لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > المنتدى العام للقصص والروايات > القصص المكتمله
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله خاص بالقصص المنقوله المكتمله


موضوع مغلق
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (9) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-03-05, 03:45 PM   المشاركة رقم: 11
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2005
العضوية: 14
المشاركات: 129
الجنس ذكر
معدل التقييم: دونيا ط عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 31

االدولة
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
دونيا ط غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : دونيا ط المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

السلام عليكم


الحلقة الثامنة

ذات يوم ...
و فيما كنا أنا و نديم و بعض شركاء الزنزانة نسلي أنفسنا باللعب بالحصى ، و هي لعبة سخيفة اخترعناها من أجل قطع الوقت الذي لا ينتهي ، و كنا نسر أو نتظاهر بالسرور أو نقنع أنفسنا به ، فتح الباب و دخل مجموعة من العساكر .




توقفنا جميعا عن اللعب ، و انسابت أنظارنا نحوهم . لم نكن نشعر بأي طمأنينة لدى دخول إي منهم ... فمجيئهم ينذر بالشر و الخطر




بدأ العساكر يجولون بأبصارهم فيما بيننا بازدراء و تقزز . ثم تقدم أوسطهم خطوة للأمام و قال :




" نديم وجيه "



و جعل ينقل بصره من واحد لآخر ...


نديم أجاب بعد برهة :


" أنا "





استدار العسكري إلى رفاقه و أومأ إليهم


تقدّم اثنان منهم و أقبلا نحو نديم ... و قالا بحدة :



" انهض "




نهض نديم ببرود ، فإذا بهما يطبقان عليه بشراسة و يقودانه نحو الباب ...




نديم سار معهما دون مقاومة ، فيما كانت أفئدتنا وجلة متوقعة شرا .




لم ينبس أحدنا ببنت شفة ، و بقينا في صمت رهيب و نحن نراقب نديم بقلق ، فيستدير هذا الأخير ليلقي علينا نظرة و يبتسم ...




خرج العساكر بنديم و أقفلوا الباب و بقينا في صمت فظيع لبضع دقائق ...




كنت أنا أول من أصدر صوتا اخترق جدار الصمت الموحش حين قلت :



" إلى أين أخذوه ؟ "



هز البقية رؤوسهم في حيرة و تساؤل ...




مضت ساعتان أو أكثر و نحن في هدوء و قلق ... في انتظار عودة نديم و بدا أنه لن يعود ..



بدأت أذرع الزنزانة ذهابا و جيئة و أنا أدعو الله ألا يكون نديم قد أعدم ...




و بينما أنا كذلك ، إذا بالباب يفتح مجددا ، و يدخل اثنان من العساكر يحملان نديم و يلقيان به أرضا ، ثم ينصرفان ...




أقبلنا بسرعة نحو نديم فإذا بالدماء تلطخ جسمه و ملابسه



و إذا بالجروح و الكدمات الملتهبة تغطي جسده ...




" نديم ! ماذا فعلوا بك ؟؟ "



صرخت في ذعر و أنا أرفع رأسه و أسنده على ركبتي ...



لم يكن نديم بقادر على الكلام من شدة الإعياء



و كان جليا لنا أنه تعرض لتعذيب شديد ...


تناوبنا جميعا في العناية به حتى بدأت الحياة تجري في عروقه .


أخبرنا فيما بعد بأنهم أوسعوه ضربا من أجل الإدلاء بمعلومات لا علم له بها ...
و أنهم في طريقهم لإعدامه حتما





في اليوم التالي ، حضر العساكر أيضا ، و ما أن دخلوا السجن حتى ارتعشت قلوبنا جميعا و اشرأبت أعناقنا و تعلقت أبصارنا بهم في حالة لا توصف من الذعر




في تلك اللحظة كنت أجلس جوار نديم أنظف بعض جروحه و بلا شعور مني أمسكت بذراعه بقوة خشية أن يأخذوه ...



هتف أحدهم :



" معتز أنور "




انتفضنا جميعا ، و كان معتز ، و هو أحد زملاء الزنزانة ، و أحد مجرمي السياسة، أكثرنا انتفاضا و ذعرا


صرخ معتز بفزع :



" لا "



و تقدم العساكر نحوه ، و هو يتراجع للوراء و يداه ترتجفان و العرق يغرق جسمه الهزيل ...



تقدم العساكر بلا رحمة و أمسكوا به و هو يصرخ و يقاوم في عجز ، و قادوه خارجا .




و ما هي إلا ساعة و نصف الساعة ، حتى أعيد إلينا بحالة سيئة ، مليئا بالجروح و الكسور أيضا .






أصبحنا نعيش حالة مستمرة من الخوف الشديد ، و لم يستطع أحدنا النوم بعدها .
و أصبحنا لمجرد سماعنا لأي صوت يصدر من ناحية الباب ، يركبنا الفزع المهول





و جاء اليوم التالي ، و جاء العساكر مجددا ...





كنا جميعا متكومين قرب بعضنا البعض ، و أعيننا محدقة بهم ، و كل منا في خشية من أن يكون التالي ...



" وليد شاكر "



عندما نطق باسمي صعقت ، بل و صعق جميع من معي ...


أخذ قلبي يخفق بعنف ، و أنا أراقب العساكر يتقدمون نحوي خطوة خطوة




صرخت :


" لكنني لست على علاقة بالسياسة "





لم أكد أنهي جملتي إلا و العساكر قد أمسكوا بي ...


حاولت سحب يدي من بين أيدهم بكل ما استطاعت عضلاتي إمدادي به القوة ...


و فشلت ...



" أنا هنا لجريمة قتل ... لا شأن لي بالسياسة "




حاولت مستميتا التخلص منهم و مقاومتهم دون جدوى



قادوني عنوة نحو الباب و لم يستطع أحد زملائي النطق بكلمة واحدة



و أنا أسحب إلى الخارج نظرت إلى نديم و قلت :



" ماذا سيفعلون بي ؟ ما الذي فعلته أنا ؟ "



نديم أغمض عينيه بقوة ، في أسف و ألم و كأنه يقول : أرثي لك ، ويل لك مما ستلقى ...





و لقيت ، ما لم ألقه في حياتي مطلقا ...


لقيت

أصنافا من العذاب التي أتوجع و أتلوّى من مجرد ذكرها ...

عذابا ... ينسي المرء اسمه و جنسه

تمنيت ساعتها ، لو أن أمي لم تلدني

لو أنني قتلت نفسي يوم قتلت عمّار

لو أن الله خلقني بلا أعصاب و إحساس ...

و لا قلب ...

و لو أن الدنيا خلت من اسم العذاب

و اسم السجون

و حتى من اسم رغد ...












الأوقات الوحيدة في حياتي كلها ، التي تمنيت فيها لو أن رغد لم تكن ... و لم توجد ...











أصبت بكسر في أنفي جعل شكله يتغير و تظهر انحناءة صغيرة أعلاه .




بقيت ممدا على سريري بلا حراك ليومين ، كان فيها من بقى من زملائي سالما يعتني بي ، و بنديم و معتز ، و اثنين آخرين ...




بعدها بأيام ، علمنا من الحارس أن اسمي قد أدرج خطأ ضمن قائمة المجرمين السياسيين !






مجرد خطأ ... !







كان ذلك بعد عدة أشهر من زيارة سيف الأولى و قبل أشهر أخرى من زيارته التالية و التي ابتدأها بقول :





" وليد ! ماذا فعلت بأنفك !؟ "







سردت على سيف ما حصل ، و وعدني بان يتم ذكر هذا في ملفي .

عندما سألته عما جد في موضوعي أخبرني بأن والده لا يزال يدرس الأمر ،

و لدى سؤالي عن أهلي قال :





" اختفوا ! "





زاد ذلك ضيقي و إحباطي الشديدين و قضى على بقايا الأمل بالخروج من هذا المكان ...




بدأت أؤمن بأنهم قد قتلوا جميعا في الحرب ... و إن كان الأمر كذلك ، فإنني لا أرغب في الخروج ...




بل أرغب في الموت ....





أحقا لم يعد لأهلي أي وجود ؟؟

أماتوا ؟

أم تخلوا عني ؟

أم ماذا ؟؟




و رغد ؟؟

ماذا حل برغد ؟؟












في تلك الليلة ، رأيت كابوسا أفزعني ...



رغد و سامر يلهوان بالدراجة الهوائية ، ثم يهويان في حفرة مليئة بالجمر المتقد

ثم تشتعل النيران و تكبر ، و تحرق منزلنا ...

