كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
صُورتها المُنْعَكِسة أمام المرآة بَدَت مُشْرِقة،مُزْهِرة و عَطِرة،كانت فعلاً ياسَمينة..،الإبْتسامة تَعاضَدَت مع أحَمَر الشفاه الفاتح لتَزيين شَفَتيها،مَساحيق التَجْميل البسيطة أَبْرَزَت ملامحها النَّاعمة بطريقة مُلْفِتة،و هي بالطَّبْع تُريد أن تَكون مُلْفِتة اللَّيْلة..،
،:اتوقع فرحتش الليلة ما لها مَثيل
اتَّسَعت ابْتسامتها،و مثل أَميرة داعَبَت بأناملها خصلاتها المَسْدولة فَوْق كَتِفها الأَيْسَر..اسْتدارت لابنة خالتها و هي تقول،:احس نفسي في حلم خايفة أحد يقطعه علي "احْتَضَنت وجْنتيها المُنتبذتان احْمرار خَفيف و هي تُرْدِف بخَجَل" هذا بس جايين يخطبون و جذي وضعي،شلون يوم الملجة و العرس ؟
ابْتَسَمت بحُب،:الله يتمم على خير
فُتِح الباب لتُقابلهما أَنَفال المُتَأنّقة من غير تَكَلُّف،مالت في وُقوفها و كَفُّها تَسْتَقِر على خِصْرها،و بمُشاكَسة،:شَرفي مَدام فيصل..يبون يشوفونش
ضَحَكت ابنة خالتها مُعَقّبة،:للحين ما صارت مدامه تونا بسم الله
نَطَقَت ياسَمين و الإرتباك لسانها،:احس خفت "ضْغَطَت على أصابعها تَمْتَص بَعثَرتها و هي تَتَساءَل بغَباء" عادي ما انزل ؟
جَرَّتها أنْفال من ذراعها و هي تَقول بمُزاح،:اقول امشي امشي..الناس متعنيين عشان حضرة جنابش..و اخرتها ما تنزلين !
تَبِعت شَقيقتها للأَسْفَل و قَلْبُها يَكادُ يَقْفِز من صَدْرها..حاصَرَتها حَرارة شَعَرت بها تَكوي جِلَدَها الرَّقيق عندما أَصْبَحت أمام والدته التي وَقَفَت تَسْتَقْبِلها..تَبادَلت معها قُبلات الخَد قَبْلَ أن تَتَوَجَّه لتُسَلّم على عَمَّته و أُخته..،أخيراً انتهت الدَّقيقة المُصَيّرها الارْتباك ساعات..انَطوت في زاوية الأريكة بجانب والدتها و أُذنها احْتَكَرها طَنين اصْطَدَّ لكلمات المَديح التي كانت تنطلق من لسان والدته..،انَتْبهَت لنداء والدتها التي قالت بفرحة عارِمة،:ياسمين يُمَّه أُم فيصل تكلمش
احْتَقَن وَجْهها و الحَرارة تَضاعفت و في داخلها تُأنّب نفسها التي تاهت..أجابتها بصوت بالكاد يُسْمَع،:هلا خالتي
ابْتَسَمت بطيبة في وجهها و هي تَتَساءل،:ها يُمَّه..يحتاج بعد نعطيش وقت تفكرين و لا موافقة ؟
تَخَبَّطَت عَدَستيها على يَديها ثُمَّ نَطَقَت بلا تَفكير،:على راحتكم
شَقيقتها قالت بمُزاح،:حبيبتي ياسمين احنا المخطوبات لو إنتِ
عَلَّقَت والدتها و هي تَحْتَضِن كَفَّها و بثقة،:هذي الموافقة مالت الخجلانين
,،
ابْتَعَدَ لساعات..رَشَّح روحه من الغَيظ،و نَقَّح عَقْله من أَفْكار شَيْطانية نادِراً ما تَحُطُّ بجناحيها السوْداوين فوق أَرْض أَفْكاره..،هُو غادر المنزل دون أن يُـحَدّد وِجْهته..كان يُريد فَقط أن يَتَحَرَّر من قُيود الخُذْلان التي كَبَّلت قَلْبه بها،يُرَيد أن يُبْصِق من أُذنيه صَوْتها الحائر، النَّاطق باسم رَجُلٍ غَيْره..،ظَنَّت أنَّهُ راشد،ذاك الذي اتَّضَحَ لهُ أنَّهُ كان ملك قَلْبها لأعوام ليست بالقليلة..لكنَّهُ عندما أنْكَر مُلْكيته للرَّسائل شَرَعت تُرَشّح آخرون..هي رُبَّما كَتَبَت و شَطَبَت فَوْقَ صَفْحة عَقْلها أسْماء الرّجال أجْمع الذين قابلتهم طوال حياتها..و لم يَمُر كما سَحابة صَيْف و لو الحَرف الحَرْف الأوَّل من اسمه،هُو بَسَّام..المُتَّخذ دَوْرَ الشَّبَحِ الخفي في حياتها،لم تَكُن تراه، و لم يُبْصِر فُؤادها نُجوم الصَّبابة الهاتفة باسْمها وَسَط سَماء عَيْنيه..حَتَّى بعد أن أَصْبح رَفيق دَرْبها،لا تزال تَضَعهُ في نهاية قائمة أَوْلوياتها..و لم يَنْدم بَعْد عمَّا أفَصَحه..فهي كذلك فعلاً..بين أَحْضانه هي حُورية من الجَنَّة،تَلْتَقِط روحه بأنامل أنوثتها لتُحَلّق بها إلى العَلالي،حَيْثُ الهواء مِسْك أنْفاسها و الشَّمْس عَسَلُ عَدستيها..