كانت غير قادرة على القيام بأكثر من ذلك, ظنت أنها أحست بضربات قلبه تتسارع. كانت يده ثابتة على وجهها, و كان ينتظر خطوتها التالية.
"أوهـ." قالت لاهثة و خرجت منها الكلمة من دون إرادة. أخجلها الصوت و تراجعت عنه محدقة بالأنوار المتلألئة بين أغصان الصنوبر. بقيت يده للحظة على خدها, و لكن, عندما رفضت النظر إليه أحست بيده تهوى.
أخذها من يدها. "هيا لنذهب و نتظاهر بأننا عاشقان."
"هل من المفروض الآن أن أغمرك بالعاطفة؟ و لكن هذه ليست طبيعتى, و قد لا حظت ذلك."
قادها نحو البقعة الأقرب إلى السليفرادو. شد على يدها. "لن ننقاد كثيراً للعاطفة. حاولى أخذ الأمر برواية. أتفقنا؟"
"لكن روتش قال..."
قال جيل و هو يلف ذراعه حول كتفها: "أنسى ما قاله روتش."
تمكنت من رسم ابتسامة صغيرة على وجهها. "ماذا تعلم عن الأمر؟ هل وقعت يوماً فى الحب؟"
أحست بذراعه تشدها بقوة. ثم سكت برهة. "لقد أحببت مرة." جلس على الحافة العريضة و أحلسها بقربه. "حسناً. الآن نتحدث. بين كل فترة و أخرى و سوف أعانقك. تابعى النظر فى عينى كما و كأننا عاشقان."
نظرت فيكى فى عينيه اللتين بدتا بسواد الليل. ابتسمت محاولة إبقاء صوتها هادئاً و غير مبال. "هل هذه روح الأخراج تصدر منك الآن. ترسم هذه الأحداث فى ذهنك؟"
قرب جبهته من جبهتها و لمس شفتيها بسبابته. "أنا لست من هذا النوع من المخرجين, الوحدة الثانية هى ما أريد."
سألته: "و ما الوحدة الثانية؟"
ابتسم لها, عضت على شفتها و حاولت الابتسام مرة أخرى.
"جيد, حافظى على هذه الأبتسامة, أنها عذبة."
نظرت إليه غير واثقة من النظر إلى عينيه.
فقال و هو ينظر فى وجهها: "هذا هو المطلوب." لقد فهمت أنك تبدين كامرأة مغرمة, أنك ممثلة حقاً." حملق بها طويلاً.
أحست فجأة بالدموع فى عينيها, و حاولت إخفاءها و هى ترفع ذراعيها نحو رقبته. وضعت يديها على تجويفة كتفيه القاسية و شبكت أصابعها وراء رقبته.
أتسعت عيناه عندما رأى خيال الدموع فى عينيها و قال برقة: "يا إلهى, يا إلهى." و جذبها نحوه و ضغط وجهها على كتفه و كأنه يطمئنها إلى أنها بأمان. ضمها لفترة طويلة و قلبه يخفق بسرعة مثل قلبها.
ثم انحنى و عانقها, كانت يداه لا تزالان تلامسانها. لم يعد يطلب منها معانقته فقد قامت بذلك طبيعياً, لأنها أرادت ذلك.
رفع خصلة من الشعر عن وجهها ثم حدق بشفتيها. "فيكى." و هز رأسه و هو بين العبوس و الأبتسام: "من الأفضل أن ندخل."
مدت يدها فالتقطها و قبلها. و هذه المرو, عندما تبادلا النظرات, لم يكونا يتظاهران و كلاهما كان يعرف ذلك.
فى الداخل, صب جيل قليلاً من البراندى و شربه دفعة واحدة. كان وجهه متوتراً و قال من بين اسنانه: "حسناً, لقد انتهت المهمة."
وقفت أمام باب الشرفة متوترة. كانت تعلم أن عليها الذهاب إلى غرفتها و إغلاق الباب بينهما, لكنها لم تستطيع, ليس الآن.
"متى...متى وقعت فى الحب؟"سألته و هى تنظر إليه.
وضع كأسه و حملق بها. "منذ سنتين." صب لنفسه كأساً آخر و استدار ينظر إليها. أى نوع من النساء هى؟ سأل نفسه. تقف هناك مع مجوهراتها و ثيابها الغالية الثمن و كأنها أنسانة من الطبقة الراقية و فى الوقت نفسه خجولة مثل تلميذة مدرسة.
