كاتب الموضوع :
لولوھ بنت عبدالله،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
الجزء الثاني والعشرون
(لا تلهيكم القراءة عن الصلاة يالغوالي)
الجــــزء الثــــاني والعشــــرون
،
تلومني الدنيا إذا أحببتهُ
كأنني أنا خلقتُ الحبَّ واخترعتُهُ
كأنني أنا على خدودِ الوردِ قد رسمتهُ
كأنني أنا التي للطيرِ في السماءِ قد علّمتهُ
وفي حقولِ القمحِ قد زرعتهُ
وفي مياهِ البحرِ قد ذوّبتهُ
كأنني أنا التي كالقمرِ الجميلِ في السماء
قد علّقتُه ..
تلومُني الدنيا إذا سمّيتُ منْ أحبُّ .. أو ذكرتُه
كأنني أنا الهوى .. وأمُّهُ .. وأختُه
هذا الهوى الذي أتى من حيثُ ما انتظرتهُ
مختلفٌ عن كلِّ ما عرفتهُ ..
مختلفٌ عن كلِّ ما قرأتهُ
وكلِّ ما سمعتهُ ..
لو كنتُ أدري أنه نوعٌ منَ الإدمانِ ..
ما أدمنتهُ
لو كنتُ أدري أنه بابٌ كثيرُ الريحِ
ما فتحتهُ ..
لو كنتُ أدري أنه عودٌ من الكبريتِ ..
ما أشعلته
هذا الهوى .. أعنفُ حبٍّ عشتهُ
فليتني حينَ أتاني فاتحاً يديهِ لي
رددْتُهُ ..
وليتني من قبلِ أن يقتلَني ..
قتلتُهُ
هذا الهوى الذي أراهُ في الليلِ
على ستائري
أراهُ في ثوبي
وفي عطري .. وفي أساوري
أراهُ .. مرسوماً على وجهِ يدي
أراهُ منقوشاً على مشاعري
لو أخبروني أنهُ
طفلٌ كثيرُ اللهوِ والضوضاءِ
ما أدخلتهُ
وأنهُ سيكسرُ الزجاجَ في قلبي
لما تركتهُ
لو أخبروني أنهُ سيضرمُ النيرانَ في دقائقٍ
ويقلبُ الأشياءَ في دقائقٍ
ويصبغُ الجدرانَ بالأحمرِ والأزرقِ في دقائقٍ
لكنتُ قد طردته ..
لـ نزار قباني
،
اثنــــان ...
اثنان نحتهما جبروت العشق سنين كالدهر .. نحت فيهما تمازج
علو كبرياء لا يرضخ .. وسمو عزة تفجرت بانفرادية تامة لا تليق الا بهما ..
شخصان ....... روحان ....... احبا بعضهما قبل ان يحب الثاني الأول ..
وقبل ان يحب الأول الثاني ..
اثنان مرّ عليهما زمن لا حكاية فيه سوى حكاية الجوى/العشق .... حكاية عتيقة صامتة لم تُروى لأحد .. ولم تُدون في أي اقصوصة/ورق الشجر ..!!
حكاية من زمن قيس ... وعهد روميو .. وسنين طويلة من عمر عنترة ..!!
اثنان جُرحا في الصميم .. ولن يُبرأ جرحهما الا من الصميم ..!!
هذا ما قاله طيف الهوى وهو يمر بين شخصهما بكل هيبة/سكون ..!!
هو ... فقد تصلب كلياً .. وتجمد ..... ما ان رأى عيناها ..!!
هــــي ...... ذاتهــــا ..
ذات العينان اللتان اوقعتا بقلبه صريعاً مريضاً موهوناً يتسول العشق المفقود ..!!!
ذاتهـــا ..
من التي اجتذبت خفقات قلبه بـ صوتها الآتي من زمن "ألف ليلة وليلة" ..!!
اختلجت انفاسه الثقيلة وهو يرمق "الباذخة" امامه بنظرته الصقرية السوداء "اللامعة" من أسفل قدميها ...
إلى قدها المياس الغض بخصرها النحيل ....
وصولاً لجيدها المرمري المشوب بسمرة بدوية أصيلة ..
إلى فمها المكتنز الطري المفعم بجمال لون الورد المنعش ........ إلى ....
إلى عيناها ......
عينــــاهــــا ..!!!
شعر ان انفاسه لا تخرج ......... لا لا ..
بل لا ترغب بالخروج ....
وبغير وعيٍ منه ..... من غير حتى ان يدرك انه اصبح "زوجها" ....
تنحنح بصوت خرج خشناً/غليظاً/مبحوحاً ممتلئ بمشاعر اثقلت صدره حد الموت ..
ثم اخفض عيناه نحو الصغير منصور وهو يعدل من طريقة نومه ... وهتف بأجش ثقيل بتثاقل خفقاته المجنونة:
ما عليج اماره الشيخة بغيت حد يشل عنيه منصور ..
هل له ان يفكر قليلاً بتعقل لكي يدرك ان التي امامه في حالة جمود جسدي .. وعقلي تام ..!!!
ارتفعت عيناه إليها .. "وبحق" لم يلمح الا فتاة متجمدة متصنمة بكل معنى الكلمة ....!!!
لم يكن يتحرك فيها الا صدرها العامر خلف ثوبها العربي الرقيق ..
أخذ يتأمل تحرك صدرها العنيف بأنفاسها القوية مدركاً اخيراً انها لم تمسك بعد زمام وعيها ..!!
تباً .. هي حتى لا تتحرك ..!!!!
تنحنح مرة أخرى ولكن بقوة هذه المرة .. وقال متأملاً كل شبر فيها بمشاعر غريبة اثقلت/انهكت كاهليه: بنت خويدم ازقريليه وحده من البشاكير ما عليج اماره ..
وقبل ان ترف عيناه .... كانت هي تستدير بحدة قوية وتركض برجلاها المرتجفان بجنون ..
اختبأت في زاوية مظلمة تقابل غرفة والديها ولهاثها العنيف في سباق خاص مع مخارج تنفسها ..
كانت ترى انعكاس جسده من المرآة التي بالقرب من السلم ..
تــراه ..
هو ..
هو بعينه ........ سلطانهـــــا ..!!
يا إلهي .. أكان الزمن بهذه الحفاوة معك يا هذا ليجعلك تتوحش بوسامتك هكذا ..!!
أجعلك تتنمر على ذاتك وتُلقمها حقن الرجولة المفرطة داخل حُلتك المهيبة ..!!
أكنت أيها القاسي ناقصَ الوسامة فيما مضى لتزيدها قوةً فتكاً بأعنف الطرق على انوثتي المتواضعة ..!!
يا إلهي ..!!
يا إلهي .. تشعر ان قلبها سقط للتو صريعاً عند قدم رجلاً كانت منذ قليل تبغضه ..!!
تبغضه حد الصبابة .. وتصبو لعشقه حد البغض اللامتناهي ..!!
آآآآآآآه ..
وكأنك يا نزار اكسيتني وجع حرفك عندما قلت متحسراً من جوى القلب:
لو كنت ادري انه نوع من الادمان ما ادمنته .. لو كنت ادري انه باب كثير الريح ما فتحته .. لو كنت ادري انه عود من الكبريت ما اشعلته ..
يا إلهي .. رحمتك يا رب العباد ..
وضعت كفها الأيمن "المرتعش" على قلبها وبدأت تتعوذ من الشيطان وتذكر الله بهمس مختنق/وجل/مهتز حد اللاثبات ..
فهذه الدقات لم تداهمها بشراسة هكذا منذ زمن بعيد .. بعيداً جداً ..
يالله ..
اخذت نفسين عميقين كعمق سواد عيناها وقوّت عود قلبها المتخبط .... واستدارت قليلاً لتأخذ غطاء رأسها من الاريكة التي امامها وتغطي رأسها بالكامل .. تاركةً "بذهن ضائع" شعرها المفتوح ينساب بخيلاء من تحت الغطاء مع خروج نصفه من الأسفل اذ كان شعرها طويلاً جداً ..
اقتربت من الباب بعد ان رسمت على وجهها كل شرارات القوة والاعتداد والأنفة .... وبعد ان تنحنحت "لتضيف بضعف بعض الصفاء على صوتها الذي اختفى بجبن تحت هيبة حضوره" .. قالت بـ حزم شديد وهي تمد ذراعيها "المرتجفتين" اتجاهه:
يعلك تسلم يا بومييد .. عطنيه منصور انا بشله ..