لكن حينما يَنْحَشِر البُعد بينهما،تَتَحَوَّر إلى كائن أجْوف و بَليد غارِق بالقِطْران،تَصْطَدم بهِ المشاعر المُرْهَفة و لكن لا تَمْرَقه،بل تَشْتَعل حتى يُصَيّرها النُّفور رَماد..،بعد العِشاء قَضى بضع ساعات مع أصْدقائه..حاول معهم أن يُقْفِل الباب الوافِدة منه أفْكار قَهره..قُرابة الثانية عَشر عاد إلى المنزل،لم يَلْتَقِ مع والده الذي غَطَّ في سُباته،لذلك تَوَجَّهَ مُباشرة لشِقَّته..دَلَفَ بهُدوء..تَقَدَّمَ خُطْوَتان لتَسْتَقْبِلهُ غُرْفة الجُلوس الخاوية..تَوَقَّف لثوانٍ يَقَلّب بَصَره على المَكان،يُحاول أن يَلْتَقِط أثَراً لها..تَحَرَّكَ للموْضِع الذي تَهاوت عنده أَسْرارها،كان هو الآخر خاوياً..ارْتَفَعَ سُؤال في صدره،أَيُعْقَل أَنَّها تَخَلَّصَت من الرَّسائل ! واصل طَريقه لغُرْفة نَوْمهما..الأضواء مُغْلَقة عدا الصَّفْراء منها..و وَسَطَ السَّرير اضَّجَعَ صُنْدوق الأَسْرار..الْتَفَت ناحية دَوْرة المياه التي لا بُدَّ أنَّها داخِلها قْبْلَ أن يَخْطو كسارق على أَطْراف أصابعه للذي اشْتاق لمُحْتواه..،ناظَرهُ من عُلو قَبْلَ أن تَتَحَرَّك يَده لِقُفْله..فَتَحَه لتُشْرِق ذكريات الماضي في عَيْنيه..تْناول إحداهن مع ارْتداء شَفَتيه ابْتسامة حَنيــن..أخْرَجَها من الظَّرْف بعناية،و كأنَّهُ يَخاف أن يُخلّف فيها آثار تُشَوّه ما سُكِب من أحاسيس وَسَطها..فتَحَ الرّسالة لتُعانقه رائحة نَدى الحِبْر الجاف..تَسارَعَت نَبَضاته و هو يُبْصِر حُروفه المُتَرَدّدة،قَرَأت مُقْلَتيه الكَلِمة الأولى لتَتَفَجّر دمائه كعُيون عَذْبة انتَشَرت عَبابيد مُعانِقة كُل خَليَّة في جَسده لتَرْويها من حلاوة الماضي.."شَوْق"..،لاحَت لهُ أطْياف تلك الأيَّام الخَوالي..كان مُشْتاقاً حَدَّ اشْتياق الطَّيْر لعُشّه..حَدَّ اشْتياق المَوْج لبَحره..حَدَّ اشْتياق القَمَر لليْله..و حَدَّ اشْتياق الغَريب لوَطَنه..آآه يا مَوْطِن حَنيني المُخَلَّد..،أعادَ الرّسالة لمَخْدَعِها ثُمَّ أَغْلَقَ الصُّنْدوق..لم يَكَن في حاجة لإعادة قِراءتها،فَهو بين قَلْبٍ و نَبْض حَفِظَ حروفها عن ظَهْرِ غَيْب..،وَعَى من سَكْرة الماضي مُلْتَفِتاً جهة دورة المياه..للتو ينتبه أنَّ لا صَوْت مياه تَتَدَفَّق من داخله..مَشى بهدوء حتى تَوَقَّفَ أمام الباب..طَرَقه بهدوء..لا مُجيب..رنا للمصابيح،كانت تعمل..طَرقه من جَديد و هذه المرَّة مع المُناداة،:حَنين
صَمْت
ناداها و يده تمَسَّكَت بالمقْبَض،:حَنين إنتِ داخل ؟
عُقْدة تَوَجُّس بانت بين حاجبيه..إلهي أَمَكْروهٌ حَلَّ بها ! لحظة لحظة رُبما تَكون في غُرَفة الباليه..لكن لم يَصله صَوْت موسيقى منها ! زَمَّ شَفَتيه و دون أن يُسْهِب بالتَّفْكير أْخْفَض المِقْبَض مُشَرّعاً الباب الذي لم يْكُن مُقْفَلاً..لَحَظات و تَوَسَّطَت شَفَتيه ثَغْرة عَدَم اسْتيعاب من المَنْظَر الذي لم يَزُر مُخَيّلته أَبَداً
,،
ماضٍ
تَراكَمَت الأيَّام حتى اسْتَوت جَبَلٌ صَلْد يُصْعَب تَسَلُّقه..لا مَجال لتَرْتَكِز أَطْرافه فيَخْطو عالياً..و كأنَّ الجَبَل أَبَى بشموخ أن يَتَجانس معه،رافضاً أن تَغْفو فوق سَطْحهِ الأمْلَس بضعُ تَصَدُّعات تَجْعَل الوُصول للقمَّة مُمكناً..،نَطَقَ و من حَنْجَرَتِهِ غادَرَ الصَّوْت صَقْراً مُلْتَهِباً،:يا عمّي أنا صارحتها بكل شي قبل لا نبدأ حياتنا و هي وافقت بشهادتك،فأرجوك لا تجي اللحين بعد سنتين و تلومني
برَويَّة حادَثَه و من بين شَيب لِحْيته الْتَمَعَ رَجاء،:يا ولدي اهدأ..والله اني ما ألومك و واقف وياك،بس لازم تتساعد ويانا عشان نحصل حل إلى هالمشكلة
الاسْتنكار صَبَغَ ملامحه مُعَقّباً،:أي حل ياعمي ! صار لها شهر و اسبوعين قاعدة عندكم..شلون يستوي الحل و احنا بعاد عن بعض ؟!
