مر يومان آخران تبعا التي قبلهما وجابر لم يرجع ليصبح
الآن تاركا للقصر منذ أسبوع كامل ولم أعرف حتى طريقة
أصل بها لعمه منصور والجميع هنا ممنوع من مغادرة القصر
أمسكت هاتفي لوقت طويل وأنا بين شد ورد لا أعلم ما سأفعل
ومترددة كثيرا فيما أفكر فيه ، وبعد جهد مع نفسي حسمت الأمر
بين قلبي وعقلي واتصلت به لكنه لم يجب فجربت الثانية والثالثة
وبلا فائدة فأرسلت له ( جابر أجب ولو افتح الخط وأغلقه )
اتصلت بعدها وبلا نتيجة فأرسلت له ( طمئنا عليك على الأقل )
انتظرت قليلا ولا رد فرميت الهاتف ألعن نفسي وقلبي ... سحقا
لكما تستحقا ما نحن فيه الآن هل ارتحتما ، خرجت بعدها من
الغرفة وتوجهت لغرفة الفتاتين لكني لم أستطع الدخول وأشعر
بحريق في قلبي وعبثا سأحاول إخماده فغيرت طريقي وبحثت
عن سيلا حتى وجدتها وقلت ما أن رأيتها " سيلا جِدي حلا كيف
تعلمي من خادمة عمتي إن كانت تتصل بجابر أو يتصل بها "
هزت رأسها بحسنا وغادرت في صمت وعدت أنا أدراجي
وصعدت للأعلى وعدت جهة ممر الغرف لأفاجأ بوالدته أمامي
وقالت بحقد " هل ارتحت الآن بعدما هججتِ ابني من القصر "
قلت ببرود " ابحثي عن السبب الأساسي لأنه ليس أنا "
قالت بجمود وتغطرس " أنا وأنتي لن يشملنا هذا القصر وإحدانا
تخرج منه فأرني أفعالك لأنك أيضا لم تري أفعالي بعد "
قلت مجتازة لها " أخبرتك سابقا أن لا تتعبي نفسك بالتخطيط "
وعدت لغرفتي دخلتها وأغلقت الباب وجلست على السرير
أمسك دموع القهر كي لا تخرج فطرق أحدهم باب الغرفة
ثم دخلت سيلا وأغلقته خلفها وقالت " لا يتصل بها
ولا يجيب على اتصالاتها "
بقيت أنظر لها بجمود وعقلي بدأت تعصف به الأفكار ، هوا
يتجاهلها هي أيضا إذا ولكن لما هل كله غضب منا وهج كما
قالت أم به مكروه !! ولكنها قالت أنني سبب عدم عودته وهذا
يعني أنها تعلم أنه بخير فمؤكد تكلم معتصم وعمه ، آه أجل
عمه أمسكت بهاتفي ثم نظرت لسيلا الواقفة مكانها وقلت
" يمكنك المغادرة يا سيلا شكرا لك "
خرجت من فورها واتصلت أنا برقم عمه الذي اتصل بي
به سابقا فأجاب سريعا فقلت من فوري " أين جابر يا عم
هل هوا بخير "
قال من فوره " هوا بخير اطمئني ويبدوا أنك لم
تستطيعي الخروج لمنزلي "
قلت بصوت منخفض " الحراس يمنعون خروج الجميع
إلا بأوامر من جابر وأنت طلبت مني أن لا أخبره
و ... وهوا لا يجيب على اتصالاتي "
قال " سأتدبر الأمر معه وما أن تأتيك الإشارة مني تأتي
لمنزلي ولكن لا تدخليه كي لا يراك أحد من عائلتي "
تسارعت دقات قلبي وقلت " ماذا هناك أخفتني "
قال من فوره " لا شيء يستدعي الخوف اطمئني لأني فقط
لا أريد أن يعلم جابر بأني استفردت بك وأنه ثمة حديث دار
بيننا وستفهمين كل شيء ما أن تأتي , وداعا الآن
واتركي هاتفك قريبا منك "
ثم أنهى الاتصال وتركني كمركب تعصف به الأمواج ولم
أجد ولا حتى احتمالات أضعها أمامي عما يريد قوله لي
خرجت بعدها من غرفتي وتوجهت لغرفة الفتاتين وجلست
معهم يشاهدون التلفاز وأنا جالسة جسد بلا عقل وكل ما
أفكر فيه موضوع عمه وما يريد
*
*
بعد ذاك اليوم أو تلك الليلة تحولت زهور لكتلة من الصمت
تتحرك في الشقة وكأننا ببتول جديدة ظهرت الآن فهل
سنحتاج لجابر أيضا ليجعلها تنطق , توجهت نحوها وهي
في المطبخ ووقفت عند الباب وقلت " زهرتي دعينا نتحدث
بروية وسأعتبر كلامك سابقا عن الانتقام مني لم أسمعه
لأنك لن تنجحي في ذلك صدقيني "
لم تتكلم فجربت أن أستفزها أكثر وقلت " لن يصدقك أحد
وسأتزوج بأخرى من أي مكان وتحمل مني وتنجب "
نظرت لي نظرة سريعة وكانت ستقول شيئا ثم تجاهلتني
وعادت لتحميص الخبز فاتكأت على حافة الباب وقلت
بابتسامة ماكرة " هذه المرة سأتزوج بواحدة سمراء بشعر
أسود وعينان سوداوان بدينة وقصيرة وقبيحة أيضا "
أولتني ظهرها ولم أفهم لما فتابعت " ليس لأقهرك بها طبعا
لكن لأجرب جميع الأصناف فبعدها سأتزوج بواحدة وسط في
كل شيء ما رأيك بأن تكون عيناها عسلية أم خضراء أو
أممممم ..... "
قالت بضيق " توقف يكفي أوجعت لي رأسي "
قلت بمكر " أوجعت رأسك أم قلبك "
التفتت لي وقالت بحدة " أخرج واتركني وحدي
ابتعد عني لما لا تفهم "
قلت ببرود " حسنا الخضراء يبدوا لم ترق لك "
ثم تابعت بابتسامة " نبقى على العسلية والشعر بني آه
كم أحب الشعر البني كشعر ..... "
صرخت وهي تغلق أذنيها قائلة " أصمت توقف يا رضا "
توجهت نحوها وأبعدت يداها عن أذنيها وقلت " في تلك البلاد
رأيت من كل صنف ولون ورأيت الرجال العرب وما يفعلون
هناك وكل كلامهم كان ( ما في الأمر استمتع يا رجل ) لكن لم
تستهويني لا الشقراء ولا السمراء ولا الحنطية ولا أي امرأة غير
التي تركتُ قلبي معها وسافرت كنت أراك في كل النساء فإن لم
تكن أنتي لم تحرك بي شعرة فأول قبلة لي كانت لشفتيك وأول
امرأة ألمسها لمسة ترسل عقلي للجنون هي أنتي , كلمة حبيبتي
التي ترجف الحواس لم تخرج من شفاهي سوا لك لكنك أتعبتني
يا زهور وأقسم أنه كلما زاد تعبي معك زاد حبي لك "
كل هذا وهي رأسها للأسفل ورسغاها في قبضتاي تستمع دون
تعليق فقلت بهمس حزين " ليتك تقتليني يا زهور فلو خيروني
في موتي لاخترته على يديك وكي لا أعيش وأنتي بعيدة عني "
وما أن أنهيت جملتي إلا وهي مرتمية في حضني تبكي بحرقة
فطوقتها بذراعاي وشددتها لحضني بقوة وتركتها تفرغ باقي
ألمها فيبدوا أنه أكثر مما أتصور ويحتاج لوقت أكبر مما كنت
أتوقع , بكت كثيرا وبكت طويلا تستل عروقي مع كل شهقة
تخرج منها حتى هدئت وقالت بأسى " خذلتني فيك يا رضا
لماذا فعلتها وأنا أحببتك حد الإدمان "
أغمضت عيناي بقوة وألم وزدت من احتضاني لها ثم قبلت
رأسها وقلت " أعطني فرصة يا زهور فقط فرصة أصلح كل
ذاك الظلم الذي رأيته مني وبسببي أعطنا فرصة واحدة فقط "
قالت بعبرة " انتهى الوقت ولا مجال لإصلاح أي شيء لقد
أضعتني ولا حل سوا أن تضيع مثلي "
أبعدتها عني وأمسكت وجهها وقلت " ماذا حدث لك يا
زهور ما معنى ما تقولينه "
أبعدت يداي بعنف وخرجت من المطبخ راكضة وإلى
