كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
تَغْرف المَلْعقة بشُرود كانَ بَحْراً مُسْتَسْلِمة مُقْلَتيها لتَلاطُم أَمْواجه..تَرْفَعها لفَمَها،تَلْعَقها ببطئ بطَرَفِ لسانها..لا مَذاق ! تَحْشرها بقَسوة في فمها لتُحاصِرها بُرودة مُنْبَعِثة من المُثَلَّجات الجامِدة من حياة..عَلَّها تُجَمّد بُؤرة الوَجَع المَنشورة غَوْغاؤه وَسَط بلْقَع روحها..لكنَّ الأَلَم كان أَقْوى،لهُ براكين من نيران تَصْهُر ذاك الجَليد المُهْتَرئ لتُصَيّره حُمَماً تُرْمِد عَيْشَها..،على الطاولة المُتَوَسّطة غُرفة الجُلوس أمامها تناثرت أكياس شُوكولاتة اتَّخَمَت مَعِدَتها من مُحتَواها..كَعَادَتها حينما يَهِلُّ شَهْرُ حُزْنِها..تَبْدأ بمراسيم بؤسِها،تَعْتَكِف عن الإبْتسامات و تَرْتَدي عَباءات النَّحيب،تَتَزَيَّن بكُحْل البُكاء و تَلتَحِم مع ذَرَّات عِطْرٍ آسِن..لهُ رائحة مَوْت سَرَقَ أَحِبَّاءَها و أشاحَ يَدُ نَهْبِه عن روحِها..لَيْتَهُ طالها..لَيْتَهُ وَسَّدها جُثَّة بالِية أسْفَل أقدامهم..لا تُريد قَبْراً و هي عن الكَفَن مُتَنازِلة..تُريد أن تُصْبِح شَبَحاً لهُ تَجْويف يَقْفُر من مشاعِر،تُريد أن تَنْسَحِب من حَياة ابْتاعَت سَعَاداتها بمَبْلَغٍ بَخْس أحالها فقيرة بُتِرَت يَدُ سُؤالَها..،هُو كان يُراقبها بعيني عَطْفٍ تُبْصِرها طِفلة سُلِبَت منها البراءة عُنْوة..سَتَروا عُرِي ذَّاتها بقوَّة مَشْروخة،تَذوي عند مَوْضِع ثُلْمَها إنْسانيتها..لولا رَحْمَةُ رَبٌّ لا تَنْم عَيْنه عن عَبيده لكانت الآن تَتَجَوَّل بين طُرق البَشَر..تَقْتَني أرْواحاً بدمائها هي تُسْكِن رَوْعَ نَفْسٍ كادت أن تَجُن..نَفْسٌ أبْصَرَت أَجساداً كانت الدّماء خِضابها،نَفْسٌ زَفَّت رَفيقة طُفولتها بهلاهل الدُموع،و دَثَّرت طُهْرَ جَسَدَها بكَفَنٍ كان أبْيضاً كَفُسْتان زَفاف..ليْلَتها كان الذَّبحُ عُرْسَهم و صَوْتُ تَقَطَّعُ الأوْداج مَعْزوفتهم الكَئيبة..،وَقَف مُقْتَرِباً منها..جَلَسَ بجانبها مُتناولاً عُلْبة المُثَلَّجات و هو يَقُول بحَزْم لائِم،:بــس خَــلاص..شنو إنتِ تبين يجيش السُّكَّر !
أَرْخَت وَسَط حُضْنها يديها الغافي بين طَيَّاتَهما بضع قَطْرات أُذيبت من قاع العُلْبة..كانت تَجْلِس على الأريكة بساقين مَطْويتين،ذراعيها مُسْبَلَتان بتَبَلُّد و حَوْل أَجْفانِها اسْتَراح احْمِرار يَحْكي إعياء لازَمَها مُذ صُمَّت حَوَاسها من بُكاء تلك الطّفلة..لم تُشْفَ بعد من الذّكرى..لم تستطع أن تتَبَرأ منها..لا زالت ضَعيفة ليس لها القُدْرة على كَسْر قُيُودِها..،امْتَدَّت يده يُزيح بأنامله خصْلات لامَسَت أَهْدابها و ذّاته مَشْدوهة لسَكَناتها..غَريبٌ ذاك الشُّعور الضّائق الذي يُخالج قَلْبُك حينما تُبْصِر الوَجْهَ الحَقيقي لحَبيبٌ كان يَخْتَبئ خلف أَقْنعة قُوَّة بالية..مثْلَ جَبَلٍ شامِخ بُلِي كبْريائه من سَحابة عابِرة أَلْقَت عليه رُعودها..،هَمَسَ يُطَبْطِب على جرْحِها دون أن يَعْلَم أنَّه يَنْكأها..يَذر الملح فَوْقها،:فاتــن انتِ اقْوى من جذي..لا تخلين الذكريات تسيطر عليش..ما بتقدرين تاخذين حقش ما دامش مستسلمة للماضي
بارْتعاش ارْتَفَعت ذراعها ماسَّة جَبينها برسْغها و هي تَهمس بتَقَطُع و الدُموع تَحْفُر وجنتيها،:ما اقــ ـدر..الماضي يباغتني و كأنَّه حقيقة..ينعاد قدامي بكل تفاصيله "أَغْمَضَت و نَوْحٌ تَعَلَّقت بأطْرافه أُمْنيات سَقيمة عَبَرَ حَنْجَرتها" يا ليتني مت قبل لا افقدهـ ـم..يا ليت الموت اخذني قبل لا ياخذهم
