اعلن الرجل بصوت نسائى أنه محامى و يدعى لاسلو روتش. كانت فيكى ما تزال جالسة أمام المرآة, بتبرجها الكامل مرتدية زيها. و من دون أن يُطلب منه ذلك, سحب الكرسى الوحيد فى الغرفة و جلس على طرفه. لا تكاد تلمس الأطراف الملمعة لحذائه الغالى الثمن ....... الأرض.
طلب من إيفلين بإلحاح أن تغادر الغرفة حتى يتمكن من التحدث إلى فيكى, فأمتثلت هذه للطلب و إستدارت فى كرسيها المتحرك و ما زالت تلك التعابير القلقة تلازم وجهها.
كانت فيكى مرتبكة لكنها كانت قد حزرت ثلاثة أشياء بشأن هذا الرجل القصير,
أولاً, أنه ثرى, ثانياً, لا يملك روح الدعابة, و ثالثاً, مهما ظن بها فهو مخطئ. بإمكان المظاهر أن تكون مخيبة للآمال و خاصة مظهر فيكى, لقد كانت امرأة شابة ذات أسرار, وكانت تحافظ عليها جداً. فى تلك اللحظة بدت له امرأة ثرية و جميلة, مثقلة بالمجوهرات, التى كانت فى الواقع, مزيفة. كان ماضيها معقداً, و كل ما كانت تريده, فى الواقع, مستقبل بسيط. لم تفكر أبداً فى الحصول على الشهرة.
لكن فيكى تساءلت عما قد يريده هذا المحامى منها. لم تكن إيفلين لتسمح له بالدخول إلى الكواليس لو لم تتأكد من أن أفكاره محترمة. كانت إيفلين و هى الأكبر سناً قد وعدت فيكى بأن تهتم بها, و قد قامت بذلك على أجمل وجه.
لكن لاسلو روتش يناهز الخمسين من عمره, أقصر و أكثر نحافة من فيكى. كان يرتدى معطفاً ثميناً من الكشمير و لم يخلعه. مع أنه بدا دافئاً جداً فى غرفة الملابس المكتظة, إلا أن عينيه , عندما نظر إلى فيكى, كانتا باردتين.
صوته النسائى الحاد كان أيضاً بارداً. "عندى عرض لكِ. قانونى صرف. بإستطاعتى تحقيق أكبر أحلامك. إننى أعنى ما أقول. أكبر أحلامك."
تساءلت فيكى, أى نوع من الرجال هو؟ لماذا أحضرته إيفلين إلى هنا؟
هزت فيكى رأسها و أبتسمت إبتسامة باردة. مهما كان الذى يريده, فهو لم يمسها بأى سوء. و كانت فيكى تريد أن تعلم ماذا تفعل الأحلام الكبيرة بأصحابها. كانت أحلامها صغيرة و هى تنوى الحفاظ عليها كما هى. كانت تؤمن أن تلك الطريقة هى الوحيدة للعيش بأمان.
كانت قد عاشت مع عمتها, رواندا, لسنوات طويلة, من المال القليل الذى تجنيه من عملها فى الإستعراض, و كانت تلك الحياة الوحيدة التى عرفتها فيكى. أحبت روندا هذه الحياة على عكس فيكى التى لم تحبها و ما زالت تكرهها حتى الآن.
أملت روندا طوال حياتها فى أن تصبح ذات شهرة. أما طموح فيكى الوحيد فقد كان أن لا تمثل إلا نفسها...و لا شئ آخر.
كانت حياتها بعيدة جداً عن الحياة العادية, و كانت تمضى ست ليال فى التمثيل كل أسبوع متقمصة شخصيات أناس أغنياء جعلوا من نفسهم أشخاص مهمين.
كانت فيكى, كما كانت روندا من قبلها, مشخصة محترفة بنادى غرينويتش الليالى الخاص بــ إيفلين.
بعد موت روندا قررت إيفلين بصحبة كلبها البولدوغ أن تهتم بــ فيكى. كيف أستطاع لاسلو روتش المرور عبر ذلك الحارس المتوحش؟
حولت فيكى انتباهها نحو المرآة, إنه ما زال ينظر إليها ببرود. و كانت تفك عقدها عندما كلمها.
"أريدك أن تذهبى إلى لاس فيغاس, و تزعمى أنك كاريسا و تتزوجى."
لم يرف له جفن و هو يقدم عرضه, ثم أخرج محفظة ذهبية من جيب معطفه و اعطاها بطاقة محفورة. لم تقم بأية حركة سوى أنها ألقت نظرة عليها.
و قال لها: "أنا الممثل القانونى لـ كاريسا. أريدك أن تذهبى إلى لاس فيغاس و تمثلى دور كاريسا و تتزوجى."
لم تكد فيكى تفقه ما قاله الرجل و صوت عمتها يعود إلى ذاكرتها من أعماق الماضى: أوهـ, يا فيكى, الحياة تمرّ و الكل يريد التقاط الحلقة الذهبية فإذا وصلت يوماً إلى متناول يدك فالتقطيها. من يعلم؟ قد تلتقطين معها آمال قلبك.
لم تكن فيكى تعلم ما ينبغى أن تفعل. هل تعتبر ذلك الصوت تشجيعاً أم تحذيراً. لذلك, حملقت بــ روتش متظاهرة بأنها لم تشعر إلا بالتسلية.
منتديات ليلاس
حملق بها روتش بالمقابل بعينين رماديتين. كان ينتظر جوابها بفارغ الصبر.