الغرفة فورا ثم لسجنها الدائم وهوا الحمام بالطبع
*
*
كنت جالسة مع ترف وهي في حديث طويل تلعب بالماء
في حوض الاستحمام حين رن هاتفي وخرجت له مسرعة
وكان رقم عم جابر وتوقف ما أن وصلت وهذا يعني أنه عليا
الذهاب الآن , عدت للحمام وأمسكت ذراعاها وأخرجتها من
الماء وهي تقول " ماما ألست ستتركينني هذه المرة كثيرا "
لففتها بالمنشفة وقلت " في المرة القادمة الآن جد شيء
والوعد يبقى وعدا بنيتي وسأتركك تلعبين بالماء كثيرا "
المسبح الآن عاد حلما كما كان بما أن جابر ليس ظهرا لي هنا
وعدنا كما كنا لا ماء سوا في الحمام ولا خروج إلا للشرفة
ألبستها ثيابها بسرعة وخرجت بحثا عن سيلا وأوصيتها بالأولاد
ثم لبست عبائتي وحجابي وخرجت وما أن صرت خارج الباب
حتى قال أحد الحراس " لمنزل السيد منصور أليس كذلك "
هززت رأسي بنعم فهز لي رأسه أيضا وخرجت وتوجهت
لمنزلهم من فوري ووجدت الباب الخارجي مفتوحا فدخلت
لأجده ينتظرني هناك فقلت ما أن رأيته " مرحبا عمي "
قال مبتسما " مرحبا يا أرجوان كيف حالك "
قلت مبادلة له الابتسامة " بخير إن لم يكن ما تريدني
لأجله سيئا ويخص جابر أو أحد الأولاد "
تحرك قائلا " خيرا خيرا اتبعيني "
تبعته كالأطرش الأبكم لا أفهم شيئا , دار بي خلف المنزل
حيث طاولة وكراسي هناك غير التي في الأمام فيبدوا هذا
الرجل يعشق الجلوس في الحديقة , جلسنا هناك وقال من فوره
" أرجوان ما سأقوله لك الآن لا أحد يعلم به غيري وجابر
وبسبب ما سمعته عنك وخصوصا منه نفسه سأؤمنك
عليه أنتي أيضا "
قلت بحيرة " ما الذي سمعته من جابر عني "
قال مبتسما " هذا فقط ما شدك في الموضوع "
أحسست بحرارتي ارتفعت من الإحراج وهربت بنظري منه
للأرض فتابع " أنا أحب جابر وكأنه ابني وليس ابن شقيقي
ولا أريد أن ينهار زواجه هذا كزواجه السابق "
بقيت على صمتي أترقب بفضول وحيرة ما سيقول فتابع
" والدة جابر ليست والدتهم "
انفتحت عيناي على اتساعهما من الصدمة وخرجت مني شهقة
لا إراديا وقلت " ماذا !! كيف ليست والدتهم "
قال من فوره " هي خالتهم "
بقيت أنظر له كالتمثال الحجري دون حتى أرمش فتنهد وأنزل
رأسه وقال بشرود " ما سأحكيه لك الآن عمره سبعة وعشرون
عاما منذ كان جابر في العاشرة وزهور عمرها أربع سنوات
ومعتصم حديث ولادة في يوم مأساوي تحطمت فيه طائرة
ركاب , حادثة لا زالت تذكر في التلفاز حتى الآن
رغم أنها كانت قبل أن تولدي أنتي "
قلت مباشرة " نعم سمعت عنها كثيرا "
نظر لي وقال " في تلك الرحلة كانت والدة جابر وخاله
وزوج خالته التي هي والدته الآن وأبنائها الثلاثة عماد
وندين وعثمان وجدة جابر أم والده "
وضعت يدي على فمي من الصدمة وقلت بأسى
" ماتوا جميعهم وفي نفس اليوم "
هز رأسه بنعم وقال بحزن وشرود " كانت فاجعة أكثر من
كونها حادثة , لم نكن نعيش هنا كان سيد شقيقي والد جابر
يعيش في الخارج كما عائلة والدته جميعها فهوا عرفها
هناك وتزوجها "
قلت " تعني أن والد جابر تزوج خالته "
هز رأسه بنعم وقال " ولأن جابر كان في العاشرة فهوا
يعرف جيدا أن والدته ليست السيدة نادية والدته الحالية أما
زهور فيستحيل أن تتذكر , كانت تحمل بعض الذكريات
في صغرها لكنها نستها سريعا وتأقلمت مع الوضع "
قلت بحيرة " ولما لا يعلمون عنها ولا يعلم أحد "
تنهد تنهيدة طويلة وقال " كانت الصدمة كبيرة على خالتهم
فقدت أبنائها الذين أنجبتهم وكانت متعلقة بهم حد الإدمان وكأنه
لم ينجب أحد غيرها وفقدت زوجها ووالدته وشقيقها وشقيقتها
مما جعل صدمتها أشد وأشد وتعبت نفسيتها وكانت أحد نزل
المستشفى النفسي لأشهر حتى أشار عليهم الطبيب الذي نقلوا
له حالتها في الخارج أن يزوجها سريعا وتنجب أبناء لأنها لن
تصدق ما يقولوه إلا بأبناء آخرين لأنها ستعيش حاضر جديد
منفصل عن ماضيها وبذلك ستنسى ولأن حالتها كانت صعبة
ويستحيل أن تتزوج وقتها وأبناء شقيقتها كانوا فيما يقارب أعمار
أبنائها فأول ما حدث عندما تحسنت قليلا وأخرجوها للمنزل أن
ركضت جهتهم وضمتهم لحضنها وبكت ذاك اليوم بكاء أبكانا
حتى نحن الرجال وهي تضنهم أبنائها لم يموتوا وكانت تبكي
وتصرخ وتضحك في آن واحد وتقول لنا ( انظروا ألم أخبركم
أنكم كاذبين وأنهم لم يموتوا )
ولو لم يشرح لي الطبيب عن حالتها حينها وكيف صور لها
عقلها أنهم أبنائها ما صدقت ما يحدث أمامي رغم أنهم لم يكونوا
يشبهوا أبنائها ليكون قد اختلط عليها الأمر , فنسيت شقيقتها
وزوجها وما باتت تقتنع به أن هؤلاء أبنائها وأن والدهم زوجها
ومشهدها ذاك اليوم يذيب الحجر فكيف بقلوب بشرية فما كان
من والد جابر إلا أن قرر فورا أن يتزوجها وأن تموت قصة
أبنائها معهم ومن أجل ذلك عاد هنا كي لا يواجهها أحد بالحقيقة
وعاشت معم ولا يعلم سرهما غير عائلتها وأنا وجابر لأنه كان
من المستحيل أن نكذب على فتى في العاشرة وخصوصا جابر لأنه
كان بذكاء فاق سنه بعشرات الدرجات , صحيح أني تعاطفت معها
لكني عارضت شقيقي بادئ الأمر فيما قرر فهي تبقى امرأة مريضة
عاشت الصدمة قد تؤدي أبنائه أو تؤذي كل من قد يتعرض لهم لكنه
لم يستمع لي وقال أنه ما من بشر يمد للبشرية بصلة يرى أنه بيده
إخراجها من حالتها ويقف يتفرج وما أن تنجب أبناء مني ستنسى
كل شيء كما أشار الأطباء وحينها سيسهل علينا أن نقول لها أن
هؤلاء ليسوا أبنائك لكن العمر لم يسعفهم فقد أجهضت بادئ الأمر
مرارا بسبب الأدوية والتوتر النفسي الذي احتاج وقتا لتشفى منه
وتوفي بعدها شقيقي سيد وكانت وفاته بعد زواجهما بعام وبعد
الحادثة بقرابة العامين ليظهر أشقائي الثلاثة يطالبون بالوصاية
على أبنائه وأمواله وبدؤوا يتقاسمون أملاكه أمامنا وفي الأسبوع
الأول من موته ولم يعارضهم غيري وشقيق والدة الأبناء أي خالهم
والوقفة الكبيرة التي لم يتوقعها أحد كانت من السيدة نادية ولا زال
المشهد الثاني الذي لم أنساه وهي واقفة أمام أعمامهم تضمهم لها
وتقول بحدة ( أقسم أن أقتل كل من يقربهم أو يقرب أموالهم )
وحولت سريعا كل أسهم سيد رحمه الله وشركتيه لأموال وجمدتها
