كاتب الموضوع :
برد المشاعر
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: منـــــازل القمر
الفصل الأول
ارتديت معطفي الشتوي عدلت قميصي وأغلقت زرين من أزرار المعطف
وخرجت من منزلي وأغلقت الباب بهدوء كما تقول العبارة السخيفة القديمة
لا تغلقوا الأبواب بقوة كي لا تؤذوا من دفع ثمنها , خرجت أولى خطواتي
للخارج فلفح وجهي نسيم بارد قوي فلا شيء أبرد من برد صباح الشتاء إلا
ثلاثة أشياء الموت والرسائل الفارغة والحب , عدلت ياقة المعطف ورفعتها
للأعلى مثبتا لها بيدي مغطيا لفكا وجهي وجزءا من خداي وسرت بخطوات
متوسطة السرعة تراقب عيناي الرصيف تحتي كي أتجنب بقع المياه
عند منتصف الشارع كان هناك باب آخر عليا فتحه في هذا الصباح دفعت
الباب الزجاجي بيدي فرنت الأجراس المعلقة به معلنة دخولي وصلت عند
طاولة البائع بخطوات ثابتة فقال مبتسما ما أن رآني
" صباح الخير أراك مبكرا اليوم "
صدق من قال أن أكثر الناس فضولا هم الباعة , سحبت علبة سجائر ووضعت
له النقود على الطاولة في صمت وغادرت فوصلني صوته قائلا
" هذا أكثر من ثمن العلبة "
قلت بهدوء " أترك الباقي للمرة القادمة "
وخرجت من فوري دسست علبة السجائر في جيبي وتابعت طريقي , أمطار الأمس
لا تزال بقع مياهها في الطريق حتى اليوم وثمة أطفال بزي المدرسة يقفزون حولها
كم يذكرني هذا بالطفولة فكم كنا نضيع الوقت قبل وصولنا للمدرسة أنا أحسد
الأطفال على هذه العفوية لو كان أحد الكبار من يفعل هذا الآن لأصبح سخرية
بعد وقت من السير وصلت لمقهى بواجهة من الخشب والزجاج وطاولات في الخارج
مبللة بمياه المطر وأخرى في الداخل وصوت لطرقات خفيفة , عبرت الباب بخطوة
واحدة دخلت وأبعدت يدي عن ياقة معطفي لتبتعد عن وجهي وجلت بنظري حتى وقع
على الجالس في آخر المقهى وحيدا يميزه المعطف الشتوي بالأزرار الذهبية الذي يرتدي
مظهرا طبيعة وضيفته , كان منشغلا بقراءة جريدة في يده ويظهر على ملامحه الضيق
هكذا هوا حيدر إن قرأ خبرا سيئا تعكر مزاجه لباقي النهار توجهت نحوه سحبت الكرسي
وجلست فنظر لي وقال " صباح الخير لقد تأخرت "
قلت بلامبالاة وأنا أخرج علبة السجائر وأضعها على الطاولة
" كل هذا وتأخرت هل كنت تريد إخراجي من صلاة الفجر "
ضحك وهوا يضع الجريدة من يده وقال " لم تغير عاداتك إذا "
سحبت كأس الشاي من أمامه رشفت منه رشفة وقلت ببرود
" ولما أغيرها أنا مرتاح هكذا "
قال بضحكة خفيفة " أنتم الكُتاب غريبو أطوار حقا "
أخرجت سيجارة أمسكتها بشفتاي وقلت وأنا أشعلتها
" هل جئت بي لتحلل شخصيتي "
نظر لعيناي بهدوء وقال
" بل جئت لأراك لما تصنع بنفسك هكذا يا رجل "
نفثت دخان السيجارة من فمي وقلت
" هل ضايقت أحدا لما تشغلون بالكم بي , حقا أنتم غريبين فهل أصبحت
الآن نقطة يجب وضعها فوق أحد الحروف لتفهموا وجودها في الحياة "
هز رأسه بيأس وتنهد وقال
