كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
تَوكلتُ على الله
،
فَقدُ ذات
قدمه بتدريب فاشـل تم تقييدها بقيد أضاعوا مفتاحه عمداً،مُلقين بهِ في قاع حوض سباحة عُمقه حوالي الأربعة أمتار..من الأعلى يطل عليه آستور بظله الثقيل و عيناه الواثقتان دوماً بنظراتهما الثاقبة لذاته و المُتَجَسسة على أعظم أسرارِها..و هذا ما يُضعفه أمامه..أن يكون مكشوفاً أمام هذا المُتَعَجرف..و هو الذي لم يستطع أقرب الناس إليه أن يترجموا أصعب رموزه..بخبرة السنين أستطاع و بدون أي جهد أن يفك شيفرته المُعَقَّدة..،
حَرَّكَ عينيه إلى خلف آستور..حيثُ يقف هاينز مُتَقدماً عليه في الغرق..و لكن غرقه لم يكن سوى هلعاً بلَّلَهُ عَرقاً من قمة رأسه حتى أخمص قدميه..سمع صدى صوته المهزوز وهو يقول برجاء،:أرجوك لا داعي لذلك،تراجع عن قرارك أرجـ ـ ـوك
نَظَر آستور لهاينز ببرود ثُمَّ أعاد بصره له..تكلم بصوت هادئ لم تتخلخل نبرته من الوضع،:تذكر الأداة التي بين أصابعك هي حبل نجاتك الأوحد،استخدمها بحذر مثلما تعلمت الأسابيع الماضية
صَرخَ من أعماقه،:الله هو حبل نجاتي الأوحد
ابتسم لهُ ببرود و تراجع خطوتان..و عينيه من مكانه في عيني ذاك المُلقى رَفع يده و بصوت حازم،:يَتيــست
كلمة الآن التي نطقها حَرَّكت يد الرجل الواقف عند مُشَغل الماء..ثوانٍ و بدأ الماء بملئ الحوض باندفاع اصطدمت قوَّته بصدر هاينز المُشارف على التَحَطُّم..و ما يزيد الأمر سوءاً أن بعد أن يمتلئ الحوض للربع يُسمَح له بمحاولة فك قيده..ففرصة نجاته قليلة جداً !
غَطَّى الماء ساقيه و بدأ بالاقتراب بشراهة من باقي جسده..نَظرَ للأداة الحديدية في يده،بحجم سبابته بضعف عود الأسنان..مع امتلاء ربع الحوض صَرخَ هاينز
،:اثق بك موهاميــد
أشار آستور لمحمد الذي أسرع حاشراً الأداة في قفل القيد..يُحركها برجفة أوجعت أصابعه..الإرتباك تعاضد مع برودة الماء و اصبغا أظافره بلون أرجواني يُشبه الموت..كان يُحاول و عروقه نافرة تصرخ ما بداخه من خوف..شفته السُفلى يكاد دمها ينضح من فرط ضغط أسنانه..وصل الماء لأنفه،رفع رأسه يتفاداه..استشنق بعُمق حابساً نفسه و الماء ارتفع أكثر مُلتَهِماً جَسده بأكمله..
لم يعد واضحاً لهاينز و آستور..حتى خيال جسده انجلى..استدار هاينز رافعاً يده إلى رأسه،ضغط بقوة و صوت احتكاك أسنانه المُزعج يرتفع..أخفض يده إلى فمه يَتنَشق هواءً تَعَظَّم عليه استنشاقه..عاد مُستديراً لحوض السباحة..سَقَط على رُكبتيه و غثيان باغته وهو يرى أن الماء قد أنهى مُهِمَّته حاشراً جُزيئاته في حيز الحوض الذي قد يتوسده صديقه قبراً..وقف بميلان واهن و اقترب يُريد إلقاء نفسه لينقذه لكن رجال آستور حاصروه مانعينه عن فعلته حتى أطرحوه أرضاً..
