استندت بجبيني على كف يدي لينزل شعري مغطيا وجهي
ونصف جسدي من الأعلى وأنا أتذكر ما حدث يومها حين
وجدته أمامي في غرفة والدتي بل وحدّثها وعرفته بكل سهولة
ليضرب شيء واحد في دماغي أنه سيكون هوا من كتب لها
شهادة وفاة وهوا من أوصلها هنا وسيكون فاعل الخير الذي
يتكفل بكل تكاليف علاجها وأجهزتها
وقف بعدها والتفت ناحيتي وقال " ألن تفكري بعد في
العودة لمنزلك "
أشحت بوجهي جانبا وقلت ببرود " ليس منزلي فمنزلي
أنا فيه الآن "
تنفس بقوة وقال " أرجوان لا نريد شوشرة وفضائح في
المستشفى فلا تطرينا لرفع أصواتنا أمام الناس "
توجهت جهة الباب لأخرج من هنا فتبعني وأمسك ذراعي
ولفني ناحيته وضرب الباب بيده الأخرى ليغلقه وقال بضيق
" تخطئين وتغضبين كيف هذا يا عاقلة يا أرجوان "
استللت ذراعي منه بقوة وقلت بضيق مماثل " لست المخطئة
فلا تتهرب من أخطائك وهذا المكان كما قلت قبل قليل ليس مكانا
للنقاش أم أنك لا تريد أن تذهب لي في منزلي وتُحسب عليك "
تأفف وقال " أرجون لا أريد أن أخرجك من هنا مرغمة
فستخرجين معي للقصر في كل الأحوال فخلصينا من
الفضائح ووجع الرأس "
قلت بثبات " لن أعود له مكان أهنت فيه لا بقاء لي به ولو
كنتَ قادم لإرجاعي لكنت ذهبت لمنزلي وتحدثت معي
لكنك حتى هذه تريد فرضها علي بالإكراه "
ضغط على أسنانه بقوة وقال " ما الذي تريدين
الوصول له يا أرجوان "
قلت بهمس حزين " طلقني "
نظر لي بصدمة ولم يتحدث فقلت " وأبعد رجالك
عن منزلي واتركني وشأني "
أمسك حينها يدي وسحبني جهة والدتي وأراها إصبعي وخاتم
زواجنا فيه فابتسمت لتمتلئ عيناها بالدموع وكأن الحياة عادت
لها بمعرفتها بأنه زوجي فأخرج جابر الخاتم من أصبعي
ووضعه في كفي وقال محدثا والدتي " وتريد أن أطلقها "
لتتحول نظرتها للقسوة تنظر لعيناي بتركيز فأبعدت نظري عنها
وسحبت يدي منه وقلت ببرود " ولما لا تخبرها عن السبب
يا صهرها العزيز "
نظر لي وقال " وأخبرها عن أفعالك أيضا يا ابنتها فما رأيك "
ثم أمسك يدي وسحبني للخارج قائلا " وها قد رأيت بعينك
أن والدتك غير موافقة على جنونك أم ستناقضين
نفسك وتعصينها "
حاولت سحب يدي منه وأنا أجاري خطواته فسحبني بقوة
لأكون أمامه وضغط على رسغي بشدة حتى ظننته سيحطم
عظامه وقال بحزم " أرجوان أقسم أنها واصلة معي لأقصى
درجة من الغضب فلا تطريني لفعل ما أكرهه تفهمي "
وعاد يجرني خلفه كالشاة ولا شيء لدي سوا الدموع فحتى
ملامحه أخافتني ولن أضمن نتائج غضبه , خرجنا وأركبني
سيارته وغادرنا وها قد أجبرني على ما يريد هوا وضرب
رأيي وكرامتي عرض الحائط , لم أنظر ناحيته طوال الطريق
ونظري كان على النافذة أمسح أي دمعة تتمرد تريد النزول
وهوا لم يترك شخص اتصل به إلا وصرخ فيه حتى تعب
ليندموا على اللحظة التي فكروا فيها الاتصال به
وصلنا القصر ونزل وضرب باب السيارة ثم توجه جهتي
فتح الباب وقال بأمر " انزلي هيا "
لم أتحرك من مكاني ولم أرفع نظري له فتأفف وأمسك يدي
وسحبني مجددا فليدخلني مرغمة على أن أدخل وحدي أتبعه
دخل بي ولحسن حظي الذي يعرف متى يبتسم اجتاز بي
والدته الجالسة على كرسيها في الأسفل لتعلم أني لم أرجع
من نفسي كما قالت فها هوا أمامها أحضرني بنفسه ورغما
عني أيضا ولا أضن أنها موافقة على إرجاعه لي تحت
أي ظرف كان , صعد بي السلالم وتوجه بي لممر غرف
الأطفال وفتح باب غرفة الفتاتين على اتساعه ليقفوا ثلاثتهم
ينظرون لي بصدمة ورفع جابر يدي وقال بحدة " تكلمي أمامهم
يا أرجوان أخبريهم عن سبب تركك لهم فقد عجزت معهم
أفهميهم أنك تريدين الانفصال وتركهم للأبد أقنعيهم بكل هذا
ليرتاحوا ويرحموا أنفسهم من البكاء إن كنت أنا لا أعنيك
ففكري بهم وقدمي التبرير أو السبب أم هم باتوا لديك مثلي "
أنزلت رأسي وقلت ببحة وصوت منخفض " ليس هذا مكانه
يا جابر فأبعد الأطفال عن مشاكلنا وشجارنا "
ترك يدي وقال بحزم " بل هنا والآن "
قلت بهمس " أرجوك ليس هنا "
تأفف بغضب وفتح حينها الباب وخرج وتركني معهم ولا أعلم
أين ذهب ولا أريد أن أعرف , رفعت نظري لهم فكانوا ينظرون
لي بحيرة أو استغراب أو لا أعلم ما تكون تلك النظرة ثم انطلقوا
راكضين نحوي لأهوي أرضا وارتموا هم في حضني يشاركوني
البكاء والحزن والألم فكم ظلمتنا الظروف يا أبنائي وكم ظلمنا البشر
قالت ترف بعبرة " ماما لا ترحلي ثانيتا وتتركينا أرجوك "
حضنتهم بقوة اكبر ولم أعرف ما أقول وبما أعلق بعدما قاله أمامهم
حتى ابتعد أمجد عني وقال " لما والدي غاضب منك ولما تشاجرتما "
قلت بهدوء " مجرد خلاف بسيط بيننا بني وأردت أن
أبتعد عن هنا قليلا وها قد عدت "
ابتعدت عني بيسان وقالت " لما قال والدي تنفصلا هل
يعني هذا لن تكونا زوجين كالسابق "
مسحت على شعر ترف التي لازالت متعلقة بحضني وتبكي
وقلت " لا شيء حبيبتي والدك غاضب فقط فلا تتحدثوا
عما حدث هنا ثانيتا ولا تفكروا فيه "
دخلت حينها سيلا وركضت ناحيتي وجلست أمامي وأمسكت يدي
وقالت ودموعها تترقرق في عينيها " حمدا لله أنك عدتِ سيدتي
لم أصدق حين سمعت الخادمات يقلن ذلك كم أنا سعيدة بهذا "
ثم نظرت جهة أمجد و بيسان وقالت " ألم أقل لكم أنها
سترجع ها قد عادت "
نظرت بعدها لي مجددا وقالت بصوت منخفض " منذ سمعت
السيدة الكبيرة البارحة تقول للسيد بصوت غاضب
( أذهب وأرجعها عله يتحسن مزاجك علينا على الأقل )
علمت أن شيئا ما يجري بينهما وهي لا توافق عليه
ولم أتخيل أن يرجعك "
أبعدت ترف ووقفت ومسحت دموعي وسحبت سيلا بعيدا
عنهم قليلا وقلت " أمازلت وحدك من يصعد هنا "
هزت رأسها بنعم فقلت بهمس " أريد ثيابا لي من جناحي
وبعض الأغراض المهمة أحضريهم لغرفة أمجد هنا سابقا
ولا أريد أن يعلم احد وخصوصا الأبناء "
هزت رأسها بحسنا وغادرت في الفور وهذا هوا حالي منذ
أرجعني هنا سجينة الغرفة ولا أعلم في الخارج ما يجري
*
*
سمعت جرس الباب يقرع باستمرار وإصرار ورضا يبدوا
خارج الشقة أو أنه في الحمام فمنذ ذاك الموقف المخجل معه
يومها رفضت أن ننام معا في ذات المكان وقومت عليه ليلته
وكنت سأخرج أنا من الغرفة فخرج وتركها لي فلن أسمح أن
يستدرجني مرة أخرى لأجد نفسي في حضنه ولا أعي لنفسي
إلا صباح اليوم التالي ويضيع كل مخططي وتعبي فأنا أعلم
كم أضعف أمامه حين يستغل وقت احتياجي له ، وقفت عند
الباب وفتحته قليلا ووقفت أمامه فخرج رضا من حمام الصالة
وقال متوجها جهة الباب " عودي للغرفة يا زهور
فقد يكون أحد أصدقائي "
أغلقت الباب وسمعته يتحدث مع أحدهم ثم دخلا وأغلق الباب
ليختفي صوتهما خلف باب آخر ، غريب لما لم يجلس به في
صالون الاستقبال ! بعد قليل فتح عليا باب الغرفة وقال بشيء
من التردد " حبيبتي هلا أعددت لنا قهوة "
يبدوا وضعه ذاك في موقف محرج ولا يريد أن يظهر له أنه
هوا من يخدم نفسه بنفسه ، كنت سأرفض وأحرجه معه لكن
هذا سيمسني أنا وليس هوا فوقفت وقلت وأنا أخرج مجتازة له
" حسنا ولا تقل حبيبتي ثانيتا كم مرة سأقولها "
خرج خلفي قائلا بابتسامة " سأكذب وأقول لست
حبيبتي هل يرضيك هذا "
توجهت للمطبخ متجاهلة له وعاد هوا جهة غرفة الجلوس
فيبدوا أدخله هناك ، جهزت القهوة وبعض الحلويات ثم
احترت أوصلها له أو أخبره عنها فحملت الصينية وتوجهت
بها حيث يكونان وما أن اقتربت من الباب حتى سمعت رضا
يقول " حسنا سأرى فواز وأستلف منه لأرجع لك نقودك فأنا
أنتظر راتبي ولا دخل لي غيره ولا يمكنني أن أسدده لك
دفعة واحدة والآن لا نقود معي "
قال الآخر بشيء من الضيق " لو لم أحتاج للمبلغ ما طالبت
به وأنا ظروفي لا تسمح لأن أنتظر فبع سيارتك أو تصرف "
قال رضا " أخفض صوتك يا راشد وسأدبر لك المبلغ فأنا
لم أحتاج يوما وأستلف من أحد قبلك وظننتك ستنتظرني "
قال ببرود " غريب أمرك ناسبت رئيس شرطة البلاد
وتستلف النقود حالك يحير يا رجل "
قال رضا بضيق " ناسبتهم ليس لأمص دمهم وآخذ مالهم
ففرق كبير بين أن تتزوج امرأة وأن تتزوج مال عائلتها
وأنا مستعد لأن أحرث الأرض بأظافري على أن
أطلب المال منهم "
ابتعدت حينها ووضعت الصينية في المطبخ وعدت لغرفتي
ورننت على هاتفه ليأخذها من هناك وبقيت في غرفتي حتى
غادر ذاك الرجل وكل حرف سمعته يدور في رأسي فوقفت
وخرجت من الغرفة ولم أجده فهل خرج معه يا تري !!
