مرت عدة أيام وكل شيء يسير مكانه ترف تحسنت حالتها
قليلا حسب كلام معتصم فلم أتمكن من رؤيتها ولن أتمكن من
ذلك فالخروج ممنوع منعا باتا أما زائر تلك الليلة فكانت بيسان
جاءتني تبكي وتقول أنها خائفة وأن الدم يدخل لها من الشرفة
وندِمت أني لم أترك بتول تنام معها كما طلبت ونامت معي تلك
الليلة وانتقلت بتول بعدها لغرفتها وأصبحتا معا طوال النهار
ومصعب وعدي لا يتركوهما سوا وقت النوم طبعا أما جابر
فلم يأتي تلك الليلة وكل ما وصلني منه رسالة مكتوب فيها
( مشغول ولن أتمكن من المجيء )
كان ردا واضحا كي لا أحاول مجددا وأطلب ذلك منه قد يبدوا
أفضل من أن لا يرسل شيئا لكن النتيجة واحدة وقد تعبت من كثرة
ما يسأل الجميع أين يكون ولما لا يأتي هنا فكل من في هذا القصر
منفصل عن العالم الخارجي ولا يعلمون أنه لديه منزل في العاصمة
يسكن فيه حاليا ولولا المصادفة ومكالمة عمه لذاك الضابط ما علمت
حتى أنا , تنهدت بأسى وجمعت شعري للخلف ونظرت جانبا وقلت
" أين شقيقك لم أره اليوم أبدا "
قالت وهي منشغلة بما تفعل " مع عمر طبعا في غرفته
ولا يسمحون لنا بالدخول معهم "
قالت بتول بتذمر " مصعب أقسم أن أضربك إن أفسدتها مجددا
ابتعد عني لا أعلم متى سأتخلص من الأطفال "
قلت مبتسمة " بل جاءك الأطفال الذين لا ينتهون "
قالت ببرود " في أحلامه هل يظنني أرنبا لن أنجب أبناء هكذا متتاليين
كالمسبحة ولن أسكن هنا كي لا يكونوا هؤلاء معي طوال الوقت "
ضحكت وقلت " وهل هناك من تكره أن تكون بقرب عائلها "
قالت وهي مشغولة بما تفعل " نعم أنا "
فقفزت بيسان جالسة وقالت " انتهيت قبلك وفزت عليك "
فقالت بتول بتذمر " كله بسبب هذا القرد هل ارتحت الآن "
ثم وقفت راكضة جهة عدي الذي يحبوا بعيدا وقالت " تعال هنا
ستوقعها عليك ولن ترحمني والدتك ما أتعسني من فتاة لو فقط
بقيتَ جالسا ولم تتحرك كل عمرك "
ضحكت وهززت رأسي وقلت " معك حق تربية الأطفال أمر
صعب وأرى والدتك لا تساعدك أبدا "
رفعته من الأرض وعادت به ناحيتنا وقالت " وكيف تشغل بالها
بهم ولديها مربية خاصة لكن الدنيا لن تبتسم لها طويلا
وستبقى لهم وحدها "
قلت مبتسمة " قالت ستجلب خادمة ما أن تتزوجي "
وضعت يدها وسط جسدها وقالت بضيق " نعم نعم هل الآن
أصبحت الخادمة أمر مباح وعندما كنت أنا خادمتهم كان
ذاك شيئا ممنوعا بالنسبة لها "
رفعت كتفاي مبتسمة فقالت " وأنتي أين زوجك طوال الوقت غير
موجود ولم نره منذ قدومنا هنا هل يأتي ليلا ويغادر أم ماذا "
نظرت للأسفل وقلت " شيء من هذا "
عادت للجلوس متربعة على الأرض أمام بيسان ووضعت عدي
في حجرها وقلت " كوني حذرة ولا تغفلي عن زوجك كي
لا تأخذه غيرك منك بكل بساطة "
نظرت لها بصدمة فقالت " نعم ما بك تنظرين لي هكذا زوجك رجل
تركض خلفه النساء ولا تنسي أنه يحتك بهن طوال الوقت وإن كنت
أنا مكان واحدة منهن لسعيت جهدي لأحصل عليه "
قلت بصدمة " بتول ما هذا الكلام ثم جابر ليس من هذا النوع "
ضحكت وقالت " لا تموتي قبل أوانك ولا تؤمني للرجال ولا
مكر النساء فأين يذهب كل هذا الوقت ألم تفكري أن يكون
تزوج عليك فالرجال لا مأمن لهم "
وقفت وقلت " ما هذه الأفكار التي لديك الجلوس معك مهلكة "
أمسكت الورقة التي يلعبون عليها وقالت وهي تكتب فيها
" لقد حذرتك فلا تلومي إلا نفسك "
خرجت من هناك قبل أن تأكل رأسي بالوساوس بل هي فعلتها
بالفعل , توجهت لجناحي ولغرفتي فورا ولم أنزل ولا لتناول
العشاء مع البقية ليمر بي الليل جالسة مكاني حتى فتح أحدهم باب
غرفتي وكانت بيسان مجددا وقالت وهي تفرك عيناها
" ماما بتول تركتني وحدي أنا خائفة "
مددت يداي لها وقلت " وأين ذهبت في هذا الليل لابد
وأنها في غرفة شقيقيها وستعود "
صعدت للسرير معي ونامت في حضني قائلة
" لا أعلم لقد خفت كثيرا "
ضممتها لحضني وتنهدت بأسى لقد أصبحنا في ترف جديدة تخاف
من الوحدة والظلام ولا ألومها بعد الذي رأته , نامت سريعا فعدلتها
بجانبي ونمت معها أمسح على شعرها حتى أخذني النوم لأشعر بشيء
على ذراعي فقفزت جالسة بفزع فكان جابر في الغرفة ويقف فوقي
فوضعت يدي على صدري وقلت بخوف " أفزعتني جابر متى دخلت "
قال وهوا ينظر لبيسان " الآن , ماذا تفعل بيسان هنا "
نظرت لها وقلت " أصبحت تخاف كثيرا منذ اليوم الذي أصيبت
فيه ترف وبتول تنام معها ويبدوا الليلة نامت مع أخوتها الصغار "
هز رأسه بحسنا وكان سيغادر فغادرت السرير وأمسكت يده
وقلت " جابر "
فالتفت لي لتلقي عينانا عن قرب بل وسبحت عيناي في كل
ملامحه لتعود لمعانقة عينيه مجددا وقلت بهمس
" عد يا جابر فهناك من اشتاق لك بحق "
بقي ينظر لي بصمت فقلت بابتسامة حزينة
" أقسم أني اشتقت لك "
فرفع رأسه ينظر للأعلى ورفع يده لشعره ومررها فيه حتى
أمسك بها قفا عنقه ولا أعلم ما سبب توتره هكذا فأحطت