رَفعَ رأسه له مُحَركاً رأسها ليمين الخيبة و يسار اليأس..و بصرخة مبحوحة،:لقد قتلته لن اساااامحك لن اسامحـــ ــك
تَعَثَّرَ صوته بصخور حشرجته..طفرت من عينيه دمعة انعكست فيها صورة مُحَمَّد الوفي دائماً..وهو الذي خان دون دراية..أخفض رأسه للأرض غارقاً في نشيجه ،و لسانه يتلفظ أسفاً لم تلتقطه أُذن محمد المسدودة مسامعها..،هَمَسَ برجاء يائس،:موهــ ـامــ
شهقة حادة التقطت آخر أنفاس الحياة المُتلاشية وسط الماء قاطعت كلمته..رَفعَ رأسه ليتضح وجهه السابح في الدموع ..بضياع تسارعت عيناه تبحثان عن مصدر الشهقة..وقف بتَخَبط وهو يرى جسد محمد يسبح ببطئ لطرف المسبح و لهاثه شق صمت المكان..اقترب منه بعدم تصديق هامساً
،:مـ موهاميد لم تَمُـ ـت
حَرَّكَ عينيه لآستور المُبتَسم زهواً ليهمس،:ربــي أنجاني
بسط كفيه على سطح المسبح رافعاً جسده و بمساعدة هاينز خرج منه..فور خروجه خَرَّ ساجداً لعظمة من أنقذه من موت كان أقرب من النفس..كانت سجدته الأولى شُكراً على سلامة الروح..لم يعلم أن هذه السجدات ستتوالى عليه بالعشرات..،
،
الجزء الحادي عَشَر
خَرَجَ من منزله قُرابة العاشرة صباحاً..أسرع للباب قبل أن تنتبه لهُ زوجته و تُعاود اسئلتها عن الليلة السابقة..أغمض عينيه وهو واقف أمام الإشارة و صوت الموسيقى الذي اخترقت أذنه فجأة عادت مُمَزِقة طبلة أُذنه..وضع مطعم البارحة في لائحته السوداء..لن يُفكر مُستقبلاً أن يزوره أبداً.. وإن كان يُقدم أشهى الأطباق..فمكان يزيد غيلان الذكرى لا رجعة له..،
زَفَرَ وهو يستغفر مُحاولاً تجاهل ما حصل..فلا يحتاج لتوتر قد يُعيقه عن ما يود فعله..فُتحت الإشارة و تحرَّك قاصداً المكان الذي كان يجب أن يزوره قبل فترة..لكنهُ تأخر لا يدري لخوف أم لحرج..أم الإثنان معاً !
انعطفَ يميناً داخلاً مَحطة البنزين..ابتعد عن السيارات المُصطفة للشحن و أركن سيارته أمام مركز التسوق المُصَغَّر..تَقَدَّمَ برأسه وهو يخفضه يَطل من الزجاج الأمامي باحثاً عن وجه مُعَين..تَنَهد بثقل و الملامح تظهر أمام عينيه..أوقف محرك السيارة و ترجل منها..مشى بخطوات غلَّفها التردد..يداه تتلقفان المفاتيح لإفراغ شحنات التوتر..لا يستيطع ن يتصور ردة الفعل..و يخشى أن تكون خَطِرة تقلب موقفه رأساً على عقب..،
اقترب من الرجل المنشود و عقله بدأ يتذكر لقائهما الأول..عامل في محطة البنزين من جنسية آسيوية،تلفظ عليه ذات مرة بكلمات اقتطعت سبات عُنفِه القصير..كان عقابه شديـداً و حقيراً..قَبضه بين يديه و بدأ بجره إلى مكانه المنحوس ليُجري عليه أقسى أنواع القمع و التعذيب..لم يعلم ذاك الفقير أن بضع كلمات قد تُعيد رسم ملامح وجهه و تُكلفه كسر في ذراعه اليُسرى..
هوَ لم ينسَ فعلته..و جاء ليعتذر دون أي تفسير..فجرح كفه قد اختفى و لكن جرح ضميره لم يندمل بَعد..وقف خلف العامل ..كان يعد النقود التي استلمها مؤخراً..،ناداه بهدوء
،:رفــيق
استدار بشكل طبيعي، و ما إن تبينت ملامح يُوسف أمامه حتى أصابته رعدة أسقطت النقود من يديه..تلعثم بكلماته و بدأ يتلفت مُستَنجداً بعينيه.. أراد أن يهرب لكنه أوقفه وهو يمسك ذراعه السليمة بقوة لينطق بسرعة
،:سووري سووري رفيق آي ديدنت مين إت،آسف رفيق
رَبَّت على كَتِفه قبل أن يُخرِج محفظته ليتناول ما احتوته من نقود واضعاً إياها بأكملها في يد العامل..عربون اعتذار ! نطق مرة أخرى
،:سوري رفيق،سامحني
استدار مُبتعداً تحت أنظار العامل المدهوشة من هذا الغريب،فاغراً فمه بعدم تصديق..قبل أيام أسال دمائه وتسبب في كسر ذراعه و اليوم يأتي ليعتذر مُسَلّماً له مبلغ يفوق المئة دينار ! أي بشر هذا..فعلاً مجنــون !
