كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
تَوكلتُ على الله
،
فَقدُ ذات
مالت شفتيه بإلتواء ماكر يحترف إسراع نبضات أي أُنثى تُواجهه..أزاح جفنيه عن السوداوتين القابعتين خلف ستار اقتُلِعَت مفاتيحه و بَقيَ مُصمَتاً عن أي حقيقة أو انكشاف..رفع ذراعه مُقَرّباً حبيبته الأولى إلى شفتيه،يمتص بَوحَهَا الضبابي ليُغشي به دواخله،حاجباً عن ما اغرق روحه من فيض الطريق المُتَخذه إلى بوابة النُطق و الاعتراف...،نَفثَ حروفه حتى تمازجت مع ما تم زَفره من غاز ثاني أكسيد الكربون..احتوتها الأشجار المُتَنَصتة عليه،و غَزلت خيوطها بين جذوعها ثُمَّ نَحتت فوقها تُكبِح لجام صوتها عن آذان لم يشأ أن تَسمعه..
اقترب خطوة..قصَّر المسافة الفاصلة بينه و بين من ارتجفت هَيبةً من حضوره..،كَفه اليُمنى انطوت في جيب بنطاله،رفع اليُسرى و بأطراف أصابعها حكَّ جانب ذقنه المنتشرة فيه شَعيرات قصيرة نَمت بعد نزعٍ مُستَبِد هَجَّرها بعيداً عن أرضه..هَمس و عينه تَرَكزت على مُقَدمة رأسها النائمة فوقها خصلات غرَّتها الخفيفة..
،:انا أعتذر..و لكنني اشعر بعدم توافقنا
ارتفعت ذراعيها في الهواء تَتَخبطان بتوتر أعزل..نَطَقت بتأتأة،:و و لـ ـكن كيف ؟.. "بنبرة بُكاء أردفت" لقد أحببتـــ ــ ــك
أخفض رأسه مُغمِضاً عينينه بِبطئ أوهمها بالندم.. مَشهَده الثاني..،هَمسَ بصوت أضعفهُ عمداً،:و أنا آسف لم استطع أن أحبك "رفع رأسه وهو يُديره جانباً " حاولت و لكنني فشلت
سَقَطت بخيبة على الأريكة خلفها..حنجرتها أصدرت آه تَكَسَّرَ أنينها في صدرها...بعد أن تَمَكَّن حُبه في قلبها يأتي و يصدمها بخسارتها أمام قلبه..!
أزهاره التي اتخذت حيزاً من منزلها و أريجها خالط أنفاسها أوحت لها بألوانها الزاهية بحُبه..كيف يَهدي رَجُلاً الورد امرأة لا يعشقها ! هل تَبَدَّل عَملُ الورد ؟ بات يُهدى حتى إلى من لا يسكنون القلب ؟ زهوره قد اخطأت العنوان وهي بِبَلاهة لَبَّت نداء الجرس و استقبلت هديته المُشوشة هويتها..
ترادفت الدمعات على صفحة وجهها الأملس..شعرها الأشقر تُلامس أطرافه الأريكة لِمَيلان جسدها المُتأنق للإستقباله بأجمل فساتينها الغالية..أصفر فاقعٌ لونه..مثل زَهرة مُتَفَتِحة ابتاعها لها ذات صباح ممُطر..و لم يَكن تَفَتُحها سوى مَعبَر لحقيقة مُخذِلة..و المطر غادر سَحابته ليكون ضيف عينيها..الجار الوفيّ المُشارك في الأحزان و الأفراح..،
خَرَجت كَفه من جيبه كاشفة عن تَجَمُعات ألوان جميلة و كما يقولون في بلده "اللي يزيد عن حده ينقلب ضده" فَنَتَاج امتزاج تلك الألوان لون باهت يرتدونه المُعَزون في ديانتها عند وفاة أحبائهم..ألقى الزهرة البيضاء في حضنها..نَطقَ بأسف لا يُجبِر كَسرها و لا يُغنيه من سدود..
تَركها تنوح حُبها..تودعه،تشم ما احتفظ به من رائحة،تُقَبله و هي التي تَمنت أن تَفوز بقبلة من ذاك العاشق لسيجارته فقط..تَوَسدت أريكتها لدقائق..تُفرغ في جوفها حُطامها الأنثوي..قبل أن يُقرَع بابها و ينطفئ شُعاعها الأخير..فمشهده الأخير كان السيف القاطع نَحرَها..،
،
تجاوز الشارع المُقابل لمنزلها،بملامح هادئة لم تتأثر من تَحَطُم حُب أنثى عَشِقته..،
أغلق سحاب معطفه الأسود جيداً عن برد برلين القارص..يهوى جسده الدفئ و حرارة الأمان،لكن هاتان هما و الحلم واحد بالنسبة له،رفع القبعة الى رأسه لدرجة أن نصف ملامحه اختفت..
وصل أخيراً الى مقهاه المعتاد و أراح جسده على كرسيه في زاوية المقهى..أنزل قبعته وهو يبتسم بخفة لأصوات سيارات الشرطة،رفع يده يُشير للنادل الذي ابتسم وأسرع لتحضير طلبه المعروف..أخرج هاتفه وضغط بعض الأرقام..
ثوانٍ وأتاه الرد..
:Hallo maestro
:هلوو،كيف هي الأمور؟
:كل شيء تحت السيطرة،أشكرك جزيلا
ابتسم:لا داعي،حسناً أراك قريبا؟
:نعم سأكون عندك غدا في المنزل
:هذا جيد الى اللقاء
رفع عينيه للنادل وهو يخرج سيجارة ويرميها الى فمه يشعلها،يسحب نفساً عميقاً و كأنه يستنشق
عبير حديقة أنبتت ازهارها في بداية فصل الربيع اللطيف !
