كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
خَبَت نيران دُموعها بَعْدَ مَضْي دَقائق لا تَعْلم حِسابها..لا زالت مُتَوَسَّدة سَريره بنُحول انْسَكَب على مَلامحها..على يَمينها كانت مُضَّجِعة بجَسَدٍ تَضَعْضَع من تَعَبِه..و وَجْهُها قَد بانت مَعالمهُ المَسْفوكة من الدّمع للهواء المَحْشور في الغُرْفة..،تَتَنَفَّس بإرهاق تَجَلَّى في صَوْت الأنين المُخْتَنِق بين أَضْلُعها..خُصلاتها الْتَصَقَت بوَجْنَتيها و جانب عُنُقِها..تُدْفئها من بَرْدٍ نَفَثَهُ شِتاء ذاك الغَريب..،بصُعوبة حَرَّكَت ذراعها اليُسْرى المُتَصَلّبة من الهَلَع..بانَ انْكشافها لعَيْنيها،فهي كانت تَرْتدي سُتْرة ذات أكْمام قَصيرة لم تَسْتُر ذراعيها..زَمَّت شَفَتيها بحَرَدٍ تَمازج مع صَبيب مُقْلَتيها..ليس من حَقّه أن يُزيح سُتْرَها..كيف أَجْرأ على ذلك ! انْتَقَل بَصَرها لرِسْغها المُحاط بساعة جِلْدية ناعمة..أَلَمٌ حاد زار فكّها و هي تَتَعَرَّف على الوَقْت..ازْدَردت ريقها بغَصَّة..كانت السَّاعة قد تَجاوزت الثَّامنة مَساءً..أَغْمَضَت بأسى مع اسْتِقْرار باطن يَدها على جَبينها المُغَضَّن..إلهى كيفُ هُو حال والدتها ؟ فهي غائبة مُنذ الصَّباح..ضَغَطَت عَليه و سُؤالٌ أَعْزَل ضَّجَ في جَوْفها..ماذا سَتَقُول لها ؟ فهي لم تَتَوَقَّع أَبَدأ هذا السيناريو..زَفَرَت بإغْماضٍ مُرْهَق مع هُبوط يَدها إلى صَدْرها..شَرَعَت تَتَنَفَّس بهُدوء لتُرَشّح جَواها من زَلازله و أَعاصيره..فذاك أتاها مُحَمَّلاً بكوارث الدُّنيا أَجْمع ليُأدّبها..غَريــــب...و جدَّاً ! ثَبَّتَت راحة يَدَيها على السَّرير بالقُرْب من بَطْنها،ثُمَّ بخفَّة رَفَعت جَسَدها ليَتَكالب الأَلم على عِظامها الغافية لفَتْرة طَويــلة..بملامح مُنْكَمِشة عَضَّت على شَفتها السُّفْلية و هي تُمْسْك ظَهْرها لتُمَسّده مُحاولةً أن تُخَفّف من الألَم..حَرَّكَت ساقَيها المَطْويتان..شَدَّت بكَفَّيها على حافَّة السَّرير و هي تُطالع الأَرْضِيَّة الخَشَبِيَّة..بحَذَر لامستها بأطْراف أصابع قَدَميها..و كأنَّها تَخْشى أن تَنْدَمج بَصَماتها مع بَصَماته المُبْهَمة الشَّيفْرة..ثوانٍ وَ وَقَفت مع مَسير عَدَسَتيها على الأَرْجاء..و في طَريقهما الْتَقَطَتا عباءتها و حجابها فَوْق الأريكة..خَطَت ناحيتهما و شُعورٌ يضاد الرَّاحة يَنْمو داخلها..و كأنَّ الغُرْفة جُزْءاً منها..أَو سَتَكون جُزْءاً منها..! حَرَّكت رأسها تَطْرُد هذه التَّرُهات عن فِكْرها..من الغباء أن تُفَكّر هكذا..،بدأت تَرْتدي العباءة و هي تُحاول أن تَسْتَرِق النَّظَر من فَتْحة الباب..تُريد أن تَعْرف أين هُو و ما ذا يَفْعل..فهذا الصَّمْت و السُّكون يُثْقِلان قَلْبها ويُعيدان جَرَّ صُخور الخَوف بين حُجْراته..أَخيراً انْتَهَت بعد أن أَخْفَت شَعْرها بالغطاء الذي أحاطت بهِ وَجْهها بإحْكام..خَطَت للباب بهُدوء..أَمْسَكَت بالمِقْبَض بيد،و الأُخْرى سافرت للَوْحة وَجْهها لتَمْسَح بقايا بَلَلِها..أَغْمَضَت للحَظات مع تَحَرُّك شَفَتيها بتَسْمِية هامِسة..فَتَحَت العَيْنان ثُمَّ و بهُدوء شَرَعت الباب لتَخْرُج..قابَلَها مَمَر يَحْوي بعض الغُرُف المُغْلَقة..بدأت تَمْشي بانْتباه و حَواس مُتَيَقّظة..تَجاوزت المَمَر،خَطَت خُطْوتان و الثَّالِثة قَطَعَها سَيْفُ عَيْنيه المُتَرَبّصتان..