و آتي صارخا أحاول إخراج رغد من الحفرة ...

و أمد يدي فإذا بي أخرج حزاما طويلا تأكله النيران ...

و أقرب وجهي من الحفرة ، فإذا بي أرى وجه عمّار في الداخل ، يبتسم ثم يقهقه

و أسمع صراخا يدوي السماء

صراخ رغد ...

" و ليـــــــــد ... أنا خائفة ... تعال "







أفقت من نومي مذعورا ، و العرق يبلل ملابسي و فراشي ، كما تبلل الدموع وجهي المفزوع ...




كنت أرتجف ، و أتنفس بصعوبة بالغة ... و بلا إدراك اهتف



" رغد ... رغد "




صديقي نديم أقبل نحوي و أخذ يهدئني و يطمئنني ...



" هوّن عليك يا وليد ... لم يكن إلا كابوسا "





لم أشعر بنفسي و أنا ارتمي على صدر نديم و أبكي بقوة و أهذي ...



" أريد العودة لأهلي ... دعوني أراهم و لو مرة واحدة ثم اقتلوني ... لا أريد الموت قبل ذلك ... أريد أن أحقق أحلامي ...

أريد أن أكمل دراستي ...

أريد العودة إلى رغد ...

كان يجب أن أقتله ...

انتظريني يا رغد فأنا قادم ... "








و نهضت كالمجنون ... و توجهت نحو الباب و أخذت أضربه بعنف و أصرخ :


" أخرجوني من هنا ... أخرجوني من هنا أيها الأوغاد "





لحق بي نديم ليمنعني من إثارة مشكلة ألا أنني أبعدته عني بركلة قوية من رجلي ... و ظللت أركل الباب بشدة و أنا مستمر في الصراخ ...






حضر مجموعة من الحراس و فتحوا الباب ، ثم انهالوا علي ضربا بعصيهم حتى شلوا حركتي ... و انصرفوا ...






لم يجرؤ أحد السجناء على فعل شيء حتى لا يلقى ذات المصير


و منع عني الطعام في اليوم التالي


تدهورت صحتي الجسدية و النفسية بشدة بعد تلك الليلة ، و قضيت عدة أسابيع طريح الفراش ...



و ربما هذا ما منع العساكر من تطبيق نظام التعذيب اليومي على جسدي ...

إلا إن أدركوا أنهم كانوا مخطئين !



جسدي ، و الذي كان ضخما و قويا ، تحول إلى عظام متراكمة فوق بعضها البعض
بلا حول و لا قوة ...












بعد فترة وجيزة ، صدر قرار يمنع زيارة السجناء ، و لم يعد سيف للظهور مجددا



و انتهى أملي الوهمي بالخروج من هنا ....

و استسلمت أخيرا لحياة السجون ....














حاولت أن أصف لكم بعض الذي قاسيته في ذلك السجن الذي قضيت فيه فترة شبابي اليافع ... و التي ضاعت سدا ...




فترة جافة قاسية أكسبتني جفافا و خشونة لم أولد بهما و لم أتربى عليهما
و غيرت في بعض طباعي ، و بدأت أدخن السجائر




كان الحارس يتصدق علينا بسيجارة واحدة ، ندور بها فيما بين شفاهنا جميعا ...

و تقتسم همومنا و نقتسم سمومها ....


















و مر عام آخر ...

و أكثر ...





ألمّ المرض بصديقي نديم من جراء التعذيب المستمر ...


كان على فراشه ، و كنت اعتني بجروحه و إصاباته التي لم شملت حتى أطراف أصابعه ...



" وليد .. "

" نعم يا عزيزي ؟ "

" يجب أن تخرج من هنا ... "




قال نديم ذلك ثم رفع يده و مسح على رأسي ، ثم وضعها فوق كتفي .


" يجب أن تخرج من هنا يا وليد و إلا لقيت حتفك "

" إنني هالك لا محالة ... لا جدوى و لا أجمل ... "

" افعل شيئا يا وليد و غادر هذا المكان ... إنك لا زلت شابا صغيرا ... "





كنت الأصغر سنا بين الجميع ، و أكثرهم تذمرا و شكوى ، و بكاءا ، ألا أنني هدأت و استسلمت لما فرضته الأقدار علي ... و لم يعد الأمر يفرق معي ...





ابتسمت ابتسامة استهتار و سخرية ، و يأس ...




نديم كان ينظر إلي بعين عطف شديد و محبة أخوية ... قال :




" اسمعني يا وليد ...
لدي مزرعة في المدينة الشمالية ، حيث كنت أعيش مع ابنتي و زوجتي ...
متى ما خرجت من هنا ... فاذهب إليهما و أخبرهما بأنني كنت أفتقدهما كثيرا
و أنني بقيت على أمل العودة إليهما دون يأس لآخر لحظة في حياتي ... "




" نديم ... "



قاطعني قائلا :



" لا تنس ذلك يا وليد ... و إن احتاجتا مساعدة منك ... فأرجوك ... ابذل ما باستطاعتك "




أقلقتني الطريقة التي كان نديم يتحدث بها ، هززت رأسي و قلت :




" لماذا تقول ذلك يا نديم ...؟ "




و انتظرت أن يجيب



لكنه لم يجب ...



و تحركت يده الممدودة على كتفي ، ثم هوت للأسفل ... و ارتطمت بالفراش ... و سكنت سكون الموت ...












إنا لله ... و إنا إليه راجعون ....














بعد سنتين من ذلك ...



و في أحد الأيام ...



و فيما أنا مضطجع على سريري بكسل و عدم إكتراث ، أدخن بقايا السيجارة

بلا مبالاة ، و انظر إلى السقف و أرى الحشرات تتجول دون أن يثير ذلك أي اهتمام لدي ...

إذا بالباب يفتح ، ثم يدخل بعض الضباط






معظم زملائي وقفوا في قلق ...


أما أنا ، فلم أحرك ساكنا ... و بقيت أراقب سحابة الدخان التي نفثتها من صدري ترتفع للأعلى ... و تتلاشى ...




" وليد شاكر "



هتف أحد الضباط ...

فقمت بتململ و التفت إليه ببرود

لم يعد يهمني إن كان لدي أي درس جديد في الضرب أو غيره ...




عاد الضابط يهتف بحدّة :



" وليد شاكر "




نهضت عن فراشي و وقفت ازاء الضباط و أجبت بضجر :




" نعم ؟ "




و أقبل بعضهم نحوي ، فرميت بالسيجارة أرضا و سحقتها باستسلام ...




أمسكوا بي و قادوني نحو الباب ، فسرت بخضوع تام ...




عندما صرت أمام الضابط الذي ناداني ، رمقني بنظرة احتقار شديدة

و هي نظرة قد اعتدت عليها و لم تعد تؤثر بشعوري ...



قال :


" وليد شاكر ؟ "


أجبت :


" نعم أنا ، و لا علاقة لي بالسياسة ، أرجو أن تتاكد من ذلك جيدا "




رفع الضابط يده و صفعني على وجهي صفعة قوية كادت تكسر فكي ...




ثم قال :



" هذه تذكار "



التفت إلى زملائي و عيني تقدح بالشر ، و قابلتني نظراتهم بالتحذير ...


فكتمت ما في صدري ، ثم قلت :


" ثم ماذا ؟ "


ابتسم الضابط ابتسامة خبيثة دنيئة ، ثم قال :


" لاشيء ! فقط ... أطلقنا سراحك


تحياتي للجميع

 
 

 

عرض البوم صور دونيا ط  
قديم 25-03-05, 03:49 PM   المشاركة رقم: 12
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2005
العضوية: 14
المشاركات: 129
الجنس ذكر
معدل التقييم: دونيا ط عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 31

االدولة
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
دونيا ط غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : دونيا ط المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

السلام عليكم



الحلقة التاسعة

أخيرا جاء دوري !




صرتم تعرفونني جميعا ...



اسمي رغد ، و أنا يتيمة الأبوين أعيش في بيت عمّي الوحيد شاكر منذ الطفولة .

أنهيت دراستي الثانوية مؤخرا و أفكر في الالتحاق بكلية للفنون و الرسم . أعشق الرسم كثيرا و أنا ماهرة فيه .



الجميع يعرفني برغد المدللة ، حيث أنني تعودت منذ الصغر الحصول على كل ما أريد ، و بأي طريقة !



اليوم نقيم في منزلنا الصغير حفلة متواضعة بمناسبة تخرجي من المدرسة الثانوية . لم يتسن لنا إقامتها قبل الآن لأن والدتي ـ أي زوجة عمي ـ كانت متوعكة الصحة .