نفث الدخان ليختلط مع ضباب عمره وذكرياته،تحدث بهدوء صاخب في ثناياه:كيف حالك ستون؟هل كل شيء على ما يرام؟
هز رأسه وهو يبتسم:نعم سيدي كل شيء على ما يرام
:ممتاز
:استأذنك الآن
ابتسم له وظل يتأمل الفراغ بعد رحيله..
نادل..رائحة القهوة عطره الصباحي يتجمل بها ليستقبل محبوبته في موعد غرامي يُزَيَّن ببعض رشات من السكر حسب الطلب ! وُجِهَت لهُ أوامر أن يتلون كل يوم بالأبيض و الرمادي بأناقة تافهة تتعب أعين الزبائن وتجبرهم على العيش في رمادية مشوشة حتى عند طلب قهوة تزيل بقايا تعب الحياة المتشعب في الأرواح قبل الأبدان..
أصعب مواقفه هو الحصول على تسهيل للتسجيل في الجامعة،و القهوة مصدر رزقه ليدفع تكاليف دراسته للهندسة، و اليوم بقي شهران حتى يتخرج و يكتب قبل اسمه المهندس ستون !
ارتشف من قهوته و نظراته تتحرك الى جانبه الأيمن حيث شحنات تأمل قريبة منه،كنّ أربع فتيات ينظرنّ له ويتهامسنّ بإبتسامات،ابتسم بثقة فهو يعي حجم وسامته و جاذبيته..
أعاد نظره الى قهوته..ألا يَكفن النساء عن النظر!!
اتوقع أن لكل أنثى على الأقل عشر نظرات خاصة بها عن كل إناث العالم
وعليك أن تعشقها حتى تكتشف هذه النظرات!
ضحك بصوت عالٍ جعل كل من في المقهى يلتفت له باستغراب،أنزل رأسه يحاول السيطرة على ضحكته..يبدو أن ضباب المدينة أغشى عقله وأصبح فيلسوفاً في النساء!
،
الجزء العاشر
خمسةٌ و عشرون عاماً من العمل في البنوك و الإرتقاء من منصب إلى آخر بكد و جهد و إصرار شهدوا عليه جميـع من مرَّوا عليه..اليوم و بعد هذه السنين الإستاذ صـالح الصـالح فعلاً سيتعاقد..خَلقاً طيب لا تشوبه شائبة..كان نِعمَ الزميـل.. و الصديق الذي لا تنحسر كفه عن عضد أصحابه..كان أباً لمن يصغرونه سِناً..أحبوه جميعاً و احترموه حتى بات الأغلب يُناديه بـ "عمي" احتراماً له و لعُمره القريب من الستين..
،:خـلاص عمي اللحيـن بترتاح من الشغل و التعب،سوْ كل الا في خاطرك
قالت جُملتها و شفتيها تبتسمان بمُشاكسة اعتادها ولو قابلتهُ يوماً بغيرها سيعلم أن شيء خطأ يحصل..ابتسم لها بحنان أبوي وَقُور وهو يُعَقب على جُملتها بصوت جهـور اختلطت به بحة تراكمُ السنين
،:والله يا بنتي صحيح بروح للراحة و بيخف الضغط بس صدقيني مافي احلى من الشغل،يحرك كل مافي الانسان،العقل و الجسد و القلب
،:الله يخليك ياعمي و يعطيك طولة العمر و الصحة و العافية يــارب
،:وياش با بنتي ان شاء الله
انشغل عنها في حديث مع مجوعة من الموظفين و الموظفات الحاضرين للإجتماع الأقرب لحفلة التوديع المُصَغَّرة له في غرفة الإجتماعات الكبيـرة.. اقتربت من الطاولة الجانبية و تناولت قطعة "كـوب كيك" بنكهة الشوكلاتة..رفعتها لفمها تقضم منها مع وقوف نـدى بجانبها..زَفَرت و ذراعيها تنعقدان على صدرها بعدم ارتياح اتضح من أنفاسها الثقيلة..
تساءلت و هي تنظر لها بطرف عينها،:ليش نافخة وجهش؟
نَطقَت باسترسال سريــع و كأنها كانت تنتظر سؤالاً يُفَجرها،:مقهوورة و ضايق خلقي،اكيد اللحين بيجيبون لنا بدال الاستاذ صـالح شخص شديد و عصبي و مايتفاهم "مدت شفتيها فاغرة عن ضيقها" هووووف
رفعت ذراعها تَمَس فمها برسغها مُحاولة كتم ضحكتها..ازدردت لُقمتها و نطق لسانها مُلتوياً بإستهزاء يُغيظها،:زيـــن ليـش بتصيحين ؟
ضَمَّت شفتيها و أنفها يستنشق نفساً عميقاً يُخَفف قليلاً من استعار قهرها،خرجت كلماتها بهمس من بين أسنانها،:جنـان قسم بالله اذا قلتين كلمة ثانية بتشوفين "رفعت سبابتها تُشير إلى أنفها" ترى واصلة لي لين اهني
رفعت جنان يدها باستسلام،:خلاص خلاص ما بنقول شي آسفيــن مدام نـدى "استدارت لها بكامل جسدها و بباطن كفها تستند على الطاولة لتُردف" كأني سمعت أن بيجي بداله الإستاذ هـاني جان تذكرينه..اشتغل لفترة اهني مُدير مُساعد بعدين انتقل بنك ثاني
حرَّكت رأسها بأسف و ارتخاء خاب أَملُه أخفض حاجبيها،:لو يجي من،محد مثل عمي صـالح "نظرت لها" تتوقعين في احد متعاون و متساهل مثله ؟ كلش لا
رفعت كَتفها وفمها يميل مُصدرة صوت،:طبـعاً مو كل مُدير نفس عمي صالح،بس عــادي ترى اخذيها كتجربة جديدة و تَعَرُف على شخصيات ثانية
أبعدت عينيها بعدم اقتناع لتستقر على الإستاذ أو العم صالح،بأسى قالت و نغمة البُكاء تجانست مع صوتها،:شوووفيه شلون يحاجي الموظفين،كأنه ابوهم مو مديرهم
فتحت فمها جنـان لتنطق لَكن صوت رنين هاتفها قاطعها،نظرت للمُتصل بحاجب ارتفع بتناسُب مع ارتفاع طرف شفتها العلوية بسُخرية ملأت حدقتيها
،:لاا و متصل بعد !