نالت منها رَعْشة تَكَهْرَبَت منها أَوْصالها..و كأنَّهُ سَمِع صَوْت خُطواتها الصَّامِتة ! شَدَّت على قِماش عَباءتها بقَبْضَتَيْها السَّابحَتين في العَرَق..اسْتَاءَت من ذاتها التي تَخْشاه..التَّوَتُّر البَغيظ المُقَيّد حَرَكتها..تَوازنها المُتَخْلْخِل،و نَبْضُها المُسْتَعِر..من هُو ليَهابهُ الوُجود هَكَذا ؟ حاوَلت أن تُحَرّك قَدَميها لأي زاوية تَحْتمي فيها من سَطْوة نَظَراته السَّوْداوية..لكنَّهما كانتا كالمُقَيَّدَتان بالأرْض..،صَوْته المُجْتَرع البُرود مَرَقَ مَسْمَعيها،:اتوقع انتهى الإغْماء و انتهى الصياح بعد...صح ؟
وُقوفه أَرْبَكَ أَهْدابها..تَكَوَّم النَّفَس في رئتيها رافِضاً الخُروج حتى لا يَتَبَدَّد من قُرْبه..ها هُو يَعُود لاقْترابه..اسْتَكان أمامها على بُعْد خُطْوة فَقَط..و هُو بهذه الخُطْوة يَسْمَح لها بجَرّ الأَنْفاس..غَيْر عالماً بحَجْم الفَوْضى الذي يُبْصقها على شَهيقها و زَفيرها..تَخَبَّطَ بَصَرها على صَدْره الذي زَأرَ ليُرعبها قبل ساعة..قَبْضَتها أَخْنَقت قُماش العباءة المسْكين مع مُواصَلة صَوْته مَسير كلماته،:أعْتقد مو اللحين الوَقت المُناسب عشان نتناقش عن الجُنون اللي كنتِ ناوية تَسويه
احْتَكَّت أَسْنانها بقَهَر من نَبْرته المُنْتَشِية سُخْرية..فَتَحَت فَمها تُريد أن تُذَكّره بالحُرْمة التي تَعَدَّى عليها..بلسانٍ ارْتَدى حِدَّة مُهْتَرِئة..،:مو من حقك تشيل عنّي عبايتي و شيلتي..ماني حَلال عَليك
مالَ في وُقوفه مع اتّكاء يده على خِصْره ليَقُول بابْتسامة مُغْرَقة بالثّقة،:اعْتَبرتها نَظْرة شَرْعية "خَفَت صَوْته ليُرْدِف بوَجْسٍ شَحب منهُ لَوْنها" و لاَّ مو من حقي اتفَقَّد البنت اللي ابيها تكون حلالي ؟
تَصَلَّبَ فكَّها و جُحوظ جَزِع أحاط بعَيْنيها..شَعَرت بأوْداجها تَتَفَجَّر منها دِماء لا مَرْئيَّة لها رائِحة نَتِنة كانت الخَارِطة التي تَسوقها ناحِية مُسْتَقْبلٍ غامِض..رَفَعَت رأسها ببطء الصَّدْمة لتَبْعَث لهُ نَظَرات تَحْكي عَدَم الفَهم..هُو أَكْمَل بذات الثَّقة السَّقيمة،:قبل جم يوم خطبتش من أمش و أخوش..ينتظرونش ترجعين طبيعية عشان يكلمونش بالموْضوع "اسْتقام في وُقوفه و هو يَسْتَأنف حَديثه دون أن يَمْنَحْها ثوانٍ لتَسْتَوعب هذا الخَبر الصّاعق" انتظر منش مُوافقة "حاجبه اعْتَلى ليَقُول و عَيْناه تَلْتَحم بعَيْنيها الضَّائعتين عَلَّهُ يَهْديهما لأَرْض الخَلاص" قضية ابوش قضيتي..و ارتباطنا أول مفاتيح حُلولها..،
,،
الوَقْت الحالي
رائِحة خَفيفة لها بُرودة لَذيذة داعَبَت أَنْفَها..عِطْرٌ امْتَزَج مع رائِحة رُجوليَّة تَعْرفها..تُريد أن تَفْتَح عَيْنيها لتُبْصِر صاحبها و تُخْبره أنَّ لهُ ذَوْق جَذَّاب..لكنَّ النَّوْم كان مُحْكِماً سَيْطَرته على وَعْيها....كالعادة..،..هَمْهَمت و هي تَنْقَلب على يَمينها..دَغْدَغ بَشْرَتها الصَّافِية نَسيم بارد تَغَلْغَت فيه تلك الرَّائِحة..زَحَفَ جَسَدها بانْقيادٍ لها..و مع تَحَرُّكها يَتَضاعف تَرْكيزها حتى شَعَرت بها تُسْقي جَوْفَها..أَخيراً وَصَلت للنَّبْع الذي تَفُوح منه..دَفَنت وَجْهها وَسَطه مُمَرّغة أَنْفها بخفَّة لتَسْتَنْشِق..ثوانٍ و هَدَأت أَنْفاسها و ابْتسامة حالِمة تُجَمّل شَفَتيها..،هُو اسْتَيْقَظ قبل دقائق..بَقي على السَّرير يَتَأَمَّلها كعادته في كُل صَباح..