المنتدى :
التاريخ والاساطير
السيده صفيه
لمحة مختصرة عن حياة السيدة صفية بنت حيي بن أخطب
هي صفية بنت حيي، من ذرية نبي الله هارون، التي عُرفت بأنها كانت شريفة عاقلة, ذات حَسب وجمال ودين وتقوى، وذات حلم ووقار.
وُلِدت رضي الله عنها بعد البعثة بثلاثة أعوام بين قومها يهود خيبر، تزوّجها النبي عليه الصلاة والسلام سَنة سبع من الهجرة، وكان عمرها سبع عشرة سنة يوم تزوّجها صلى الله عليه وسلم، وقد كانت رضي الله عنها من سبايا خيبر، وكان مهرها عتقها، وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعْتَقَ صفيّة, وجعل عتْقَها صَدَاقَهَا.
ولأن الله عز وجل يقول: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}؛ فلم يُجبرها رسول الله على اعتناق الإسلام؛ بل إنها أقامت مدة على دينها, ثم أعلنت إسلامها؛ ففرح النبي صلى الله عليه وسلم بهذا كثيراً، وتزوّجها عليه الصلاة والسلام راغبة مختارة.
وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذ صفية بنت حيي, قال لها: هل لك فيّ؟ قالت: يا رسول الله! قد كنت أتمنى ذلك في الشرك؛ فكيف إذا أمكنني الله منه في الإسلام؟ وفي ذلك إشارة إلى أن إسلامها جاء قبل زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رؤيا السيدة صفية تُبشّرها بزواجها من النبي
لقد رأت السيدة صفية ذات يوم في منامها أن القمر وقع في حجرها، وفي رواية: رأت الشمس نزلت حتى وقعت على صدرها؛ فذَكَرت ذلك لأمها، فلطمت وجهها, وقالت: إنك لتمدّين عنقك إلى أن تكوني عند ملك العرب، هذه الرؤيا التي رأتها هذه السبية بشّرت بمستقبلها، وأنها ستكون زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلم يزل أثر لطمة أمها لها على وجهها؛ حتى جيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلما سألها عنه أخبرته، فكبرت في نفسه صلى الله عليه وسلم حين سمع منها هذه البشارة التي زفّها الله إليها.
لقاء السيدة صفية بعائشة
في طريق العودة إلى المدينة, تهيّأ الركب لملاقاة الأهل والإخوة؛ فاستقبل القوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالترحاب والإكرام، وكانت بشائر الانتصارات تزفّ إليهم حيناً بعد حين.. وقد ذكر ابن سعد من طريق عطاء بن يسار, قال: “لما قدمت صفية من خيبر, أنزلت في بيت الحارث بن نعمان؛ فسمع نساء الأنصار, فجئن ينظرن إلى جمالها، وجاءت عائشة منتقبة؛ فلما خرجت, خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أثرها, فقال لها: كيف رأيت يا عائشة؟ قالت: رأيت يهودية، فقال صلى الله عليه وسلم: “لا تقولي ذلك؛ فإنها أسلمت، وحسن إسلامها”.
السيدة صفية مع ضرائرها.. وموقف النبي
لاحظَت السيدة صفية وهي بين أمهات المؤمنين, أنها شريكتهن برسول الله؛ وأن شراكتها الجديدة أثارت حفيظتهن، وقد ترك ذلك أثراً في نفوس بعض ضرائرها؛ فقدمت لهن بعض الحُليّ من الذهب؛ كرمز لمودتها لهن، كما قدّمت ذلك لفاطمة بنت محمد.
وذات مرة بلغها عن حفصة وعائشة كلاماً مؤذياً؛ يشير إلى أنهما أفضل منها؛ فذكرت ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام؛ فقال عليه الصلاة والسلام: “ألا قُلتِ لهما: وكيف تكونان خيراً مني, وزوجي محمد، وأبي هارون، وعمي موسى؟ فنزل قول النبي عليه الصلاة والسلام برداً وسلاماً على قلبها”.
ولقد كان لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم رعاية خاصة؛ إذ كان يشعر النبي الرحيم بغربة صفية؛ حيث إن بقية نسائه قرشيات بين قومهن، أما هي فغريبة، ولأنها غريبة فلها معاملة خاصة، ولها عطف خاص، ولها رعاية خاصة، وهذا أيضاً من حُسن السياسة، ومن الحكمة في التعامل.. وفي هذا السياق روى أبو نعيم عن أنس، قال:
“بلغ صفية أن حفصة قالت لها: بنت يهودي؛ فبكت؛ فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي تبكي، فقال: ما شأنك؟ قالت: قالت لي حفصة: إنك بنت يهودي؛ فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: إنك لبنت نبيّ، وإن عمك لنبي، وإنك لَتحتَ نبي، فبمَ تفخر عليك؟ ثم قال: اتقي الله يا حفصة”.. وكانت صفية؛ عاقلة, فاضلة, حليمة, لا تأبه بكل تلك المضايقات.
روايات عدة ذُكرت بشأن صفية بنت حيي بن أخطب
كان لهذه السيدة المصون مواقف جليلة وتصرّفات نبيلة, تنبئ عن كِبَر عقلها، وعظيم إخلاصها ومن ذلك ما رواه زيد بن أسلم قال: “اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفّي فيه، فقالت صفية بنت حيي: إني والله يا رسول الله لوددت أن الذي بك بي؛ فغمز زوجاته ببصرهن؛ فقال عليه الصلاة والسلام: مضمضنّ (أي اغسلن أفواهكن)؛ فقلنا: من أي شيء؟ فقال عليه الصلاة والسلام: من تغامزكن، وإنها والله لصادقة”.
وروى أبو نعيم أيضاً عن عبد الله بن عبيدة: “إن نفراً اجتمعوا في حجرة صفية بنت حيي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا الله، وتلوا القرآن، وسجدوا؛ فنادتهم صفية رضي الله عنها معاتبة إياهم على أنهم يتلون القرآن بغير خشوع يتبعه دموع فقالت: هذا السجود، وتلاوة القرآن؛ فأين البكاء؟ أين الخشوع؟”؛ ذلك لنعرف أن الله ما كان ليسمح لامرأة أن تكون زوجة النبي, إلا أن تكون قمة في الكمال، وقمة في الفهم والقرب.
وقد روى ابن حجر عن أبي عمر, قال: “كانت صفية رضي الله عنها عاقلة فاضلة”، وروي أن جارية لها أتت عمر؛ فقالت: “إن صفية تحب السبت، وتصل اليهود”؛ فبعث إليها عمر فسألها عن ذلك؛ فقالت: أما السبت فإني لم أُحبّه منذ أبدلني الله به الجمعة، وأما اليهود فإن لي فيهم رحماً؛ فأنا أصلها”.. فلم يُجب عمر.
ثم قالت السيدة صفية للجارية التي تكلمت عنها بالباطل: ما حملك على ذلك؟ قالت: الشيطان؛ فقالت لها السيدة صفية: اذهبي فأنت حرة”.
وهكذا نختتم حديثنا عنها بالحديث عن خلق عظيم تخلّقت به من الأخلاق المحمدية العالية، هو خلق العفو؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعفو عمن ظلمه، ويُحسن إلى مَن أساء إليه، وكذلك كانت أمنا صفية.
فرضي الله تبارك وتعالى عن سيدتنا صفية بنت حيي، ونفعنا بها وبآل بيت نبينا إلى يوم القيامة. والحمد لله رب العالمين،،،
|