في الواقع ، صحة والدتي ليست على ما يرام منذ سنين ...









دانه تبالغ في وضع المساحيق لتبدو ملفتة للنظر !


رغم أنها لم تكن ترحب بفكرة الحفلة ، إذ أننا لم نقم حفلة عند تخرجها ، ألا أنها مصرة على سرقة الأضواء مني هذه الليلة !



" إنها حفلة بسيطة و لا تقتض منك كل هذا ! تبدين كعروس بكامل زينتها ! "



قلت لها و أنا واقفة أراقبها و هي ( مزروعة ) أمام المرآة منذ ساعات !



لم تلتفت إلي ، و قالت :


" ما دمنا قد دعوناهن، فلنبهرهن ! قد تعجب بي إحداهن فتخطبي لأخيها مثلا ! "



و ابتسمت بدهاء !



أنا أعرف من تقصد تحديدا ... لديها صديقة من عائلة ثرية جدا و شقيقها رجل تحلم نصف فتيات العالم بالزواج منه ، أما النصف الآخر فيبغضه بشدة !


إنه لاعب كرة قدم مشهور و صوره تملأ الصحف و المجلات و برامج التلفاز أيضا!


قلت :


" لا أعرف ما الذي يعجبكن في شخصية كهذه ! إنه حتى لا يتوقف عن توزيع الضحك و الابتسامات و كأنه مهرج ! "




نظرت إلي بحدة من خلال المرآة ، ثم قالت :



" على كل ٍ ، الأمر لا يعنيك فأنت أخذت نصيبك و انتهى دورك ! "





ثم انشغلت بتزيين خصلة من شعرها بسائل ملمّع ...





صرفت نظري عنها ، إلى يدي اليمنى ، بالتحديد إلى إصبعي البنصر ، و بمعنى أدق ، إلى خاتم الخطوبة الذي أضعه منذ سنين ...





بمجرد أن بلغت الرابعة عشر من عمري أي قبل ثلاث سنوات و أكثر ، تم عقد قراني على ابن عمي سامر ...

و بقينا مخطوبين حتى إشعار آخر .




سامر ... يكبرني بخمس سنوات تقريبا ، و ما أن تخرج من الثانوية حتى بادر بطلب الزواج مني




والدي ، بل و والدتي و دانة أيضا ... الجميع كان يريد ذلك ، فأنا أصبحت فتاة بالغة و لم يكن من الممكن بقائي و ابن عمي في بيت واحد دون حرج على كلينا




عدا عن ذلك ، فإن سامر يحبني بجنون !




كما و أنني كنت السبب في الحادث الذي شوه وجهه ، و قلل فرصه لنيل إعجاب الفتيات قطعا



أما أنا ، و بالرغم من كوني جميلة أيضا ، ألا أن هذا الخاتم يصرف الجميع عن الالتفات إلي ...



على أية حال نحن لا نفكر في الزواج الآن فسامر لا يزال يبحث عن وظيفة
و أنا أطمح إلى الحصول على شهادة جامعية ...






نبهتني دانة من شرودي الذي لاحظته من خلال انقطاعي عن التعليق المستمر على مظهرها



قالت :


" أين سرحت ؟ ألن تبدلي ملابسك ؟ إنهن على وشك الوصول ! "




غادرت غرفتها و اتجهت إلى غرفتي ، حيث ارتديت فستاني الجديد الرائع ... و الذي أضطر والدي لشرائه لي رغم ارتفاع ثمنه ، فقط لأنني قلت : أريده لي !




كان فستانا خمري اللون مطرزا بخيوط ذهبية ، طويل الذيل ، و بدون كمّين ، مما يسمح للندبة القديمة في ذراعي اليسرى بالظهور ...






أكملت زينتي و تحليت بطقم العقد الذهبي الذي أهدتني إياه والدتي قبل أيام ...



حينما لففت السوار حول معصمي الأيسر ، لم يبدُ منظره متناسقا مع الساعة ...

إذ أن السوار ذهبي بينما الساعة فضية اللون ...



هممت بخلعها ، لكنني لم أستطع ... لا أريد أن أبقيها بعيدة عني في هذه الليلة ...



لطالما كانت قريبة مني و ملتصقة بي ...



لم أكن آبه لتعليقات زميلاتي المزعجة حول ارتدائي لساعة رجالية !

إنها شيء لا أستطيع التخلص منه ... تماما كهذه الندبة !





نزعت السوار الذهبي ، و حاولت لفه حول معصمي الأيمن ففشلت !


" سحقا ! "


صحت بغضب ، في ذات اللحظة الذي طرق فيها الباب ...


لابد أنها دانه جاءت تقارن بين مظهرينا كالعادة !



" ادخل "




قلت ذلك و أنا مازلت أحاول إغلاق السوار بيدي اليسرى حول معصمي الأيمن دون جدوى



" مساء الخير ! "



لم يكن هذا صوت دانه ، بل سامر



رفعت بصري إليه و باندفاع قلت :



" سامر ، هل لا أغلقت هذه قبل أن أحطمها ؟ "



و أقبلت نحوه أمد إليه بمعصمي الأيمن و بالسوار ...




" رويدك ! هاتي .. "







و أغلق السوار حول يدي اليمنى ، فسحبتها ألا أنه أمسك بها و قال :



" تبدين رائعة ! جدا "




تورد خداي خجلا .. ثم قلت :



" مساء النور ... ! هل قلت ُ ذلك ؟ "


ابتسم ، و قال :


" لا أظن ! "


" إذن مساء النور ! "





ثم سحبت يدي فأطلقها



توجهت إلى سريري ألملم الأشياء التي بعثرتها أثناء تزيين نفسي ، و دخل سامر و أغلق الباب ...




" رغد "



ناداني بصوت مرح و بابتسامة مشرقة ، و سعادة تملأ عينيه


" نعم ؟ "


أقبل نحوي ، و عاد يمسك بيدي و قال :


" لدي خبر سار جدا "



ابتسمت و قلت :


" هات ؟ "


" لقد عثرت على فرصة ذهبية للعمل في وظيفة مرموقة "




فرحت كثيرا ! قلت بسرور :



" حقا ! أوه أخيرا ... ممتاز ! "




شد سامر قبضته على يدي و قال منفعلا :




" أخيرا ! كم أنا سعيد و لا يتسع صدري لفرحتي هذه ! سأحصل على راتب عظيم ! "





بالنسبة لنا فهذا شيء مهم جدا ، لأن أحوالنا المادية كانت في انحطاط بسبب ظروف الحرب ، و كنا بحاجة لدعم مادي جيد .




قلت :



" متى تباشر العمل ؟ "


" حالما أنهي الإجراءات اللازمة . سأحاول إتمامها خلال يومين أو ثلاثة "


" وفقك الله "



قرب سامر يدي من صدره ، و قال :



" يجب أن نحدد موعد الزواج "




تفاجأت ، فنحن لم نتحدث عن الزواج بجدية بعد ...



حالما رأى سامر علامات التعجب ظاهرة على وجهي قال :



" عملي سيكون في مدينة أخرى ، و أريد أخذك معي "



سحبت يدي مجددا ، في توتر ..



فالخبر قد فاجأني ، و لم يعجبني ... قلت :


" في مدينة أخرى ؟ ... لم عليك الذهاب لمدينة أخرى ؟ "

قال :


" تعرفين كم هو صعب العثور على وظيفة جيدة بسبب ظروف البلد ... إنها فرصة لا يمكنني رفضها مطلقا . أخبرت والدي ّ فشجعا ذهابي "



صرفت نظري عنه إلى الأرض بضع ثوان ، ثم عدت أنظر إليه و قلت :


" و شجعا زواجنا ؟ "



ابتسم ، و قال :


" لم أذكر ذلك لهما بعد . أود أن نناقش الأمر نحن أولا "




من البرود الذي اعترى تعابيري أدرك سامر عدم موافقتي ، فقال :


" لم لا ؟ "


قلت :


" و الكلية ؟؟ "


قال :


" الكلية ... هل هناك ضرورة لها ؟ "

" بالطبع ... أريد أن أدرس ، إنها فرصتي "





صمت سامر قليلا ، ثم قال :


" اصرفي نظر عنها يا رغد أرجوك ... أنا لا أريد تضييع الفرصة ، كما لا أريد العيش وحيدا هناك ... تعلمين أنني لا أستطيع الابتعاد عنك ... "







و أخذ ينظر إلى نظرات رجاء و أمل ...