جسده بذراعاي وحضنته بقوة وقلت " لا تتركني مجددا
جابر أرجوك أقسم أني تعبت من بعدك عني "
قال بصوت منخفض " والطلاق "
رفعت رأسي ونظرت له وقلت " لن أذكره مجددا أقسم لك "
قال بهدوء " لا تنسي أنك أقسمتي "
غمرت وجهي في صدره وقلت " لن أنسى ولن أقولها ما حييت "
كنت سأخبره عن حملي فهذا الوقت الأنسب له ويبدوا أن أمورنا
ستتصافى أخيرا لكنه سبقني قائلا بهدوء " أنا تزوجت يا أرجوان "
فابتعدت عنه للخلف عدة خطوات انظر له بصدمة وقلت
" تزوجت !! "
نظر للجانب الآخر وقال " نعم "
شعرت بشيء لا أعرف ما أقول عنه بلى أعرفه إنه نار نعم
نار اشتعلت في جوفي وقلبي وقلت مجددا بصوت مخنوق
غير مصدقه " تزوجت يا جابر "
نظر لي في صمت فوضعت يداي جانب رأسي أضغط عليه
بقوة من الصدمة وأنظر للأرض ثم بدأت بضربه بهما بقوة وأنا
أبكي وأمسك عبراتي كي لا تستيقظ بيسان , كنت أضرب وأضرب
وشعري الطويل يتطاير مع حركة يداي فاقترب مني وأمسكهما
وأبعدهما قائلا " توقفي عن لطم نفسك يا أرجوان "
فاستللت يداي منه وجلست على كرسي مرآة التزيين وغطيت وجهي
بيداي وخرج بكائي ونحيبي ولم أستطع ولا السيطرة عليه فأمسكني
من ذراعاي وأوقفني وأخرجني من الغرفة وأغلق الباب وقال
" أرجوان توقفي لنتحدث "
لكن جنون الكون كله كان يسيطر علي وقتها ويداي لازالتا على
وجهي فعدت لضربه مجددا لكن هذه المرة من الأمام وأنا في نحيب
مستمر فشدني لحضنه بقوة وقال بضيق " توقفي قلت لك كيف لامرأة
مؤمنة تعلم حدود الله تلطم وجهها هكذا "
استسلمت لبكائي في حضنه بل لنحيبي الذي أخفاه في صدره
العريض قتلني وجاء ليخبرني بل يضم جراحي لحضنه الذي
جرحني به الحضن الذي باتت غيري تشاركني فيه يا الله ياله
من شعور قاسي ويالها من نيران تشتعل في داخلي
*
*
خرجت من غرفة قصي وعدي ليشد انتباهي صوت ضحك معتصم
المرتفع من غرفته فتحركت جميع خلايا الفضول لدي بل ما أعاده
الليلة من المستشفى ! اقتربت من غرفته فكان يكلم أحدهم في الهاتف
ويضحك بهستيرية فشعرت بالشيطان الذي غرسته في عقل أرجوان
انغرس في عقلي وكأن السحر انقلب على الساحر فاقتربت أكثر عندما
انخفض صوته وكأنه يحدث أحدهم همسا ومؤكد من كان يكلمه الآن
اقتربت أكثر لأسمع فانفتح باب الغرفة بقوة فقفزت مفزوعة وأمسكت
صرختي بيدي وقال بنظرة استغراب " بتول ماذا تفعلين هنا
ظننتك إحدى الخادمات تتجسس علي "
أبعدت يدي عن فمي ووضعتها وسط جسدي وقلت " وماذا تفعل
أنت ومع من كنت تتحدث همسا وتضحك هكذا "
أمال وقفته وقال بمكر " الله أكبر جديدة هذه حرمنا المصون "
قلت بجدية " جديدة أو حتى قديمة قل مع من كنت تتحدث "
قال بابتسامة جانبية " غيرة هذه أم ماذا "
قلت بضيق " أعتبرها ما تريد وأخبرني الآن من تكون "
وضع يده في جيب بنطاله القصير وقال " وما يعنيك من
تكون , هذه خصوصية حسب اعتقادي "
دفعته من أمامي وقلت وأنا أدخل غرفته " سأعرف
وحدي من هذه يا خائن يا معتصم "
أمسكني من خصري ورفعني من الأرض وقال
" أنتي السبب طبعا يا بثلتي "
قلت وأنا أحرك ساقاي في الهواء " أنا السبب يا كاذب وأنا
وافقت على الزواج بك هل تتحجج بي "
سار بي حتى السرير ورماني عليه وقال " وافقتِ !! بعد ماذا
بعدما أشبتِ لي رأسي "
جلست مقابلة له وقلت ببكاء " أقسم أن تطلقني إن كنت
تتحدث مع أخرى "
ثم ضربت بيدي على السرير وقلت " تكلم الآن واعترف بسرعة "
قفز بجانبي على السري وأبعد شعري المفتوح للخلف وقبل عنقي
وقال " كنت أتحدث مع صديقي "
قلت بعبرة " كاذب تتهامسان وتضحك وفي هذا الوقت
المتأخر يا خائن يا مغازل "
ضحك وقبل خدي عدة قبلات فدفعته بعيدا وقلت
" أبتعد عني قلت لك واذهب لها "
عاد للضحك مجددا ثم أمسك هاتفه ورماه في حجري وقال
" انظري بنفسك لآخر مكالمة لي "
رفعته من فوري ومسحت دموعي وعيناي لأرى جيدا وفتحت
قائمة المكالمات ورأيت آخرها وكانت من اسم ( معاذ )
فرميته له وقلت " ومن هذا معاذ الذي تحدثه هذا الوقت "
قبل خدي مجددا وقال " صديقي قلنا صديقي "
مسحت خدي وقلت ببرود " لا أصدقك "
رفع الهاتف واتصل به فأجاب من فوره قائلا " معتصم أتركني
وشأني يا حسود لديك زوجتك ففارقني الليلة "
ففصل عليه الخط وقال " تأكدتِ الآن يا غيورة يا من تحبينني "
دفعته عني وقلت مغادرة السرير " لست غيورة ولا أحبك أيضا "
فأمسك يدي وسحبني منها وشدني لحضنه نائما بي على السرير
وقال " أين أين ستنامين هنا الليلة "
قلت وأنا أحاول الخلاص منه " معتصم أتركني هل جننت "
شدني له بقوة وقال " لن أفعل شيئا فاهدئي قلت لك والذنب عليك
حذرتك من المجيء لي هنا وفعلتها بنفسك "
ضربت يداه وقلت ببكاء " معتصم أتركني ماذا أنام معك هذه
أين تضننا أتركني قبل أن يرانا أحد "
فتركني ضاحكا وغادرت أنا السرير راكضة ووقفت عند
الباب ونظرت له وأخرجت لساني وقلت " المهم لم تكن تكلم