قد يكون ذهب لذاك الذي سيستلف منه ليرجع له المال
حسنا وما دخلي أنا به فليجرب البؤس والضيقة , دخلت
المطبخ لأفاجئ به هناك يعيد الصحن للثلاجة وأغلقها ما
أن رآني ثم توجه ناحيتي وأمسك يدي وقبلها وقال مبتسما
" شكرا يا زهرتي فالرجل مدح قهوتك كثيرا وشعرت
أني صرت كالبالون أمامه من الفخر "
استللت يدي منه وأنا أنظر له , تكذب يا رضا لا أعتقد أن
ذاك الرجل كان في مزاج يمدح به قهوة , نظرت بعدها
للأسفل وقلت " أعجبني طقم في السوق حين خرجنا
سابقا وأريد أن تشتريه لي "
نظر لي باستغراب بادئ الأمر ثم أشار بإصبعه لعينيه
وقال " من عيني هذه قبل هذه قولي فقط أين رأيته "
بقيت أنظر له بحيرة ألم يفكر من أين سيجلب ثمنه ظننت أنه
سيعارض وأجدها فرصة لأعيره أنه لا يستطيع توفير ما أريد
فلما وافق على شروطي وتزوجني , قال عندما طال صمتي
" أو ما رأيك نخرج معا ونشتريه في أقرب وقت "
قلت مغادرة المطبخ " لم أعد أريده غيرت رأيي "
ثم عدت لغرفتي وجلست على السرير دون حتى أن أغلق
الباب فدخل وجلس أمامي وأمسك يدي بين يديه وقال
" لن يبقى في خاطرك يا زهور وأنا حي أتنفس فأخبريني
فقط أين رأيته وسيكون لديك "
قلت " قد يكون مكلفا جدا فهل ستشتريه "
نظر للأسفل ثم رفع نظره لي مجددا وقال " أشتريه أو أموت
دون ذلك فلا حياة لي وحبيبتي تريد شيئا أعجز عن إحضاره لها "
تنقلت بنظري بين عينيه محتارة من تصرفه هذا فهوا لم يفكر
حتى في الرجل الذي يطالبه بمبلغ لا يستطيع سداده ولا بكل
راتبه أم أن ذاك الرجل قرر أن ينتظره , قال عندما طال صمتي
" هل كل هذا بحث عن ذاك المحل في عيناي ستتسببين
بهلاكي بهذا يا زهور فارحمي حالي "
أبعدت نظري عنه بل ووجهي أدرته للجانب الآخر
فرفع يدي لشفتيه وقبلها وقل " ها ماذا قررتِ "
نظرت للأسفل وقلت بهمس خافت " لم أعد أريده أقسم لك "
ترك يدي ومد يده لذقني ورفع وجهي له وقال بدفء
" ولما الحزن في صوتك يا زهور وأنتي تقولين أنك لا تريدينه
فدعيني أوفر لك كل ما تتمنينه يا عينا رضا اللتان يرى بهما "
فتحت فمي لأتكلم لكن الكلمات تبعثرت ولم أعرف ما أقول
أطرديه يا زهور ابتعدي عنه لا تضعفي مجددا لا يخدعك
بالكلام فهذه هوايته ومراده ، لكنه لم يكن يعلم أني كنت أسمع
ما دار بينهما وهوا مستعد أن يدفع أي مبلغ فقط ليرضيني
كاذب يا زهور وسيأتيك بعذر تلو العذر ليتهرب من شراءه
لكنه أصر رغم رفضي ولم يستغل الفرصة ، مرر إبهام يده
التي يمسك بها ذقني على شفتي السفلى ببطء وقال بهمس
" أهلكتني يا زهور سامحك الله فتحدثي أو أغلقيهما مجددا "
شعرت بقلبي يضطرب بشدة وخداي يشتعلان من الخجل
لجرأته فأرخيت نظري للأسفل وأغلقت فمي فلم أشعر سوا
بشفتيه تقبلان شفتياي بسرعة لأنتفض بشهقة ووقف هوا
من فوره وقال مبتسما " سامحيني حبيبتي فقد أضعتِ
مني أي قدرة على التحمل "
ثم قال وهوا يخرج من الغرفة " إن غيرت رأيك فأخبريني "
مسحت شفتاي بظهر أصابعي متمنية أن أحرقهما على الشعور
الذي شعرته حين قبلهما ، أنتي تكرهينه يا زهور أجل لم تعودي
تحبينه فطيلة الأربع أعوام الماضية بعد طلاقك لم يراودك شعور
الاحتياج له ولا التفكير فيه إلا بحقد فما تغير الآن ماذا حدث
لك ، توجهت للحمام دخلت وأغلقت الباب خلفي وجلست مستندة
ببابه وضممت ساقاي أخفي وجهي فيهما بل دموعي التي
لا أعلم على ماذا تنزل بالتحديد
*
*
رفعت هاتفي ثم أعدته مكانه ولا أعرف أي خطوة سأتخذ
ففواز لن يملك كل هذا المبلغ رغم أنه ليس كبير جدا ولا حل
أمامي سوا منزل عائلتي القديم لكن كيف سأقنع أميرة بأن نبيعه
وهي متمسكة بكل ذكرياتنا فيه ثم ستسألني لما أريد بيعه وما
حاجتي للمال وهي لا تعلم بأمر شروط زهور ولن أستطيع أخذها
من منصور زوجها أيضا فهوا مثلها يعلم أن لي إرثا من عائلتي
كنت أحتفظ به في المصرف وجابر يستحيل أن آخذ المال منه
رغم أنه لن يمانع ولا حل أمامي سوا أن أعمل عملا آخر يكون
السداد فيه باليومية لكن المشكلة ستبقى كيف سأتدبر المبلغ لراشد
تنهدت وهززت رأسي ووقفت وتوجهت لغرفة النوم فلأنسى همومي
بفاتنتي التي النظر لها فقط ينسيني حتى نفسي وليس هموم الدنيا
فنظرتها لعيناي قبل قليل كانت مختلفة كتلك الليلة تماما ولولا
خوفي من عواقب الأمر كالمرة السابقة لكنت حظيت بقبلة مهلكة
كتلك التي سلبت مني النوم ليلة كاملة ، فتحت الباب ببطء فلم
تكن في الغرفة فدخلت واقتربت من الحمام ووضعت يدي على
بابه وقبضتها بقوة وأنا أستمع لنحيبها المكتوم وقلت بوجع
" زهور حلفتك بكل من يعز عليك أن تخرجي وتتوقفي عن البكاء "
لم تجب ولم تخرج ولم تزدد سوا بكاء فقلت برجاء
" زهور ارحميني وأخبريني ما الذي يرضيك وسأفعله حتى لو
طلاقك مني أو تركي البلاد التي أنتي فيها ولن تريني مجددا "
انتظرت قليلا لتخرج أو تتوقف عن البكاء وبلا فائدة فقررت
تركها والخروج من الغرفة لحظة فتحها لباب الحمام واتكأت
على حافته وعيناها منسدلة للأسفل تتنفس بصعوبة فتوجهت
نحوها بسرعة وأمسكتها وأوصلتها للسرير وقلت بضيق
" زهور لما تفعلين هذا بنفسك أنتي تعلمي أن كثرة البكاء تتعبك "
اضطجعت عليه في صمت ودون مقاومة وجلست أنا عند
رأسها أمسح على شعرها وقلت بهدوء " ستضطرينني
لأخذ مفتاح باب الحمام أيضا بما تفعلينه "
أخفت وجهها بذراعها وقالت " ولما تشغل بالك بي
اتركني أموت في الداخل "
رفعت ذراعها عن وجهها وانحنيت لوجهها ليصبح أنفي
ملامسا لخدها مستندا به عليه لأنها تنام على جنبها مقابلة لي
وقلت بهمس " أحبك يا زهور وأعشق حتى الهواء الذي يخرج
من رئتيك حتى إن صرختي في الشوارع أنك تكرهينني ولا
تريدينني ولو سلخت جلدي عن العظم فلن أتوقف عن
حبك ولن ينقص منه ولا ذرة "
ثم قبلت خدها مغمضا عيناي غير مصدق أنها لم تبتعد عني
وقلت بعدها بهمس " لو أعلم ما بك الليلة يا زهور هل قلت
شيئا أزعجك لهذا الحد أخبريني لأعتذر ولن أعيدها مجددا "
انقلبت على ظهرها تنظر للسقف وقالت بحزن
" رضا لما تحبني وأنا أكرهك "
شعرت بكلمتها كالنار على قلبي لكني سجنت وجعي في نفسي
ككل مرة وقلت بابتسامة " أحبك لأني أحبك ولا أعرف غير
هذا ولن أتعلم غيره ولن يتحول لكره أبدا كما حدث معك "
أغمضت حينها عيناها ببطء وقالت هامسة
" لا تخرج لا أريد أن أنام لوحدي "
ثم انتظم تنفسها ويبدوا استسلمت للنوم ولا أعلم قالت ما قالته
تعي لنفسها أم لا ولن أهتم فأنا كمن بحث عنها في السماء
ووجدها في الأرض فلم أتردد لحظة عن تلبية طلبها الذي