في المصرف ولم تبقي سوا العمارتين تصرف عليهم من إيجارهما
ولو لاحظتِ لم يستلم أبنائه أعمال والدهم جابر درس وتخرج على
رغبتها هي حبا لها واحتراما لما فعلته فكم عانت من أشقائي حتى
أنهم هددوها وأخافوها في الليل وأرسلوا من يتهجم عليهم في القصر
ولم يتركوا شيئا لم يفعلوه وحتى المحاكم جرجروها فيها لسنوات
ووقفت هي لكل ظروفها كالجبل القوي الشامخ ليتحول خوفها
عليهم لتحكم وكما تري حالها أمامك "
هززت رأسي وقلت بحيرة " وكأني في فيلم وليس واقع "
تنهد وقال " جابر كان كبيرا ويعرف كل ما يجري حوله ورغم
أنه يعلم بحالتها وأن حبها لهم ضنا منها أنهم أبنائها لكنه لم ينسى
يوما ما عانت من أجلهم وما فعلت وعاهد نفسه على احترامها
وتلبية رغباتها ما عاش في هذه الحياة ورغم ما ناله من دمار في
زواجه السابق بسببها إلا أنه لم يقل لها يوما أنتي لست والدتي أو
لا علاقة لك بي حتى أني عاندته كثيرا كي على الأقل لا يسمح لها
بأن تدمر حياته وتتحكم بها لكنه رفض وفتحت معه هذا الموضوع
بعد زواجه بك مخافة أن يكون مصيره كسابقه لأنه بعد حسناء قرر
أن لا يتزوج من أجلها هي لكنه عارضني وقال أن زوجته هذه
التي هي أنتي مختلفة عن حسناء وأنك بعقل كبير وقدّرتِ ظروفه
دون أن تعلمي لأني طلبت منه أخبارك بالأمر فعارض وقال لي
بالحرف الواحد ( أرجوان الزوجة التي كنت أريد أن تكون زوجتي
تفهمني دون أن أتحدث وتتفهم ظروفي دون أن أخبرها فامرأة
ربت أبنائي بتلك الطريقة لن تتصرف بجنون وصغر عقل بسبب
تصرفات خالتي ولن يخرج سرها أبدا كما عاهدت نفسي وأهلها )
امتلأت عيناي بالدموع وقلت بأسى " ليثه كان أخبرني لكان
أرحم من أن نصل لما وصلنا له وكنت سأقدر الأمر وأموت
ولا أخبر عنها "
هز رأسه وقال " ولهذا أنا جلبتك هنا وتحدثت معك لأني لا أريد
أن تتكرر مأساة جابر و يعيش وحيدا لباقي عمره ولم أنسى ما
حدث يوم طلاق زهور وجاءتهم شبه ميتة بسبب ضرب ذاك الحقير
زوجها لها وتعرضت نادية لنوبة نفسية وتذكرت الحادثة وأبنائها
ومرت على جابر أيام تعب فيها كثيرا بسبب مرضها وهذه المهملة
الا مبالية التي تريها أمامك إن تعرض أحدهم للخطر أمامها تعود
لحالتها بل أسوء ويزداد خوفها عليهم وتضيق الخناق حولهم أكثر
ضنا منها أنها تحميهم "
مسحت دمعتي وقلت بحزن " لكن هذا ظلم لهم أكثر منها كيف
تتركون امرأة تعاني حالة نفسية كهذه تدمرهم فحتى معتصم
وبتول سيمران معها بنفس التاريخ الذي مر به جابر "
هز رأسه بلا وقال " جابر شيء مختلف بالنسبة لها لا تريد أن
تتحكم به أي امرأة ولا أن يحبها فقد صنعت منه الرجل الذي
تريد درس الشرطة بناء على رغبتها ودخل سيرك التحقيق بناء
على رغبتها أيضا ورغم رتبته العالية جدا أصر على البقاء في
عمله فهل تري الشرطة في البلاد بجميع مجالاتها وتخصصاتها
جابر أوامره سارية عليهم ولا أحد يناقشه سوا الوزير أو الرئيس "
قلت بهدوء " لهذا إذا هوا لا يسافر بالطائرة "
هز رأسه بنعم وقال " أجل وأخويه أيضا لأن عواقب الأمر
ستكون سيئة على خالتهم إن ركب أحدهم الطائرة "
بقيت أنظر له بضياع ودموعي تصارعني للنزول وقلت ببحة
" وهل كان سيتركها جابر تدمر حياته دائما "
تنهد وقال " جابر يحترمها بل ويحبها ولم ينسى ما فعلت من
أجلهم ولم يكن يعارضها في شيء احتراما وحبا لها وتقديرا
لحالتها المرضية لكن شقيقيه لم يكونا يريا الأمر كما يراه هوا
معتصم تمرد عليها كثيرا وزهور فتاة صعُب عليها تقبل كل ذلك
فصنعت منها إنسانة انعزالية منذ طفولتها فحتى الناس لا يرونهم
تخشى أن يأخذوهم منها أو يصيبوهم بأعينهم كما كانت تقول ولم
تزوج زهور إلا وهي فيما فوق العشرين بسنوات رغم أنه كان
الخاطبين يتهافتون عليها تهافتا لحسنها وكل من تقدم لها أظهرت
فيه عيبا ورضا زوجها الآن خطبها حتى حفي ولم توافق عليه
وكانت تقول أن ابنتها لا يأخذها أي أحد , آخر الأمر وقف جابر
لها لأن الموضوع تخطى المعقول كما كان يقول وخيرها بين
آخر من خطبوها لتوافق على أحدهم وهي اختارت لها زوجها
السابق أسامة الذي كان ضابطا في الجيش "
اتكأت بجبيني على كف يدي وغبت بنظري لعشب الأرض بل
انفصلت بعقلي عن الحاضر وكل ما حدث يعود أمام عيناي
كالشريط , لهذا كان دائما يقول لي قدّري مشاعر والدتي يا
أرجوان ومشاعري كابن لها , هكذا أريدك يا أرجوان ولا
تهتمي لأي شيء تقوله لك ولا تجاريها في الكلام , بل فهمت
الآن معنى آخر كلامه معي عن البلاء الذي هوا فيه ولما قال
أنه تزوجني من أجلي من أجل قلبي وعقلي مستقبلا هوا خاف
أن يتكرر ماضي خالته معي بل لهذا أراد أن أنجب أطفالا
وقال أنه من أجلي فهوا فكر لو أنه أصاب أبنائه مكروه سأجد
من ينقدني من الصدمة وأذكر أني قرأت مرة عن هذا وأنه الأم
التي يموت جزء فقط من أبنائها تكون أقل عرضة لمثل هذه
الحالات من الصدمة عن التي يموت أبنائها جميعهم لكن هذا لا
يحدث مع جميع النساء فيبدوا أن ما عاناه جابر ورآه من معاناة
خالته جعله متخوفا من هذا الأمر بل تكتم حتى عن أمر حسناء
وأنها شقيقتي لذات السبب , يا الهي كيف استحملت كل هذا فأنا
لا أتخيل أن يصاب أحد أبنائه بمكروه وأول ما أرجحه أني سأفقد
عقلي فكيف أن يكونوا أبنائي ! لا ووالدهم معهم وشقيقي
وشقيقتي هذا شيء لا يمكن لبشر أن يتحمله
ولهذا قال يومها ليس لأني لا أريد الحب أو لا أستطيع لكن
لا أقدر لا يخدم ذلك مشاكلي وحياتي والآن فهمت معنى هذا
لا يريد أن يربطني ويربط نفسه بكلام لن يستطيع أن يكون
عند تطبيقه وسأُذكره يوما أين حبك لي أين كل ما كنت تقوله
أو أرى أني صرت بالنسبة له كل شيء وتكثر مشاكلي مع
خالته وأقحمه فيها لذلك قال ما قال لأفهم أني وهي وأبنائه
وعائلته في نفس المقام لديه , أخرجني من أفكاري صوت
عمه قائلا " لهذا أردت أن أقول لك كل شيء يا أرجوان لا
أريد أن يخسرك جابر وأبنائه وأن يبقى وحيدا يربيهم لآخر
عمره بل سيتعرضون للظلم كما تعرضوا له هم وتمارس
عليهم جدتهم أمومتها بطريقتها الخاطئة التي يصورها لها