أحَاط كتفيها بذراعي حَنانه لكنَّها دَفَرَتهما برَفْض،و بوَهْن حاولت أن تُبْعِد جَسَدَها عن داوَّمة مشاعره..باعْتراض مُهْتَرئ،:لا تقرب مني..لا تلمسني..مابي افقدك رائد،مابي اتعلق فيك و افقدك مثل ما فقدتهـ ـم..روو آآآه روح عنـ ـي
هُو كان لهُ كَلِمَته..و عَزْمه لم يُحَطّم مَجاديفه طَلباتها المُتَذّيّلة باحْتياج مَخفي اسْتطاع أن يَلْمَح سرابه..عاد و احْتَضَنَها راسِماً ملامح بؤسها على صَدْره..مُشَرّعاً أبْواب قَلْبه لاسْتقبال فَيْضها و مُوْدِعاً آهات مَكْسورة بين أضْلاعه،عَلَّهُ يُصَيّرها ضحكات يُرَشّح بها حَنْجرتها من الغَصَّات..هَمْسه اخْتَلَط مع صوت بُكائها وسط أُذْنها ويده تَعْبُر مَسالك شَعْرها بحَنان،:خل لسانش يقول ما يبيني مني لين باجر..بس قلبي اذا شاف الحاجة تصرخ في عيونش اسمحي له..بيتصرف مثل ما يبي "أسْكَن قُبْلة دافِئة قمَّة رأسها ثُمَّ أَرْدَف بحُب" و سعادتش و راحتش اللي يبيها قلبي
,،
عَيْنٌ تُناظِر رَجُلاً فارَقَهُ و كان لا يَزال يَخْشى النّوْم و الظَّلامُ يُحاوطه..و عَيْنٌ تُبْصِر أُنْثى وَدَّعها و الطُّفولة إكْليلها..هَا هُما أمامه و اللّقاء كانَ مُفْتَرَق طَريق أَراد أن يَخْتَبِر صَلاحية الدَّم الرَّابِط بينهما..لوَهْلة ظَنَّ فيها أنَّ اللقاء انْتَصَر و أنَّ الدَّم لم يَكُن سوى سائلٌ لَزِج تَتَجَمَّد مشاعره من غياب اقْتراب..لكنَّهُ أَيْقَن حَديثاً،أنَّ الأُخوَّة قنْديلٌ يُشْعِل لَيْلاً أَدْعَج يُسْتَحال أن تَكون ظُلمته أَبَدِيَّة..،يَذْكُر أَنَّهم أَنْكَروه حينما جاءَهم و الغُرْبَة قد اقْتاتت على ملامحه ، تلك التي حَفَظَتهُ بين ظُلماتٍ ثلاث لم تَتَعَرَّف عليه..أنْساها البُعْد يَداً تَشَبَّثت بأطْراف ثَوْبها ذات طُفولة..و أَغْشى الفِراق بَصَرها عن عَيْنِي لطالما تَدَثَّرتا النَّوم بين أَحْضانها..و فَقْدُ ذَّاته..ذاكَ البلاءُ العظيم كان سَدَّاً منيعاً بينها و بين رُوحه التي بُثَّت في جَسده المُنْطوي وسط رحمها..،اللّقاء سَعيد..و اجْتِماع الأشّقاء لهُ حَميميَّة فَريدة لا يَتَذوقها سوى السَّليم من عُلَلِ زَمَن..،نَطَقَت بابْتسامة بعد أن اسْتَطاعت أن تَتَجَرَّد من سَطْوة ذكر ذاك الرَّجُل،:احسّك مشْتـــاق بس مو عارف تعبّر عن شوقك
ابْتسامة لها رائحة شتاء طَويل تَلَقَّفت شفتيه مُعَقّباً،:تقدرين تقولين نسيت شلون اعبّر عن شوقي
وقفت مُقْتَرِبة من مكان جُلوسه..شارَكَتهُ الأريكة و هي تَقول بحُب،:لا تحاتي..أنا اذكرك
أنْهَت جُمْلَتَها ثُمَّ احْتَضَنته مُحيطةً كَتِفه بذراع اشْتياقِها..و كأنَّ الإحْتضان كان سَحَابة أفْرَغت عليه جلَيداً ضَعَّف من بروده المُسْتَميت..هي شَعَرت به،شَعَرت بخوائه من دفئ كان يَسْكُن مسامات جلْده..قَلْبه لم يَصِلُها هتاف نَبْضه و يده التي بَسَطَها على ظَهْرِها كانت يَباباً من حَنانٍ أَغْدَقها ذات ماضٍ..حينما أتتهُ قبل أيَّام تَجُر ضّياعه لم تستشعر هذه الغرابة..فهي كان تتخبّط وسَط دَوَّامة من مشاعر أَضْنت حَواسَها..لكن الآن هي يَقِظة،و فؤادها قد أَوْجَسَهُ التَبَلُّد المُقَيّد أخاها..،
،:من هالمشهد الدرامي تأكَّدت إننا رجعنا مثل قَبِل "بابْتسامة واسِعة طالت عينيه" الحمــد لله
ابْتَعَدَت عنه مع مُعانقة يدها لخَدّه..تَساءَلت بحَنو رَقيق و عيْناها تُراقِبان غَبَشَ عيْنيه،:حبيبي في شي في قلبك تبي تقوله ؟
شَيء ؟ هل يُصَنَّف حُطامه على أَنَّهُ شيء ؟ تلك الذَّات الهاربة..هل هي شيءٌ يُسْتَطاع أن تُعَوَّض حينما تَقْتَلِعها يَدُ الزَّمان ؟ واصَلت و لسانها يُفْصِح عن هواجسه..،:على الرّغم من رجعتك إلا إنّي احسّك فاقد شي ياخوي
