الفصل الاول
كانت اول مرة يلمحها هي صبيحة يوم دافىء ,فبعد ان حجز مقعده المعتاد على ناصية الشارع باحدى اشهر مقاهي المدينة,وبدا باحتساء قهوته السوداء المرة,فوجىء باصوات انثوية ضاحكة تخللت اجواء السكينة السائدة.
بضع من الفتيات اللواتي يخضن سباق جماعي هربا من سيل الامطار الجارف الذي انطلق قبل بضع دقائق,لتكون المحصلة ثقيلة,فاتوابهن الصيفية انتهت الى البلل التام,فتجسدت للناظر لوحة حية من الغسيل المتحرك.
طرافة الموضوع كانت لتقف عند هذه اللقطة لو لم تتجه عيناه رغما عنه صوب احداهن,بضع ثواني كانت كفيلة بجعله مسمرا في اتجاهها ,يقابلها النظرات فهي على عكس ما توقع لم تخفض بصرها الى للارض في اشعار واضح للحياء,بل تابعت مسلسل التحديق المتبادل ذاك.
هي لم تكن انثى اسثتنائية الجمال,بل يمكن القول انها قد تصنف في خانة مقبول,الا ان شيئا ما شده ليكسر احدى اهم قواعده الحالية الا وهي تجنب الجنس الاخر.
ملامحها كانت مريحة تمنحك احساسا بالسكينة وتحملك المسوولية في نفس الوقت,شعرها طليق ثائر كجناحي طائر اهوج,في قصة قصيرة,تدل على ان صاحبته عصرية النمط.
وجهها خالي من مساحيق الزينة,تاشيرة كل فتيات المدينة للتباهي بالانوتة,ملامحها غير متناسقة بتاتا,تدعوك للرغبة بالتمعن اكثر لعلك تجد بداية الخيط الفاصل الذي سيقودك لحل الاحجية الناقصة,الا انه تاكد في تلك اللحظة عندما اسبلت اهدابها كطقس يعبر عن رفض حضاري للمتابعة انه وقع لاول مرة في حياته صريع الهوى من اول نظرة
هو سليم الشاب المحنك صاحب الباع الطويل في الكلام المنمق,وبيع ابجديات الحب مقابل بضع قبل,الانسان العصامي الذي بنى نفسه من الصفر,الذي يؤمن بان الحب هو فقط ذريعة يستغلها الذكور لايقاع الاناث بالشرك,حلم تحيى من اجله الكثيرات لكي لا يصبن بالياس
هو من تاب عن المواعيد الغرامية وتقاعد مبكرا بععد فشله المتكرر في التجارب السلبية.
خلفية سليم الاجتماعية,جعلته يرفض تقبل احاسيسه,هو لا يريد امراة متحررة اللباس كزوجة ,فبالرغم من ان اغلب علاقاته السابقة كانت مع نساء يعرفن كيفية ابراز انوتتهن الا انه ما ان يتعلق الموضوع بالزواج فهو يصبح تقليدي ان لم نقل رجعي,قد يتهمه البعض بالنفاق وسكيزوفرينية الشخصية,يحللل لنفسه ما يحرمه على غيره غير انه في الواقع لطالما احتقر اللباس المكشوف الفاضح الشيىء الذي لا يمنعه من تفحيصه شبرا شبرا.
سليم نتاج لبيئة متدينة ,ام محتجبة واب يعمل كمؤذن باحد المساجد,اخ لتلاتة من الشبان وعازب كلاسيكي,اشتغل فور تخرجه في شركة متعددة الجنسيات كمحاسب,الا ان طموحه بلغ به ان ارتقى منصب مدير فرع بنكي.
ذلك اللقاء الصباحي الغريب اسفر عنه مجموعة من اللقاءات المتتالية في ظرف زمن قياسي,فبعد ليلة ساهرة امام شرفة شقته الخاصة,انتهى به المطاف الى احتلال نفس المقعد بنفس التوقيت,لم يكن يدري ما الذي ينتظره اساسا الا ان عقله الباطني فطن الى ان ذلك الشارع يشكل مرحلة عبورها اليومية, لذا تسلح بذخيرته الوحيدة وهي الانتظار.
بضع لحظات من التوتر ليراها بعدها,ليبدا قلبه في سلسلة من الخفقان والتسارع,انها نشوة الفرح التي اصابته حالما راى صاحبة اطول ساقين مديدتين بالمدينة.