امرأة ولتعلم فقط أنه لا امرأة ترضى أن تكلمك يا بشـ .... "
ثم صرخت وركضت هاربة حين غادر السرير راكضا نحوي
وعبرت الممر مسرعة وصعدت الطابق ركضا لأرتطم بشيء
بقوة أعادني للوراء ولم يتأثر أبدا وما كان إلا جابر الذي واصل
طريقه مسرعا ونزل السلالم دون حتى أن يسألني لما أركض
هذا الوقت فرفعت كتفاي وتابعت طريقي يبدوا أنه يأتي ليلا
فقط لهذا لا نراه , يا عيني على الناس الرومانسية والجــ
" يااااااااااااااااااااا "
قفزت صارخة لأجد عمر شقيقي خلفي يضحك بهستيرية وكانت
الصرخة له طبعا ثم فر هاربا وقال " معتصم يسلم عليك
وقال أنها هدية منه "
عصابة الحمقى لقد أوقعوا لي قلبي وهذا القرد ما يوقظه حتى
الآن وأمجد نائم منذ وقت يفترض بهم أن تركوا أرجوان تربيه
هوا تحديدا
*
*
خرجت مسرعا بعد الاتصال الذي تلقيته من سالم وقال فيه أنه
فتح هاتفي الخاص الذي نسيته اليوم في المنزل ولم أخرجه معي
وأن نزار يتصل بي دون توقف وأرسل أن الأمر مهم وخطير
نزار رحلته بعد أقل من ساعة ولم يحضر الصورة وأن يكون
الأمر مهما يعني أنه يخصها , اتصلت به بالهاتف الموجود عندي
وأنا أخرج بسيارتي فأجاب فورا وقال " أين أنت يا رجل لم أترك
مكان لم أسأل عنك فيه ولا تجيـ ...... "
قاطعته قائلا " ماذا حدث وأين أنت الآن وهل وجدت شيئا أم لا "
قال من فوره " في المطار فأسرع فالشيء الذي لدي مهم جدا
ومكانه كان صورة عائلتها لم نتوقعه ولا في أحلامنا "
قالت بحماس " ما يكون وما حجم أهميته "
قال " قرص "
ضربت المقود ولففت به وقلت " رائع وجدنا دليلنا أخيرا
توقعت أن يكون معلومات مهمة "
قال من فوره " وطريقة حفظه له وإخراجه يدل على
أن الذي فيه مهم للغاية "
ثم سرد لي كيف وجده وأنا أسير بكل سرعتي جهة المطار
وقلت ما أن انتهى " لا تكن شغلته "
قال " لا فأنا أعرف أن التعامل مع هذه الأمور حساس جدا
وقد يكون يعمل لمرة واحدة فلا خبرة لدي كثيرا في هذه
الأمور ولا تفتحه دون خبير "
وقفت بسيارتي وقلت " وهل نسيت خبرتي في مجال الحاسوب
فهوا هوايتي المفضلة ها قد وصلت أين أنت "
قال مباشرة " في صالة الركاب "
نزلت من فوري راكضا والحرس يركضون خلفي والجميع منتبه
لطريقة دخولنا لكن هدفي كان واحدا أريد الوصول له بأي شكل
كان ولو بقي واحد منا فقط على قيد الحياة وخرج به , توجهت
حيث يكونون الآن وأسرع نزار ناحيتي وسلمه لي وقال
" كنت سألغي الرحلة بسببه لو لم تأتي ولولا أنه
أمر مهم ما كان سيوقفني شيء غيره "
ضغطت عليه في يدي وقلت " وأخيرا يا رفعت الشاطر وجدنا
ما يبحث عنه شلة المجرمين بأيديهم وأسنانهم "
أمسك كتفي وقال " جابر لتكن سما في عينيك يا صديقي أقسم
أني أترك قلبي معك وأسافر "
ربت على كتفه وقلت " لا تقلق فإن لم يقتلها ما
فعلته بها فلن يقتلها شيء "
نظر للأرض وقال بحزن " تمنيت أن تعذرني هي مثلك لكن
يبدوا لي أنك أنت أصبحت تلومني كالبقية "
قلت بجدية " ليس بيدي فالفتاة تجعلك تتعاطف معها رغما
عنك لكنها أقوى مما كنت أتصور هذه طفلة في جسد
امرأة تفتقدها أغلب النساء "
قال بحيرة " ماذا تعني بهذا "
قلت مغادرا " سلم لي على والدتك ولا تنسى أن
تكلمني ما أن تصلا "
ثم خرجت من مبنى المطار ووقفت عند السيارة وأجريت اتصالاتي
ليجتمع الجميع في منزلي ثم نظرت للطائرة التي حلقت في السماء
وأعلم علم اليقين أنها طائرتهما لأنها خاصة وطبية , بقيت أنظر لها
وهي تحلق مودعة الأرض كما ودع من فيها أرضنا وأهم أحلامه
موفق يا نزار ولا تقلق على قلبك الذي تركته هنا فإن كانت تحبك
حقا ستنتظرك دون أن يخبرها أحد فالحب الحقيقي شيء لا يحتاج
توثيق , طفلتك وامرأتي يا صديقي علمتاني شيئا جديدا في عالم
النساء وهوا أنهن لا يستسلمن بسهولة فسما اختارت بنفسها أن
تسافر عنها وتُحرم منك كي لا تخسرك للأبد أما امرأتي ...
تنهدت وفتحت باب السيارة ووقفت مكاني أتذكر اللحظات ما قبل
خروجي من عندها حين ابتعدت عن حضني ونظرت لي بعينان
تلمعان من الدموع في ضوء الردهة الخفيف وقالت بإصرار
وأصبعها على شفتيها " لن تأخذك أي امرأة مني يا جابر تفهم
وأفهمها ذلك جيدا فلن تكون إلا لي "
ليرن هاتفي وأجبت عليه فكان سالم وعلمت منه بأمر نزار
وكنت سأغادر فقالت " جابر لا تذهب "
التفت لها فقالت بجدية " عليه أن يكون نحن اختيارك
وإن ذهبت تكون اخترت "
قلت بضيق " أرجوان لن أذهب لها الأمر مهم وعليا أن أغادر "
قالت بحزم " اختر الآن "
قلت بضيق أكبر " توقفي عن الجنون أخبرتك أني لن أذهب لها "
قالت بعبرة تخنقها " الآن تختار يا جابر "
فوقفت مكاني وتوقف عقلي عن العمل لكن نزار والدليل لابد وأنه
وجده وهذا الأمر مصيري للجميع وستتفهم أرجوان هذا فيما بعد
فعلينا أن نضحي وللنهاية , ففتحت باب الجناح وخرجت وتركتها
واقفة مكانها هناك وأعلم ما فكرت فيه بسبب ما فعلت .