تمناه قلبي لسنوات طوال فشددتها لحضني لأعطي الحلم
مراده ورغم تحركها متضايقة من نومها إلا أني لم أتراجع
وكانت المعجزة أن استكانت في حضني ونامت بهدوء لتسرق
النوم من عيناي وكيف أنام وأحد أحلامي المستحيلة يتحقق
أخيرا كيف أنام وأترك متعة مشاهدة هذا الحسن عن قرب
وتنفس هذه الأنفاس ، كنت كطفل أعطوه لعبته المفضلة يلعب
بها كيف يشاء فكنت تارة أمرر أصابعي في شعرها وتارة
أتحسس بهم نعومة عنقها وتارة أخرى أوزع قبلاتي الخفيفة
جدا على ملامحها وليثه ليس لليلتك هذه صباح يا رضا
*
*
نمت ليلتي في غرفة أمجد ولم أخرج من ممر غرفهم ولم
أراه هنا فمؤكد نام في الخارج فكما قالت سيلا أنه قضا أياما
ينام خارج القصر أو يكون هنا ولم يهتم بأمري ولما سيهتم
الصفقة في زواجه بي هي الأولاد وهوا الرابح فيها في كل
الأحوال أما وجودي في حياته فهوا كعدمه بالنسبة له امرأة
كغيرها ، استغفرت الله وغادرت السرير ورتبته كما كان كي
لا يشعر الأطفال بوجودي هنا ثم دخلت الحمام استحممت
وغيرت ثيابي وخرجت لغرفة الفتاتين لتستقبلني ترف راكضة
جهتي ما أن فتحت الباب فنزلت عندها وحضنتها بقوة
كنت أشعر بحبي الشديد لهم والآن بعدما اكتشفت أنهم أبناء
شقيقتي زاد تعلقي بهم أكثر وبث أشعر أنهم جزء مني بالفعل
وفهمت معنى رسالة والدي التي تركها لي وعلمت لما أخفى
أمرهم عني لابد وأنه خشي أن أضعف أمام مسئولية تربيتهم
فأبحث عن والدهم لأعيدهم له أو أحمله مسئولية دفع
المال من أجلهم ، أبعدتها عني وقلت مبتسمة
" يكفي قبلات ستفوتنا صلاة الفجر "
حضنتني من جديد وقالت " اشتقت لك كثيرا ماما "
نزلت دمعتي ومسحتها بسرعة وعلمت الآن لما تتحمل
المرأة الضرب والسب من الزوج هم الأبناء وحدهم من
يكسرون ظهر المرأة لَما بقيت زوجة في منزل زوجها
حملتها من الأرض وقلت " ما بك أصبحت ثقيلة فجأة "
ثم تابعت وأنا أمسح على شعرها وأسير بها جهة سرير
بيسان " أم أنا التي أصبحت أعجز عن حملك "
أنزلتها وأيقظت بيسان التي قالت من نومها
" ماما عودي من أجلنا أرجوك "
ابتسمت بحزن على حالي وحالهم أكابر دموعي كي لا
تنزل ثم غمزت لترف وقلت بهمس " هيا ندغدغها "
فابتسمت بمكر وقفزت جهتها وبدأت تدغدغها معي حتى
استيقظت تضحك بهستيرية فبيسان أكثر طفلة رأيتها
تضحك بسرعة ما أن تلمسها ، أدخلتهما للحمام وخرجت
وغادرت الممر لغرفة أمجد وما أن عبرت جهة السلالم
لأكمل طريقي حتى سمعت صوت جابر من خلفي قائلا
" لا .... لا تتركوا المكان ولا يغيب عن نظركم
لحظة فلابد أن يرجع له "
فزدت من سرعة خطواتي حتى ابتعد صوته نازلا فوقفت
وعدت خطوات للوراء وأملت جسدي أنظر للسلالم فكان
نازلا والهاتف على أذنه وببذلة الشرطة فوقف فجأة والتفت
عائدا لتقع عينه في عيني فأبعدت نظري عنه وتابعت
سيري مسرعة حتى اختفيت وتوجهت جهة غرفة أمجد
حمقاء ما الذي أوقفك هناك تراقبينه وهوا ينزل ماذا سيفسر
الأمر الآن ، دخلت غرفة أمجد وأنا أتمتم قائلة " فليفسرها
كما يريد يعلم أني عدت مرغمة وليس حبا فيه أو في قصره "
أيقظت أمجد فجلس وقال " هل هذا وقت الصلاة "
قبلت خده وقلت وأنا أسحبه من يده " نعم وبسرعة
لتدرك عمك وابنه "
غادر السرير قائلا " لكن والدي منعني من
الخروج حتى للمسجد "
وضعت يداي وسط جسدي وقلت بضيق " لا شيء يمكن
أن يكون عذرا لترك المسجد والله وحده من يحفظ البشر "
قال بهدوء " لكنه سيغضب إن خالفت كلامه "
تنهدت وقلت " بسرعة أدخل الحمام بني والحق
بي لنصلي معا "
دخل هوا الحمام وخرجت أنا لأعود للفتاتين سريعا ولحق
بي أمجد وعاد نهاري لروتينه المعتاد مع فرق وحيد لا
خروج لي من هناك لجناحي وغرفتي والأهم قلب مكسور
يشعر بالذل والاستصغار و الإهانة , لا أعلم متى سيجعل لي
هذا الرجل قيمة ورأي على الأقل فيما يخصني لكن هذا
الوضع لن يدوم ولن يبقوا أبنائه نقطة ضعفي فإما أن تتغير
معاملته لي ويضع لوالدته حدا أو أن يذهب كل في حال سبيله
" ماما ألم تعديني إن نجحت بتفوق تشتري لي تلك اللعبة "
نظرت له وقلت باستغراب " هل ظهرت نتائجكم "
هز رأسه بنعم , يالا كسلكم يا المدارس الحكومية حتى تنتصف
الإجازة لتظهر النتائج وفي المدارس الخاصة لا تأخذ أسبوعين
قال بحماس " أنتي وعدتني أليس كذلك "
قالت بيسان " وأنا نجحت بتفوق أيضا هل
ستشتري لي هدية "
قفزت ترف قائلة " وأنا ماما "
تنهدت وقلت " ألوضع كما ترون بني ممنوع
عني الخروج مثلكم "
قال من فوره " أطلبي من والدي أن يجلبها
لي هوا يخرج دائما "
آه يا لا مرارة الواقع الذي تجهلونه ثم من أين سيجد وقتا
ليزور الأسواق أشك أنه يعرف أين تقع في هذه البلاد
هززت رأسي بحسنا وقلت " سأرى ما يمكن فعله "
تناولنا الإفطار في الغرفة وأمضينا الوقت معا حتى صلينا
الظهر ثم جلسوا يتابعون الكرتون في التلفاز وجلست أنا
مبتعدة عنهم وبذهن شارد أفكر ما سيكون بعد هذا وكيف
سأجد مجالا لأناقش فيه وضعنا , لا أريد أن أعتب جناحنا
ولا أريد أن أسأله متى سيجد لي وقتا كي لا يجدها فرصة
ويسمعني كلاما يسم به بدني ، ارتجفت مفزوعة على صوت
هاتفي في حجري ليخرجني من شرودي فنظرت للمتصل فكانت
سوسن فحملته وخرجت من الغرفة ودخلت غرفتي الجديدة هنا
وأجبت عليها فقالت من فورها " أرجوان أين أنتي أنا عند
باب منزلك وحتى رجال زوجك ليسوا هنا "
تنهدت وقلت بحسرة " أنا في القصر يا سوسن "
قالت بصدمة " ماذا !! لكن متى وكيف "
قلت ببرود " منذ أمس وكيف هذه حكاية أخرى
مؤكد خمنتها لوحدك "
قالت مباشرة " مؤكد هوا قرر ونفذ "
تنهدت وحكيت لها كل ما حدث وهي تستمع لي دون
مقاطعة حتى انتهيت فقالت " أرجوان قد لا يكون كما
تضنين ويريد عودتك من أجل نفسه قبل الجميع "
ابتسمت بألم وقلت " لن يكون جابر حينها "
قالت بضيق " أرجوان سمعت كثيرا عن الغباء الذي يصاحب
الحب لكني الآن رأيته بعيني فأبعدي عواطفك جانبنا وانظري
للأمر بعقل فلا شيء يطره لإرجاعك ولا أبنائه فكم من رجل
طلق زوجته وفرض الأمر عليهم وتقبلوه إن بالطيب أو الإكراه
ثم نفرض أنك متِ كيف سيرجعك لهم حينها , قد يكون اتخذ
الأمر عذرا لكن أن تكون حجته الوحيدة مستحيل "
قلت بسخرية " لو كان كلامك صحيحا لكان على الأقل ذهب
لي في منزلي وأعاد لي ولو جزءا من كرامتي المهدورة
بسبب والدته لكنه لا يتغير أبدا "
قالت ببرود " ولا تنسي أخطائك أيضا يا أرجوان فكونك
تخفين عنه تلك الأمور جريمة في حد ذاتها "
قلت بضيق " سوسن لو أفهم لما تدافعين عنه دائما
ضعي نفسك مرة في مكاني "