أما يُوسف..عاد لسيارته بضمير انحنى أسفاً..صراعات احتدمت داخله،و اختناق نَفَس في صدره يعض إصبع الندم..لام نفسه على حقارته..هو لا يستحق أن يعيش،فإنسان يحمل ذات همجية داخله يجب أن تموت..أن تُفنى من هذا العالم..فالحياة لا قدرة لها على احتواء نَفَس آخر يُسفك دماء بريئة لأسباب ساذجة لا تمت للمنطق بصلة..وهو بكل وقاحة يذهب لمن تَلَوَّى بوجع بين يديه مُستنجداً بمن لم يستحِ من عظمته ليُعطيه مالاً انسلخ عنهُ المعنى..فلا مال يُعيد كَرامة إنسان أُهينَ أبشع إهانة...إهانة أشعرته ولو للحظة بمدى ضعفه وهو غريــب عن بلده و لُغته و عائلته...،
,،
ساعتان ونصف مُستَغرق في مداعبته لحبيباته..اليوم وصلته حبيبة جديدة،كانت أجمل الحاضرات و أكبرهن..عُمرها تجاوز الأربعون عاماً..في جوفها احتضنت قلب نــادر الصُنع..أشرف عليه أشهر الشركات الألمانية..لونها شَحُبَ خلف تَراكمات من وحلٍ و أتربة أصمتت بياضها الناصع..الشروخ انتشرت بكثرة على أبوابها..مرآتها اليُسرى تم اقتلاعها..و مرتباتها استفرغت منذ زمن حشوتها الخانقة...
كانت ماكينة السيارة كفيلة بانتشاله من دوامة خيبته التي ألقته فيها أخته..اندمج في عَمله بها و تفكيكها و تناسى شيئاً من كلماتها المُتردد صداها في غرفة روحه الفارغة..منذ عودته قبل ثلاث سنوات وهو لم يستطع أن يُواجه صدها الكبيـر..فهو و إن واجه سيعلم أنهُ خاسر لا محالة..فلا أعذار يستطيع أن يَصفها كجيوش تُدافع عنه..و لا كلمات لدى لسانه لينتقيها مُجَمِلاً قُبح غيابه في نظرها..لا حيلة له سوى الصمت و القبوع تحت استبداد الماضي الذي سرقه من بين يدي عائلته..و كانت جنــان أكبر المُتضررين من هذه السرقة..،
رفع رأسه لباب كراجه الذي انفتح..كان الكراج أسفل منزله.. كانا بمثابة شقتان واسعتان واحدة في الأسفل و الثانية في الأعلى..يربط بينهما باب خارجي يُفتَح برقم سري على السلم المؤدي لشقته المُكَونة من أربع غرف و الخامسة غرفة الجلوس الواسعة..،ابتسم بخفة للداخل وهو يترك الأداة التي في يده..مسح كفه بخرقته العزيزة و ذاك توقف أمامه
،:الحمد لله على السلامة،جان لا رجعت
تأفأف وهو يُبعد وجهه،:يله عاد بالغصب قدرت اتخلص من لوم امي لا تجي انت الثاني بعد
وضع يده على خصره،:والله انت جذبت وقلت بس أربعة أيام
نَظَر له و الملل في عينيه،:ما جذبت،فعلاً كنت احسب بس أربعة ايام ما توقعت الشغل يطول
حَرَّك يده بعدم اهتمام،:ما عليه مو هذا الشي الا جاي عشانه
اعتدل في وقفته و بسخرية،:خير دكتور عبد الله شبغيت ؟
تَجاهل سُخريته،:ابيك الساعة تسع المغرب تروح المطار تجيب فيصل
هَمسَ باستغراب،:فيــصل ! "و بضحكة خفيفة تَمَلَّكَها عدم التصديق" من صدقك فيصل جاي ؟!
ضحك هو الآخر،:والله انا مثلك انصدمت،قلت له شصار على هجرتك !
تساءل،:و ليش انت ما بتروح تجيبه ؟
رَفعَ يده يُرجع خصلات شعره،:عندي دوام هالحزة ما اقدر استأذن،قلت بخليك تروح بدالي
و الشك في نبرته،:و ليش مو هو يقول لي ؟!
