البـــــــــــــــــــــ السابــــ (2) ــــــع ــــــــــــــــــــــــارت
............................................................ ..........................
سمع يوسف صوت شديد الصرامة والعداء في أذنه مباشرة يقول : ماذا تريد؟
أجاب بشجاعة : الماء , لا أريد سوى الماء
ثم رفع قربة الماء التي في يده ببطء وقال : هل لديك ماء زائد عن حاجتك؟
رد الصوت الصارم : ألست أحد قطاع الطرق ؟
قال بصدق : لم ولن أكون أبدا قاطع طريق, أنا عابر سبيل فرغ لديه الماء, ان لم يكن لديك بعضا منه فدعني أبحث عنه في مكان آخر
شعر بعنقه يتحرر من النصل الحاد , وبالذراع التي تقبض عليه من الخلف ترتخي وتترك ذراعيه
التفت بحرص فوجد نفسه وجها لوجه أمام الفارس الأسود الذي كان يقاتل الى جانبه بالأمس وهو مغطى بالأسود من رأسه حتى قدميه
لكن ما أثار عجبه حقا هو أنه لم يكن ضخما بالشكل المبالغ فيه الذي ظهر به في بيت الشيخ
بل كان جسمه عاديا في ضوء النهار, ربما أطول منه بقليل
وعزا يوسف ذلك الى الموقف الصعب الذي كانوا فيه في بيت الشيخ , وضوء المشاعل التي تضخم الظلال
نزع الفارس قربة الماء من خاصرته وألقاها الى يوسف الذي التقطها بسرعة وهو ينظر في عينيه الممتلئتين بالصرامة والحذر
شرب منها ثم مدها اليه وهو يقول بامتنان جزاك الله خيرا
قال الرجل : احتفظ بها , لدي ما يكفيني
شكره ثانية وربط القربة حول خصره ثم قال وهو يزيح لثامه عن وجهه : ألا تعرفني؟! أنا الذي كنت بالأمس في بيت الشيخ أبو الحسن
كشف عن ساقه المضمدة : وهذه الإصابة التي نلتها وأنا أقاتل فرسان القلعة الى جوارك
ظل الفارس على صمته لفترة وعينيه تقذفان بنظرات حادة , ثم نطق أخيرا : ارحل الآن , واياك أن أراك ثانية في طريقي
تعجب يوسف من اسلوبه الفظ, لكنه حاول ثانية : يمكنني أن أكون رفيقك في رحلتك , أنا وأنت طريقنا واحد , لن يستطيع قطاع الطرق مهاجمتنا ونحن معا , أستطيع أن ....
هتف الفارس بغلظة : لا أكرر كلامي مرتين , ارحل الآن قبل أن تندم
دخل الخيمة الصغيرة وأغلق فتحتيها وتركه وحيدا في العراء والعجب يستولى عليه
ركب يوسف حصانه وأكمل طريقه وحيدا
......................................
صارت الشمس في كبد السماء وعبد الرحمن وعائشة يقتربان من هدفهما
حتى دخلا الى الأراضي التابعة للقلعة
كانت القلعة تسيطر على مساحات زراعية شاسعة ممتدة مزروعة بالمحاصيل
وبساتين كثيرة تكتظ بالأشجار المثمرة شقت بها قنوات ومجارى مائية متصلة بالنهر الكبير
كانا يجتازان البساتين والأرض الزراعية بحرص شديد متجنبين أماكن الزرّاع والفلاحين ونساؤهم الذين يعملون في جني الثمار
كانت الفلاحات يقطفن الثمار من الأشجار ويجمعنها في أوعية كبيرة من الخوص يحملنها على رؤوسهن وعندما تمتلئ يفرغنها في سلال من الحجم الكبير حتى تمتلئ ثم تنقل الى عربة كبيرة تأخذها الى القلعة
اقتربا من باب القلعة الضخم , وأخذا يراقبانه من جانب
كان الحرس المدججين بالسلاح ينتشرون أمامه وحوله يفتشون العربات والدواب والبشر بدقة وبطء
وازدحم الناس على الجانبين من الداخل والخارج بسبب بطء التفتيش
أدرك عبد الرحمن وعائشة مدى صعوبة دخول القلعة , فاتفقا على العودة الى البساتين والبحث عن طريقة أخرى لدخول القلعة
وبالفعل عادا أدراجهما حتى البساتين ووارتهما أشجارها
واتخذا مكانا هادئا بعيدا عن العاملين في البساتين وتسلقا احدى الأشجار حتى يستطيعان مراقبة مساحة كبيرة من البستان
زفرت عائشة بضيق : ما العمل الآن؟
عبد الرحمن : لا مناص من الانتظار
رأيت بنفسك الحراسة المشددة على أبواب القلعة
قالت : لا يمكننا الانتظار , ستغلق القلعة أبوابها مع مغيب الشمس , وسنضطر للانتظار للغد
علينا أن نفكر في خطة تدخلنا القلعة قبل مغرب الشمس
قال ساخرا : هيا أريني خططك الخبيثة , أم أنها لا تظهر الا عندما أجتمع بأصدقائي في الغابات والمروج!!