إلتمعت عينا سلطان لمعاناً رجولياً ذات معنى ما إن لمحها مرة أخرى واقفةً امامه وعذوبة صوتها المبحوح تسبقها ..
قال من تحت نظارته الشمسية بخشونة لم يتعمدها .. خشونة كانت خبيثة حد السكين: ما نبغي نتعبج يا بنت خويدم .. منصور ربيه يحفظه هب خفيف .. ازقريليه وحده من البشاكير ..
احتد فمها كارهةً هالة القوة والتكبر المحاطة به ... وقالت بحدة رقيقة لم تتجاوز حدود الأدب: بومييد طوليه بعمرك عطنيه الولد .. نحن هب ظارين نخلي البشاكير يشلن عيالنا في احظانهن ..
واقتربت لاإرادياً منه مادةً ذراعيها كي تحمل منصور ..
أنزل سلطان أنفه قليلاً وهو يرمقها من تحت علو نظارته رافعاً حاجباً واحداً بابتسامة قاتلة ساحرة "ساخرة" .. ثم رفع أنفه وهتف بتساؤل حازم مسيطر وكأن الذي قالته هذه التي امامه ليس ذو قيمة ...... وكأنه هو سيد الموقف .. وسيد المكان والهواء:
حد في الصالة يالس ..؟!!
احتقن وجهها من تجاهله لها ومن تعنته الذي "لا يُطاق بنظرها" ... وقبل ان تجيب على تساؤله الغريب ... تحرك للأمام بسيطرة بالغة ورآى من خلال الباب المفتوح خلو الصالة من أحد ..
اقترب من شما بخفة .. بينما هي حبست انفاسها المرتعبة من قربه .... ثم مر من جانبها بعد ان لفحتها رائحته العودية الفخمة الممتزجة بشذو القهوة والتوباكو وشيئاً من التوابل الهندية ..
احست لثانية ان توازنها مع شم رائحته قد اختل .. لكنها وضعت يدها على جبينها اللامعة بحبيبات صغيرة من العرق لتمسك زمام قوتها وسيطرتها .. ثم رتبت غطاء رأسها بتوتر تصارعت لكبحه .. واستدارت لحيث دلف ..
دلف سلطان صالة المنزل حتى توسطها .. ثم وضع منصور فوق اقرب اريكة واستدار ليخرج ..
ما إن أصبحتا كتفاه موازيان تماماً لحدود كتفي قامتها "القصيرة" مقارنةً بقامته الشاهقة ... حتى قال بنبرة تقطر سخرية بالغة:
لــولــوه ..
رفعت شما عيناها بحدة محاولةً استيعاب الاسم .. ثم وبشكل تدريجي .. فهمت المعنى المبطن للإسم الذي ناداها به ..... مما جعلها ترتجف غضباً ممزوجاً بإحساس المهانة العلقمية ..
اشتعلت عيناه ببريق قاسي .. قاسي كقسوة رنين كلماتها المهينة على مسامعه .. وقال بعد ان رفع جانب فمه بابتسامة كسولة .. وبعد تركز نظره في الامام ولم ينزله ابداً: 12 سنة يا لولوه وانا اهويس بروياج ..
12 سنة تخيلي ..!!!!
قاطعته شما بصرامة حادة تخللها شرارت الغضب .. فهذا الرجل يستمتع بالسخرية منها .. يستمتع لأقصى درجة .. وهي لن تجعله يتهنى بسخريته هذه: لو سمحت .. اسميه شما ..
اتسعت ابتسامة غامضة على مبسمه .. ثم مرر طرف لسانه على شفتيه الجافتين ونظر إليها من حدود كتفه العريض وقال:
صدقينيه يا لولوه .. ما ريت من يستاهل هالاسم غيرج ..
تراجع قليلاً ليصبح مقابلاً لوجهها .. واضاف بابتسامة بيضاء متلاعبة وهو ينحني بظهره حتى غدا وجهه قريباً من وجهها كتقارب انفاسهما التي بدأت بالتخالط بعنفوان طاغي:
على العموم .. عقب هوياس سنين .. اظن لولوةْ خويدم بن زايد تستاهل من يرقبها 12 سنة ..
مشط بعينه الصقرية رجفة جسدها وشفتاها اللتان كانتا تعكسان بوضوح ما يموج ويعصف بداخلها ...
وقال بهمس خشن "ساخر حد الممات" لم يتعمد اخراجه بصورة تُربك وجدان التي امامه بشكل اعتى من السابق:
ولا يا بنت خويدم عدنا في نظرج الوقى اللي مايوز لمقامج العالي ..؟!!
كان يقترب من وجهها شيئاً فـ شيئاً ... ولم يلاحظ هذا حتى تلامست أطراف انفيهما ببعضها البعض ..
اغمضت شما عيناها بقوة وقالت مبتعدةً عنه بحدة ونبرتها الحادة المهتزة تنبأ عن حالتها الجزعة المرتبكة:
يا بومييد احشم البيت وراعيه .. ودام راعيه الحينه راقد هب معناته لك الحق ادق سوالف مع هل بيته ..
وبشجاعة حديدية تُحسد عليها "خاصةً بعد هذا الموقف الكبير على قلبها الضعيف" .. تراجعت أكثر للخلف وامسكت بمقبض الباب وقالت بصرامة "مزيفة/مرتعشة": خالفتك السهاله يا بن ظاعن ..
استقام سلطان بوقفته، ثم عدل نظارته الشمسية فوق جسر انفه الشامخ قبل ان يرفع حاجباً واحداً بذات سخريته المميتة المثقلة باعتداد يجمد الاطراف .. وثقة تتفجر حمماً ..... وقال:
سلطان بن ظاعن له كل الحق يسوي بـ حلاله اللي يباااه ..
ومشى ببطئ تعمد خلالها لمس كتفها مما أدى الى سريان امتداد كهربائي كامل على طول جسدها الغض جعل من غطاء رأسها يتحرك ويتمايل بخفة فوق نعومة شعرها الى ان سقط على كتفيها ..
ثم هتف بابتسامة عبثة كسولة "واثقة" خرجت مع نظرته السوداء المسيطرة:
وانتي يا لولوةْ خويدم غديتي حلال سلطاان ..
وقبل ان يعطيها المجال "للتنفس .. وللتعقيب" .. كان قد انحنى باتجاهها "بتلاعب صقري خبيث" إلى ان لمس بأنفه فروة شعرها ... ثم دعك رأس أنفه بنعومة عليها مختزناً بصدره رائحة شعرها الممتزجة بعبقها العذب ... عبق روائح العود ودهنه المعتق ..
وهمس "بأجش خافت ينضح بالثقة/التملك الرجولي" رافعاً جانب شفتيه بابتسامة غامضة مبطنة باختلاجات وانفعالات "لم يظهرها":
كلــج حلاليـــــه يـــا ...... لــــولــــوه ..
وكما دخل كعاصفة مدمرة على حين غرة .. خرج بذات عاصفته مخلفاً وراءه خفقات أنثى "ترتجف بأكملها كزهرة ياسمين تصارع وحيدة وسط كارثة طبيعية هوجاء" ..!!
.
.
.
.
.
.
.
بعد مرور يومان
اعتدل بجلسته ونظرة استنكار غاضبة تعلو ناظريه الصقيعيين بخفة .. وقال وهو يقرب الهاتف من فمه:
هرب ..؟!! .... كيف ..!!!!
كيف يهرب من سجن لاسانتيه المنيع ..!!!!!
زفر آندي بذات غضب رئيسه وقال بغلظة: لا اعرف يا زعيم .. حقاً لا اعرف .. ولكن اشكر الله اننا تمكننا من تعقبه والتحقق من صدق نواياه اتجاهنا قبل ان يهرب ..
ضرب ديرفس بقوة الطاولة التي امامه وقال بـ غيظ حقيقي: كيف لك ان تقول هذا يا آندي ...!!!
لقد هرب لاكي من السجن قبل ان أأذن انا شخصياً لـ رجالنا هناك ان يخرجوووه ..
وكيف له ان يهرب من هناك بسهولة ..!!!
كيف ..!!!