بنظرة ذات معنى قال،:انا قلت له بقول لمحمد مافي شي من الا في مخك
هَزَّ رأسه بتفهم وهو يتناول أداته..و عيناه على ماكينته نظراً و إنما صورةً كان وجه آخر قد انعكس فيهما..إحاكة فكرة رجوعه تَنم عن بلبلة تُسقِط حصون نجحت بعد جهد مُضني أن تُبنى على أعمدة مُهَيأة للإقتلاع من هبوب رياح العودة...تَداعيات تشابكت خيوط عنكبوتها السام على قلبه،هفيف إعصار يشعر باقترابه منهم..لا دُخان من دون نار و لا عودة من دون شيطان..هذا هو فيصل ما يأتي به فجأة دون مُقدمات يكون حتماً اتفاقية سرية مع الشيطان...،
هَمس بقلق بدأت أشواكه بوخز حاسته السادسة،:ماني مرتاح لجيته..احس وراه شي،ماهو خالي
زَمَّ عبد الله شفتيه و توجس محمد انتقل إليه..مجيئ فيصل فعلاً مُفاجئ،و خبر عودته قد يُشعل فتن بالكاد انطفأ حريقها قبل سنوات..أن يَكونا مُخطِئَين أرحم من أن تتحقق هواجسهما واقعاً مُدَمر...،
,،
ماضٍ
" وَيلٌ لرَجُل أبكى امْرَأة..أيقظ عِرق الدموع في أرض عينيها
سَاهمَ في إغراس خَنجَر الخيانة وسط قلبها الرهيـف..سَهَّرَ مُقلتيها و أسقط حصون أنوثتها..أهان القُبلة التي جمعتهما ذات فَجر..نساها و نَسِيَ حضن احتواه مُتَشَرِباً ضيقاً أنهكه..
كيف لهُ أن يَتَوسد غير صدرها و ينام هنيئاً دون أن تُزَعزه فكرة أو يُؤلمهُ ضرب تأنيب ؟!
فاليتنازل هذا الرَجُل عن ذاته..فلينسى أنه وُلِدَ لأجلها..لأجل أن يقترن اسمها بإسمه..فليتركُها.. فعذاب بُعده يهون عند أقدام خيانته التي تسحق روحها العاشقة..
أيُّها الناكر للجميل اذهب...فلا عَودة بعد الخيانة "
أعادت قراءة هذه الفقرة خمس مرات،و في كُل مرة يتسع إكليل إعجابها حول رأسها ! ذهــول احتوى عينيها و قرع طبول يرتفع في قلبها..أصابتها هذه الكلمات البسيطة بحُمَّى الإندهاش..هل يوجد ذكر يحتقر خيانة الرجل لحبيبته ؟! ألا زال هُناك من يُوثَق بهم ؟!
تاهت بمشاعرها المُنغَلِقة بتلات زهرتها..فهي لم تنضج بعد،لا زالت في مراحل نموها الأولية..عُمرها الخامس عشر غَرقَ دون سترة حماية في بحر الكلمات اللاعقة عقول المراهقات أمثالها..ابتسامة حالمة شَهِدت عليها حروف الصفحة عانقت شفتيها الصغيرتين..كفيها تحتضنان الكتاب تُريدان حَفر ما كُتِبَ بين خطوطها..أن تجعلها سِراً يُصعَب قراءته..لا يَفهمه سوى رَجُل أحبها فعلاً..،
تَنَهدت بعمق وهي تُغلقه..تأملت غلافه الزهري المرسوم وسطه أنثى بين أحضان رَجُل يبدو مُهيباً و وسيماً..ترتدي ثوباً أبيض استنتجت أنه ثوب زفافها المتوج به حبهما..أخفضت بصرها تنظر للإسم على الجانب الأيسر أسفل الغلاف..حمرة خجل صبغت وجنتيها المُمتَلِأتين و أصابعها ترتفع تُلامس بنعومة اسم الكاتب الذي صورت كلماته في عقلها الصغير رَجُلاً نادر..حُلم كُل أنثى.. وهي أولهن !
