المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
ربي اخذها منك !
في تلك الليلة الحالكة و في العمارة السابعة في شارع رقم 4
كان ذلك الطفل ذو العشر سنوات يلعب في السيارة ببعض الألعاب البلاستيكية المتشققه ذات الرائحة البترولية
يشعر بالملل ..
ضجراً جداً بعد ان تركته والدته ذات البشرة المخملية بفستانها الشبه عاري ذو اللون الكرزي مع عباءة مخصره تنتحت تفاصيل جسدها بنقوش ذهبية و كريستالات تتدلى حول الخصر
تركته لأكثر من ساعة الآن لوحده في سيارة 'كورولا' قديمة خلف العمارة
حيث لا توجد اضاءة و الشارع معتم جداً
لم تترك له المجال حتى ليخبرها بأنه خائف للغاية من العتمه
فهي قد نبهته قبل ان تتركه و هي تلوح باصبعها السبابة بتهديد : أبقى في السيارة و لا تنزل بتاتاً حتى آتي اليك و الا حطمت العصى على ظهرك !
ابتلع ريقه و اخفض راسه و في عينيه دمعه توشك ان تفضح نقص الحنان الذي يشعر به منذ ان طلع على هذه الدنيا ببشرته السوداء الداكنة
لم تكتفِ والدته بذلك بل راحت تلعن و تشتم والده الذي انجبه ، و ختمتها بنظرة نارية اصابت قلبه على الفور و امتلئ بالرعب ف اخفض راسه
حالما رأى والدته تبتعد .. مد ذراعيه و أشعل مصباح السيارة .. شعر بقليل من الأمان و باشر اللعب بألعابه التي اشترتها له عمته الاسبوع الماضي ، بالرغم من انها لعبة عادية للغاية مجرد أشكال على شكل اناس و حيوانات و شجر .. الا انها عنت له الكثير فهي اول لعبة يحصل عليها في حياته من عمته التي زارتهم لاول مرة منذ زواج والديه قبل احدى عشرة سنة
مضت ساعتين على ترك والدته له .. لقد جاب السيارة ، و تنقل في أرجائها مرة يقفز للأمام و مرة يعود للخلف .. تأفف اخيراً و هو يضع راسه على الكرسي ، و بدون ان يشعر غط في نوم عميق ، ببراءة سكن جسده على ذلك الكرسي السميك ، و الهواء تشوبه الحرارة و الرطوبة .. لكن النوم غلبه رغم كل شيء .. رغم تعب المجيء الى هنا في سيارة والدته لثلاث ساعات من اجل حفلة تقيمها احدى زميلاتها في الجامعة
مضت اربع ساعات على ترك والدته له .. فتح عينيه على ظلام حالك و هواء خانق و حار .. شعر و كأنه سيموت في الحال من شدة الرعب ، مد ذراعيه و هو يبحث عن زر الانارة .. بعد دقيقتين من الهلع وجده و كأنه وجد كنزاً ، أشعله و فتح النافذة عَل النفس ينتظم , اخرج راسه من النافذة و اتكأ على النافذة .. ظل على حاله لفترة , بعض النسمات تمر على وجهه فـ يغفو و يستيقظ مرة اخرى
بعد خمس ساعات .. كان ساكننا في مكانه يراقب قطة مرقطة بالاسود تنبش القمامة ، و تموء على قطط اخرى لم يستطع رؤيتها جيداً .. و تاره ينظر الى باب العمارة الخلفي و ينتظر خروجها , والدته التي تركته منذ خمس ساعات ، يريد العودة الى المنزل بشدة فقد اشتاق الى والده ذو البشرة الداكنة .. والده .. حُب والدته الاول و اكثر شخص باتت تبغضه اليوم !
قرر ان يستجمع شجاعته و النزول رغم تهديدات والدته من النزول فهي تشعر بالخجل من القول بأنه ابنها !!
فتح باب السيارة.. قفز و أغلقه بخفة ، دلف من الباب الخلفي ل يعشي النور عينيه في الداخل و صوت الاغاني يصدع بقوة
اقترب بتردد من الشقة اسفل السلالم في الطابق الارضي
طرق باب الشقة .. لكن لم يجبه احد
فصعد الى الطابق الاول عله يجدها هناك .. طرق باب الشقه بيديه العارية و بلباسه المتواضع .. نظر بخجل حالما فتحت له الباب فتاة عشرينية تلبس نظارة و تمسك بكتاب احياء بين يديها ، و بفمها الذي تمضغ به العلكة صاحت : نعم !
همس برقه و براءة : هل امي هنا ؟
مسحت على راسه بخفه قبل ان تقول : و ما اسمها ؟
بصوت مبحوح أجابها : غادة ال****
ابتسمت و هي تضع الشال على راسها و ترمي الكتاب و تمسك بيده : 'يختي على الخجول ! ' .. ربما أمك في الاعلى ، فهنالك حفلة في الشقة العلوية س اذهب معك
شعر بان الطريق طويل الى تلك الشقة ف خلال ذهابهم الى هناك كانت تلك الفتاة تمسك بيديه و تقرص خديه بمرح بل و ودعته بقبلة على الخد و اخبرته بان اسمها هو سناء ! و تركته امام احد الأبواب بعد ان طرقت الباب و أخبرتهم بانه ابن غادة ال****
شعر بالتوتر امام ألكم البسيط من اللطافة التي لم يعتدها من الجنس الناعم ، ف والدته منذ ان خرج للحياة و هي تلعن اليوم الذي ولد فيه طفل اسود ذو البشرة الداكنة لها ! و كانها لم تكن تعلم بان زواجها من والده ذو البشرة الداكنة سيخلف ثمرة تشبه احد الوالدين !