عقلها , هي لا تريد أن تقول أن كل ما تمانع فعله بسبب
خوفها عليهم تخشى حتى أن يقع الأطفال من المراجيح أو
يغرقوا في المسبح وجابر بالتحديد تخاف عليه أكثر من أخويه
وأبنائه لذلك تغطي خوفها بأنها أمور لا تليق بأبناء الأثرياء
وأنها لا تجوز وهي لم تكن هكذا أبدا مع أبنائها الحقيقيين ولم
تكن بهذا السوء والتغطرس كانت شابة جميلة وهادئة وحنونة
تحب الجميع فكيف بأبنائها "
رفعت رأسي ونظرت له وقلت " وهل هي كانت
سبب هروب شقيقتي حسناء "
هز رأسه بنعم وقال " تركت رسالة لجابر قبل فرارها وقالت
له فيها أن والدته تهددها بأبنائها وأنها ستقتلهم فهربت بهم
وساعدها والدك لكن الموت كان حليفها سريعا فهي من بعد
ولادتها بترف تعبت كثيرا وماتت بعد هروبها بفترة قليلة جدا
وباقي الحكاية لديك فحافظي على زوجك وبيتك من الانهيار يا
أرجوان ولو لم أكن متأكد منك ومما سمعته عنك من الجميع
ما سلمتك هذا السر فلا يخرج من فمك حرف منه مهما طال
بك العمر أو حدث "
هززت رأسي بقلة حيلة وقلت " لكن هذا ظلم لهم كان عليكم
أخبار زهور ومعتصم فأن يعرفوا الحقيقة أفضل من أن
يعيشوا في كذبة تجلب لهم التعب بجميع أشكاله "
قال بهدوء " جابر رفض ومعه حق فلن يضمن أحد تهور أحدهم
معها في الحديث إن وصل به الغضب أقصاه فكلمة أنهم ليسوا
أبنائها وحدها كفيلة بأن تجعلها تنهار , كما أن جابر رفض أن
يرمي بها في مستشفى الأمراض النفسية ويرى أن جميلها فوق
رأسه ومستعد أن يتحمل ويبحث عن الحلول من كل مكان ولا
يفعل ذلك وهوا على اتصال دائم بطبيبها ويتابع معه حالتها
ولقد حذره كثيرا من وقوفه أمامها معك وفي صفك ضدها وأن
يكون من ورائها وللضرورة كي لا يتكرر ما حدث مع حسناء
وتصبح عدائية أكثر "
وقفت في صمت فوقف وقال " كوني عند ظني بك يا أرجوان "
ابتسمت له ابتسامة حزينة وقلت " أخشى أن الأوان قد فات
فجابر ترك القصر وأنا طلبت منه الطلاق مرارا "
تنهد بأسى وقال " لكنه لم يطلقك وجابر لا يتمسك بشيء لا
يريده أنا أعرفه جيدا فحتى نفسيته تغيرت بعد زواجه بك "
هززت رأسي بحسنا وقلت " شكرا لك يا عمي لن أنسى هذا
لك ما حييت أعلم أنه من أجل ابن شقيقك وأبنائه
لكن ثقتك بي وحدها تكفي "
ثم غادرت عائدة للقصر ودهني ليس معي أسير كالدمية
ولازلت أحاول ترجمة كل ما سمعت منه وحدث سابقا
ترى هل فكر جابر ذاك اليوم أن يحكي لي كل هذا لذلك
كان مترددا ومتوترا , مررت بكرسي عمتي وكانت جالسة
عليه تنظر لي بجمود لكن نظرتي لها لم تكن كالسابق لا أعلم
نظرة رحمة لحالها أم خوف فهذه قد تصبح مؤذية حد أن تقتل
وحتى القانون لن يأخذ لي بحقي منها لأنها مريضة وفهمت
الآن سبب جهاز المراقبة الذي وضعه جابر هنا وكل وضيفته
داخل القصر , هوا خائف أيضا من تبعات مرضها عليها
صعدت السلالم وتوجهت لغرفتي وقفت أمام بابها ثم غيرت
وجهتي وذهبت لجناحنا فتحه ودخلت وكان عطره أول من
استقبلني , مغفلة يا أرجوان وتسرعتِ ولم تخطأ سوسن حين
قالت أنني تحولت لغبية فجأة فكلامه كان واضحا دائما وهوا
يقول ويكرر لا ترفعي أي شيء من كلامها ولا تكرريه ولا
بينك وبين نفسك لكني لم أكن أفكر سوا بنفسي أريد رجلا لا
يمكن أن أجده في جابر حتى لو لم تكن له هذه الحكاية المأساوية
فكيف وظروفه تخنقه من كل جانب , فهمت الآن لما ليس سيئ
طباع لا يضرب ولا يشتم وله مواقف نبيلة حتى مع والدتي
لكني لم أكن أرى سوا عيوبه وأراه مستبدا منتهزا لا يفكر سوا
بنفسه وراحته ويضع الأحمال على عاتقي وتزوجني لأربي
أبنائه ويريد أبناء مني ليكثروا أولاده ليس إلا لكني كما قال
أفكر في نفسي فقط بينما هوا يفكر بي وبمستقبلي
لم أستطع أن أخطوا أكثر وأدخل الغرفة فخرجت راكضة
وعدت لغرفتي هناك دخلت وأغلقت الباب وبقيت مع دموعي
وبكائي حتى خيم الظلام
*
*
سمعت صوت رسالة في هاتفي فركضت نحو السرير وقفزت
عليه , لابد وأنها من سما فهي لم تجب عن اتصالاتي , فتحتها
مبتسمة لتموت ابتسامتي حين قرأت اسم معتصم ففتحتها وقرأتها
فكان فيها ( هل توافق أمريتي على الخروج معي )
أول ما خطر في بالي قبلته تلك وكلماته فهززت رأسي
بقوة وأرسلت له ( لا )
فأرسل فورا ( ظالمة ومتجبرة على قلبي المسكين الذي يحبك )
أرسلت ( أخاف أن ألتصق بك لتصبح ملطخ بعلكة بالفراولة )
كنت أنتظر رده ففاجئني باسمه على الشاشة ( معتصم يتصل بك )
كنت سأرمي الهاتف و أتجاهله لكني غيرت رأيي وأجبت عليه
فقال مباشرة " اشتقت لك علكتي "
قلت بضيق " لست علكة كم مرة سأقولها لك "
قال بصوت مبتسم " مشكلتي أني أحب تضايقك من
قولي لها فما سأفعل بنفسي "
قلت ببرود " خطة فاشلة "
ضحك وقال " أقسم أنها حقيقة "
قلت بحدة " وتقولها بصراحة تحب إزعاجي ورؤيتي
مقهورة .... ونِعم الزوج حقا "
ثم أبعدت الهاتف بسرعة بسبب صرخته الضاحكة في أذني
وأعدته وقلت بضيق " أحمق كدت تسبب لي الطرش هل
أخبرك أحد قبلي أنك مجنون "
قال ضاحكا " لا يهم المهم أنك نطقتها أخيرا "
قلت بحيرة " نطقت ماذا !! "
ضحك كثيرا ثم قال " تذكري آخر كلامك لي "
قلت ببرود " نسيته فأعده أنت يا ببغاء "
ضحك وقال " مقبولة منك ... قلتي بالحرف ونِعم الزوج حقا "
شعرت أنني تحولت لبومة من صدمتي بل من غبائي
وحماقتي فتداركت الأمر وقلت ببرود " كاذب أنا لم أقلها "
قال ضاحكا " بلى قلتها واعترفتِ أخيرا أني زوجك
أحبك بتول رغما عن أنفك أحبك "
قلت بهدوء حزين " كاذب وتكذب عليا دائما وتريد أن
تتزوجني لتسخر مني أمام الجميع وتنتقم من أفعالي بك "
قال بهدوء " اقسم أقسم وأقسم أني أحبك فراولتي ولن
أرتاح حتى تكوني في حضني "
قلت ببرود " وقح دائما "
ضحك وقال " زوجتي ويحق لي فلما المانع "
قلت ببرود أشد " لست زوجتك "
ضحك مجددا وقال " بلى واعترفت بنفسك "
قلت مباشرة " لا أعترف بها أيضا "
تنهد وقال " بتول دليني على حل لحالنا أفعله مباشرة
أقسم تعبت من شوقي لك وبعدك عني "
قاطعته بضيق " أصمت يا وقح كم مرة قلت لا
تقل لي هذا الكلام "
قال باستياء " لمن أقوله إذا للجدران أم لأعمدة النور أم