يَتأَكَّد من تَطابقها مع خَيالها المَنْحوت فَوْقَ صَفْحة قَلْبه..لذلك كان شاهِداً على تَصَرُّفها الغَريب..و ها هُو الآن مَحْموماً من النار التي أَشْعَلَها احْتكاك نَبَضاته ببعضها البَعْض..نَفَسَها الدَّافئ كان مُحَمَّلاً بالرَّبيع..و مَلْمَس وَجْهها لعُنُقِه يَغْزِل بأوْداجه الحَرير..شَعْرها ذو الخُصْلات الطَّويلة على غَيْر العادة تَوَسَّدَ صَدْره العاري،كما سِهام صُنعت من الرّقة لتَمْرَقه و تُعانق أَضْلاعه..،ثَقُلَت أَنْفاسه و خَدَرٌ شَهي بدأ يُناغي حواسه..لا يَسْتطيع أن يَمْضي مع قافِلة السَكَر هذه..يَجَب أن يَتَجَهّز لعَمله..اسْتَنْشَق بعُمق قبل أن يُخْفِض رأسه ليَهْمس في أُذْنها،:حَنيــن
حَرَّك الهَمَس وَتَرَ الصَّحْوة لثوانٍ فقط تَسَبَّبت في إزْعاجها..و على إثْر ذلك ضَعَّفَت من دَفْن وَجْهها في عُنُقِه، و هذه المَرَّة أعانتها كَفّها التي ارْتَفَعت لتَتمَسَّك بكَتِفه..ارْتَفَع حاجبه و الإسْتنكار يَسْبح وَسَط عَيْنيه..ما بها ! هَمَس من جَديد يُناديها،:حَنين قُومي "كَرَّرَ و هو يُخْفض صَوْته أَكْثَر" حَنيـــن
عُقْدة لم تُبْصرها عَيْناه تَوَسَّطت حاجيبها..فَتَحَت عَيْنيها لتَصْطَدمان بالظَّلام..تَصافقت أَهْدابها مُدَغْدِغةً عُنُقِه..ابْتَسَم و آثار ضِحْكة تَسْكن ملامحه..أَبْعَدَت رأسها و هي تُزيح خُصْلاتها عن جانب وَجْهها لتَلْتَقي العَيْنان..فَغَرَت فاهها تُحاول أن تَسْتوعب سَبب قُرْبه هذا..تَخَبَّطَت عَدَستيها..لحْظة..الرَّائِحة..و قَبْلَ أن تَكْتَمِل الفِكْرة هَمَسَ هُو بتَعَجُّب،:شكنتِ تسوين ؟
تَرَاجعت عنه و هي تُشيح بَصَرها عن مَدار عَيْنيه..الإحْمرار أَنْبَت نَفْسه بين ملامحها و بين ثَنايا عُنُقِها و نَحْرِها..غَبِيَّة..غَبِيَّة...بجُرْأة الْتَصَقت به لتَسْتَنْشِق رائحته..رَفَعت الغِطاء تُريد أن تَتَسَتَّر على حَرَجِها..لكن يَده قَبَضَت عليه ليَمْنعها..قال بخُفوت و لَحْنٍ مُشاكِس،:شكنتِ تشمين ؟
حَرَّكَت شَفَتيها بكلمة لم يَفْهمها..عَقَّدَ حاجبيه بضِحْكة و هو يَقول مُحاولاً إغاظتها،:شنــوو..ما سمعت ؟
رَفَعت صَوْتها قَليلاً ليصله هَمْسها المَبْحوح،:و لا شــي
أَزاح الغطاء عنه و هو يَقول بنَبْرة مُلْتوية،:النّوم على طول مسيطر عليش..و اللحين تشمين ريحتي "غَمَزَ لها بتَلاعُب و هو يُكْمِل" لو كنتِ تصلّين قلت هذي تتنسى
تَرَك السَّرير قاصِداً دَوْرة المياه..و قَبْل أن يَدْلف اسْتدار ليَجْترع اللون القُرْمزي الذي اخْتنق في وَجْهها..وَصَلتها ضِحْكته العالية لتَغُوص أَسْفَل الغِطاء هارِبةً بحَرَجِها العَظيم..،الخَبيــث..إنَّهُ يُراقبها..يُلاحظ أَدَّقَ تَفاصيلها..حتى ذلك المَوْضوع الحَسَّاس..أَغْمَضَت بشِدَّة من ارْتعاشة الخَجَل التي باغتتها..زَيَّنَت شَفَتيها ابْتسامة ناعمة لا تَدْري لماذا بَزَغَت..و لم تُسْهِب في بَحْثها عن سَبباً لها..،أَبْعَدَت الغِطاء عنها لتَجْلُس..الْتَقَطت هاتفها ليَرْتَطِم وَعْيها بالسَّاعة..فَغَرَت فاهها بعدم اسْتيعاب..إنَّها السَّادسة و النصف صَباحاً..أَيُعْقَل !! تَلَفَّتَت مُنْتَبِهة للشَمْس المُضيئة الغُرْفة..هذا يعني أنَّها نائِمة مُنذ ظُهر البارحة ! وَضَعَت يَدها على جَبينها بصَدْمة من نَفْسها العاشِقة للنَوم حَدَّ الثَّمالة..هَمَست بلا تَصْديق،:شنو هذا حَنين ..مو إلى هالدرجة عــاد !
