلت حلقها..عقدت حاجبيها بإنزعاج وسُعال خفيف قطع سكونها..أرادت أن تُحرك قدميها لتبتعد لكن عدم شعورها بهما جعلها تفقد توازنها وعقلها الباطن أوهمها أنها ستقسط من علوّ..شهقت بخوف وذراعيها تحركتا باضطراب تبحثان عن شيء تمسك به،اصطدم كفها الأيمن بقطعة قماش وبكل قوتها أمسكت بها وهي تسحبها دون دراية بماهيتها..سقطت على جنبها الأيمن و هي تفتح عينيها بفزع..
تنفست بلهاث و جسدها تزوره رجفة خفيفة تضامنت مع دقاتها السريعة..أخرجت زفيرها وهي تغمض عينيها براحة للحظات وفي سرها تشكر الله أنها لم تسقط حقيقة..عادت وفتحت عينيها و هي تشعر بالدم يسري في عروقها بعد أن جَفَّ خوفاً لدقيقة..استيقظت حواسها أكثر و ألم بسيط في معصمها نبهها للذي تمسك به..التفت بهدوء وعينيها على يدها،ارتفعت بخفة للأعلى..ازدردت ريقها وعدستها انعكس فيها صورة عُنق رجولي تنتشر أعلاه شعيرات قصيرة...استنشقت الهواء بصعوبة وهي تشعر بذرات الأكسجين تتكسر بحدة في صدرها،فتحت قبضتها تاركة قطعة القماش التي لم تكن سوى قميصه الأسود،ابتعدت يدها للخلف واستقرت باختباء في صدرها..أدارت وجهها و انكماش أغشى ملامحها بعد أن أفرزت مسامها زخات الإسترخاء على شكل عَرَق مُرتبك..
هَمست،:روح عني
شهقة حادة شَقّت طريقها من صدرها حتى خرجت من فمها وهي ترى ذراعيه تحيطان بجسدها..تحركت بمحاولة أن تتملص من بين يديه وحريق قُبّلاته على وجهها ألهبها،ارتعش صوتها و نفسها خرج متقطعاً،أمطرت عينيها وهي تحرك وجهها بتعب يمينا شمالاً و لسانها الثقيل يحاول أن ينطق بكلماته..
،: يــ ـ وسـ ـف الله يـ ـخليـ ـ ــ ـك اتركنـ ـ ـي .. الله يخـلـ ـ
ماتت كلماتها من طعنة شهقة موجعة..أنفاسه الحارة اختلطت بأنفاسها اللاهثة..داخلها يركض محاولاً الفرار من قَيّد ذراعيه اللتان كسوط تَحُطّان على جسدها الطَريّ..قُبّلاته كذرات ملح تنتثر على جروحها،شفتيه تطبعان قُبلات متفرقة على وجهها كختم يُوَثِق ملكيته لها..اشتد وثاق ذراعيه و جسدها اعتصر بين أضلاعه القوية،تَمَنّت لو أن يشعر برنين قلبها ويعتقها،لكنه واصل وجبينه يلتصق بجبينها..أغمضت عينيها وصمته ينقطع ليخرج صوته هامساً
،:حـور لا تحرميني منش..بس خمس دقايق،محتاج والله محتاج،شوي بـــس شوي يا حــور
نطقت باعتراض،:اتركني ما ابيـــ ـك مــ ـ
بترت كلماتها مجدداً،زادت دموعها بقهر،شهقاتها ترفض إفصاحها،كُلما ارادت أن تُعَبّر عن رفضها له وبغضها الكبير له تُعاندها وكسيف تقطع كلماتها..
ارتفعت كفيّه تحتضنان وجهها الغارق بالدموع،مال وجهه قليلا،داعب أنفها المحمرّ بأنفه وبرجاء همست شفتيه لشفتيها المرتعشتين..
،:ثواني بــس حـور طلبتش ثــواني
لم يترك لها مجال لتعارض وشفتيه بلهفة أكبحت لجام كلماتها..تجمدت في مكانها وشعرت للحظة بتوقف نبضها،تيبس فضيع أصاب أطرافها وشدّ مؤلم أحاط فقراتها من أسفل ظهرها إلى نهاية عنقها..كان بقبلته يسحب جزءاً آخر من روحها،يمتص رحيق صبرها،يستنزف طاقتها الهَشّة..
ابتعد بعد أن سيطر على أحاسيسها التي قبل دقائق ظنت أنها نجحت في سيطرتها عليها..نظرت له بتأنيب مُتعب..مال رأسها وكتفيها يرتفعان بقلة حيلة حتى لامسا أطراف أذنيها وجانب وجنتيها..
،:حــ ـرام عليـ ـ ــك
أنزلت رأسها و انفجرت تبكي بمرارة ولسانها يُردد "حرام عليك" "حرام الا تسويه فيني"
رفعت كفيها لوجهها تغطيه تُخفي بؤسها ودموعها وانشطار روحها الواضح في عينيها الغائرتين..
أما هو فاقترب منها وبكفيه أمسك رأسها قَرَّبَه من صدره وهي لم تحاول ان تعارضه،فطاقتها كُلها انهاها مع قبلته..لا تريد قربه ولا تريد أن تلتصق رائحته الرجولية بها..ضعيفة هي امامه ويا للأسف لا حيلة لها..كطير مكسور الجناحين تبكي في حضنه ورأسها مرمي فوق قلبه،تبكي منه وبين يديه..داخلها يصرخ اتركني وجسدها مناقضاً يتلوّى بِوّجَع وسط حضنه..
تنهيدة طويلة،حائـرة خرجت من صدره ولثقلها لم ترتفع وعادت لتسكن صدره من جديد،فلا خلاص من الوجع...أنزل رأسه لرأسها..طبع قُبّلة عميقة عليه وبصدق خالص همس..
،:سامحيـــني يا حــور
حَرَّرَهَا من بؤرة عذابه..أنزل جسدها على السرير وترك رأسها فوق وسادتها الصديقة،المحتفظة بأرشيف من دموعٍ وعبرات مخنوقة..
هي ما إن ابعدها عنه تكومت على نفسها وذراعيها احتضنتا جسدها كجنين،أغمضت عينيها بقوة و الإرهاق أخذ مأخذه منها،صوتها انسلخ من شهقاتها الحادة،أخرجت النفس بأنين طويـل دُفن بين طيّات وسادتها..شعرت بثقله يترك السرير،لم تفتح عينيها وهي تسمع صوت خطواته السريعة.. ثوانٍ وصوت إنغلاق الباب يصلها،عضت على شفتها السفلى وانقلبت على بطنها لتبدأ نوبة بكاء أخرى..تجددت الدموع و استعادت الشهقات عملها،أغشى واقعها حزنها المرير،و الشعور تطاير ببعثرة..لم يبقى سوى البكاء..أنيس ليلها و حكايتها ماقبل نومها !
،,
تنظر لظهره بسرحان..وعقلها يسترجع ما حدث ظُهراً،توقعت منه حديثاً مربك و أسئلة استفسار سيوجهها لها،لكن و كأن شيئاً لم يقع، و كأن ماحدث كان طبيعياً لا يثير تساؤل رجل يرى أنثاه في أول ليلة لهما عارية من فستان أبيض والدموع كحل عينيها..
تنهدت بخفة و عيناها ملتصقة بظهره،محظوظ هو،استطاع أن ينام مجرد ان وضع رأسه على الوسادة..وهي ساعتان مستلقية ولم تنم،الساعة تجاوزت الواحدة و هي لا زالت عالقة بين ساعات الظهر..
،
كانت قد استيظت في تمام الواحدة و النصف،بعد جهد استطاعت أن تنام بتقطيبة جبينها و عقدة حاجبيها..
استَحَمّت وغيّرت ملابس البارحة المشؤومة وهي كارهة لقميصها الأبيض وبنطالها الأزرق..ارتدت فستان بيتي قصير يصل إلى أسفل ركبتيها مباشرة،أصفر ذو أكمام قصيرة و منفوخة،يضيق حتى أسفل الصدر ثم يتوسع إلى نصف ساقيها النحيلين ،لونه أضفى على بشرتها رَوّنَق خاص..رفعت شعرها ذيل حصان و لم تلتفت لمساحيق التجميل المرتبة بعناية على تسريحتها..
صلت فرضها وهي تستغفر لتأخيرها،ثم رحت تتجول في الغرفة..غرفة الملابس ودورة المياه،لم يكن لها أي تدخل في الأثاث ولون الجدران ولا أي شيء آخر..و كأنها ضيفة على هذا المنزل،شيء في أعماقها يقنعها أن بقائها هنا لن يطول..خاصة بعد ما حدث البارحة !
هاتفت والدتها و اطمأنت عليها،و انكسر قلبها لرفض والدها الحديث معها..يجب أن تطلب السماح منه،دموع عينيه كانت السبب الأكبر في درأ النوم عنها...تعلم أنها مخطئة في طلبها و لكنها لم تشأ أن تُزف و الإنكسار على وجهها،لم تشأ أن يُشمت بها..فهي لم تنسَ ضحكات التَشَمُّت قبل سنوات..لا تريد أن ترى فرحة الانتصار على وجوه أعداءها..وهي لا تملك القدرة على أن تتصنع الفرح أمامهن..
وهي غارقة وسط أفكارها،سمعت صوت طرق الباب..
التفت بقوة له،ازدردت ريقها بارتباك..بالتأكيد هو،لا أحد غيره..سمعت صوت الطرق من جديد..وقفت بتردد،ماذا تقول له عندما يسألها...كيف ستواجهه..لا تعرف لا تعرف !
أَنّهَرَت نفسها و وبختها على ترددها..هذا ليس من طبعها..ستعرف كيف تجيبه ولن تسمح له أن يتمادى في أسئلته،ليس من حقه أن يعرف شيء..
توجهت للباب و رأسها مرفوع بثقة،تريد أن تمحي صورة الإنكسار التي كانت عليها البارحة..سمعت طرقته،وضعت يدها على المقبض وفتحت الباب وجسدها يتراجع للخلف مع انفتاحه..رأته يدخل وظهره لها..سمعت تساؤله
،:حنيـن انتِ وين ؟
همست بهدوء واثق،:اهنـي حنيـن
دَقَّ قلبها واضطرب،و ببراعة فصلت داخلها عن خارجها..و لكنها لم تتجرأ لترفع عينيها إليه..فهي مع ذلك أنثى و من طبعها الخجل،و لا تستطيع أن تخرج عن هذه الفطرة..
همست مرة أخرى،:بغيـت شي ؟!
نطقت بسؤالها وشعرت بخطواته تقترب منها،زادت من قبضتها للباب..وقف أمامها على بعد خطوتان،انتبهت ليده ترتفع أمامها،أغمضت عينيها بخوف وهي تدير وجهها ولم ترى الإبتسامة التي ظهرت على شفتيه..تنفست بهدوء وهي تشعر بيده فوق رأسها..فتحت عينيها ببطئ..كانت شفتيه أمامها تهمس بكلمات تَبَيّنَ لها أنها دعاء،أنزل يده بعد أن انتهى..
،:ممكن تتوضين عشان نصلي ركعتين
تنحنحت قبل أن تُجيب،:احـم،متوضية
هز رأسه وهو يستدير متقدماً عنها ويهمس،:تمام
بعد ان انتهت صلاتهما..ظلت بثوب الصلاة جالسة تعبث بأصابعها..هو قد جلس على السرير بصمت وَتّرها..سمعت اسمها على لسانه..
،:حنـين
تحفزت لأي هجوم منه وهي تجيب ببرود،:نـعم
،:مشتري غذا..خلينا نتغذا انتي من البارحة مو ماكلة شي
رفعت عينيها له و نظرة التعجب واضحة فيهما..ابتسم لها وهي أنزلتهما بسرعة.. وقفت تخلع الثوب تنشغل به وهي ترد بكلمة واحدة
،:اوكـي
وقف واقترب من مكان وقوفها،لم تلتفت له وهو تساءل،:تبين نروح بيت اهلش المغرب؟
منزل أهلها..يعني أن تقابل والدها..لا لا تستطيع..لم تخطط كيف ستواجهه وماذا ستقول له..بسرعة قالت
،:لاا لا مو اليوم..خلها لباجر احسن
،:مثل ماتبين..انتظرش برا
و تجاوزها خارجاً..جلست هي بتعب على السرير..رفعت يد لجبينها،ضغطت بأصابعها..طوال مشاركته الغرفة لها كانت تنتظر منه هجوم واعتراض واسئلة على ماحدث البارحة..كرهت انتظارها لردة فعله..غير معقول التجاهل الذي يمارسه..و بطريقة ما أثار قهرها !
و عكس توقعاتها لم يفتح الموضوع معها على الغذاء..و الى ان انتهى اليوم !
،
انتبهت من غفلتها عندما انقلب على يساره ليقابلها وجهه..و لتتفادى تأمل وجهه القريب انقلبت هي أيضاً..رفعت الغطاء أكثر ولم يعد يبان سوى رأسها..أغمضت عينيها و شفتيها تحركتا تنطقان بأذكارها..تجاهلت أنفاسه العابرة من الخلف..وتناست أن جسده بحرارته الطبيعية لا يفصله عنها إلا سانتيمترات قليلة..و كالعادة نجحت،و غفت عيناها غير آبهة بالذي يُسمى زوجها..فإن كان هناك رجل يشغل عقلها..فهو بلا شك والدها !
~ انتهى
|