" مريم تسلم عليك وأوصتني أن أقنعك بأن تتحدث معها "
نظرت للطاولة الفارغة خلفه وابتسمت ابتسامة جانبية وقلت ببرود
" أمازالت كما كانت "
سحب كوبه من أمامي وقال بضيق
" إنها شقيقتك يا رجل أحبها ربع ما تحبك واسأل عنها كما تسأل عنك "
قلت بلامبالاة " ستعتاد هذا "
نظر لي ونظري على السيجارة في يدي وقال بحدة
" متى !! إنها سنين لن يموت قلبها مثلك إننا أهلك يا رائد أنا ووالدك وإخوتك "
رفعت نظري إليه وابتسمت بسخرية وقلت
" أتعلم ما أكثر ثلاثة أشياء إن أعطيتها ظهرك فلا تلتفت إليها "
أشاح بنظره عني متضايقا وقال بتذمر
" الحب وما الاثنان الآخران "
ابتسمت وقلت " الماضي والمدينة التي ولدت فيها "
هز رأسه بيأس وقال
" سنين مرت يا أخي آن لك أن تنسى ما حدث وترجع لهم "
ضحكت ضحكة ساخرة وقلت
" وهل تمحوا السنين شيئا إنها كالطابعة كلما كررت تحريكها للأمام ضاعفت
عدد الطبعات فهل نسوا هم ذلك أم لم ينسوا شيئا إلا وجودي في هذه الحياة "
نظر لكاس الشاي أمامه وأدار إصبعه على حوافه في حركة دائرية وقال بهدوء
" وحتى متى ستعيش وحيدا وبعيدا "
قلت بهدوء " المهم أنني مرتاح "
نظر لي مطولا بصمت فقلت " كيف هي مريم وأبنائها "
أشاح بنظره عني وقال ببرود " بخير "
قلت بهدوء " ما هذه الزيارة المفاجئة للمدينة على غير العادة "
نظر لي وقال " لقد تم نقلي للمدينة المجاورة لهذه "
ضحكت وقلت " أقسم أنهم يدبرون لقتلك "
نظر لي باستغراب وقال " كيف يدبرون لقتلي "
سندت مرفقي بالطاولة أضرب طرف السيجارة على المطفئة وقلت
" وبما تفسر كثرة نقلهم لك من مدينة لأخرى , أسوء
قرار اتخذته في حياتك أنك دخلت الجيش "
قال بسخرية " هذا هوا الحال الآن القرارات الطائشة موضة الأعوام الأخيرة "
ابتسمت وقلت " مقبولة منك , أخبرني كيف تسير أمورك مع زوجتك "
قال ببرود " قررنا الانفصال "
نظرت له بحيرة مطولا فقال " قل ما لديك أعرف ما تفكر فيه "
سندت ظهري لظهر الكرسي وقلت
" حياتك وأنت حر فيها لكني حذرتك منذ البداية "
قال ببرود " العبارة الأخيرة هي الخلاصة فلما المقدمات "
قلت بابتسامة جانبية
" كي لا تكون توقعت كل العبارة ويبقى فيها شيئا مختلفا "
قال بجدية " تحدث مع شقيقتك ولو لمرة واحدة لا أريد أن أستمع
لنبرتها الحزينة حين أخبرها أنك رفضت "
قلت بهدوء مشيحا بنظري بعيدا عنه " سأفكر "
قال بضيق " أنت تضيع حياتك يا رائد ستعيش وحيدا وتموت
وحيدا ولن تجني شيئا سوى الألم "
رفعت رأسي للأعلى ونفثت دخان السيجارة وقلت بابتسامة حزينة
" ومن قال لك أني لم أمت "
ثم نظرت له وقلت " لقد مت عندما لم أكن وحيدا "
وقف على طوله ليظهر صوت صرير الكرسي ينسحب خلفه قرب وجهه قليلا وقال
" لقد أوصلت الرسالة وفعلت ما في وسعي وفشلت ككل مرة "
قلت بابتسامة جانبية " بل نجحت ككل مرة "
نظر لي بحيرة فقلت " نجحت في إزعاجي و إيقاظي باكرا "