كنت على وشك قول : لنؤجل النقاش في الأمر لوقت أنسب لأن ضيفاتي على وشك الوصول



ألا أن طرق الباب سبقني ، و دخلت دانة مباشرة و هي تقول :



" رغد ! ألم تنتهي ؟ وصلت نهلة ! "



التفتنا أنا و سامر نحو دانة ، و التي أخذت تحدق بي قليلا ثم التفتت إلى سامر و قالت :



" أنت هنا سامر ؟ قل لي كيف أبدو ؟ أليس فستاني أكثر جمالا من فستان رغد ؟ "



سامر أخذ يدور ببصره بيننا ثم قال مداعبا :



" أنا لا أصلح للحكم بين خطيبتي و أختي ! فخطيبتي ستبدو أجمل في كل مرة ! "




ثم انصرف مسرعا و هو يضحك .



بقينا نحن الاثنتان كل منا تتأمل الأخرى ، حتى وقعت عينا دانه على ساعة يدي ، فقالت بحدة :



" رغد ! ستبدين في منتهى السخافة هكذا ! اخلعيها و لا تحرجينا أمامهن ! "



نظرت إليها بغضب و قلت بعناد :


" لن أخلعها ، و سأظل الأجمل أيضا ! "










في غرفة الضيوف حيث نقيم الحفلة ، وجدت نهلة و سارة ، ابنتا خالتي قد وصلتا و كانتا أول من حضر .





" واو ! فستان رائع ! ما أجمله يا رغد ! "


قالت نهلة و هي تبعد يدها بعد مصافحتي ...


نهلة كانت صديقة طفولتي الأولى ، و انتقلت مع عائلتها للعيش في هذه المدينة مثلنا أيضا منذ سنين ، و لا تزال أفضل صديقة لدي .


أما سارة فهي الشقيقة الوحيدة لنهلة ، و تصغرني بست سنوات ، و تلازم نهلة كالظل !




" هل أعجبك حقا ؟ اشتراه والدي بسعر مرتفع ! إنني أعامله كأي قطعة من حليي هذه ! "



ابتسمت نهلة و قالت :



" كم أحسدك ! لديك أب يدللك كما لا يدلل والد ابنته ! رغم أنك لست ابنته الحقيقية ! "






هذه الكلمة تزعجني كثيرا ، فأنا لا أحب أن يشير أحد إلى والدي ّ بأنهما ليسا والدي ّ الحقيقيين . إنني اعتبرتهما كذلك منذ الصغر و لا أعرف والدين غيرهما مطلقا .




قلت بنبرة مازحة :


" لأنني البنت الصغرى ، و آخر العنقود ... يجب أن أتدلل ! "


ثم نظرت إلى سارة و قلت :


" أليس كذلك سارة ؟ "


أجابت ببرود :


" كما تقول أختي "


رفعت نظري عن هذه الفتاة البليدة ، و عدت أخاطب نهلة :


" و كيف حال خالتي و زوج خالتي ؟ و حسام ؟ "


أجابت :


" بخير جميعا ! حسام أوصلنا إلى هنا و أظنه يلقي التحية على والدك الآن "


ثم أضافت ، و هي تنظر إلي من زاوية عينها بخبث :


" و على فكرة ، هو يبعث إليك أيضا بتحية حارة مشتعلة !! "



رفعت إصبعي السبابة الأيمن و ضربت جبينها ضربة خفيفة و أنا أقول :


" لا تتوبين ! "


و انبعث ضحكاتنا تملأ الأجواء .







ما إن حضرت صديقتنا الثرية حتى استقبلتها دانه استقبالا حميما ، و أولتها اهتماما مركزا طوال الحفلة !



أتساءل ... هل هذا ما يحدث مع جميع الفتيات !

هل يجذبن العرسان إليهن بهذه الطريقة ؟؟

حقيقة لا أعرف !











بينما كنا في أحاديثنا المتواصلة في الحفلة ، سألتني هذه الصديقة :


" هل أنت مخطوبة ! "


و كانت تنظر إلى خاتم الخطوبة المطوق لإصبعي ، و في دهشة واضحة !



تولت دانة الإجابة بسرعة :


" ألم أخبرك مسبقا ؟ إنها و شقيقي مرتبطان منذ زمن ! "



قالت الصديقة :


" و لكن ... تبدين صغيرة ! "


و مرة أخرى تدخلت دانة قائلة :


" تصغرني بعامين و بضعة أشهر ، لكن حجمها صغير ! "




صحيح أن طولي لا يقارن بطول دانه أو سامر ، لكنني لست قصيرة ! بل هما الطويلان كما هما أبي و أمي !



إنني أبدو بالفعل لست من هذه العائلة !



قلت مداعبة :


" هذا يجعلني قادرة على ارتداء الأحذية الأنيقة ذات الكعب العالي المتماشية مع الموضة ! على العكس من دانة ! "




و ضحكنا جميعا بمرح ...










قضينا سهرة ممتعة أنستني تماما موضوع سامر الأخير .



و بعد الحفلة ، أويت إلى فراشي مباشرة و نمت بسرعة ، دون أن يخطر الموضوع ببالي .



في اليوم التالي ، و فيما أنا منشغلة برسم لوحة جديدة في غرفتي ، جاءني سامر ...





" ألم تتعبي ؟ قضيت فترة طويلة في الرسم ! "

" الرسم لا يتعبني مطلقا يا سامر ، بل أهواه و أجد راحة كبرى أثنائه و سعادة غامرة لا أجدها مع أي شيء آخر "


قال :


" و لا حتى معي أنا ؟؟ "




كان سامر يقف إلى جانبي يتأمل رسمي الجديد ... و كنت أنا أدقق النظر في اللوحة و ألقي عليه نظرة بين الفينة و الأخرى



و حين نطق بجملته الأخيرة هذه ، أطلت النظر إليه ، فشعرت بالخجل و طأطأت رأسي





" رغد ... "



لم أجب ...


مد سامر يده فامسك بوجهي و رفعه للأعلى ...



قال :


" رغد ... هل فكرت بموضوعنا ؟ "





في تلك اللحظة فقط تذكرت الموضوع !

آه يا إلهي كم هي ضعيفة ذاكرتي !




سامر كان يتحدث باهتمام ... فالأمر يعني له الكثير ، و قد قضى وقتا طويلا في البحث عن عمل ...



لم أشأ أن أصيبه بخيبة بقولي : كلا



فقلت :

" لازلت أفكر ... "




سامر قال بنبرة مليئة بالرجاء :


" أرجوك يا رغد ... يجب أن أبدأ الإجراءات المطلوبة قبل أن تضيع الوظيفة "


نظرت إليه و قلت :


" ماذا لو ... عملت أنت هناك ، و أكملت دراستي أنا هنا ... ثم ... "



لم أتم جملتي ، إذ أن سامر هز رأسه اعتراضا و قال :


" لا ... إما أن نذهب سويا ... أو نبقى سويا ... "






كنت أدرك أن سامر لا يستطيع الابتعاد عنا ، كما أن علاقاته بالآخرين محدودة و كثيرا ما كان يتجنب الاجتماعات المختلفة ، ليتلافى الحرج من وجهه المشوه .



حتى أنه حين أراد إكمال دراسته ، اختار مجالا لا يدع له الفرصة للاحتكاك بالآخرين
إلا نادرا


سامر ... هو شخص هادئ و مسالم ... و طيب القلب ...



قلت :


" دعنا نأخذ برأي أبي و أمي كذلك ... يجب أن تتم أنت الإجراءات الآن ، فيما نفكر بروية "


ابتسم سامر و قال :



" سأذهب الآن لإنجاز ذلك ، و أعرض الأمر على والدي ّ الليلة ! سنفاجئهما ! "




ابتسمت ابتسامة قلقة حائرة ، و تركته يذهب و واصلت رسم لوحتي ...

كنت مصرة على إنجاز تلك اللوحة بأسرع وقت ...






و في الليل ، تركت سامر يذهب إلى غرفة والدي لعرض الفكرة ، فيما بقيت في غرفتي في قلق و حيرة ... و أخذت أفكر ...




و يبدو أن كثرة التحديق في اللوحة أصابت عيني بل و جسدي بالإعياء ، فأغمضتهما و لدهشتي استسلمت للنوم !






أفقت بعد ذلك فزعة على صوت طرق متواصل على الباب ...




نهضت عن سريري بفزع ... و أصغيت إلى الهتاف ...



" رغد ... رغد افتحي ... افتحي بسرعة ! "




كانت دانة !