هز آندي كتفيه وقال بنبرة هادئة محاولاً اقناع زعيمه بـ وجهة نظره: ما دمنا تأكدنا ان لاكي شخص يمكن الاعتماد عليه والثقة به .. فـ هذا امر جيد .. وما دام هذا اللاكي استطاع الهروب من سجن لاسانتيه .. فهذا امر غاية في الروعة ..
لقد كسبنا يا زعيم شخص عبقري لا يغلبه امر ..
فقط خذ الامور من الناحية الايجابية ..
وبطريقتي الخاصة .. سأعرف بالضبط كيف هرب وما كانت وسيلته ..
وعندما أعرف .. سنكسب نقاط جيدة ضد الحكومة الفرنسية ..
فـ معرفة نقاط ضعف هذا السجن بالذات وكيفية الهرب منه أمر سيزيد من رصيد قوتنا ضدهم في المستقبل .. وسيسهل علينا عوائق شتى ..
ومن خلال معرفتي القصيرة بذاك اللاكي .. أعتقد انه تدبر امره لوحده .. فـ انا ما من رمقت عينا ذاك الشاب .. ايقنت انه ليس بـ شاب ذو نظارات سميكة مُحمّل بعقل إلكتروني يعمل كالماكينة فقط .. وانما ذو قلب وجسد صنديدي لا يهاب المخاطرة ..
هتف ديرفس بتشكك: أهذا ما تراه حقاً ..!!!!
ألا تشك أن الدي جي أس إي أو السي آي أي او حتى الراو خلف الموضوع ..!!!
(جهاز المخابرات الفرنسية = دي جي أس إي، جهاز المخابرات الامريكية = سي آي أي، جهاز المخابرات الهندية = راو)
آندي بثقة: قطعاً لا .. ولا حتى اي جهاز مخابرات من اي دولة خليجية او عربية ..
صمت قليلاً ثم اردف بحزم: أتذكر عندما قلت لك قبل شهر واحد انني ارسلت له في سجنه رجلاً هندياً هرم يتحدث نفس لغة لاكي ..!!!!
ديرفس: اجل اتذكر ..
آندي بخبث: في الحقيقة ولأصدق القول معك يا زعيم ..
كنت اشك ان لاكي هو لاكي ابن عائلة جانجوس ذاته .. حدسي انبأني ان هناك مؤامرة تُحاك من خلفنا .. ولهذا ارسلت الهرم إليه لأعرف الحقيقة ..
عقد ديرفس حاجبيه وقال: ومن هذا الهرم ..!! .. لقد كنت وقتها في معمعة مشاكل لا تنتهي ونسيت ان اسألك عنه ..
ابتسم آندي بمكر قاتل وقال بثقة: الهرم في الحقيقة هو ابن عم ابيه .. وقد سُجن فيما مضى لأنه أُتهم باغتصابه لبنات شقيق رئيس وزراء فرنسا .. وجريمته هذه كانت مثار الصحافة العالمية على مر سنين طويلة ..
وياللصدف الحميدة .. اكتشفت صلة قرابته بـ لاكي عندما كنت اجري ابحاثي واتحقق من خلفيات من يتعاونون معنا ..
وعندما جلس الهرم مع لاكي .. تعرف الاخير على الرجل واحتضنه بمحبة عارمة متأثراً بوجود احد اقاربه بجانبه في ذلك السجن البغيض ..
ديرفس بذات تشككه المستمر الذي لا يفارق روحه: وهل تحدث لاكي مع الهرم عن اي امرٍ يخصنا او يخص عمله مع جماعة اخرى ضدنا ..؟!!
آندي: لا لا بل كل ما قاله هو انه كان في رحلة سياحية في فرنسا وقد قبضت عليه الحكومة بشكل خاطئ عندما كان قريباً من مظاهرات باريس اليومية ..
وانه في الحقيقة كان قد بدأ يعمل في البلاط البريطاني ..
ولم يتحدث عن عمله معنا بتاتاً ..!!
لا لـ ذلك الرجل ولا لأحد سواه .. رغم ان الفرص أُتيحت له كي يعترف بما يخبئه كي يُفرج عنه ويعود لبلاده ..
ديرفس: حسناً .. ألم تتمكن من التأكد ما اذ كان لا يعمل مع جهة أخرى او جهاز دولي آخر...!!!!
آندي بذات ثقته العالية: نعم تأكدت .. الهرم لم يخرج من زنزانة لاكي الا بعدما سأله بشكل غير مباشر عن ما اذ كان متصلاً بجماعات ارهابية في العالم ام على علاقة مع اجهزة امنية معنية .. ولاكي اجابه بالنفي من غير ان يعلم بباطن نوايا ابن عم ابيه .. ولأتأكد أكثر .. استعنت بأناس أكثر خبرة ..
فـ جواسيسي الصغار في اجهزة امريكا والهند وفرنسا لا يعملون تحتي عبثاً ..
ارتخت يده المقبوضة على الهاتف وقال بنبرة هادئة: حسناً يا آندي اني اضع مسؤولية هذا الشاب على عاتقك ..
يجب عليه ان يعود إلينا بعد ان هرب .. واذ عاد حقاً .. فـ سيكون تحت اشرافك وناظريك انت ..
اني لا اعتمد على احد من الجماعة غيرك ..
ولكن قبل كل شيء .. يجب ان يرسم لك كامل خطة هروبه .. يجب ان نعرف بالضبط كيف ومتى وبأي ساعة حدثت عملية الهروب ..
.
.
.
.
.
.
.
دخلت بأطراف أصابع قدميها بحذر/بخفوت كي لا توقظه من سباته ..
طرق قلبها المشتاق بـ عشق لا ينضب ما ان رأت وجهه الرجولي النائم بتعابير مستكينة هادئة تبعث نسمات البراءة في المكان ..
كان يحمل تضاد الرجولة والبراءة بتمازج ألهب انوثتها ..
تعشق هذا الرجل وتعشق حتى قسوته وعناده المثير دوماً لغيظها ..
اقتربت منه بعينان تلمعان ببسمة خافتة وجلست بقربه على السرير الابيض ..
لم تستطع منع نفسها من لمس ذقنه النامي .. ولا تمرير اصبعها الصغير على حاجباه قبل عيناه المغلقتان ..
وبمشاعر سيرها "العطش المُهلك" .. اقتربت من وجهه ولثمت جانب فمه برقة ارتجف معها سائر جسدها ..
احست مع قبلتها السرمدية ان الحياة بأكملها غدت كلوحة تلوين تعجز عن ايقاف نفسها من رش الالوان البهية عليها ..
لم تبتعد الا عندما احست ان فم حبيبها قد تحرك ببطئ ينم عن احساسه بها وبقبلتها ..
ما ان استقامت بجسدها حتى سقطت عيناها على عيناه السوداوان الناعسان وهما تحدقان بها بأحاسيس غامضة ..
تنحنحت بارتباك تام .. وقالت بتلعثم رقيق يصرخ بين جنباته الخجل الشديد: أ أ أ آسفة وعيتك .. و و والله أسفة سيف
ابتلع سيف ريقه الجاف وقال بغلظة مبحوحة: من متى انتي هنيه ..؟!
امسكت العنود جانب حجابها بتوتر وقالت: توني حدرت ..
هم سيف بأن يسند جسده على ظهر السرير .. الا انه هدر بغضب ما ان احس بالعنود تقترب وتساعده على الجلوس:
هب محتاي معونه من حد .. سيري يلسي ..
ارتجف فمها بـ جرح ماكن/آسى ... وابتعدت عنه بانكسار ..
جلست على الكرسي وقالت بنبرة هادئة مبطنة بقلق صرف: سيف ..
شو مقرر تسوي ..؟!!
الدكتور قال عمليتك حساسة ..
رمق سيف الخواء امامه بنظرة جامدة ثلجية .. وقال ببحة عميقة بعد ان تمادى بصمته القاتل:
بسافر ألمانيا ..
اتسعت عينا العنود بصدمة: ألمانيا ..!!!
ليش انزين .. مـ مـ ما تروم تسويها في البلاد ..!!!
هتف سيف بذات جموده غير المبالي بالتي تتألم امامه: مابا اسويها هنيه .. عميه احمد حجزلي خلاص .. وهو اللي بيسافر ويايه ..