تنهد بضيق وغادر بخطوات ثقيلة وسريعة أطفأت السيجارة في المطفئة محاولا
إطفاء نيرانها في صدري , بلى نجحت يا حيدر في إبعادي عنهم أكثر فلو قلت
لي أنه لم يسأل عني منهم أحد كان خير ألف مرة من أن تذكرني مجددا أنها مريم
وحدها من سأل عني
خرجت من المقهى وسرت ذات الطريق معطيا وجهي للأشياء التي أعطيتها
ظهري منذ قليل وأنا قادم إلى هنا فأي شيء يمكنك أن توليه ظهرك للأبد إلا
الشوارع وجهها لوجهك وقفاها لقفاك بث أعشق لعب هذه اللعبة معها ومحاولا
اليوم شغل بالي بها عن حديثه ككل مرة
يالك من حالم يا حيدر كيف أنسى ما حدث هل يضن الأمر بهذه السهولة ها هي
ست سنوات مرت حتى الآن من منهم فكر أن ينسى وأنا الأحق أن أتذكر ذلك كل
حياتي , نعم هكذا هي الحياة مفترق طرق فمنذ ست أعوام سلكت طريقا فرعيا
وهجرت تلك المدينة عن بكرة أبيها ومنذ ثلاثة أعوام سلكت الآخر لأهجر النساء
والكتابة ليصبح هذا الحال لا يعجب الجميع , لما كان حالي سابقا يعجبهم هل
يكرهون راحتي أم يريدون مني فعل ما يريحهم هم
قطعت الطريق مسرعا لأقطع كل هذه الأفكار وأدوسها بخطواتي وصلت المنزل
فتحت الباب ودخلت أنفخ قبضة يداي لأدفأهما قليلا , حيدر لا يفلح إلا في هذا
إيقاظي مبكرا من أجل بضع دقائق وبعض العبارات التي لا تجدي نفعا
خلعت معطفي وعلقته ودخلت المطبخ حضرت كوبا كبيرا من الشاي وجلست
وسط المنزل وشغلت التلفاز و أخفضت الصوت كان برنامجا صباحيا مملا للغاية
ولكن لا شيء أقل مللا منه , سمعت حينها طرقات على باب المنزل تنهدت بضيق
من هذا الذي يريد إفساد الصباح أيضا لا ويطرق الباب بدلا عن أن يقرع الجرس
وقفت بتذمر وفتحت الباب كان ثمة فتاة بثياب مرتبة عينان بنيتان وبشرة بيضاء
وابتسامة مشاكسة تضع حقيبة على كتفها وتمضغ العلكة نظرت لها بسخرية وقلت
" لن تدخلي المنزل ولن أشيري منك شيئا "
ضحكت وقالت " ومن قال أنني أريد الدخول "
قلت بذات السخرية " لأني أعرفكم جيدا الباعة المتجولين "
لوت شفتيها بضيق فقلت بابتسامة جانبية
" هل تعلمي ما أسوء ما في النساء "
نظرت لي بحيرة فقلت
" أنهن لا يعرفن التجارة إلا في مشاعر البشر "
نظرت لي باستفهام بادئ الأمر ثم بصدمة فقلت بسخرية
" وأنهن لا يفهمن إلا بعد وقت "
نظرت جانبا لطرف الشارع تأففت ثم نظرت لي وقالت بضيق
" ما بك يا هذا إننا في الصباح "
كتفت يداي لصدري واستندت بكتفي على طرف الباب وقلت ببرود
" أخبرتك منذ البداية أنني لن أشتري شيئا "
قالت بنفاذ صبر " وهل تحكم على ما عندي دون أن تعرفه "
قلت " لا يهم فأنا لا أريده "
قالت بضيق " لا تتعبني معك أيها السيد "
ما بها هذه معي عند الصباح كله بسبب حيدر لكنت نائما الآن لتطرق حتى
تتعب وتغادر , غيرت وقفتي ووضعت يداي في جيوب بنطالي وقلت بتذمر
" هيا قولي ما لديك ولكن اعلمي أنك تضيعين وقتك ولن اشتري منك شيئا "
ابتسمت ابتسامة جانبية وقالت بتحدي
" بل ستشتري وليس هذه المرة فقط "