مالت شفتاها للأسفل و بأصبعها حوَّلت الهاتف لوضع الصامت..تساءلت نـدى،:من متصل ؟
أبعدت عينيها بانعقاد ذراعين تُخفيان ضيـق تُنكِرَه،:أحمـد
و كأنها أرادت أن تنتقم من سُخريتها قبل قليل،قالت،:اووه رجع الطير للعش،مبرووك
نَظرتَ لها باستخفاف ثُمَّ أبعدت عينيها بتَمَلمُل و هي تهمس،:بايخة
و هي ترى ضوء الشاشة،:ردي عليه لا يمووت العاشق الولهان
بـبرود مُغتَر،:مابــي مالي خلقه
رفعت حاجب و صوتها التهمهُ الإستفزاز،:ليش مالش خلقه ؟ لأنه راح لزوجته ؟!
اشتَدَّت قبضة يدها و الهاتف ينعصر بينها،اقتربت منها خطوة لتهمس بِحَنَق،:نـدى أرجوش لا تبدين لا تنتهي السالفة بخصام
رَفعت نـدى يدها مُحَرّكة أصابعها بعدم اهتمام مُبعدةً وجهها عن جنان و هي تقول،:كيفش مالي دخل
نفخت خَدَّيها مُفرِغة هواءً تَشَعَّبَ في رئتيها تَوَتُراً..قالت قبل أن تمشي،:بروح مكتبي
ابتعدت عن نـدى التي ظلَّت عينيها تَتَبِعَها حتى خرجت من الغُرفة،حَرَّكت رأسها بأسف و لسانها يَهمُس بنبرة تَمَازَجَ فيها غُبار الماضي بِضَباب الحاضر..
،:غَبيــة
،
جَلست على الكُرسي مُستَنِدَةً بكوعيها على المكتب،إبهاميها مُلتَصِقَان بذقنها بِتَفَرُق و أصابعها تجمعت بالتقاء عند مُقَدِمَة رأسها،حيثُ وُضِعَت سبابتيها...مُغمِضةً عينيها عن تَطايُر أحرف ماكرة تَتَصيد قَهَرها لتُنَشِطه..غارقة في زفيرٍ و شهيق يُجدد دواخلها ليُعيد إحياء نظامها..باغتتها البَعثرة و هي غافلة على سَحابة من حُب بات يُقَربها شيئاً فشيء من هاوية النَدم !
نـدى تعاضدت دونَ أن تعلم مع هلوسات تنهب ببطئ مُوجِع ما اكتنفتها من راحـة خلال الأشهر الماضية..تغيير طارئ اعتلى لسببه صوت جَرس إنذارها الناشر في روحها فَزَعاً جعلها تحوم في دوامة مُعتِمة يتلصص من بين فراغاتها هَمسٌ يُعانِق مسامعها بلؤم استخسر عليها تناسي الماضي...أنزلت يديها و بصرها يتحَرك للهاتف على المكتب،كان قد انقطع للتو اتصاله الرابع..رفعته و قَلَّبته بين أصابعها حتى استقرت به على شفتيها..
قضى يوم و نصف مع زوجته..يوم و نصف اليوم كانا كفيلَين لإيقاظ عِرقَ الغيـرة في قلبها..التقت عدة مرات مع زوجته،لا تعرف بالتحديد عدد المرات و لكن الذي التَفَّ على مركز ذاكرتها مثل أفعى سامة هو وجهها..ملامحها المُبهِرة تَعصف في صدرها،تُهَيج رياح غيرة الأنثى من الأنثى..و ليست أي أنثى..امرأة زوجها الأولى..،
لا بُدَّ أنه قد نَسيَ نفسه في أحضانها و نامت عينيه بعد سَهرٍ طويل على ملامحها..جَسده ارتوى من أرضها التي استطاعت بدَهاء و كَيد أن تَمنع سُقياها عنه لفترة..عند هذه الفكرة ابتسمت بغُرور طَرَفه يَقترب من بُركان لا تُحمَد عُقباه..رفعت الهاتف ضاغطة على اسمه المركون في الشاشة،ثانيتان و جاءها تَلَهفُه ناثراً إرضاءً على ذاتها العمياء..
،:انتِ ويــنش ؟ جم مرة اتصل و لا تردين !
و البرود اتخذ حيزاً من صوتها،:خفت ارد و أزعج لحظاتك مع زوجتك
وصلتها تنهيدته حاملة معها استيعابه،:يا بنت الحلال كلها يوم اللي غبته
رفعت حاجبها و لسانها بدأ بوخز ضميره،:اي ادري يوم،ما اتصلت و لا سألت وحتى الأكل الا قلت خليه للعشا رميته بدون ما ينلمس
هَمسَ برقة مُحاولاً إثارة حنانها،:يا عُمري والله انشغلت مع اولادي،ما صار وقت اكلمش،طول الوقت عندي مساكين وحشتهم جم يوم ما شافوني
بعدم اهتمام قالت،:زيــن خل يشبعون منك،سلااام
أغلقت الهاتف بإبتسامة خبث بات يُجَردها من رداء البشرية..بغرابة روحها تتصلب لتستوي حائطاً يحجب بصيرتها هاربةً من غَزوٍ يُهَدد عَرشها المُتَكَبر...،
,،
مع والدتها تُنَظف الشقة..حَكت لها ما حصل مع أب طالبتها،أوضحت استنكارها و تَعجُبها من ردة فعله القوية.. و أردفت مُعترضةً على تفكيره و مبادِئه..