هززت رأسي وركبت السيارة وانطلقنا لتداهمني الأفكار مجددا
بعد نزولي من عندها حين وجدت خالتي في الأسفل وقالت ما
أن رأتني " جابر متى عدت !! "
وقفت وقلت " الآن وسأغادر فورا "
قالت " هل صحيح ما سمعته "
قلت باستغراب " وما الذي سمعته وممن "
قالت بجدية " من الهاتف طبعا هل صحيح تزوجت
على ابنة فارس "
نظرت للبعيد وقلت " نعم "
قالت من فورها " تطلقها إذا "
نظرت لها وقلت " من تعني ؟؟ "
قالت بجمود " أرجوان طبعا أو لست ابني ولا أعرفك "
قلت بضيق " أمي ما هذا الكلام الذي أسمعه كيف تريدين
أن أطلق زوجتي "
قالت ببرود " ما لدي قلته فانا وهي لن نجتمع إما أنا أو هي "
تأففت وقلت " سأخرجها من هنا أما طلاق فلن أطلقها "
قالت بضيق " تحبها يا جابر أكلت عقلك يا رئيس شرطة البلاد "
قلت بضيق أكبر " زوجتي ولم أرتكب جرما ولا حراما كما
أحبك وأحب أبنائي هذا شيء طبيعي "
قالت مغادرة " أنا خيرتك ولك أن تختار "
لأخرج بهَم جديد مع همومي , ما هذه الليلة ليلة الاختيارات متى
سيرحمونني ويشعروا أن الذي بين ضلوعي قلب ولم يعد يستحمل
ضغوط الحياة أكثر كيف أرضيك يا خالتي وكيف أتصرف
ذهبت للمسجد أولا صليت الفجر ثم للمنزل ووجدت الجميع ينتظرني
فدخلت المكتب مباشرة وهم يتبعونني وجلست عند المكتب وأحاطوا
بي فمددت القرص لأسعد وقلت " دليل رفعت الشاطر قرص مضغوط
من النوع الذي لا تُنسخ منه المعلومات ولا تُمسح ولا يمكن التلاعب
بما فيه بأي طريقة أي لدى المحكمة قرص لا يمكن إدخال
أي شبهة ناحيته "
أمسكه مني وقال " رفعت الشاطر رجل أذكى وأخطر
مما يتوقع الجميع "
وقفت وقلت " ومن أخرج لنا هذا القرص تصرف بذكاء فائق
ووقع عند صاحبه الأصلي , رفعت الشاطر كان يعلم جيدا
مع من يلعب لذلك ترك دليلا مطموسا سيفسدونه بسهولة
إن وصل لأيديهم قبلنا مما يعني أنه سلاح ذو حدين "
قال أسعد " هل نشغله الآن "
تحركت من خلف مكتبي وقلت " سنشغله في حاسوبي فلدي
نظام طورته بنفسي لنسخ الأقراص من هذا النوع وقد
ننجح في أخذ نسخة عنه "
قال خليل " هل تعتقد أنه سيعمل لمرة واحدة فقط "
قلت وأنا أدخله لجهازي " ممكن رغم أني أستبعد ذلك بما
أنه تركه دليلا لكن كل شيء جائز "
شغلته ليبدأ بعرض ما فيه البداية كانت صور لملفات وأرقام
وتصاريح بإدخال بضائع ممنوعة للبلاد بالوقت والتاريخ وكأن
ثمة من يصورها سريعا ويبدوا بكميرة هاتف نقال ويبدوان
شخصان واحد يحرك الورق والآخر يصور ويتهامسان ثم تغيرت
الصورة لثلاث رجال يعطون ظهورهم يتحدثون مع شخص جالس
على مكتب وقال لهم بحدة " حمقى شلة حمقى يكفي ضاع منا ما
ضاع أعلِموا ..... " وبدأ يسرد أسماء جعلتنا ننظر لبعضنا بصدمة
ثم قال " هل بضنك سيدهم جابر سيسكت عن الأمر طويلا سيتحرك
وإن تحرك سيكشفنا وحتى القتل لا يمكننا قتله يا فاشلين "
قال سالم بهمس " لو يتحرك احدهم لنراه "
وقف حينها ولازال مختفيا خلفهم وقال " أريد جثته ميتا مع دليله
الذي لديه بسرية وتكتم كما عرفتكم والبضاعة ستدخل رغما عن
أنوف الجميع ككل مرة فالعملاء في انتظارها والهنود يلعبون
كثيرا وهذا لم يعد في صالحنا ورفعت هذا أصبح كالشوكة في
حلقومهم ويهدد بالتبليغ عنهم "
قلت من بين أسناني " ليبتعد أحدكم يا حمقى "
وما أنهيت جملتي إلا وتحرك من خلف مكتبه وابتعدوا هم
جانبا لنقف جميع الجالسين منا على طولنا ونحن ننظر
بصدمة لمن ظهر في الصورة
*
*
شعرت بشيء يهزني بقوة فقلت بهمهمة " أممممم من "
ليوقظني صوت رقيق باكي قائلا " بتول استيقظي بسرعة أرجوك "
فتحت عيناي فكانت بيسان أمامي وتبكي فجلست وقلت
" ما بك وأين أنتي لم أجدك هنا "
أمسكت يدي تسحبني منها وقالت ببكاء " ماما مريضة
بسرعة يا بتول "
فخرجت من السرير قفزا وركضت معها دون حتى أن ارتدي
حدائي وركضت لجناحها ودخلته ودخلت غرفتها لأفاجئ بالدماء
في لحافها وصوت أنينها المكتوم المتوجع فاقتربت منها وهززتها
وقلت " أرجوان ما بك أجيبي "
وبلا فائدة كانت تقول كلمات لكني لم أكن أفهمها فنظرت
لبيسان الواقفة عند الباب تبكي وقلت " بيسان بسرعة
أحضري شراشف من الخزانة "
فتحركت مسرعة وأخرجت كل ما يوجد فيها فأخذتها منها وقلت
" أخرجي من الغرفة وابقي في الجناح ولا تخبري أحد مفهوم "
هزت رأسها بحسنا وقالت ببكاء " هل ستموت ماما "
أمسكت يدها وأخرجتها للخارج وقلت " لن تموت ماما هي
متعبة قليلا وسنأخذها للمستشفى حسنا "
بقيت تنظر لي ودموعها كالأمطار ولا تصدق شيء مما أقول
فتأففت ودخلت الغرفة وأغلقتها بالمفتاح ولم آبه لبكائها وطرقها
على الباب وذهبت لسرير أرجوان فورا وأزلت اللحاف من عليها
يبدوا تنزف لكن لماذا !! أبعدت كل تلك الأفكار ولففت جسدها جيدا
بالأغطية النظيفة بصعوبة كي أخفي أي أثر للدماء ثم خرجت من
الغرفة ومن الجناح راكضة ونزلت السلالم وتوجهت لغرفة معتصم
وفتحت الباب ودخلت فكان نائما يحضن الوسادة ويغط في سبات عميق
فأمسكتها واستللتها منه وقلت " نعم تحلم بالنساء وتحضن الوسائد "