وكما لو كان اتفاقا سريا,التقت الاعين في تبادل صامت للتحية,لم تتوقف في مسيرتها ولم يتجرا هو بسلك الطرق التقليدية الوطنية للتعارف المتبعة في هكذا مناسبة وذلك بطلب رقم هاتفها,بل تابع فعل الشيىء الوحيد الذي استطاع عمله في الفترة الحالية,النظر والتحسر على ايام العزوبية.
_سليم ما بالك يا بني هذه الايام غريب الاطوار؟
_لا شيى ء يا امي انه العمل لا يترك لي اي قسط من الراحة.
_لو لم تكن عجينتي الخاصة يا عزيزي,لانطلى علي هذا المشهد المسرحي المعتاد للتضليل,شكلك يتير الشكوك,فاختصر التفاصيل وات بعصارة المختصر المفيد من هي؟
_هه ههه هه هه ااصبحت اقف امام عرافة وانا لا ادري ام ماذا؟اتقه اللله يا امي وابحثي لك عن صيد اخر فانا لست الفريسة الوحيدة في هذا البيت.
_اهكذا تراني يا بني,سامحك الله ابعد كل هدا الجهد المضني من التربية اتهم بالحشرية لانني اهتم بك. انا فقط اريد ان اراك يوما ما بحلة العريس,.
_طولي بالك قليلا علي,فالزواج لن يطير,وانا لاصدقك القول غير مستعد حاليا لوجع الراس هذا,فهو نوع من المسؤوليات الجسيمة.
_كلكم يا شباب اليوم نفس الاسطوانة,من يسمعك يعتقد بانك على عتبة الفقر,لا تستطيع ان تحصل قوت يومك بينما الواقع عكس ذلك,المنصب ومدير مصرف والمال ووفير والمنزل وموجود اما السن فعلى عتبة الياس فما الذي ينقصك.
_لسانك طريف ,على عتبة الياس متى اصبحت التلاتينيات سن العنوسة يا امي.
لنتكلم بالامور الجادة مالذي قرره رائد في توجيهه الدراسي لهده السنة.
_ها انت تفعلها تانية كلما بدانا بحوار جاد فانت تبادر في اول فرصة تتحينها للتهرب.لذا انا لن اكتفي بهذا القسط من الحجج الواهية,اريد ان تخبرني على الاقل بمشاريعك المستقبلية في ما يخص الامر.لنبدا بمتلا بكم علي ان انتظر لكي انول مرادي ستة اشهر سنة سنتين.
_وهل قالوا لك عني رجل روحانيات ام عالم فلك يا عيوش كيف امنحك الوقت بالتحديد.الله وحده يعرف علم الغيبيات,انا لا اعتقد ان التخطيط قد ياتي باكله من الاساس ان لم تكن النية موجودة.
_ها انت خلصت الى توابل الخلطة السحرية,انها النية التي تفتقر اليها.انت فقط قل انشاء الله وانوي اتمام الموضوع وسوف تكون انجزت 50% من اساسات المشروع.
_انا اعتقد ان الشخص الغريب الاطوار هنا اليوم هو انت,مشاريع ونسب مئوية ,اتباشرين دروس الرياضيات من خلفي,هيا اعترفي فقط وسرك في بئر انا لن اشي بك اطلاقا.
_مزاحك ثقيل للغاية,انا الملومة لانني انجبت حزمة من الذكور عديمي النفع,لو كنتم فتيات لكان منزلي يعج بالاحفاد كل نهاية اسبوع.
_لا عليك,الوقت ما زال مبكرا امامك,القليل من التخطيط وحفنة من حسن النية ودزينة الفتيات ستكون في الطريق انشاء الله
_انت مقتول لا محال هذا النهار يا قليل الحياء ولك الوجه لتنكت.
_ياقوت ما بالك هذا للصباح مسيقظة في وقت مبكر على غير العادة؟
_لاشيىء مهم يستحق ان يذكر يا عمتي كنزة,بلى هناك.
_هيا هات ما عندك لنرى.
_البارحة انتابتني سلسلة من الكوابيس حرمتني نعمة النوم ,فتنازلت عن اي محاولة قرابة الفجر.
_حسنا وعلى ماذا كانت تتمحور تخيلات المنام هذه؟
_لاكون صريحة معك اغلب احدات الحلم البائس ذاك اصبحت مشوشة لدي,لكن جل ما اذكره هو لحظة انقضاض مصاص دماى على ضحيته التي ولغرابة الصدف كانت ترتدي نفس فستاني الازرق المخطط,غير ان ملامح وجهها كانت غير واضحة المعالم.
_هه ههه ههه هه هذا ما يسمى ويطلق عليه ايتها الخوافة بضريبة ادمان مطالعة روايات الخيال العلمي,فبدل ان تكون احلامك كمعظم فتيات جيلك حول الفستان الابيض والعريس الوسيم الذي يصل عبر عربة وردية,نجدك تبحرين مع تهيئات هؤلاء المرضى النفسيين الذين لم يكتفوا بنا نحن الكائنات الادمية اللا نسانية الوحشية,فصنعوا لنا عالما افتراضيا من المخلوقات الخارقة القوى الدموية كما لو ان مشاهد العنف والتقتيل غريبة عنا.
هكذا استقبلت ياقوت يومها بسلسلة من التهكمات من طرف عمتها السيدة كنزة حول ذوقها الشخصي,ورغم ان الامر يثير حفيظتها وذلك ليس لكونها تعرضت لنقد لاذع حول ميولاتها الادبية بل لانها تستمر في انشاذ المعزوفة ذاتها كل ما ابصرتها حول ضرورة الزواج المبكر فنجدها لا تكتفي بتاتا من تقريعها صباح مساء على تخليها عن مهمتها الانسانية النبيلة التي من اجلها يجند ويضحى بالغالي والنفيس الا وهي اصطياد عريس مناسب,مما ينتزع منها شبه ابتسامة في نهاية المطاف.
ياقوت شابة في مقتبل العمر,يافعة ذات ملامح متوسطية تتلائم مع مناخ وطبيعة بيئتها الجبلية,فهي تعكس تنوع سكان بلدات وقرى ومدن جنوب البحر الابيض المتوسط هي تلك البذرة التي تارخ قيام حضارات الروم والاغريق والقوط والفينيقيين والاندلسيين بالمنطقة.
ياقوت ليست بامراة فاتنة الحسن,فتقاسيم وجهها غير متناسقة,شفتيها مكتنزتين وحاجباها رفيعان,انفها مستطيل وجنتاها شبه غائبتان اما عينيها فبحر اسود هائج بزبد ابيض ثلجي,الشيىء الوحيد الذي قد يشفع لها غياب ملامح الجمال هو امتلاكها لشعر اسود داكن كستارة من الحرير الخالص وجلدها الشاحب,فلقد اعتاد السكان المحليون على تقييم المراة حسب درجة بياض جسدها وتلوين عدسة عينيها,وبالتالي كلما ورتت جلدا شفافا كلما ارتفعت قيمتك الجمالية.
هي من النساء اللواتي يمنحنك للوهلة الاولى انطباعا خاطئا,فتستنتج انك امام مخلوق ضعيف هش ,قطعة من الكريستال القابل للعطب,لكن شتان ما بين السراب والواقع,فالحقيقة تختلف تمام الاختلاف عن تلك الخيالات الجامحة للناظر,فهي شخص قيادي ,متمرد,صعب المراس,فرس اصلية لا نسخة مزورة في سوق المستعمل,هي اول من كسر القضبان الحديدية ,المصنوع من طرف والدها السيد عبد السلام جعفر,فقررت السفر للمدينة المجاورة بهدف الالتحاق بالجامعة الدولية,وبالتالي التمتع باستقلالية نادرة عند ال جعفر ,تلك الاسرة الصغيرة المكونة من ابن واحد وفتاتان احداهن هي ياقوت.
صحيح ان والدها رفض في بادىء الامر ,لكن طبيعة الدراسة وكذا المنحة السخية التي قدمت لها ساهما في رضوخه ,فهو لم يتخيل ابدا ان يصبح محل حسد الجيران والاقارب واحترام تقدير الناظر والمراقب المحلي للبلدة.
عائلة ال جعفر الكبري هي عائلة عريقة النسب بالمنطقة,فالعديد من ابنائها الذكور والانات تولوا على مدى السنوات الاخيرة مناصب حساسة,لكن ذلك لم يمنع السيد عبد السلام من ان يصبح مجرد صاحب محل بسيط لبيع الزخارف الاثرية.
هو لا طالما لم يفهم ضرورة التعليم والتحصيل الثقافي في الحياة اليومية,مستواه التعليمي الاساسي هو اكتر من جد كافي فالكتب كما يرى لا تشبع جوع الفقير ولا تكسي جسد العريان ,لكنه احيانا يتحسر على فقره المعرفي كلما مر احد اخواه السيد عثمان القاضي او البشير المقاول ,فيستشف حينئد سلطة التعليم وسلطانه في حديتهم اللبق ولغتهم الراقية ومصطلحاتهم المعقدة
_حبيبة اين هو هذا الغذاء,انها الثانيةعشرة والنصف ,نحن في سياق الاحتضار.
_حاضر, انا بصدد الانتهاء من طهوه,لتتريت قليلا.