غَفَت و هي تُرَتّب كلماتها فَوْق سُطور مُتَعَرّجة..تَرْفض الإسْتقامة عن الغُرور..قَرَّرَت أن تَتَنازل عن كِبْريائها لبعض الوَقْت،لتَسْتَطيع أن تُفَكّر بعَقْلانية..و انْتَهى عَقْلها بعِدَّة نتائج..جَميعها اتَّفَق على ضَرورة الإعْتذار منه..لذلك ظَلَّت تُقَلّب في صُندوق مُفْرداتها عن كَلِمات اعْتذار تُليق به..فلا جَدْوى من هذه الأَفْعال مثلما قال..فَرُوحها تَسَيَّدت مُهِمَّة الإرْتجاع،و بَعْدَ تَحْليلٍ و تَنْقيحٍ للمواقف..اكْتَشَفَت أنَّه لم يُسئ لها..كان رَقيقاً..لَطيفاً..مُهْتَمَّاً و مُحِبّا..فلمِ تُقابل خَيْره بشَر يُحيل عَيْشَهما مُسْتَنْقَع من رَماد ؟ لا تَرْتَفع منهُ سوى رائحة قَبيحة لها لونٌ أَسْود يُعْمي عَيْن الفَرح المُنْبَجِسة من إلْتقاء أُنوثتها برُجولته..،أَخْفَضَت كَفَّها مع خُروجه..اتَّجَه مُباشرة لغُرْفة المَلابس..تَرَكَت السَّرير لتَمْشي حافِية حَتَّى دَوْرة المياه..أزالت آثار النُّوم عن وَجْهها و نَظّفت أَسْنانها قَبْلَ ان تَتَشَرَّب قَطَرات الماء الغافية فَوْق بشرتها بمنشفة صَغيرة..خَرَجت لتراه يَخْرج من غُرْفة الملابس مُرْتَدياً بنطاله فَقَط.. وفي يَده قَميص أَسْود..شَتَّتت التَّرَدُّد عنها لتَرتَدي قُلنْسوة ثِقة لدقائق..نَطَقت بهُدوء و عَيْناها تُلاحقه حتَّى اسْتَقَرَّ أمام المرآة..،:بسَّام ابي اكلمك
عَقَّب دُون أن يَنْظر لها،:ان شاء الله اذا رجعت من الشغل
عُقْدة خَفيفة طالت ما بين حاجبيها..هَتَفَ صَوْت في داخلها بلا حادَّة..لا تَسْتطيع الإنْتظار أَكْثر..فَصَبْرها قَد اسْتُنْزِف بأَكْمله بالأَمْس..بإصرار قالت،:لا بسَّام..اللحيــن
اسْتَدار جسده برأس مُنْخفض بانْدماج لحَرَكة يَداه اللتان تَحْشران القَميص في البِنْطال..و بنَبْرة ارْتَشَفَت منها عَدَم الإهْتمام،:مابي اتأخر على الدوام..انتظري لين ارجع
تَقَدَّمَت منه بانْدِفاع تَرْجمهُ صَوْت خُطواتها..تَوَقَّفَت أمامه تَمْنَعهُ من التَّحَرُّك و هي تَعْقِد عَيْنيها بِعَيْنيه..ارْتَدَت عَباءة الجِدّية و هي تَقول،:باقي ساعة و شوي على شغلك..ما بتتأخر
نَقَل بَصَره بين حَدَقَتيها المُحيطة بهما هالة من إصْرار غَريب.. ترك القَميص ليَهمس بتَجاوب،:قُولي
أَسْدَلَت أَجْفانها لتُخْفي عنه عَسَلها المُنْتَشية منه نَبَضاته.. ارْتَفَع صَدْرها بوُضوح،كاشِفةً عن اسْتنشاق عَميــق كان التِرْياق الذي بهِ تُجَدَّد وُجودها..بهذا النَّفَسَ وَعَدَت ذاتها بأن تَكُون حَنين نَقِيَّة من كِبْرياء آسن نَغَّصَ اسْتقرار عُشَّها الزَّوْجي..أَبْصَرت لتَحْتَضِن بين أَجْفانها نَظْرَته التَّائِهة فيها..شَعَرَت بالبُكاء يُزَعْزع ثَباتها..تَشَبَّثَت ببقايا قُوَّتها ناطِقةً من بين حَشْرَجاتها،:آســفة
هَمَسَ بسُؤال مَبْحوح،:عــلى ؟
مالَ رأسها بخِفَّة لتَميل مَعهُ السَّحابة المُثْقَلة وَسَط مُقْلَتيها..أَجابت و الصّدق لسناها،:آسفة على رفضي لك في البداية..آسفة على قراري بعدم لقاءنا فترة الملجة..آسفة على ليلة عرسنا..آسفة على تستري على ملجتي الأولى..آسفة على صَدّي و برودي..و آسفة على اللي سويته آخر شي"بَلَّلت شَفَتيها ليَسْتَطْعم لسانها مُلوحة وُلِدَت من دُموعٍ تَراشقت من عَيْنيها دون أَن تَشْعر..أَكْمَلت بغَصَّة" بسَّام والله إنّي ما حبيت راشد..ما انكر إنّي حاولت أحبب نفسي فيه،لأني ظنيته بيكون الشخص اللي برتبط فيه..لكن ما قدرت..كل اللي حبيته الكلام اللي في الوَرق..حبيته لأنّه يحسسني بشعور غَريب إذا غاب تشتاق له روحي "بَعَثَت لهُ نَظَرات تَرَطَّبَت من وَدَقِها لتَقُول بلحنٍ راجي" صدقني مادري من صاحب هالرسايل..ما عمري رفعت عيوني لأي رجال عشان انتبه إنَّ في أحد ممكن يحبنـ ـي..ما تربيت على هالشي..عشان جذي قلت إنهم من راشد..و للحين احاول اقنع نفسي إنه صاحبهم..