لامرأة لا تحل لي أتغزل بها في الهاتف "
قلت ببرود " تلك مشكلتك "
قال " حسنا أعطني رقم إحدى صديقاتك "
قلت بصدمة " ماذا هل جننت أم ماذا "
قال ضاحكا " ولما لا أم أنك لا تريدي أن يقولوا أن زوجك
يغازل في الهاتف ظننتك لا تعترفين بي زوجا "
قلت بتذمر " معتصم أتعبت لي رأسي ماذا تريد وانتهى "
قال " يا حبيبة معتصم وقلبه وعيناه أنتي المتصلة
وليس أنا فماذا تريدين "
نظرت للهاتف بصدمة وأغلقت عليه الخط ثم ضربت به
رأسي واتصلت به مجددا وقلت ما أن فتحه " كاذب أنت
من اتصل وليس أنا "
سمعت حينها صوت لرجل لكن ليس صوته قائلا
" عذرا يا آنسة معتصم في الحمام "
قلت بضيق " بل معك فأعطه لي حالا "
قال مباشرة " دخلت الغرفة الآن ووجدت هاتفه يرن
وهوا في الحمام حقا "
قلت بضيق أكبر " وما تفعل أنت بهاتفه تجيب عليه
لما لم تتركه حتى يخرج "
أغلق الخط في وجهي ذاك الوقح لا يختلف عن صديقه أبدا
لابد وأنه ذاك الذي يسكن معه في شقته في العاصمة
خرجت من غرفتي لأجد عمر أمام بابها ويبدوا كان سيدخل
فابتسم ابتسامة واسعة وقال " أريد البطاريات التي لديك
فبطاريات لعبتي انتهت "
وضعت يدي وسط جسدي وقلت " في منامك يا صعلوك
اذهب واطلبها من والدي إن كنت تجرؤ "
قال " لن يرضى طبعا يا مدللة "
نظرت له بغضب فسكت وقال بمكر " تعطيها لي أو .... "
نظرت له باستغراب وقلت " أو ماذا "
أدار إصبعه على شفتيه وقال بخبث " أو أخبر والدي
عن هذا ومعتصم "
فتحت عيناي على اتساعهما من الصدمة فمد يده
لي وقال " بسرعة أحضريهم "
ضربت له يده وقلت بضيق " وقح اذهب وقلها له وأنت
من سينال العقاب منه وليس أنا "
قال مغادرا " حسنا سنرى "
لحقت به وأمسكت قميصه من الخلف موقفة له وقلت
" أنتظر لا بارك الله فيك وفي ابن عمك "
سحبته معي للغرفة وأعطيتهم له وأخذهم مبتسما طبعا ثم
أمسكت قميصه وهززته بقوة وقلت " حاول ابتزازي بذلك
ثانيتا وسترى مصيرك مني "
أبعد يدي وقال بسخرية " وماذا ستفعلين لي "
قلت بابتسامة ماكرة " سأخبر معتصم طبعا وسأطلب منه
أن يأخذ منك الدراجة التي اشتراها لك ليموت
حلمك الذي تحقق حديثا "
نظر لي بغل فضحكت عليه ففرقع أصبعيه وقال
" معتصم لن يفعلها لأني حليفه "
قلت بسخرية " بل خادمه وأنا زوجته إن نسيت
ولن يرفض لي ذلك أبدا "
" للمرة الثانية تعترفين يا فراولتي "
شهقت بقوة ونظرت بصدمة للواقف عند الباب مستندا
بكتفه على حافته ينظر لي مبتسما ثم دخل قائلا " هكذا إذا يا عمر "
أمسك له أذنه وقال وهوا يسحبه منها خارج الغرفة
"عند زوجتي ينتهي كل شيء والدراجة تنساها إن
طلبت مني بتول ذلك تفهم "
ثم أخرجه وأغلق الباب بعده والتفت ناحيتي فصعدت واقفة
على السرير وقلت بتهديد " ابتعد عني أو أقسم أن أصرخ
بأعلى صوتي "
ضحك كثيرا ثم قال " لا تخافي انزلي هيا لن أقبّلك "
قلت بشك " أقسم على ذلك الآن "
ركض ناحيتي مسرعا فقفزت بصرخة من السرير
فأمسك خصري وحملني ورماني عليه وتبتني بيديه
وقال بابتسامة جانبية " هكذا إذا "
قلت بضيق محاولة الفكاك منه " ابتعد سيرجع عمر
ويرانا يكفيني فضائح "
قرب وجهه مني وقبل خدي عدة قبلات وقال " أنتي من
اختار أن يكون أمامهم لو تركتنا نتزوج ما حدث كل هذا "
قلت محاولة دفعه " معتصم توقف ليس هكذا "
ابتعد وسحبني لأقف معه ودفعني لصدره وقال
" إذا ما رأيك في هكذا "
تأففت محاولة الابتعاد وقلت " كاذب أنت وصديقك
يقول أنك في الحمام وأنت هنا "
لعب بشعري بين أصابعه وقال " نزلت لأحد المحلات ونسيت
هاتفي في السيارة وحين رأى اسم أناناستي تتصل
فعلها ذاك الصعلوك وسيرى حسابه مني "
ثم أمسك خصري بيديه ورفعني للأعلى بخفة ينظر لي
رافعا رأسه وقال " هل تعلمي لما أنا هنا يافراولتي "
سندت يداي بكتفيه وقلت وعيناي في عينيه " لتعكر مزاجي طبعا "
ضحك وقال " بل مبارك نجاحك يا زوجة معتصم "
صرخت بفرح ودهشة ومفاجأة فأنزلني وقال بضيق
" ثقبت لي طبلة أذني يا غبية "
قلت بصدمة " قل قسما نجحت "
أمسك أنفي وقال " ورب الكعبة "
اتسعت ابتسامتي وقلت بغير تصديق " قل قسما نجحت
في مادة اللغات ولست أحلم "
هز رأسه بنعم وقال " أقسم أنك نجحت يا فاشلة "
من فرحتي قفزت وتعلقت بعنقه حاضنة له لا أعرف ما
أفعل أضحك أم أصرخ أم أبكي والنتيجة كانت أن فعلتهم
جميعهم معا فحوط جسدي بذراعيه وقال ضاحكا
" من يراك يضنك في السنة الأخيرة وليس الأولى "
تعلقت بعنقه أكثر وقلت بسعادة " لا أصدق معتصم أنت
لا تعلم معاناتي بسبب تلك المادة وكيف أنها
أضاعت عليا عاما كاملا "
قبل خدي وقال " أعلم فأنا من ضاعت منه سنين وليس
سنة ، ما أسعدني بهذا لو كنت أخبرتك في الهاتف
لأضعت هذا على نفسي "
ابتعدت عنه حينها وقلت " ابتعد عني يا وقح "
ثم قفزت ضامه يداي لصدري وارتميت للخلف على
السرير وقلت مبتسمة بفرح " لا أصدق وأخيرا انزاح هذا
الهم ، كله بفضل سما "
نظر لي من فوقي وقال " من تكون سما هذه "
وقفت مجددا وقلت ببرود " لا شأن لك "
رسم بإصبعه قلبا على خدي كعادته وقال مبتسما
" غ ي و ر ة وتغارين "
أبعدت يده عني وقلت ببرود " واهم "
ثم وضعت يداي وسط جسدي وقلت " يا عديم الذوق تأتي
لتخبرني بنجاحي ولا تجلب معك هدية لابنة عمك "
نظر لي نظرة ما هذا الذي أسمعه فلعبت بأصبعي
في الهواء وقلت بغنج " لن أقووول زوجتك أبدا "
ضحك وأمسك وجهي وقبل خدي بقوة وطبعا عضه
كعادته ثم قال " وها قد قلتِها يا علكتي "
دفعته من صدره وقلت بضيق " لست علكة هل تفهم "
ضحك وأدخل يده في جيبه وأخرج مفتاحا تتدلى منه ميدالية
ذهبية باسمي حركها أمام وجهي وقال " يا غبية إن كنت سابقا
أهديك بغير مناسبة هل سأنساها الآن "
قلت ونظري يتحرك مع اسمي " ما هذه الميدالية "
أنزل المفتاح يتحرك معها وقال مبتسما " قولي لماذا
هذا المفتاح وليس الميدالية "
نظرت له بتركيز ثم نظرت لعينيه وقلت بهمس
مصدوم " سيارة "
هز رأسه بنعم ورمى المفتاح وأمسكه بقبضته وقال " بل وأحدث
موديلات السنة في السيارات النسائية وبلونك المفضل "