,،
يَجْلُد ذَّاته،يَلْتَقِطَها بأسْنان قلَّة الحيلة..يَمْضَغها بقَهَرٍ و الدَّمْعُ نَكْهَتَها..يَلوكها للحد الذي يُفْقِدها المَذاق حتى تُمْسي عَلْقَماً لا يُسْتَساغ ليُبْصِقها باحْتِقار..لمَرَّاتٍ و مَرَّات يُبْصِقها لتُداس بحقْدٍ دَفين وُجّه رصاصه لها و لا لغيرها..لذاته المَنْسِيَّة بين دماءٍ لا يَدري هل خانت أم تَمَّت خيانتها ! هُو ضَعيف..للحد الذي يَجْعَلَهُ يَنْظُر لنفسه بعيني اسْتصغار وَرَثَها من ثِقة مُهْتَرِئة وُلِدَت من رَحْم طُفولة مُنْتَهَكة..قَيْدُ تلك الليلة صَلَّى بين أَضْلاعه داقَّاً ناقُوس وَجَع يُزْعِج طمأنينة القَلْب..هو باتَ لا يَعْرِف الرَّاحة،نَسِيَ كيف تُؤكل بتَرَيُّث مُتَلَذّذ..بين عيني والده الشَّاخصَتين ذُبِحَت راحته و ارْتَدت التَعَبُ كَفَناً أسْوَد تَتَوَسَّع خُيوطه كُلَّما زاد في العُمْرِ رَقماً و في الجَسَدِ حَجْماً..إنَّما الرُّوح بَقيت كما هي،طِفْلة أُطْبِقَ فَمَها على إبْهام ماضٍ سَعيد..،اللَّيْلُ لم يُنْهِ مَسيرَ قافلته وهو لم ينم بَعد..لم يَنم و دَمْعُها سُهادٌ رَسَم ظلاله أسْفَل عَيْنيه..أنَّاتها المُتَعَرّجة على سُفوح الشَّهقات أنْهَكَته،أنْحَرت وَميض رُجولته المُتَرَنّح..كَسَرَته..كَسَرت الباقي من ذّاته المُهَشَّمة..بُكاءكِ أحْنى كاهلي أُخْتاه..فَرَّقَ قلبي لنصفين،اقْتَلَعَ نبْضي و هوى بهِ صَريعاً بلا قُدْرة ليُمَرّغه بوَحْل الخُذلان..بَصَري مُوْقِن أنَّهُ لَمَح تابوت أُخُوَّتنا يَطْفو وسط بَحْرِ مُقْلَتيكِ..تَنْعاه ذكرياتنا و تَنْدِبهُ طُفولة أَقْسَمت ذات وَعْدٍ أن تَحْفَظَكِ بين روحٍ و قَلْب..تاهت الرُّوح أُخْتاه..تاهت و القَلْبُ قد باعد المَرَض بينه و بين جواكِ المَظْلوم،المَقتول مرَّة و عَشْرة..قُتِلَ يوم شُوّهَ فُسْتانكِ الأبيض بدمٍ يبدو أنَّ نُجْسَهُ طال حاضركِ حتى قَتَل مُسْتَقْبَل أُنوثَكِ..عُذْراً أختاه..عُذْراً يا مَلاكاً وُطِئَ على غَفْلة من أخ..،بين يديه يَغْفو رأسَه الصَّخْر..المُتَصَلّب من قَهَر..يَضْغَط بكلتا يديه يَبْحَثُ عن الألم..تَحْتَك أسْنانه مُصْدِرة صوت تنزعج منهُ حواسه ولكنه يُواصِل..يواصِل مُمارساً أصْنافاً من تَعْذيب على نفسه..يقف ليَرْكل الأرْض..يَدُق الحائط بمطْرَقة رأسِه المَصْهور حَديدها بنيران اغْتصاب نَهَب طُهْر شقيقته..يَدور و يَدور..وسط حَلَقة مُفَرَّغة يتَخَبَّط..لا زوايا لينْطَوي و يَبْكي..و لا ظُلْمة تَبْتَلِع آه مَحروقة تَفُر هاربة بعد أن تُرْمِد روحه..آهٌ و آه شاخت منها حَنْجَرته النائحة..يعتلي صَوْته بصَرْخة تَضُج منها نُجوم ليل اعْتادت أن لا تُنير عَشْواءه..يَصْرُخ و الصُّراخ منه قد اعْتَذَر حتى أمْسى بَحَّة مُرْتَعِشة تَحْكي انْكسار الرّجال..نادتهُ أَرضٌ مَسيكة،تَرْفُض احْتواء دُموعه المَخنوقة بين جفنٍ و هُدْب..و بوَجْسٍ مُنْهَك،حَدَّ اعتناق دين اليأس مُنْهَك،:آآآه آه يُبــــه "بَسَط كَفّيه على الأرض ضاغِطاً بقوَّة و كأنَّهُ يُناشِد أهْلَها" رجّع لي يُوســف يُبــه..رجعه اللي حلف يحميها..رجعه لي يُبـه
،
بيدين تَلْتَحِفان بُرودة المَوْت الكَئيبة احْتَضَنَ وَجْهُه..قَرَّبهُ منه عاقِداً عَيْنَي الوداع بعيني براءته..هَمَسَ و الكَلمات تَرْتَعِش بغَرابة أخافت قَلْبَه الصَّغير،:اسمعني يُبـه يُوسف
أجابَ بحَدَقتين تائِهَتين بالحُزْن الغائر بين طَيَّات ملامح والدُه..بطله،:نعم يُبــه
قَرَّبهُ أكْثَر ضاغِطاً على وَجْنتيه،:مـلاك يا يُوسف..إختك،اوعدني تحميها
تَساءَل بلسانٍ لم يُكْمِل العاشرة،:أحميــها !
