المنتدى :
المنتدى الاسلامي
قلب سليم
هل فكرت يوما عندما تجد نفسك في يوم الحشر ومن حولك عدد لا يحصى من البشر، كل ما نظرت في اتجاه وجدت أمواج من البشر.. تقف مذهولة وتنتظر في رعب..
ما الذي ينجيك في هذا اليوم؟!
{وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ . يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:87-89].
هذا كان من سياق دعاء سيدنا إبراهيم يتوجه به إلى ربه، يقول صاحب الظلال فيه:
"ثم يأخذ إبراهيم الأواه المنيب في دعاء رخي مديد، يتوجه به إلى ربه في إيمان وخشوع؛ {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ . وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ . وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ . وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ . وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ . يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:83-89].
والدعاء كله ليس فيه طلب لعرض من أعراض هذه الأرض؛ ولا حتى صحة البدن، إنه دعاء يتجه إلى آفاق أعلى، تحركه مشاعر أصفى، ودعاء القلب الذي عرف الله فأصبح يحتقر ما عداه، والذي ذاق فهو يطلب المزيد، والذي يرجو ويخاف في حدود ما ذاق وما يريد.
{رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا} أعطني الحكمة التي أعرف بها القيم الصحيحة والقيم الزائفة، فأبقى على الدرب يصلني بما هو أبقى.
{وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} يقولها إبراهيم النبي الكريم الأواه الحليم، فيا للتواضع! ويا للتحرج! ويا للإشفاق من التقصير! ويا للخوف من تقلب القلوب! ويا للحرص على مجرد اللحاق بالصالحين! بتوفيق من ربه إلى العمل الصالح الذي يلحقه بالصالحين!
{وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} دعوة تدفعه إليها الرغبة في الامتداد، لا بالنسب ولكن بالعقيدة؛ فهو يطلب إلى ربه أن يجعل له فيمن يأتون أخيراً لسان صدق يدعوهم إلى الحق، ويردهم إلى الحنيفية السمحاء دين إبراهيم.
{وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} وقد دعا ربه من قبل أن يلحقه بالصالحين، بتوفيقه إلى العمل الصالح، الذي يسلكه في صفوفهم، وجنة النعيم يرثها عباد الله الصالحون.
{وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ . يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} ونستشف مقولة إبراهيم عليه السلام {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُون} مدى شعوره بهول اليوم الآخر؛ ومدى حيائه من ربه، وخشيته من الخزي أمامه، وخوفه من تقصيره. وهو النبي الكريم.
كما نستشف من قوله {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} مدى إدراكه لحقيقة ذلك اليوم، وإدراكه كذلك لحقيقة القيم فليست هنالك من قيمة في يوم الحساب إلا قيمة الإخلاص.
إخلاص القلب كله لله، وتجرده من كل شائبة، ومن كل مرض، ومن كل غرض. وصفائه من الشهوات والانحرافات. وخلوه من التعلق بغير الله، فهذه سلامته التي تجعل له قيمة ووزناً {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ}؛ ولا ينفع شيء من هذه القيم الزائلة الباطلة، التي يتكالب عليها المتكالبون في الأرض؛ وهي لا تزن شيئا في الميزان الأخير!" (انتهى النقل)
فإن كان القلب السليم.. القلب المتجرد والمُخلص لله وحده هو ما ينجي ذلك اليوم، فلماذا نترك قلوبنا تتعرض كل يوم لنكات تطبق سودها عليه ولا نهتم؟!
«إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن زاد زادت حتى يعلو قلبه ذاك الرين الذي ذكر الله عز وجل في القرآن {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطففين:18]» (مسند أحمد [15/98]).
فلماذا لا نهتم بما تتعرض إليه قلوبنا؟ فإن اسود القلب بهذه النكات، مات القلب وأصبح صاحبه شخص يسير وراء شهواته وأهوائه، لا يرى أكثر من الدنيا ولا يهتم إلا أن يأخذ منها ما يريد {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} [الشورى:20].
لماذا لا نهتم بما يوضع في الميزان الأخير؟
منقول
|