هَزَّ رأسه بتأييد و هو يَرْنو بطرف عَيْنه لابنته،:صادق يا ولدي صادق
بصَدْمة كاسِحة نَطَقَت،:شنو صادق يُبه !
وَضَّح بجديَّة،:يعني لازم ترجعين بيت زوجش و تحلون مشكلتكم ويا بعض
باعْتراض حاد اشْتَدَّت منهُ ملامحها،:مُسْتَحيـل يُبه..مُسْتَحيل ارجع بيته "أَرْدَفَت و غَصَّات البُكاء تَعْتَرِض مَسير كَلِماتها"أول مرة يوم اغمى علي من خوفي تحملت و سكـ ـت..ثاني مرة يوم كسر ذراعي قلت ماعليه..عشان فرح و محمد..بس هالمرة ماني صابرة عليه.. مسيّل دمـ ـي يُبـه و بعـ..و بعد تبوني ارجع له،هالكثر انا رخيصة عندكم !
أَطْبَقَ شَفَتيه و رياح الحيرة بدأت تَجوس مدائن روحه..لا يَنْكُر أنَّ ما يَفْعله عَزيز بابنته يُضايقه و جدّاً،فهو بالأمر الغير طَبيعي و الضَّار في الوقت نفسه..ضَررٌ جَسَدي و نَفْسي..و في الوَقْت ذاته لا يرى عَيْباً في عَزيز..فهو قَبْلَ زواجه كان الرّجال يَتسابقون للفوز بنَسَبِه،كثيرٌ منهم كانوا يَطْلبونه زَوْجاً لكريماتهم..و هو كان المَحْظوظ الذي غَبَطَهُ البعض،و البعض رَشَقَهُ بحجارة الحَسَد،و فعلاً و إلى الآن لم ينالهُ سُوء منه..إلا هذا الفِعْل الغَريب !
تَرَجَّلَ عَزيز من مكانه عندما اسْتَنْبَطَ حيرة والد زَوْجَته..رَفَعَ يده مُلَوّحاً بسَبَّابه يَرْسم أمامها طَريقان أحْلاهُما هَلاك،:عندش إسْبوع بس قبل لا ارجع برلين..يا تتركين الدَّلع و ترجعين معاي..يا اخذ عيالي و إنتِ تبقين في بيت أهلش..لين يجيش و لد الحَلال
,،
حاضر
النَّوم احْتواها مُهَدْهِداً رُوحها فَوْق أَمْواج نَهْر يُصْنع منهُ شَراب لَذيذ لا يُباع إلا في مَتْجَر الأحْلام..كانت هي و حَبيبها في السَّماء،و بينهما نَضَجَت ثَمَرة رُمَّان شَهِيَّة،حَمْراء تَسُر النَّاظرين..كانا مُبْتَسِمان،و سنا ابْتسامتهما تُضيء منهُ الأَرْض من تحتهما..الدّفىء يَجُوس بحنان حَوْلَهما،و الأَمَلُ قد شارك النُّجوم مَسْراها..نَظَرت لعَيْنيه تُسْقي جَواها من عُذوبتهما..هُو مَسَّ بذاته اشْتياقها..امْتَدَّت كَفُّه أمامها،تَلوح لها كما سَراب..حاولت أن تُلامسها بيدها النَّاعمة..كانت قَريبة جداً منها..احْتَدَمَت نَبَضاتها،ها هي يدها قريبة من مُعانقة أمانه..قَريبة جِداً..لكن ذلك الصَّوت المُزْعِج..اضَطَّرَبت أناملها منه..ابْتَعَدت كَفُّه،اجْتَرعها ضَباب غَشى عَيْناها الدَّامعتين،فَتَحَت فَمَها تُناديه..لم يَرْتَفَع صَوْت،لم يُغادر حَنْجَرتها سوى الأنين..،اضَّجَع جَسَدها على الجانب الأَيْمن..هَمْهَمت بلا وَعي و أَهدابها تَتَصافق باضطراب وَهِن..الإزْعاج تَوَقَّف لثوانٍ ثُمَّ عاد ناحِتاً عُقْدة بين حاجبيها..أزاحت جِفْنَيها بهدوء،مثل سَحابتين تُفْسِحان الَمجال لإشْراقة شَمْس حَزينة..احتاجت لخمس ثواني حتى تستوعب الصَّوْت،كان رَنين هاتفها المُسْتَقِر بالقرب من رأسها..رَفَعت نفسها و الإرهاق تجانف مع انْحناءات جَسَدها..تناولته مُبْصِرة الشَّاشة..كان هُو..اسْتَدارت مُسْتَلْقِية على ظَهْرها..أَغْمَضَت مع ارْتفاع صَدْرها كاشِفاً عن اسْتنشاق عَميق للهواء،خَرَجَ زَفيرها مُرْتَجِف و مُذَيَّل بآهات مَخْنوقة..ضغطت زر الإجابة،وَضَعت الهاتف على أُذْنها و بخفوت،:الو