هَزَّ رأسه مؤكّداً،:ايـــه..ايـــه تحميها..مو إنت بَطل ؟ إنت الكبير و إنت الرَّجال صح حَبيبي ؟
أَيَّدهُ بإيجابٍ مُتَرَدّد اسْتَشْعَر ثِقْلَ هذا الحِمْل،:ايــه..أنا رَجَّال
برَجاءٍ مأهول بالغَصَّات،:قول يُبــه..قول وعد احميها..قولها يُوسف خلني اتطمن
نَطَقَ بطاعةٍ لطَلَبٍ أبْواب عَقْله الطُفولي مُوْصَدة عن اسْتقباله،:وعد يُبـه..وعد بحميها..بحمي ملاك..أختي
تَعَثَّرت أنْفاسه بقَسْوة حاضره المُتَوَشّح بعباءة الفِراق..فراق لا طَريق لقاء له..أرْخى جَبينه المَنحوتة فوقه أوْجاع لم تلتقطها مسامع بَشَر فوق جبينٍ للتو يُلَوّح للحياة..غابَ هُناكَ لثوانٍ يَجْمَع مشاعر أُبوَّة سوف تُنْحَر قِسْراً..يجمعها ليَحْتَفِظ بها وسط قَلْبٍ قد يَنْجو من ضيق كَفَن..،رَفَعهُ و الْتماع دَمْع عانَقَ مُقلتيه..تساءل ذلك البريء و عُبوسٌ طالَ ملامحه،:يُبـه ليش تصيح ؟
عَبَرت الدَّمعة و كأنَّها كانت تنتظر إذْناً..اسْتعان بابْتسامة مُتَهَدّلة يُحاول بها زَرعَ أمان وسط صَدر طفله..تَرَكَ وجنته اليُمنى ليَمسح برسْغِه مَسير الدَّمعة البائسة..هَمَسَ بعد أن عاد لاحتضانه،:بشتاق لك بابا يُوسف
بخَوْف اقْتات على فرَحِه،:ليش يُبه وين بتروح ؟
أحاطَهُ بذراعيه مازِجاً جَسَدَهما..جَسَدان كان لُقاءَهما الأوَّل قَبْل عَشْرة أْعوام..كان تَرْحيبه أذاناً أوْدَعَهُ وسط مَسامعه النَقِيَّة من دَنس..و اليوم الوِداع بُكاءٌ يُصَعّد أوْجاعاً لا يَتَوَقَّف نُموها لحين المَمات..شَدَّ عليه هامِساً بنَبْرة اخْتَلَطت فيها الغَصَّات بالبَحَّات،:رايح للي بيرحمنـ ـي
،
أبي..وَدَّعتني بعد أن أَثْقَلت كاهِلي بُبكاء قَهَرِك..غار فيّ هذا البُكاء..تَمَلَّكني و اسْتَحْوَذَ على بؤرة الرَّاحة المُشَوَّهة في جوفي..لم أعُد سَويَّاً أبي،تَبَرأَت الإنسانية مني و أمْسَيتُ بلا تصنيف،أُناظِر الحياة من خَلْف نافِذة اللاوجود..،طَرْقٌ مَتَوَجّس أَرْفَع رأسه بإعياء و صَوْتُها المَخْنوق عَبَرَ الباب ليَصِلَه برَجاء..،:يُوسف الله يخليـ ـك افتح الباب
أزاحَ يَديه عن الأَرْض البَكْماء باسْتفزاز..تَسْمَع و لا تُجيب،فهي تُسانِد مُهِمَّة الحياة لرَدْع قَبائل الفَرَح عن بلْقَع وَطَنِه..رَفَعَ ظَهْرِه،اسْتَنَدَ على رُكْبة و بثِقْلٍ وَهْن وقف بلا اسْتقامة،طِفْلٌ للتو يَخْطو..تَقَدَّم من باب غُرفتهما المُقْفَل..الحُصْن الذي فَصَل بين جُنونه و بينها..هي الرَّافِضة ابْتعاداً يَحْميها..أحَلَّ القِفل لتفتحه بسُرعة و كأنَّها خَشِيت أن يَتراجع عن قَراره و يُعيد منعها عنه..فَرَّت منها شَهْقة مُتَهَدّجة عنْدما أَبْصَرَت تَخَثُّر الدّم المُتَفَرّق فوق جبينه..دَلَفَت و الدَّمْعُ سَلَبَ منها رؤية صافية..احْتَضَنت وجهه المُتْعَب،المُنْهَك حَدَّ اقْتراب المَوْت..كَفٌّ على خدّه و كَفٌّ لازمت كَتِفاً يَصْرُخ من ألَمِ انْكسار..نادتهُ بعِتابٍ يَخْشَى عليه من ضُعْفٍ يَنْهَش وَعْيه،:يُوسـ ـف ليش تسوي في روحك جذي !