ضحكت ضحكة عالية غير متناسبة مع زيها و تبرجها. و قالت له:
"هذا سخيف. إنك تختلق كل هذا."
لم تظهر أية أبتسامة على وجه روتش. "كلا, أنه حقيقى, إنها مسألة أمنية, و يريدك حراس كاريسا أن تكونى فى فيغاس, و تزعمى بأنك هى و تتزوجى."
"أتزوج؟" ضحكت فيكى مجدداً. "أزعم بأنى كاريسا؟ ما الخطب؟ هل تجنى كاريسا هذا القدر من المال لدرجة أنه ليس لديها الوقت للقيام بذلك بنفسها؟"
كانت قادرة على تقليد كاريسا بكل سهولة. كانت تشبهها فى المرآة فقط. لأن ذلك كان عملها. كانت لا ترتدى زى كاريسا, و متبرجة مثلها. و كان شعرها ما زال مصففاً بالطريقة نفسها التى اشتهرت بها كاريسا.
"ليس زواجاً حقيقياً طبعاً. لا تتضحكى, فأننى جاد. لدى كاريسا أفضل رجال الآمن, و قد فكروا
كثيراً فى الموضوع. المطلوب هو أن تتظاهرى بأنك هى نفسها و تتزوجى و تبعدى الصحافة عنها. أنت طعم."
"و من الذى سأزعم أننى سأتزوجه؟ كيفن شاندلر كما يقول كاتب الشائعات؟
فقال المحامى القصير من دون أن يبتسم: "بالضبط."
ضحكت فيكى مجدداً. كان كيفن شاندلر, نجم الفيلم, مشهوراً جداً مثل كاريسا.
رجل طويل القامة, ذو عينين زرقاوين قادم من أوستراليا. كان قد حقق نجاحاً سريعاً فى الولايات المتحدة و قد كتبت عنه إحدى المجلات أنه الرجل الأكثر إثارة فى العالم.
قالت فيكى بسخرية: "حسناً أتزوج كيفن شاندلر كل ذلك فى يوم عامل كامل."
و هزت رأسها, يبدو أن إيفلين قد أدخلت هذا الرجل إلى الكواليس من باب المزاح مع أن روتش كان يبدو هادئاً جداً إلا أنا ما قاله كان جنوناً.
و قال: "ليس كيفن شاندلر. كاريسا تقوم بذلك سراً, بعيداً عن فيغاس. عملك هو أن يراك الناس مع شخص يمثل دور شاندلر. ليكن هناك حفل زفاف. أجعلى الأمر يبدو حقيقياً. أبعدى الانتباه عنها و عن شاندلر."
ابتسمت له فيكى بتردد. "شخص يلعب دور شاندلر؟ لا أحد يمكنه ذلك, إنه أدونيس."
بقى وجه روتش متحجراً. "لقد فعلها ذلك الشاب قبلاً و يمكنه فعلها ثانية......عن بعد. إنه بديله. إنه رجل مغامر."
فقالت فيكى ساخرة: "رجل مغامر. إن الموضوع يتقدم نحو الأفضل."
تجاهل روتش تعابير وجهها. "الأمر بسيط... هو و أنت تعملان كطعم. لإلهاء الصحافة, بعيداً عن كاريسا و شاندلر. لا تسمحا لهم برؤيتكما عن كثب.... فقط نظرة من هنا و نظرة من هناك. إلى أن يشعروا بالخبل , خلال عيد الشكر سيتزوج شاندلر و كاريسا. كل مصاريفك مدفوعة....... سوف تعيشين كملكة. و سوف ندفع لك راتباً قدره عشرة آلاف دولار."
أختفت الابتسامة بسرعة عن وجه فيكى. هل قال فعلاً عشرة آلاف دولار؟
شعرت بدوار و بآلم فى معدتها و التقطت البطاقة و قرأتها بإمعان. الكلمات التى رقصت أمام عينيها جعلتها تشعر بدوار أكبر.
فهمت فيكى فجأة لماذا سمحت إيفلين للرجل بالدخول وراء الكواليس. كان عنده قدرة على تقديم مبلغ كبير من المال....... مبلغ غير معقول..... عشرة آلاف دولار.
و قال روتش بخبث: "لن تضحكى الآن, أليس كذلك؟ المال يتكلم صح؟"
قالت بهدوء أكثر مما تشعر: "ربما لا." استدارت فيكى نحو المرآة مذهولة: "إنه ربما يتكلم." و خلعت قرطيها اللامعين.
"لقد شرحت كل شئ لمديرة أعمالك." فقال روتش و هو يراقبها باهتمام: "إنها تفهم أن ذلك قانونى...... و مربح جداً. و لقد وافقت."
هزت فيكى رأسها بطرقة ميكانيكية. لم تكن إيفلين مديرة أعمالها بمعنى الكلمة, و لكنها ككانت تهتم بها منذ وفاة عمتها روندا. ليس من المستغرب أن تبدو علامات الاستغراب على وجه إيفلين فقد ككانت تعلم ما كان سيقوله روتش.
تحت رداء فيكى المزين بالأحجار الملونة, كان يخفق قلب بسرعة جنونية. كانت العشرة آلاف دولار كفيلة بجعلها تترك عمل الإستعراض . كان باستطاعة العشرة آلاف دولار فتح باب على حياة جديدة لها.... أو حتى لـ إيفلين إذا قبلت تلك العنيدة.
مــــــنـــــتـــــديـــــــــات لــــيــــــــلاســــــــــ