المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
الي غرق في الطين- قصة قصيرة بقلمي هارون غزي المحامي.
افتراضي الذي غرق في الطين.
ذهبنا - الأستاذ المحامي، وموكلي المحكوم لصالحه - لِمُحضَري المحكمة، ومعنا الحكم النِّهائي لتنفيذه.
مِلت على رئيس المُحضرين وعرَّفتُه طلبي، فأومأ برأسه وقال: اشرب قهوتك، وليأتِني المحكومُ له.. انسحبتُ من أمامه خِلسة وأخذتُ أذن موكِّلي:
• احرص على ألاَّ تدفعَ أكثر من كذا.
جلس بجوار كبير المحضرين يَتناجيان في مظهرٍ ودِّي.
كان مما سمعتُه قصدًا قولُ كبير المحضرين وهو يمسِك وسطه:
• أجريتُ عملية في فقرات ظهري، وما زال الألم يعاودني، خاصة في مثل هذا البرد القارص!
لكنه أردف بسرعة قائلاً:
• الحقيقة أن التنفيذ في هذا اليوم صعبٌ، لكنه ممكن مقابل250 جنيهًا لرئيس المحضرين، ومِثلهم للمحضر القائم بالتنفيذ، ومثلهم لقياس الأرض مع إحضار سيارة تسَعُ اثني عشَر راكبًا على الأقل، والاستعداد لإعطاء كل عسكري من قوة التنفيذ 50 جنيهًا.
فورًا وافق صاحبُنا بدون أدنى مُساومة، ولا فِصال في المبلغ.
توجَّهنا بالسيارة إلى المركز لاصطحاب قوة التنفيذ، ومع صاحب الحُكم حِملٌ من الحدايد..
المطر ازداد هطوله بقوَّة كالسيل.
السيارة لم تقتَرب من المركز؛ لتجمُّع المياه فيه، وحوله مَخاضة خاضها المحضر مشمِّرًا، وعاد بشرطيٍّ واحد؛ لاعتذار المأمور عن قوة تنفيذٍ كاملة.
تحت الصيِّب المرسل بالظُّلماتِ والرعد، والريح العاصف، والبرد القارص - مضَت السيارة ترتجُّ وتتعثَّر في طرق طينيَّة وعرة.
أصرَّ شيخ القرية المبتسم دائمًا على الإفطار؛ خبز بيتيٌّ مقبَّب طازج، وجبن أبيضُ وأصفر، وصحن قشدة، وعسل نحل، وسريس مقطوف من الأرض توًّا، ولفت مخلَّل، والقهوة، والشاي.
رافقَنا إلى حوض الأرض، وكان المستفيد من الحكم قد أعدَّ علامات حديدية.
نزل الجميعُ من الميكروباص، خاضوا الوَحل الذي انتثَر على ملابسِهم، وبعضهم عضَّ الطينُ حذاءه حتى خلعَه من أرجلهم فأربكهم!
تم تنفيذ الحكم واستلَمنا الأرض المحكومَ بها واضحةَ الحدود شمالاً وجنوبًا، شرقَها والمغرب، محدَّدة المعالم؛ فقناة المياه مِن هنا، وصفُّ النخيل من هناك، وعلامات الحديد التي أحضرَها صاحب الحكم غرسَها القياسُ لتحدِّد نصيبه من الأرض؛ وفقًا للمحكوم بالتمام والكمال، بغير نُقصانٍ ولا إجحاف؛ أي: على حدِّ قوله: "بالحقِّ والمستحَقِّ"؛ لتقطع لسان كل خلاف.
انصرَفنا عائدين.. سار أمامَنا كبيرُ المحضرين يُعاني من المشي خائضًا في الطين مسنِدًا جانِبَي ظهره بيدَيه واضحًا على وجهه المقطَّب آثارُ معاناته.
فجأةً انزلق كبيرُ المحضرين، وانطرَح أرضًا على ظهره صارخًا..
جرى المُحضر، والشرطي، وانحنَيا عليه يرفعانِه من الطين الذي غَرق فيه!
|