،:ماني متصور ان في ناس للحين بهالعقلية ! حــرام ذكاء مثل ذكاء سُمية ينحشر في البيت بدون تطوير و لاتنمية
زَفَرت وهي تترك ما بيدها واضعةً كفيها على خصرها..تساءلت بحيــرة،:ماما تتوقعين اللي سويته غلط ؟ و مثل ما قال مالي دخل ؟
انتظرت جواب من والدتها..لم يصلها سوى صوت التلفاز المُنخَفض..رفعت عينيها لها لتجدها شـاردة في أمر بدت قساوته على ملامحها المشدودة..للتو تنتبه لإنتفاخ جفنيها و احمرار خفيف يُحيط أرنبة أنفها..اقتربت منها واضعة يدها على كتفها
،:مـاما
رَمَشت ببطئ أقرب لليأس..نظرت لإبنتها ثانية ثم أبعدت بصرها للطاولة التي تمسحها..بتنهيدة أجابت،:نعم ملاك
تساءلت بِتَوَجس و عينيها تتحركان على وجهها تستشف منه الجواب،:شفيش ؟ يبين متضايقة "أردفت بسؤال مُتَرَدد" ماما انتِ قريتين الرسالة مرة ثانية ؟
رفعت كتفيها بأسى تَرجَمَته أهدابها المُرتَعشة من ثقل دمعة و ببحة أجابت،:وهو في شي غيرها يسكت قلبي ؟!
أنهت جُملتها و ألقت بجَسدها على الأريكة..بتعب السنيـن و ارتجاف العَبرة في الحلق،أخرجت النَفس بضيق أوجعَ قفَصها الصدري،و كأنه سَجِين يَفُر من بين قُضبانه..عندما تغرق في التفكير في زوجها يبدأ موسم الإنخافض للفَرح..تتَقلص الإبتسامة و تجاعيدها تتصير إلى انحناءات حُزن يغدق بفيضه طيات صفحة وجهها.. يبتاع الترح أرض جسدها،تُربةً خصباء يَزرع فيها بُذور يزداد نُموها و تنضج شوكاً يوخز العينين ليَنهَل من نَبعها المالح..
جلست بجانبها ملاك تُحيط كَتفيها بذراعها تمسح تُرابَ الضيق عنه،:ماما حبيبتي جم مرة اقول لش لا تقرين الرسالة لا توجعين قلبش،ليش تحبين الوجع ؟
نظرت لها بتأنيب،:تلوميني و انتِ تلاحقين ورا الوَجع بنفسش ؟!
مالت شفتيها للأسفل و برجاء أرادت بهِ أن تقطع ما ترمي إليه،:مــاما الله يخليش لا تفتحين الموضوع مرة ثانية
استدارت لها بكامل جسدها تواجهها رافعة من صوتها ليخرج حاداً يضرب في قلب ابنتها،:لا بفتحه لو للمرة الألف،يا بنتي انا اذا قريت الرسالة استرجع ذكرى،أحن لكلام ابوش وكأني اذا قريت حروفه اسمع صوته،بس انتِ تنبشين في أشياء ما تسبب الا المشاكل
وقفت بهروب عاقدة ذراعيها على صدرها تُكبِح اعتراضها الفج،:انا واثقة من اللي اسويه "و بحرقة اهتز لإثرها صوتها" لأني ادري أن ابوي لا يمكن ينتحر
بتذكير و لحن أوهنته الحقيقة،: يا بنتي انتِ شفتين بعيونش كل شي كان واضح انه انتحر
استدارت حول نفسها وهي تُغمض عينيها و كفيها ترتفعان في الهواء..تدور في حلقة وَهمية تُبصِق فيها وَحلَ الحقيقة المُرَّة..بكفيها تُحاول صَدَّ الأنصال الحادة القاصدة جَوى القلب المُحطَم..تَغشي بَصرها عن مشهد تَمَسكت جذوره بأرضها الجافة من نهر أب !
،:مُستحيــل ماما مستحيل ابوي ما بينتحر يعرف انه حرام ابووي ما يسوي الحراااام
انتهت جُملتها بصرخة خَرجت من أقصى روحها حاملة معها ثِقل تلك الليلة..اجتذبتها الأرض لتُوسِدها غُرفة منزلهم القديم..اختنقت هُناك بين عقارب الساعة الواحدة مساءً..سيلُ دماء يعبر رِسغَ والدها الأيسر..قطراته تتشربها سجادة الأرض بالتوالي ناشرةً رائحة كممت أنفاسها المُنقطعة من منظر سلب لُبَّها ذو الثماني سنوات..عقلها الصغير لم يستوعب ما يجري.. و أعصابها أرسلت إشاراتها للمُخ ليُعطي تنبيهاته لصوتها الذي ارتفع بفَزَع و الرُعب نَشر مَلامحه على وجهها البريئ..
ذراع والدتها احتوتها تنتشلها من الحفرة المُكدسة فيها ماضٍ لا مَفر منه،مسَحت على رأسها وهي تُقَبله مُحاولةً تهدأة رَوعها،:خلاص يا بعد عمري اهدي
شدت من احتضان ابنتها التي اتسعت حدقتيها بانذهال خاطف و في جوفها تراقصت دمعات عَبرت خدها تُيقِظ آثارها من غفوتها القصيرة..تزاحمت الشهقات في صدرها مُسببة جراح في حبالها الصوتية..ازدردت ريقها قَبل أن يخرج صوتها مبحوحاً
،:صـ ـ ـدقيني ذبحـ ـ ـووه
,،
،:خلاص يعني قررتين تسجلين في الجامعة ؟
ابتسمت بفتور،:اي ان شاء الله
و عيناه من وراء النظارة مُركزتان على شاشة هاتفه،:زيــن زين
زَمَّت شفتيها تُخفي ارتسام إبتسامة سُخرية مَريرة..كلاهما لم يهتم،لا عين رُفِعَت تُناشد عينيها،تَشد من أزر ما التمع من طُموح في عدسيتها..و لا لسان تَلَهف مُتسائلاً عن تفاصيل تمنت لو تحكيها لهما..بـرود ينتثر من فوهة اللامُبالاة المُحيطة بهما مثل هالة كُلَّما أرادت أن تقترب من أحدهما تُصعَق من شراراتها الجارحة..تترك آثاراً تَسهر معها ليلاً تُناغيها و تُطَبطب على كَسرِها..