قلت بدهشة مصطنعة " رائع ما كل هذه الثقة "
أشارت لوجهي بسبابتها وقالت بتحدي أكبر " سنرى "
قلت بابتسامة سخرية " حسننا أرني ما لديك "
قالت بابتسامة " الأميات "
ضحكت كثيرا ثم قلت " أقسم أنك مجنونة هل تبيعين الأميات "
قالت بضيق " لست مجنونة وأبيع الأميات حقا "
قلت وأنا أشير بعيناي ليدها
" في هذه الحقيبة !! ماذا لو كانت أميتي طائرة أو باخرة "
قالت ببرود وهي تدير الحقيبة خلفها
" ليس أنت من تحدد أنا أحدد ذلك "
ضحكت مجددا وقلت
" كيف تكون أميتي وأنتي من تحددينها "
قالت بابتسامة " ادفع المال واشترى وسترى "
قلت " خطة فاشلة "
قالت بحزم " ستشتري رغما عنك "
قلت رافعا حاجباي " رائع وهل سترغمينني "
قالت بجدية " إن لم تشترى أمنيتك مني سرقت أمنيتك منك ولك أن تختار "
قلت بابتسامة جانبية " وإن لم يكن لدي أمية لا أشتريها منك ولا تسرقينها "
قالت بحدة " كاذب "
نظرت لها بصمت واستغراب لا تبدوا مجنونة لكن ما تقوله لا يمكن لعاقل قوله يجذر
بهذه أن تقفز حول بقع مياه الطريق ولن يلوم عليها أحد لأنها من المجانين العاقلين
كانت تنظرت للمنزل خلف كتفي وهي ترفع جسدها لترى ما بالداخل ثم قالت
" ماذا قررت "
سحبت الباب من ورائي وقلت
" اسمعي يا فتاة تعبت من الوقوف في البرد كم تريدي ثمن تفاهاتك وترحلي "
قالت ببرود " تفاهات !! ..... سترى إن لم تصبح تزيد المال لتشتريها مني "
قلت بنفاذ صبر " سأعطيك عشرة وليس لدي غيرها لك "
ضحكت وقالت " بخيل "
قلت ببرود " بل بضاعتك هي التي لا تستحق "
قالت " حسننا سأعطيك بما ستدفع هذه المرة ولكن في المرات
القادمة أنا من سيحدد السعر "
ضحكت وقلت " هل تبيعين المخدرات "
نظرت لي بصدمة ثم قالت
" أصمت لا يسمعك أحد وتورطني في شيء لم أره يوما "
ثم فتحت حقيبتها وأخرجت ظرفا ورقيا ومدته لي وقالت
" هذه المرة ستكون مجانية لأني سآخذ حقها مضاعفا فيما بعد "
وما أن أمسكته منها حتى غادرت من فورها تبعتها بنظري وهي تعبر الشارع
مسرعة ثم نظرت للظرف بين يدي كان ظرفا ورقيا بني اللون ويحوي مجموعة
أوراق على ما يبدوا وكان مكتوبا على غلافه ( منازل القمر )
قلبته كثيرا بحيرة ثم دخلت ورميته على الأريكة وجلست أشاهد باقي البرنامج
وقفــــــــــــة
عبرت تلك الفتاة الشارع ووقفت في نهايته وتأففت وقالت
" ياله من متعجرف لست أعلم ما الذي أحبته فيه يوما صحيح أنه وسيم
ويتنفس رجولة وحتى ضحكته مخملية تذيب القلب لكنه فض ومغرور "
ثم تابعت سيرها مسرعة وقائلة
" لو تعلم قمر بما فعلت فستقتلني دون أدنى تفكير ولكنني لن أتراجع أبدا "
وعند هنا انتهى الفصل وانتهى لقائي بكم
من قرأه ولم ينل إعجابه أتمنى أن لا يحكم عليها من فصل واحد لأنه هناك
المزيد ولم تتضح معالمها بعد
ومن حضت منكم بإعجابه ولو قليلا فلا يحرمني من تشجيعه ولو بكلمة شكر
أختكم المحبة لكم دائما ....... برد المشاعر
|