تكون منه و لا من شخص ثاني ممكن يسبب لي مشاكل "تَنَشَّقَت و هي تَمْسح صَبيبها بظاهر يَديها و لسانها يُواصل" عَوَّدت روحي من يوم إني صغيرة على راشد..أَجْبرت نفسي إنها تتقبله و اسْتسلمت لفكرة إنَّه يكون شريك حياتي..لأنها كانت رغبة أبوي..و ما حبيت اكسر فرحته..لكــن "تَصَدَّعَت ملامحها من رُعود تلك اللَيْلة المُوْحِشة..لَيْلة الخِيانة و سُقوط الأَقْنعة..اخْتَنَقَ صَوْتها من زُحام الغَصَّات و العَبَرات ليَخْرج ضَعيفاً يكادُ أن يَهْزمه الوَهْن"فَشّلني قدام أهلي و قدام معارفنا..ظليت انتظره بفستاني و حنتـ ـي و زينتي..لكن ما جاء..كَسَرني قدامهم كلهم..ما قَدّر فرحة ابوي و ولا احترم أي أحد "أَغْمَضَت تُريد أن تَنْسِف الصَّورة و تُهَجّرها عن أَرْض ذاكرتها" ما قدرت اتخَلَّص من أَثَر ذيك الليـ ـلة..سامحني. لأني تركت ذكراها تشوه ليلة عُمرنا..بس ما كنت ابي اشوف نظرات الشفقة من الناس اللي شهدوا على إهـانــ
إبْهامه بحَرَكة خاطِفة لامَسَ شَفَتيها،مُصْطَدَّاً بحنانه للرَّصاصات المُنْطَلِقة من لسانها لتَنْغَرس في قَلْبها..مَسَحَ بخفَّة عليهما،و كأنَّهُ يُريد أن يَبُثَّ الحياة بين تَشَقُّقاتهما..كَفّه اليُسْرى ارْتَفَعت لاحْتضان اهْتراء وَجْنتها..شَدَّ بحَنو و هَمْسهُ صَيَّرهُ المَوْقف سَحابة عَبَرت أَزْمنة عِشْقه لتُمْطِر عَذْباً على رُوحها الحَزينة..،:حَنين ما انخلقت عشان تنهان..هُو أهان نَفْسه و بَصَم على وَثيقة سُوء أَخلاقه "الْتَقَط دُموعها بخُطوط راحتيه الوالهتين و هُو يُرْدِف و عَيْناه تُرْسِلان لها طُيوراً من ثِقة" هو اللي خَسَر و إنتِ اللي رَبحتين خلاصش منه..ربي يحبش حَنين..أبْعده عنش قبل لا يقلب حياتش إلى سواد
قَرَّبَ وَجْهه منها أَكْثر..و بخِفَّة قَطْرة النَّدى قَبَّلَ عَيْنها اليُمْنى..و بنقاء صَباحات العاشقين كانت قُبْلته لليُسْرى..هَمَسَ بابْتسامة رَقيقة و هُو يُداعب رْمشيها،:ارْحمي جمال هالعيون..ترى أتعبتهم الدموع
هذا هُو بَسَّام..نعم هذا هُو الذي نَفَرتهُ بشظايا جَليدها في لياليهما الأولى..تَساءَلت و هي تَهْفو إلى عَيْنيه،:مسامحني ؟
أَصْدَرَ صَوْت نافي من بين شَفَتيه تَقَوَّست لأجْله شَفَتيها..اتَّسَعت ابْتسامته و هُو يُراقِب ارْتعاشتهما اسْتعداداً لفَصْل البُكاء الجَديد..نَطَقَ،:اصلاً ما كنت زعلان..بس كنت ابيش توتعين لنفسش
ابْتَسَمت براحة و هي تَرى كيف أَخْرَج لسانه لها بمُشاكسة طُفولية..مال رأسها قَليلاً و هي تُقَرّب شَفَتيها من خَدّه..و بنعومة بالــــغة قَبَّلته لتُلْهِب مَشاعره العابدة حَنينها..هَمَسَت لهُ بصدق بَرَق في عَيْنيها،:شُكْراً بَسَّام
حَطَّت أَسنانه على شَفته قَبْلَ أن يَهْمس بملامح مازِحة،:شكلي اليوم ما بروح الدّوام
تَساءَلت ببراءة أَجَّجَت من رغبته،:ليــش ؟
نَقَلَ بَصَره بين عَيْنيها و موضع السَّكَر يُعْلمها بالسَّبب..لحظات و أَكَّدت لها قُبْلته المُشْتاقة مَقْصَده..،
,،
تَسَلَّلَت الصَّحْوة إلى وَعْيه..مِثْلَما تَسَلَّلَت الشّمْس من أَسْفَل السَّتائِر،لتُداعب سُكون عَيْنيه و تَتَوه في حَوَر اليُسْرى منهما..أَزاحَ جِفْنيه ببطءٍ ناعِس..اضَّجَعَ على جَنْبه الأَيْمَن بمَلامح غَزاها النَّوم و جَعَّدَها..رَفَع يَده ليَدْعك عَيْنه برِسْغه يُزيح الغَمامة الحاجِبة عنه الرُّؤية..أَبْعَدها و هو يَرْمش بحَرَكات مُتَتالية..انْقَلَب على بَطْنه مع امْتداد ذراعه للمِنْضدة بجانب السَّرير..تناول هاتفه ليَسْتَفْسِر الوَقْت..كانَ يَقْتَرِب من الحادية عَشَر..فَتَحَ الهاتف ليَصْطَدم بَصَره بصَفْحة حُفْظ الأَرْقام..عُقْدة خَفيفة بين حاجبيه أَعْرَبَت عن عَدَم فهمه..لكن ثوانٍ و تَبَدَّدت لتَتْبعها ابْتسامة أمالت شَفَتيه..تَذَكَّره..رَقم مَرْوة..انْشغَل و نَسي أَمْره..و منذُ تلك السَّاعة لم يَلْتَفِت لهاتفه..كان قَد تَوَقَّف عند تَسْمِيَته..لذا واصَل عَمَله الآن و هو يَعُود ليَسْتَلْقي على ظَهْره رافِعاً الهاتف أمام عَيْنيه..،