فقفز جالسا فنوم معتصم خفيف رغم كل التعب وقال بخوف " ما بكم "
سحبته من يده وقلت " بسرعة أرجوان متعبة وعلينا أخذها للمستشفى "
غادر السرير ثم جلس عليه مجددا وقال " بشكلي هذا اتركيني أستحم
وأغير ثيابي "
شددته من قميصه القطني وقلت " بسرعة لا وقت لدينا
ستموت من كثرة ما تنزف "
وقف وبدأ يدور حول نفسه ويبدوا أني أربكته ولم يعد يعرف كيف
يتصرف فتأففت وأخذت مفاتيحه ومحفظته وأعطيتهم له ثم نظرت
لشعره ولحست كفاي بلساني ( حركة كم كنا نفعلها ونحن صغار )
ثم مسحت له بهما شعره وقلت " هكذا أنت جاهز بسرعة هيا "
قال بقرف " ماذا فعلت لشعري يا مقززة "
أمسكت يده وسحبته منها قائلة " لا وقت لنا وشعرك الكثيف
كان واقفا كالمغنيين وأنا عدلته لك "
خرجت وهوا يركض معي حتى ولم ينسى حدائه مثلي
وصلنا غرفة أرجوان وكانت بيسان تمسح على شعرها وتبكي
وقلت ما أن دخلنا " أحملها واهتم لتغطية شعرها سألبس
عباءتي وحجابي وأعود فورا لأذهب معكما "
نظر لها باستغراب وقال " وما بها هكذا وكأنها مومياء محنطة "
دفعته وقلت " هذا ليس وقته أنا لففتها بالأغطية جسدها كله دماء
وثيابها أيضا تحرك بسرعة "
حملها من على السرير وقال " لا وقت لأنتظرك ابقي هنا "
فتحت خزانتها قائلة " في أحلامك لن أكون إلا معها "
وأخرجت عباءة أرجوان وحجابا من عندها ولبستهم ولبست
حدائها أيضا وركضت خلفه خارجا بها حتى ركبنا السيارة وكنت
معها في الخلف تنام في حضني أحاول إيقاظها بأي طريقة ثم نظرت
لمعتصم في الأمام وقلت " بسرعة هي غائبة عن الوعي تماما
واتصل بشقيقك ما بك عقلك وقف فجأة "
دخلنا سور المستشفى قائلا " لا يجيب واتصلت بأحد رجاله وقال
أنه في اجتماع وحتى هواتفه ليست معه ها قد وصلنا "
ثم نزل وأنزلها وأنا أركض خلفه واستقبلتنا الممرضات بسرير
وضعها عليه وركضن بها بسرعة ونحن نتبعهم حتى أدخلوها
إحدى الغرف وتركونا في الخارج ورغم أن الوقت مازال مبكرا
إلا أن الحركة كانت كثيرة في المستشفى , نظرت لنفسي وعباءة
أرجوان الكبيرة علي امسكها من الأمام كي أرفعها عن الأرض
وحدائها ليس على مقاسي أيضا ثم نظرت لمعتصم فكان ببنطلونه
القصير فوق نصف الساق وقميصه القطني بكتابه عند الصدر
وشعره المبعثر رغم نعومته فنظر لي وقال ببرود
" ما بك تنظرين لي هكذا "
قلت وأنا أمسك ضحكتي " لا شيء "
نظر لي بضيق ثم لثيابي لتنطلق ضحكته فقلت بضيق
" أضحك على نفسك أولا وانظر لثيابك وشعرك "
مرر أصابعه في شعره وقال " وما بي هذه الملابس تجدب
الفتيات أنظري كيف ينظرن لي "
ضيقت عيناي وقلت " كاذب ولن تنال مني "
قال بمكر " ستري بعينك "
وضع يده في جيبه وأما وقفته ونظر للجانب الآخر حيث تقف
فتاتين فابتسمتا له في الفور فأمسكت ذراعه وسحبته ووقفت أنا
في الجانب الآخر بينه وبينهما وقلت " لا وخبير في هذا الفن أيضا "
حضن كتفاي بذراعه وقال " ها ولتعلما أنك وحدك من يعنيني "
فمرتا حينها من أمامنا وقالت أحداهما " ما هذا الحظ الذي لديها "
وقالت الأخرى ضاحكة " هذا فوق أنها متشردة "
وضحكتا مبتعدتين وبدأت أنا بالبكاء فضحك وقبل رأسي وقال
" ما بك يا غبية فكل غرضهما إغاظتك لأنك أجمل منهما "
دفعته عني وقلت " لا وحفظت شكلهما درجة أنك بدأت تقارن "
سحبني جهة كرسي الانتظار وأجلسني وجلس بجانبي وقال
" الفرق واضح رغم مساحيق التجميل أنتي بطبيعتك أجمل
منهما بل من جميع نساء الأرض يا غيورة "
سحبت يدي منه وقلت " لست غيورة "
فانفتح باب الغرفة وخرجت منه إحدى الممرضات فتوجهنا
نحوها مسرعين فقالت " أين زوجها "
قال معتصم " ليس هنا ولا يستطيع المجيء الآن فما بها "
قالت " لابد من حضوره من أجل الإجراءات "
قال من فوره " هل ستجرون لها عملية ليوقع لكم أم ماذا "
نظرت لساعتها وقالت " شيء من هذا القبيل بسرعة أرجوكم
لن نستطيع فعل شيء من دونه فهذا المستشفى خاص كما
ترون والقوانين قوانين "
تأفف وقال " وهل نشق الأرض ونخرجه منها , الموجودة في
الداخل زوجة اللواء جابر حلمي وأنا شقيقه "
ثم أخرج بطاقته قائلا " وها هي بطاقتي لدينا نفس الاسم وهوا
مشغول الآن فأسرعوا أو تعرفون ما سيكون مصيركم منه "
أعطته بطاقته ودخلت للغرفة مسرعة وأغلقتها خلفها , بشر
يخافون ولا يقدرون , قال قوانين قال وهي تموت أمامهم
*
*
خرجت من مكتبي ليوقفني أحد رجالي قائلا " سيدي اتـ ... "
فقلت متوجها جهة السلالم " ليس وقته الآن ليستعد الجميع فقط
وما أن أخرج من عند الوزير سنبدأ التحرك أعلموا جميع
الوحدات التي تراقب الأهداف "
ثم صعدت للأعلى أقفز الدرجات قفزا ودخلت جناحي وكانت
كما توقعتها مستيقظة وجالسة على سجادتها منذ وقت فوقفتْ
وقالت ما أن رأتني " هل سافرا "
قلت بهدوء " قبل الفجر بقليل "
نظرت للأرض في صمت فتوجهت ناحيتها ووضعت يدي
على كتفها وقلت " سما أنتي من اختار له هذا وأعرف جيدا
فتاة بذكائك فيما تفكر , إن كنتي تحبينه فانتظريه أو التفتي
لحياتك وهناك الكثير يتمنونك "