و كأنَّ الأَمَل قد انْتَحَر و لم تَعد حُروفه تَطْفو فوق نَهْر حياته الآسِن..بؤسٌ عَظيم ذاك الذي كان تلتبسه حَواسه،و عيناه مَغْشيتان برمادية مُطْفَأة الإلمتاع..فاقِدٌ هُو و فَقْدُهُ لا يُعَوَّض..،أزاحَ يَديها عَنه مُبْتَعِداً بنُفور واضِح..لا يُريد اقْترابها،لمساتها تُحْرِقه و امتزاجها به يُرْهِق روحه الوَهِنة..لا يستطيع أن يتجانس مع رقّتها..هو إن تلاحم معها سيَكسُرها و يُحيلها أُنْثى مَحْنية القَلْب..،انْطوى فوق السَرير مُطأطئاً رأس خَيبته و على كَتفيه مَرَّت قوافِل الإنهزام تَزْرع ثَمَرة فَشَله المُرَّة..هُو فاشِل و لا يَسْتَحِق بقاءً فوق هذه الأرَض..،هي تَبَعته..و بين عَيْنيها ناحَ عَطْفٌ يُوْقِن أنَّ هذا الرَّجُل يُصارع طفلاً مَسْجون في ذاكرته..يَلوم ذَّاته البريئة من جُرْمٍ طال عائلته الصَّغيرة..وَقَفت أمامه تُشاهِد الأسى يَنْحَت جِراحه وسط عَدستيه المُغَيَّبة سَعادتهما..ثار دَمْعُها رافِعٌ غَوْغاءه فوق أرْض وجنتيها..هُو هَمَسَ راجياً بصَوْتٍ مَسْلوب القوى و بصَره لم يُعانِق وجهها،:حُور اتركيني و روحي..اطلعي من حياتي،كفاية اللي صار فيش بسببتي..مابي يجي يوم و تفقدين سعادتش و السبب انا،كفاية وجع ملاك..لا تتعبيني فوق تعبي يا حُور
مَسَحَت بكلتا يديها صَبيبها المالح قَبْل أن تنتقلان لاحتضان وجهه..حاوَل أن يُبْعدها لكنَّها شَدَّت عليه هامسة ببحَّة،:يُوسف هذا مكتوب و مقدّر لها..أمر الله
باعْتراض يُواصل به نكأ جراح ذَّاته،:بس لو أنا مـ
اعْتَرض إبهامها هُبوب رياح كلماته المؤنّبة ذاته لتَقول و عيناها تَغْرسان بُذور قوَّة عَلَّه يتَعَلَّق بجذورها فينهض،:ما يجوز نعترض على أمره..ربي أرحم عليها منا كلنا ما بيظلمها "مَسَّت طَرف جفنه المُضطرب مُرْدِفة" حبيبي انت لازم تكون قوي عشانهم..محتاجينك هم اكثر من أي وقت
أغْمَضَ عينيه مُسْتَسْلِماً لضعفه،:ما اقدر حُور ما اقدر
أكَّدت بتصميم أجْبَرَ بَصَره على التَعَلُّق بحدقتيها الجادّتين،:بلى تقدر..ادري انك تقدر..و من باجر الصبح بتصل لعمتي بقول لها يجون يعيشون عندنا..قعدتهم بروحهم أبداً ما تنفع
,،
الْتَقَطَت كُوب القَهْوة بعد أن امْتَلَأ حتى تَجاوزت الرَّغوة فَوَّهته،تَراجعت للخلف بهدوء ثُمَّ اسْتدارت عائِدة للمقعد الذي كان يَحْتَضِن جسدها قبل دقائق،ضَمَّت الكُوب الوَرَقي لصَدْرِها و هي تُحيطه بيديها الإثْنَتين،تَلْتَمِس دفْئاً هُو دوماً غائِب عن هذه الغُرْفة التي عادةً ما يَجْتَمعون فيها الأطِبَّاء عندما يَحِلُّ الهُدوء ضَيْفاً على مَوْضِعٍ لا تَبْتَلع جُدْرانه سوى خَرير الأنَّات و الآهات الغاصَّة بها أَرْواح سيقَت عَبيداً للمَرَض..،كانت مُنْتَبِهة للحَديث الجامِع بين فَلْسَفَة بعض من الاسْتشاريين و الاسْتشاريات..و آخرين من الأطِبَّاء الأقَل رُتْبة..كُل واحد يُطْلِق سَفاسفه بثِقة تَكاد تَقْطَع عُنُقِه المُناشِد السَّماء..يَرْجو منها عَوْناً لترفعهُ إليها..