بقيت أنظر له مصدومة دون كلام فأخرج ورقة من جيبه
وقال " وبسمك أيضا "
فتحت فمي مندهشة فقبل شفتي السفلى بخفة وقال " وطبعا لن
تقوديها قبل السن القانوني وسأسجلك في دورة لتعليم القيادة "
تنهدت وقلت بخيبة أمل " والدي لن يوافق ، سيارة
وتدريب سيموت من الصدمة إن علم "
وضع يداه وسط جسده وقال بضيق " وما علاقتك
بوالدك وأنا زوجك وأقرر وقلت وسأنفذ "
هززت رأسي وقلت " لن يوافقك على هذا "
لعب بالمفتاح في يده وقال " قلت أن القرار في يدي وحدي
ولعلمك يا ذكية والدك كان معي من أجل تحويل ملكيتها لك "
اختطفت المفتاح من يده وضممته لصدري وقلت مبتسمة
" سيارتي حقا "
هز رأسه بنعم فماتت ابتسامتي وقلت " لكنك لن تعطيها
لي إلا إن تزوجنا أليس كذلك "
هز رأسه بلا في صمت فقلت بهمس " تكذب علي "
قرص خدي وقال " بل هي لك في كل الأحوال "
قلت بابتسامة صغيرة " شكرا لك "
أمسك وجهي وقبل شفتاي قبلة صغيرة وهمس
وشفتاه تلامس شفتاي " فقط يا بخيلة "
قلت بهمس " فقط "
قبلني قبله أطول منها ولم أقاومه أو لم أستطع ذلك ثم همس
مجددا " إذا أغلقي زر بيجامتك قبل أن أتهور "
أمسكت ياقة البيجامة بسرعة فقبل خدي وقال مغادرا جهة
الباب " انتظر اتصالك الليلة فلا تتركيني أسهر كثيرا
انتظرك لدي اختبار غدا "
ثم خرج وغادر وتركني أنظر للمفتاح غير مصدقة هذا
*
*
استيقظت أشعر أن رأسي سينفجر من كثرة ما بكيت ، أمسكت
هاتفي ونظرت للساعة ثم فتحت الأسماء ولاسمه فورا نظرت
له مطولا ثم أبعدت الهاتف , لن أتعب نفسي فهوا لن يجيب
ولا على رسائلي وسيكبر ما في رأسه أكثر حين أركض خلفه
أستجديه لذلك عليا أن أرجع لحكمتي في التصرف وأبعد غبائي
المفاجئ كما قالت سوسن ، غادرت الغرفة وتوجهت لغرفة
الفتاتين وفتحت الباب لتركضا نحوي تحضنان ساقاي وقالت
ترف " ماما ظننتك سترحلين عنا مجددا "
قالت بيسان بعدها مباشرة " خفنا أن تكوني غادرتِ مجددا
لأن سيلا منعتنا من أن نذهب لك في جناحك "
مسحت دمعتي ثم نزلت لهما وحضنتهما مطولا ولا أعلم كيف
كنت سأفقد عقلي وأتركهم وأتصرف بأنانية لأول مرة في حياتي
لو كانوا أبنائي حقا ما فكرت بها ولا فعلتها كم كرهت نفسي هذه
اللحظة أكثر من وقت اكتشافي لحقيقة تصرفات جابر وخطئي
في حقه ، أبعدتهما عن حضني ومسحت دموعي
وقلت ببحة " أين أمجد لنصلي "
قالت بيسان " في غرفته ومعه عمر لقد صلينا
منذ قليل نحن وسيلا "
هززت رأسي بحسنا ثم مسحت على وجه بيسان وقلت
بابتسامة حزينة " لما لم تعودي تنادينا بتلك الصفات ومنذ
مدة فقد صرت ماما وليس إمبراطورة "
قالت بحزن " سخروا مني في مدرستي الجديدة
فلم أعد أقولهم "
ضممتها لحضني وقلت بحسرة " بل أنا من أهملك ولم
أنبههم كما في مدرستك السابقة ليمنعوا الطلبة من ذلك
سامحيني يا ابنتي "
تعلقت بحضني وقالت " لا بأس ماما أنا صرت كبيرة أليس
كذلك ولن أقولها وأحبهم بقلبي فقط وذلك يكفي "
شدتها لحضني أكثر وقلت بحنان " أجل بنيتي يكفي أن تحبي
الشيء في قلبك لا داعي لأن تتحدثي بذلك , تفهمينها أنتي
وتجهلها والدتك "
قفزت بعدها ترف حاضنة لنا وقالت " وأنا تركتماني
بلا حضن "
ضحكت وضممتها معنا وقبلتهما كثيرا ثم أبعدتهما
عني وقلت " سأصلي ثم نتناول عشائنا حسنا "
هزوا رؤوسهم بالموافقة فوقفت وعدت لغرفتي صليت
وجلسنا جميعا نتناول العشاء وقال أمجد ما أن بدأنا
" والدي لم يرجع بعد ؟؟ "
نظرت له ثم هربت بنظري للأسفل من أعينهم المحدقة
بي تنتظر الجواب وقلت " لا بني "
قالت بيسان " لم يكن يغيب عنا هكذا "
وضعت الملعقة من يدي ونظرت لهم وقلت " ما أن ينتهي
عمله سيأتي أنتم فقط ادعوا له في صلاتكم أن يحفظه الله لنا "
ثم وقفت دون أن آكل شيئا وقلت متوجهة جهة الباب
" أغسلوا أيديكم بعدما تنتهوا ولا أجدكم إلا في أسرتكم "
خرجت بعدها من غرفتهم وتوجهت لجناحي دخلته ودخلت
غرفة النوم فورا وشعرت بغصة وكتمت دموعي وتوجهت
للسرير ارتميت عليه وشعور الفقد يتعاظم عندي ياله من عقاب
قاس منك يا جابر لم أتخيل أن يكون هجرانك لنا مؤلما هكذا
شددت بقبضتي على وسادته استنشق رائحة عطره واستسلمت
لدموعي التي نزلت بصمت ثم انقلبت على ظهري ونظرت لسقف
الغرفة ثم نظرت ليداي اللتان تلعب أصابعهما بطرف اللحاف
وقلت " جابر قد تكون مشغولا ولا تراقبنا فإن كنت تسمعني
الآن فعد ولو من أجل أبنائك الذين لا يتوقفون عن السؤال عنك "
كان لدي الكثير لأقوله لكني تراجعت لأسباب كثيرة أهمها أن
هذا لن يجدي الآن وقد لا يسمعني من أساسه , شددت اللحاف
علي بل ضممته في حضني وأعلم أني أناقض نفسي
*
*
رفعت نظري عن حاسوبي للداخل للغرفة وضرب
التحية فقلت " هل كل شيء جاهز "
قال " نعم سيدي "
أغلقت جهز المراقبة والحاسوب ووقفت وتوجهت نحوه
وضعت يدي على كتفه وقلت " سالم أنا أعتمد عليك وأنت
الأفضل عندي بين من هم في رتبتك , سما لا يعرف حقيقة
شخصيتها هنا غيرك أريدك الليلة هنا معها تحرسها بقلبك قبل
عينيك وتموت دون أن يؤذيها أحد وما خرجت لولا اعتمادي عليك "
شد بيده كتفي أيضا وقال " كن مطمئنا إن ماتت أكون أنا ميت قبلها "
ربتت على كتفه عدة مرات وقلت " إن حدث لي شيء فهذه الفتاة
أمانة في عنقك يا عقيد سالم وإن تخفيها خلف الشمس "
هز رأسه بحسننا فتركته وخرجت وصعدت للأعلى طرقت
باب غرفتها وفتحته فكانت نائمة فاقتربت منها وكانت تضع
كف يدها بجانب وجهها وبه سلسال فضي اللون بزهرة
حمراء , نظرت لوجهها ولجفنيها المحمران من البكاء
ورموشها المبللة بالدموع ثم تنهدت بأسى ومددت يدي
لكتفها وهززته برفق وقلت " سما "
فتحت عيناها ببطء ثم جلست تنظر لي بصمت فعدلت وقفتي
وقلت " الليلة ستكون ساعة القبض على من كان يبحث عنك
في القبو وسأكون مع رجالي هناك "
قالت من فورها " وتتركني وحدي "
قلت مبتسما " كل هؤلاء الرجال في المنزل وتقولين وحدك "
قالت بحزن " ليسوا أنت أنا خائفة منهم "
جلست بجوارها وأمسكت يدها بقوة وقلت " كوني قوية
وشجاعة يا سما فمن مرت بما مررت به تكون تخطت