وقفت بصدمة أقوى ... وهتفت هذه المرة بانفعال حاد حقيقي: اشوووووه ...!!!!
انته شو تقووول ..!!!!
شحقه انا آخر من يعلم باللي يستوي ويااااااك ..!!!
ارتعشت اهدابها .. وأكملت بدموع تجمعت على مقلتيها المثقلتين بحزنٍ منهار: حرام عليك انا شو مستوبك ..!!!
شو سويت انااا عسب جيه تقسى عليه ..؟!!
شهور وانا متحملة جفاك معايه وقسوتك ولا فتحت ثميه .. لكن اللي تسويه ما يرضي الله ولا رسوله .. انا بنت عمك قبل لا اكون حرمتك وام عيالك هب وحده ماخذنها من الشاااارع ..
سقطت دموعها الحارة على وجنتيها وأكملت غير آبهة لأي شيء: ويايني بعد الحين تقول بتسافر ومع عميه احمد ..
انزين اناااااا ..!!!
انا وين موقعي من الاعراب .. هب انا المفروض اكون معاك في وقت محنتك واساندك ..!!!!
هب هالمفروض يستوي يا ولد عميه ..!!!
تكلم ليش ساكت ..!!
عض على باطن شفته السفلى وقد وصل الضيق والغضب حدودهما القصوى في روحه ..
لا يتحمل رؤية دموعها العذبة ولا رؤية الشحوب/الألم بعيناها ..... ولكنه غاضب يالله ..... غاضب منها وعليها ولا يريد الشفقة بشتى انواعه منها ..
لا يريــــــد ..
يريد الهرب من نظراتها ونظرات الجميع الحزينة عليه والمشفقة .. يريد الهرب من قفص العجز المسجون داخله بكل حيلة مبتورة ..
لا يريد اي مساعدة نفسية ومعنوية من أي أحد وزوجته خاصةً ..!!!
هتف بغلظة مشوبة بقسوة اخرجها كسلاسل حديدية تدمي الحنايا: الحرمة مكانها في بيتها وبين اعيالها .. انا هب ساير ألعب ..
بسوي العملية وبرد ان شاء الله ..
قاطعته العنود بحدة غاضبة "مجروحة حتى النخاع": ادريبك هب ساير تلعب انا هب بقرة عسب تتمصخر عليه ..
انا اقولك انيه انا حرمتك وانا المبدايه على كل حد .. ولو حد لازم يخاويك في هالسفرة فهي انا هب عمك ولا غيره ..
رفع سيف رأسه وقال بنبرة مباشرة باردة وهو يرمق بعيناه الحادة الغائمة عيناها الناعسة الوجلة:
وانا ماباج ويايه .. انتي بالذات ماباج ويايه ..
ارتجف فك العنود السفلي وتساقطت دموعها الموجوعة أكثر ..
همت بأن تسأله بإسم الذي وضع العشق في جوفيهما لمَ ...!!
همّت بأن تقول بإسم الذي جعله الأب والصدر له لمَ ..!!
وقبل أن تتفوه بكلمة "لمَ" ....... طرق أحدهم الباب .... تنحنح سيف بقوة وهتف ببحة خشنة: منووه ..؟!!
جاءه صوت والده الحاني وهو يجيب: انا انا ولديه ..
إلتفت سيف بحدة للعنود وقال بفظاظة: دشي الحمام وغسلي ويهج .. مافيه انا على رمسة حد ..
امسكت بيدها اليسرى يدها اليمنى كي تتمكن من السيطرة على انفعالها وغضبها من هذا الرجل ..
وبسرعة استدارت ودخلت الحمام ..
تنهد سيف ومشاعر الضيق تنهش عظامه بضراوة .. وقال بذات صوته الخشن: قرب قرب الغالي ..
دخل أبا سيف ومعه امه ..
امه التي ما ان سمعت بخبر حادث ابنها حتى سقطت مغشياً عليه بانهيار نفسي بالغ .. ولم يكن الحال هين مع اباه عبدالله، ولكن الاخير فوض امره لله واستمر بالدعاء والصلاة حتى فتح ابنهما عيناه ..
كان الحادث قاسي عليهما وهما اللذان لا يملكان الا هذا الولد الغالي .. وما دام الحادث لم يسلب الا مقدرته على المشي ..
فهذا الامر هين ..
المهم هو سيف .. وليس غير سلامة روح سيف ينشدان ..!!
.
.
.
.
.
.
.
هتفت بفم مزموم غاضب: ليش ما ودوني معاهم عموه .. كنت ابا اطمن على خويه ..
شما بنبرة باسمة مهدئة: ماعليه حبيبتي المرة الياية ان شاء الله .. انتي كنتي راقدة وما بغوا ينششونج من الرقاد ..
باجر ان شاء الله انا وياج والبنات بنسرح صوبه ..
هتفت حصة بعد صمت جال بين الفتيات لثواني قليلة: عموه .. امس رمست خالوه آمنة ..
شما: واشحالها فديتها ..؟!!
تنهدت حصة بضيق وقالت: تبين الصدق عموه .. خالوه امون وايد مستويعة من عميه بطي .. خاطريه اعرف هو شو سوابها عسب تودر بيتها وتروح بيت يديه ..
شما بنبرة حازمة: حصيصي هالامور نحن ما ندخل فيها .. هي وريلها ينيازون مالنا خص ..
ميرة بغضب: عميه بطي يقهر .. يعني تشوف حرمتك زعلانه شعنه ما تسير تراضيهااااااااا ..!!
رفعت شما كلتا حاجبيها بتعجب باسم: وانتي شو حارق يوفج اخت ميره ..!!!
وبعدين انتي ما تعرفين شو امبينهم عسب تقولين هالرمسة ..
ميرة: مب لازم اعرف .. هو بالمنطق يعني .. دام الحرمة زعلانه منك ومستويعة فالمفروض يسير يحبها على راسها ويراضيها .. ويردها البيت ..
لكن عميه بطي ما تحرك وهب ناوي يتحرك اصلاً .. عنبوه قدهم كملوا شهرين وزود متفارقين ..
شما بنبرة تعقل: معاج حق بس انا اشوف اثنينهم غلطانين واثنينهم لازم يحلون السالفة بسرعة لأن العيال بدوا يلاحظون المشكلة ويتحسسون ..
ومع هذا اقولج هالامور ما ندخل فيها .. وهم لازم يحلون مشكلتهم رواحهم ..
ما إن انتهت من جملتها .. حتى اعلن هاتف ميرة رنينه العالي .. رفعت الاخيرة هاتفها لتتأفف بعدها بغضب حقيقي:
هذا ما بيحل عن سمااااااااي ..!!!!! عنلااااااااته يابليه العله اللي ما يخيل .. اففففففففففففففف ..
قطبت شما حاجبيها باستغراب بينما امسكت حصة هاتف ميرة وقالت بذهول: هالهرم بعده يتصلبج ..!!!
ميره بذات انفعالها الغاضب: هيه والله بعده .. حشى اسميييييه وذى من ثلاث شهوووور وهو يتصل ويطرش مسجات
(وذى = ازعاج)
اتسعت عينا شما وقالت: منو هااا اللي يتصل ويطرش مسجات من شهور ..؟!!
ميرة بغضب: ماعرفه عموه واحد غبي .. من ايام المدرسة وهو حاشرنيه .. الا يبانيه ارد عليه ..
ردت عليه ينية ان شاء الله ..
حصة بذات غضب شقيقتها: هالـ.... هب ناوي يتوووب .. هاك اليوم رديت عليه وهزبته هزاب وسبيته .. قلت عقبها خلاص بيحرم يتصل .. ثره الجلب ما يفهم ولا ناوي يعتدل ..
شما بانفعال: فاااارقت ويهه الهرم شو يبا فيج هوو ..؟!!
ميرة: شو عرفني عمووه .. اصلا ماعرف من وين ياب رقميه ..
تخيلي عموه يعرف اسميه ومن قوم منووه ...
وضعت شما يدها على خدها بـ ذهول: بسم الله منوو هاااا ..!!!
حصة بـ صرامة: بعطي الرقم حق ابويه وهو بيتصرف معاه ..
ميره بـ جزع: لا لا دخيلج والله لو ابويه عرف بيلعن سابع اسلافي .. لا لا بليز حصوه
حصة: يعني تبين هالزفت يتمادى في سخافته ..!!!