،:جِنان ؟
قَبَضَت كَفَّها المُسْتَقِرَّة بالقُرْب من قلبها،و قَشْعَريرة مُؤلمة أَبْرقت عند وجْنتها مُروراً بفكّها و جانب عُنُقِها..إلهي دَعْهُ يُغادرني..يُغادر أُنوثتي..اطْفىء لَهيب حُبّه،و أَرْسِل شتاءً يَلْتهم بجليده ذكرى دفىء ربيعه..و أجْعل صَوْته أَبْكَم في قَلْبي..لأعيش..لقد هَرِمَت الرُّوح و هي بين سُجون رُجولته مُتَعَكّزة تنتظر الخَلاص..،أجابتهُ بقوَّة مُهْتَرِئة اقَتَرَبَت من التلاشي،:آسفة فيصل..كنت نايمة
بحَرج نادراً ما يُغَلّف صوته،:أنا اللي آسف..واجد اتأخر الوقت..ما عرفت ادق الجرس و ازعج النايمين
تَساءَلت،:وين جَنى ؟
،:هذي هي وياي بس نايمة..انا تحت قدام البيت
اتَّكَأت بباطن كَفّها على السَّرير لتَعْتَدِل جالِسة و هي تهمس،:دقايق و جاية
بذات الهَمْس الغَبَشي،:انتظرش
أَغْلَقت الهاتف و مُباشرة قَصَدت دورة المياه،سَكَبت قَطرات الماء على وَجْهها تُزيح غُبار البؤس المَنْثورة بشَعْواء بين طَيَّات ملامحها،لم تَنظُر لانعكاس صورتها في المرآة حتى لا يَتَّسِع وَسَط قَلْبها شرخ الشَّفقة على نفسها الفاقِدة..،بسُرْعة ارْتَدت عباءتها و حجابها ثُمَّ تناولت مفاتيح المَنْزل قَبْل أن تُغادر غُرْفَتها مُتَوَجّهة للأسْفَل..فتحت قِفل الباب الدَّاخلي..خَطَت بهُدوء و الليلُ من حَوْله يَسْتَرق النَّظر،و نَسائمه شَرَعَت تَتَهامس و تَقْتَرِب منها،مُحاولةً اسْتشعار مَكْنون دواخلها..تَوَقَّفت عندما أَصْبَحت أمام الباب الخارجي..أَمْسَكَت بمِقْبَضه بكلتا يَدَيْها و كأنَّها تَتَّكىء بضعفها عليه،شَهيق عَميــق، و من ثُمَّ زَفير حَمَلَ معهُ قليلٌ من ارْتباكها..بوَجْس لم تَجْتَرعه أُذن اللَّيْل،:بسم الله
جَرَّت الباب و بَصَرُها يُعانِق الأَرْض بشَدَّة،فهو يَخْشى أن يَصْطَدِم بملامحه المُعْتَل بسببها شَوق القَلْب و الرُّوح..اتَّضَحَت لها قدماه اللتَّان تَحَرَّكتا ناحيتها..تَراجعت للخَلف تُفْسِح لهُ المَجال للدُّخول..رَفَعت عَيْنيها حتى خصره..حَيْثُ تَدَلَّت ساقي صَغيرتها النَّائمة..فَتَحَت ذراعيها و الصَّمْتُ حَليفها..و هو بخفَّة سَلَّمها لها..ما إن لامشَ صَدْرها صَدْرَ صَغيرتها حتَّى ثارت في حَلْقِها غَصَّات،رائحتهُ البَاردة ها هي تَغْزوها..تُوْقِظ حَواسها و تَحْرق جِلْدها الخَمْري و الذي أَمْسى يَباباً منها..،أرادت أن تَسْتَدير لكنَّ مُناداته أَوْقَفَتها،:جِنان
بَقِيت أمامه تَقِف بصَمْت و جِفْنَيها لم يَبرحان مكانيهما..عاد صَوْته من جَديد،ببحَّته التائِه منها نَبْضُها،:جِنان
فَهَمَت ما يَرْمي إليه..يُريد أن يَعْقِد بَصْره ببصرها..شَعَرَت باحْتراق يَزور مُقْلَتيها و أَنْفَها..و بُبطىء ارْتَفَعَ جِفْنيها و أَوْتار هُدُبها عَزَفت لَحْنَ عِتاب شَيْىءٌ داخلها صَرَّحْ بتناقضه..فهي كانت لأحْمد قَبْل أن يَكون هُو ليَاسَمين..فلمَ العِتاب يا جِنان !
