السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أسعد الله أيامكم أحبتي ..
أنا لست جيدا في كتابة المقدمات , لذلك سأدخل إلى عمق الموضوع مباشرة ..
في البداية احب أن أخبركم انني كاتب مبتدئ فاعذروني ان كان هناك بعض الثغرات في نصي
وأرجو منكم أبضا ان تقدموا لي كل ما يجول في خواطركم من نقدٍ بنّاء ..
روايتي ليست مكتملة , لذلك سأقوم باضافة الاجزاء بشكل منفصل كل اسبوع ,,
أتمنى أن أجد في صدوركم متسعا لي ..
شكرا لكم جميعا
جريمة في الفندق ,,
" هذا وقَد أعلن السيد عبد الهادي الصائغ أكبر رجال الأعمال في المدينة عن نيته للترشح لمنصب المحافظ ولقد ... "
- يا الهي , ما زلت أسأل نفسي عن السبب الذي شجعني على تقديم طلب اجازة من العمل وأخذ قسط من الراحة في هذه المنتجعات التي همها الوحيد هو تفريغ حسابي البنكي.
قالها النقيب محمد وهو يطفئ التلفاز ويحاول ان ينفض عن جسده كسل الصباح محادثا نفسه وأكمل :
- بعد أسبوعٍ واحد من هذا الجو الرتيب والاستيقاظ المتأخر الذي يتلاعب بخلايا دماغي , سأكون مجهزاٌ تماما لارتكاب جريمة ما .
كانت الساعة المعلقة على الحائط تشير بعقاربها إلى التاسعة صباحاً , حينما شرع النقيب محمد في ترتيب المكان الذي اكتظ بعلب المياه الغازية والسجائر الفارغة من سهرة البارحة مع بعض الاصدقاء القدامى والذين كانوا مصادفةً قد نزلوا في نفس الفندق الذي يقيم به .
- يا الهي , لو كانت أم محمد هنا ورأت الفوضى العارمة التي تعيشها الغرفة لكانت أرهقتني لوماً وعتاباً.
أم محمد وهي مدبرة المنزل , سيدة خمسينية لم يكن لها حظ في الزواج شاء القدر بأن يلتقي بها النقيب محمد قبل سنوات في أحد المحلات , وبعد حوار ليس بالقصير بينهما قرر النقيب محمد أن يسلمها مفاتيح منزله لتديره في حضوره وغيابه.
- لا أدري كيف قد يكون منزلي من الداخل لو لم تكن أم محمد فيه, لعله كان سيصبح مكب نفايات.
ثم أطلق ضحكة خفيفة وتوجه إلى الثلاجة الصغيرة القابعة في زاوية الغرفة ليفتح بابها ويلتقط منها زجاجة مياه معدنية ليفرغ محتوياتها في جوفه وتابع :
- المياه , أفضل بداية لليوم.
عندها لاحظ النقيب محمد تعالي الاصوات خارج الغرفة مما يدل على ان أمرا قد حدث في الفندق فتوجه سريعا الى الباب وقام بفتحه ليجد أن الشرطة قد ملأت الممر .
- أرجوك يا سيدي , عليك ان تبقى في داخل غرفتك حفاظا على سلامتك.
كان هذا صوت أحد أفراد الشرطة موجها حديثه له , فازداد فضوله على أن يعرف القصة من وراء هذه الجلبة الصباحية, فارتدى حذاءه الرياضي على عجل وتوجه للخارج فوجد أن الشرطة قد قامت بوضع شريطٍ أصفر على باب الغرفة المجاورة له , فتبادر إلى ذهنه أن جريمة ما قد حدثت فيها , فالتفت إلى الجهة الاخرى من الممر ليجد مدير الفندق قادما باتجاهه , فاستوقفه متسائلا :
- ما الذي يحدث , لماذا تتواجد الشرطة هنا؟ ولماذا أرى آثار الفزع على وجهك يا سيد مازن؟
- مصيبة يا سيادة النقيب , مصيبة وحلت على رؤوسنا .
أجابه مدير الفندق بصوت منخفض بادٍ عليه التوتر والقلق , فاستوقفه قليلا وقال له:
- تريث قليلا وأخبرني ماذا حدث , لعلك تطفئ الحيرة والفضول اللذان يشتعلان في داخلي.