حَيث هُو عند نَفْسه أعْلى مَنْزِلة من هَؤلاء ! كان غَسَّان اسْتشاري القَلب ذو الخامسة و الأرْبَعون يَتَسَيَّد المَجْلِس بصَدْرٍ مَنْفوخ و كلمات مُبَهْرَجة لو تَلَقَّفتها مَسامِع مَريض لازدادت علَّته من حَجْمِ أهوالها،:انـــا انسان من أول يوم لي في المُستشفى و انا ماشي سيدة "رفع ذراعه يُشير بسَبَّابته و هو يُحَرّكها دلالة على تأكيده" عُمْري..عُمْري ما أهْمَلت مَريض أو تعاملت معاه بسُوء "بَسَطَ يده مُشيراً للجَميع بخَيْلاء بانت ملامحها على وجهه و هو يُرْدِف"و طبعاً انتوا أكيد تعرفون إن شخصيتي حَديثة التَفكير و مَصْقولة من لُنْدن لذلك اعرف اتعامل مع المريض باحتراف و اقدر افهمه من غير ما يتكلم..و بالتالي أكون الطَبيب المُفَضَّل لكُل مَريض
أثْنَت عليه إحْدى الطَبيبات المُتَدَرّبات بلَحْنٍ حَوى مَقاصِد شَتَّى يَعيها الرَّجُل الحاذِق،:أكيـــد دكتور ما يحتاج تقول..كلنا عارفين أي كثر انت حريص على شغلك
آخَر بإعْجاب يبدو أنَّهُ يَعْشَق الشَّخْصيات المَرْسومة بأصابِع خيالية مَهْووسة بالكَمال،:صراحة انت قدوتي دكتور..و مو بس المرضى يفضلونك حتى احنا
مالت شّفتاه بابْتسامة مُبَطَّنة بسُخْرِية و هو يَرى كَيف اعْتَلَت ضِحْكة الاسْتشاري غَسَّان..بتباهٍ مُنْفِر يُشْعِركَ أنَّ غُرور العالم أجْمَع اجْتَذَبَهُ هذا الآدمي..و أسَفاً أن بَعضاً من العُقول الغافِلة تَهْوى النَّفْخَ وسط القِرْبة المُصَنَّعة لهؤلاء، و التي ما إن تَطالها ألْسُن النيران حتى ترتفع رائحة خانِقة تَشْمَئز منها تلك العُقول التي صَعَّدت اللَّهب ! كان يَسْتَنِد لأحَد المكاتب المَرْكونة جانباً..مُمَدّداً ساقيه على الأرْضِية الرُّخامية،و كاحل يُمناه مُرْتَخٍ على اليُسْرى..بين يديه تَقْبَع قنَّينة ماء كان يَعْبَث بغطائها،يَفتحه و يغلقه و كأنَّهُ بهذا الفِعل يُفْرِغ الشَّحنات السَلْبية المُأجّجها هذا العَبث العابر أَفْواههم..انْحَرَفَ بَصَره يَميناً حَيثُ كانت تَجْلُس..تَوَقَّفَت حَرَكَة أهْدابه لثوانٍ مع اعْتلاء حاجبه الأيْسَر..فنُسْخة من ابْتسامته كانت تَتَوَسَّد شَفَتيها،اذاً هي أيْضاً تَسْتَصْغِر هذه العُقول،لم يتَوَقَّع مُطْلَقاً ! طالَ تَأمُّله إليها..تَأمُّلٌ لسَكَناتِها مُتَجاهِلاً ملامحها الصَّارِخة..فهي أَثْبتت و عُودها.. وإن كان الذي نَطَقَت به لا تَفوح منهُ رائحة الوُعود..إلا أنَّها فعلاً لم تَعُد تَعْتَرِض طَريقه،تَجاهلتهُ للدرجة التي جعلت لقاءهما نادِراًعلى الرَّغم أنَّهما يَتَقَلْقلان في المَبنى نَفْسه..نَسِيَها لفَتْرة و يَظُن أنَّها نَسَتهُ كذلك..و هذا مُريحاً و جدَّاً بالنسبة له..فحواسه لا وقت لها لتَنْجَرِف مع غَرابة تَبُثُّها هذه الأُنْثى..،عُقْدَة خَفيفة بانت بين حاجبيه و هو يَلْحَظ الجَمود الخاطِف الذي حَطَّ على أرْض وجهها..تَصَنُّم أَهْدابَها و اضْمحلال ابْتسامة السَّخرية..و لَعَلَّهُ لَمَحَ الارْتعاشة المُباغِتة التي تَسَوَّرت بها يديها حتى طالت أصابعها المُرْتَبِك على إثر اضطرابهم كوب القَهْوة..،
،:كانت دكتورة يعني ؟
التَفَتَ لصوْت زَميله الواقف بجانبه ثُمَّ تَحَرَّكت عدستاه للطبيبة سُعاد التي أجابت،:لا..صيدلانية مو دكتورة
عاد زَميله مُعَقّباً بنَبْرة غارِقة بالتَّعَجُّب،:غَريــبة ما سمعنا ؟!