قالت من فورها " أرجوان لا تدمري حياتك وزوجك من
أجل كلام قالته والدته وليس هوا وأنا أدافع عنه لأني أراه
تصرف بحكمة حتى الآن فآخر ما كنت أتوقع أن تطلبي منه
الطلاق ولا يرميه عليك وبالثلاثة , فكري بعقل ولو
هذه المرة فقط وداعا الآن "
أنهيت المكالمة أتأفف بغيض على صوت طرقات على الباب
ثم دخلت سيلا وقالت " سيدتي الغداء جاهز "
وقفت وقلت " قادمة حالا "
قالت من فورها " الغداء في الأسفل وليس في الغرفة "
بقيت أنظر لها لوقت بتجهم فقالت " السيد جابر هنا "
لويت شفتاي وقلت ببرود " وما جاء به وقت
الغداء ليست عاداته "
رفعت كتفيها وقالت " تناوله هنا بالأمس أيضا وهوا
من طلب مني الآن أن أبلغ الجميع لينزلوا "
ثم غادرت مباشرة فتنهدت بضيق وخرجت من الغرفة
ونزلت وأعلم أن تلك العجوز ستعدها انتصار لها علي
وستضن أن جابر أرغمني على النزول لذلك نزلت لكني
إن لم أنزل سأكون في مشكلة من أسئلة أبنائه فيكفيهم ما
رأوه وسمعوه بالأمس , وصلت غرفة الطعام ودخلت في
صمت وكانوا جميعهم يجلسون في أماكنهم المعتادة فالتفت
لي الأطفال ثلاثتهم بابتساماتهم الجميلة فعودتي بالنسبة لهم
تساوي الدنيا وما فيها , ابتسمت لهم مجبرة وتوجهت لمكاني
السابق مجبرة أيضا وجلست بجانبه وهوا لم يرفع نظره بي
أبدا منذ دخلت أما والدته فعيناها لم تفارقنا تتنقل بنظراتها
بيننا, بدأ الجميع بالأكل في صمت حتى قال جابر
" هل زارتك زهور "
فقالت والدته " لا "
قال من فوره " كيف وهي متزوجة منذ أكثر من
أسبوعين هل تحدثك بالهاتف "
قالت ببرود " نعم ومن حين قلت أنك وضعت حراسة عليها
أيضا حذرتها من الخروج ولا حتى المجيء هنا "
عم الصمت مجددا للحظات ثم قالت " ومعتصم لا تتركه
يرتع هكذا عليه أن يثبت هنا معنا "
وضع ملعقته وقال " تعرفين ابنك جيدا نبهته كثيرا
ولا يجدي معه شيء "
ثم أمسك الكوب وقال " سأرى كيف يمكنني أن أضع عليه
حراسة عند شقته ومزرعة صديقه وسيكون بخير ففي الجامعة
لن يمسه أحد بمكروه وامتحاناته باتت وشيكة "
وقفت حينها والدته وقالت " وزهور أنظر حالها مع زوجها
كي لا يتكرر ما في السابق وأنت سأتصل بك كل يوم
فأجب على اتصالي ولا تتجاهله وكن حذرا "
وغادرت وأنا أتبعها بنظري مستغربة مما حدث لها , غريب
أن ينشغل بالها عليهم وتخاف هكذا فليست عادتها المهملة لا
مبالية ميتة المشاعر اتجاههم , وقف حينها جابر يتحدث في
هاتفه وخرج من فوره ونظرت أنا للأطفال ووقفت وقلت
" من ينهي طعامه يغسل يديه قبل أن يصعد "
ثم صعدت قبلهم وسبقتهم للغرفة ولحقوا بي بعد قليل وجلسوا
حولي وكأنهم لم يروني من سنين وكل واحد منهم يريد أن
يحكي لي أولا ما حدث في غيابي عنهم وكأنهم لم يسردوا
كل التفاصيل صباحا فشكاويهم من بعضهم لا تنتهي أما أنا
فدهني لم يكن معهم أبدا بل كنت أفكر في المهزلة التي أنا فيها
الآن , يرجعني مرغمة ولا يفكر حتى في التحدث معي لنرى
حلا لمشاكلنا العالقة بل ضرب قراراتي عرض الحائط
يا رب صبرني على هذا الرجل وعلى دماغه المقلوب
" هل أخبرتي والدي عن اللعبة "
نظرت لأمجد الذي أعادني من أفكاري ثم أبعدت نظري
عنه وقلت ببرود " أمجد لا تشتغل لي كالمذياع حين سيجد
فرصة سيحضرها لك فأنت تراه مشغول كثيرا هذه الفترة "
قال بتذمر " ولكن ليس و.... "
ليقاطعه الصوت الرجولي القادم من خلفي قائلا
" تعالى خذ "
فقفز أمجد مسرعا نحوه ووقفت الفتاتين ولحقتا به وأنا على
وضعيتي لم أتحرك ولم ألتفت لما يجري خلفي وأنا أسمع
أمجد يقول بسعادة " هذه أفضل من التي مع عمر شكرا
لك أبي كم هي رائعة "
وقالت ترف قافزة " أروني ماذا تكون أنزل بها قليلا يا أمجد "
وقالت بيسان " وأنا بابا لقد نجحت بتفوق مثله أيضا "
قال بجدية " العام المقبل الهدية من نصيبك أنتي ثم هذه ليست
من أجله وحده ولا أريد أن أراها في أيدكم طوال الوقت
وما أن تبدأ الدراسة تختفي أو حطمتها "
غريب أنا لم أخبره عنها فكيف علم !! آه نعم كيف نسيت أنه
يراقب القصر ويبدوا كان يستمع لكل ما دار هنا بعد دخولي
جيد أني تحدثت مع سوسن وقت الغداء لكان تجسس على
مكالمتي معها هذا إن لم يرجع للتسجيل ويستمع لرأي السيئ
فيه , زفرت نفسا حارا بل حارقا يعبر عن الاشتعال في داخلي
فقال بضيق وخطواته تبتعد جهة الباب " يكفي تأفف يا ترف
لنجد طريقا للتفاهم وننتهي من هذا الوضع المأساوي "
ثم أغلق الباب وغادر فأمسكت رأسي بيداي مخللة أصابعي
في شعري متكأة بمرفقاي على فخذاي حيث أجلس , لما لا
يذكر نفسه قبلي أن عليه أن يوقف ثوراته الغاضبة حين نتحدث
لنجد السبيل للتفاهم فأنا حددت مطالبي إما أن يرجع لي كرامتي
واعتباري وأمامها أو لا حياة لي معه هنا , أخرجني من
أفكاري صوت ترف قائلة بحزن " ماما "
فرفعت رأسي لها فورا فقالت بذات النبرة مشيرة بأصبعها
لنفسها " لما قال بابا ذلك عني أنا لم أغضبه في شيء "
ضممتها لحضني وقبلت خدها وقلت هامسة في أذنها
" هوا يحبك بنيتي ولن يقول عنك ذلك أبدا "
عليه أن لا يسمع مدحي له ولا شتمي له أيضا أي يجب أن
أموت من كتم ما بي في داخلي حتى أنفجر , أبعدت ترف
عن حضني والتفت لأمجد و بيسان وقلت " أبعدها عن عيناكما
أمجد بسرعة ولن تلعبوا بها إلا لأوقات محددة مفهوم "
هز رأسه بحسننا وقال " شكرا لك ماما ففي السابق قبل
أن تتزوجا وتأتي للعيش معنا رأيتها عند عمر
فأخبرته عنها لكنه رفض "
قلت باستغراب " ولما وها هوا أحضرها الآن "
رفع كتفيه وقال " لا أعلم قال لا ينقصني مشاكل منكم
وقال أنها تضر العينين والدماغ "
تنهدت بضيق ولذت بالصمت , إذا يعلم الآن أني أنا من
ستواجه مشاكلهم وليس هوا فلما لم يشتري لكل واحد واحدة
لوحده , قال أمجد " سأريها لعمر هذه أجمل وأفضل من لعبته "
قلت من فوري " ولا تقل لن تدعه يلعب بها كما يفعل معك "
هز رأسه بلا فقلت " نعم هكذا أريدك بني "
ضرب يد ترف التي لمستها وقال بضيق
" لقد أفسدتها ها قد مات "
وانطلقت صرخة ترف الباكية فقلت بحدة " أمجد لا تضربها
مرة أخرى من أجلها ولا تنسى ما قال والدك أنها لكم ثلاثتكم "
لاذ بالصمت فقلت بضيق " أعطها لها فورا "
مدها لها من فوره فأخذتها منه طبعا دون ممانعة فقلت
بهدوء " أرِها كيف تلعب بها "
وانشغلوا مع بعضهم من جديد ووقفت أنا ودخلت غرفتي هنا
*
*
دخلت من الباب عابرا ممر المركز وأجبت على هاتفي قائلا
" نعم يا نزار "
قال بهدوء " ماذا قررت "
قلت وأنا أفتح باب المكتب " قررت ما قررته سابقا وعلى
سما أن تكون في مكان أضمنه بنفسي فعلينا أن نبعدها حتى