قالت بغيظ : القلعة يحميها جيش من المقاتلين مدجج بالسلاح
كيف لنا ..
همس محذرا : هشت .. اهدئي , هناك اثنان قادمان
نظرت الى حيث أشار , ثم قالت : انهما من الحرس , عجبا ماذا يفعلان في البساتين؟
همس : يبدو أنهما يراقبان عمل الفلاحين
اقترب الحارسان وكان يبدو عليهما أنهما منهمكان في الحديث عن أمر هام , وكان يصل اليهما بعضا من حديثهما فهما منه أنهما يتحدثان عن امرأة ينتويان فعل شيء ما بها, ويعقدان العزم على ذلك
أكمل الحارسان طريقهما ولم ينتبها للمختبئين فوق الشجرة
حتى ابتعدا عن المكان
قالت عائشة بحزم : فلنتبعهما
هتف عبد الرحمن : أجننت!! هل نقول لهما هيا تعالوا أمسكوا بنا!!
قالت : علينا أن نعرف من هي التي ينتويان ايذائها ونحذرها
قال : هل انتفضت حميتك لبنات جنسك !! ألا زلت تذكرين لم أتينا الى هنا؟
قفزت من فوق الشجرة الى الأرض : اسخر كما تشاء , لكني لن أترك امرأة على وشك الوقوع في خطر ما وأتظاهر بأنني لم أسمع ولم أر شيئا
قال مغتاظا : اذا فقد قررت أن تقدمينا لقمة سائغة لفرسان القلعة
لم تعره انتباها وانطلقت تلحق بالحارسين على البعد لكي لا ينتبها الى أنها تتبعهما
وصل الحارسان الى قناة الماء وعائشة تتبعهما على البعد بحرص , حتى اقتربا من امرأة تغسل أقدامها في الماء
تلفتت عائشة حولها فلم تجد أحد في المكان سوي المرأة والحارسان
أخذ قلب عائشة يدق بجنون عندما رأتهما يتسللان خلفها ويقتربان منها بحذر كي لا تنتبه لهما
فتسلقت احدى الشجرات الكبيرة, وربضت بين أغصانها وأوراقها
وبعد قليل انضم اليها عبد الرحمن , وأخذا يرقبان ما سيفعله الحارسان بالمرأة
بلغ الخوف والقلق بعائشة أيما مبلغ عندما رأتهما يحيطان بها وأياديهم تمتد نحو جسدها
........................................
أسرع يوسف بحصانة وهو يمر خلال الغابة في طريقة الى القلعة
ولولا أن هذا هو أقصر طريق للقلعة , ويختصر الكثير من الوقت ما فكر أبدا أن يعبره وحيدا , فتلك الغابة اشتهرت بين الناس بأنها مرتع للصوص وقطاع الطرق بسبب طبيعة طرقها الوعرة وكثرة أشجارها وأغصانها المتشابكة
لذلك قرر أن يمر من خلالها سريعا على حصانه ليقلل من نسبة الخطورة, كما أنه لا يعتبر نفسه صيدا ثمينا للصوص فليس لديه ما يثير الطمع
انطلق مسرعا بحصانه يخترق أجراءها ويعبر أكمامها
لكن فجأة ارتفعت أمامه شبكة كبيرة منسوجة من الحبال السميكة القوية
حاول باستماتة ايقاف حصانه عن الاندفاع نحو الشبكة أو الانحراف به
لكن سرعة الحصان جعلته يسقط في الشبكة وتطبق أطرافها عليه هو ويوسف
وفي لحظة تجمع حولهما مجموعة كبيرة من اللصوص وهم يطلقون صيحات الانتصار والفرح بالغنيمة التي وقعت في المصيدة
أخذ يوسف يقاوم بكل قوته الشبكة القوية التي أطبقت عليه , وحاول أن يحرر يده ليصل الى سيفه لكن الأمر كان بالغ الصعوبة
وأدرك لحظتها كم هم محترفون, وأنهم بالتأكيد كرروا تلك الطريقة مئات المرات لذلك فهي تنجح دائما
تكاثر عليه اللصوص ومزقوا الشبكة بأسلحتهم وأخذ بعضهم حصانه وأمسك الباقون به وقيدوا حركته وبدأوا في تجريده من كل ما معه بضراوة وقسوة وأدرك يوسف أنه صار بلا قيمة ولا منفعة لهم عندما رفع أحدهم السيف ليضرب به عنقه, وعندما أدرك أنها النهاية رفع رأسه بشجاعة ونظر في عيني قاتله بقوة وهو يستقبل الشهادة بثبات
..........................................