أخذ المدير نفساً عميقاً وألقى نظره الى أفراد الشرطة الذين يدخلون ويخرجون من الغرفة ثم دلف إلى جناح النقيب وقال:
- إحدى الفتيات اللاتي يعملنَ في خدمة الغرف , أتت صباحاً لترتب الغرفة وتقوم بتبديل الأغطية , وما ان قامت بفتح الغرفة حتى انهارت تماما , فقد كانت هناك بركة من الدماء في داخلها جثة المقيم ملقى على وجهه , يبدو أنه قتل بالأمس , فسارعتُ بإخبار الشرطة وهاهم يثيرون عاصفة من الأسئلة والاستجوابات لكل الموجودين , أرجو من الله ان ينتهوا من الأمر سريعا على خير .
ساد الصمت قليلا على الغرفة حينما أطرق النقيب محمد مفكرا , ثم رفع رأسه وقال بصوت يملأه التفكير:
- لا تقلق يا سيد مازن , سأذهب وألقي نظرة على المكان...
فجأة ارتفعت صوت طرقات متتالية على باب الغرفة مصحوبة بصوت أنثوي :
- انها الشرطة , أرجو أن تفتح الباب يا سيدي.
سارع النقيب محمد إلى الباب وما أن فتحه حتى بادرته قائلة :
- انا المحققة "عائشة" من قسم جرائم القتل , لدي بعض الأسئلة التي أتمنى ان تجيبني عليها.
رفع النقيب محمد حاجباه اعجابا وأردف :
- يبدو أن لديك جمالاً أخّاذا أيضا .
وجهت المحققة نظراتها إليه قليلا ثم هزّت رأسها بشيء من البرود وقالت:
- جمالٌ لا دخلَ لك به, أُخبرني العاملين هنا أنك كنت متواجداَ في غرفتك في الليلة الماضية ما بين الساعة العاشرة والنص والثانية عشر , هل يمكن أن تكون قد سمعت أصواتا غريبة في الغرفة المجاورة ؟
- لا أعتقد ذلك يا أيتها المحققة , لم أسمع شيئا صادراً منها إلا ....
قالها النقيب محمد ثم أطرق مفكرا كأنه في محاولة مستميتة للتذكر مما جعل المحققة تسأله بلهفة :
- إلا ماذا ؟ أي شيء يمكن أن يكون ذا فائدة عظيمة لنا في حل هذه الجريمة , أرجو منك ان تتذكر كل شيء.
صمت النقيب قليلا ثم أتبع:
- لا أعتقد أنه شيء ذا أهمية , كل ما في الامر أنني سمعت صوت خطواتٍ تشبه حدو الفرس
كأن صاحبها يلبس في قدمه حذاءً بقاعدةٍ معدنية.
بدت خيبة الأمل ظاهرة على وجه المحققة وهي تسجل كل ما يقوله النقيب في دفتر ملاحظاتها ثم أدارت وجهها لمدير الفندق الذي بدا متوترا قليلا وقالت:
- سيد مازن أعتقد انك أنت مدير هذا الفندق!
- نعم أصبتِ .
أجابها بسرعة.
قلَّبت المحققة في الأوراق التي بين يديها ثم سألته:
- الأوراق تقول ان الضحية نزل في الفندق ليلة أمس , كيف استطاع القاتل أن يدخل الى الغرفة ويقوم بجريمته دون أن يلاحظه أحد؟
- كما ترين يا
سيدتي فنحن ما نزال في عملية تطوير الفندق , ولم نركب بعد المفاتيح الكهربائية , حيث يمكن أن يقوم أحدهم بفتح القفل يدويا والدخول الى الغرفة .
أدارت المحققة رأسها تجاه النقيب محمد وقالت :
- شكرا لك يا سيد محمد على وقتك في حالة أن تذكرت شيئا أرجو منك أن تبلغ المركز وكذلك أنت يا سيد مازن سوف نقوم بسحب اللقطات التي صورتها الكاميرا الموجودة في بهو الفندق ان لم تكن ممانعا .
فهز المدير رأسه بالإيجاب .
وعندما همّت بالخروج أمسك النقيب محمد يدها بسرعة وقال لها بلطف :
- هل يمكن أن تسمحي لي بالدخول إلى مسرح الجريمة ؟ فقد يمكن لي مساعدتكم قليلا في حل هذا الأمر.
ظهرت علامات المفاجأة المختلطة بالانكار على ملامح المحققة حين قالت:
- لقد علمت انك تعمل في سلك الشرطة وتحمل رتبة نقيب , ولكن هذا لا يخولك بالدخول الى مسرح جريمتي والعبث به , أرجو منك أن تلتزم غرفتك يا سيد محمد وأن لا تثير لنا المشاكل هنا.
- حسناً تقولين , سوف نرى بشأن هذا .
قالها النقيب وهو يغلق الباب في وجه المحققة الجميلة , تاركا معالم الدهشة والاستغراب على ملامح وجهها.
******
- المحفظة تقول أن اسمه سعيد قطّام , وتضع عنوانه في شمال المدينة ...
كان هذا أحد أفراد الشرطة وهو يوجهه كلامه للمحققة عائشة التي أدارت رأسها بعيدا عنه وهي تراقب النقيب محمد وهو متوجه إليها وبيده ورقة يلوح بها , فقالت له بغلظة :
- ألم أقل لك ألا تدخل مسرح الجريمة وأن تبقى بعيداً عن المكان؟
فرسم ابتسامة واسعة على وجهه وقال لها بصوت خالطته الضحكة :
- أنتي تعرفين الرجال يا سيدتي المحققة , ..
- آنسة لو سمحت
قالت له بضيق , فرسمت الدهشة خطوطا على وجهه ولكنه أكمل :
- الرجال يا آنسة لديهم مشاكل مع اتباع الأوامر , خصوصاً من هم أمثالي.
ثم أتبع قائلاً وهو يدفع الورقة إليها :
- أخشى انه يجب عليك ان تحتملي وجودي بجانبك حتى نهاية هذه القضية , فهذا توقيع حاكم المدينة على الورقة التي تخبرك بأهمية وجودي هنا ..
وغمز بعينه اليمنى ثم أردف :
- وأهميتي للحاكم كذلك.
ثم اطلق ضحكة صغيرة وهو يدير ظهره إليها ويتجه إلى المكان الذي كانت فيه الجثة ليعاينه .
في ذلك الحين كان الغضب والانزعاج يأكلان المحققة أكلا من الداخل وهي تفكر كيف ستتخلص من ذلك النقيب الذي ما انفك يدس أنفه في شؤونها , ثم لحقت به إلى مكان تواجده وقالت وهي تشد على أسنانها من شدة الانزعاج :
- احذر ان تلمس شيئا أيها المتحذلق , ولو حاولت ان تفعل تأكد ان ترتدي هذه الكفات على يديك , فأنا لا أريد أن تفسد المكان ببصمات أصابعك .
قالتها وهي تمد يدها محمّلة بكفتين مطاطتين وتعطيهما إياه , وبدوره مد النقيب يده ليلتقط منها الكفّات وهو يقول لها بشيء من الجدية التي لم تعهدها بصوته مذ قابلته صباحاً:
- , اذا ثلاثة رصاصات بالصدر , يبدو أن القاتل أراد ان يتأكد تماما من الإجهاز على ضحيته, لا داعي لأن تقلقي يا آنستي الجميلة فأنا أدرك تماماً ما أفعل .
وقبل أن تعترض المحققة على مناداته لها بالفتاة الجميلة لاحظت انه قد ثبت عينيه على أسفل الأريكة وقبل أن تسأله عن السبب جثا أسفل الأريكة ليلتقط شيئا يشبه زر قميصٍ ذهبي وقال بشيء من السخرية :
- يبدو أن ضحيتنا لم يمت بدون مقاومة .
وناولها إياه فتأملته قليلاً ومن ثم وضعته في كيس شفاف من تلك الأكياس التي تستخدم في حفظ الأشياء الصغيرة بعيدا عن الغبار واللمس, وقالت بشيء من الحيرة :
- لا أدري كيف فاتنا هذا الشيء عندما فحصنا المكان في المرة الأولى , انه لا يناسب أزرار حلة الضحية , وهذا قد يعني بأنه يعود للقاتل.
فابتسم النقيب قليلا وأردف متابعا:
- أو لمن كان مع الضحية قبل أن يقتل .
وتابعت المحققة عائشة قائلة بشيء من الحماس:
يجب عرضه على الطبيب الجنائي في المختبر لعله يستخرج لنا بصمة إصبع فيكشف هوية صاحبه.
******
كانت الحركة تملأ مركز الشرطة في وقت الظهيرة حيث المكان يكتظ بالمجرمين من أصحاب الجرائم المتفاوتة الخطورة , وأفراد الشرطة يتعاملون معهم بشدة وحزم , حيث كانت المحققة " عائشة " تقف مع المحقق أدهم والحنق بادٍ على وجهها وهي تقول له:
- لا أدري من أين ظهر لي هذا المحمد , وكأنه ينقصني أن يتبعني شخص مغرور مثله لكل مكان أذهب إليه.
أطلق المحقق ادهم ضحكة ساخرة لم توقفها إلا نظرات غضب التي تملأ عينيها الجميلتين ثم قال لها وهو يداعبها :
- لا داعي لأن تغضبي يا كابتن فما أعرفه عن النقيب محمد أنه شخص دمث ورزين , ولا بد أنه كان يحاول التلاعب بأعصابك ِ قليلاً فلا تجعلي الأمر شخصياً.
أدارت المحققة عائشة رأسها باتجاه غرفة المدير وراقبته وهو يطالع بعض الأوراق ثم قالت في بطئ:
- ما أثار ضيقي أن المدير عبد المجيد لم يمانع وجوده هنا , فما كدت أذكر اسمه إلا وقال لي أن دعيه يساعدك في هذه القضية , ولعلنا نخطب ود الحاكم قليلا لنطلب منه أن يرفع ميزانية المركز في اليومين القادمين.
أشار أدهم برأسه وهو ينظر لما خلفها وقال:
- يجب عليك أن تحافظي على أعصابك قليلا يا كابتن فها هو النقيب محمد قد حضر , ويبدو أنه قد أحضر كوبا من القهوة لي, كم أحب ذلك الرجل.
ثم ذهب باتجاهه وحياه وبدا أنهما يعرفان بعضهما من قبل لما بدا منهما من ضحك متبادل , ثم ابتسمت المحققة عائشة قليلا عندما امتدت يد المحقق أدهم الى القهوة فمنعه وأشار إلى عائشة , فتركه المحقق أدهم وذهب ليتابع أمرا على مكتبه.
- لا بد أنكِ لم تشربي القهوة بعد , لقد خمنت أنك قد تحتاجين لبعض من الكافيين لتهدئي من ضغط العمل.
قالها النقيب محمد وهو يمد لها بكوب قهوة بلاستيكي فأخذته منه وارتشفت رشفة وقالت ببطء :
- يبدو أنك تحاول ان تخطب ودّي يا سيد محمد , وأعتقد انك تفعلها بشكل صحيح فالقهوة هي مشروبي المفضل ولم أكن قد شربتها منذ استيقاظي.
- أخبريني إذا , ماذا ورد في تقرير الطبيب الجنائي عن الزر الذي وجد في مسرح الجريمة ؟ أوجد أي خيط يدلنا على صاحبه؟
فظهرت معالم الأسف على وجه المحققة عائشة وهي تقول:
- للأسف لم تجد الطبيبة "جودي" أي أثر عليه , يبدو أن صاحبه كان حريضا على أن لا يترك أي أثر يدل عليه .
فانتقلت آثار الأسف إلى وجه النقيب محمد عند سماعه قولها وقال آسفاً :
- يبدو أننا قد عدنا إلى نقطة الصفر , هل أخبرتِ عائلة القتيل بالخبر؟
كادت ان تجيبه بالنفي , ولكنها رأت المحقق أحمد يصطحب امرأة أربعينية وزوجها إلى غرفة الاستقبال , فقالت له:
- يبدو أن المحقق أحمد قد جاء بعائلة الضحية ها قد جاء أصعب شيء في هذا العمل .
التفت النقيب إليها متسائلاً فأكملت قائلة بشيء من الحزن:
-يجب علي أن أنقل الخبر إليهم وأن احاول مواساتهم في الأمر.
ما ان انهت جملتها حتى خرج المحقق أحمد من الغرفة واتجه اليها مباشراً وقال لها بعد أن ألقى التحية :
- عائلة الضحية قد حضرت , ويبدو أنه يجب عليك أن تخبريهم بالأمر , فأنا لم أستطع إخبارهم , يا إلهي انه امر صعب جداً .
ثم التفت إلى النقيب محمد ومد يده مصافحاً وقال:
- المحقق أحمد صالح انه لشرف لي أن تكون بيننا يا سيادة النقيب .
فأجابه النقيب سريعا:
- انه لشرف لي أنا يا سيادة المحقق .
وأشار بطرف عينه إلى عائشة وأكمل وهو يحاول اخفاء ابتسامته :
- فهناك أشخاص لا يعجبهم وجودي هنا .
التفتت اليه المحققة وحافظت على صمتها ثم أشاحت وجهها عنه وواصلت السير باتجاه الغرفة.
******
أشار المحقق أدهم بيده باتجاه صورة الضحية المعلقة على اللوح وقال مخاطبا المحقق أحمد والنقيب محمد :
- لقد أرسل المختبر تقرير المقذوفات , ويبدو أن القاتل استخدم مسدسا من نوع ويسون عيار 38 .
وأكمل قائلاً:
- تقول عائلة الضحية أن ابنهم سعيد كان قد غادر المنزل قبل ستة أشهر للعمل في المدينة , ولم يكن على اتصال معهم منذ ذلك اليوم حتى يوم أمس حيث قام بمخاطبة والدته والاطمئنان عليها وتقول والدته أنه قد بدا على صوته التوتر والقلق وحينما سألته عن السبب قال لها انه تأثير ضغط العمل .
ثم واصل المحقق أحمد الحديث وقال وهو يقلب أوراق الملف الذي بين يديه :
- السيد سعيد محمد قطّام يبلغ من العمر 24 عاما , محاسب تخرج من جامعة القدس بمعدل مرتفع ويبدو أنه كان يعمل لدى "العربية للإعلانات" منذ ستة أشهر
وهي وكالة ناشئة دخلت إلى سوق العمل منذ خمس سنوات صاحبتها هي سيدة الأعمال "
غادة السمّاك " .
قاطعته المحققة عائشة حين دخلت وقالت بسرعة:
- يجب علينا اذا ان نزور السيدة غادة في مكان عملها فهناك فقط يمكن لنا أن نعرف ما الذي فعلته ضحيتنا في الستة شهور السابقة.
فأتبع النقيب محمد وقال وهو يحدث نفسه بجذل :
- يبدو أن هذه القضية ستصبح مشوقةً أكثر فأكثر.
ارتفع رنين هاتف المحققة عندما همت بالخروج فالتقطته سريعا وقالت بعد قبول المكالمة :
- عائشة .. حسنا سوف آتي حالاً.
أغلقت الاتصال والتفتت الى زملاءها وقالت :
- كانت هذه " جودي " طلبت مني أن اذهب اليها لمتابعة أمر الجثة .
ثم أشارت بيدها وتابعت :
- توليا انتما الاثنين أمر وكالة الاعلانات " العربية للإعلانات " وسوف أقوم انا والسيد محمد بزيارة المختبر , وسأوافيكما بالتطورات الجديدة على الهاتف.
- حسنا سنذهب الآن .
قالها المحقق أدهم وهو يمسك يد المحقق أحمد ويسحبه إلى خارج الغرفة على عجل , وما ان ذهبا التفتت عائشة للنقيب محمد وقالت له بصوت فيه بعض الحزم :
- سوف نذهب للمختبر , يجب عليك أن تقلل من غرورك امام الطبيبة جودي فهي لا تحب المتحذلقين.
- سأحاول.
ثم انطلق خلفها إلى المختبر .
كان المختبر يبدو كأنه مستشفاً صغيراً , وكانت رائحة الأدوات الطبية تفوح منه فحاول النقيب محمد يائسا أن يغلق أنفه لكي لا تعلق الرائحة فيه عندما تفاجأ بفتاةٍ شقراء تلبس كالأطباء و تنظر إليه من خلف نظاراتها الطبية بنظراتٍ صارمة , فأخفض يده ومدها إليها ليسلم عليها , فأدارت ظهرها له واستمرت بالمشي لتقف أمام طاولة كبيرة تبدو كسريرٍ طبي , حيث كانت جثة الضحية تقبع هناك وقد ظهر عليها آثار التشريح , وقبل ان تبدأ بالحديث أسرع قائلاً :
- يبدو انك الطبيبة جودي أرجو ان لا أكون قد أهنتك بتصرفي بشكل لا ارادي!
- نعم , بشحمها ولحمها ولا داعي للاعتذار فانا لم أشعر بالإهانة .
تدخلت المحققة عائشة في الحديث وقالت :
- انه النقيب محمد , أخبرتك عنه سابقا , لقد جئناك مسرعين أرجو ان تكون لديك أخبار سارة لنا .
فقالت الطبيبة:
- اعتقد ذلك , يبدو لي أن قاتلنا قد اطلق النار من قبل.
وأشارت بيدها إلى الثقوب التي اتخذت شكل مثلث أعلى الصدر وأكملت :
- فطريقة اطلاق النار تدل على انه قد أطلق النار مرارا وتكرارا فهذه الثقوب المتقاربة تحتاج الى يد ثابته كي تحدثها .
والتقطت قصاصة من الورق وأعطتها للمحققة عائشة وقالت :
- لقد وجدتها في جيب الضحية
- يبدو أنها جزء من قائمة طعام لأحد المطاعم .
ألقى النقيب نظرة سريعة عليها ثم قال ببطئ:
- أنا أعرف هذا المطعم لقد رأيته اكثر من مرة وانا في طريقي إلى الفندق.
أكملت الطبيبة جودي الحديث وهي تشير إلى كف يده :
- لقد وجدت على يديه آثار لأرقام كان قد كتبها على يده , يبدو أنه قد كتبها منذ ثلاثة أو أربعة أيام , 854 أعتقد أنه ذا أهمية له .
أطرقت المحققة عائشة قليلا وبدا عليها التفكير العميق , ثم رفعت رأسها وقالت :
- يجب أن نقوم بزيارة هذا المطعم , فقد يتعرف أحدهم عليه هناك , وسوف نترك مهمة البحث عن الارقام للمحققين أحمد وأدهم .
ثم أخذت هاتفها وطلبت رقم المحقق أحمد.
- مرحبا يا احمد , هل من جديد؟ .. حسناً , آتيا بها إلى المركز سنجتمع هناك.
وأغلقت الهاتف وقالت موجهة حديثها للنقيب محمد :
- يبدو انهما قد وجدا خيطا مهما , يجب ان نعود إلى المركز.
ثم غادرا المختبر.
******
- يبدو ان الكابتن متذمرةً من وجود النقيب محمد في هذه القضية .
قالها المحقق ادهم لزميله وهما يدخلان الباب الرئيسي لشركة " العربية للإعلانات
- أعتقد ذلك , فهي كالنمر تحب أن تصطاد لوحدها .
ضحك أدهم على جملته وقال :
- لو سمعتك تقول هذا عنها لأطلقت الرصاص عليك .
أراد أحمد أن يرد عندما أتاهما صوت يقول بصلافة :
- من أنتما , وماذا تريدان .
كان شابا في اواسط العشرينيات ابيض البشرة أشقر الشعر , يعلق بطاقة تعريفية حول عنقه ويبدو أنه قد أعد نفسه للدخول في مشادة كلامية معهما, ولكنه تراجع عن الفكرة حينما أظهر المحقق أحمد شارته له قائلاً :
- أنا المحقق أحمد وهذا زميلي المحقق ادهم , ونحن هنا للتحقيق في جريمة قتل السيد سعيد قطام .
ارتبك الشاب قليلا ثم عدّل من هندامه وقال بصوت حاول أن يضيف نبرة حزن عليه:
- آه .. انه لأمر محزن سماع خبر قتله , أتمنى أن تجد الشرطة قاتله في أسرع وقت ممكن , اسمي سامي كنت اعمل كمساعدِ محاسب لدى السيد سعيد .
فبادره المحقق أدهم قائلاً :
- ويبدو أن الطريق أصبح ممهداً لك لتصبح المحاسب الرئيسي للشركة بعد موته .
تفاجأ الشاب ثم قال بغضب :
- ما الذي تقوله أيها المحقق ؟ اتعتقد أن لي يدا في قتله ؟
قال أدهم :
- أنا لا أقول شيئا , انت الذي استنتجت هذا من كلامي , وما الذي يمنع أن تكون كذلك , فبوظيفة كوظيفته وراتبٍ كراتبه يبدو لي أنه دافعٌ لا بأس به .
- ان كان عليك ان تتهم أحدا فيجب عليك ان تتهم صديقته .
رفع احمد حاجبيه مستغربا وقال :
- ولم علي ذلك؟
- لقد كان سعيد هنا صباح أمس في مكتبه , حين جاءت فتاة مجهولة يبدو أنها صديقته تسأل عنه , وما أن دخلت مكتبه حتى تعالى الصراخ بينهم ولم تلبث دقيقة حتى خرجت من المكتب كالإعصار.
- وما السبب من خلف هذا الشجار ؟
- لا أعرف أبدا ولكن سعيداً اجرى اتصالا بعدها ومن ثم ارتدى سترته وخرج بهدوءٍ من المكان.
-أخبرني يا سيد سامي , أين كنت أمس البارحة من الساعة العاشرة حتى الثانية عشر؟
- لقد كنت في المستشفى مع أخي الصغير , كان مريضا وبقيت معه حتى الساعة الثالثة صباحا , وبإمكان المستشفى ان تؤكد قصتي.
قال المحقق أدهم :
- حسنا جدا .. سنفعل بالتأكيد , وخلال هذا سوف نقوم بعرضك على رسام المركز أتمنى ان تكون ما زلت تحفظ معالم وجهها .
حينها قال سامي بسرعة :
- لا داعي لذلك
ثم التقط هاتفه بسرعة وفتح معرض الصور قائلاً :
- لقد التقطت لها هذه الصورة عند خروجها , ارجو ان لا تكون هذه جريمة يعاقب القانون عليها .
حمّل المحقق صورة الفتاة على جواله ثم أشار لسامي بالذهاب , فبادر زميله بالقول:
- سأقوم بإرسال الصورة الى المركز كي يحصلوا لنا على عنوان .
وما ان اغلق الهاتف مع المركز حتى كان هاتف المحقق أحمد يرتفع رنينه ليشير ان المحققة عائشة تتصل به , فاخبرها بأمر الفتاة وقال لها انه سيأتي بها الى المركز عندما يجدها .
******
كان الأربعة يقفون في الغرفة المجاورة لغرفة الاستجواب حيث كان يفصلهم عنها نافذة زجاجة كبيرة , يرى من خلالها فتاة عشرينية جلست اما الطاولة التي تتوسط الغرقة وكان التوتر والقلق واضحان عليها , فأشار المحقق أدهم بيده قائلا:
- لقد أمسكنا بها وهي تحاول الخروج من المدينة , يبدو أنها شعرت أن أمرها قد انكشف وأرادت أن تفلت بفعلتها .
قال أحمد:
- لقد كانت خائفة جدا وكأن شريرا من القصص القديمة يلاحقها لا اعتقد ان استجوابها سيكون سهلا .
- دع أمر الاستجواب لي , سأدخل الان وفي خلال ذلك فقد يرد تقرير الاتصالات الخاص بالضحية أرجو منكما ان تلقيا نظرة عليه.
قالتها عائشة وهي تتحرك الى خارج الغرفة , فلحقها محمد قائلا:
-يجب عليك ان تكوني أقل صرامة عند استجواب الفتاة
ثم دخل الاثنان إلى الغرفة وما ان دخلاها حتى بدأت الفتاة بالحديث بصوت باك :
- أرجوكم يا سادة , أنا لم أرتكب أمرا سيئا فما الذي أفعله هنا؟
- اذا لم كنت تحاولين الهرب من المدينة يا آنسة "
عبير "
-لم أكن أهرب , بل كنت أحاول الخروج في إجازة .
ابتسمت المحققة وقالت :
- الكذب لن يأخذك لأي مكان , لقد قمنا بزيارة مكان عملك حيث أخبرنا صاحبه انك طلبتي الذهاب والخوف بادٍ على وجهك , فما الأمر الذي كان يخيفك يا انسه !
أجابت الفتاة وكأنها تعيش انهيارا عصبيا :
- يبدو .. يبدو أن المدير قد أساء الحكم , فأنا لم أكن خائفة أبدا , أقسم لكم.
- حسنا اذن يا انسة لو أجبتني على أسئلتي فسينتهي الامر سريعا .. أؤكد لكي .
ثم أكملت :
- يبدو أنك قد ذهبت الى الضحية في صباح اليوم الذي قتل به , ودار بينكما شجار عنيف انتهى بخروجك غاضبة من مكتبه , ما الذي حدث؟
عدلت عبير جلستها ثم قالت في ارتباك:
- لقد التقيت بسعيد منذ خمسة أشهر في أحد المؤتمرات ونشأت بيننا علاقة حب كبيرة واستمر الحال كذلك حتى مطلع الشهر المنصرم ثم بدأت الامور بالتغير .
- تتغير كيف؟
- للأسوأ , حيث أصبح تائها قليلا لا أكاد أراه مرة في الاسبوع , لا يجيب على هاتفه إلا نادرا يبدو انه قد وجد فتاةً أجمل مني ليصادقها .
قالتها مغتاظة وأكملت:
- ولقد سئمت من الأمر فقررت أن أزوره في مكان عمله , وما ان دخلت مكتبه حتى اهتاج وبدأ بالصراخ علي , ففقدت أعصابي وصفعته على وجهه وخرجت من مكتبه بعدها .
- ومن ثم تتبعتِ آثاره الى الفندق ودخلت عليه وقتلتِه .
قالتها عائشة بعنفٍ , فانتفضت المسكينة من الخوف وقالت :
- لم أكن أعرف انه ينزل في فندق , فكيف لي أن اتبعه وأقتله!
- أخبريني يا انسة أين كنت في الساعة العاشرة الى منتصف الليل أمس البارحة؟
- لقد كنت في شقتي أشاهد التلفاز وأحاول النوم .
- حسنا , أرجو منك ألا تغادري المدينة حتى انتهاء القضية , فقد نحتاجكِ مرة اخرى وأرجو ان لا تكوني تكذبين علينا .