سرت إلى الباب بسرعة و ارتعاش و أنا في قمة القلق ...



و قبل أن أصل إليه رأيته ينفتح و تدخل دانة في انفعال ...




كانت في حالة يصعب علي وصفها ...



كان جسدها يرتعش ، و أنفاسها تتضارب و تتلاحق بسرعة عبر فيها المفغور ... ذراعاها مفتوحتين ... و يداها مرفوعتين

و أصابعها منفرجة ، و تهتز بشدة ...

و الدموع تنهمر بغزارة على خديها



قلت في هلع و أنا أرفع يدي إلى قلبي من الذعر :


" دانه ... ماذا حدث ؟؟ "

" رغد ... رغد ... "

و عادت تلهث ...

" رغد ... رغد ... أخي ... أخي ... "

تجمّدت و انحبس نفسي الأخير في صدري ...

حاولت قول : ماذا ...

ألا أنني عجزت من الذعر ...





هززت رأسي و أنا أشد الضغط بيدي على صدري فوق قلبي ، كمن يحاول حماية قلبه من تلقي صدمة ما ...



كانت دانة تحاول النطق و عجزت إلا عن إصدار أصوات مبهمة ، و أشارت إلي أن اقترب ...



خطوت خطوة نحوها و نطقت أخيرا :


" سامر ... "



هزّت دانة رأسها و قالت بصوت لا أعرف من أين خرج ...




" و ...

و ...

وليد ...

وليد عـــــــــــــــــــــــــــــاد "

























للحظة ... ظللت أحدق في دانة ... في تشتت

لم أكن أعرف ... هل هذا واقع أم أحد أحلامي ... ؟

تلفت من حولي علّي أرى شيئا واضحا أكيدا بالنسبة لي ...

كل شيء كان مبهما ...






دانة عادت تقول :


" وليد قد عاد ... عاد يا رغد ... عاد "





لم تكن كلمات واضحة بالنسبة لي ... و بقيت واقفة على نفس الوضع ...

فأقبلت دانة نحوي و أمسكت بكتفي و ضغطت عليهما ...




لمجرد إحساسي بيديها على كتفي أدركت أنه ليس حلما








لم أشعر بأي شيء يتحرك في جسدي لكنني رأيت الجدران تتحرك بسرعة و الأرض تجري من تحت قدمي ّ و الطريق يقودني إلى خارج الغرفة ...

و أطير ...

أطير ...

نحو مصدر أصوات البكاء التي أسمعها منبعثة من مكان ما في المنزل ...

بالتحديد ... مدخل المنزل ...






و عند أعلى الدرجات المؤدية إلى المدخل ...

توقف الكون فجأة عن الحركة من حولي ...





و ترنحت ذراعاي إلى جانبي ّ ...


و تشبثت أنظاري بالصورة التي ظهرت أمامي ...


و تمركزت فوق العينين السوداوين اللتين تعلوان الرأس العريض الثابت فوق ذلك الجسد الطويل ....


مع احترامي للجميع

 
 

 

عرض البوم صور دونيا ط  
قديم 28-03-05, 09:25 AM   المشاركة رقم: 13
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2005
العضوية: 14
المشاركات: 129
الجنس ذكر
معدل التقييم: دونيا ط عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 31

االدولة
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
دونيا ط غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : دونيا ط المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

واليكم الحلقه العاشره

مع احترامي وارجو قبول اسفي بس والله غصبن عني لان جهازي ضرب


واسف جدا


الحلقة العاشرة

ما أن خرجت من السور الضخم العملاق المحيط ببنايات السجن ، حتى وجدت سيارة تقف على الطريق المقابل ، و إلى جانبها يقف رجل عرفت فورا أنه صديقي الحميم سيف ...




كنت أسير ببطء شديد ، خشية أن أفيق مما ظننته مجرد حلم ... حلم الحرية ...



أنظر إلى السماء فأرى الشمس المشرقة تبعث إلى بتحياتها و أشواقها الحارة


و أرى الطيور تسبح بحرية في ساحة الكون ... بلا قيود و لا حواجز ...


و أتلفت يمنة و يسرة فتلفحني أنسام الهواء النقية ... عوضا عن أنفاس المساجين المختلطة بدخان السجائر ...


لن أطيل في وصفي لشعوري ساعتها فأنا عاجز عن التصوير ...





تعانقنا أنا و صديقي سيف عناقا حارا جدا و لا أعرف لماذا لم تنصهر دموعي ذلك الوقت !


أ لأنني قد استنفذتها في السنوات الماضية ؟؟

أم لأنني كنت في حالة عدم تصديق ؟؟

أم لأنني فقدت مشاعري و تحجر قلبي و تبلد إحساسي ...؟؟





" حمد لله على خروجك سالما أيها العزيز "



قال سيف و هو يعانقني وسط بحر من الدموع ...


و يدقق النظر إلى تعابير وجهي الغريبة و عيني الجامدة

و أنفي كذلك !



قلت :


" عدا عن كسر بسيط في الأنف ! "




و ضحكنا !






قلت :


" فعلها والدك ؟ "




ابتسم و قال مداعبا :



" والدي و أنا ! بكم تدين لي ؟؟ "


" بعشر سنين من عمري أهديها لك !"






ركبنا السيارة و ابتدأ مشوار العودة ... الطويل



كان المقعد جلدي قد أحرقته الشمس ، و ما إن جلست عليه حتى سرت حرارته في جسدي فحركت فيه حياة كانت ميتة ...



طوال الوقت ، كنت فقط أراقب الأشياء تتحرك من حولي ...

الطريق ...

الشارع ...

الأشجار

كل شيء يتحرك ...

بعد أن قضيت 8 سنوات من الجمود و السكون و الموت ...





8 سنوات من عمري ، ضاعت سدى ... فمن يضمن لي العيش ثمان سنوات أخرى ...

أو أكثر

أو أقل ؟؟





دهشت لدى رؤية آثار الحرب و الدمار ... تخرب البلد ...




الطريق كان شاقا و الشوارع مدمرة ، و كان علينا عبور مناطق لا شوارع بها وقد حضر سيف بسيارة مناسبة للسير فوق الرمال




بين الفينة و الأخرى ألقي نظرة على ساعة السيارة ، و دونا عن بقية الأشياء من حولي ،لا أشعر بها هي بالذات تتحرك ...





إنني في أشد الشوق لرؤية أهلي ... منزلي ... مدينتي ...

و شديد اللهفة إلى صغيرتي رغد !

آه يا رغد !

ها أنا أعود ...

فهل أنا في حلم ؟؟







كانت الشمس قد استأذنت للرحيل على وعد بالحضور صباحا ، لحظة أن فتحت عيني على صوت يناديني ...




" وصلنا ! انهض عزيزي "




لم أشعر بنفسي حين نمت مقدارا لا أعلمه من الوقت ، ألا أنني الآن أفقت بسرعة و بقوة ...

كان جسدي معرقا و ملتصقا بملابسي و بالمقعد ... و مع ذلك لم أشعر بأي انزعاج أثناء النوم ...




" وصلنا ! إلى أين ؟ "




قلت ذلك و أنا أتلفت يمنة و يسرى و أرى الدنيا مظلمة ... إلا عن أنوار بسيطة تتبعثر من مصابيح موزعة فيما حولي ...


قال سيف :




" إنه منزلي يا وليد "


حدقت بسيف برهة ، ثم قلت :




" خذني إلى منزلي رجاءا ! "


سيف علاه شيء من الحزن و قال :



" كما تعرف يا وليد ... أهلك قد غادروا ... ستبقى معي لحين نهتدي إليهم سبيلا "









قضيت تلك الليلة ، أول ليالي الحرية ، في بيت العزيز سيف .




هل لكم بتصور شعوري عندما وضعت أطباق العشاء أمامي ؟؟

طبخات لم أذقها منذ ثمان سنين ، شعرت بالخجل و أنا مقبل على الطعام بشراهة فيما سيف يراقبني و يبتسم !





" أنا آسف ! إنني جائع جدا ! "



قلت ذلك و أنا مطأطئ بعيني نحو الأسفل خجلا ، ألا أن سيف ضحك و قال :




" هيا يا رجل كل قدر ما تشاء و اطلب المزيد ! بالهناء و العافية "



رفعت بصري إليه و قلت :



" لو تعلم كيف كان طعامي هناك ... ! "



هز سيف رأسه و قال :




" انس ذلك ... لقد كان كابوسا و انتهى ، الحمد لله "




هل انتهى حقا ... ؟؟







رغم أنه كان سريرا ناعما واسعا نظيفا و عطرا ، ألا أنني لم استطع النوم جيدا تلك الليلة ...