صوت والدتها يقترب من غرفتها،لا بُدَّ أن ضوء المصابيح تسلل من فراغات الباب..بسرعة رفعت وسادتها مُخَبِأَةً روايتها المُحذِرة في مقدمتها من اقتراب من هم أقل من الثامنةَ عشرة..فَفِراخ قلبوهن لا تتحمل مثل هذا البَوح الشاعري..،
فُتِحَ الباب ليظهر وجه والدتها التي نطقت بصوت خافت،:يله ماما جنان نامي باجر مدرسة،تصبحين على خير
ابتسمت لها وهي تستلقي،:وانتِ من أهل الخير ماما
أغلقت والدتها الباب بعد أن أطفأت المصابيح عدا مصباح النوم ذو الضوء الأصفر..انطوى جسدها تحت غطائها الثقيل و ابتسامة ارتدت حُلماً لا زال جنين تكونت على شفتيها..هَمس تردد داخلها
الكاتب أحمــد راضــي..قلبي يتمنى رؤيتك
,،
حاضر
فُستان أزرق داكن من الدانتيـل،لهُ أكمام طويلة امتدت على ذراعها النحيلة حتى معصمها المُحاط بإسوارة فُضية ناعمة..جُرأتها لا تزال قيد الإنشاء،فالفُستان كان يتوسع حتى أسفل رُكبتيها..اعتزلت ما يَضيق و ينحت جسدها في زاوية حقيبتها..مَوَّجت خصلاتها بنعومة بالغة مما جعل شعرها يبدو أقصر،بالكاد تُلامس أطرافه كتفيها المَستورين..،
تَكَحَلت بالسواد أسفل عينيها،بُروز خاطف للبَريق العسلي..لطخت وجنتيها بالبرونز و قذفت بعض الجمر على شفتيها..مثل دم الغزال بشراهة التهم موضع السَكَر..تجانس عِطرها الخفيف مع عَبَق جسدها الطبيعي..نَفس عميـق زَفَرتهُ برجفة،باعدت خصلتها خلف أُذنها كاشفة عن فص لامع، ثُمَّ خرجت..،
خَطَت بهدوء اقتطع صمته صوت كعبها الدقيق،عيناها تُتابعان خطواتها المُتَأهِبة لموعدٍ اختلقهُ ذاك المُناضل لنيل جائزة قَلبَها..فتحت باب الشُرفة الكبيــرة..جَلسة مُريحة من كرسيان وطاولة مُربعة من الخشب المُعَتَّق..داعب نسيم الليل شعرها فارتخت خصلاتها لاثمة خدها،رفعت يدها تُبعدها لكن دفئ أصابعه التي لامست خدها أرجعتها مكانها..تَنَفست بثقل و ارتباك بدى لهُ مثيراً عانق أهدابها..ابتسم لها وهو يشير للكرسي..أرجعه للخلف وهي جلست بُسرعة هاربةً من اقترابه..استدار و جلس أمامها..أرادت أن ترفع عينيها لتتأمل أناقته..فطرف قميصه الأرجواني الداكن أوحى لها بجمالية ما يرتدي..فالمظهر من أوائل الأمور التي تجذبها في الشخصية التي أمامها..،
قَرَّبَ جسده من الطاولة،استند بكوعيه على سطحها و كفيه تشابكتا أسفل ذقنه..هَمَسَ بلحن إبتسامة،:تصدقين نسيت اسألش ؟
ازدردت ريقها..عُدنا إلى الأسئلة ! اقتربت هي من الطاولة بمثل حركاته لتهمس،:عن شنو ؟
أجاب بضحكة خفيفة،:عن اذا المكان اعجبش و لا كنتِ مخططة لمكان ثاني لشهر عسل
عَقَّدت حاجبيها..لم تُفَكر في الأمر..في الحقيقة هي رافضة لفكرة السفر أو بالمصطلح المتداول "شهر العسل"..كيف لمن ترفض أن تُزَف لزوجها أن تكون قد خططت مُسبقاً لسفرهما الحميمي معاً..على الرغم من ذلك فهي للتوْ تكتشف أنها لطالما تَمنَّت سابقاً أن تُسافر مع زوجها المجهول قبل سنين لقضاء شهر العسل على البحر..فوق الرمال و بين الأمواج..ابتسمت لهُ و برفعة حاجب،:و تصدق اني كنت قبل اتمنى اسافر لمثل هالمكان !