"ماذا حدث لها؟ المرأة التى أحببت؟"
تفرس جيل بكأسه: "لقد ماتت."
"أنا آسفة."
"و أنا أيضاً."
"هل كنت.... كنت تريد الزواج منها؟"
رشف كأسه و نظر إلى اللون البنى للمشروب. "نعم. كنت أريد الزواج منها."
تقدمت فيكى نحو الأريكة و جلست. و مررت يدها فى شعرها و نظرت إلى جزمتها البيضاء اللون. "أنا آسفة, لم يكن على إثارة الموضوع. أنه فقط....."
"انه فقط ماذا؟ سألها بتجهم. بدت متعبة و مرتبكة. كما أنها بدت مزيجاً من أميرة الاستعراض و ملكة الثلج.
لعقت فيكى شفتيها. "أنه فقط.... لو تزوجتها, هل تكون هنا الآن؟ تفعل هذا؟ ما نقوم به سوياً؟"
كان سؤالاً غريباً, و فكر, إنه سؤال ما كان يجب أن يُطرح أبداً لو كانت ميللى على قيد الحياة. ميللى, فكر بمرارة, ميللى كانت الفتاة التى يجب أن يفكر يها, ليس فيكى.
كانت ميللى المرأة الوحيدة التى أحبها بصدق, لم يكن من شأنه التورط مع هذه الطفلة الجالسة أمامه, هذه الفتاة الغريبة و التى لا تربطه بها اية قواسم مشتركة.
و قال بعد فترة قصيرة: "كلا, لما كنت هنا."
أومات برأسها و كأنها أحست بالرضى. "حتى لو عنى ذلك فرصة لإخراج...ما تسميه... الوحدة الثانية؟ الإثارة؟ لما كنت هنا حتى لهذا السبب؟"
"كلا. كنت وجدت سبيلاً آخر. لما كنت تركتها للقيام بشئ كهذا."
أومأت برأسها مرة ثانية لم تكن فيكى إلى ماذا تريد الوصول و لماذا أعطته الاندفاع بالحديث أو الحديث عنها, لككنه فعل.
"كان اسمها ميلانى." قال محاولاً إخفاء العاطفة من صوته. "كانت من مونترى, مثلى. كانت فتاة ذكية, فتاة لامعة.... درست التاريخ فى الجامعة و تخرجت بتقدير جيد جداً. لكن عمل المخاطر كان يستهويها. مثلى تماماً. و هذا..... ما قامت به كعمل. كانت جيدة." أصبح صوته أكثر نعومة و هز رأسه متذكراً. "كانت جيدة."
لم تقل فيكى شيئاً, و ما زالت محولة أنظارها عنه, بل كانت تستمع فقط. و كانت ملامحها حزينة.
"التقينا خلال تصوير لقطة. فيلم من نوع الروديو. لم يكن فيلماً مهماً. لكنى ما زالت أذكره حتى الآن. أول مرة رأيتها كانت على صهوة حصان كبير. قله لها: "كيف يمكن لفتاة صغيرة مثلك امتطاء حصان كهذا؟" و قالت: "راقبنى فقط, يا راعى البقر."
هز رأسه. و هو يتذكر. كانت ميلى داكنة الشعر و العينين. كانت بينهما قواسم مشتركة كثيرة
"ثم بدأت تشعر بالتعب. بدا ذلك غريباً لأنها كانت دائماً بصحة جيدة. لكن حالتها كانت تسوء. عندما ذهبت إلى الأطباء...." توقف و أخذ رشفة من كأسه. "....علموا أن هناك شئ غير طبيعى."
أخذ نفساً عميقاً. "أخبرونى أنه بقى لها ثلاثة أو أربعة أشهر لتعيشها. قالوا أت العلاج الكيميائى لن ينفع معها. كان المرض قد تفشى فى جسدها بقوة."
شعر بتوتر فى جسده لهذه الذكرى. "كان علىّ إخبارها بذلك. قالت إنها تريد سماع الخبر منى و ليس من الإطباء. لذلك أخبرتها أنه لم يبقى لها سوى أربعة أشهر و لا يمكنها مقاومة ذلك."
ظهر التوتر على فكه. نظر حوله فى الغرفة إلى المرايا التى لا نهاية لها. "لكنها لم تستطيع مقاومته. عاشت فقط أربعة أشهر. جعلناها أجمل أيام العمر. كانت أشجع امرأة عرفتها فى حياتى. لن يكون هناك واحدة مثلها أبداً. أبداً."