ميرة: خل يدق مليون مرة ما برد عليه .. وهو يوم بيشوف انيه مسوتله طاف بيمل وبيزول ..
شما: بس ميروه هالاشكال محد يروم يوقفها الا الرياييل .. لازم تخبرين اخويه عنه ..
ميرة: لا لا الا ابويه .. ان قلتله عن هالريال بيعصب وبيحلف ما يقبضني تلفون عقبها ..
.
.
.
.
.
.
.
طرقت باب المكتب برقة شديدة ودخلت ما إن سمعت الاذن بالدخول ..
تلون وجهها بخجل لم تستطع السيطرة عليه ما ان رأت ابتسامة وجهه الوسيم تُرسل إليها بطيب خاطر/مهنية ..
قالت وهي تضع المخططات على مكتبه الفخم: بوخويدم هاذي المخططات اللي طلبتهن .. تامرني على شي ثاني ..؟!
اخد بطي المخططات وقال برسمية هادئة: تسلمين يا أليازية يعطيج العافية ..
أضاف وهو يفتح المخططات ويراها على عجل: ما عليج امارة يا أليازية كلمي العلاقات العامة وشوفي لو حددوا مع الشركة الصينية موعد الاجتماع .. انا الحينه ورايه موعد مهم وما بلحق اتصل واشوف الموضوع ..
قالت أليازية من بين نظراتها الهائمة الملتمعة: ان شاء الله بوخويدم فالك طيب ..
انزل بطي نظارته وقال ببسمة خفيفة: فالج ما يخيب ..
استدارت أليازية وقلبها السعيد المتراقص في حالة نشوة لا نهائية .. فـ بعد ان أصبحت أكثر ثقلاً وتأدباً مع بطي .. وبعد ان قررت ان تبتعد عن تصرفات الاطفال التي كانت تفعلها لتجتذب انتباهه .. أصبح يحترمها أكثر من السابق ويتقبل وجودها حوله بصدر رحب ..
تشعر في قرارة نفسها ان هذا البطي سيقع يوماً في حبها .. بل تشعر ان هذا الشيء قريب .. قريباً جداً ..
ولكن عليها ان تستمر في تعاملها الثقيل معه وان لا تشعره بأنها فتاة مستهترة تفتقر للأخلاق والشيم الحميدة ..
.
.
.
.
.
.
.
بدأت الارقام تصدح في عقله مزاحمةً جميع أفكاره الملتهبة المتمركزة على "أنثى واحدة تحمل الانفرادية ذاتها"
واحد .. اثنين .. ثلاثة .. اربعة .. خمسة .. ستة .. سبعة ..
تصبب عرقه من أعلى جبينه المتلألئ حتى عنقه الأسمر الصلب ..
لا يعرف هل هذا عرق الجهد وحرارة الجو الحارقة .. ام عرق مشاعره الملتهبة ..!!
ثمانية .. تسعة .. عشرة ..
إلتمعت صورتها امام عيناه وغدت كالبرق اللامع ..
جمالك يا انتي .. حارق ..
حارق ..!!
ما كنت لأحلم ان خلف غطاء وجهك وجهٌ ينافس البدر ليلة اكتماله ..!!!!
ينافس ضيائه في ليل سرمدي متشح بالظلمة ..!!
أغمض عيناه بقوة محاولاً ازاحة صورتها الباذخة من باله .. ولم يستطع ..
يالله ..
فلتُبعدي عن جنبات مخيلتي وجهك الأثيري ..
فلتُبعديه لأشعر انني ما زلت املك هيبة على روحي .. وانفاسي ..!!!
مرت امام مقلتيه صورة عيناها السوداوان بكل بهاء "متباهي"
احدى عشر .. اثنا عشر .. ثلاثة عشر ..
عيناها ..
أنفها الدقيق الصغير ..
فمها المكتنز ذو المنحنيات الخرافية ..
شعرها بسواده وغناه الباعث للفتنة ذاتها ..
رائحتها ...... رائحتها العذبة القابعة للآن وسط رئتيه تتغنج بين خفقات روحه العاشقة بكل غرور صرف ..
اربعة عشر .. خمسة عشر .. ستة عشر ..
ازداد عرق جبينه ... ومشاعره الرجولية غدت في حالة استنفار مجنون ..
كيف للسنين ان تنحت جسدك/نحرك المخملي الصافي ببذاخة ..!!
كيف له ان يكسيكِ فتنة النضوج بغطرسة وكرم حاتمي ..!!!
كيف ..!!!
سبعة عشر .. ثمانية عشر .. تسعة عشر ..
فتح عيناه الغارقتان بالعرق بقوة وأخذ عقله يتأرجح فجأة
بين صورتها البهية ..
وبين فحوى رسالة ابنة عمه ..!!!
يالله ارزقني حسن التفكير والتدبير .. فأنت اعلم ما تقيسه نفسي الآن من حيرة وتخبط ...
ما كنت من قبل لأشك بطهارة ابنة الغالي ..
ابداً ..
أقسم لك يالله ..
فكيف لي بعد ان رأيت الطهارة ذاتها تنضح من صورتها الملائكية الآن ان أشُك ..!!!
إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
اقشعر كامل بدنه ما ان مرت هذه الاية كالغيمة المظلمة المرعبة امام عقله ..
ومع قشعريرة بدنه .. وضع ثقل الحديد ذو المئتان كيلوجرام على الحامل وأخذ يلهث باضطراب ..
يلهث انفاس الخوف من الله وليس من الارهاق او الجهد .. كان يلهث الحيرة ذاتها والقلق ذاته ..
هز رأسه بحدة وهتف ببحة خافتة: عوذ بالله من الشيطان الرجيم .. عوذ بالله ..
وضع منشفته الصغيرة على كتفه الايمن وامسك بقنينة الماء وأخذ يشرب مافيه دفعة واحدة ..
: سيدي .. حطيت في مكتبك الاوراق اللي يبالهن توقيعك ..
استدار لسكرتيه وقال: اوكي تسلم حميد
حميد: الله يسلمك سيدي ..
خرج سلطان من الساحة الخاصة للتدريب بعد ان اشرف منذ الصباح الباكر على تدريب بعض المجندين الجدد وبعد ان اغرق نفسه في اجهاد بدني حقيقي ..
بعد ان انتهى من استحمامه وغير ملابسه .. اتاه اتصال باغت ذهنه ..
اجاب بـ حزمه المعتاد الذي سرعان ما تغيرت موجته وأصبح يحمل بين جنباته بهجةً رجولية صادقة:
في ذمتك ..!!!!!
يلا ساير ساير ..
.
.
.
.
.
.
.
اتتها ابنتها الصغيرة تمشي بطفولية لذيذة لتقول لها بعد ان احتضنت رجليها المنطويين: ماما .. ابا بابا ..
عضت على شفتها السفلى بغصة ألم حقيقية الا انها ابتسمت ابتسامة لم تتجاوز حدود عيناها وقالت: تبين تسوين ألو حق بابا ..؟!
هزت لطيفة رأسها بحماس بالغ وقالت بلسانها الصغير المتلعثم: اي اي
رفعت آمنة عيناها للساعة الجدارية ورأت انها ستتجاوز الثانية ظهراً .. أي انه سيخرج في اي وقت من مكتبه الآن ..
زفرت توتراً يعتمل في صدرها وقررت ان تمسك زمام شجاعتها وتتصل به .. فابنتهما تشتاق لأباها كثيراً ويجب ان لا تُشعرها ببعده عنها ..
وهي بالرغم من المشاكل بينهما .. كانت قد قررت فيما مضى ان تحرص على استمرارية التواصل بين ابنائها ووالدهم حتى لو تعقدت بهم الظروف لأقصى حد ..
اتصلت برقمه الخاص قبل تتنحنح بقوة وتتنفس الصعداء .. لم تنتظر كثيراً فسرعان ما سمعت صوته الرجولي "المُهلك" يحاكيها على الطرف الآخر: هلا ام خويدم ..
أثار غضبها صوته الجاف البارد وهي التي لم تنسى بعد جرحه القابع في روحها .. اجابت بذات جفاف صوته: أهلين بوخويدم .. شحالك وشحال عميه وعمتيه ..؟!!