نمسك بذاك الرجل فما يدرينا ما الذي علمه تلك الليلة لم يجعله
يرجع ورسائل التهديد والابتزاز أصبحت تكثر بين رجالي وهناك
من وجهوا له سؤالا عن مكانها فهل تريد خسارتها للأبد "
تنهد واكتفى بالصمت فقلت وأنا أجلس أمام مكتب العقيد سالم
الذي وقف لي " خلال أيام تكون جاهزة لن أحدد يوما معينا "
قال " أين ستأخذها "
قلت وأنا أشير بيدي لسالم ليجلس " لم أحدد مكانا بعد , وداعا "
دسست هاتفي في جيبي على صوت سالم قائلا
" هل نبدأ المرحلة الثانية ونُشغل أضواء القبو "
قلت " هذان اليومان وإن لم يدخل المنزل نكون خسرنا
أهم جولة في الموضوع "
قال " ماذا عن خطيبة خالد سابقا سيدي "
حركت خرامة الورق على الطاولة ونظري عليها وقلت
" استعد أنت وأكثر شخص تثق به ليدون أقوالها وسنلتقي
بها قريبا وبسرية لا يخرج أسمها ولا شيء ولا توثقوا أقوالها
في محضر رسمي , الورقة ستكون عندي وفي منزلي وزيارتنا
لمزرعة زوجها ستكون ليلا وبتمويه فلن نعرض المزيد للخطر "
هز رأسه بحسنا فقلت " كونوا حذرين خصوصا أنت وخليل وأسعد
ولا تستهينوا بالوضع خصوصا بعد مقتل رجلين من الشرطة
فيبدوا أنهم شكوا أن أوراقهم باتت مكشوفة أو خمنوا ذلك "
تنهد وقال " ورجالك إن استمروا في تمنعهم عن المغريات
التي تُقدم لهم سيبدؤون بتصفيتهم بالتأكيد "
هززت رأسي وقلت " لذلك علينا التحرك بسرعة "
ثم شددت قبضتي وقلت من بين أسناني " لو أمسك ذاك الذي
يدخل منزل رفعت الشاطر ليلا أكون قفزت قفزة واسعة للأمام "
قال بجدية " سيعود إن لم يشكوا بشيء تلك الليلة مؤكد سيعود "
وقفت وقلت " ما يحيرني كيف علموا أن لرجالي معرفة بسما "
وقف لوقوفي وقال " يبدوا شكوا أنك أنت من يعرف شيء
عنها أو يكون مجرد تخمين لأنهم لو رأوها يومها لعلموا
أنها في منزل ذاك الشاب صديقك "
هززت رأسي بنعم وقلت " وأنا فكرت هكذا وهذا يعني أنهم
يعلمون بوجودها هنا في العاصمة وصعُب عليهم الوصول لها
لأنه لا معلومات لديهم عنها لا أسمها المزور ولا شكلها ولا شيء
لو أعرف فقط ما السر الذي تحمله تلك الفتاة وأين "
هز رأسه بقلة حيلة وقال " يبدوا شيئا مهما وخطيرا
والمشكلة أنها نفسها لا تعرفه "
قلت مغادرا من عنده " أريدك أيضا مع الرجال هناك الليلة
فلن أستطيع البقاء معهم وأعلموني بكل جديد "
ضرب التحية قائلا " حاضر سيدي "
وخرجت أنا من عنده وأخرجت هاتفي واتصلت بمعتصم
فأجاب من فوره فقلت " قلل من تحركاتك يا معتصم التهديد
وصل لرجالي وإن وصلت لشيء ستصبحون جميعكم في خطر
وسأضع لك حراسة عند شقتك ومزرعة صديقك وغيره
لا تخرج سوا للضرورة "
قال بضيق " هل ستسجنني في الشقة "
قلت بحدة وأنا أركب سيرتي " عد للقصر إذا وكن مع البقية
سيعجبك الوضع هناك أكثر أليس كذلك "
تأفف وقال " ومنزل عمي منصور "
تحرك بالسيارة قائلا باستغراب " ما به !! "
قال " وضعت حراسة عليه أم لا "
قلت بابتسامة جانبية " لا تخف زوجتك وضعت من يحرسها "
قال ببرود " وأخيرا مزحة من اللواء جابر حلمي "
قلت ببرود أكبر " لا تبتعد عن موضوعنا إذا "
تأفف وقال " والجامعة اختباراتي النهائية باتت وشيكة
لا تقل ستحرمني منها "
لففت بالسيارة يمينا وقلت " لا "
قال من فوره " وأنت "
قلت بهدوء " المهم أنتم أنا لا تخف علي "
قال " ليس ذلك أعني "
قلت " ماذا إذا "
قال بعد صمت " أعني زوجتك متى ستذهب لترجعها "
وقفت عند الإشارة وقلت " هي في القصر الآن "
قال مباشرة " فعلت الصواب لا تُفرط فيها يا رجل يكفي
زواجك الأول ثم هذه لا تعوض ولا تستبدل "
قلت ببرود " أرى الموضوع تحول لغزل "
ضحك وقال " سحقا للغيرة "
انطلقت مجددا وقلت " تلك الحركات تركتها لك وأمثالك "
قال بضيق " لا تكن مخلوق فضائي ولا أعلم لا تضيقها وهي
واسعة يا جابر ولا تترك والدتي تدمر كل زواج لك هذه
حياتك وعليك أن تضع لها حدا فأنت تطيعها بشكل مبالغ فيه "
قلت بضيق مماثل " وهل تريدني أن أتعبها أيضا , أنا لست
مثلك يا معتصم ولا أريد أن أشرح أكثر فخف عليها أنت
أيضا ولن يضرك شيء إن سايرتها "
قال بسخرية " والنتيجة تصبح حياتي مثلك أليس كذلك "
تأففت وقلت " لا أرى حياتك أفضل مني "
قال من فوره " من صنع يدي على الأقل كما أني
أجزم أن وضع حياتك لا يعجبك "
قلت منهيا الحديث " مهما شرحت لن يفهمني منكم أحد
لا تنسى ما أوصيتك وداعا "
أغلقت بعدها هاتفي ودخلت القصر نزلت من السيارة ودخلت
صعدت قاصدا جناحي فغيرت وجهتي جهة ممر غرفة الطفلتين
وما أن وصلت حتى لمحت والدتي عند الممر تتقدم جهة أرجوان
المولية ظهرها لنا لتدخل غرفة أمجد سابقا فعدت خطوتين للخلف
حتى اختفيت عنهما أسمع ما سيجري فوصلني صوت والدتي
قائلة " انتظري لا تدخلي "
لم يأتي الرد من أرجوان وقالت والدتي بعد قليل
" أراك كسرت غرورك وعدتي "
لم تتحدث أيضا لتقول والدتي " اسمعيني جيدا هوا أمر واحد
فقط ترفعي من رأسك فكرة أن تتحكمي في جابر وقراراته
أو تخرجي من هنا كما خرجت شقيقتك قبلك لكن من
دون الأبناء هذه المرة ولا تحلمي بها "
تحدثت حينها أرجوان لأول مرة قائلة " لا تتعبي عقلك
بالتخطيط والتدبير فطلبي الوحيد من ابنك هوا
الطلاق وهي مسألة وقت ليس إلا "
ثم سمعت صوت باب الغرفة يغلق بقوة فقبضت يدي
وضربت بها الجدار وتأففت وغادرت جهة جناحي , هذا
الوضع أصبح لا يمكن السكوت عنه , دخلت الجناح والغرفة
نزعت سترتي وربطة العنق ورميتهما على السرير ثم وقفت
لبرهة وسط الغرفة دون حراك أزفر الهواء من صدري
كالنيران تريدين الطلاق إذا يا أرجوان , ابتعادك عني أصبح
كل ما تريدين وتضحين حتى بالأبناء لتتخلصي مني , أين
الحب والكلام الذي كنتي تقولينه أين حياتي من دونك لا تساوي
شيئا يا جابر , مررت أصابعي في شعري وتأففت نفسا خرج
كالإعصار لأملأ صدري مجددا بالهواء وأخرجته بقوة أحاول
تخفيف ماذا لا أعلم , ثم ما بي هكذا ثارت أعصابي من سماعها
تصر على الطلاق , وأمي من جهة أخرى وما فعلته وتريد فعله
لا أعلم متى سأرتاح في حياتي كباقي خلق الله
غادرت الغرفة وخرجت من الجناح وعدت جهة ممر غرفهم
ولازالت أعصابي تقول للجدران ابتعدي عني
*
*
دخلت الغرفة أمسك دموعي كي لا تنزل ويراها فيما بعد
ليضن أني أهتم جدا للبقاء معه وفي كنفه , جلست وحضنت
الوسادة بقوة أتمتم بهمس " نعم يا أرجوان لا حاجة لك به
اكرهيه انسيه لا يستحق منك ولا حتى الدموع "
ضممتها بقوة أكبر وأنزلت رأسي للأسفل ليطرق أحدهم
الباب فوقفت بسرعة ودخل وكانت سيلا نظرت لي وقالت