لم تعلق بشيء ولم ترفع رأسها فقلت " سما "
نظرت لي وعيناها محمرتان من سجنها لدموعها فشددت كتفيها
بيداي وقلت " وجدنا دليل والدك بل نزار من وجده ليلة البارحة "
قالت بصدمة " وجدتموه "
هززت رأسي بنعم وقلت " وسيتلقون عقابهم قريبا وسترجعين
لعائلتك وحياتك الطبيعية فاستعدي ما أن أخرج من عند الوزير
ستبدأ مرحلة القبض عليهم جميعهم وستكون الليلة ساعة الحسم
وستكونين معي فلا مأمن منهم فقد يعلموا شيئا قبل حلول الليل "
قالت بتوجس " ولما تتركونهم حتى الليل "
تنهدت وقلت " هناك ترتيبات كثيرة علينا القيام بها فالأمر ليس
لعبا يا سما , العقيد سالم سيكون هنا حتى أرجع اتفقنا "
هزت رأسها بحسنا دون كلام ثم قالت بهمس " أعتني بنفسك جيدا "
ابتسمت لها وربتت على كتفها ثم خرجت من عندها وتوجهت
لغرفة زهور طرقت الباب ودخلت فوقفت من فورها وكانت
بعباءتها وحجابها فقلت " هل أنتي جاهزة "
هزت رأسها بنعم وقالت " ومن قبل الفجر "
قلت مغادرا " اتبعيني فالطبيب ينتظرنا "
خرجت بها من هناك وأوصلتها المستشفى أولا ورجالي يتبعونني
واطمأننت أنها دخلت غرفة العمليات ثم خرجت للوزارة فورا
ومعي الأدلة الجديدة وجميع الأسماء التي ظهرت حديثا وأهمها
رئيس شرطة الجمارك والرأس المدبر لكل شيء فآخر ما توقعته
أن يكون هوا وبما أن الوزير وعد أن الحق سيتم أخذه من المجرمين
مهما كانوا فسأقدم لهم كل شيء , رفعت هاتفي وقلت
" ماذا حدث معكم "
قال في الطرف الآخر " عممنا الأسماء في جميع المطارات
والمداخل والمخارج البرية والبحرية والرجال يقفون في كل
مكان منها والمجموعة مراقبة وكل الأمور تسير على ما يرام "
دخلت مبنى الوزارة وأوقفت سيارتي وقلت
" استعدوا إذا حتى تأتيكم إشارتي "
قال من فوره " حاضر سيدي "
نزلت من سيارتي وتوجهت على الفور لمكتب الوزير حيث
الجميع في انتظاري فهذا اليوم سيكتب لنا في التاريخ وسنخلص
البلاد من كابوس جرائم المصانع قبل أن يقطعوا عنقي , خطة
محبوكة لن يتمكنوا من اختراقها فهي نتاج عملي لأسابيع دون
نوم ولا راحة ولم أترك فيها ولا ثغرة بسيطة يخترقونها وإن
سرنا حسب مخططي لن يفر من قبضتنا أحد منهم وسنطهر
جهازي الجمارك والبحرية من مستغلي هذه المناصب لخدمة
أغراضهم الشخصية وإرعاب المواطن بدلا من حمايتهم
وقفت وقلت " أطلعتكم على كل شيء والتحرك سيكون بعد
ساعات أريد ما قلته أن ينفذ وساعة الصفر ستكون أول الليل "
وقف الوزير ليقف الجميع معه وقال وزير العدل " جميع الملفات
وصلت لي والمحاكمة ستكون عادلة ومنصفة للجميع فلا
ثغرة يخرج منها أحد "
قال نائب وزير الخارجية لأنه خارج البلاد " بلّغنا الوزارة في
الهند وستكون جميع الأسماء التي أرسلناها تحت قبضتهم ما أن
تصلهم الإشارة منا بعدما نتلقاها منك "
قال وزير الداخلية " اعتمادنا عليك يا رجل المهمات الصعبة
وجميع الأجهزة الأمنية تحت إمرتك فكن أنت حذرا يا جابر "
هززت رأسي بحسنا وجمعت أوراقي وخرجت من عندهم بعد
هذه الساعات الطويلة التي قضيتها معهم أُعلمهم بكل شيء ونناقش
كل ما سأفعل كي لا أُلام فيما بعد إن حدث أي اختراق في الأمر
نظرت لساعتي ثم ركبت سيارتي وتوجهت للمسجد صليت العصر
ثم خرجت وركبت سيارتي وفتحت هاتفي واتصلت بالجميع لأطمئن
على الأوضاع وكان كل شيء يسير على ما يرام ثم اتصلت بطبيب
زهور واطمأننت على حالتها وقال أن العملية ناجحة وخرجت منذ
ساعتين ولازالت تحت تأثير المخدر ثم اتصل معتصم لحظة وقوفي
بالسيارة أمام مكتبي وتحرك ناحيتي من كانوا ينتظرونني هناك
ففصلت عليه الخط وأرسلت له ( مشغول يا معتصم إن كان ثمة
أمر مهم فأرسله في رسالة )
ثم دسست الهاتف في جيبي وتوجهت نحوهم ودخلنا ندرس باقي
تحركاتنا ليسرقنا الوقت حتى مقربة مغيب الشمس ثم خرجنا ووقفنا
خارجا عند سيارتي وقلت " استعدوا سنعطي الإشارة للجميع سأذهب
لمنزلي وأحضر الفتاة من هناك وسأنظم للوحدة الأولى والأهم
وأكون معهم "
قال أسعد " هل ستأخذها معك !! "
قلت بجدية " نعم فلن تغيب عن ناظري وقت العملية والوحدة
الأولى تحتاجني لأن مهمتها الأخطر والأهم "
قال خليل " ماذا إن عرضتها للخطر بهذا "
ركبت سيارتي وقلت " لن أطمئن إلا وهي معي إما أن أموت
معها أو نعيش معا "
ثم أغلقت الباب وأنزلت الزجاج وقلت " استعدوا ما أن تأتيكم إشارتي "
ثم غادرت من عندهم وما أن وصلت المنزل حتى وردني اتصال
من أحد رجالي فأخرجت هاتفي وأجبت عليه فقال " تحركاتهم
باتت مريبة يبدوا أنهم اكتشفوا شيء ما سيدي "
نزلت من السيارة وفصلت عليه الخط ثم أعطيت الإشارة
لجميع الفصائل بالتحرك ودخلت المنزل وصعدت للأعلى قائلا
" عقيد سالم اسبقني حيث البقية وقادم معكم حالا "
قال بصوت مرتفع لأسمعه " هل قدمت وقت التحرك "
قلت وأنا أصعد آخر العتبات " نعم لقد اكتشفونا "
ثم صعدت للجناح وفتحت بابه وناديت " سما "
فخرجت لي من غرفتها فمددت يدي لها وقلت " تعالي معي
الليلة أنا وأنتي إما أن نعيش في مستقبل آمن أو نموت قبل النهار "