مرحلة الخوف بكثير ولا تقلقي فالعقيد سالم معك هنا في
الأسفل وأثق به كما أثق بنفسي ووحده من يعلم باسمك
الحقيقي وقصتك وسبب وجودك هنا أما البقية فلا علم لهم
سوا بما قلت واتفقنا عليه ولا تنسي أنتي اسمك
جيهان أحمد ناصر مهما حدث "
هزت رأسها بحسنا فتركت يدها وقلت
" هل أمورك مع الخادمة جيدة "
هزت رأسها بنعم فقلت " جيد وسالم سيكون في الخدمة
إن جد شيء واستنجدي به في أي شيء ولا تخرجي من
هنا مع غيره مهما حدث وقالوا لك "
هزت رأسها بحسنا فابتسمت على طبعها الغريب عن
النساء ! معه حق ذاك المعتوه نزار يحبها حتى الكلام لا
يخرج منها سوا للضرورة , قالت بعدها بتوجس
" هل الأمور خطيرة لهذا الحد "
تنهدت وقلت " اليوم مات أحد رجالي على يديهم , هم لا
يعلمون عنك حتى الآن لكنك تبقين في خطر وإن أمسكنا
الليلة بذاك وهذا ما أنا أكيد منه فسيضيقون الخناق أكثر ولن
تنجوا ولا عائلتي , نحن نتعامل مع عدو مجهول يا سما وهذا
أصعب ما قد يمر به من في مكاني فلا تنسي العقيد سالم وحده
من يحميك بعدي وإن أدخلك للصحراء تدخلين معه اتفقنا "
هزت رأسها بحسنا ثم قالت وعيناها تمتلئ بالدموع
" جابر أحضروا لي قتلة أهلي قبل أن تسجنوهم "
ابتسمت ومسحت على شعرها وقلت " هذا مطلب
جميع أهالي الضحايا فمن سنرضي ومن "
قالت وقد سقطت دمعتها الأولى من عينها
" كلهم ليسوا مثلي لم يقتلوا جميع أهلهم وأمامهم "
ربتت على كتفها ثم وقفت وقلت " أعدك أن ينالوا ما ناله
جميع ضحاياهم وهوا الموت ولن يردعني عن
ذلك إلا موتي "
ثم خرجت من عندها وأغلقت الباب ونزلت للأسفل وقلت
للموجودين وأنا آخذ سلاحي وأثبته مكانه " منزلي في
حراستكم وعهدتكم ما يأمر به العقيد سالم ينفذه الجميع
ولا تتلقوا أوامر من غيره مفهومة "
قالوا معا " مفهوم سيدي "
خرجت بعدها خارج المنزل حيث رجالي أو الموثوق به منهم
ينتظرونني ركبت السيارة وانطلقت لتتبعني سياراتهم وتوجهنا
لوجهة معينة قريبة وهي منزل رفعت الشاطر , تفرقنا لندخل
الأرض خلفه دون شوشرة أو شبهة لأجد من وصل منهم
ينتظرني عند باب القبو ونزار يقف مبتعدا عنهم فتوجهت
نحوه وقال ما أن رآني " كيف هي الآن "
هززت رأسي وقلت " وفيما يعنيك ذلك "
قال بضيق " جابر لا مكانها أخبرتني عنه ولا تريد أن
أطمئن عليها , لا أكون من يطاردها ولا أعلم "
ضحكت وقلت " ما قصة السلسال بالوردة الحمراء "
نظر لي بصدمة وقال " ما به "
قلت بمكر " وجدته في سلة المهملات عندها "
توقفت جميع ردود الفعل في ملامحه فعدت للضحك مجددا
وقلت " لا أعلم لما لا ترحم نفسك وترحمها يا رجل "
قال ببرود " حقيقة تلك أم تكذب وتسخر مني يا جابر "
وضعت يدي على ظهره وقلت وأنا أسير معه " أنت اخترت
إنهاء ما بينكما يا نزار بل وإبعادها عن عالمك فلن
تجدي هذه الأسئلة في شيء "
وقف وقال " هل ستكون معهم هنا الليلة "
هززت رأسي بنعم فقال من فوره " وهي "
أخرجت سلاحي وقلت " هي في حماية من أثق به
جيدا لا تشغل بالك "
قال بصدمة " رجل !! "
قلت ببرود " لا امرأة , رجل طبعا ولا تشتغل لي بحركات
الغيور فها أنت رجل وكانت معك واستأمنتك عليها وضمنتك
عند أهلها وذاك لا يختلف عنك في شيء "
أشاح بوجهه عني بعدم رضا فقلت ضاحكا " هذا وأنت
لا تريدها وتبعدها عنك كيف ستتركها تتزوج غيرك إذا "
ابتعد عني يتمتم بضيق بكلمات لم أفهمها واتجه نحو زر
الباب وفتحه لنا فقلت " غادر الآن يا نزار وعندما تأتيك
الإشارة مني تعال لإغلاقه "
قال من فوره " وماذا بشأن الفتحة في الأسفل "
اقتربت من رجالي قائلا " لا تقلق بشأنها لدي لها حل
بما أننا نعرف مكانها "
ابتعد وخرج من المكان فانتظرت بعده قليلا ثم أخرجت
مسدسي وضربت به إطلاقه في الهواء ثم نظرت لهم
وقلت " هيا بدأت ليلتنا والهدف قادم للطعم بلا شك "
نزلنا وبعد مسافة كنا في الداخل والباب الموصل للمنزل مفتوح
طبعا من يوم أمس , صعدنا بعدما شغلنا أضواء القبو وجلسنا
في انتظار وصمت مميت لا يُسمع منه ولا حتى أنفاسنا ليمر
الوقت والساعة تتبعها الساعة ولا شيء سوا الأعين التي تحدق
في الظلام لنسمع فجأة قفزة قوية في الخارج فوقفت على طولي
ووقفوا رجالي بعدي , رائع هذا واحد وننتظر البقية أو قد لا
يكون هناك غيره , بقينا واقفين في صمت وسكون وكأننا تماثيل
نستمع فقط لصوت الخطوات وفتح الباب الرئيسي للمنزل ببطء
ذات الخطوات وهي لشخص واحد فقط وهذا أفضل وكل ما كنت
أتمنى الليلة , بقينا حيث نحن نستمع لحركته ونرى ضوء مصباحه
من أسفل فتحة الباب ومؤكد سيجد الفتحة وينزل منها وبالفعل وقع
الطعم ونزل ليمسكوه من بقوا هناك وجاءت الإشارة فتحركنا
بسرعة ونزلت لهم وشغلت المصباح في يدي ووجهته لوجه
الرجل الذي كان في قبضة أحدهم وشددت له شعره للأعلى
وقلت " وأخيرا يا لص الليل "
شددته له بقوة حتى ارتفع على رؤوس أصابعه وقلت
" فتشوه فورا بما أن يداه مبتعدة عن جسمه "
فتشوا كل ثيابه وأخرجوا ما كنت متأكد من وجوده وهوا جهاز
إنذار كان سيُعلمهم به حال أمسكناه فوضعته تحت قدمي ودست
عليه ليتحطم وشددت شعره أكثر وقربت وجهي من وجهه وقلت
" لم تغب عني حركاتكم وخططكم السخيفة تُعلمهم ليقتلوك يا
غبي كما فعلوا مع غيرك وإن ضغطت أنا على الجهاز ليعطيهم
الإشارة وأتعقب مكانهم علموا بي فورا , ست أزرار واحد لك
والآخر حال أجبرناك على فعل ذلك والثالث لي والبقية منظر
فقط أليس كذلك وضغطي على أي واحد بعده يفسد كل شيء
كما حدث سابقا مع عارف ومنصور "
كان ينظر لي بفزع فقط دون كلام ولا ردة فعل فشددت شعره
أكثر وقلت " عيناك تقولان بأنك تعرف جيدا جابر حلمي وكيف
يستخرج المعلومات ولن يرحموك ولا بموتك هذه المرة "
ابتعدت عنه وتركت شعره وأشرت لهم قائلا " قوموا بالواجب
وأريده في منزلي حالا حيث اتفقنا سيكون ولا يعلم به أحد "
ثم غادرت من هناك وغادر رجالي بالطريقة التي اتفقنا عليها
ولم أرسل الإشارة لنزار الآن وبالفعل خشيت عليه وسأعود
معه وبعض رجالي فيما بعد من أجل حمايته إن جد شيء هنا