"الدكتورة مَرْوة"
حَرَّكَ رأسه بالنَّفي..لا..لا يَصْلُح،فهو مُتَشَبّع بالرَّسْمية..إذاً مَرْوة دُون أَلْقاب..ارْتَفَع صَوْت رافِض من بين شَفَتيه..غير مُناسب أَبَداً،فهو يُوْحي بانْسجام العِلاقة أَو أنَّ وشائج من صِلة تَرْبطهما..مَسَّ بتَفْكير خُصلات شعره المُبَعْثرة بعَفَوية جَذَّابة..أَسْدَلَ جِفْنيه و هو يَتَنَفَّس بهُدوء..لاَحَت لهُ أَطْياف مَواقفهما الماضِية..ارْتَسَمت ضِحْكة على ملامحه..أَبْصَرَ و هُو يُبَلّل شَفَتتيه..اخْتار بِضْعة حُروف قَبْل أن يَحْفَظ الرَّقم..نَظَر لإسم مع اتّساع ابْتسامته..يُناسبها و بِشِدَّة..."مُشْكِلة"...نعم هي مُشْكلة بالنّسبة له.. فوُجودها حَوْله يَبْعَث في نَفْسه شُعور غير مُريح..و هذا ما يُضايقه..،رَفَعهُ إلى أُذْنه بعد أن اخْتار الإتّصال..نَطَقَ صَوْت في داخله..رُبَّما هي في المُسْتَشفى و مُزْدَحِمة في عَمَلِها..حَرَّك رأسه مع تَقَوّس شَفَتيه..سَيُجَرّب..طالَ الرَّنين و كاد يَنْقَطِع إلا أنَّ صَوْتاً مُتَسَرْبلاً ببحَّة النَّوم عانَقَ مَسْمعه..،:الــو
رَفَع جَسَده ليَجْلُس،تَنَحْنَحَ قَبْل أن يَقول،:السلام عليكم
صَمْتٌ ارْتَفَع منها و لم يأته تَعْقيب لسلامه..أَبْعَد الغِطاء عنه تارِكاً السَّرير..خَطى بخفَّة ناحِية النَّافِذة و هو يُناديها،:دكتورة مروة تسمعيني ؟
أَجابهُ هَمْسٌ مَشُوب بذراتٍ من ضِيق،:شبغيت دكتور عبدالله ؟
تَوَقَّفَت قَدماه مع احْتلال الإسْتغراب على ملامحه..حَكَّ خَدَّه بطرف سَبَّابته مع إفْصاح لسانه عن اسْتغرابه،:عرفتين صوتي !
عَلَّقَت بكلمات تَقَلَّدَت بالجَليد،:اللحين إنت متصل لي عشان تشوفني اعرف صوتك لو لا !
عَضَّ على شَفته يُكْبِح ضِحْكة أَرادت أن تُغادر حَنْجرته..واصل مَسيره حتَّى النَّافِذة..أَزاح السَّتائِر سامِحاً للشَمْس بأن تَتَباهى بضَوئِها الرَّاقص على جَسَده و أَرْكان غُرْفته..غَلَّف صَوْته بالجِديَّة ليَقُول،:أنا متصل اعْتَذر "انْتَظَر لثوانٍ اسْتجابة منها،لكنَّهُ واصِل عندما اصْطَدَم بالصَّمْت" أنا آسف "كَرَّر بصدق مَسَّتهُ حواسها" فعلاً آسف..ما كان له داعي اللي سويته..و الحجي اللي قلته بعد "قَبَضَ على خُصْلاته من الأمام و هو يُرْدِف بتَبْرير و عَيْناه تَتَقَلَّبان على الزُجاج" بس كنت متضايق شوي و شايل هم شي
أَنْهى حَديثه بزَفْرة مَأهُولة بتَعبه المُتكالب عَليه من مَوْضوع عَمَّار و شَقيقته..رَفَع ذراعه ليَتَّكئ بباطنها على النَّافذة،مُسْتَقِرَّاً بجبينه على ظاهر كَفّه المَقْبوضة..هي عَقَّبت على كلماته بكلمات كانت كالمطرقة تَدق ناقوس أَدبه،:بس يا دكتور لازم تتعلم تفصل مشاكلك و همومك عن الشغل أو عن أي شي ثاني..النّاس ما لها ذنب اذا كنت إنت متضايقك "و بنَبْرة مُبَطَّنة اسْتطاع أن يَفك خُيوطها" احْترمهم عشان يحترمونك
أَغْمَضَ عَيْنيه و ضِحْكة قَصيرة مَبْحوحة فَرَّت منه،أَتْبَعها بهَمْسٍ لم يَعْلم أنَّهُ زَعْزَع سُكون نَبْض تِلك..،:ان شاء الله..على أمرش..آخر مرَّة اصير قليل أدب "أَرْدَف ليُعَرّفها على جُزَيء من شَخْصيته" و ترى اللي صَدر مني مو من طَبْعي..عبدالله أَرْقى من جذي "أَبْصَر فَجْأة و كأنَّهُ تَذَكَّر شي..رَفَع رأسه مع انْخفاض ذراعه ليَقُول آآه بغيت انسى..ما تشوفين شر..الدكتور حسين يقول تعبانة
ردَت بهَمْسٍ كان الفُتات النَّاجي من صَوْتها الذي أَبْكَمتهُ عَفَويته....السَّاحِرة..،:الشر ما يجيك
تَراجع للخلف و هو يَحْشر كَفّه في جَيْب سروال مَنامته..هَمْهَم قَبْل أن يَقول،:زيــن..نشوفش على خير
قالت هي لتُنْهي المُكالمة المُتَدَثّرة بالغَرابة،:مع السلامة
ردَّ بوَجْسه الباذخ،:مع السَّــلامة
أَخْفَضَ الهاتف عن أُذنه..نَظَرَ للشاشة بابْتسِامة واسِعة كَشَفَت عن صَفَّ أَسْنانه..هَمَسَ و هو يَهز رأسه،:في كل الأوقات و في كل الأوْضاع عندها رد !
،
على الجِهة الأخْرى..كانت تَنْظر للهاتف المُحْتَضِنَتهُ بيَديها..تَنْظر لرَقْمه الغير مُسَجَّل..إمارات التَّعَجُّب تُشارك آثار النَّوم كَسْو مَلامحها..لم تَتَوَقَّع و لو لوَهْلة أن يُحادثها ! هُو في أفْضَل الأحوال قَد يُبَرّر فعلته حينما يُصادفها في المُسْتَشْفى..لكن أن يَتَّصِل ! رَفَعت رأسها و هي تُغْمض بشِدَّة..ضَغَطَت على شَفَتيها بقوَّة مع انْحسار كَفَّيها عن الهاتف،لتَرْتفعان إلى صَدْرها..جِهة ذاك الأبْلَه الذي عَصِفَ صَوْت عبدالله بشَعْبه..هَمَسَت لذاتها تُوَبخها،:اعْقَلى مَرْوة..الغباء اللي صار قبل ما لازم ينعاد..سيطري على نفسش
انْتَظَرت لدقيقة حتَّى خَبَت نَبَضاتها..و حَلَّت الرَّعْشة عُقْدتها عن أَطْرافها..زَفَرت و بيدها أَرْجعت خَصلاتها الشَّقراء للخَلَف..قَلَّبَت عَيْنيها على الغُرْفة و ابْتسامة مُشاكِسة تبزغ على وَجْهها..نَطَقَت بحاجب ارْتَفع تعَجُّباً،:و الله و طلع قلبك رَهيف يا عبدالله !
أَلَقَت جَسَدها على السَّرير..احْتَضَنت الوسادة لصَدْرها و ضِحْكَتها تَنْبَجس من أَعْماق رُوحها المُحيكة خُطَطاً مُعْتَمة النَّتيجة..هَمَسَت بتَمَنّي ماكِر و هي تَدْفن وَجْهها في الوسادة،:يُوم اللي اشوفك هايم فيني يا ولد بَلْقيــس
,،
أَعْلَمَها فَيْصَل في الصَّباح الباكِر عن طَريق رِسالة قَصير أنَّ المَدْرسة التي سُجّلت فيها جَنى حَدَّدت مَوْعداً للمقُابلة و الإمْتحان..و هو اليوم في الثَّانية عَشَر مَساءً..لذلك اضطَّرَت أن تَتَغَيَّب عن العَمَل لتُرافق صَغيرتها في مِثْل هذا اليَوم المُهم..كانت مُقَرّرة أن تَذهب معها في سيَّارتها الخاصَّة..لكن كان لفَيْصل قَراراً مُخْتلفاً..فهو اقْتَرَح أن تَسْتَقِل سَيَّارته مع جَنى..رَفَضَت في البِداية لكنَّهُ أَصَر بقَوْله الغير قابل للنّقاش
"ماله داعي كل واحد في سيارة و احنا بنروح لنفس المكان عشان الشخص نفسه..نروح كلنا مع بعض..خل تحس البنت إنه يُوم طَبيعي و إنها حالها حال أي طالبة"
لذا وافقَت على مَضض من أَجْل جَنـى..فُرُبَّما قُرْبها من فَيْصل في هذا اليُوم يُنْبِت زَهْراً من حَميمية دافئة وَسَط قَلْبها المُتَعَطّش للدفء..فهي في آخر حَديث لها مع نَدى في مَكْتبها اعْتَرَفت بجاهزيتها لفعل المُسْتَحيل من أَجْل ابْنتها..و مُشاركته الرّحلة أَبْسَط المُسْتَحيلات..،كانت هي و جَنى تَنْتَظِران في غُرْفة الجُلوس قُدومه..بكلماتها الرَّقيقة تَعْقِد إكْليلاً من ثِقة لتَتَطَيَّب بهِ ذات صَغيرتها،و التي كانت لا تَحْتاج لجُرْعة من ثِقة تَسْري في عُروقها مَسْرى الدّماء..فهي وَرَثتها من والدها الذي لم يَكْتفِ و أَصْبَح يُطْعمها إياه طيلة سنواتها الماضية..،رَنين الهاتف تَداخل مع حَديثهما،ثانيتان فقط و انْقَطَع..قالت جِنان و هي تَنْظر للشاشة،:يله ماما جَنى..بابا وَصل
