قال و هو يهز كتفيه بلا مبالاة: "إذن, هل تريدين أن نتعارف بشكل أفضل؟ ليس جسدياً. قد يفيد ذلك....."
فسألته باستغراب: "يفيد ماذا؟"
فأجاب: "يبدو كل ذلك وكانه يثير أعصابك." و نظر إليها من رأسها إلى أخمص قدميها.
رفعت إحدى كتفيها: "ومن هو الذى لا تثار أعصابه؟"
"ليست هذه هى الطريقة المثلى لقضاء الأعياد. إنك تتصرفين مثلها."
قال ذلك عابساً ثم صحح ما قاله "لاــ يمكنك جعل نفسك تتصرفين مثلها. تفعلين على المسرح, إنما لا يجب أن تكزنى عصبية هنا."
"هذا ليس المسرح."
"قال شكسبير إن كل العالم هو مسرح."
فأجابت فيكي: "لا أعلم ماذا قال شكسبير لست من النوع المسرحى."
"أنت ممثلة."
هزت كتفيها مرة أخرى, بطريقة تشبه الازدراء مما جعله يلاحظ كما كانت كتفاها ناعمتين و ذهبيتين.
"لا. لست كذلك. أنا أبدو مثلها –هذا شئ تعلمته فحسب- خدعة, كتحريك آذنيك."
فهز رأسه متشككاً. "يقولون أنك عملت فى نادٍ."
"هذا صحيح. هلا كففت عن التفرس بيّ. إنك تثير أعصابى."
"آسف." و استدار ينظر إلى الفخامة الشرقية فى غرفة النوم. لم يكن يعجبه الوجه الجديد الذى كانت تضعه, على كل حال كان يبحث عن آثار للوجه القديم.
و سألها: "لماذا إذن تقومين بذلك؟" و تابع و هو ينظر إلى الطاووس المذهب على غطاء السرير الحريرى. "لا اظنك تبحثين عن فرصتك فى هذا الزمان؟"
"كلا." قالت ذلك بقوة و تأكيد شديدين حتى أنه لم يستطيع منه نفسه من النظر إليها مجدداً.
كان الوجه الجديد أكبر سناً و أناقة من وجهها الحقيقى, وجه مقبول تماماً لكن ليس وجهها. "ليس هذا بطافتك إلى النجومية؟ و تابع بإصرار: "ما هو إذن؟"
قالت فيكى و هى تربط شعرها على شكل ذيل حصان: "العكس تماماً, آخر ما أطلبه هو أن أصبح نجمة. أريد الأنتهاء من هذا العمل, أعذرينى."
بينما كانت تمر من قربه, لمست كتفها العارى كم قميصه. فاح أريج عطر كاريسا الغالى الثمن وراءها و علق فى فتحتى أنفه. بينما اتجهت هى نحو الخزانة و أخرجت منها قميصاً أزرق فضفاضاً و أرتدته فوق الثوب الحريرى.
و سألت و هى تزرر القميص إلى أعلى عنقها. "أننى أتضور جوعاً, هل يوجد طعام هنا؟"
رمقها جيل بنظرة شاملة, مع أن وجهها بدا مصطنعاً و شعرها جعلها تبدو أكثر قسوة إلا أن جسدها ذكره بمراهقة متنكرة برداء أمها و قميص والدها, كانت ترسل أشارات متناقضة أكثر مما فعلت أى امرأة قد عرفها من قبل.
و قال: "يوجد مطبخ, لكن لا يوجد طباخ, يوجد بار صغير ." و تابع مبدلاً الحديث. "عندك احساس غريب بالأناقة. إذا كنت لا تمناعين من قولى هذا."
"هذه ليست ثيابى, أنا سجينة ملابسها هذه." قالت فيكى ذلك مدافعة عن نفسها, و هى تنظر إلى قميصها الفضفاض. ماذا عن البرادات, هل هناك شئ يشبه الساندويش فى احدها؟"
"شئ يكاد يشبه الشاندويش," توجه نحو باب غرفة الجلوس و فتحه, مشيراً برأسه داعياً إياها للدخول. "إن كاريسا و شاندلر مغرمان بالطعام الصحى. هيا, يمكنك الحصول على بعض حبوب الفاصوليا و بعض القشدة."
غرقت كتفى فيكى بتعاسة. "تعنى أنه لا يوجد طعام حقيقى؟ علينا تناول طعام صحى لخمسة أيام, قد أموت جوعا."