اجابها باقتضاب وهو واقف يرتب اغراضه كي يحملها ويخرج من مكتبه: كلنا بخير وعافية ما نشكي باس .. ومن صوبكم ربكم الا بخير ..؟!
آمنة: الحمدلله ربيه يعافيك كلنا بخير وسهالة ..
ثم اضافت بسرعة كي لا يفهم بطي انها اتصلت من اجله: اتصلت بك لأن لطيفه قالت تبا ترمسك ..
اجاب بطي بنبرة ساخرة وصلت مسامعها بوضوح: متصلة عشان بس لطيفة تبا ترمسنيه ..!!
قبضت آمنة يدها بقوة كي لا تظهر انفعالها .. وقالت بصقيعية صرفة: هيه عشان منو عيل ..؟!!
رفع بطي جانب فمه بابتسامة ملؤها الخيبة .. خيبة على حاله ومحبوبته .. ورد بذات سخريته البالغة: طبعاً هب عشانيه انا يا آمنة ..
شانيه عندج رخص من زمان ..
ثم أضاف بقسوة: عطينيه لطيفة ..
نقلت آمنة الهاتف المحمول من اذنها لأذن ابنتها وهي تبلع غصة خانقة حارقة ..
أجل .. ليس لشأنك قيمةً يا هذا بعد الذي فعلته بي .. ليس له أدنى قيمة صدقني ..!!
.
.
.
.
.
.
.
عقد حاجبيه بمكر ساخر وقال بخفوت: مصدقه عمرها هاي ..
الحينه انتي ترفضين مانع ..!!!!
ما عاشت ولا استوت اللي ترفضني ..
اتسعت ابتسامته قبل ان يحك ذقنه بشيطنة صرفة ثم اكمل: بس انا مشكلتي اموت في الثقيل .. ودام ان هاي سواتج فـ ابشري يا بنت عبدالله ..
ابششششري هههههههههههههههههههههههه
: وابووووويه شحقه تضحك ..!!
شرب ما تبقى في كوب الشاي وقال لأمه بذات ابتسامته الشريرة: ماشي امايه فرحانين بس ..
ام مانع بنظرة باسمة مستغربة: يعلها فرحتن مديمه ولديه .. فرحني وياك انزين ..
رمق مانع امه بسخرية وقال: ماشي ماشي واحد من الربع مخبرني سالفة اضحك بس ..
أردف وهو يتلفت بخفة: الا بنتج وين ..!!!
ام مانع: يزوي قالت انها معزومة عند وحده من ربيعاتها على الغدا .. بتظهر من الدوام وبتسير عندها سيده ..
انفعل مانع وقال بغضب: انا مب مخبرنج لا تخلينها تظهر منيه مناك على كيفهاااا ..!!!
ام مانع: ويدييييه يا ولديه .. ثرها البنية وين بتسير .. الا بتتغدا وبترد البيت ..
شخر مانع باستهزاء بالغ قاتل .. وقال باستخفاف: اسميه قلبج طيب يا امييييه ..
هاي عقرب محد يعرفها كثري .. وانتي عاقه عليها الخيط والمخيط ..
.
.
.
.
.
.
.
مسد شعره القصير بأصابعه بتوتر لم يظهر على ملامح وجهه الهادئة ..
تذكر كيف انه منذ يومان تحدث مع والديه عن رغبته بخطبة ابنة ابا سيف الصغيرة .. وتذكر جيداً كيف ان الاثنان قد رحبا بهذا الخبر بكل سعادة بالغة مع تحفظهما القليل بشأن رفض حصة الزواج من فلاح ..
لمَ اذن التوتر يا حمد ..؟!!!
قريباً ستكون ميرة من نصيبك بإذن الله ..
فلتترك عنك هذا التوتر غير الضروري ..
اتته رسالة على هاتفه المحمول .. وسرعان ما التقطه وقرأ ما وصله ..
"حمد شحالك .. بغيتك في خدمة صغيرونة ولد ابويه .. شل البشاكير وودهن شقتيه وخلهن ينظفنها كلها .. بتحصل سبير مفتاح الشقة في السدة اللي على يمين شبريتي"
رد حمد بابتسامة مرحة:
"كم تدفع حبيبي ..؟!"
اتاه الرد سريعاً من شقيقه نهيان:
"أديك دم ئلبي يا قوزي"
ضحك حمد ضحكة قوية رنانة وكتب:
"ههههههههههههههههههههه غربلات بليسك يالمنحرف .. مابا شي منك مشكور"
.
.
.
.
.
.
.
مسحت دمعة تأن وجعاً/حنيناً وهي تتحسر للمرة الألف على ضياعها لخاتم والدتها ..
لمست بأناملها السمراء الصافية صورة والدتها وهمست بخفوت باكي: والله هب قصدي اضيعه ماما والله هب قصدي ..
مسحت دمعة تماثل اختها السابقة وهي تتنفس بعمق كي تبث الهدوء في روحها .. ثم اقعدت برواز الصورة على تسريحتها قبل ان تحمل صندوقاً شفافاً فخم الشكل والمحتوى وتخرج من غرفتها ..
وصلت لمجلس النساء الداخلي .. والذي كان مرتباً ومزخرفاً بالبالونات والزينة المتفاوتة بين اللون الأخضر العشبي واللون الذهبي ..
ابتسمت بحماس وهي تضع آخر هدية على طاولة المجلس .. ونادت بخفوت كي لا يسمعها احد: يدوووه يدووووووه
أتت الجدة وهي تمشي بتروي .. وقالت بذات خفوت ابنة ابنها: ها نعوم خلصتي ..؟!!
ناعمة: هيه هيه خلصت ..
أتت سلامة وهي تقول باستعجال: يلا نعوم بسرعة .. فطيم خلصت سبوح وبتنزل الحينه ..
ناعمة: انزين وين الباجي ..؟!! .... ابويه وذياب وحمدان وعميه سلطان ..!!!
سلامة: سلطان قال ظهرتله شغله مهمة ما بيروم ايي
هتفت ناعمة بحنق/تبرم: ياربي عليك يا بومييد .. دومه جيه الله يهداه .. هذا ونحن متفجين من زمان انه ايي ..
ام هامل بنبرة حنونة: ماعليه امايه الريال معذور .. يلا سيري هاتي الكيكة من الثلاجة قبل لا تحدر علينا اختج ..
وانتي سلامي ازقري الباجيين من الصالة ..
وبعد دقائق ..
كانت هي تتعثر في الظلمة محاولةً ان تفهم لمَ المكان بأكمله مظلم ..
وفجأة .......... سمعت صوت جماعي يصرخ بحماس مبتهج:
مبــــــروك يــــــا أحــــــلى وأروع وأشطــــــــــر فطيــــــــــــم ..
اتسعت عينا فطيم وهي تنظر لعائلتها المكتسين بروح الفخر/السعادة .. وتحدّق بالبالونات والزينة .. والكيكة الكبيرة متوسطة المكان وعليها صورتها وهي طفلة جميلة ..
وضعت فطيم كفوفها على خديها وصرخت بـ سعادة لا وصف لها .. وذهول شاسع: اوووويه شو هاااااااااا هههههههههههههههههههههههههه ..
فدييييييييييتكم ياربيييييييه ..
ركضت نحو شقيقتها الغالية ناعمة واحتضنتها بقوة .. ثم انتقلت لجدتها العذبة ثم لوالدها الحنون .. واخيراً اقتربت من اخيها حمدان واحتضنت كتفيه بحنان متفجر وقبّلت رأسه قبل ان تقبّل كتف ذياب وتقول بتأثر حقيقي:
ياوووويل حالي انااااا .. فديتكم ياربي فرحتوووووني ..
احتضن ذياب كتف اخته وقال بعد ان قبّل رأسها بحب/بفخر: بالبركهه فديتج ومنها للأعلى ان شاء الله ..
أبا ذياب بفخر واعتزاز: ما شاء الله عليج يا فطيم .. قلتي بتيبين بإذن الله فوق الخمس وتسعين ويبتيها .. قدها وقدود بنتيه .. كفووووو ...
ضحكت فطيم بخجل حقيقي وقالت برقة: علنيه افدااااك والله .. من وين بييب الشطارة الا منك يالغاااالي ..