وَضَعت جانباً مَغزلة أفكارها لتُجيب نداء والدتها،:نعم ماما
ابتسمت لها و هي تُشير برأسها،:زوجش وصل
عَقَّدت حاجبيها و هي تلتفت لجهة الباب،متـى أتى ؟! لم تسمع صوت الجرس حتى ! سَحَبت نفس و صوت والدتها يُواصل بهمس،:ما قدر على فراقش
زَفَرت ما استنشقته من ضيق وجوده،أبعدت عينيها عنه عندما اقترب من والدتها يُسَلم،حاولت قدر المُستَطاع تَجاهُل ملامحه و صوته الهادئ..ارتفع حاجبها و ساقها العُليا بدأت بالاهتزاز لصوت ضحكته النادرة جداً..همس والدتها عاد و كوعها يَمس خاصرتها بخفة،:قومي ضيفي زوجش ما يحتاج اعلمش
عَضَّت زاوية شفتها السُفلية و عيناها ترمشان مرتان مُتَتاليتان،وقفت بهدوء..شَدَّت تنورتها الطويلة ذات الكسرات الطولية..ذهبية ناعمة ارتدت فوقها قميص ماروني أكمامه ضيقة لنصف ذراعيها..بتلقائية اتجهت للشاي لتسكب له
،:ابي قهوة
انتقلت يدها للقهوة،سَكَبت لهُ ثُمَّ اقتربت تمد الفنجان إليه دون أي كلمة أو نظرة..تناوله شاكراً..استدارت لتعود لمكانها لكن صوت والدتها عاد مُجدداً،:حـور قعدي عند زوجش
انصاعت لأمرها بصمت وهي تجلس على يمينه تاركة مسافة تكفي لشخص آخر ينحشر بينهما..مثل جلستها قبل قدومه..ظهرها مَحني قليلاً،ساق على الأخرى مُستندة بذراعيها فوقها تعبث بأصابعها بتفكيـر..سارحة بعيـداً عن نقاشه مع والدها الخالي من أي مُغريات تجَذبها هي و والدتها للمشاركة..
لماذا جاء هنا ؟ توقعت أن لا تلتقيه إلا غداً،فهي مُنذ الظهيرة غادرت المنزل دون أن تراه و لاتعلم عنه أي شيء..غادرت هاربة من المحطة المُحتفظة بانكساراتها و كلماته القاسية المُتَخذة من ظُلمة الليل الشيء الكبير..ضَجَرت من نفسها وهي مُنطوية على نفسها في فراشها تبدأ قصة بُكاء و تختم أخرى..كَرِهت الضُعف و الإنهزام..ليست مجبورة لتنساق مع مجرى سيله السام..ليجرح و لينفث حُمَمه..فهي قد أصبحت ذات خبرة..تطورت مع مرور الزمن ستستطيع أن تُجَدد خلاياها و تنسلخ عن نَفسها التي قَتلها و سترتدي نفس جديدة..لامعة تخلو من الخدوش و الشروخ..روح جديدة تنتظر استقبال أعاصير من طُرق تُخالف سابقتها..
،:حــور
نَظرت له وهو واقف،رَمشت ببرود دون أن تُجيبه..أكمل،:قومي البسي عبايتش بنروح نتعشى برا
ارتفع حاجبها الأيسر و رأسها يميل جانباً مع ميلان زاوية شفتها العُليا..أيسخر منها !
البارحة كان جاهزاً للطلاق و اليوم يُغريها بأمسية مُصطَنعة لا طعم لها ولا لون !
صوت والدتها لم يَكُف من تدخلاته،:اي يُمه قومي غيري جو و استانسي يله حبيبتي
هَمسَ لها بإبتسامة زادت من وقع السُخرية داخلها،:يله
حَرَّكت فمها قبل أن تقف مُتجهة الى غرفتها السابقة حيث خلعت حجابها وعباءتها..دقائق و كانت تخرج من الباب خَلفه مُوَدعةً والدتها بإبتسامة مُغتَصبة...
،
لم يكن الطريق طويلاً من منزل والدها حتى المطعم..لكنهُ كان بــارداً و صامتاً عن أي كلمة..هي ابتلعت لسانها و هو كعادته يُمارس عمله الثاني..أبكم تحت الطلب !
كانت جالسة أمامه على الكُرسي الجلدي..بُني داكن تضارب مع لون الطاولة الدائرية الحمراء..عيناها تتحركان ببطئ على المكان..هادئ إلا من أصوات الملاعق و الصحون و صوت الموسيقى المُتَغير كل دقيقتان،عدد روَّاده قليل..هما و ثلاث طاولات اختلفوا عنهما في العدد و الروح و الإبتسامة !
سقطت عيناها في عينيه..عادت و استعانت بسُخريتها،هذه المرَّة تَلَقفت الكلمات بدقة و كفها ترتفع لذقنها تستند عليه،:هالمرة جم الفترة ؟ اسبوع ؟ ولا ثلاث ايام و لا شهر و لا جم ؟! حدد عشان ما انصدم بعدها من تغيرك المفاجئ
تَنَهد من حديثها..و قلبه التوى يلوم نفسه المجبورة..قضى يومه آسفاً على ما نطقه..لم يكن الوقت مُناسب لحديثه بل و لم تكن الكلمات لائقة..أسلوبه همجي يفتقر لأبسط معايير اللباقة و الذوق الرفيع...