اقتربت مني راكضة وأمسكت يدي وخرجت بها لا بكاء لا
خوف لا كثرة أسئلة , امرأة أنتي يا سما وبمليون امرأة وأسأل
الله أن يقدرني على حمايتك أو لا أبقى بعدك حيا أجيب على
أسئلة من سيسألني لما قتلوها وهي في حمايتك "
خرجت بها وركبنا السيارة وانطلقنا واتصلت بالفصيلة الرابعة
التي بدأت مهمتها للتو فأجاب عليا وبالكاد أسمع صوته بسبب
الرصاص عندهم وما فهته منه أن مهمتهم تسير على ما يرام
ووصلتني حينها رسالة فتحتها فكانت من ذات ذاك الرقم وفيها
( الموت لك يا جابر حلمي )
فضغطت على أسناني بقوة لحظة اتصال العقيد سالم فأجبت عليه
وقال مباشرة " نحن مستعدون ونحاصرهم حاليا وننتظر أوامرك "
قلت " قادم حالا لا تتحركوا إلا بأوامري "
قال مباشرة " شقيقك يتصل بي طوال النهار "
تذكرت حينها فقط اتصاله ورسالته , نعم معتصم حتى أني لم
أفتح الرسالة , أنهيت الاتصال منه ووجدت رسالتين منه فتحت
الرسالة الأولى فكان فيها ( زوجتك في المستشفى تعالى بسرعة )
نظرت لها مطولا باستغراب , ما بها البارحة خرجتُ من عندها
وكانت بخير هل كل هذا من تأثير خبر زواجي فقط , لو كنت أعلم
أننا سنجد الدليل وتنتهي المشكلة ما أخبرتها ها قد سمعت نصائحهم
وجاءت النتائج , فتحت الرسالة الثانية وكانت منذ أكثر من ساعتين
ولابد وأنها رد على رسالتي وكان فيها ( أنت لست كفئ لتكون لك
زوجة وأبناء يا رجل الشعب فقط وإن كان يعنيك الأمر فابنتك
استفاقت اليوم وزوجتك حامل وجنينها في خطر )
وقفت حينها مكاني بالسيارة ونظرت لي سما وقالت
" لما توقفت هل هناك شيء "
بقيت واقفا أنظر للطريقين أمامي ... المهمة ورجالي أم زوجتي
وابنتي بل وابني الذي لم تكتب له الحياة بعد , أي جرم ارتكبته
بإخبارها ذاك الخبر وهي بهذه الحالة الصحية السيئة ولم أترك
لها ولا المجال لإخباري وكنت مستعجلا لأزف لها الخبر وأغادر
اتكأت على المقود بجبيني ووقف عقلي عند تلك النقطة عائلتي
ورسالة التهديد خالتي وأبنائي أرجوان وابنها سما والكثير غيرها
يعتمدون علي , ولم يخرجني من كل ذلك سوا ملمس يد سما
على كتفي وصوتها الهادئ قائلة " جابر هل أنت بخير "
رفعت رأسي وشغلت سيارتي واتخذت قراري ولففت جهة
اليسار في الطريق الدائري أمامي وقلت " بخير يا سما
ولا تبتعدي عني مهما حدث اتفقنا "
قالت بهمس " حسنا "
*
*
شعرت بخدر كبير في أطرافي وألم قوي في النصف السفلي من
جسدي وخرج أنيني متقطعا فشعرت بيد على كتفي وصوت
أحدهم قال " زهور هل تشعرين بشيء "
قلت بصعوبة " ماء "
فشعرت بيده ترفع رأسي قليلا ثم بشيء يلامس شفتاي ودخلت
المياه الباردة لجوفي ثم أعادتني تلك اليد حيث كنت ومسحت
على وجهي وشفاه قبلت جبيني وعاد الصوت مجددا ليقول
" حمدا لله على سلامتك يا قلب رضا وعيناه "
فنزلت دمعتي من طرف عيني لتمسحها أصابعه وفتحت عيناي
بصعوبة ووجدته جالس بجانبي ويدي في يده وقال مباشرة
" هل تشعرين بشيء هل أنادي الطبيب "
هززت رأسي بنعم فوقف من فوره وغادر الغرفة وعاد بعد
لحظات والطبيب معه واقترب مني وقال " حمدا لله على
سلامتك سيدة زهور هل تشعرين بشيء "
قلت بصعوبة " ألم قوي لم اعد أحتمل "
ربت على كتفي وقال " هذا طبيعي سنزيد لك جرعة المسكن
حالا , العملية ناجحة ولن تحتاجي لأخرى أبدا وجلسات
الأشعة سننهيها قريبا حسنا "
هززت رأسي بحسنا ونظرت للسقف وبدأ أنيني يخرج تباعا
فلم أعد أحتمل ذلك فقال رضا بقلق " بسرعة ألا تسمعها تتألم "
حقن المسكن في ذراعي وغبت عن الوعي سريعا والاسم الوحيد
الذي كان يتكرر على شفتاي هوا ( جابر ) فكلامه لي ونحن قادمان
لم يرحني أبدا وأشعر أنه في خطر خصوصا وهوا يختار أن
يكون رضا معي اليوم في العملية
*
*
دخلت المستشفى ركضا ويد سما في يدي بعدما أعطيت رجالي
الإشارة للتحرك فها قد اختار الله أن لا أكون معهم ولن أستطيع
ولن يطاوعني قلبي أن أذهب هناك وأترك اثنتين هنا لا أعلم
عن حالتهما شيئا , وصلنا حيث غرفتها ووجدنا بتول هناك
بعباءة أرجوان تلمها على جسدها واتجهتْ نحوي ما أن رأتنا
ونظرت لسما وقالت باستغراب " سما هذه أنتي ماذا
تفعلين هنا ومع جابر !! "
نظرت لي ولم تتحدث فقلت " اتركينا من كل هذا
وأخبريني ما بها أرجوان "
قالت في الفور " كادت تفقد جنينها وأنقذوه بصعوبة , لو لم
تأتيني بيسان وتخبرني لماتت من كثرة ما نزفت , هي الآن
أفضل بقليل والأطباء نصحوا بإبقائها لأن حالتها لا تسمح
بالخروج وهي تصر على أن تغادر , ماذا حدث لها البارحة
جعلها تنزف هكذا الطبيبة قالت أنها زارتها سابقا وأخبرتها
أن ترتاح فحالة جنينها صعبة "
مررت أصابعي في شعري ولم أعرف ما أقول ولا بما أعلق
كانت تعلم كما توقعت ومنذ أصيبت ترف وإن مات ابني سأكون
السبب , انفتح حينها باب الغرفة وخرج منه عمي منصور يساندها
لتسير وهي تخطوا الخطوات بصعوبة والمغذي ما يزال في يدها
ومعتصم يمسك القارورة ويدها الأخرى من ذراعها وأول ما وقع
نظره علي كان معتصم الذي أشاح بوجهه جانبا وتنفس بضيق وكأنه