_الم تاتي غيتة اليوم,اريد ان اتكلم معها في موضوع مستعجل.
_هي لن تاتي,فاليوم هو الجمعة انسيت,حيث يستقبل الجميع في منزل حماتها زبيدة.انت لم تقل لي ما هو هذا الشىء الذي يتطلب كل هذه السرية والعجلة.
_احتاج لسيولة للمحل واريدها ان تقنع زوجها بمنحي سلفة لكي اوسع تجارتي,لذا انتي فقط اتصلي بها لتاتي مباشرة الى هنا عند التالتة زوالا
_لتراف ولو قليلا بحال المسكينة وتاجل طلبك هذا الى وقت لاحق الا ترى انها حبلى في شهرها السابع وكثرة التنقلات في هذه الفترة قد تضرها.
_اانت صماء ام ماذا,نفذي فقط ما اخبرتك اياه ,من يسمعك يقول انها المراة الحامل الوحيدة في هذا الكوكب.
السيد عبد السلام كما سبق واكتشفتم رجل متسلط بكل ما للكلمة من معنى,فهو تربى على ان كلمة الرجل مقدسة لا تعاد مرتين,لذلك حرص على فرض اختياراته وقناعاته الشخصية على محيطه,هو نموذج للباترياركية والسلطة الذكورية الصرفة.
فحبيبة زوجته,منعت من متابعة دروس الخياطة باعتباره نشاط تافه غير مربح,وايمن الابن الاكبر نهر عن التسكع مع شباب الحي لمظهرهم الخارجي المتحرر,فهو يعتقد ان كل من يطيل شعره ويحمل قيثارة عالة على جنسه قبل مجتمعه.وغيثة الفتاة الكبرى المطيعة التي تفوق ياقوت بخمس سنوات ,رضخت للزواج بابن عمها السيد عتمان القاضي دون معرفة سابقة ولا اي ارضية حوار مسبقة.
الطرف الوحيد الذي اعلن راية الحرب كانت ياقوت,الابنة الصغرى ,ذات الاتنين والعشرين سنة.
مزاجها العاصف والناري,وطبعها العنيد لاطالما شكل الحصن المنيع,الحاجز الاسمنتي امام والدها لصنع تكنة عسكرية يلعب من خلالها دور القائد الاعظم,الامبراطور المبجل,ويقتصر فيها دور الزوجة والابناء على مكانة الكومبارس ,ذلك الممتل الثانوي الذي يكمل مشهد الديكور ,كاكبر متال حي لتعسف النظام وظلم طبقيته.
ياقوت كانت الخلل الوحيد في المنظومة التربوية لوالدها,ذلك الشق العريض الذي يتلذذ بنسف اساسات وركائز البيت.
الرضى لم يرتبط ابدا عندها بالخنوع والتنازل عن الحقوق المشروعة,فثقافة الاختيار كرست فيها منذ نعومة اظافرها عبر الممارسة,واكتشفت على يدي الواقع كاي انسان متعطش للحرية بان الحقوق تنتزع ولا تمنح,لذا لم تنتظر ان يلين والدها مع الزمن بل شنت حربها الخاصة,ضارية كلما تقاطعت مصالحها مع القوانين.
الجينات التورية لم توزع بشكل عادل في البيت,فايمن رغم تجاوزه سن التلاتين الا انه ما زال غير قادر على فرد جناحيه ليطير بعيدا عن سلطة والده,هو قد يذكرك باي جنين مرتبط بالمشيمة ذلك الحبل الذي يعمل على تغذية الرضيع عبر امه خلال فترة الحمل.
الامر لا يختلف كثيرا عند غيثة التي تركت الدراسة فور الحصول على شهادة الثانوية,للمكوت بالمنزل الشىء الذي لم يستمر كثيرا ليتقدم عمها برفقة نجله ياسر وزوجتة لطلب يدها.غيثة لم تكن اختيارا بل اسما من الاسماء المرشحة والمطروحة من جانب والدته ونظرا لتوفرها على مجمل المميزات التي اشترطها ياسر المقتصرة على النسب المشرف والاخلاق الرفيعة واخيرا الوجه المقبول,فقد تمت الزيجة باسرع ما يكون.
غيتة لم تتوقع اطلاقا ان تعاني من حياة زوجية مملة ,تقليدية صرفة,يطغى عليها طابع الاحترام والمودة فقط,لقد تطلعت كغيرها من النوع الحالم الى بطل مغوار على صهو خيل اصيلة,ينتشلها من عالم الاضظهاد ,هي لم تكن لتتخيل لتانية ان الهوة الساحقة التي شكلتها كل من طبقتهما الاجتماعية والعلمية قد تباعد بينهما لهده الدرجةهي لم تستطع ان تذيب طبقة الجليد المتصدعة ولا ان تلغي المسافات ,مرحبا بكم بعالم الواقع للاسف الذي بينه وبين الروايات قارات ومحيطات.