نزل ريموند سلالم سجن القلعة التى تؤدي الى حجرات التعذيب السفلية وبدأت تصل لأذنيه أصوات السياط القاسية وآلات التعذيب الرهيبة ومعها صراخ المعذبين المفزع وأناتهم
لكنه كان يسير في الممر بثقة دون أدنى مبالاة بتلك الأصوات ويمر بين حجرات التعذيب الرهيبة دون أن يعيرها انتباهه ولا يهتم بطرق رجاله البشعة وهم يمارسون عملهم المعتاد في تعذيب أسراهم
دخل الى احدى الحجرات وأخذ يتأمل بهلول المسجى أمامه وهو مقيد الى منضدة حديدية والحارس المسئول عنه يسومه العذاب ألوانا بأبشع الطرق وصراخه يصم الآذان
وكلما فقد وعيه من الألم يوقظه بدلو ماء بارد على وجهه ليبدأ في تعذيبه من جديد
التفت الى يعقوب الواقف في الحجرة يراقب المشهد , حيث قرر أن يشرف بنفسه على استخراج المعلومات من بهلول أو على الأقل اثبات أنه يدعي الجنون
لكن يبدو أن النتيجة كانت بالنسبة اليه مقلقة , فحتى الآن لم يصل لشيء ولم يستخرج أية معلومة من بهلول , كما أنه لم يستطع أن يثبت لريموند أنه مدع للجنون
وهذا ما كان يثير رعبه لهذا فقد كان يبدو عليه القلق الشديد والتعجل وحركاته عصبية للغاية
ظل ريموند يراقب بصمت لفترة , ثم التفت الى يعقوب وقال : الازلت مصرا على رأيك!
قال يعقوب بصوت مرتعب : انه. انه يتظاهر , يحاول خداعنا , ولكن , ولكن , هو لن يستطيع خداعي أنا
قال : لقد نال قسطا من التعذيب لو ناله أبكم لصرخ ناطقا
رفع سبابته أمام وجهه وقال بلهجة تهديد : احذر , أن أفقد صبري, ان كنت تحاول خداعي لإطالة الوقت فلن تنجو من بطشي
تراقص شبح الموت أمام عينيه فقال برعب : أقسم لك أنه يتظاهر, فمن هو في مثل ذكائه لا يمكن أن يصاب بالجنون
زفر بضيق : سنرى
شمخ برأسه وغادر المكان بمشية متعالية
استرد يعقوب أنفاسه الضائعة والقى بجسده على أقرب مقعد اليه , ثم أخذ يجفف عرقه بيد مرتعشة
نظر الى بهلول وامتلأ قلبه غلا وحقدا واندفع اليه وقبض على شعره الأشعث وصرخ في أذنه بقسوة : أيها الغبي , ممن تنتقم !! أخبرني ممن تنتقم ! اتنتقم مني أم من نفسك؟
ارحم نفسك من العذاب , انقذ نفسك وانقذني , فذاك الرجل وحش مفترس لا يعرف الرحمة , أنت لم تر بعد ما يمكن أن يفعله بنا
نظر له بهلول نظرة خاوية ثم أصدر أصوات بلا معنى ورذاذ فمه يتطاير على وجه يعقوب
دفعه يعقوب دفعة قوية وصرخ في الحارس وهو يمسح وجهه بطرف كمه : أكمل عملك و وزده من العذاب أضعافا
تأمله وهو يصرخ صرخات مريعة وقال بغل : أحمق أحمق , تستحق كل هذا وأكثر
................................................
يتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبع