السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
صباح الخير .. كيفكم ان شاءالله تمام ؟!
مارح أطول عليكم , نبدأ بالبارت يلّا ؟! .. عاد بارت اليوم سبيشل من قلب :) .. بارت أقدر أقول أنه يحبس الأنفاس
.
.
الفصل السابع عشر 17 :
يمشي في طريقه باتجاه شقة فيصل بعدما وضع عادل في المنزل المطلوب و قد قيّد يداه و رجلاه تمامًا ..
ذهب إلى فيصل كي يستلم المال الذي اتفقا عليه مقابل الخدمات التي سيسديها إليه , و المغلفات التي سيقوم بوضعها في أماكن متفرقة , و كل تلك الساعات الطويلة من الإرهاق الناتج عن القيادة المستمرة .. لذلك اتفق مع فيصل على ألا تكون هذه الخدمات مجانية ! ..
و ما أن وصل إلى العمارة التي يسكنها فيصل , حتى عادت به الذكرى و بشدة إلى المرة الأولى التي خطت قدماه على هذا المكان .. و كيف أنه كان يلحق بعبدالرحمن للأعلى بهدوء , و الآن كان المشهد يتكرر معه بالضبط .. حيث داخلية المكان تبدو نفسها , و حتى الإضاءة لازالت خافتة و متقطعة كما رآها أول مرة , و كل تلك الأبواب للشقق التي لا يعلم أدنى شيء عن ساكنيها و لم يرى أحد الأبواب قد فُتِح يومًا ! ..
استمر بالصعود و استمرت الذكرى بالرجوع و قد وصل إلى باب شقة فيصل , حيث كان يستند عليه في المرة الأولى و يستمع لحديث فيصل مع عبدالرحمن حول انتقامٍ ما .. !
تذكر كيف أن الباب قد فُتِح و قد ارعبه ذلك بشدة , و صوت صرير الباب لايزال في اذنه حتى اليوم .. و لكن أكثر ما أرعبه بحق في المرة الأولى , هو ( فيصل ) بحد ذاته ..
فلقد كان آخر شخص يتوقع وجوده على الأرض يومًا ! .. لقد كان فيصل عبارة عن نسخة طبق الأًصل من ( عادل ) ! ..
و كأن عادل كان جالسًا مع عبدالرحمن ! .. و أول ما تبادر لذهن سلطان هو أنه : كيف لعادل أن يأتي لهذا المكان و يتحدث مع عبدالرحمن حول الانتقام من ( عادل نفسه ) !!؟
لقد كان سلطان على وشك الجنون من هذا الشبه الضخم بينهما ! ..
و لكن فيصل كان ببساطة : النسخة الشيطانية من عادل , فلقد كانت عيناه أكثر حدة و حاجباه أكثر سوادًا , أما جسده فقد كان طويلًا و بمنكبين عريضين , لم يكن يشبه عادل في ببشاشته المعهودة و لطفه , فقد امتلك فيصل نظرات غاضبة طوال الوقت و حاجبان مقطبان دون سبب وجيه ! .. أما شفتاه فلم ير سلطان الابتسامة عليهما يومًا .. !
لقد كان فيصل ( التوأم السيء ) لعادل ! .. و الآن وقد دخل سلطان إلى الشقة , وجد فيصل يجلس في نفس المكان الذي رآه فيه في المرة الأولى , و لكن بملامح أكثر استرخاء و عينان أقل غضبًا ..
تقدم نحوه و جلس أمامه قائلًا :" هل انتهى دوري الآن في كل هذا ؟ "..
عاد فيصل بظهره إلى الوراء و هو يضع يديه خلف رأسه باسترخاء قائلًا :" نعم , لقد انتهى دورك , و بالنسبة لمكافأتك , إنها في الغرفة التي كان عادل فيها , ستجد المال داخل حقيبة صغيرة "
نهض سلطان متوجهًا نحو الغرفة و هو يبحث بعيناه عن الحقيبة .. و لكن ما أن وقف في منتصف الغرفة حتى خرج الهواء من صدره تمامًا ! .. و قد شعر بنيران تشعل ظهره بالكامل ..
لقد رأى خيال ابنته و زوجته الجميلة يتمايل أمام عيناه , و حياته تعبر أمامه بالتسلسل و كأنه لم يلبث سوى " عشيةً و ضحاها " .. !
كان فيصل يقف خلفه و هو يلتصق به أكثر , و قد أمسك به بذراع واحدة , و أما الأخرى فقد كانت تطعن سلطان في ظهره .. طعنه مجازيّة و فعلية ! ..
كانت الدماء تنساب على يد فيصل بغزارة و قد وضع فمه عند أذن سلطان قائلًا :" نعم , أنا هو الصديق السيء الذي يطعن في الظهر "..
كان سلطان يغمض عيناه و يفتحها ببطء و قد أصبح بينه و بين الموت قاب قوسين أو أدنى .. وقد انقطع نفسه و ارتخت أطرافه بالكامل , و لكن فيصل زاد من ادخال السكين في سلطان وهو يكمل :
" و لكنك شخص جيد في الواقع , لقد كنت تخدم أخوين توأمين في نفس الوقت , لقد كنت تمطر عليهم بفضلك , و لكن يبدو بأن عادل لم يعرف كيف يكافئك , لذلك فعلت ذلك بنفسي .. هذا هو الجزاء الذي تستحقه "..
قال فيصل كلماته و قد أخرج تلك السكين الحادة من ظهر سلطان ثم دفعه بقوة على الأرضية , حيث بدأت دماءه تنساب بغزارة , و تلك البقعة الحمراء في ظهر ثوبه تكبر شيئًا فشيء .. !
نظر فيصل إلى السكين الصغيرة في يده و التي أخرجها من خزانته مساء هذا اليوم , و توجه نحو نافذة الغرفة و قام بفتحها و هو ينظر إلى الأسفل , كانت هناك حاوية قمامة كبيرة صفراء اللون أسفل النافذة تمامًا , فقام فيصل برمي السكين فيها و أغلق النافذة و خرج من الغرفة ..
لم يكن قلق حول الإمساك به في جريمة قتل , فقد كانت يداه محروقتان و عديمتا البصمات بالكامل ! .. لذلك فقد استمتع بقتل سلطان بيديه العاريتان دون قفاز أو أي شيء يخفيهما ..
نظر إلى المكان من حوله , هذا المكان الصغير المظلم الذي احتوى ظلمات قلبه لسنين , و الذي بقي فيه نكرة و معدوم من الوجود , حيث لم يكن يعرفه أحد سوى اثنان , و الآن قد قتل واحد منهما ..
تذكر كل تلك الأيام التي قضاها هنا من دون أن يفرّق بين الليل و النهار , و دون أدنى معرفة بالعالم الخارجي و الذي يدور من حوله , كان مكتفيًا بالذكريات المريرة لمراهقته , و التي كانت صاحبته الوحيدة في هذا المكان ..
في هذه الشقة كبر انتقامه , و في هذه الشقة خطط للانتقام , و فيها أيضًا انتهى كل ما خطط له ..
خرج منها نازلًا السلالم و تاركًا خلفه شقة صغيرة لن يعلم أحد يومًا مَن كان يسكنها ! .. لم يترك بصمة أو أثرًا يقود إلى معرفته , بل خرج من العمارة بأكملها للمرة الأخيرة في حياته ..
أوقف سيارة أجرة و توجه مباشرة إلى الوحيد الذي يربط بينهما الكثير , توجه إلى شقيقه عادل الذي يربط بينهما الدماء و الذكرى ... !
**********
قبل 30 سنة ..
يتسلل فيصل المراهق المتمرد إلى غرفة أخيه التوأم بعد منتصف الليل , متوجهًا إلى سريره و هو يوقظه بهدوء :
" عادل , عادل أيها الطفل استيقظ , لا أصدق أنك تنام في مثل هذا الوقت ! "..
فتح عادل الوسيم عيناه قائلًا :" ما الذي يفعله الناس في هذا الوقت سوى النوم ؟! .. أنت حقًا لامبالي بشكل فظيع , اخرج من هنا "..
" عادل , إن أسامة و بقية الشباب مجتمعون في استراحته من بعد مباراة اليوم , ألن تذهب معي ؟ "
نهض عادل بسرعة قائلًا :" أفقدت عقلك ؟! .. إن الساعة الآن الثانية صباحًا , المكان الوحيد المسموح لنا الذهاب إليه هو : المطبخ , أو قسم الطوارئ في حال موت أحدنا , سيشرب والدي من دمك إن علم عن مخططاتك البلهاء , لن تذهب يا فيصل "..
" أتعلم ؟! .. أنا أحمق , ليتني لم أخبرك , سأذهب الآن و أنت عد إلى النوم أيها الديك "..
" و ماذا عن والدي إذا استيقظ و لم يجدك ؟! "..
" لا تقلق , لن يستيقظ قبل ساعتين من الآن .. "
عاد عادل إلى النوم و هو يغطي نفسه جيدًا قائلًا :" و كيف لك أن تعلم ؟! .. يمكنه الاستيقاظ في أي وقت "..
" لا لن يفعل , لقد وضعت له منوّمًا في عصيره قبل أن يتعشى معنا "..
قفز عادل من سريره و هو يتوجه إلى الباب قائلًا بصراخ :
" أيها المجنون , هل قمت بتخدير والدنا ؟! .. لقد تماديت كثيرًا يا فيصل , كثيرًا "..
توجه عادل إلى غرفة أبيه بينما نزل فيصل من سلالم منزلهم الكبير وهو يعبث بمفتاح سيارة والده قائلًا :
" قم بإضاعة الليل كله في محاولة إيقاظه , فأما أنا فسأقضيه بمتعة كاملة "..
خرج فيصل من المنزل بينما دخل عادل على أبيه وهو يضرب خدّه بخفه محاولًا إيقاظه :
" أبي , أبي هل تسمعني ؟! .. أبي ! " .. استمر في هز جسد والده و لكن يبدو بأن المنوّم كان قويًا بالفعل .. !
قام عادل بتغطية والده جيدًا ثم خرج بهدوء وهو يفكر بأخيه المتهور ..
" إنه معتوه بالكامل , يقوم بتنويم والده من أجل جلسة تافهة مع أصدقاء لا نرجو خيرًا من ورائهم , منذ اللحظة التي رأيتهم فيها قبل عدة أسابيع و أنا شديد القلق على أخي , إنه عنيد بشدة و لن يستمع إلى ما أقوله عنهم , سيتسببون في إيقاعه في المشاكل العويصة فعلًا ! .. و إن أخبرت والدي فسيستاء فيصل مني ولن يخبرني عن أتفه أسراره و ما يجري معه , و لكن على أحدهم إيقافه , لن أستحمل الوقوف و مشاهدة أخي يغرق في فخ المراهقة دون فعل أي شيء تجاه ذلك , يا إلهي أعنّي "..
عاد عادل إلى غرفته و ظل ينتظر أخاه طوال الليل , و لم يكن يستطيع فعل أي شيء , فقد كان خجول و متردد للغاية , و ليست لديه القدرة على الحديث مع أحد و فتح قلبه سوى لفيصل , و هو الآن بحاجة لشخص آخر ليتحدث معه بشأن فيصل ! ..
و عندما عاد أخوه بعد ساعة و نصف , دخل إلى المنزل و هو يترنح و قد ارتخت أطرافه و هو بالكاد يستطيع أن يخطو خطوة واحدة .. نزل عادل عندما سمع صوت الباب و قد رأى أخاه في وضع مزري للغاية , نزل السلالم بسرعة على أطراف قدميه ..
توجه نحو فيصل و هو يسحبه معه للأعلى ,و قام بإدخاله إلى غرفته و أغلق الباب بهدوء , قال فيصل ببطء و هو يمسح أنفه بشدة :
" أرأيت ؟ .. أخبرتك بأنني لن أتأخر "..
" فيصل ما بك ؟ .. لم أنت متعب هكذا ؟! "
" متعب ؟! أنا لست متعبًا , بل في أعلى مراحل النشوة , هناك خيط رفيع للغاية بينهما "..
" عليك أن تنام الآن , بسرعة , لقد اقترب آذان الفجر و سيأتي والدي لإيقاظك , تظاهر على الأقل بأنك نائم ! "..
هز فيصل رأسه بشرود قائلًا :" حسنًا , اخرج "..
قام فيصل بنزع ملابسه و قد خجل عادل من ذلك و خرج على الفور هامسًا :" أحمق "..
**********
يجلسان على أحد الكراسي في الساحة الخلفية لمدرستهما , كان عادل يتناول إفطاره بشرود , أما فيصل فقد كان مستلقي و واضعٌ رأسه على فخذ أخيه , قال عادل بهدوء :
" ما فعلته في الليلة الماضية كان خطأ فادحًا يا فيصل , و عليك أن تتوقف عما تفعله في منتصف الليل كل يوم , عليك التوقف مبكرًا قبل أن يتفاقم الوضع , ويعلم والدنا عن ذلك و تفقد ثقته بالكامل "..
" و من قال أننا مَلكنَا ثقته حتى نفقدها ؟! " .. نهض فيصل و جلس بجانب عادل و أكمل قائلًا :
" أتظن أن أبي يثق بنا ؟! .. ألا ترى ما يفعله ؟! .. إنه بالكاد يسمح لنا بالخروج , أو السفر سويةً .. بربك يا عادل ! إننا في الثامنة عشر , و قريبًا سنصبح رجالًا مستقلين , و لا يزال أبي يعاملنا كالأطفال , إن كل الأمور التي أفعلها ليست سوى ردة فعل عكسية بسببه , هو الذي جعلني أمتلك كل هذا الفضول والتمرد للخروج من المنزل و رؤية الأمور التي لا يريد منا أن نراها .. إلى متى سيظل يمنعنا من الاختلاط بالناس و الخوض في التجارب , سواءً أكانت ناجحة أم فاشلة ؟! "..
" فيصل أرجوك , إننا الشيء الوحيد الذي بقي له في هذه الحياة , إن يفعل ذلك خوفًا علينا .. "
" لا , بل يفعله لأنه لا يثق بتربيته .."
" فيصل ! , عارٌ عليك ! .. كيف لك أن تتحدث عنه بهذه الطريقة ؟! "..
" و لم أنت واقف بصفه ؟! .. أتعجبك كل هذه الأغلال التي يضعها حولك ؟! .. عادل , إن أبي يقوم بتفتيش هاتفك كل يومان , أترى أن هذا تصرف صحيح و مليء بالثقة ؟! .. استيقظ من خضوعيتك قليلًا .. إن تصرفات أبي مزعجة للغاية , أنا أحبه ولكن ما يفعله بنا غير لائق أبدًا , بدأت أخجل منه أمام أصحابي ! "..
" يا للفخر .. تخجل من والدك !؟ .. فيصل إن والدي خائف علينا , يريد مصلحتنا فحسب , أظن بأنه يرى الحياة بمنظور مختلف قليلًا عنّا "..
" لا يا عادل , إنك تخاف حتى من القول بأنه يمنع حريتك .. أتعلم شيئًا ؟! .. أنت جبان "..
" لا لست جبانًا , ولكن لن أجعل والدي يغضب مني بسبب أمور تافهة "..
" بلى , أنت جبان , و أشعر بأنك تظن أن والدي يتنصت إلينا حتى عندما نكون هنا ! "..
" لا , لا أظن ذلك , و لكن والدي لديه الأحقية بمنع الأمور المؤذية عن الولوج إلينا "..
" أتعلم ؟! .. الحديث معك عقيم .. دعني أنام "..
أعاد فيصل رأسه إلى حضن عادل و أكمل نومه , فقال عادل :
" لو أنك لم تخرج في الأمس كاللص الهارب في منتصف الليل; لتمكنت من النوم جيدًا .. و لكن لا حياة لمن تنادي !! "..
رفع عادل رأسه لذلك الصوت الفريد , لقد كان عبدالرحمن يتقدم نحوهم قائلًا :
" صباح الخير "..
" صباح الخير , أتمنى لو أستطيع أن أقول تفضل و اجلس , و لكن كما ترى , البعض قد أخذ مساحة الكرسي بالكامل !! "..
توجه عبدالرحمن نحو فيصل وهو يعبث بأنفه حتى يوقظه .. و لكن لا جدوى !..
قال عادل :" عبدالرحمن , هل كنت معهم ليلة البارحة ؟! "..
" أتقصد فيصل و الشباب ؟ .. نعم كنت موجودًا و لكن رحلت مبكرًا , بعد وصول فيصل بدقائق "..
نظر عادل إلى أخيه ثم إلى عبدالرحمن قائلًا :" حسنًا , سنتحدث لاحقًا "..
**********
دخل والد التوأمان إلى المنزل بعد الظهر , و توجه إلى طاولة الطعام ليشاركهما الغداء ..
" السلام عليكم "..
رد الاثنان بهدوء :" وعليكم السلام "..
بدأوا في الأكل و كانت الأجواء هادئة كالعادة , و لم يكن هناك سوى أصوات الملاعق , و لكن الأب كان يرفع عيناه كل بضع دقائق إلى فيصل ثم يعود للأكل .. لاحظ عادل نظرات والده تجاه أخيه ولكنه التزم الصمت , و بعد بضعة أحاديث سطحية حول دراستهما .. أنتهى الجميع من الأكل و خرج والدهما إلى غرفته لينام , أما عادل فقد اقترب من فيصل هامسًا :
" أرأيت كيف كان ينظر إليك ؟! "..
" مَن ؟! "..
" يا إلهي , فيصل إن الوقت ليس مناسب لمزاحك , أقصد والدي "..
" و كيف كانت نظراته ؟! "..
" لا أعلم , و لكنه يبدو بانه عرف بشأن ليلة البارحة "..
" إن أبي ينظر إلي دائمًا بهذه الطريقة , أنا معتاد عليها , و بالنسبة لليلة البارحة , فأنا لم أترك أثرًا أو دليلًا عندما خرجت .. لقد كان نائمًا .. توقف عن هواجسك "..
**********
( في غرفة والدهما ) ..
رفع الأب ( حمد ) هاتفه متصلًا على أحد موظفيه المقربين .. و طلب منه أن يقوم بمراقبة المنزل ليلًا , و اللحاق بفيصل إذا رآه خارجًا و إخباره عن كل شيء يراه على ابنه , استغرب الموظف ( إياد ) طلب مديره , و لكنه وافق على ذلك ..
أما حمد فقد اتجه إلى أريكة غرفته و أخذ الشماغ الموضوع عليها و هو يشتم رائحته للمرة الألف ! ..
لقد كان رائحة عطر فيصل مختلطة برائحة التبغ القوية ..
و قد وجد حمد في سيارته هذا الشماغ الخاص بابنه و الذي يبدو بأنه نسيه في سيارة والده عندما عاد فجر الأمس..
تفاقمت شكوك حمد بابنه .. ولكنه ظل يهدئ نفسه و يلتزم الصمت حتى يأتيه إياد بالخبر اليقين ..
**********
مضت 3 أيام , و في كل مرة كان إياد يلاحظ خروج فيصل ليلًا , و يتبعه و يراقب كل ما يفعله , أما عادل فقد أدار حديثًا طويلًا مع عبدالرحمن , يسأله فيه عما يجري في استراحة أصدقاء فيصل و إن كان هنالك شيء سيتسبب لفيصل بالأذى :
" عبدالرحمن , أأنت متأكد من كلامك ؟! "
" عادل , لقد أخبرتك مئة مرة ! .. لا شيء مضر يحصل هناك , كل ما في الأمر أننا نجتمع سوية و نلعب الورق أو نشاهد فيلمًا , أو نقوم بعمل المقالب لبعضنا , لا أعلم لم كل هذا القلق ؟ , لقد بدأت تصبح نسخة مصغرة عن والدك ! "..
" عبدالرحمن , لا أسمح لك بالحديث بهذا الأسلوب عن والدي , أهذا مفهوم ؟! .. أما بخصوص فيصل , ففي كل مرة يعود إلى البيت تكون قواه معدومة بالكامل , و قد بدأ وجهه يتغير كثيرًا , لقد أصبح أكثر شحوبًا و أقل اهتمامًا بما يجري حوله , إنه أخي يا عبدالرحمن , و لن أسمح لشيء أن يمسه بضرر "..
" لا أعلم يا عادل , إن كنت تقصد أن فيصل يتعاطى شيئًا ما , فأنا لا أعلم , إنه يجلس بشكل طبيعي للغاية معنا , و يغادرنا بنفس الوضع كل يوم , إن أخطر شيء نفعله هناك هو التدخين من فترة إلى أخرى , أما تعاطي بعض المخدرات أو أيّ كان منها ; فنحن لا نفعل ذلك أبدًا "..
" إن كان فيصل يغادر الجلسة بوضعه الطبيعي , فلماذا يعود إلى المنزل بشكل مزري ؟! "..
صمت الاثنان لدقائق , ثم سأل عادل بسرعة :
" عبدالرحمن , في أي ساعة يغادركم فيصل عادةً ؟! .. بسرعة "..
" أهـ , ممم لا أعلم بالضبط , و لكن قرابة الساعة الثالثة إلا ربع تقريبًا , لا يجلس كثيرًا معنا , يغادر بعد 45 دقيقة من قدومه على الأرجح "..
" هذا غريب , إنه يعود إلى المنزل في الثالثة و النصف , أي أنه يعود بعد الخروج من الاستراحة بـ 45 دقيقة , و إن المنزل قريب من استراحتكم , و لا يستغرق الطريق سوى 5 دقائق ! "..
" أتقصد بأنه يذهب لمكان آخر بعد أن يغادرنا ؟! "..
" نعم , بالتأكيد "..
سكت عبدالرحمن لثواني , ثم قال:" أستطيع مراقبته إن أردت ذلك .."
" حقًا ؟! .. و لكن الوقت سيكون متأخر للغاية , و قد تقع في المشاكل أنت أيضًا "..
" لا عليك , سأراقبه ليومان فقط .. " سكت عبدالرحمن ثم أردف :" أكره أن أراقب أعز أصدقائي بهذا الشكل و لكن , لقد أثرت قلقي عليه , لقد لاحظت وجهه مؤخرًا , و لقد كان كما قلت , شاحبًا و متعبًا في الغالب , إنه ينام كثيرًا في الصف , علاماته الدراسية انخفضت بشكل مريب , لقد أصبح يشرد كثيرًا .. سأراقبه من أجله نفسه , و ليس ما أجلك يا عادل "..
" نعم , لا تراقبه من أجلي , أنا أعلم أن صديقك الأقرب و أنك لن تستطيع أن تشي به بسهولة , و لكن مصلحته تقتضي ذلك "..
**********
بعد عدة أيام ..
يجلس والدهما حمد على مكتبه و قد وضع رأسه بين يديه عندما هاجمه ذلك الألم القاتل , الناتج عن الأمور التي أخبره بشأنها إياد !! ..
" هذا ضرب من الجنون , كيف لأبني أن يفعل ذلك ؟! .. كيف لتربيتي أن تثمر بهذه الطريقة المشينة ؟! .. لقد ظللت أمنعه من الاختلاط المبالغ به مع الناس , لأن الناس ليسوا ملائكة ! .. و لكنه ظل يعاندني و يفعل المصائب من ورائي .. يا إلهي .. كيف سأتصرف الآن , و ماذا عن اسم عائلتنا و اسم شركتنا التي تلطخت بالعار بسببه ؟! .. ماذا عن كل تلك الأموال التي صرفها من أجل أن يفقد عقله و ينتشي لدقائق ؟! .. "
كان حمد قد فقد أمله في الإصلاح تمامًا , و بحسب طبيعة شخصيته العصبية و المتسرعة دومًا , لم يكن أمامه سوى حل واحد لهذه المصيبة ..
أخبره إياد أن ابنه كان يغادر المنزل بعد الساعة الواحدة تقريبًا , و عندما بدأ بتتبعه , كان يذهب لأصحابه في استراحة صغيرة قريبة من منزلهم , و لكنه يجلس فيها قرابة النصف ساعة أو أكثر بقليل , و لكن بعد ذلك يخرج من عند أصحابه و يتوجه إلى استراحة أخرى بعيدة .. و يجلس فيها طويلًا ثم يعود إلى المنزل و هو يترنح في مشيته نحو السيارة و عند نزوله منها ..
كان إياد يتملكه الفضول لمعرفة ماذا يجري في الاستراحة الأخرى , لذلك قرر أن يقترب و يرى الأمور عن كثب و لكن لم تكن لديه فكرة عن كيفية الدخول إليها ..
ففي أحد الأيام , و بينما كان يقف بسيارته بعيدًا , رأى سيارة أحد المطاعم السريعة متجهة إلى تلك الاستراحة , فقام بتغطية وجهه بشماغه و اللحاق بالسيارة , و ما أن توقفت أمام الباب , حتى قام إياد بإنزال السائق و وضعه في المقاعد الخلفية لسيارته و ضربه بشدة , و لكن ذاك السائق الآسيوي قام بالتوسل و بدأ بالبكاء طالبًا من إياد عدم ضربه و قائلًا له بأنه يستطيع أخذ ما يريد .. !
توقف إياد عن ضرب الرجل و طلب منه خلع ملابسه الخاصة بالمطعم و كذلك قبعته , ارتداها إياد و حمل أكياس الطعام و توجه نحو الباب ليطرقه , و لكن كان الباب مفتوحًا ! ..