" العشاء جاهز والسيد جابر وصل منذ قليل لكنه لم ينزل
بعد هل ستنزلين أم أقول أنك متعبة "
ابتسمت بألم للخادمة التي تراعي مشاعري أكثر من زوجي
ووالدته وقلت " لا تقولي شيئا ولن أنزل "
قالت بحزن " فكري مليا بأي شيء تفعلينه ولا
تتركينا سيدة أرجوان أرجوك "
" سيلا اتركينا وحدنا "
كان هذا صوته من خلفها الصوت الجاف الحازم الذي ارتجف
له جسد سيلا وجعل كل خلية في جسمي ترتعش فرغم كل
شيء نبرة الحزم والقوة لا تفارقه وفي كل حالاته , خرجت
سيلا من فورها ودخل هوا وأغلق الباب خلفه فوليته ظهري
وكتفت يداي لصدري فلم أشعر سوا بيده تمسك ذراعي
بقوة ولفني جهته وقال بحزم
" حين أكون أمامك لا توليني ظهرك يا أرجوان "
بقيت أنظر لعينيه بجمود ودون كلام فقال بحدة
" وهذه النظرة لا داعي لها "
أشحت بوجهي جانبا ولم أتحدث فتنفس بغيض وترك ذراعي
وقال " هل لك أن تشرحي سبب خروجك لمكان دون إذني
وتطلبين من السائق أن لا يخبرني "
جاء ليصفي الحساب مني إذا ولهذا جلبني , قلت ببرود
ولازال وجهي جانبا " خفت على والدتي منكم من
حقي هذا أو ليس من حقي "
قال بضيق " وهل سآكلها أم سأقتلها لتخافي عليها مني "
نظرت لعينيه وقلت " لكني لم أذهب لأضيع شرفي
وشرفك وهذا هوا المهم في الأمر "
رمى يده في الهواء وقال بحدة " وإن يكن تحترميني ولا
ترتعي من ورائي كيف تشائين لأني وثقت بك وجعلت لك
سائقا تحت إمرتك , لما لم تفكري في كل هذا ثم موانع الحمل
وأسألك وتتهربين من الجواب تضحكين مني وكأني طفل هل
تعلمي حجم هذه الجريمة وما تفعل في عقل الزوج يا أرجوان
وكيف يفسر إقدام زوجته على مثل هذا هل وضعتِ نفسك مكاني "
أنزلت نظري وقلت " ذلك عندما يكون زوج آخر وليس جابر
سيد حلمي رئيس الشرطة الجنائية عقله يزن عقولهم
ويعرف مقصدي من هذا "
أمسك ذراعي مجددا وضغط عليها بقوة وقال بحدة أكبر
" نعم وإلا كان مصيرك مني شيء لا يمكنك تخيله "
أمسكت يده أحاول تخفيف ضغطه على يدي وقلت بتألم
" نحن لا يمكن أن نستمر معا يا جابر أنا بث
مقتنعة بهذا وأنت تعلم ذلك جيدا "
هزني بقوة قائلا بغضب " هذا ما تفكرين فيه فقط الطلاق أن
ننفصل أن ندمر أسرة من جديد أما أنا أفكر دائما في مصلحتك
وأنتي آخر من يفكر بي تزوجتك ليس من أجل الدروس ولا
تربية الأولاد كما تتخيلي لأنها مشكلة لن يصعب عليا حلها
بل تزوجتك من أجلك أنتي يا أرجوان من أجل مصلحتك من
أجل مستقبل قلبك وعقلك أردتك معهم كي لا تكوني ضحية "
قلت بصوت منخفض متألم " جابر أتركني ليس التفاهم هكذا "
هزني بقوة أكبر وقال وغضبه يزداد اشتعالا " هل فكرتِ لما
أريد طفلا وأنا لدي الإناث والذكر هل حكّمتِ عقلك وفكرت
أنه من أجلك وليس من أجلي , لأحميك من نفسك يا أرجوان
حين تزوجتك ورأيت كم لك من عقل كبير فكرت أنك الزوجة
التي ستقدر البلاء الذي أنا فيه وتكون بجانبي لكني تسرعت
وأخطأت , لن تفهمي ما أقول مهما شرحت يا أرجوان لن
تفهمي لأنك لا تريدين إلا ما تقتنعين به ... حب وغرام وكلام
معسول ... لا أستطيع لا يمكن , ليس لأني لا أريد ولا لأني
لا أقدر لكن لأنه لا ينفع لي لا يخدم مشاكل حياتي ليتك
تفهمين يا أرجوان لكن دماغك توقف عن العمل فجأة "
قلت بحرقة " توقف عن معاملتي هكذا أنا بشر ولست بغلا
ولما لم تفكر بي ووالدتك تهينني وتتهمني وأم أبنائك في
شرفنا لما وحدي من عليها أن تقدرك وتحترمك "
ترك ذراعي بعنف وخرج قائلا " لا جدوى من
الشرح لك ويبدوا أن هذا الأسلوب لا ينفع "
وخرج وخلفني خلفه كالورقة أرتجف من شيء لا أعلمه
هل هوا الخوف أم الحزن أم الحسر أم كتم الدموع
تحركت ووصلت الكرسي بصعوبة وانهرت جالسة عليه
لتنزل الدموع التي أمسكها أمامه بل بدأت بالبكاء , يضع
اللوم علي وحدي بينما هوا لا يخطأ وهوا المتفضل بما صرت
فيه , لا ويقول بأنه تزوجني من أجلي ويريد طفلا مني من
أجلي أيضا أنا لم أطلب منه لا أن يتزوجني ولا أن يهديني
طفلا من صلبه , مسحت بعدها عيناي بقوة وخرجت أتبعه
فعلى هذه المهزلة أن تنتهي بأي طريقة كانت ولا يعتبرني
شيء يتحكم به كيف يشاء عليه أن يحترم قراراتي ورغما
عنه أيضا , نزلت السلالم مسرعة ليشدني صوته الغاضب
في جهة معينة من القصر فيبدوا أنه انفجر في أحد غيري هنا
ولن يكون غير والدته , توجهت جهة مصدر الصوت وسمعته
يصرخ غاضبا " هي لم تُخبرني بشيء بل سمعت ما قلتِه لها بأذني
أرحموني منكم ومن عذابي متى سأعيش حياة كغيري من البشر
ما الذي فعلته أكافأ عليه بالعيش حياة كهذه , متى سأرتاح من
هذا هموم في الخارج والداخل "
قالت والدته بحدة " اذهب وارفع صوتك عليها وليس عليا يا ابني
يا تربيتي أم لأنها لم ترضى عنك جئت تنفس غضبك بي لما
لا تضربني وتطردني لترتاح مني "
قال حينها بحدة أكبر " بل أنا من سأريحكم مني فقد
سئمت منكم ومن حياتي "
ثم سمعت صوت باب ضربه بقوة وخرج من بداية الممر حيث
أقف واجتازني وكأنه لا يراني وابتعد بخطوات غاضبة فعدت
أدراجي مسرعة قبل أن تخرج والدته وتجدني وتنفس غضبها
بي أيضا , عدت للأعلى ودخلت الغرفة وأغلقت الباب
وجلست على الأريكة ألهث بتنفسي بسبب ركضي لأصل
بسرعة , إذا سمع ما دار بيننا وقالته والدته لكن ما عناه
بأنه هوا من سيرحمنا منه وفي ماذا يفكر !! أمسكت جبيني
بيدي أضغط عليه بقوة وأحاول تفسير ما قاله لي هنا كان
الغضب قد أعماه وتفوه بأشياء مبهمة لم أفهم منها شيئا
ما معنى أنه لديه بلاء وما معنى كل ما قاله عن أن الحب
لا ينفع له ومكره لأن يكون هكذا , أشعر أنني في لغز
محير ويطلب مني أن أتفهمه وأستحمل , من يرضى
لنفسه أن يكون محكوما عليه بالإعدام ويبتهج بوضعه
بعد وقت مسحت دموعي ودخلت الحمام غسلت وجهي
وخرجت لغرفة الفتاتين ومر يومي معهم أحاول أن أكون
طبيعية أمامهم وأنفرد بحزني وحدي
*
*
صباح ليلة البارحة تسللت من السرير قبل أن تستيقظ
وخرجت من الغرفة بل وجنبتها رؤيتي باقي النهار , لا
أصدق أنها نامت في حضني بل كانت تدفن نفسها فيه أكثر
وتمسك قميصي بقبضتها بقوة وكأنها تخشى أن أتركها
وتمنيت فقط أن سألتها إن كانت مستيقظة وتعي ما تفعل
وخفت أن تكون نائمة وأوقظها بكلماتي ونصبح في مشكلة
عند المساء خرجت من غرفة الجلوس حيث سجنت نفسي
باقي النهار وجلست في الصالة عند التلفاز وشغلته بدون
صوت لينفتح باب غرفة النوم وخرجت منه ووقفت أمامه
تنظر لي بصمت وكأنها تريد سؤالي عن شيء وتمنع نفسها
لن تسألني أين كنت طبعا لأنها إن بحثت عني لوجدتني هناك
نظرت لي لوقت ثم قالت بهدوء " رضا أين كنت "