يقول لي أين أنت من كل هذا شقيقك وعمك من يخرجانها وهما لا
يحلان لها فتجاهلته ونظرت لأرجوان بسرعة وكان نظرها مثبتا
على يدي التي تمسك يد سما بقوة ثم نظرت لعيناي بعينان متعبة
ودامعة نظرة ملئها حزن وخيبة أمل ثم أبعدت نظرها عني
وقالت بصوت ضعيف " أخرجاني بسرعة "
فتحركا بها وأنا جامد مكاني حتى ابتعدوا عنا بخطوات وكنت
سألحق بهم لحظة سقوط أرجوان من بين أيديهم على الأرض
فركضت نحوهم مسرعا وحملتها بين ذراعاي وعدت بها للغرفة
ووضعتها على السرير والجميع من حولي يتحدث حتى وتروني
فوق الضجيج الذي في رأسي فقلت بضيق " يكفي وأخرجوا "
فسكت الجميع لكنهم لم يتحركوا فقلت بغضب " أخرجوا جميعكم "
فخرجوا على صوت تذمر وتأفف معتصم ليخرج الصوت الذي
لم أسمعه معهم وهوا صوت سما قائلة بهدوء " هل أخرج "
كنت جالسا على قدماي أمام سريرها فالتفت لها وقلت
" لا ... قلت لا تبتعدي عني يا سما مهما حدث "
هزت رأسها بحسنا وابتعدت خلف الستار الموجود طرف الغرفة
لتبتعد عنا فعدت بنظري للجسد النائم على السرير وقد أنهك وجهه
التعب والمرض , فمسحت بيدي على شعرها وتنهدت بأسى
خسرت الكثير في حياتي يا أرجوان بسبب التضحيات فلا تكوني
من ضمن كل ما خسرت وعودي أرجوان التي أعرف وأردت أن
تكون لي من أول مرة رأيتها فيها تقف في وجهي وتقول لي ( لا )
بإصرار رغم علمها بمن يقف أمامها , جميعنا لازلنا نحتاجك أبنائي
وأبنك وحتى الواقف أمامك , مسحت بكف يدي على أسفل بطنها
أتحسس الشيء الذي جعلها تؤكد لي أنها لن تطلب الطلاق ولو
من أجله , ثم صعدت بها حتى يدها وأمسكتها بقوة وقبلتها وقبلت
عينها وقلت بهمس " سامحيني يا أرجوان "
ثم وقفت لحظة وصول رسالة لهاتفي فكانت من ذات الرقم
ونفس الكلام والتهديد فتوجهت جهة سما أمسكت يدها وخرجت
بها من هناك ومن المستشفى برمته لأني بث خطرا على جميع
المحيطين بي إن نفذوا تهديدهم , ركبنا السيارة واتصلت بالعقيد
سالم لكنه لم يجب , أتمنى أن لا يكون لقي حتفه مع البقية , نظرت
جهة سما الجالسة في صمت , لا أستطيع ترك هذه الفتاة ولا أخذها
معي هناك مصيرك من مصيري يا سما وأتمنى أن يكون خيرا من
أجلك قبلي , توجهت لمنزلي ونزلنا هناك ودخلنا فقالت من
فورها " لما أتينا هنا "
توجهت بها جهة الأريكة في الصالة وقلت " العملية بدأت من
أكثر من نصف ساعة ولا شيء لدينا سوا الانتظار إما رجالي
بانتصارهم أو أحد المجرمين ليقضي علينا "
ثم جلست وأجلستها بجانبي ننتظر مصيرنا المجهول في صمت
وهي متشبثة في ذراعي وكأني بصيص النور الوحيد في حياتها
أنا بث خطرا على الجميع إلا عليك يا سما فوحدك من عليه أن
يعيش معي أو يموت معي فلن أتركك لعصابة قد تنتهك شرفك
ولا يقتلوك أو عائلة والدك ليأكلوك حية , ويبدوا أنها تدرك ذلك
جيدا وتسلم نفسها للموت بنفسها , قلت بهدوء
" ألا تخافين من الموت يا سما "
قالت بهمس وهي لا تزار متشبثة بذراعي " لا "
نظرت لها وقلت " ولما فمن لا يخاف منه "
نظرت للأرض وقالت بحزن " لأنه لم يبقى لي شيء أتمسك
بالحياة من أجله , كل من أحبهم ضاعوا وآخرهم نزار وخالتي
أما أنت فمصيرك ومصري واحد "
مسحت بيدي على وجهها لحظة انفتح باب المنزل بقوة على
مصراعيه بسبب ضربة وجهت له
*
*
عدت للقصر وهي برفقتي مرغمة وتتأفف وتتذمر طوال الطرق
حتى وصلنا ودخلت وهي تتبعني قائلة " هل ارتحت بعدما
أحضرتني , أخبرتك أني لا أريد العودة ألا ترى حالتها "
التفتت لها وصرخت بكل صوتي " بتول أقسم أنها واصلة
معي حد الجنون فابتعدي عن طريقي "
فنظرت لي بخوف وصدمة فتأففت وصعدت وتركتها ودخلت
غرفتي وضربت بابها بقوة , يتزوج وممن من فتاة أصغر من
بتول ويحضرها معه للمستشفى وكأنه يريد أن يقضي عليها , لو
أفهم سبب جنونه المفاجئ حتى أنه لم يزر ابنته التي تسأل عنه
وعن والدتها منذ استفاقت رغم تألمها وصعوبة تنفسها , ويقول
بأن تصرفاتي طائشة فليرى نفسه وما يفعل
بقيت في الغرفة لوقت طويل أفرغ جل غضبي في الرسم أرسم
أشياء بلا معنى ولا أعلم لما والتلفاز خلفي ولا أسمع حتى ما
يقولون فيه لأنه بدون صوت ليخرجني من أفكاري صوت الطرق
القوي على باب الغرفة لأني أغلقتها خلفي بالمفتاح فتجاهلته
تماما لكن الطرق ازداد أكثر وسمعت صوت بتول الباكي
قائلة " افتح الباب يا معتصم بسرعة "
فرميت الريشة من يدي وفتحت لها الباب فدخلت بوجه محتقن
بالدماء ودموعها تنزل بغزارة وبدأت تتلعثم في الحديث ثم
ضربت خداها بيديها تبكي بحرقة وتقول
" مصيبة يا معتصم مصيبة "
فأمسكتها وهززتها بقوة وقلت " تكلمي ما بك يا
بتول ماذا حدث "
أشارت بإصبعها برجفة للتلفاز خلفي فالتفت من فوري لتقع
عيناي على الخبر المكتوب أسفل شاشته
( مقتل اللواء جابر حلمي في منزله في العاصمة )
لتجف جميع عروقي وتيبست مفاصلي وعيناي وكأني أحاول
رؤية شيء غير ما قرأت لأسمع حينها الصرخة المدوية من
بعيد وكان صوت والدتي لتصرخ بكل صوتها " لاااااااا ليس ابني "
نهاية الفصل