التوى فم جيل قليلاً. "إنه جزء من الوهم. لو كان شاندلر و كاريسا هنا لكانا طلبا بالطعام الموجود هنا. هيا, ما الضرر فى القليل من عصير اللفت؟"
علا اليأس وجهها المزين بدقة: "الأمة كلها على وشك تناول ديك الحبش و التوابل." بدت وقفتها مثيرة للشفقة, و كُما القميص الفضفاض يتدليان حتى أطراف أصابعها جاعلانها تبدو مزيج مربكاً من امرأة و مراهقة.
و حذر جيل نفسه, كف عن التفرس بها كما و كأنها كانت مخلوقة رائعة.
و تمتم قائلاً: "أجلسى. تريدين زبدة الفستق و ساندويش مريى. بعض قطع الحزر؟"
و أشرق وجهها: "زبدة الفستق و المربى؟"
ردة فعلها جعلته يغير رأيه من جديد فيها. قال لنفسه إنها طفلة, طفلة غير خبيرة و عمله هو إرشادها عبر هذه المتاهة.
و كرر: "أجلسى, سوف أقوم به. لست معتاداً على الحبس فهذا يجعلنى كثير الحركة."
جلس بتأنى على طرف الأريكة اليونانية. جهز لها سندويش, و وضع فى داخله بعض قطع الجزر.
فقالت عندما جهز كل شئ على الطاولة الصغيرة قربها: "شكراً لقد أنقذت حياتى."
بدا السندويش غير شهى, لكنها أكلته بنهم.
و قالت: "لا يمكننى التصديق أنهما يأكلان هذا. طعام صحى فقط؟ هل هكذا حقاً يعيش الأناس الفاتنون؟"
هز رأسه بالايجاب, "اجل. لأنهم يريدون البقاء فاتنين إلى الأبد. أخبرينى الآن, لماذا تقومين بهذا؟ إذا كنت غير مهتمة بالعمل الاستعراضى."
فقالت بحزم: "لا أريد أن أكون فى العمل الاستعراضى. إننى أقوم بذلك من أجل المال, هذا كل ما فى الأمر. لا أدرى متى أستطيع الخلاص و الهرب بعيداً عن مثل هذا الجنون."
أنهت آخر قطعة من الجزر و مسحت يديها, كانتا يدين جميلتين و قد تذكر جيل كيف أنها مررتها بخجل حول حصره.
"الهرب؟ من أين؟ وإلى أين؟"
فقالت بصوت مدافع مرة أخرى: "غوسبورغ, نيو جيرسى."
لم يستطيع منع نفسه من الضحك, بدت و كأنها أهينت, فسألته: "ما الذى يضحك؟"
"تذهب الفتيات الجميلات إلى برودواى أو هوليوود أو حتى هنا –فيغاس- ليس إلى غوسبورغ, نيو جيرسى. ماذا يوجد فى غوسبورغ؟"
فقالت بنفس اللهجة: "صالون للتجميل. و بوتيك حيث يمكن للنساء تجميل وجهوههن و شراء المستحضرات."
"سوف تشترين هذا المكان؟"
فقالت ببرود: "كلا. سوف أكتفى بالعمل فيه. لقد حلمت دائماً بالعيش فى مكان يدعى غوسبورغ."
نفضت بعض فتات الخبز عن ثيابها, ثم نهضت و اتجهت نحو النافذة, حيث وقفت تنظر إلى الصحراء خلف حدود المدينة.
"لماذا تحتاجين المال؟ للعمل؟ العكس هو الصحيح دائماً, الناس يعملون للحصول على المال."
فقالت دون أن تنظر إليه: "علىّ إنهاء بعض الدروس. ثم أقوم ببعض التدريب و أشياء أخرى من هذا القبيل, للعمل فى مكان كهذا. لديهم شروط هى أن اتمرن لستة أشهر و لا أقبض خلال فترة التمرين. لا يمكنك الحصول على كل شئ فى وقت واحد."
منتديات ليلاس
فقال: "فهمت." لكنه لم يفهم.
ثم سألها بحذر: "إذا كان التجميل هوايتك, لِمَ لا تبقين فى مانهاتن؟ أو تذهبين إلى هوليود؟ فتعملين مثلاً فى محطة تليفزيون أو السينما؟"
"بعد هذا, لا أريد العمل فى أى مجال يتعلق بالاستعراض." قالت ذلك و هى تحملق خارجاً بأفق الصحراء. "إننى أكرهه."