نظرت لها بحيرة مطولا ثم قلت " في غرفة الجلوس "
نظرت لي باستغراب ثم قالت " طوال النهار هناك !! "
ابتسمت وقلت " نعم جربت أن أجنبك رؤيتي لترتاحي مني "
تركت المكان وعادت للغرفة مجددا دون أن تضيف شيئا
هل خافت وضنت أني كنت خارج الشقة أم انشغلت علي
آه يا رضا يالا مخيلتك الواسعة هل تضن أنها ستقلق عليك
وقفت دون أن أفكر ولا أقرر ودخلت الغرفة فكانت تجلس
أمام مرآة التزيين تمشط شعرها فاتكأت على طرف الباب
بكتفي وقلت بابتسامة " هل تسمح لي فاتنتي أن أنام على
السرير الليلة فعظامي لم تعد تحتمل أكثر صلابة الأريكة "
وضعت المشط ووقفت وقالت متوجهة نحوي
" إذا أنا سأنام هناك "
أمسكت ذراعها قبل أن تخرج من أمامي وقلت
" زهور البارحة نمت هنا وأنتي في حضني ولم أنقض
عهدي لك ولم ألمسك فدعينا نتصرف كشخصين راشدين "
نظرت لي باستغراب بادئ الأمر ثم قالت " كاذب "
تنهدت وقلت " بل أنتي من طلب مني ذلك وكنت في
نومك تنادينني رغم أنك في حضني "
استلت ذراعها مني وقالت بحدة " كاذب أنا لم أفعل ذلك أنت
من تستغل ضعفي دائما أنت من تنتهز الفرص لتضيعني أكثر "
قلت بضيق " توقفي عن هذا يا زهور أنا لم أقصد يوما إيذائك
وأنتي تعلمين ذلك جيدا كان الأمر حادثا منذ البداية جلبت لك
الدراجة التي كنتي تتمنين فقط أن تركبيها ولو مرة في حياتك
ومن كثرة ما كنتي تتحدثين عنها أمامي ومن كثرة ولعي بك لم
أقدر إلا أن أجلبها ولو غير مناسبة لسنك وطولك ولم أعلم أن
نتيجة ذلك ستكون تلك الحادثة المشينة وكنت أنوي إصلاح
الأمر وخطبتك مرارا ووالدتك رفضت وأنتي تعلمين ذلك جيدا "
قالت بحدة " نعم فذلك وحده ما قدرت عليه كنت تعلم
وتركتني أتزوج دون أن تخبرني .. لماذا وما تفسير ذلك "
قلت بحدة أكبر " وما يدريني أنك لا تعلمين بذلك ما يدريني
أن فتاة تدرس في الجامعة ولا تعلم تلك الأمور ظننتك تعلمين بالأمر "
قالت بحرقة " كيف وممن وأنت وحدك من يعلم طبيعة حياتي
فما لم تُعلمه أنت لي لا أعلمه وما لم تخبرني عنه لا أحد
سيخبرني به فحتى جامعتي كانت انتساب "
رفعت يداي جانبا وقلت " وما يدريني أنا أيضا لما وحدي الملام "
قالت ودمعتها تدحرجت من عينها " وإن يكن كنت أعلم
وإن فرضا ذلك أنت تعي أن من سأتزوجه سيكتشف الأمر
لكنك هربت من البلاد ولم تفكر بي وفي ردة فعل ذاك الرجل
وردة فعل أشقائي ووالدتي لو أخبرهم ذاك الزوج , كيف نسيت
أني تزوجت من ضابط في الجيش يعني الصفعة من يده كالضرب
بالكهرباء ليحول جسدي لخرائط من التعذيب وأنت السبب "
ثم أشارت بإصبعها لوجهها وقالت ودموعها تزداد نزولا
" هل ترى هذا الجمال الذي تتغزل به لقد أصبح مجرد قشور
لامرأة بجسد مشوه من أثار التعذيب "
شعرت بكل خلايا جسدي تخونني أمام دموعها وكلماتها
فقلت بصوت منكسر " لم أقصد الهرب من مواجهتهم أقسم
لك يا زهور أردت أن أبتعد ولا أراك تصيرين لغيري ضننت
أنك وافقت وتزوجته لأنك وجدت حلا للأمر ولو بإجراء جراحة "
قالت بسخرية " جراحة لماذا يا رضا لجسدي أم لقلبي لكي
ينسى جرحك وتخليك عني , كنت تعلم أن والدتي من
تجبرني على كل ذلك ومع هذا هربت وتركتني "
ثم أشارت لي بإصبعها وقالت بحقد " لكنك سترى ما رأيت
وكما رأيته تماما هوا شهر واحد وسأرجع من حيث أتيت
وسأخبر الجميع أنك رجل عاجز ولا يمكنني العيش معك
أكثر وستطلقني رغما عنك وستعاني الشبهة طوال حياتك ولن
تتزوج مثلي تماما سنبقى كلينا نبكي الجراح والشبهة "
نظرت لها بصدمة مما قالت وسمعت ثم قلت بهمس
مصدوم " تقولين عني أني عاجز "
قالت بجمود " نعم لتجرب أن تعيش ناقصا في عين
نفسك رغم كمالك لتقاسي ما قاسيت أنا "
هززت رأسي وقلت " مجنونة هل تعلمي أنه يمكنني
أن أجعلك تحملي مني والليلة "
ابتسمت بسخرية وقالت " لن تستطيع يا رضا مهما حاولت
وفعلت لن ينجح ذلك أبدا "
نظرت لها بصدمة أكبر أحاول تفسير ما قالت ثم قلت
" تحبينني يا زهور قلتها البارحة لي مرارا أحبك يا رضا
لا تتركني وحدي فدعينا ننسى ما فات "
صرخت بحرقة " كاذب أنا لم أقل ذلك "
قلت بحدة " بلى قلتها لما لا تعترفي يا زهور كنت أسيطر
على نومك بسبب ضغطك على نفسك وأنتي مستيقظة "
صرخت بقوة وبدأت برميي بكل ما طالته يداها تبكي وتصرخ
فتوجهت نحوها وأمسكت ذراعاها وهززتها بقوة وقلت بحرقة
" توقفي وارحمي نفسك وارحميني يا زهور أرجوك "
لكنها لم تزدد سوا صراخ بهستيرية فلم أشعر سوا بيدي تضربها
على خدها بقوة لتسقط أرضا تمسكه وتنظر لي بصدمة ودموعها
لا زالت تنزل وبغزارة وعبراتها تتلاحق دون توقف فنزلت عندها
وشددتها لحضني وقلت بحزن " زهور ارحميني أقسم أني أحبك
أكثر من نفسي وأن ما في جسدك أشعر به وكأنه في جسدي "
قالت ببكاء " لن تشعر بي أبدا لأنك لست مكاني لقد دمرتني
لقد أنهيتني ولن أرتاح ما لم تقاسي مثلي "
ضممتها لحضني أكثر أخفي شهقاتها وارتجافها فقالت بعبرة
" أحببتك وأدمنتك يا رضا لكنك قتلتني مثل والدتي حين
حرمتني منك وقتلت قلبي وحلمي أنتما السبب في كل ما
حدث لي أكرهكم جميعكم "
ضممتها أكثر حتى كنت أكاد أدخلها لجوفي وقلت بهدوء
" توقفي عن تعذيب نفسك يا زهور لا أحد يكرهك ولا أحد يريد
إيذائك أنتي كنتي ضحية لظروف أرغمتنا على ذلك أعترف
أني أخطأت ولم أتحدث مع جابر وأحكي له كل ما حدث ليجد
حلا للأمر ويلغي ذاك الزواج بأي طريقة كانت لكن الأولى كانت
دون قصد مني يا زهور أرجوك ارحميني من تعذيب الضمير "
استكانت وهدأ ارتجافها وبكائها شيئا فشيئا وهي تحكي عن
معاناتها طوال تلك الفترة وكأنها تخرج ما في جوفها وتكتمه
لسنوات وأنا لم أتحدث بحرف أستمع لها وقلبي يتفتت عليها وما
بيدي شيء غير سماعها وتركها تحكي ما قتلها لسنين وهي
تسجنه بين ضلوعها فلعلها ترتاح ولو قليلا , وبقينا على ذاك
الحال حتى هدأت تماما وتوقفت عن الكلام واستسلمت للنوم
بين ذراعاي فحملتها ووضعتها على السرير وخرجت من
الغرفة وجلست في الصالة رأسي بين يداي أفكر في كل ما
قالته , كانت تنوي فعل ذلك وتشويه سمعتي لتأخذ بحقها
مني لذلك وافقت على الزواج بي إذا كانت تريد أن تتركني
بلا مال ولا سمعة ولا سكن , لم أكن أتخيل أنها حقدت علي
لهذا الحد حتى فكرت في تدميري دون تراجع , تنفست بقوة
ومسحت وجهي بيداي ورفعت رأسي واتكأت على طهر الأريكة
وأغمضت عيناي ولم أشعر بنفسي سوا بعد وقت نائما عليها
جالسا مكاني فوقفت وعدت للغرفة فكانت نائمة كما تركتها
فدخلت وجلست بجوارها على السرير أمسح على شعرها