اتسعت إبتسامته و بثقة،:يعني المالديف كانت الإختيار الصح ؟
هَزَّت رأسها و شفتاها تميلان للأسفل،:ايي تقدر تقول
هَمَسَ و ذات الابتسامة لم تفارقه،:زيــن " وقف وهو يقول" دقايق و راجع
لم تستمر الابتسامة استوطان شفتيها،فبغيابه عاد البـرود ليكتنز صفحة وجهها..استدارت بتنهيدة غادرت صدرها بعد ضيقٍ أوجعها في صدرها المُكَدَّسة فيه هواجس لا تبرحهُ إلا وقد قضت على توازنها..استندَ ذقنها على باطن كفها و عيناها تُرسِلان تأملات راجية للبحر..انقذيني يا أمواج و اقصديني تُغرقيني بعيداً عن فوضاي..لم أعد قادرة على جر قَلم الفكرة و صفحة عقلي على مشارف الإنقطاع من قسوة حبر تشربتهُ حتى فاضت قواها..عاجزة عن إستلهام الخطوات التي ستُعيدني لرُشدي الضائع تحت وسادتي..تلك التي احتفظت بسرٍ اخشى بَوحه..أعلم بعدم خطيئتي و لكن الخوف من استيعابٍ يستقبل البَوح حُمَماً حارقة..،أعتابُ ماضٍ تلوح في الأفق البعـيد المُمتَد بين السماء و البحر..رفعت رأسها للرداء المُتَخذ منهُ فُستانها لونه الساكن..لا نجوم و القمر انجلى نصفه و بات ضوءه سرابا..دجى الليل حَملَها إلى ليلٍ كانت فيه مُستلقية على سريرها تُحادث دُميتها عن حُلم استوى بين ليلةٍ و ضُحاها إنكار و تهميش أجَّجَا نبضاتِها الملهوفة..
أطراف خيوط الإنزعاج تَلَقَّفت ملامحها و صوت ارتطام مُتَحرك على الأرضية يأتي من خلفها..استدارت ليتضح لها بسام و هو يجر عربة تحمل أصناف مُغرية من الأطعمة..ابتسم لها عندما توقف أمامها..أنزل الأطباق بترتيب..وضع كأسان شفافان..واحد أمامها و الآخر أمام مكانه..جَلس بعد أن انتهى،مدَّ يده للطعام،:تفضيلي سمي و اعطيني رايش
تناولت الشوكة و السكين و هي تتساءل بعينين تتأملان قطعة اللحم الشهية،:أنت اللي طابخ ؟
هَزَّ رأسه،:اي أنــا
قَطَعت لُقمة صغيرة،غَرَّقتها بالصلصة الكثيفة في جانب الصحن و هي تسمع صوته،:خليت السوس على صوب يمكن ما تحبين طعمه
رفعت الشوكة لفمها قبل أن تنطق،:ما توقعتك تعرف تطبخ
،:الغُربة تعلم
سَمَّت بهمس ثُمَّ تناولتها و بدأت بمضغها بهدوء تستشعر مذاقها..لذعة الصلصة و حرارتها الخفيفة أعطت اللحم مذاقاً لذيـذ جـداً..تبهيرته كانت مُمتازة ! ازدردت اللُقمة ثُمَّ رفعت رأسها تُلقي نظرة على وجهه الذي احتكرته إبتسامة..نطقت بإعجاب
،:ماشاء الله الطعم لذيذ..طلعت طباخ
ضحك،:موو طباخ،بس حبيت الشي و قمت اتفنن فيه "تساءل هو" و انتِ تعرفين تطبخين ؟
رفعت كَتِفَها،:أشياء خفيفة حلويات مثلاً "أردفت وهي تُشير للطبق" مو من اهتماماتي الطبخ
تناول اللُقمة ليقول،:زين شنو اهتماماتش "و أكمل قبل أن تنطق" غير الباليـه طبعاً
مالت شفتاها للأسفل و بضع ذرات جليد تناثرت على كلماتها،:ما ادري مافي أشياء مُعينة
همهم دون كلام...،استشف ذلك البرود فابلتع كرامة حروفه و التزم بما عَرَضَتهُ من صمت..صوتُ هدير أنفاس كان لا بُد لها أن تجذب إليها شيئاً من سِحر هذا الليل..أن تتمازج كما يتمازج الملح بماء البحر..و تتهادى باقتراب مثل موجة تُلامس بإغراء ما استقر من صخور على جانب البحر..لكن أنفاسها تجاهلت طَلبه و أشاحت بوجهها بعيداً عن عينيه..وهو بصمت الرَجُل العاقل تنازل عن الطلب لهذه اللحظة !