نكزها شقيقها حمدان وقال بخبث: بتختق علينا الحين فطيمي .. امبونها خقاقه محد يروم يرمسها ..
ضحك الجميع ثم قالت الجدة لناعمة: الناعم .. عطيها الهدايا ..
ضحكت ناعمة وقالت باعتراض رقيق: لا يدوه تريي لازم تقطع فطيم الكيكة اول ..
اجتمع الجميع حول الكيكة .. ثم امسكت فطيم السكين وهمت بتقطيعها .. الا انها توقفت فزعةً ما ان صاحت ناعمة فجأة بها: لا لا لاااااا ويت بصورها قبل لا تقطعينها ..
.
.
.
.
.
.
.
إلتمعت عيناه بـ سعادة وامتنان وهو يتأمل القادم نحوه ..
وبحركة سيّرتها معاني الحب الأخوي العميق .. والمشاعر الأبوية البالغة .. اقترب من القادم بخفة حتى تقابلا
وجها لوجه .... قامةً بقامة .... هالة رجولية فتاكة بـ هالة رجولة لا تقل عنه فتكاً ....
امسك بقوة كتف الآخر وتأمل وجهه وسائر جسده باشتياق رجولي بالغ ثم قال بصرامة مبطنة "بتأثر لم يظهره":
قبل السلام والكلام .. انت بخير ..؟!!
هز الرجل رأسه من بين نظراته المتأثرة .. نظرات متأثرة ممتنة لعودته أخيراً أرض الوطن: الحمدلله انا بخير وما اشكي اي باااس ..
احتد فم سلطان وقال بصرامة اشد: احلف حارب ..
ابتسم حارب ابتسامة "حقيقية مثقلة بالارهاق/الانهاك النفسي الصرف" وقال: واللي خلقك مافيه الا كل خير وعافية يا سلطان ..
ما إن انهى كلمته الأخيرة حتى جرّه سلطان بخشونة واحتضنه بقوة وبعنف ...
وهو .... ولشدة اشتياقه لروائح الاهل والوطن .. ولسلطان عضيده الغالي .. لم يجد وسيلةً للتعبير عن هذا الاشتياق العارم سوى ان يبادله الاحتضان المثقل بالشفافية .. بذات العنف وبذات القوة ....
كان منظراً يعجز أحد عن وصف بلاغته .. بلاغة تجسدت بشخصان عاشا الفقد بكل معانيه ..!!
غير ان الثاني عاش الفقد .. والغربة .. والوحشة بمعاني كانت كـ نصل السكين على رقبته ..
ابتعد سلطان عن حارب وقال وهو يتأمل وجهه المرهق بـ غضب سحيق حد اللانهاية: قسم بالله هب مطوفنها لهم ..
حسابهم زاد عياااال الـ...
لكن والله واللي رجعك النا ساااالم ينيه بظهر من عيونهم كل سوايااااااهم ..
أضاف بذات انفعاله: شي سووبك هناك الكلـ.... ؟؟؟
هز حارب رأسه بالنفي وقال ليزرع الطمأنينة في جوف سلطان: لا لا تطمن ولا لمسووني ..
هتف سلطان بـ حزم بالغ: الحمدلله رب العالمين .. الحمدلله ..
لانت ملامحه وهو يرمق وجه حارب بلا شبع: تستاهل السلامة يا بومحمد .. والله لا يعودها من ايام قول آمين ..
حارب: الله يسلمك من كل شر يا الغالي .. امين ياربي امين .. اسميني ما ذقت الرقاد من ثلاث شهور ولا عرفته ..
ربت سلطان على كتفه وقال: يلا عيل بوديك البيت عسب تتسبح وتريح ..
بس قبلها بنخطف المستشفى اباهم يجيكون عليك ..
حارب بصوت مبحوح مُرهق بشدة: لا دخيلك بومييد هلكااااااان وابا اتغسل واصلي وارقددد ..
سلطان بحزم واصرار: انا ما برتاح الا يوم يجيكون عليك بكبرك ويشوفون لو فيك شي منيه مناك لا سمح الله ..
يلا جدامي ..
اوقفه حارب وقال بخشونة ابطنها بجميع مشاعر التأثر/الامتنان: بومييد ودني المسيد قبل .. ابا اصلي ركعتين شكر لله ..
.
.
.
.
.
.
.
فتح باب الشقة ودخل بينما انتشرن الخادمات كي يعملن بجهد كما وصاهن بكلامه الحازم ..
تأمل الشقة الفخمة الوسيعة المطلة على شوارع دبي ومناظرها التي تزداد بهاءاً كل يوم ..
وبعدها بدأ بفتح جميع الغرف المغلقة .. واستدار ليذهب للمطبخ ..
ولكنه تراجع عندما لمح بعض الألعاب الملقاة بإهمال على عتبة باب آخر غرفة فتحها ..
قطب حاجباه باستغراب ودخل الغرفة المظلمة بتروي ..
وبعد ان فتح اضاءة الغرفة .. اتسعت عيناه باستغراب ما ان رآى محتوى الغرفة التي كانت وبلا اي مبالغة ..
غرفة صبيانية طفولية مفعمة بألوان الأزرق السماوي والبيج والأبيض .. وكأنها غرفة احد الاطفال في شقة عائلة حقيقية وليست شقة رجل أعزب ...!!!
وبينما تجول عينا حمد الحائرة المتسائلة حول محتويات الغرفة .. توقف ناظراه على صورة مبروزة ..
صورة تجمع اخاه نهيان .. وطفل صغير ...!!!
والذي زاد من حيرة حمد .. هو ان الطفل لم يكن الا نسخة مصغرة من آل الحر ....!!!!
يشبه على وجه الخصوص شقيقته مهرة ....!!!!
زفر حمد أنفاسه باضطراب ... وأخذ يبحث بقرارة نفسه عن اجوبةٍ حقيقية لما يراه حوله الآن ..
زم فمه بتفكير وقرر ان يتكلم مع نهيان في هذا الموضوع فيما بعد ..
وقبل ان يخرج من الغرفة ..... أتاه اتصال منه ...
حسناً .. يبدو انك يا نهيان تخفي ورائك اموراً غامضة ..!!
رفع هاتفه وأجاب بـ حزم: هلا نهيان ..
..
: أي حجرة تقصد ..؟!!
..
: اهاااا عرفتها ..
بس ليش ما تباني ابطلها حق البشاكير عسب ينظفنها ..!!!
..
هتف بكذب لم يتعمده في الحقيقة: اهاااا .. لا لا ما بطلتها بعدني .. خلاص دامك محطي فيها فلوس واوراق مهمة ما ببطلها
..
: مع السلامة ..
اغلق حمد هاتفه ووضعه بقرب فمه وبدأت وتيرة شكه تزداد في عقله ..
لمَ نهيان لا يريد ان يرى احد هذه الغرفة ..!!!!!
جالت عيناه على كل ركن في الغرفة بنظرة أخيرة خاطفة ... ثم خرج منها واغلق بابها خلفه ..
.
.
.
.
.
.
.
: حبيبي زايد عطني غترة اخوك بلفها على راسه
ناولها زايد غترة اخيه سعيد وبدأت حنان بكل رقة تلف رأس الأخير بتركيز تام ..
ما ان انتهت حتى صفقت بابتهاج وقالت بينما هي تقبل وجه سعيد الصغير بلذة عارمة: واي فديت ويهك الغاوي يا بوعسكور ..
يلا نش انت واخوك وسيروا يلسوا مع يديه ويدوه قبل لا يوصل ابوكم ..
ركض الاثنان نحوه الصالة التي فيها جداهما بينما ذهبت حنان الى المطبخ كي تجهز الفوالة وتصنع القهوة والشاي ..
وبعد دقائق ليس بالطويلة ..
: هوووود هووووووووود
اختلج صدرها بانفعال غريب ما ان سمعت صوت الرجل امام باب المنزل ..
واعتراها الاستغراب .. فـ احمد منذ ان توفت عوشة لم يفكر ابداً بالدخول لمنزلهم ..
فما الجديد الذي استجد في الموضوع ..؟!
سمعت اباها وهو يرد بـ حزم متحفظ: هداا هدااا بن خويدم قرب ..
التحفظ الذي سمعته في صوت والدها رأته متجسداً على هيئة وجع أليم على وجه امها التي دخلت كالاعصار الى المطبخ ..