هكذا هو بخيل عندما يتعلق الأمر بالكلام.. لا خِبرة لديه مع الحروف..يتكلم ليجرح و يُبكِي و يُنهي آمالاً..ثلاث سنوات وهو مثل نعامة دافناً رأسه فى كومة جُبنه،يُسقِي عقله من نبع التشاؤم..جسده جاذباً ممتاز للشحنات السلبية،يَتلبسها وكما أنها سِتره..تتدثر من تحتها حقائق فَشِل أن يُواجه بها زوجته..أنثاه اليتيمة من خِدره الحلال..يعترف أنهُ لم يكن لها زوجاً أبداً !
شَبك يديه و تحمحم،يتفقد مَؤونته من الكلمات..هَمسَ و عيناه للأسفل،:حــور انا ما كان قصدي الحجي اللي قلته
قطع كلماته ضاماً شفتيه..أرخاهما وهو يزفر و يده ارتفعت تُرجِع خصلات شعره للخلف بحيرة و افتقارٍ لكلمة..هي لم تتخلى عن سُخريتها و أكملت ببرود عاقدة ذراعيها على صدرها،:زيــن و بعدين ؟
نَظرَ لها بضيقٍ أجَّجَهُ برودها..انعقد حاجبيه بخفة و همس،:حــور انا من صدق اتكلم
رفعت حاجبيها وهي تهز رأسها بالإيجاب،:اووكــي و انا قلت لك و بعدين..كمل يعني ؟
زَفَرَ و أكمل مُتجاهلاً نبرتها،:ابيش تشيلين كلام البارحة من بالش مــ
قاطعته هي بحدة تَمَلَّكت صوتها و زاحمت نظراتها المُصَوَّبة عليه،:آســـفة ما اقدر انسى "اقتربت من الطاولة على مرأى من نظراته المُتعَجبة لتُكمل" تدري يُوسف ؟ انت الصراحة وضحت لي اشياء واااجد من كلامك..اشكرك عليها من كل قلبي "رفعت ذراعها تنظر للساعة و أردفت بعدم اهتمام" صار لنا دقيقتين من جينا صراحة جعت
نَطقَ بقهر مُقرباً جسده من الطاولة،:ارجووش خليني اتكلم و اتركي هالأسلوب
رفعت يدها أمام وجهه ببرود،:تفضل قول
أرجع ظهره للكرسي بتنهيدة ثُمَّ تكلم،:شوفي انا صدق ما كنت اقصد الحجي الا قلته،كنت متضايق شوي وحطيت الحرة فيش و حـ
قَطَع كلماته و عُقدة قوية قلَبت ملامحه..رفعت عينيها إليه تستفسر سبب السكوت لكن وجهه المُحمَّر ألجمها..انتقلت عيناها لقبضة يده على الطاولة..أبيضت من فرط ضغطه و أسنانه مارست الضغط نفسه حتى ظنَّت أنها ستتكسر..رَفعَ كلتا يديه لِمُقَدمة رأسه،ضغط برسغيه وصوت أنيــن حــاد دَبَّ الرُعب في قلبها..ماذا حَصل الآن !
نادتهُ بهمس و عينيها مُتعلقتان بارتعاشة كفيه،:يُــ ـوسف
أنخفضت يداه لأُذنه حرَّكهما للأعلى و للأسفل بطريقة سريـعة ثُمَّ وقف فجأة كملسوع من لهب..و إنما حقيقةً كان صيداً غنيماً للسعة ذكرى !
هَمَسَ بلهاث ويده ترتفع لرأسه،:قوومي خـ ـل نمشي قوووومي
بتوسع عينين نَطقَت،:شـصاار ؟
بحدة قال،:قــووومي
تقدم ليَخرج و هي حملت حقيبتها تلحقه بوجه مخطوف و عقلها لم يستطع أن يستوعب أي شيء...وصلت للسيارة القريبة لتراه مُستنداً بجانب جسده عليها..اقتربت منه و أمسكت بكتفه وهي تناديه بقلق،:يووسف شفيك شصار ؟ راسك يألمك تبي تروح المُستشفى ؟
فَزَّ مرعوباً و صرخة انفلتت من لسانه أرجعتها بفَزع للخلف،:لاااا لالا ما يحتاج مُستشفى "وضع يده في جيبه و أخرج مفتاح مدهُ لها" خذي انتِ سوقي ما اقدر انا بسررعة خل نروح البيت
هَزَّت رأسها بربكة وهي تتناول المفتاح من يديه،صعدا السيارة..هو اتكأ بكوعيه على ركبتيه و رأسه بين يديه يُريد أن يستخرج عُصارة الألم..و هي في كُرسي السائق تُتابع الطريق بعين و تُتابعه بعين..كفيها ترتجفان على المقود و غَصَّة بُكاء في حلقها..عدم فهمها لِما يَحصل أرعبها و أشعرها بمدى غُربتها عنه..للمرة الاولى تراه بهذه الحالة و كأن ماساً أصابه..فجأة دون مقدمات انقلب حاله..من شدة ربكتها لم تستوعب انها لم تفتح المُكيف..فهي مع ذلك كانت مُتجَمدة من وضع الغريب المُلقى بجانبها..
ابتسمت بسخرية باكية فتغيره هذه المرة لم يتجاوز النصف ساعة !
,،
تَتَصَفَّح إحدى المَجلات الخاصة بفساتين العروس..بيضاء نقية بعضها من الدانتيل الأنثوي و الأخرى من الشيفون النــاعم تنتثر عليه كرستالات لامعة..أصابعها تَتَحسس الصور و إبتسامة واسعة على شفتيها..تكلمت بانبهار
،:شـــوووفي هذا يجنن
رفعت أختها رأسها تنظر للمُشار له..حَرَّكت رأسها رافضة،:لا نـور احسه بسيط
رفعت حاجبيها،:زين هذا المطلوب،البسيط احلى
أصدرت صوت رافض ثُمَّ أردفت،:بس مو لهالدرجة،ما كأنه فستان عروس !