رَفيفُ الدَّمْع و بَريقه الطَّاغي على النُّجوم الْتوى لأجْله عِرْق في قَلْبه،بانَ وَجَعُ الْتوائه في عِرْق هَتَف عند جانب عُنُقِه..،بَلَّل شَفَتيه و عَدَستاه تَهْربان من كلمات اللَّوم المُنْطَلِقة من عَيْنيها لتَلْفَح وجهه..و ببعثرة نطق،:جِنان..كنـ ـ احم..اقصد ودي جَنى الغرفة و بعدين تعالي
قَرَأ السُّؤال النَّاطق من ملامحها ليُجيب بتنهيدة رَسَمَت تَعَبه على جَبينه المُتَغَضّن و لم تَجِد لها تَفْسير،:بعطيش شي
هَزَّت رأسَها بالإيجاب ثُمَّ اسْتدارت تَخْطو لداخل المَنْزل ليَعود هُو لمَرْكَبته..،
,،
مَغْزَلة الفَجْر أَحاكت خُِيوطها وَسَط سَماء الدَّيْجور الغافية نُجومها..كانت السَّاعة تَقْتَرب من زيارة الواحدة بَعْدَ الفَجْر عندما كان يُلْقي في القُمامة قُفَّازيه و الغِطاء الذي كان يَحْمي ملابسه أْثناء العَملية..،قبل أَرْبع ساعات،ضَجَّ قسم الطوارىء من صُراخٍ فَزِع لامْرَأة و شابان..إثر غياب وَعي رَجُل اتَّضَحَ أنَّه زوج الأولى و والد الإثنان..،لم يَكُن غياباً عادياً، و إنَّما كان شَبيهاً بالموت..و السَّبب اتَّضَح بعد الأشِعَّة نَزيف في المُخ عَطَّل حَرَكَة أَطْرافه .بقُدْرة الله تَم إيقاف النَّزيف و بجُهد منه و من باقي زُملائه اسْتَقَرَّت حالته..و يُنْتَظَر انتهاء مَفْعول المُخَدّر لرؤية النتائج..،تَوَقَّفَ أمام المَغاسل يُنَظّف يَديه و يُعَقّمهما مع من كانا معه أثناء العَملية..كانا يَتناقَشان عن المُصاب و حالته،و هو لم يُحاول أن يَفْتَ فَمَه ليُشاركهما بكلمة..فالإرْهاق قد نَحَت أطْيافه فوق ملامحه..و القُوَّة اضْمَحَلَّت من عضلاته المُنْكَمِشة..يَحْتاج إلى سَرير و لا شيء آخر..لكن الذي يُحْسب لهذا الإرْهاق أَنَّه أَنْقَذه من مَوْجة التَّفكير في الذي كَشَفهُ إليه عَزيز..إلى الآن لم يُخْبِر غَيْداء،تَحَجَّج بالمُسْتَشفى ثُمَّ أَغْلَقَ هاتفه لكي لا تُحاول أن تَتَّصل إليه..زَمَّ شَفَتيه بضَجَر كان يَغْفو أَسْفَل عينيه..فهو في حيرة من أمره،لا يدري كيف يُخْبرها،فالحقيقة و للأَسَف يُسْتَحال تَجْميلها..لا تُقال إلا على هَيْئة صَفْعة مُدْوية..،
،:الله يعطيك العافية دكتور حسين
رَمَشَ بخفَّة من الصَوْت الذي تَداخل برِقَّة مع هَواجسه..حَرَّكَ عَدَسَتيْه جِهته..كانت هي و ابْتسامة مُلْفِتة مُتَعَلّقة بشَفتيها..انتبه لرد الطَبيب حِسين،:الله يعافيش يُبه،انتوا بعد الله يعطيكم العافية..ماشاء الله ممتازين
اتَّسَعت ابْتسامتها و هي تُعَلّق،:و منكم نستفيد دكتور
ارْتَفَعَ حاجبه ببرود و بانت على شَفَتيه ابْتسامة ساخِرة و يداه تَمسَّان خصلات شعره عند مُقْدّمة رأسه..فهي دون أن تُلقي عليه نصف نَظْرة تَوَجَّهت لإحدى المغاسل تُعَقّم يديها و بجانبها مُتَدَرّبة أخرى ظَلَّت تَتَهامس معها..لم يَكن يحتاج إلى مِنظار ليرى من خلاله مَقْصَدَها الذي لا تُبْصره النَفْس المُجَرَّدة..هو واعياً بأنَّها تُريد أن تثبت لهُ عدم اهتمامها به..و الدليل أنَّها جامَلت الطَّبيب حُسين و تَجاهلته،فهما الإثنان طَبيبان مُتٍخصّصان و المُتسلّمان زمام العمليَّة على عكسها هي و زميلتها و الطَّبيب الذي كان يُحادث حُسين..فهم جميعهم مُتدربون..،
،:دكتور عبدالله
الْتَفَت إليه و باحترام،:آمر دكتور
،:بغيتك تقيّم تقرير كل واحد منهم بعد ما يوعى المريض
و هو يَنْقل بصره بين الثَّلاثة،:و لا يهمّك دكتور،شغلتي هذي
ضَحَكَ ليُعَقّب مُوجّهاً الحَديث لهم،:من اللحين اقول الله يعينكم عليه
أَرْفَع حَاجبيه و هو يُطْرِق أبواب مَرْوة العَنيدة،:انا اقول خل يحاولون يحسنون علاقتهم معاي،يمكن أرفق بحالهم و أساعدهم
اعْتْلت ضِحْكة الواقفين،أمَّا هو فقد كان يَنظر إليها كيف أَلْقَت المناديل في القُمامة بغيظ الْتَبَس ملامحها قَبْل أن تخرج و هي تنطق من طرف أنفها،:عن أذنكم
ضَاقت عَيْناه بمَكْر مع اتّكاء ابْتسامة اسْتمتاع فَوْق شفتيه..فهي و بغباء تُحاول باهْتمامها أن تُقْنعه بعْدم اهْتمامها..و بتصرِّفات طُفولية جداً ! و لكن هو قَرَّر أن لا يُسْبِل يديه بجُمود،و سَيكون لها بالمِرْصاد..،
,،