انتبهت لهُ يقف هامساً،:انتظريني لا تمشين
زَفَرت بعد ذهابه و هي تترك الشوكة و السكين على الصحن الذي أنهت نصفه..تراجعت للخلف تُسنِد ظهرها بذراعين انعقدتا على صدرها و عيناها تعودان لتأملهما السابق..
،
دَخَل غُرفته ضارباً عَرضَ الحائط تَردُدَه الذي أنتجه برودها..حَثَّ خطواته و جَدَّدَ فيها العزم،جلس على ركبة و فتح حقيبة سفره،وضع يده في جيبها الداخلي،ثوانٍ و أخرجها و علبة صغيرة في راحتها..ابتسم وهو ينظر للعلبة الذهبية الجلدية..فتحها يتأكد من محتواها للمرة العشرون رُبما..عَضَّ على شفته السُفلى و خاطرٌ زاحم أفكاره بجنـون..أغلقها قبل أن يَقف عائداً لمن أودعت اسمها في قلبه..
كانت تقف مُستندة على السور الخشبي و وجهها يُقابل البحر،تبدو سارحة في أفكارٍ دائماً ما تغزو وحدتها..اقترب ببطئ،يمشي على هَمس مشاعره،يُساير حكايا قلبه بتوجيهاتٍ وضعها عقله في طريقه المُتمني أن تكون نهايته باباً يَعبر به إلى دُنياها..فتح العلبة عندما زاد اقترابه،تناول ما في داخلها و تركها على الطاولة..توقف خلفها مُباشرة،يفصلهما شيء حسي لا يُجَسَّد..،أحاط خصرها بذراعه و هَمسه استشعر رعشتها فانتقل لأذنها مُطمئناً،:لا تتحركين
أغمضت عينيها و ابتلاعها لإرتباكها يتضح في حلقها من شدة تَصَلُّبها..شعرت بأصابعه على أُذنها،ثوانٍ و تعَرَّت من قِرطها مُستبدلاً إياه بقرط جديد ! أنهى عَمله و خَتَمهُ بقبلة خفيفة خلف الأُذنين.. يتزود بأريج تعرف عليه بالأمس..،بخفة أدارها إليه..رفعت يدها تَتَحسس القرطان،كانا دائريان سمعت همسه القريب،:لولو أسود "أردف وهو يرفع خصلتها عن وجهها" عجبوني و اشتريتهم قبل السفر
أغصبت لسانها على النطق و لم تنجح بغصب البَسمة،:شُكراً
ابتسم لها بخفة و عيناه تتأملان القرطان..لؤلؤ أسود يلتمع من بين حَرير أبيض...هبَّت نسمة دافئة حَرَّكت معها طرف فُستانها عند الكَتف،انتقلت عيناه للمكان الذي انكشف قليلاً،عَقَّدَ حاجبيه بخفة و يده ارتفعت لكَتفها الأيمن..تَحمحَمت وهي تتراجع للخلف لتصطدم بالسور،همست ويدها تُعيد سِترها،:هذي شامة من اول ما انولدت
ابتسم لها،:ايي لا حظت "أخفض بصره ثُمَّ أردف مُستعيناً بالسُخرية" طلعتين قصيرة،حتى بالكعب ما توصلين لي !