فسألها و قد لاحظ التوتر فى جسدها: "لماذا؟"
فقالت: "لا أريد الحديث عن هذا الموضوع. فى النهاية أنت من هوليوود. بالطلع سوف تسخر من غوسبورغ, نيوجيرسى. أخبرني عن مهنتك العظيمة, كيف آذيت ضلعك خلال مواجهتك للموت؟"
فأجابها با ستخفاف: "كيف آذيت ضلعى؟ تدحرجت على الجبل."
"لا أحب المفاجأت."
راقب نور بعد الظهر يرقص فى شعرها الأشقر.
"هل هكذا تحبين أن يكون كل شئ؟ مستقر و متوقع؟"
"لماذا لا؟"
"سوف يكون ذلك مملاً."
"لا يهمنى."
"لن تكونى كاريسا مجدداً؟"
"كلا."
"فقط ستكونين فقط نفسك؟"
هزت كتفيها مرة أخرى. لا حظ أنها تحركت و أصبحت قريبة منه من جديد. حتى لو أنه رفع ذراعه لتمكن من لمسها, و من الأحساس بدفئها من خلال القميص الفضفاض.
"أخبرتنى أنه لا يوجد لك (شخصية) حقيقية, و أنه يجب علىّ أن لا أتكبد عناء البحث عن واحدة. هل هذا صحيح؟"
"أجل." قال ذلك بصوت بدا قاسياً لو لم ير النظرة الناعمة فى عينيها. لست شخصاً مهماً حتى تبحث عنى, لقد كنت, أعتقد أن الكلمة المناسبة هى, لطيفاً نمعى. أنا أقدر ذلك. و لكن, كل هذا متعب و أريد أن أنفرد بنفسى."
تقدم جيل نحوها من دون تفكير لكنها تركته متجهة نحو باب غرفة نومها, ناظرة إلى يده الممدوة نحوها و كأنها تحذره.
"أظن أننى سوف أراك عما قريب, أليس كذلك؟"
فقال موافقاً بصوت خافت: "نعم عندما نذهب لشراء اجازة زواج."
"كان عليك توخى الحذر."
"أنا حذر. إننى أكثر الرجال حذراً. لكن الحوادث تقع."
"و الجرح فى جبينك؟" أحس بأنها تراقبه كما كان يفعل هو بها.
"رفسنى حصان. كنا نصور سقطة فى معركة."
"معركة؟"
"عمل خطر. و سقطة خطرة."
"حادث آخر."
"نعم. هذا غير عادى, حادثان متقاربان لهذه الدرجة. كان ذلك خلال إحدى اللقطات, هذا كل ما فى الأمر."
"إنه عمل خطر."
"إنه يعجبنى."
"لو كنت مكانك لما أعجبت به." و استدارت مجدداً و هى تضم ذراعيها و كانها تشعر بالبرد.
أحس بدافع قوى للوقوف خلفها و وضه يده على كتفها محاولاً تخفيف توتر جسدها. كان هو متوتراً أيضاً بسببها. وقف لكنه لم يقترب منها.
و سألها: "أتفضلين البقاء آمنة؟"
فلم تجبه.
"ليس ثمة أحد آمن." قال ذلك بصوت خافت. مفكراً بـ ميللى. "ليس تماماً, إنك لا تعلمين أبداً ما قد يحدث بعد ذلك."
فقالت و هى ترفع كتفيها: "بل يمكنك ذلك. بعض الناس قادرون على ذلك. سوف أعيش بهذه الطريقة. سوف أعلم دائماً ما الذى سيحصل بعد ذلك."
"لا مفاجأت؟"
"نعم." قالت و قد أختفت الابتسامة عن وجهها. ثم استدارت و دخلت إلى غرفة نومها تاركة اياه يحملق فى أثرها. ليسمع صوت القفل و هى تديره بعزم و كأنها تقول له, أبق بعيداً عنى.
عندما دق باباها بعد عدة ساعات, كانت فيكى جاهزة له.
كان عندها وقت كاف للرحة, و لتجميع أفكارها و لتقوية إرادتها. و مرة أخرى كان باستطاعتها التخفى وراء شخصية كاريسا.
مــــنــــتـــديـــــات لــــيـــلاســــــــــــ