غادرت المحققة غرفة الاستجواب وتبعها السيد محمد , وهو يقول :
- يبدو أن الامر يزداد تعقيدا كلما مر الوقت, لقد كنت هائجة جدا هناك ألا يجب عليك أن تضبطي أعصابك قليلاً , لقد كادت المسكينة أن يغمى عليها.
فأدارت عائشة رأسها إليه قائلة :
- لا دخل لك في كيفية ادارتي لاستجواب المشتبهين يا سيد محمد فأنا أعرف جيدا كيفية التعامل مع هذه القضايا
- حسنا حسنا .. أنتِ الخبيرة هنا .
كانت الساعة تشير إلى الساعة الثامنة مساءً عندما جاء أحمد ليقول :
- يبدو أن مراجعة تقرير الاتصالات الخاص بالضحية سيتأخر للغد ما الذي ترينه يا كابتن .
كان الارهاق قد أخذ من الجميع مأخذه , فمدت عائشة جسدها على المقعد وأغمضت عينيها لوهلة ثم قالت في تثاقل :
- يجب علينا ان نرتاح إذن , أخبر أدهم بأننا سنستكمل التحقيق في الصباح أما الآن فيجب على الجميع أن يرتاح من عناء هذا اليوم .
فهب النقيب محمد واقفا وقال وهو ينظر إلى ساعة يده :
- حسنا جدا .. لقد تأخرت على موعدي فعلا , هل لي أن أطلب منكِ شيئا يا عائشة!
- كابتن لو سمحت , تفضل واطلب ما شئت .
قالتها وعلى طرف شفتيها ابتسامة ناعمه .
ففرد النقيب يداه وانحنى بشكل مسرحي أمامها مما أثار جوا من المرح بينهم وقال :
- أعذريني يا كابتن فأنا لم أعتد على اللقب بعد.
ثم اقترب منها قليلا وأكمل :
- سيادة الكابتن , هل لي أن أأخذ معي شريط التصوير من الفندق , سأراجعه لعلي ألحظ شيئا يفيدنا .
بدا أن عائشةً تدير الأمر برأسها وكادت أن ترفضه ولكنها عدلت رأيها وقالت بسخرية مماثلة :
-إن كان هذا سيساعدني على التخلص منك فلك ذلك .
ثم غادرت الغرفة بسرعة فضحك المحقق أحمد وغمز محمداً بعينه وقال ساخراً:
- يبدو أنك بدأت تثير إعجابها .
ثم غادر الغرفة أيضا فرسم ابتسامة مزيفة على وجهه وكرر محدثا نفسه :
- يبدو أنك تثير إعجابها , هه انها أقرب إلى الصخرة من الانسان, لا ادري ما الذي يمكن أن يثير اعجاب هذه المرأة.
ثم أخذ شريط المراقبة وغادر المكان سريعاً
******
في الصباح, كانت رائحة القهوة تملأ غرفة النقيب , فقد اعتاد أن يفتتح يومه بها لأنها ذات تأثير سحري كما يقول وتساعده على أن يجمّع تركيزه وعلى شاربها أن يحافظ على صمته ما استطاع لكي يستمتع بها.
فكان الهدوء يسيطر على الغرفة تماماً حينما استغرق هو في مشاهدة التسجيل الذي كان طويلاً جداً ما أصابه بالملل من مشاهدته فأخذ رشفة من فنجانه وقال متمتما:
- يبدو ان هذا التسجيل لم يكن ذا فائدة كما كنت أعتقد , فقد أضعت كل الوقت في متابعته ولم أجد شيئا يذكر .
وكاد أن يغلق حاسوبه لولا أن شيئا قد أثار اهتمامه في التسجيل فوضع الفنجان جانبا وأعاد التسجيل مرة اخرى ثم أوقفه على صورة أحدهم, كان يقف أمام مكتب الاستعلامات فلمعت عيناه وقال كأنه يخاطب حاسوبه:
- شيء مثير كنت أعلم انك ستكون ذا اهمية.
ثم اطرق مفكرا قليلا وأغلق الحاسوب وقام وارتدى سترته وأنطلق خارجاً.
استوقفه المدير وهو يهم بالخروج من الفندق وقال له :
- سعدت صباحا يا سيد محمد أهناك أخبارٌ جديدة عن جريمة أمس ! أتمنى ان تكونوا قد وجدتم الفاعل.
- ليس بعد يا سيد مازن فالأمر يحتاج إلى اكثر من أربعةٍ وعشرينَ ساعةٍ لكشف غموضه .
- حسنا يا سيدي وفقكم الله.
ثم انسحب إلى داخل الفندق , فأكمل النقيب خارجاً .