أنهى كأسه و وضعها جانباً ثم عقد ذراعيه. "هذه هى القصة."
رفعت فيكى رأسها و يداها موضوعتان على ركبتيها, و للمرة الثانية وجد أنه من الصعب قراءة تعابير وجهها القاسية. كان يعلم أن تعابير وجهه كانت بقسوة تعابيرها. أدار نظره فى الغرفة و كأنه يبحث عن شئ يقوله. "لماذا هذه الغرفة مختلفة عن مختلفة عن غرفتى؟" سألته ذلك و كان شاكراً لها تغيير الموضوع.
"يبدو الأمر و كان أحداً ما أحضر غرفتين من بلدين محتلفين و ألصقهما معاً."
منتديات ليلاس
اتكأ على الحائط المغطى بالورق الحريرى. "اراد الثرى أن تمثل كل غرفة زماناً و مكاناً مختلفاً. الأساليب , الثروات. هذا فرنسى.... كلاسيكى جديد, تأثير يونانى. غرفتك فى معظمها هندية. هل تريدين القاء نظرة فى أرجاء المنزل؟ هل رأيت من قبل مطبخاً مصنوعاً على الطريقة المصرية القديمة؟ يوجد فرن كهربى فى صندوق مومياء."
هزت فيكى رأسها. لم تكن تريده أن يظن أنها تحاول أن تدعو نفسها إلى غرفته. كان وضعهما يجبرهما على البقاء على اتصال مستمر, و قد حرك فى داخلها مشاعر لم تكن تعلم أنها موجودة.
لانها وجدته جذاباً سألته عن المرأة الأخرى بجد, و أجابها هو بجد مماثل. لقد أحب ميلانى التى كانت ذكية و مثقفة و قوية و شجاعة. فقد قال: "لن يكون هناك أحد مثلها أبداً." المرأة التى أحب لم تكن تشبه فيكى بشئ. اشعرتها كلماته و كأنها مسامير دُقت فى قلبها, لم تكن فيكى فيكى بحاجة إلى أى رجل, و لا رجل مثل جيل. كان عملها أن لا تطلب و لا تحتاج أياً كان, بل أن تكون وحدها. كانت مدينة بذلك لنفسها, لـ إيفلين, و تدين بمعظمه لـ رواندا.
"عدينى بأنك ستحققين شيئاً ما. لا تنتهى مثلى. لا تقومى بأخطائى نفسها."
أحست فجأة و كأن الغرفة مليئة بالأشباح. رفعت رأسها فأدركت أن جيل يراقبها بتلك النظرة القلقة.
"أوهـ, أتمنى لو أستطيع الخروج قليلاً من هنا.... أشعر و كأنى فى حوض سمك. لم أر شيئاً يذكر فى لاس فيغاس. لا شئ سوى المطار."
مشت نحو الستائر, أزاحتها قليلاً ثم أعادتها إلى وضعها و قالت عابسة: "يوجد فى المطار أشجار نخيل مصنوعة من الألمنيوم. و مكينات شعبية. بإمكان الناس البدء بالمقامرة ما أن يطأوا أرض المطار."
"أعلم ذلك."
"هنا لا يمكنك الخروج دون أن يتجسسوا عليك."
هل تظن بأن روتش قد يسمح لىّ؟ إننى أستطيع التخفى جيداً و لن يلاحظنى أحد."
فقال جيل: "كلا."
"لكن لماذا؟ لقد انتهينا من مشهد الليلة."
"سوف نتزوج غداً, أتذكرين؟ سوف يريدك أن تحصلى على نوم هادئ و مريح."
فقالت ساخرة: "نتزوج."
"نعم."
"لن أتمكن من النوم الليلة, أحب الخروج فى نزهة قصيرة."
أخفض حاجباً و هو يعبس. "لا يمكنك ذلك. إنك تتظاهرين بأنك هى, و هى مشهورة. إنها سجينة هذه الشهرة. و أنت كذلك... حتى إشعار آخر."
تنهدت فيكى و توجهت نحو ستائر الباب لكنها لم تفتحها: "لماذا تظنهم يضعون أشجار بلح إصطناعية فى المطار؟ الحقيقية أجمل."
"إنها فيعاس و قليلة هى الأشياء الحقيقية فيها."
أرادت أن تفتح الستائر و تنظر إلى الخارج لكنها كانت تعلم أن هناك من يراقبها دائماً.
قال فجأة: "إذا أردت حقاً الخروج فسوف أصطحبك."
مـــنـــــتــــديـــات لــــيـــــلاســــــــ