كيف تغمض لي عين و أنا مشغول البال و التفكير ... بأهلي ...







و بعد صلاة الفجر ، و حينما عادت الشمس موفية بوعدها ، و اطمأننت إلى أنها صادقة و ستظهر لتشرق حياتي كل يوم ، فتحت النافذة لأسمح بأشعتها للتسرب إلى الغرفة و معانقة جسدي بعد فراق طويل ...





رأيت أشياء كثيرة و مزعجة في نومي ...

سمعت صوت نديم يناديني ...

" انهض يا وليد ، جاء دورك "


كان العساكر يقفون عند باب السجن ينظرون إلي ... لم أشأ النهوض ...


هززت رأسي معترضا ، لكن نديم ظل يناديني



أفقت ، و فتحت عيني لأنظر إليه ، و أرى السقف و الشقوق التي تملأه ، و تخزن عشرات الحشرات بداخلها ...



لكنني رأيت سقفا نظيفا و مزخرف ... منظر لم أعتد رؤيته ... نهضت بسرعة و نظرت من حولي ...






" وليد ! هل أفزعتك ! أنا آسف ! "




كان صديقي سيف يقف إلى جانبي ...


قلت و أنا شبه واع ، و شبه حالم :


" أنت وليد ؟ أم نديم ؟؟ هل أنا في السجن ؟ أم ... "




سيف مد يده و أمسك بيدي بعطف و قال :


" عزيزي ... إنك في بيتي هنا ، لا تقلق ... "




خشيت أن يكون حلما و ينتهي ، حركت يدي الأخرى حتى أطبقت على يد سيف بكلتيهما ، و قلت :



" سيف ! أهي حقيقة ؟ أرجوك لا تجعلني أفيق فجأة فأكتشف أنه مجرد حلم ! هل خرجت أنا من السجن حقا ؟؟ "






الآن فقط ، تفجرت الدموع التي كانت محبوسة في بئر عيني ّ












بعد ذلك ، أصررت على الذهاب للمنزل حتى مع علمي بأن أحدا لم يعد يسكنه

و كلما اقتربنا في طريقنا من الوصول ، كلما تسارعت نبضات قلبي حتى وصلنا و كادت تتوقف !



اتجهت نحو الباب و جعلت أقرع الجرس ، و سيف ينظر إلي بأسى

لم يفتحه أحد ...




جالت بخاطري ذكرى تلك الأيام ، حينما كانت رغد و دانة تتسابقان و تتشاجران من أجل فتح الباب !



التفت إلى الخلف حيث يقف سيف ، و كانت تعابير وجهه تقول : يكفي يا وليد


لكنني كنت في شوق لا يكبح لدخول بيتي ...



نظرت من حولي ، ثم أقبلت إلى السور ، و هممت بتسلقه !



" وليد ! ما الذي تفعله !؟ "



أجبت و أنا أقفز محاولا الوصول بيدي إلى أعلى السور :



" سأفتح الباب ، انتظرني "





و بعد أن قفزت إلى الداخل فتحت الباب فدخل سيف ...



" و لكن لا جدوى ! كيف ستدخل للداخل ؟ "





بالطبع ستكون الأبواب و النوافذ جميعها مغلقة و موصدة من الداخل ، ألا أنني أستطيع تدبر الأمر !



قلت :


" سترى ! "


و انطلقت نحو الحديقة ...




لم تعد حديقتنا كما كانت في السابق ، خضراء نظرة ... بل تحولت إلى صحراء صفراء جافة ...



انقبض قلبي لدى رؤيتها بهذا الشكل ...



أخذت أتلفت فيما حولي و سيف يراقبني باستغراب


وقعت أنظاري على أدوات الشي التي نضعها في إحدى الزوايا ، في الحديقة

كم كانت أوقاتا سعيدة تلك التي كنا نقضيها في الشواء





توجهت إليها و أخذت احفر الرمال ...


" ما الذي تفعله بربك يا وليد ؟؟! هل أخفيت كنزا هناك ؟؟ "


و ما أن أتم سيف جملته حتى استخرجت مفتاحا من تحت الرمال !



تبادلت أنا و سيف النظرات و الابتسامات ، ثم قال :



" عقلية فذة ! كما كنت دائما ! "

و ضحكنا ...



كنت أخفي مفتاحا احتياطيا في تلك الزاوية تحت الرمال منذ عدة سنوات ...




و أخيرا دخلت المنزل





للحظة الأولى أصابت جسدي القشعريرة لرؤية الأشياء في غير أمكنتها ...

تجولت في الممرات و شعرت بالضيق للسكون الرهيب المخيم على المنزل ...

عادة ما كان البيت يعج بأصوات الأطفال و صراخهم ...





صعدت إلى للطابق العلوي قاصدا غرفة نومي ، حيث تركت ذكريات عمري الماضي ... و حين هممت بفتح الباب ، وجدتها مقفلة ...



" تبا ! "



توجهت بعد ذلك إلى غرفة رغد الصغيرة ، المجاورة لغرفتي مباشرة .. مددت يدي و أمسكت بالمقبض ، و أغمضت عيني ، و أدرت المقبض ، فلم ينفتح الباب ...

كانت هي الأخرى مقفلة

أدرت المقبض بعنف ، و ضربت الباب غيظا ... و ركلته من فرط اليأس ...








أخذت أحاول فتح بقية الغرف لكنني وجدتها جميعا مقفلة

فشعرت و كأن الدنيا كلها ... مقفلة أبوابها أمامي ...





عدت إلى غرفة رغد و أنا منهار ...


جثوت على الأرض و أطلقت العنان لعبراتي لتسبح كيفما تشاء ...



" أين ذهبتم ... و تركتموني ؟؟ ... "


أغمضت عيني و تخيلت ...


تخيلت الباب ينفتح ، فأرى ما بالداخل ...


على ذلك السرير تجلس رغد بدفاتر تلوينها ، منهمكة في التلوين ...


و حين تحس بدخولي ترفع رأسها و تبتسم و تهتف : وليــــــــد !


ثم تقفز من سريرها و تركض إلي ... فألتقطها بين ذراعي و أحملها عاليا !





" أين أنتم ؟ عودوا أرجوكم ... لا تتركوني وحيدا ... "






كنت أبكي بحرقة و مرارة و عيناي تجولان في أنحاء المنزل و أتخيل أهلي من حولي ... هنا و هناك ...


و أتوهم سماع أصواتهم ...


لقد رحلوا ... و تركوا المنزل خاليا و الأبواب مقفلة ... و وليد وحيدا تائها ...


هل تخلوا عني ؟؟

هل أصبحت في نظرهم ماض يجب نسيانه ؟

مجرما يجب إلغائه من الحسبان ؟؟

كيف يمتنعون عن زيارتي و السؤال عني كل هذه السنين ...

ثم يرحلون ...


أخرجت الصورتين اللتين احتفظ بهما منذ سنين من أحد جيوبي ... و جعلت أتأمل وجوه أهلي و أناديهم ... واحدا تلو الآخر كالمجنون ...

أبي ...

أمي ...

سامر ...

دانه ...

رغد ...

لقد عدت !

أين أنتم ؟؟

أجيبوا أرجوكم ...










سيف ظل واقفا يراقب عن بعد ...



كنت لا أزال جاثيا عند باب غرفة رغد غارقا في الحزن و البكاء المرير ... حين لمحت شيئا لم أكن لألمحه لو لم أجثو بهذا الوضع ...



من بين دموعي المشوشة للرؤية أبصرت شيئا تحت باب غرفتي


مددت أصابعي و أخرجته ببعض الصعوبة ، فإذا به قصاصة ورق صغيرة مثنية


و حين فتحتها وجدت التالي :




( وليد ، لقد ذهبت مع أمي و أبي و دانة و سامر إلى المدينة الصناعية . عندما تعود تعال إلينا . أنا أنتظرك كما اتفقنا . رغد )




لكم أن تعذروا سيف للذهول الذي أصابه حين رآني أنهض واقفا فجأة ، و أطلق ضحكة قوية بين نهري الدموع الجاريين !




" وليد !! ماذا دهاك ؟؟ "




نظرت إليه و أنا أكاد أقفز فرحا و قلت :


" إنها رغد العزيزة تخبرني بأنهم في المدينة الصناعية ! هل رأيت شيئا كهذا ؟؟ "



و أخذت أحضن الورقة و الصور بجنون !