أحد الأطّباء وَضَّحَ وبين كلماته انْحَشَرَ عِتاب للطبيبة سُعاد،:لأن اللي كان يعرف بس عدد قليل منا..سترنا عليها..ما حبينا نكبر السالفة
قال آخر باشْمئزاز،:أكيــد راشيينها..و لا ليش خانت شغلها ؟!
أضافت سُعاد تُزيح غَشاوة الأسرار عن المَوضوع،:يقولون إنها كانت تبيع هالأدوية..البعض يستخدمها كمُخدَّرات أو قد يستخدمها لأشياء ثانية
نَطَقَ ذاك المُعاتِب بحَزْمٍ تَقَلَّد بالحِدَّة مُنْهِياً الحَديث،:خـــلاص..المرأة ماتت الله بيحاسبها..غيروا الموضوع
دَعَكَ صدغه بطرف إبْهامه و عيناه تَزْحَفان للأرض..لم يَسْتَطع أن يفهم مَقْصَدهم و عن ماذا يَتَحدَّثون..إنَّها المرَّة الأولى التي يسمع بها بأمر كهذا..صيدلانية و أَدْوِية..و أيضاً مُخَدَّرات ! حَرَّكَ كتفه بعدم اهتمام فالأمر لا يَعنيه أبَداً..و بما أنَّها قد عادت للذي بَعَثها فواجبه أن يطلب لها الرَّحمة و المَغْفِرة و لا غير..أمَّا حَديث هَؤلاء فكما سيَنْحَشِر وَسَط مسامعه الآن..فهو سيُثْقِل كاهِله يَوم لا يُنْفَع فيه لا مال و لا بَنون..،اسْتقام في وقوفه مُسْتَجيباً لصَوْت هاتفه،مُنْقِذه من هذا الهُراء...أخْرَجَه بعد أن اسْتأذن تاركاً الغُرفة..كان مُحَمَّد،أجابهُ و ابْتسامة مُتلاعِبة تَزور شَفتيه،:السَّاعة قَرَّبت من الثّنتين و إنت بعدك سهران..كل هذا شُوق للحَبيبة ؟!
جاءَهُ صَوْته مُحَمَّلاً بجليد تَقشعر لهُ الآذان،:أي حَبيبة بعد !
وَضَّحَ و الخَبَثُ يَلوك كلماته و هو يتَجاوز باب الطوارئ للخارج،:البنت..تَبَع كرت الكَراج
زَفْرَة اسْتَطاعت حَواسه أن تَزِن ثِقْلها ما وَصَلهُ منه..تساءلَ و الجِدّيَّة تُدَثّر ملامحه قَبْلَ صَوْته،:محمد شفيك ؟ ليش احسّك شايل في قلبك أشياء و أشياء ؟! تحجى تراني بسمعك
نَطَق مُنْحَرِفاً عن سؤاله،:اليوم جوني جنان و علي البيت
مَرَّرَ لسانه على شفتيه مع ارْتِفاع يَده لشعره ماسَّاً خصلاته عند مُقَدّمة رأسه مُعَلّقاً بعد أن اسْتَقَلَّ قِطار الانْحراف نفسه،:زيـــن..الحمد لله إنَّ علاقتكم بدت ترجع مثل قبل
عَقَّب بهمس،:الحمد لله "صَمَت للحظات قَبْل أن يُرْدِف بلا مُقدّمات" بخطبها
تَساءَل عبدالله مُدَّعياً عَدَم الفَهم و ابْتسامة خَفيفة تُزَيّن شَفتيه،: من هي ؟
أجاب بتوضيح،:البنية
واصَل مُزاحه،:أي بنية ؟
ناداهُ بتحذير،:عبــدالله
أَفْصَحَ عن ضِحكة قَصيرة ليَنْطُق بعد أن تحَوَّلت لابتسامة واسِعة،:عشان مرة ثانية تعرف شلون تفتح مثل هالمواضيع مو "واصَلَ مُحاِولاً تَقْليد نَبْرة بروده الفَريدة " بخطبها "ثُمَّ أرْدَفَ بصوته الطبيعي" والله كأنّك تقول بقتلها مو بخطبها !