انتقلت بعدها لقسم الشرطة من أجل بعض الأمور وزرت بعده
مكتبي ثم صليت الفجر وذهبت لمنزلي استحممت أولا ثم نزلت
لضحيتي التي انتظرت طويلا لأجدها , دخلت المستودع في
الخلف فكان هناك واثنان يحرسونه في الداخل مكثف اليدين
والعينين والفم أيضا , أزلت الشريط اللاصق عن فمه وعصابة
عينيه ورفعت وجهه لي وأريته ورقة في يدي وقلت
" مؤكد تعرف من في الصورة هذه والتي أسفلها ماتوا لأننا
قبضنا عليهم أي قاموا بتصفيتهم حالا رغم أنهم لم يدلوا بشيء
فأمامك خيارين تختار بدون تفكير إما أن تعترف بكل شيء
ونكتب لك شهادة وفاة وأنك مت مكانك البارحة في ذاك المنزل
أو مت على يديهم إن لم تتعاون معنا فحتى الصقار قتلوه وهوا
في الخارج , بسرعة أجب قبل أن تمتد يدي عليك "
هز رأسه بحسننا وقال " سأقول كل شيء "
ابتسمت بانتصار لأني كنت فعلت هذه الخطوة وأخرجت له
شهادة وفاة في الحالتين لأنهم إن علموا أنه وقع في قبضتنا
سيحاربوننا أشد حرب ويؤذوا الجميع كي يصلوا إليه , سحبت
الكرسي وجلست أمامه وقلت " تحدث وأقسم إن شممت رائحة
كذب في حديثك تموت على يدي قبلهم ولا تحاول
تضليلي لأني سأكشفك "
بلع ريقه وهز رأسه بحسنا فقلت " عن ماذا تبحث هناك "
قال من فوره " عن سما رفعت الشاطر "
ابتسمت بانتصار فهم كما ظننت لا يعرفون سوا اسمها
الحقيقي , قلت " وكيف تكون هذه أي ما هي
المواصفات التي أعطوها لك عنها "
هز رأسه وقال " لا شيء سوا فتاة ابنة ساكن المنزل
اختفت هناك ومكلف بالبحث عنها في أي مكان "
قلت بجدية مركزا نظري على عينيه " والسبب "
قال " لم يخبروني عنه فعليا جلبها لهم حية فقط
وأي شيء أو غرض أجده معها "
نظرت له باستغراب مطولا ثم قلت " والسبب "
هز رأسه وقال " أقسم سيدي لا أعلم "
قلت " أنا أعلم ولا حاجة لتجيب أخبرني الآن بالأهم
من كل هذا وهوا من الذي كلفك بذلك "
قال بخوف " تحموني منهم "
نظرت له مطولا ثم قلت " مجموعة إذا "
هز رأسه بلا وقال " ليسوا مجموعة لكنه يملكهم بالتأكيد "
قلت باستغراب " قل من بسرعة "
بلع ريقه وقال بصوت منخفض
" العقيد جمعة راكان "
وقفت على طولي من الصدمة ثم شددت قميصه
بقوة وقلت " إن كنت تكذب أضعتك تفهم "
قال بخوف " أقسم أنها الحقيقة "
شددته أكثر وقلت بغضب " هل تعي معنى
هذا ومن يكون هذا الاسم "
قال " نعم ضابط في البحرية "
تركت ثيابه بعنف وابتعدت عنهم موليا ظهري لهم ومررت
أصابعي في شعري , سحقا كما كنت أتوقع يالا الكارثة يا
جابر يالا المصيبة والأعظم أن يكون ثمة من أعلى منه ويأمره
تنفست بغيض وزفرت لهيبا حارقا عدة مرات ثم عدت ناحيته
وقفت فوقه وقلت " هل يتلقى الأوامر من غيره "
هز رأسيه بنعم , يبدوا هذا الرجل أخطر مما توقعت وجلوسي
معه سيطول , قلت بجدية " من "
قال " لا أعلم سيدي لكن ثمة أوامر جاءته أمامي "
ضربت الكرسي بقدمي ليتدحرج بعيدا وقلت بغيض " سحقا
سحقا لهم أضاعوا الناس معهم بدلا من أن يحموهم "
لهذا إذا كان المدعو عمران معهم لأن البحرية مغموسة في
الأمر فمن أيضا غيرهم , بل لهذا هم أقوياء بهذا الشكل لم
تكن توقعاتي خاطئة أبدا , جلست معه لساعات نسحب منه
المعلومات فكانت لقاءاته به قليلة ومعدودة ولم أحصل على
المزيد , وقفت بعدها وقلت " وَقعوه على أقواله وأعطوني
الورق ولا تتركوا نسخة في السجل ولديه سابقا شهادة وفاة
فسيشاع خبر موته البارحة بسبب رصاص الشرطة في منزل
أحمد عبد الله والموت بسبب محاولة القبض عليه وانقله حيث
حددت سابقا "
وخرجت بعدها واتصلت بسالم وقلت " أريدك وأسعد وخليل
سريعا في مكتبي في المنزل هنا "
قال من فوره " هل قبضتم عليه "
قلت " نعم وورائه مصائب لا تحصى بسرعة أريدكم
هناك سأصعد للأعلى قليلا وأعود لكم "
*
*
دخلت عليا سيلا الغرفة وقالت " سيدتي السيد منصور وصل "
وقفت وقلت " وأين أدخلتموه "
قالت " طلب أن يكون في مجلس الرجال "
أخذت حجابي ولبسته وقلت " ابقي مع الأولاد قليلا "
ثم نزلت له لأنه قال لي بأنه لديه رقم لشخص قريب جدا
من جابر الآن وسيجده معه بالتأكيد فقد اقترح عليا هذا لأجد
طريقة أتحدث بها معه بما أن خروجي ممنوع , وصلت المجلس
ودخلت وسلمت عليه وجلسنا وأخرج هاتفه وقال " سأتحدث أنا
مع الرجل وعندما يعطيني جابر سأتركه يكلمك "
هززت رأسي بحسنا ألعن حظي الذي جعلني أتوسل الناس
لأكلم زوجي وأجده بل ليجدوه لي وهوا كان بين يدي , كم
أشعر بالإحراج والخجل من عمه ولكن لا طريقة لي غيرها
ولا أحد لي غيره لأنه لا يجيب على جميع هواتفهم وأرقامهم
ولا حتى معتصم فيبدوا أنه خاصم العائلة جميعهم
وضع الهاتف على أذنه واتصل وأنا أشعر أن توتري يزداد
أخاف أن يقسوا علي ويجرحني أو يكشف الأمر ويحرجني
أمام عمه فهوا داهية في قراءة الأفكار , تنفست بقوة أهدئ
نفسي فاضطرب دقات قلبي أكثر حين قال " مرحبا عقيد
سالم أنا عم جابر حدثتك سابقا "
يبدوا هذا الذي طمئنه أن جابر بخير , قال بعدها
" أين جابر الآن لأن أخباره انقطعت عني ومشغول عليه "
سكت قليلا ثم قال باستغراب " منزله في العاصمة !! متى
كان لديه منزل هناك "
سكت يستمع عاقدا حاجبيه ثم قال " غريب لا علم لنا به وإن
كان أمره حديثا , المهم أعطني إياه لأمر ضروري
جدا فهاتفه لا يجيب عليه "
مد لي بعدها بالهاتف فمددت يدي بتردد وأخذته منه
ووقف قائلا " قال سيعطيه له فورا سأخرج عند الباب
حتى تنتهي وأحضريه لي هناك "
هززت رأسي بحسنا وخرج من فوره ووضعت أنا الهاتف
على أذني وأشعر بتوتر لم أشعر به حياتي وارتجف قلبي حين
سمعت صوته قائلا " نعم يا عمي هل من مكروه "
بلعت ريقي وقلت بهمس خافت " جابر "
ساد الصمت من طرفه بادئ الأمر ثم قال باستغراب
" أرجوان !!! "
بلعت ريقي وفتحت فمي لأتحدث لتسكتني الجلبة عنده والأصوات
وتحرك معهم قائلا " حمقى كيف حدث هذا تحركوا سريعا "
ثم أصوات الركض تكثر وأنا بقيت من الصدمة جامدة دون كلام
حتى قال راكضا " وداعا يا عمي أنا مشغول الآن "
ثم صوت انفجار مدوي جعل قلبي يتوقف ووقفت على
طولي وانفصل الخط بيننا
نهاية الفصل