سيف قال :


" عقلية ... فذة ... أظن ذلك ! ! "





و ضحكنا من جديد .











و بعد يومين ، حين رتب سيف أموره للسفر ، انطلقنا أنا و هو بالسيارة ميممين وجهينا شطر المدينة الصناعية ...





لقد تكبلنا مشاقا لا حصر لها أثناء الطريق ، إذ أن الشوارع كانت مدمرة و اضطررنا لسلك طرق ملتوية و مطولة جدا ...



كما و أننا واجهنا عقبات مع الشرطة المحليين



إنني لمجرد روية شرطي ، ارتعش و أصاب بالذعر ... حتى و إن كان مجرد شرطي مرور ...



لن أطيل في وصف الرحلة ، لم يكن ذلك مهما ... فرأسي و قلبي و كلي ... مشغول بأهلي و أهلي فقط ...


و أولهم ... مدللتي الصغيرة الحبيبة ...

رغد ...

رغد ...

أنا قادم إليك أخيرا ...

قادم أخيرا ...











وصلنا للمدينة الصناعية مساء اليوم التالث ، و قد نال منا التعب ما نال

لذا فإن سيف أراد استئجار شقة نقضي فيها ليلتنا لنبدأ البحث في اليوم التالي ...



" ماذا ؟ لا أرجوك ! لا أستطيع الانتظار لحظة بعد ! "


تنهد سيف و قال :


" يا عزيزي دعنا نبات الليلة و غدا نذهب إلى بلدية المدينة و نسألهم عن أهلك ! أين تريدنا أن نبحث الآن ؟؟ نطرق أبواب المنازل واحدا بعد الآخر ؟؟ "



" أجل ! أنا مستعد لفعل ذلك ! "



ابتسم سيف ، ثم ربت على كتفي و قال :


" صبرت كثيرا ! اصبر ليلة أخرى بعد ! "




لم تمر علي ساعات أبطأ من هذه من قبل ...

لم أنم حتى لحظة واحدة و أصابني الإعياء الشديد و الصداع

و في اليوم التالي ، وقفنا عند إحدى محطات الوقود ، و ذهب سيف لشراء بعض الطعام و هممت باللحاق به ، لكنني شعرت بالتعب الشديد ...




عندما عاد سيف ، التفت نحوي مقدما بعض الطعام إلي :


" تفضل حصتك ! "


هززت رأسيا ممتنعا ، فأنا لا أشعر بأي رغبة في الطعام فيما أنا قد أكون على بعد قاب قوسين أو أدنى من أهلي ...




أسندت رأسي على المعقد و رفعت يدي إلى جبيني و ضغطت على رأسي محاولا طرد الصداع منه ...



" أ أنت بخير ؟؟ "


سألني سيف ، فأجبت :


" صداع شديد "


" خذ تناول بعض الطعام و إلا فإنك ستنهار ! "




و هززت رأسي مجددا ...

ثم التفت إليه و قلت :


" هل لي ببعض المال ؟؟ "



أخرج سيف محفظته من جيبه و دفعها إلي ... فأخذتها ، و فتحت الباب قاصدا النزول و الذهاب إلى البقالة المجاورة ...




ما كدت أقف على قدمي حتى انتابني دوار شديد فانهرت على المقعد ...




" وليد ! "




تركت رجلي متدليتين خارج السيارة و أنا عاجز عن رفعهما


سيف أسرع فعدّل من وضعي و سأل بقلق :




" أ أنت بخير ؟؟ "


" دوار ... "



أسرع سيف فقرب عبوة عصير من شفتي و قال :


" اشرب قليلا "


رشفت رشفتين أو ثلاث ، و اكتفيت . سيف كان قلقا و ظل يلح علي بتناول بعض الطعام ألا أنني لم أكن أشعر بأدنى رغبة حتى في شم رائحته ...




بعد قليل ، زال الدوار جزئيا و فتحت عيني ، و مددت بالمحفظة إلى سيف و قلت :



" هل لي بعلبة سجائر


يتيع
دونياا

 
 

 

عرض البوم صور دونيا ط  
قديم 28-03-05, 09:28 AM   المشاركة رقم: 14
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2005
العضوية: 14
المشاركات: 129
الجنس ذكر
معدل التقييم: دونيا ط عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 31

االدولة
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
دونيا ط غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : دونيا ط المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 


الحلقة الحادية عشرة

" هل لي بعلبة سجائر ؟ "









كانت الساعة قد تجاوزت الثانية عشر ليلا ، حينما أشار آخر شخص سألناه عن منزل شاكر جليل ، أبي وليد ، إلى منزل صغير يقع عند المنعطف التالي ...



سأل سيف الرجل :


" أ أنت متأكد ؟ شاكر جليل المكنى بأبي وليد ، رجل قدم مع عائلته من وسط البلاد ؟"



" نعم إنه هو و يقيم هنا منذ سبع أو ثمان سنين ! "





لم يكن الشيء الذي يهتز هو قلبي فقط ، بل و أطرافي ، و شعري ، و مقعدي بل و السيارة أيضا !



تبادلنا أنا و سيف النظرات ... ثم تحرك بالسيارة ببطء حتى أصبحنا إزاء المنزل مباشرة ...



" هيا يا وليد ... "


بقيت في مكاني و لم تخرج مني بادرة تشير إلى أنني أنوي النهوض


" وليد ! هيا بنا ! أم تفضل الانتظار حتى الغد فربما يكون الجميع نيام ! "



قلت بسرعة :


" لا لا ... مستحيل أن أنتظر دقيقة بعد ... "


و مع ذلك ، بقيت في مكاني بلا حراك ، عدا عن الاهتزازات التي تعرفون ...





" ما بك ؟ قلق ؟؟

" ماذا لو لم يكن المنزل المقصود أو العائلة المعنية ؟؟ هل نستمر في البحث أكثر ؟؟ أنا مجهد جدا "

" هوّن عليك ، ربما وصلنا أخيرا . سنتأكد من ذلك "






كيف لي أن أبقى صامدا قويا و أنا على وشك رؤية أهلي ... ؟؟

في داخل هذا المنزل ... يعيش أمي و أبي ... و أخي و أختي ... و الحبيبة رغد !

ربما هم نيام الآن !

لا بد أنهم سيفاجؤون لدى رؤيتي ....

كم أنا مشتاق إليكم جميعا ...

إن هي إلا لحظات ... و ألتقي بكم !

يا إلهي ! أكاد أموت من الشوق و القلق ...





أخرجت الصورتين من جيبي و أخذت أتأمل أفراد عائلتي ...

ثم ثبت أنظاري على صورة رغد ، و هي تلون ...

رغد ...

يا حلوتي الصغيرة ...

ها أنا قد عدت ...


" دعك من الصورة ... و هيا إلى الأصل ! "



قال سيف و هو يفتح الباب و ينزل ...















قرعنا الجرس مرارا ... حتى خشيت أن يكون البيت قد هجر ... و أهلي قد رحلوا ... و أملي قد ضاع ...


و لكن الباب انفتح أخيرا ...


و أطل منه شاب يافع ... طويل القامة ... نحيل الجسم ... مشوّه الوجه بندبة أكدت لي بلا لا يقبل الشك ... أنه شقيقي الوحيد ... سامر ....




" سامر ... يا أخي ! "












دخلت في دوامة لا أستطيع وصفها ... من الصراخ و الهتاف ... البكاء و النحيب ... الدموع و العناق ...


تلقفتني الأيدي و الأذرع و الأحضان ... و أمطرت بالقبل و امتزجت الدموع بالآهات و التهاليل بالولاول ... و ما عدت أدرك إن كان أهلي من حولي حقا ؟ أم أنني توهمت خروجهم من الصورة ...؟




لقد مضى وقت لا أعرف مقداره و أنا أدور بين أحضانهم في عناق تختلط فيه الدماء ...




والدتي لم تقو على الوقوف من هول المفاجأة فجلسنا جميعا قربها و استحوذت على رأسي و ضمته إلى صدرها و جعلنا نبكي بحرارة
و أبي جالس قربي يكرر حمد الله و شكره و يجهش بكاءا
و أخي سامر ممسكا بذراعي من جهة ، و دانة من جهة أخرى
و لم يعد هناك مجال للكلمات ...






لا أستطيع وصف المزيد

أنى لذاكرتي أن تستوعب حرارة كهذه دون أن تنصهر ؟؟





أطلقت والدتي سراح رأسي لبعض الوقت ... فالتفت نحو دانة


كم كبرت و أصبحت ... فتاة مختلفة !