ربتت على راسه تلك الفتاة التي فتحت الباب و هي تقدم له كوب عصير امام الباب : 'شو اسمك حبيبي ؟ '
ابتسم بخجل و هو يلف يديه حول كوب العصير : ' محمود '
ارتشف قليلاً من العصير الملون قبل ان تخبره الفتاة : ' راح تجي ماما بعد شوي طيب ؟ '
أفسحت له المجال للدخول و اجلسته على كرسي بقرب الباب
لم يرفع راسه إطلاقا بعد ان شعر بالغثيان من كمية العري امامه ! اكتفى بارتشاف العصير بخجل و هدوء
لم يتوقف او يرفع رأسه حتى أتته صفعة من حيث لا يعلم !!
لم تكن سوى والدته ، التي امسكت بياقته و راحت تهزه بقوة بوجهها المحمر
صفعته ربما عشرات الصفعات ، ضربته على ظهره بشدة ، و لم تسلم مناطق متفرقة في جسده من الضرب و هي تصرخ فيه و على وجهها نظرة احتقار : ' فشلتني ' امام صديقاتي ..
تضربه بجنون و تصرخ ' فشلتني '
الجميع ينظر إلى غادة التي تضرب ابنها بجنون .. بغرابة !
ما الذي فعله ذلك الصغير حتى يضرب !
رفع رأسه المنحني قليلاً على نظرات الشفقة من المتجمهرين حوله
ارتفعت حرارة جسده فجأة و شعر بأن وجهه مشتعل .. ليس من صفعات والدته .. لكن من الاحراج الذي سببته والدته له ..
لم يعلم وقتها ما الذي عليه فعله ليتدارك انكساره !
سوى الركض باقصى سرعته حالما سمحت له الفرصة بالهروب من بين يدي والدته 'الحسناء البيضاء' ما ذنبه ان كان والده اسمر البشرة ، ما ذنبه ان خلق هو ايضاً ببشرة داكنه ؟! ما ذنبه !!
ما العار في كوني اسود ؟ هكذا كان يسال نفسه و هو يركض بخطى واسعة
لما امي هكذا ؟ كان يسأل نفسه و هو يركض للخروج من اول باب صادفه في الطابق الارضي
لحقت به الفتاة التي استقبلته و هي تلقي بنظرة احتقار على والدته : ' محمود ' .. ' انتظر قليلاً !! '
ذيل فستانها الطويل لم يسمح لها بالركض
و حالما وصلت الى الطابق الاولى ، اصطدمت بسناء تلك الطالبة الجامعية ، امسكت بيديها بقلق و هي تشير الى محمود الذي يركض : ' الحقيه بسرعة ' ، 'بعدين أفهمك القصة '
ركضت سناء بقلق و تبعتها الفتاة الاخرى التي تدعى طيف بذيل فستانها الطويل بنفس شبه مقطوع
اخيراً وصلت طيف الى الباب الأمامي للعمارة
رأت سناء تجلس على الارض و تعلو وجهها ملامح الصدمة
توقفت امام سناء و صرخت بقلق : ' ايش فيه ؟ '
اشارت سناء بيديها الى الشارع العام امام العمارة .. و هي في صدمة تامه
اما طيف التي انهارت بالبكاء بجانب سناء فقد كانت تهز سناء بخفة و تتكئ عليها
لخمس دقائق سناء تنظر للخارج بصدمة و طيف تحاول تدارك شهقاتها و دموعها
و الحارس بجانبهم يهز راسه بلا حول و لا قوة
اخيراً بعد ست ساعات نزلت غادة .. والدة محمود
تتبختر في مشيتها و تتغنج ، تمضغ اللبان بفم مفتوح و هي تحادث زوجها على الهاتف و تنهره : ' يالله زين ، اللحين راجعه ' و قبل ان تغلقه لعنته و هي تصرخ بغضب ' الولد في السيارة يا ***** '
وقعت عيناها على سناء و طيف و الحارس و الحالة الماساوية التي هم فيها
اقتربت و باحتقار هزت كتف طيف : ' هي انتي ايش فيكي تبكي كان ميت عليكي احد ؟ '
نظرت اليها طيف بوجه محتقن من الدموع .. مسحت وجهها بكم عبائتها و همست بصوت مبحوح : ربي خذ مني احلى نعمة و اعطاك أياها .. و لما انتي ما صنتيها ..
اشارت الى الخارج ، هنالك حيث سيارة الإسعاف و دورية الشرطة
اردفت : ربي اخذها منك !
اما غادة فقد نظرت الى الشارع ببطئ
شعور سيء يراودها الان !
تتردد عبارة طيف في عقلها
: ربي اخذها منك !
: ربي اخذها منك !
: ربي اخذها منك !
هنالك حيث جثة طفلها الوحيد التي تمزقت الى اشلاء بعد ان راح ضحية اعتراضها على خلقة الله و سائق شاحنة ارعن !
.
.
.
* ملاحظة : القصة واقعية , و الطفل توفي عام 2007 بعد ان تم ضربه على يد والدته في حفلة صديقاتها فـ هرب باكياً ليلقى مصرعه في الشارع امام العمارة .
|