ونظري لا يفارق ملامحها وشيء واحد يدور في رأسي
وهي كلماتها حين قالت أن هذا الجمال أصبح مجرد قشور
فكم عانيت يا زهور ولا يعلم عنك أحد ولم أعد ألومك في
أن تحقدي علي , انقلبت للجانب الآخر مولية ظهرها لي
فمددت يدي لخيط الفستان من الخلف وفتحته ببطء ليظهر
لي ما يخفي وارتجفت جميع مفاصلي لآثار الضرب التي
شوهت ظهرها في أماكن عديدة فقبضت على الخيط بيدي
وأغمضت عيناي بقوة وحرقة وأشعر بنيران تشتعل في
داخلي غضبا من نفسي قبل الجميع , سحقا لك يا رضا يا
غبي يا مغفل لو تركت جابر وقتها يسلخ جلدك عن عظامك
واعترفت له لكان أفضل من أن تتعذب هي بالنيابة عنك , ولم
تفكر إن أخبرهم ذاك الرجل بما علم تلك الليلة لكانوا أنهوا مسيرة
تعذيبها فالشرف لا يرحم فيه أحد , خرجت بعدها من الغرفة بل
ومن الشقة ونزلت للأسفل فشعوري بالاختناق لا يمكن وصفه
*
*
خرجت من الغرفة راكضة فأمسكت ذراعها وجذبتها
نحوي فقالت بضيق " معتصم أتركني من أين
تخرج لي أنت ومتى دخلت "
جذبتها لتلتصق بصدري وقلت " أنا هنا منذ وقت
وأستمع لشجارك وعمر وسأريه ولن يتعبك مجددا "
قالت وهي تحاول الابتعاد عني " اتركني قد
يرانا أحد فما سيضن بنا "
أمسكت وجهها بيداي وقبلته في كل مكان فيه قائلا
" يقول زوجته واشتاق لها وجاء لرؤيتها "
قالت بضيق وهي تدفعني عنها " معتصم ماذا تفعل
أتركني قلت لك ولا تنسى أين نحن الآن "
قلت بابتسامة جانبية " اعتراضك على المكان فقط
حسنا سنغيره ما رأيك في غرفتك أو غرفتي "
شهقت بقوة فضحكت وضممتها لحضني وقلت " لا تخافي
ما بك كدت تموتين وتتركيني أقسم أني اشتقت لك يا ظالمة "
ابتعدت عني وقالت " معتصم ماذا تريد بالتحديد اشرح لي لأفهمك "
أمسكت وجهها مجددا وقلت " كل هذا ولم تفهمي "
قالت بهدوء " اعتبرني غبية واشرح لي أكثر "
قبلت جبينها ووضعت أنفي على أنفها وقلت بهمس
" أحبك يا أجمل غبية في الوجود أحبك أكثر من كل
شيء وحتى الرسم هل فهمتي الآن "
نظرت لي مطولا بحيرة ثم قالت " إن طلبت
منك ترك الرسم هل تتركه يا كاذب "
قبلت جبينها مجددا وقلت " أقسم إن خيروني بينه
وبينك لاخترتك وإن كان الثمن أن لا ألمس ريشة
الرسم ما حييت "
بقيت على صمتها ونظرتها ازدادت حيرة وضياعا في
عيناي فقبلت شفتاها قبلة صغيرة وللمعجزة لم تتمنع أو
تهرب فزدت الأخرى وأنا أقول " أحبك بتول أحبك "
وهي جامدة مكانها سوا من توثر أنفاسها وقلبي يكاد يرقص
فرحا وفعلت الخطوة الأكبر وجذبتها لي وقبلتها بقوة لينفتح
باب الغرفة ويخرج منه عمر فابتعدت بسرعة وركضت قائلة
" تبا لك يا أحمق هل ارتحت الآن أحمق ومغفل وقليل حياء "
وواصلت وعلى هذا الحال حتى اختفت وأنا كنت أراقبها مبتسما ثم
نظرت لعمر وقلت بضيق " أنت ما أخرجك هذا الوقت يا مفسد "
حرك يديه في الهواء وقال " وأخيرا وجدتها شكرا لك يا ابن عمي "
ثم عاد لغرفته وأنا أنظر له بحيرة واستغراب ثم غادرت
تاركا المكان بعدما أشبعت شوقي وظمئي وركبت سيارتي
وأنا أتحسس شفتي بلساني مبتسما وكأني أتأكد مما حدث
فلازلت أشعر بملمس شفتيها حتى الآن ... آه من عشق
النساء كم هوا مهلك
*
*
مر أربعة أيام على خروج جابر ولم يرجع حسب كلام سيلا
ولم ينم هنا فهوا سابقا رغم أنه قد يقضي جل النهار في عمله
إلا أنه يزور القصر من وقت لآخر أقلها مرتين وها نحن نعبر
اليوم الخامس ولا أثر له هل كل هذا غضب مني ووالدته أم
حدث له مكروه ولا أعلم ! ومن أين سأعلم فحتى إن انقلبت
الدنيا في الخارج لا علم لي بها لأننا ممنوعون من الخروج
وحتى إن علمت والدته شيئا لن تخبرني طبعا ثم كيف يذهب
ويترك ما بيننا معلقا هكذا هل يكون سافر ! لكنه أخبرني سابقا
أنه لا يركب الطائرة ولم يذكر السبب وأستغرب كيف قبلوه في
منصب كبير كهذا ولا يسافر للاجتماعات في الخارج ويوكل
شخصا عنه , نظرت لهم خلفي فكانوا منشغلين باللعب فغادرت
الغرفة وذهبت للصالون المخصص للتلفاز هنا وشغلته وجلست
أقلب في القنوات المحلية والفضائية أشاهد الأخبار فإن أصابه
مكروه سيتحدثون عن الأمر , بقيت أتنقل بينها كثيرا حتى شعرت
بالملل فرميت جهاز التحكم ووقفت وعدت من حيث جئت فمالي
ووجع الرأس هل اهتم هوا بي وبأمري , دخلت الغرفة على
بكاء ترف فقلت بحدة " أقسم أن آخذها منكم لو
سمعت شجارا أو بكاء بسببها "
ناولها أمجد لها وقال بضيق " خدي أنانية دائما "
تنفست بقوة وقلت بغضب " ترف ستلعب بها صباحا لأنها
لا تنام ولساعة فقط بيسان بعد الغداء وأمجد قبل النوم ومن
الغد ستسيرون على هذا النظام أو أنا من سيحطمها مفهوم "
هزوا رؤوسهم بحسنا ينظرون لي باستغراب وخوف ولأول
مرة أرى هذه النظرة في أعينهم ثم وضعت ترف اللعبة على
الأرض ولم تلمسها فأمسكت رأسي بقوة وضربته بقبضتي
منذ متى تفرغين غضبك بهم يا أرجوان منذ متى كان هذا
أسلوبك معهم صراخ وغضب ونستِ أنهم أمانة شقيقتك
ووالدك , جلست على الأرض وانهرت باكية وكأني أفرغ
كبث اليومين بأكملهما فتوجهوا نحوي ترف تبكي معي و بيسان
وأمجد يحاولان الحديث معي فضممتهم لحضني أواصل بكائي
الذي هم آخر من كنت أريد أن يروه فقد تعبت ... تعبت من
نفسي ومن مشاعري ومن وضعي أقسم أنني تعبت حقا
بعد وقت أبعدتهم عني وتركت الغرفة وسجنت نفسي في
غرفتي كعادتي مؤخرا أمضي ساعات فيها لوحدي لأني
لا أريد أن أفرغ غضبي من والدهم وجدّتهم بهم
ارتميت على السرير وغطيت جسدي باللحاف حتى رأسي
ونمت في غير وقت نومي المعتاد ولا أعرف كيف ولا لما
لأجلس مفزوعة على صوت رنين هاتفي وأسكته من فوري
أنظر بحيرة للرقم الغريب على شاشته , من يكون يا ترى لم
يسبق واتصل بي رقم غير من أعرفهم ولا بالخطأ , لم أستطع
الإجابة عليه وقلبي يقول لي قد يكون شخصا يعرف جابر وقد
يكون حدث له مكروه ما , نفضت كل تلك الأفكار من رأسي لأنها
باتت تسيطر عليا بشكل مزعج على صوت رسالة رنت في هاتفي
ففتحتها من فوري فكانت من ذات الرقم وفيها ( أنا منصور عم
زوجك يا أرجوان أريد أن أراك من أجل أمر مهم ودون
علم أحد وأي كان )
المخرج كلمات لحبيبتي المبدعة عذراء سوداء القلب
وسن أنتي ملكي لي
أنتي امرأة غير كل النساء :
أنتي امرأتي ومعشوقي
بالله عليك ارحمي قلبي الملتاع في حبك سيدتي
يا امرأة اشتققت اسمها من سنيني
ماذا تريدين بعد ؟
هل تريدين هدم السنين
أنا عاشق مجروح جرحه غائر يأبى الشفاء فضميني
ضمي أجنحتي واهديني سنين سعادة بين حناياك فأودعيني
***********
نهاية الفصل ..... أتمنى يكون عند حسن ظنكم ويستحق انتظاركم