تركت حنان ما في يدها واقتربت من امها التي تمسح دموعها السخية من تحت برقعها وقالت مهدئةً إياها بحنية: امايه استهدي بالله شياج بسم الله عليج ..؟!!
هتفت ام حميد بصوت متوجع مبحوح: ماتحمل اشوفه يا بنتيه ماتحمل .. كل ماشوفه اتذكر اختج واللي استوابها هاك اليوم ..
هو السبة ... هو السببببة ..
ابتلعت حنان غصة كبيرة .. وقالت محاولةً بث الثبات في صوتها: امايه تعوذي من بليس .. هذا اللي الله كاتبنه فديتج .. كل نفس ذائقة الموت .. واللي صار محد له ايد فيه ..
كله مقدر ومكتوب .. مقدر ومكتوب امايه .. اذكري الله انتي بس وتعالي بغسل ويهج ..
جذبت حنان امها ومسحت وجهها بالماء الفاتر ثم جففته بالمحرمة وقالت بابتسامة رقيقة:
افا يا ام حميد .. بنت سهيل ما تخلي عربها وخطارها يلوس بليا اقهوه وفواله .. يلا الغاليه سيري وانا بخلي البشكاره تشل الصياني وراج ..
هزت ام حميد رأسها بذبول وهي تحاول ازاحة صورة ابنتها الغالية عوشة من بالها .. تزيحها فقط لدقائق كي لا ترمق ذلك الجالس في الخارج بنظرات تقتل السم ذاته ..
ستكذب ان قالت انها في قرارة نفسها تلوم احمد .. ستكذب ..!!!
فهي تلومه .. وتلومه .. وتلومه ..!!
ولكن هي تكتم ما فيها مخافة ان يحدث بينهم مشاكل وتتأثر على اثرها علاقتها بأبناء ابنتها ..
هي لن تحتمل فراقهم ولا بعدهم ..
الا يكفيها فراق امهم ..!!
خرجت من المطبخ واقتربت من الصالة ..
ما ان دخلت حتى وقف احمد ببرود تام واقترب منها بأدب جم وقبّل رأسها: شو صحتج عمتيه ..؟!
ام حميد باقتضاب جاف: الحمدلله رب العالمين .. عدنا عايشين ..
ارتفع جانب فم احمد بسخرية قاتلة ثم قال بذات صقيعية كلماته: ربي يواليكم الصحة والعافية ..
رمقته ام حميد بحدة من تحت برقعها وقالت بنبرة لاذعة .. بنبرة ام موجوعة: عقب الغالية لا رينا الصحة ولا العافية .. نسأل الله حسن الخاتمة بس ..
زجرها أبا حميد باستنكار: يا حمده مايوز اللي تقولينه .. خلي عنج هالرمسه بارك الله فيج ..
لم تستطع ام حميد التحكم بانفعالها أكثر .. أشرت بيدها بعصبية تخللها الألم وقالت: وانا عند ربيه صادقه ما جذبت .. من راحت الغالية وانا العيشة ماشتهيها ولا النوم قارب اعيانيه ..
وكل ها من اللي ما يخاف الله ..... انتي شو يايبنك عندنا ..!!!
ما سدك اللي سويته في عوشة ..!!!
ما سدك انك طلقتها وخليتها تشرد بحرقة يوفها وتموووووت ..!!!!!
هتف أبا حميد بصرامة غاضبة: يا ام حميد عيب اللي تقولينه الريال يالس وسط دارنااااا ..
قاطعته ام حميد وهي تحاول اخراج صوتها بثبات خلف رعشات جسدها المنفعل: كله اللي صار يا بن خويدم كووووم ..
وانك ما تحضر عزا بنتيه ولا تقوم به كوم ثااااني ..
ثم رصت على عيناها الصغيرتان واكملت بآسى: هانت عليك حرمتك هالكثر يا احمد ..؟!!
هانت عليك هالكثر عسب ما تحظر دفانها ولا تصلي عليها ولا حتى تقوم في عزاها ..؟!!
شعنننننه ..؟!!
خبرني شعنننه .. ؟؟!!
ثرها بنتيه شو مسوتبك ياللي ما تخاااف الله ..!!!!
والله لو انها سارقة حلالك ما سويت ابها جيه ..
اقتربت بلا وعي منه وصرخت بملئ حنجرتها: انت إلين الحينه ما عزيتنيه فيها ولا حتى مسحت على فواااااديه برمستن زينه تبرد الخااااطر ..
كان احمد طيلة الوقت يرمق عينا عمته الباكيتان بقلبٍ كالصنديد وأقسى ..
لم يرف له جفن ولم تتحرك تقاطيع وجه الغامض المظلم كـ ظلمة الليل ..
ولم يتحرك الا عندما سقطت امامه ام حميد بضعف شديد ...
سمع احمد عمه أبا حميد وهو ينادي بصوت عالٍ قلق: حناااااااااان .. حنااااااااااااااان ..
تحرك احمد بسرعة واسند جسد عمته عليه وسحبها بخفة للأريكة .. وبسرعة كذلك ..
رش قليلاً من ماء "الغسول النظيف" على وجهها وضرب بخفة خدها ليساعدها على استرداد وعيها ..
رفع رأسه بحدة ما ان سمع صياحاً ناعماً آتٍ نحوه ..
رآى فتاةً مغطاة الرأس فقط مقبلةً عليه ..
تسمرت عيناه لثواني على وجهها المكشوف الجزع ..
كانت بحق .. تختلف مئة وثمانون درجة عن عوشة ..!!!!
تختلف عنها بملامح الوجه .. والجسد والطول ..
كلياً مختلفة ..!!!
انزل رأسه بعفوية ما ان اقتربت هي من والدتها وصاحت بقلق/خوف: بلاها اماااااايه ...!!!
الا انه سرعانه ما رفع حاجباً واحداً باستغراب ساخر ما ان رآها ترمقه بغضب اعصاري وتهتف باتهام جريء: شو سويت ابها انت هااااااه ..!!!! شو سويت بـ اماااااااايه ..!!!!
هتف أبا حميد بأعصاب تلفة: يا بنية محد سوابها شي .. هي روحها طاحت ..
تشعر انها ليست بـ حنان ابداً ما ان يدخل في الموضوع اسم هذا الأحمد .. ليست بحنان المهذبة الهادئة ابداً .. وهذا ما يزعجها ويجعلها في حالة فوران بالغ ..
ولكنها استطاعت السيطرة على انفعالها بقوة ..... ثم وبهدوء رشت بدورها الماء مرة أخرى على وجه امها حتى استيقظت بإعياء ..
زفرت حنان ما اعتمل في خاطرها من قلق وجزع ثم همست بخفوت: الحمدلله رب العالمين ..
وقالت لوالدتها بصوت معتدل النبرات اخفت خلفه خجلها الفطري من جلوسها بقرب رجل غريب: يا امايه الله يهداج قلتلج لا تعصبين ولا تنفعلين .. انتي راعية سكر وضغط ما تنفعلج العصبية والضيج ..
دخيلج خلاص هدي اعصابج ..
قالت ام حميد ببحة خرجت بذبول ميت: حنان ودينيه حجرتيه ..
وضعت حنان كلتا ذراعيها تحت ابطي والدتها كي تساعدها على الوقوف والمشي ..
وأحمد، وبعفوية تامة خرجت مع تربية والديه الصالحة، امسك ذراع ام حميد الايمن لكي يساعدها هو الآخر على الوقوف ..
وهنا .. لمست حنان من غير قصد أصابعه ....
كانت لمسة انبثاق التكهرب بين جسديهما معاً .. تكهرب لامس وتين قلب حنان وامسك بكل شرايين قلبها ونفضتهم بالكامل ..
بينما تكهرب آخر لامس دماغ أحمد بغضب وازدراء ليس لهما حدود ..
ابعد احمد يده عن ذراع ام حميد بحدة .. بينما وقفت ام حميد بوهن بين يدي حنان "المترجفة" ثم توجهتا للداخل ..
قبض أحمد يده اليمنى وعيناه تنضحان ازدراءاً/قرفاً ....
كـ أختك الأفعى تماماً .. لن تجلبي الخبث وانعدام الأخلاق الا منها ..
نهــــاية الجــــزء الثــــاني والعشــــرون
|