تَرَكَت جَنى مَكانها لتَجْري بحَماس مُحْفُوف بسَعادة بالِغة الْتَمَسَتها أُمومة جِنان المُتَيَقّظة..لَحِقَتها بهُدوء لخارج المَنْزل حيث ينتظرهما..ارْتَدَت نَظَّارتها و هي تَقْتَرب من السَّيارة..جَنى بتلقائية اسْتَقَرَّت في المقاعد الخَلْفِيَّة..و هي بالطَّبع يَجِب أن تَجْلُس في مَقْعد الرَّاكب..حَبَسَت أَنْفاسها و كأنَّها ستَغُوص وَسَط بَحْرٍ مُحْتَدِم الأَخْطار..أَصْمَتَت حَواسها و صَلَّبَت أَطْرافها..و لَم تَنْسَ أن تُقَيّد نَبَضاتها و قَلْبها..و بَعْد أن أَنْهَت اسْتبدادها على ذاتها فتَحَت الباب مُتَّخِذةً مَكانها..أَغْلَقَته لتَنْفَصِل عن العالم الخارجي و تَمْتَزج مع عالمه المَأهول بشَعْبٍ من كِبْرياء..رَعْشة بــاردة صَفَعت أَوْصالها و مَرَّت بَرْقاً خاطِفاً عابِرة عَمودها الفَقَري..فعطره الأَذْفَر قد تَشَبَّثَ بكُل زاوية من السَّيارة..و هي مُتَيَقّنة أنَّ بَعْد دَقيقة سَتَجِد ملابسها..أَنْفاسها و رُوحها قد تَشَبَّعوا بالرَّائِحة..زَفَرت بتَهَدُّج مع اسْتسلام مُقْلَتيها لإغْماضٍ مُرْهَق..نَعم فقُرْبهُ مُرْهِق..يَطوف بين الحَنايا كما مَرَضٍ عُضال لا يُشْفى منه..و عَجَباً أنَّها تَسْتَلِذ بوَجِع هذا المَرَض..كانت مَشْدوهة لتَقَلُّبات جَواها و تَخَبّطه..و مَسْمَعيها قد ضَجَّت فيهما قَرْع طُبول نَبَضاتها..هي حتَّى أَنْفاسها كانت تُعاين بوَعْيها المُرْتَبِك بَعْثَرَتها..و من بين فَوْضاها أَتاها صَوْته بِبَحّته المُمَيّزة و أَسْرى في صَدْرها أَغْدرة عَذْبة،:سلام جِنـــان
مَرَّرَت لسانها على شَفَتيها و يداها المُتَعَرّقتان تَشُدَّان على حَقيبتها المُسْتَقِرَّة في حُضْنها..هي لم تَنْتبه أنَّها دَلَفَت دون سَلام..ابْتَلَعت تَخَبّطها لتَرُد بصَوْت انْكَمَشَ من تَوَتّره،:و و عليكم السَّـ ـلام
كانت تَجْلس على طَرف المَقْعَد بظَهْرٍ مُسْتَقيم من تَشَنُّجها،و وَجْهها مُتَصَنّم،تُناظر للأمام و كأنَّها مُعاقَبة..،تَحَرَّكَت السَّيارة ليَشْدو حَديثهما هُو و َجَنى..كان يَصِلها صَوْتيهما و لكَنَّ عَقْلها الغائب اسْتَعْصى عَليه تَفْسير الكَلمات..فهو لا زال يُحاول أن يَسْتَعيد لُبّه المَغْشي عليه من المَوْقف..احْتاجت لدقائق لتَسْتَرد أَنْفاسها و تُرَشّح جَواها من ثَوْرته..بخفَّة تَراجعت للخلف لتُسْنِد ظَهْرها..تَركَت يَداها الحَقيبة ثُمَّ أَرْخَتْهما في حُضْنها..شَرَعت تُمَسّد رِسْغيها لتُنْعش الدَم المُتَجَمّد في عُروقها..هذه المَرَّة كانت تَجْتَرع الحَديث باسْتيعاب..مُلْتَفِة بكامل حَواسها للأَرْيَحية التي تَحْتويه..فحَديثهما كان سَلِس..مُتَناغم..تَفُوح منهُ فِطْرة شَهِيَّة..أَبوي و طُفولي..و الحَنان يُلَوّنه..على عَكْس حَديثها معها..أَشاحت وجْهها للنَّافِذة مع امْتلاك ابْتسامة أَسَى لشَفَتيها..غَفَت فَوْق وَجْهها الأَشِعة المُخْتَرِقة الزُّجاج..و كأنَّها بضَوْئِها تُطَبْطِب على جِرْحها المَسْفوح على ملامحها..فطِفْلتها لا زالت تَخْجَل منها..لم تَعْتَدها بَعْد..و لم يُزْهِر الكَلام بينهما بمثل هذا اليَنَع..فتُرْبة الفِراق القاحِلة كانت السَّبَب الأعْظم للحَيْلولة دون نُضْج حَديثهما.. سامَحَك الله يا فَيْصَل..،
,،
يتبع
|