المنتدى :
المنتدى الاسلامي
الشتاء غنيمة العابدين
لقد منّ الله تعالى علينا بفصول مناخية , وأرشدنا لاغتنام ذلكم الفصول الرباعية , فها نحن بصدد فصل جميل نشهده في هذه الأيام المباركة , ألا وهو (فصل الشتاء) .. إنه فصل لطالما نشتاق إليه وننتظر لياليه وأيامه , معانيه رائعة مرهفة الإحساس , تلك هي التي ترتبط بقدوم هذا الفصل الشيّق .. الليالي الباردة الممطرة , صوت قطرات المطر على زجاج النوافذ , جلسات السمر العائلية حول النار الخافتة , ملابس الشتاء الدافئة , وكوب القهوة الدافئ , كل تلك الأشياء بل وأكثر تجعلنا نعشق هذا الفصل الجميل .. فنحن لا ننسى مراسم استقبال هذا الفصل , بل نُعِدُّ له عُدّته بشراء كل واقٍ من لسعات برده من ملابس وجوارب وأحذية وأجهزة ؛ فهذا الشتاء .. برد ومطر وملابس وسهرات .
وبينما نحن نتغلغل في أعماق هذا الفصل الجميل بأن لياليه طويلة باردة وأيامه قصيرة ممتعة , وهذه الليالي والأيام نقضي جُلّها في الترفيه عن النفس .. يقول عنها حبيبنا - صل الله عليه وسلم - :
" الصوم في الشتاء .. الغنيمة الباردة " [رواه أحمد وحسنه الألباني]
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : " الشتاء غنيمة العابدين " [رواه أبو نعيم بإسناد صحيح]
وقال ابن مسعود - رضي الله عنه - : " مرحبا بالشتاء .. تتنزل فيه البركة , ويطول فيه الليل للقيام , ويقصر فيه النهار للصيام "
سبحان الله العظيم !!
شتّان بين وصفنا للشتاء ووصفهم ..
وشتّان بين استقبالنا له واستقبالهم ..
وشتّان بين أمانينا فيه وأمانيهم ..
سُعدوا بالشتاء على نهجهم وسعدنا على نهجنا ..
شتّان بين السعادتين !!
فكم نحن محرومون ؟!!
ومن دُرَر كلام الحسن البصري - رحمه الله - : " نعم .. زمان المؤمن الشتاء , ليله طويل يقومه , ونهاره قصير يصومه "
أين نحن منهم ؟!!
قاموا الليالي وصاموا الأيام ..
هجرنا قيام الليالي وتركنا صيام الأيام ..
عكفوا على العبادات والطاعات ..
وعكفنا على المسرات والملذات ..
ما أكثر ليالينا وأيامنا التي ذهبت سدى , لا قيام ولا صيام ؟!!
تُرى .. ماذا سيكون حالنا يوم تكون شاهدة علينا ؟!!
ألا يحرك فينا هذا الحديث ساكنا ؟!!
ألا يعزز هذا القبس همة نفوسنا ؟!!
كم شتاء مضى علينا ؟!!
وكم شتاء سوف يمضي ؟!!
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اشتكت النار إلى ربها فقالت : يا رب , أكل بعضي بعضا , فجعل لها نفسين .. نفس في الشتاء ونفس في الصيف , فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها , وشدة ما تجدون من الحر من سمومها " [رواه البخاري ومسلم]
أما آن الأوان لنُشمّر عن ساعدينا ؟!!
أما آن الأوان لِنَشُدّ مآزرنا ؟!!
ألم يحن الوقت لنسرح في ميادين العبادات ؟!!
ألم يحن الوقت لنَرْتع في بساتين الطاعات ؟!!
ألم يحن الوقت لننزه قلوبنا في رياض الصالحات ؟!!
أليس لنا في رسول الله وصحابته أسوة حسنة ؟!!
نعم .. شتاء يأتي وشتاء يذهب ومازلنا مفرطين ؛ فلنحاسب أنفسنا قبل أن يحاسبها الله , ولنبادر بالطاعات قبل أن نبادَر إلى الله .. أدناها بصيام يومي الاثنين والخميس والأيام الثلاثة البيض , وإحياء الليالي بالصلاة وقراءة القرآن والابتهال إلى الله الغفار بالغفران ؛ فالكيّس الفطن من دان نفسه وحاسبها وعمل لما بعد الموت , واعلموا رعاكم الله أن الدنيا ساعة .. فهلّا جعلناها طاعة ؟!!
نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا للعلم النافع , والعمل الصالح , وأن يجعلهما خالصة لوجهه الكريم سبحانه .. إنه على كل شيء قدير .
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين , وصلّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه......... إسـحـاق بـن مـحـمـد الـقـحـطـانـي
|