فدخل بهدوء و هو ينظر في جميع الاتجاهات بتوتر و خوف , شاتمًا نفسه على موافقته لفعل هذا الأمر من أجله مديره ! ..
كانت أصوات الأغاني تصدح في جميع أرجاء المكان , و بعد دقائق , كان يرى عدة فتيات بملابس لا تخفي شيئًا , و هن يمشين باتجاه المبنى الداخلي للاستراحة ..
تراجع إياد عندما رآهن و اختبئ خلف أحد السيارات المركونة بالداخل , و بعدما دخلن , وضع الطعام على الأرض و أخرج هاتفه و قام بتصوير كل شيء ! .. صوت و صورة ! ..
و بينما كان يتراجع و هو ينوي الرحيل , شد انتباهه غرفة صغيرة تقع في الطرف الآخر من المكان , حيث يفصل بينهم مساحة كبيرة من العشب و الزرع .. قرر إياد التهور بعض الشيء , و اتجه نحوها ..
كانت الاستراحة مظلمة و يبدو بأن الجميع موجودون داخل المبنى الذي دخلن إليه الفتيات ..
وصل إياد إلى الغرفة و هو يدعو الله أن لا يراه أحد , و ما أن دخل حتى تجمدت أطرافه من المنظر أمامه ..!
لقد كان فيصل مستلقٍ على الأرض و هو يهذي بكلام غير مفهوم أبدًا .. و قد تناثرت حوله أكياس صغيرة فارغة إلا من بعض المساحيق البيضاء التي ملأ بعضها أنف فيصل .. و قد وجد بجانبه إبرتان صغيرتان .. توجه إياد نحوه بسرعة و هو يهمس بخوف :
" فيصل , فيصل استيقظ .. ماذا حصل لك ؟! .. أرجوك استيقظ , هل تسمعني ؟! "..
و لكن فيصل كان بالكاد يفتح عيناه و قد بدأ بمسح أنفه بشدة و بدأ بالعطاس , أما إياد فقد نظر إلى أكمام ثوبه التي ارتفعت و أظهرت ذراعه المملوءة بالبقع الزرقاء و السوداء الناتجة عن الإبر التي كان يتعاطاها ..
قام إياد بحمله بين ذراعيه و الذي بدا خفيفًا للغاية على عكس اعتقاده .. و مشى به نحو الخارج باتجاه سيارته دون أن يلحظه أحد .. وضعه في المقاعد الخلفية و مشى بسرعة نحو منزل حمد , و نزل طارقًا الباب بشدة ..
كان عادل مستيقظ في هذا الوقت مثل كل يوم بانتظار أخيه , فقفز خائفًا من هذا الطرق السريع على الباب , خرج من غرفته بسرعة و نزل السلالم على أطراف أصابعه , فتح الباب ليتفاجأ بإياد حاملًا فيصل بين ذراعيه و يبدو على كل منهما الإرهاق الشديد .. أدخل عادل إياد إلى المنزل و أخذه إلى الطابق العلوي حيث تقع غرفة فيصل ..
قاموا بوضعه على سريره و تغطيته جيدًا .. أما عادل فقد بدأ يسأل إياد عمّا حصل .. و لكن إياد قال بأنه لن يخبره قبل أن يخبر والده بالأمر ..
كان عادل شديد القلق على فيصل من والده , و قد توسل إلى إياد ليخبره عما حصل و يخفي الأمر عن والده ولكن إياد رفض بشدة , و أخبره بأن والدهم يعلم عن خروج فيصل المتأخر , و أن الوقت قد تأخر كثيرًا لإخفاء الأمر عنه .. و أن والدهم أوصاه بمراقبة فيصل منذ عدة أيام ..
خرج إياد من المنزل محمّلًا بقصة هذه الليلة المريعة , أما عادل فقد جلس بجانب أخيه و هو يندب حظه السيء , و تصرفات فيصل المجنونة ..
أخبر إياد مديره عن كل ما حصل في تلك الليلة , و أطلعه على الصور و مقاطع الفيديو التي أخذها .. و أخبره عن الوضع الذي رأى فيصل فيه , و كل تلك المخدرات و الإبر التي كانت بجواره ..
أما حمد فقد اتخذ قراره و اتجه نحو منزله مباشرة عند الساعة الثانية ظهرًا ..!
يتبع ...