_ياسر اتستطيع ان تعرج بنا في طريقك الى منزل والدي,لقد هاتفتني منذ برهة ,تحتاجني في شىء ضروري؟
_بالطبع,انا افضل ان تمكتي معهم نهاية الاسبوع هذا,فحالتك تستوجب العناية,فانا امامي جبل من الملفات العالقة,اما بخصوص عمران فانا ساتكلف به ليبقى بالك مطمئنا.
هكذا كان ياسر انسان متفهم,سهل المعشر,لكن رغم ارتدائه لعبائة الرجل الحداثي الذي يستشير ويخير شريكة حياته,الا ان ذلك لم يمنع ان تكون جل قرارات ومشاريع اسرتهم الصغيرة احادية الجانب,فافتقار غيتة لروح المبادرة وقضائها لسنوات من الرضوخ والانصياع للاوامر,قتل فيها كل ذرة من الابداع ,وانتزع منها ايضا كل شكل من اشكال الاستقلالية.
غيتة امراة باهرة الجمال,ذات جسد غض,ووجه اغريقي منحوت وحاجبان مرسومان بدقة,شفتان مليئتان شهوانيتان,كل هذه العوامل ساهمت في عجينة قالب تمتال حي فاتن يمجد عظمة الخلق الالهي,الا انها صاحبة شخصية مهزوزة,انسانة انطوائية فقد اعتادت منذ الازل على لعب دور المشاهد الصامت اغلب الاحيان,تعيش من خلال تجارب الغير وتحيى عبر امال الاخرين.
الحياة الحقيقية بالنسبة لها مضمار حلبة سباق حيت فرص النجاة معدومة,لذلك عملت على تجنبها,فتجدينها تقضي غالب وقتها في متابعة المسلسلات الغرامية التي تعيش عبرها خيالها المغتال,هي تحسد عراك الازواج الذي ينتهي بصلح,نعم انها تلك الديناميكية والحركية التي افتقدتها حياتها,الخلاف لا يوجد له محل للاعراب بقاموسها,فهي تبادر بقمع اي فكرة قد لا يحبدها ياسر,وبالتالي تكرس النمطية وتعزز التبعية في عالمها الصغير.
ياسر رجل تلاتيني,عاصر نوعا مختلفا من الانات في محيطه الاجتماعي,فالمراة كما تعود ان يراها لا تنتظر ان يقلها الاخرون ولا تطلب الاذن للدهاب الى الحمام العمومي,لذلك لم يستطع ان يتعامل مع غيتة التى تنتظر ان يرسم لها ادق خطوط حياتها اليومية.
تعريفه للزواج يتمتل في شراكة براسمال متكافىء,فهو مؤسسة ديمقراطية قبل ان تكون مشروع نفعي يحصل فيه الزوج على اغلب الفوائد.الحدود بين الحقوق والواجبات كانت اهم نقطة خلاف ملموسة بينهما,فهو توقع شريكة قوية تدعم بالايجاب او النقد السلبي الهادف,الا انه خلص في الاخير الى عدم توقع حصول طفرة نوعية لزوجته التي جعلت منه مركز الكون,الشمس التي تدور حولها باقي كواكب المجرة في طقس من طقوس العبودية والاجلال.
_ياسر,اي لون تفضل البني ام الازرق,فانا ساوف اشتري لك جوارب جديدة؟
_كما تريدين,لا اعتقد ان هناك فرقا كبيرا.
_بالتاكيد الامر مختلف,فالزرقاء يجب ان تصاحب بنطلون من نفس اللون,اما البنية فتمنحك العديد من الخيارات.
_اذن لما لا تشتريهما معا يا غيتة بدل ان تتعبي نفسك بالتفكير.
_افكارك دائما خلاقة,انا لا ادري كيف ستصبح حياتي من دونك.
هذه الحوارات المعتادة تترك في فم ياسر طعم مار,وتشعره بتفاهة وسطحية ما يتشاركاه معا كزوجين,فيتاسف لانه لم يمنح فترة الخطوبة حقها,فلو لم يجري وراء البريق الزائف السريع الزوال لغيثة المتمتل في حسنها لادرك من تاني جلسة انهما كما النار والماء ,اقطاب كهرباء متنافرة لا يمكن باي حال من الاحوال ان يفضيا الى زيجة ناجحة.
انتهى