رَفعَ عينيه يستفسر ردة الفعل..و مثل ما توقع فاحمرار الغيظ تَوشحَ وجهها الجميـل،لامس باطن خده بلسانه و مُشاكسة ماكرة ملأت حدقتيه...رفعت رأسها بغرور و هي تعقد ذراعيها على صدرها،:انا طولي طبيعي و عاجبني،انت اللي واجد طويل
عَلَى صوت ضحكته و هو يتراجع بجسده و رأسه يرتفع بعلوها..هي ازدادت اشتعالاً في مكانها و قبضة يدها تشتد..أنزل رأسه مُسيطراً على ضحكته،نطق و بقاياها على وجهه،:الصراحة اكتشفت أن سهل استفزازش
فرجة صغيرة تَكَونت بين شفتيها المصبوغتين بجرأة أدنتهُ منها أكثر،هَمَست بحنق،:انت قاعد تتطنز عليي ؟
اتكأ ببطان كفيه على السور و ذراعيه تُحيطانها من الجهتين،مال برأسه وهو ينطق بخفوت مبحوح،:لا..بس أحاول اكتشف شخصية حنين
حاجبها لم يَكف من كبريائه المركون على قمة جبل،هَمست باستخفاف،:و شنو اكتشفت ؟
مالت شتفيه بابتسامة و عيناه تضيقان بتركيز مُصطّنع..و ببطئ نطق الحرف،:اكتشفت انش خَوَّافة
فتحت فَمها تُريد أن تُعارض،لكن يده ارتفعت أمام وجهها وهو يُكمل بذات النبرة،:تخافين من البحر و المُصارحة، بـاردة في أغلب الأوقات " وبثقة أردف" و مغرورة بشكل خيالي
تَقَلصت ملامح القهر عن وجهها،و رياح خَطَر تُهدد شراعها..أكمل هو و ظاهر سبابته يرتفع يمس أطراف رمشها،:و عيونش نادراً ما ترتفع لعيوني
تراقصت أهدابها من وقع أقدام ارتباك حاصرتها..مال برأسه مُقَرباً شفيته من أُذنها هامساً بنبرة تبدلت للخيبة،:و للأسف تكرهين قربي
شهيقها عَبرَ قصبتها بعُنف مُصدراً صوتاً حاداً وعُقدة ذراعيها تُحَل..تلعثمت بكلماتها وهي تنطق،:بـبـ ـسام شهالحجي شلون يعني أكره قربك"رفعت اصبعها بتحذير"أرجوك لا تقول كلام من راسك
نَظَر لها بجدية و تلك الساحرتين لم ترتفعان تواجهانه..أمسك ذقنها رافعاً وجهها إليه لتلتقي عيناه القويتان بعينيها السابحتان في خوف،:حنـين الكلام مو من راسي،افعالش هي اللي عطتني هالفكرة
أبعدت عينيها عنه وهي تتساءل باستنكار،:و شنو هالأفعال ؟
،:شنو تفسرين اختيارش لغرفة غير الغرفة اللي فيها اغراضي أول ما وصلنا اهني ؟ و كلما اقرب منش تطلبين مني الابتعاد ؟ برودش اذا جيت اكلمش و هروبش من اي سؤال اسأله بغرض التقرب منش،شنو تفسرين كل هذا ؟
نَطَقت بكلمة واحدة بملامح مُنكَمِشة،:خَجل
عَقَّدَ حاجبيه،:الى هالدرجة عــاد؟!
حَرَّكت رأسها بخفة تطلب التحرر من قبضته،:ايي بسام انا استحي واجد،صدقني مو قصدي اللي في بالك "و أردفت بتردد يَسد فوهة التَسَرب لتنجو من غرق" انت زوجي بسام مو معقولة اكره قربك
ترك ذقنها و اقترب أكثر و كلماتها الأخيرة كانت لها الأثر في روحه،همس بصدق،:حنـين صدقيني اللي صار ليلة العرس ما يهمني،كل شي يبين انه موضوع خاص بينش وبين ابوش و انتِ وقت اللي تبين تتكلمين انا جاهز اسمع و اذا ما تبين على راحتش
أغمض عينيه مُتَنهِداً،أخفض رأسه و جبينه تَوَسَّد جبينها،يده اليُمنى ارتفعت لعُنُقِها هامساً،:انا ابي تكونين طبيعية في تعاملش،حالنا حال اي زوجين،ما يهمني اللي راح تونا في بداية زواجنا و قدامنا الطريق طويل،خل نصنع ذكرى نتذكرها بعدين بابتسامة "ابتعد قليلاً لينظر لها"ابيش زوجة،و اذا على هالخجل بنتعود على بعض و شوي شوي بيخف
كَفه ارتفعت لوجهها و إبهامه اقترب ليحترق من لهيبٍ بات يكويه منظره..اقترب تحت أنظارها المشدوهة..هَمَس ببحة و عيناه تُناغيان ثَغْرَهَا،:ابـي حنيــن بدون حواجز
لَبَّت النــداء و كفها باستسلام ارتفعت لعُنُقِه تُساير الموقف،و عرضه المُغري أسال لُعَاب جُبنَها.فإن كان الإقتراب سينحَر سلسلة الاعترافات و البوح المُستعصي..فأهلاً بالإقتراب..ستقترب منهُ جسدياً،ستمتزج بمحلوله المُتَنَغم بألوان زاهية تُلَوّح بمستقبل زاخر..ستندمج مع أفكاره و لو ظاهرياً ..ستكون له،حتى لو تطلَّب الأمر أن يستويان روح واحــدة !
~ انتهى
،
|