تَقِف أَمامه و القَمَرُ من فَوْقِهُما يَشْهَد على بَوْحٍ سُجِن في القُلوب..سَماءٌ تَنْتَحِب الصَّمْت،و كأنَّ الغُيوم أُثْقِلَت من ماء عَيْنَيْها المُلْتَهِب ليَتَساقَط كآبة الْتَبَسَت روحيْهما بوحْشَة..،عاقِدة ذراعيها على صَدْرِها تَطْمِس زَعيق نَبَضاتها،رأسَها نَكَّستهُ تُشيح عن بَصَره تَصَدُّع مَلامحها من احْتِلال جَيْش البُكاء..و من خَلْف أَسْوار صَبيب مُقْلَتَيْها لاحَت لها أَطْيافُ حَقيبة سَفَر صَغيرة تَقِف بجانبه لا تَعْرف ماذا يَقْبَع في جَوْفِها..تابَعت يده و هي تَترُكْ مِقْبَضَها و تَرْتَفِع لتَسْتَريح فوق عُنُقِه هامِساً بنَبْرة قَرَأت فيها التَرَدُّد،:ذلين ثيابش..و أَغراضش الخاصَّة "انْتَقَلت يَده لوَجْهه ماسَّاً بَسَبَّابته ما بين عَيْنيه و هو يُكْمِل" يعني تعرفين الغربة و الشغل..و جَنى و البيت و البنك..فيعني راح عن بالي قلت إنّي بـ
قاطَعَتهُ ببحَّة طَغت على بَحَّة صَوْته،:فَهمتك..أنا بعد انشغلت في أمور حياتي و نسيتهم..آسْفة ثَقَّلت عليك
بسُرْعة عارَضَها،:لا لا عادي كلش عادي "و بضِحْكة" اصلاً هم واجد قَليلين بالنسبة للثياب اللي في لُنْـ ـدن
عنْد ذلك الفَراغ المُنْتَصِف مَدينة عِشْقَهما الْتَقَت عَيْناه بعَيْنَيْها و ارْتَفَعت رايات العِتاب تُلَوّح بصَمْت كان يَعْلو صَخْباُ وَسَط قَلْبَيْهما،و السَّماءُ تَطوفها شُهُب حَزينة،تُطالعهما بحَسْرة على حُبّ أَسْقَمَهُ الكِبْرياء،و النُّجوم في كَبِد السَّماء تُوْمِض بحَنين لليالٍ تَسَرْبَلَت بالدّفئ و القُبَل..،أَهْدابها تنافَرت بالْتواء مُفْسِحةً المَجال لعَدَسَتيها بأن تَتَوه فيه..في حَبيب عُمْرِها و رَجُل أُنوثتها..أَسَفاً أنَّ أُنْثى غَيْرها سَتَمْتَلِكه..اذاً لا جِنان بَعْد الآن فَيْصَل ؟ سَتَكون لها قَلْباً و روحاً..و سَتَكون لي ذِكْرى كُلَّما أَتْخَمَني الفَرح ابْتَعتها لأَتَخَضَّب بالوَجَع و أَبْكي..أُهِل دُموع الشَّوق لَعَلّي أُنَقّح جواي من أَماني تَقْتات على لقائك و لو في الحُلم..ستَمْتَزِج رائحة جَسَدك برائِحَتها،و سَيَتّسع حُضْنِك لمَلامح جَسَدَها..سَتَصْحو على وَجْهِك و أُذناها ستُغازلهما بَحَّة صَوْتُك اللذيذة..هي سَتَتبَنَّى طَريقة أُخْرى لتَنْتَشِل عَيْنَيْك من نَوْمٍ يُلْبِسْكَ مَلامح حَديثاً اكْتَشَفَت حَواسي أنَّها بَريئة كَطفْلَتنا..جَنى،تلك الرَبْوة المُزْهِرة المَحْصورة بلا ذَنْب بين أَلْغام ٍأَيْتَمَتها من العائلة..تَناول القَلَم منها ليُواصَل سَطْرَ البَوح الصَّامِت..جَنى،الصَّغيرة التي مَلأت الفَراغ من بَعْدكِ..كانت لي أنتِ،كانت ابْتسامتكِ و بَحْر عَيْنَيكِ الواسِع..كانت الشُرْفة اليانِعة التي تتأمل رُوحي من خلالها سَعَادتها..أَسْمَيْتُها جَنى أُحْيي حُروف اسْمِك قَبْل أن يُحيلني الفِراق أبْكَم من نُطْقه..و لَم أَعْلَم أنَّ غيابَكِ كان جَذْوة تُحْرقني بأكْمَلي و تَنْثُرَني رَماداً في الهَزيع الأخير من الليل،الوَقْت الذي احْتَضَن نِصْف ذكرياتنا التي باتت ماضٍ لا يَعود..حتى القُلوب باتت تَتضَرّر من هُبوب رياحه الآسِنة،فهَو سَراب يَراهُ الجَوى فيَحْسَبهُ من فَرْط اشْتياقه حَقيقة تُبَشّره بالعَوْدة..و ها أنا المَصْفوع بيد ذلك الماضي قد اخْتُرت أن أُسْجَن خَلْف قُضْبان أُنْثى سواكِ،لَرُبَّما كان السّجْنُ أَحْب إلي مما تَدْعوني إليه حَواسي العابِدة جِنانكِ..آآآه من واقعٍ سَرَق رائِحة الجِنان من رُوحي،و لم يَكتفِ من سَاديته،فهو بَصَم على اسْتِحالة اسْتيطانها أَرْضَ رُجولتي من جَديد..لا لِقاء جِناني..لا لِقاء يا أُنْثى كبْريائي..،غَصَّت بالحقيقة الناعِقة على قارعة وجهه،و تَحَشْرَج الفِراق الناطِقة به حَواسه في صَدْرها..أَمْسَكَت بالحقيبة التي ناوَلتها إياها يَده و لم تُناولها اللقاء..هَمَسَت قَبْل أن تَسْتَدير مُبْتَعِدة بابْتسامة ارْتَدَت مَرارة العالم أجْمع،:تصبح على خيـر
تَرَاجع خُطْوة للخَلْف ثُمَّ أَدار نِصف جَسَده ليُجيب بابْتسامة تَعَلَّقت بأذْيال الحَسْرة،:و إنتِ من أَهْل الخير
ثُمَّ مَضَت و مَضى..و القَمَرُ مَضى معهما ليتَوارى خَلْف سُحُب الفَجْر ليَنْحَب بصَمْت،يَبْكيه و يَبْكيها و يَنُوح على لِقاءٍ صُمَّ في القُلُوب و حُرّم عليه الوُلوج للحياة بسبب الكِبْرياء..هي كانت خائنة..كاذِبة و لم تُحِبُّه بصِدق..و هو كان قاسِياً..مَغْروراً و لم يُحِبُّها بصِدق،وكلاهما مُقْتَنِع أنَّه أحَبَّ الآخَر بملئ حَواسه و الآخر لم يُقَدّر !