مدت شفتها السُفلية بعدم اقتناع،:على راحتش
واصلت بحثها مع أختها و بين حين و الآخر تُعجَب بتصميم و أختها ترفض بحجة بساطته أو قماشه وغيرها من الحجج..تعرف اختها جيداً،ذوقها صعب و لاترضى بالشيء العادي..كما تقول تُريد أن تكون "غيــر" لا تُشبِه أحد..و بالطبع تُريد أن تكون مُختلفة عن أي عروس سبقتها !
وصلهما صوت والدتهما المُنزَعج،:شهالعفسة ؟!
نظرت حولها..المجلات مُنتشرة ببعثرة على الأرض الرخامية و على السجادة الصغيرة..بعضها أُلقي بإهمال على الأريكة و البعض تحت الطاولة الصغيرة..حاسوب اختها المحمول يقبع في الجانب الآخر و بالقرب منه مجموعة من الأوراق و أقلام تلوين تخص محاولات اختها الفاشلة لرسم تصميم مُغاير..،
عَضَّت على شفتها بحَرج،:آسفيـن ماما،لا تخافين اذا خلصنا بنرتب المكان
وهي تُبعد أكواب القهوة عن طريقها،:والله كأنكم أطفال،ماتعرفون تشتغلون بدون هالحوسة ؟!
اختها بمحاولة إرضاء،:ماعليه ماما بنرتب المكان "هزَّت رأسها بطفولية و شعرها يتحرك معها بنعومة" ماباقي شي وافارقكم خليني اخذ راحتي
ناظرتها من طرف عينها وهي تجلس مقابلهما،:بنشوف بعدين بيتش بتعفسينه بهالطريقة ؟
ضحكت،:افا عليش ماما انا جود اقعد في مكان و مااعفسه مُستحيـل
هزَّت رأسها بيأس،:ولا تكبرين
،:شوفي هذا مو واجد بسيط و موديله جديد
نظرت للفستان لثوانٍ،:لا طرحته طويلة وثاني شي قصير من ورا و من قدام ماعجبني
تساءلت والدتها،:ليش انتِ تبين طرحة قصيرة ؟
وكفيها تشابكتا تحت ذقنها و بحالمية،:ايييي من زماان اتمنى البس في عرسي طرحة قصيرة
نور مُعارضة،:بالعكس الطويلة احلى و تعطي العروس هيبة وفعلاً تبين عروس "ابتسامة ناعمة تَكلَّلت بحالمية عانقت صوتها أيضاً" اذكر طرحتي كانت طويـــلة و ثقيلة حتى حسيتها بتقلع راسي وحتى عــبــ ـ
انقطع صوتها و لسانها انعقد باتراً اسمه..ضغطت على شفتيها بقوة تُعاقب نفسها على استرسالها اللاواعي...و كأن الأمر طبيعياً تتحدث عن زفافها بكل أريحية !
أبعدت وجهها عن نظرات اختها و والدتها،كل واحدة تَلَبست نظرة مُختلفة..جـود تعاضدت عيناها مع خُبثها البغيض،و والدتها تَوشَّح الحُزن جفنيها و أهدابها تتصافق ببطئ تُرسِل نظرات شَفَقة ينقبض لها قلبها المحزون..
حاولت أن تُشغل نفسها بالصور و عقلها يخونها مُقتحماً ليلة زفافها..كان فُستانها مثلما تُحِب،بسيط و دون تَكَلف...دون أكمام يضيق عند صدرها حتى أعلى خصرها،قطعة من الدانتيل الثقيل في الأعلى وفي الأسفل انتشرت بتفَرُق رسومات لزهور صغيــرة من الدانتيل أيضاً على قطعة الشيفون الخفيفة..كان يتوسع للأسفل حتى قدميها من الأمام.. ومن الخلف يمتد مسافة المتر خلفها..و على شعرها استقرت زهور تُشابه ما في الفستان من أعلى أذنها وتمتد بشكل عرضي على شعرها المُرفوع بتموجات ناعمة للجهة الأخرى وتنقطع عندما تلتقي بالطرحة الأنيقة المُمتدة خلفها أمتار..كانت ثقيلة و صَعَّبت عليها مشيها،لذلك كان هو يستدير كُل دقيقة ليسحبها معها يُساعدها على المشي هامساً في أذنها بكلمات مُضحكة لا زالت تتذكرها لتبتسم بخجل..،
تذكر أنه أثنى على الفستان و أبدى إعجابه الكبير بشكلها الجميـل..ناعمة و ساحرة وبسيطة..بضع كلمات كانت كأقراص تخدير رددها على مسامعها في تلك الليلة المُمَيزة..لم يكتفي بتلك المُساعدة،فبعد رجوعهما ساعدها في نزعها عن شعرها..كان حريصاً على أن لا يُؤلمها..بدقة عيناه الواسعتان تنظران لشعرها،إبتسامة واسعة على شفتيه تُشارك كلماته المازحة التي يطلقها لسانه بغرض تخفيف خَجَلها الكبيـر..
ارتعشت و صوت استنشاقه لرائحة شعرها يُعاود مسيره لذاكرتها..ذات القشعريرة زارت جانبها الأيسر بأكمله..يده كيف تغلغلت أصابعها بخفة في خصلاتها،يُمَسد بحنـان أسفل عُنُقها..تتحرك أصابعه باحثةً عن مواقع النبض،يُحَرك إبهامه بخفة،يتحسس عرقها النافر،يتعرف على نُقطة ضعفه..و كأنه استشف من نفوره ما قد يُرخيه فاقترب بشفتيه عابراً طريقه بدقة،ببطئ واصل المسير..يُفرِغ من شفتيه خَدراً أسكنه عروق عُنُقِها المُثيـر..،
رفعت يدها و الرعشة استحوذت عليها،ازدردت ريقها بصعوبة و كفها انتقلت لحقلها تمسح عليه،ابتلعت أنَّة البُكاء و عيناها تسارعت أهدابها تُجاهد وخز دموع باغتتها..زَفَرت هواءً حاراً اشتعل حَطَب نيرانه في روحها..استغفرت مرات تطرد شياطين أفكار يجب أن لا تُسيطر على عقلها..مَسَحت على جانب شعرها قبل أن تستدير لصوت اختها
،:نــور شوف هذا عجبني بس ابي اضيف عليه شوية تعديلات
,،
استيقظ عند التاسعةِ صباحاً و ألم بغيض يعبث في رأسه..وصل من برلين عند الرابعة فَجراً،توجه لمنزله مُباشرة و في قلبه شـوق كبير لحبيباته بعد فراق اسبوع..استحم و تعب جسده ساعده على النوم بُسرعة..