باسْتنكار،:شنو هالهذرة عبدالله ! تحب تطول السالفة
عَقَّبَ بثِقة،:احسن من كلماتك المتقاطعة..نسحب منك الكلمة
نَطَقَ يُنهي الإتصال،:اقول تصبح على خير
بمُشاكَسة تُناسبه،:و إنت من أهل الخير يا عَريس
أَغْلَق الهاتف ثُمَّ حَشَرَ يداه في جيبا سرواله المُصْطَبِغ بلون كالبَحْر..ملابسه الخاصَّة بالعَمَل..عانَقَ بَصَرهُ السَّماء و تلك الابْتسامة الخَفيفة ازْدادت أَلَقاً يُتَرْجِم فَرْحة عارِمة تَضُج بين نَبْضاته..سَعيد هُو بهذه الخطوة التي سَيَتَّخذها مُحَمَّد..فروحه في أمَسّ الحاجة لأُنْثى بين يَديها تَقْبع حَياة جَديدة تُزيح أسْبالَ ماضٍ نَسَفَ ذاك الشَّاب الذي عَرفَه لثمانية عَشَرَ عاماً..ذهب و عاد بعدَ غُرْبة مُبْهَمَة الأسباب..ذهب بجناحين طَيرٍ حالم،ثُمَّ عاد و هو لا زال طَير..لكن أعْرَج،يتَعَكَّز على بقايا ذَّاته المَفْقودة..طَيرٌ طَمَسَ بياض جَناحيه أسْفل أَرْضٍ اجْتَذّبَتهُ بقَسوة مُقْتَطِعة أحلامه من خِلاف..و هو أسْوأ شُعور..أن يَبْقى الحُلم حَيَّاً ولكن بروح مَفْقودة..،أَخْفَضَ رأسه و تلك الابْتسامة حَلَّقت هارِبة من ضيقٍ اسْتَحْوَذّ عليه..ليت قلبي يَتَّسِع قَبْراً لفَقْدك..لاقتلعتهُ زارِعاً الأمَل بين ضلْعي أُخُوَّتِك..،اسْتَنْشَقَ بعُمْقَ قَبْل أن ينْفث زَفْرة تَلَقَّفَتها يَد الفَجْر بصَدْرٍ رَحْب..أدارَ نصف جَسَدِه مع ارْتفاع عينيه بعَفَوية لتَصْطَدِم بها واقِفة على قِمَّة تَجَمُّدِها..عاقِدة ذراعيها فَوْقَ صَدْرها الواضِح أنَّ في جَوْفِه تُعْقَد أَحاديث تهمس بها النَّفْس بغَوْغاء تُنْهِك مَسير دمائها للحد الذي يُسْقَمها..فتَتَباطئ بانْهِزام حتى تَتَخَثَّر مُصَيّرة الحواس جَليداً لو سَقَطَ لتناثَرت قطعه القاسِية،المُفْصِحة عن حَقيقة الذي يَضطرم داخلها..لم يَكُن يَحْتاج لأن يعرفها عن قُرْب ليعلم أنَّها تُعاني من شيء ما..شيءٌ يُباغِت شخصيتها القَويَّة على ما يبدو ! مَسَّ أَنْفه بطرف سَبَّابته و هو يَقْتَرِب من مَكان وُقوفِها..تَوَقَّفَ على يسارها تارِكاً خطوتان بينهما..تَحَرَّكت يده داعِكاً جانب عُنُقِه و هو يَقول جاذِباً وَعْيَها،:الواضح إنّش ما تحملتين كلامهم
رَمَشَت بخفَّة مُسْتَلَّة عَقْلَها من دَوَّامة السَّواد القابِضة على أَنْفاسِها،بل سَعادَتِها..لا زالت سَجينة رياحها المُزَعْزِعة عَيْشِها..لا زالت رَهْنَ صَخَبِها العابث بابْتساماتها..رَخَائِها و نقاء روحِها المُشْتاقة..أَصْبَحت مُنقادة لخرائطها ذَّات الإتّجاه الواحِد..اتّجاه الإنتقام و لا غَيْرُه..،عَقَّبت و الصَّوتُ قد الْتَمَسَ من بَعْثَرَتِها الكَثير،:نفوس ما تخاف الله..تاكل في لحم المَيّت
تَعَلَّقت عَيناه بوجهها مُحَدّقاً و لسانه اسْتَقَرَّ عند زاوية فَمَه يُخفي ابْتسامة يَشوبها الإسْتِغْراب..ثوانٍ و مَرَّرَهُ على شَفَتيه قَبْلَ أن يَنْطُق و ذراعاه تَنعَقِدان فوق صدره،:كنت اقصِد تفاخرهم و مجاملاتهم "مالَ رأسه جانِباً و هو يُرْدِف" بس يَبدو إنَّ مَوضوع المرأة هو اللي ضايقش !
لاحَظَ و بدِقَّة كيف عاثَ الإرْتباك بملامحها..حاوَلتَ و بامتياز نَجَحت أن تُلَمْلِم تَخَبّطَها..حَلَّت عُقْدَة الذّراعين ثُمَّ عادت و عَقَدتْهُما بشِدَّة،رافِضة تَلَصُّصِه على أسْرارها..لكنَّهُ لم يَكْتفِ عند هذا الحَد و فُضول نادِر يجول بخاطره..تَساءَل باسْتفسار،:تعرفينها ؟
صَمْتٌ أَشْبَهُ بمَوْتٍ انحَنَت لهُ الرّوح تَمَلَّكها فارِضاً سَيْطَرَتِه على حواسِها..سَكَنَت الأَهْداب و النَّفَسُ اصْطَدَم بحجابٍ حاجِز جُفَّ من شَهَقات جَرَّحت حَلْقها لليالٍ و أيَّام..أطْرافها دَثَّرها تَبَلُّد ساحِق حتى باتت لا تَسْتَشعر مَسَّها..نَبْضُها شارَف على الجُنون و القَلْبُ بين هذا الوطيس كان يَنوح..نعم يَنوح و الذّكرى منديله الحَنون..،صَوْتٌ من لَظى غَصَّاتٍ غادَر حُنْجرَتها،:ايـــه اعرفها "التَفَتت باعِثة عُباباً من نظرات ذات سُقْيا مالِحة" أُمّــي
,،
يتبع
|