,،
تَرَكها عند باب الفُنْدق عندما اقْتَرَبَ وَقْتُ الصَّلاة عائِداً إلى شقَّته ليُصَلّي و يَسْتَحِم..حَيْثُ هُناك الْتَقى بوالدها الذي أخْبَرهُ أنَّهُ ذاهبٌ إليها..لم يَتَبادلان الحَديث،و على عَكْس ما تَوَقَّع لم يَسْتَفْسِر عمَّا جَرى بينهما،و هَو تَنَفَّسَ الصُّعَداء..لأنَّ ما احْتَدَم من صَمْت بين روحيهما يَجِب أن لا تَتَناقَلَهُ الألْسُن..فهَو مُميت كما سُم خَبيث يتَغَلْغَل في العُروق..،ارْتَدى مَلابسه بعد أن انْتهى من صلاته و اسْتحمامه السَّريع..غادَر الشّقة و من قَبْله غادرها ناصِر..،بَدَأ يَجوب الطُّرُقات..يُنَبّش في الأزِقَّة عن عِلاجٍ يَحْميه من وَجَعٍ جَديد..علاج يَتَصَدَّى لمَرض الفَقْد الذي حَقَنَته و سَتُحْقِنه صَغيرته في وَريده..ليُخَثّر دَمه و يُصَيّر الكُريات صَخْراً ذو نُتوءات تَجْرَح ذَّاته لتُدْمى..و تُمْسي كما بُركان يَبْصُق حُممه غارِقاً الرّوح حتى يَسْتَبيح سَعادتها..،كان يَخْطو و في جَيْبه غَفَت اليَدان بلا حيلة..مُقَيَّدتان تَنْتَظِران مَوْتاً آخِر..بسلاح جَديد و بكَفَن أَشَدُّ بَيَاضاً من سابقه..بياض المَوت..إلهى الرَّحمة من دُنيا تَطْرُدني مِسْكيناً من باب سَعادتها..تُبْخِل عَلي برَغيف ابْتسامة يُشْبعني حتى المَمات..أَمُدُّ لها يَدُ يُتْمي..أُطالب بأُنْثى حَمَلتني في رَحْم قَلْبها عَقْداً من الزَّمن فتَنْهَرني..إلهي كَيفَ الخَلاص من دُنْيا طاغِية ؟ تَلْطُمني و لا تَحْضنني..تُبْكيني دون أن تُجَفّف دَمعي..هي تَقْتُلني و ببجاحة تُوَسّدني أَرْضَها القاحِلة لتُنْحَر أَنْفاسي من ضيق لَحْدٍ اسْمهُ الفَقْد..و آهٌ من الفَقْد..يَكْبر مع العُمْر..،خَفَّفَ من خُطواته مَشْدوهاً للذي على يَمينه..تَوَقَّفَ بَعْدَما أصْبَحَ أمامها،تَفْصِلهُما خُطْوة و بالمَحَبّة و الهَوى لا وُجود للفَصْل..ابْتِسامة دافِئة أحاطَت روحه وِشاحاً يَحْميه من زَمْهَرير الوَغى المُضطَّرمة وَسَطَها..زَفَر عُلَلَهُ المُسْتَديمة قَبْل أن يَهْمِس بذات الابْتسامة،:هيــلو
كانت عَرَبة لأحَد الباعة المُتَجَوُّلون..مَعْروض فوق سَطْحها سُفُن صَغيرة بِأشْرِعة..تَخْتار منهم ثُمَّ تَطْلب الذي تُريد أن يُخاط فَوْق شِراعها..أَشارَ لإحْداهما..كانت صَغيرة في حَجْمها،خَشَبها بُنّي مَحْروق و لها شِراعٌ أَبْيَض كَبير يَتَمايل بنُعومة على موسيقى النَسّيم كما أَهْدابها المَعْكوفة..أشار إليها ليتساءل البائع و هو يَتناول إبْرَته،:ماذا أَكْتُب ؟
أَجاب دون تَرَدُّد،:نُــور
أَمْلاهُ الأحْرُف الصَّحيحة و هو يَتَأمَّل خِياطته الماهِرة بشُرود عانَقَ اخْضرار عَدَستيه المُرْمَد..يُحيك اسْمُها فَوْق شِراع سَفينة..ليُثْبِت للدُّنيا القاسية أنَّها طَريقه الأوْحَد..مَوْجَتهُ الحامِلة روحه للرَّغْد و البَوْصَلة المُسَيّرة حَواسه لشاطئ النَّجاة..حيثُ مع ذرَّات الرّمال تَجانست ذَّاته الضَّائعة..،اسْتَلَمها منه بعد أن انْتهى..ناولهُ المال..شَكَرهُ بتَلْويح ثُمَّ غادَر و هي تُبْحِر بين خُطوط يَديه..