استقل سيارته و قهوة صبحاه كانت تَبَغ يحترق في صدره..و كأنه بإشعالها يَستَهل سكَّة أفكاره،كبائن قطاره الى مالا نهاية..و لا مَحطة تتوقف عندها،تتحرك بسرعة مُتفاوتة تنخفض حيناً و ترتفع أحيان أكثر..لا جهاز يكشف الخطر أمامه و لا بُوصلة تُعيده إلى بلده بعد ضياع..قد ينتظره اصطدام لا نجاة منه،و قد تنتظره هاوية تُحَطم بقاياه..هو عَبداً للريح،تسوقه أين ما تُريد،تَلطُم جلده المُرَقَّع بجروح اختلفت ذكراها..كُل جرح تَبرُز أنيابه على شاكلة مُغايرة للجرح الآخر..كُل جرح يتفنن في وجعه و استفراغ دمه..و كُل رائحة دم تَتَشعب في الأنف بتركيز خاص بها.. فالدم و الوجع و الجرح الأبطال الرئيسيين في حياته..و لكن بقصص مُتَجَددة !
دقائق وكان يركن السيارة أمام منزل والده..انتظر حتى أنهى سيجارته،فقلبه لا يقوى على رميها و حُرقتها لم تنتهِ..حمل هاتفه و أغلق السيارة خارجاً منها ليتقدم بخطوات هادئة للمنزل..
طرق الجرس،ثوانٍ و فتحته الخادمة،ابتسم لها و دلف للداخل حيث تجلس والدته وحدها على طاولة الطعام..الحمل انزاح عن قلبها و النَفَس عاد إلى دورته الطبيبعة بانتظام لا يُزَعزعه قلق مركون في زاوية عقلها المُتَحَفز للخطر..،قَبَّل رأسها و جلس على يمينها..احتضنت يده مُرخية حاجبيها و بعتاب
،:انتظرتك تكلمني و لا اتصلت !
استند للكرسي و رأسه يميل للجانب و بتنهيدة،:والله يُمه انشغلت ما قدرت اتصل
،:لو رسالة يا ولدي تطمني عليك..و قلت لي بس أربعة ايام صار اسبوع و توك رجعت
ابتسم باعتذار وهو يُرَبت على يدها،:آسف ما توقعت ان الشغل يطول
هَزَّت رأسها تطرد وساوس تُلاحقها،:زين شخبار الشغل،خلصت امورك على خير ؟
،:الحمد لله كل شي تمام
،:الحمد لله
،:صبـاح الخير ماما
اقتربت مُقبلةً رأسها بتجاهل واضــح للنَفَس الثالث بينهما..جلست يسار والدتها تسكب لنفسها الحليب و بتساؤل،:بابا طلع ؟
صوت والدتها خَرَجَ حاداً بلا جواب لسؤالها وإنما بأمر،:جنــان قومي تحمدي لأخوش بالسلامة تدرين فيه راجع من السفر
ارتفع حاجبها مُستنكراً هذا الأمر..صوت ساخر أخرجه أنفها و هي تَمسه بظاهر سبابتها..ارتشفت من الحليب قبل أن تُحَرك عينيها ببرود لوالدتها و بنبرة تأصلت الجليد حتى صَيَّرته سهاماً
،:ما كنت ادري ان علي اخوي مسافر ؟ " وهي تتلفت" اصلا وينه عشان اسلم عليه ؟
اعتلى صوتها بغضب،:جنـــان بلا هالحركات
استدار لوالدته يمتص غضبها بإبتسامة،:ما عليه يُمه ما تعرفين جنان تحب تمزح
و الحدة مُستحوذة عينيها،:هذا مو مزح هذي قلة ادب
نظر لجنان الباردة تماماً و المُنسَلخة عن أية مشاعر ترتشف من حليبها و تتأمل الكوب و كأنها تُحادثه..
،:ما عليه يُمه "وقف" اصلا انا ماشي اللحين عندي شغل في الكراج و بعد يمكن امر ابوي..سلمي على علي،مع السلامة
هرب بسرعة دون أن ينطق بكلمة أخرى جاراً معه عينيه قبل أن تُعانده بنظرة تزيد من اتساع ما انكسر داخله..قابلته الشمس بأشعتها القوية و اصطدمت بعدستيه،أخفض جفينه يحتمي من لهيبها و ليت الروح تُطبِق أجفانها لتنجو بآخر أنفاسها..تناول ما يُنسيه وجعه،أفرغ دُخانها في صدره..فتح أبواب رئتيه لمَعشَر المرض..حَيَّهُ بترحيب كبير،مُلَوحاً برايته البيضاء مُستسلماً بجسده و بذاته..
ألا تعلم نتائج وَقع أزيز كلماتها ؟ ألا تسمع صوت تَحَطُم أصيص روحه و صوت اقتلاع بتلات أزهاره الذابلة ؟ قــاسية هي و تنتقي الكلمات باحترافية دقيقة تُصيب من المرة الأولى الموضع الذي تنتهي لموته الحياة...،منذ قدومه و هي لم تكف عن إفراغ حمولتها التي قضت سنين غيبته في تحصينها و تجهيزها لشن حرب يكون فيها هو الخاسر..المقتول شنقاً بحبل الأخوَّة المُعلَّق على مشنقة الغيــاب !
أخبريني أختـــاه....كيف هو الرجوع إلى جنان أخوَّتِكِ القاحلة ؟!
~ انتهى
،
|