يُعَرّفها على أسْرار رُجولته الـ"نُّصف" طِفْلة لعَلَّها تُعيد تَرْبيته في مَهْد حُبّها المُسْتَحيل..،واصَل تَجَوُّله و لكن الآن بابْتسامة..و بين الفينة و الأُخْرى يُطَبْطِب بعَيْنيه على سَفينته و شراعها النَّفيس..،اسْتَمَرَّ يَحْفُر آثار قَدَميه فوق أَراضي دُبْلن لساعات لم ينْتَبِه لها..يَلْتَقِط ببصره الأَشْجار..النَّهْر و المباني الحَديثة..الناس و ضِحْكات الأطْفال..ليَحْفَظ كُل هَذا في ذاكرته..،شَرَّعَت السَّماء أَبْواب سُحُبَها المُثْقَلة،ليتساقَط الغيْثُ بهُطولٍ قَوي..لهُ صَدى طَغى على أَصْوات البَشَر المُتَقَلْقِلة في الشَّارع..فَتَحَ مِعْطَفِه و حَشَر السَّفينة بينه و بين صَدْره ليَحْميها من صَفَعات القَطرات الضَّخْمة..أَغْلق السَّحاب و من ثُمَّ أَخْفَضَ رأسه و هو يَرْفَع طَرف المِعطَف عند عُنُقِه مُسَرّعاً من خُطواته يُشارِك النَّاس الهَرَب من هذا الزّلْزال..،كانت السَّاعة تُشير للواحدة و خَمٍْسةٌ و ثَلاثون دَقيقة عندما دَلف للشقَّة..قابَلَ في غُرْفة الجُلوس ناصِر الذي كان يَسْتَرخي أمام التِلفاز و في كَفّه كُوبٌ من الشاي يَرْتفع منهُ بُخار سالَ منهُ لُعاب عِظامه الهاوية دِفْئاً حِسّيَّاً..سَلَّمَ بَهمس ليَرُد ناصِر السَّلام بالهمس نفسه..خَطى ببطئ نَحو غُرْفَته و قَبْلَ أن يَدْخُل أَتَتَهُ الكَلِمات خْناجِر من لَهَب طَعَنت ظَهْره ،:طَلال...خلاص انسى الخطبة..انسى نُور.. انساها للأبَد
اسْتَدار لهُ كَمَلْسوع و بين عَيْنيه تراءت لناصر قَوافِل ذَبْح تُنْذِر بالواقِعة..هَمَسَ بفَحيح و هو يَقْتَرِب بخطوات ليْثٍ يَسْتَعِد للإنقضاض..فحواسه اليَقِظة اسْتَنْشَقت فِكْرة آسِنة،:إنت قاعد تلعب بقلبي ! في لحظة تَقَربها مني و في لحظة تقول لي انساها..و للأبَد "تَوَقَّف أَمامه تحت جُنْح ساعات فَجْر مُوْحِش تَغْزوه الرَّياح و بُكاء السَّماء..رَفَع ذراعه يُدير يَده باسْتفسار و الماء يُقَطّر من كامِل جَسَده على الأرْضيَّة من أَسْفَله..لتَنْعَكِس صُورة ضَياعه اللامُنْتهي..تَساءَلَ و الشَّكُ لسانه" شنو اللي صار ؟ ليش غَيّرت رايك فَجْأة ؟ " وبصَرْخة مُدْوية أَرجْفت حتَّى أصْغَر خلاياه" شصـــــااار
تَرَكَ كُوبه فَوقَ الطَّاولة قَبْل أن يَقِف مُواجِهاً البُرْكان المُسْتَعِر..تَقَدَّمَ خُطوتان ثُمَّ تَوَقَّف..و ببساطة أطْلَقَ مِدْفَعه دُون أن يُراعي جُنون الذي أمامه،:خَطبها مني الدكتور فهد و هي وافقت
صَمْتٌ و خَواء..انْسَحَبَت الكَلِمات ليَرْتَفِع صَفير أنْفاس طَلال المُلْتَهِبة..صَدْرُه العَريض نالَت منهُ ارْتِعاشات ارْتَطَمت بأضْلاعه،تُوخزه تُحيي وَجَعاً من نُوع آخر..مَضَت سَبْعُ ثَوانٍ فَقَط مُنذُ أن أُطْلِق المَدْفع،و في الثَّانية الثَّامِنة اسْتَدار بفَجْأة و مَلامحه أَغْشَتها سَوْداوية تُبَشّر بمَجْزَرة قادِمة..ناداهُ ناصِر و هو يَراه يُغادر الشقَّة بجَري سَريع،:طَـــلااال لا تتهور
لكنَّهُ لم يَكُن يَسْمَع سَوى اسْمها و اسْم ذلك الفَهْد الذي لو تَطَلَّبَ الأمر قَتْلِه...لقَتَلَه..،
~ انتهى
|