فتحت فمي لأتكلم ، فإذا بالدموع الحارة تتسلل إلى داخله ...

و ربما هذا ما منح لساني القدرة على الحركة و النطق ...

لكن صوتي جاء مبحوحا خافتا ضعيفا ، كصوت طفل يختنق ...



" رغد ؟؟ "





هبت دانه واقفة ، و صعدت عتبات تلي المدخل عتبتين عتبتين ، و أسرعت الخطى ذاهبة لاستدعاء رغد



وقفت في قلق و وقف الجميع معي ، و لا يزالون يقتسمون حضني و ذراعي ...


كنت أنظر إلى الناحية التي ذهبت إليها دانه ... و لو لم أكن مربوطا بالجميع لذهبت خلفها ...
لا ...
بل لسبقتها ...





الآن ستظهر رغد !

هل نفذ الهواء الذي من حولي ؟؟ أنا اختنق ...

هل طلعت الشمس في غير موعدها ؟ إنني أحترق ...

هل تهتز الأرض من تحت رجلي ؟؟ أكاد أنهار ... لولا أنهم يمسكون بي ...







ستأتي رغد ... سأحضنها ... و أحملها على ذراعي ... و أؤرجحها في الهواء كما كنت أفعل دائما ...




هيا يا رغد ... اظهري ... تعالي ... أسرعي إلي ...












و من حيث كنت أحدّق بصبر نافذ تماما ، ظهرت مخلوقة جاءت تركض بسرعة ... و توقفت عند أعلى العتبات ....




كما توقفت هي ، توقف كل شيء كان يتحرك في هذا الكون فجأة ... فما فيهم قلبي المزلزل ...




توقفت عيني حتى عن سكب الدموع ، و عن الطرف ...

و تثبتت فوق عيني الفتاة الواقفة أعلى العتبات ... تنظر إلي بذهول ... فاغرة فاها






هل جرب أحدكم أن يوقف شريط الفيديو أثناء العرض ؟




هكذا توقف الكون عند هذه اللحظة التي ربما تجاوزت القرون طولا ...







وجها لوجه ... أمام مخلوقة يفترض أن تكون رغد ... و لم تكن رغد ...





كنت انتظر أن تظهر رغد ... تماما كما تركتها قبل ثمان سنين ... طفلة صغيرة أعشقها بجنون ... تركض نحوي بلهفة ... و ترفع يديها إلي بدلال ... و تقول :
وليـــد ... احملني !




لم أعد أرى جيدا ... أصبت بغشاوة من هول الصدمة المفاجئة ... و المشاعر المتلاطمة بعنف ...





أردت أن أخرج الصورة من جيبي ... و أسأل الجميع ... أهذه هي صغيرتي رغد ؟؟

لكنني بقيت جامدا متصلبا متخشبا كما أنا ...





أول شيء تحرك كان فم الفتاة ... ثم إصبعها الذي أشار نحوي ، و بصعوبة و بجهد و بحروف متقطعة قالت :


" و ... لـ ... يــ ... ــد ؟؟؟ "








ثم فجأة ، و دون أن تترك لي الفرصة لأستعد لذلك ، قفزت رغد من أعلى العتبات باندفاع نحوي فحررت ذراعي بسرعة من بين أذرع البقية و رفعتها نحو رغد التي هوت على صدري و هي تهتف



" وليـــــــــــــــــــــــــــــــــد "







الآن فقط ، آمنت تماما بحقيقة دوران الأرض حول نفسها ...

لقد كنت أنا المحور

و كانت الأشياء تدور من حولي بسرعة ...

بسرعة ...

بسرعة ...















كدنا نهوي أرضا لو لم يسرع أبي و سامر لإسنادنا لكنني لم أكن قادرا على الوقوف

أما رغد ...

صغيرتي التي كبرت ... فقد كانت ممسكة بي بقوة جعلتني أشعر أنها ستخترق جسدي


بل اخترقته ...



لثمان سنين فقط ، أريد لهذه اللحظة أن تستمر ...




لثمان سنين ، عادت بي الذاكرة ...

لذلك اليوم المشؤوم ...

لتلك اللحظة الفظيعة ، التي كانت فيها رغد متشبثة بي بذعر و تكاد تخترق جسدي ...


فيما عمّار واقف يبتسم ابتسامة خبيثة و هو يرمي إلي بحزام رغد ...



لحظة تذكرت هذا ، أطبقت على رغد بقوة و كأنني أريد حمايتها من مجرد الذكرى الأليمة



و شددت ضغطي أكثر و أكثر ... و لو كانت لجسدي قوته و عضلاته السابقة ، لربما سحقت عظامها بين ذراعي ...




ألا أنني الآن أشعر بضعف شديد يسري في جسدي ، و أريد أن أنهار



أبعدت رأسها عني قليلا لأتأكد ... أنها رغد ...



رغم أنها كبرت ألا أن ملامح وجهها الدائري الطفولية ، لا زالت كما هي ...


" رغد ! صغيرتي ! "







لقد عشت لأراك ثانية ...

و نجوت لأعود إليك ...







" آه "


أطلقت هذه الآهة ، ثم خررت أرضا ...







أعتقد أنني أصبت بإغمائه لبضع دقائق



عندما فتحت عيني ، رأيت وجوه الجميع من حولي فيما أدمعهم تنهمر و تبلل وجهي و ملابسي الغارقة في العرق ...



لم يكن لدي ما هو أغلى من دموع مدللتي رغد و حين رأيتها تسيل على خديها قلت


" لقد عدت ! لن أسمح لدموعك بأن تسيل بعد اليوم ! "









ثم نقلت بصري بين أعينهم جميعا ، و قلت :


" أنا متعب جدا "






و لحظتها فقط انتبهت لعدم وجود سيف ...

لا أذكر أنني رأيته بعد قرعنا للجرس ! هل عاد للسيارة ؟ أم ماذا حدث ؟

قلت :

" أين سيف ؟ "


أجاب سامر :

" غادر ... قال أنه سيأتي غدا "






و لأنني كنت متعبا جدا جدا ، فسرعان ما نمت بعدما أرخيت جسدي فوق سرير أخي سامر ، و الذي نام على الأرض إلى جواري في غرفته تلك الليلة ...










عندما أيقظني سامر وقت صلاة الفجر ، لم أكن قد نلت ما يكفي من الراحة... لذا لم أرافقه و أبي إلى المسجد ، بل أديت صلاتي في الغرفة ذاتها ...




أثناء غيابهما للصلاة ، تجولت في المنزل بحثا عن المطبخ فقد كنت شديد العطش


و لم يكن البيت كبيرا لذا فإن غرفه و أجزائه متقاربة ...




وصلت إلى المطبخ و هناك رأيت شخصا يقف أمام الثلاجة المفتوحة ، موليا ظهره إلي ، و يرتدي حجابا ...




لم يكن من الصعب علي أن أستنتج أنها رغد ، من صغر حجمها



" رغد ؟ "



التفتت رغد نحوي بفزع ، إذا أنها لم تشعر بدخولي المطبخ ...



" أنا آسف ... هل أفزعتك ؟؟ "



أحنت رغد رأسها نحو الأرض و هزته قليلا ...



قلت :



" أريد بعض الماء ... رجاءا "



رغد تنحت جانبا موسعة المجال أمامي ، و عندما اقتربت رفعت رأسها فنظرت إلي برهة ...



" لقد ... كبرت ! "



لم تنطق بأي كلمة ، و نزلت ببصرها أرضا ...


قلت :


" لكنك لم تتغيري كثيرا ... "



رفعت رأسها مرة أخرى و نظرت إلي ، ثم طأطأته من جديد ...


قلت :


" و أنا ؟ هل تغيرت كثيرا ؟؟ "


ترددت قليلا ثم قالت :


" هل بدّلت أنفك ؟ "







ابتسمت ، بل كدت أضحك ، لكنني قلت :


" بدّله الزمن ! هل يبدو سيئا جدا ؟؟ "



رغد قالت دون أن ترفع بصرها عن الأرض :



" على العكس ! "



ثم أسرعت بالخروج من المطبخ ...


استدرت و ناديت :


" رغد انتظري ... "



ألا أنها اختفت بسرعة !



و بسرعة شربت كمية كبيرة من الماء البارد شعرت بها تجري في فمي و حلقي و معدتي و حتى شراييني !




عدت إلى فراشي و أغمضت عيني ...

إنه ليس مجرد حلم ...

لقد عدت إلى أهلي أخيرا

عدت إلى رغد ...

و حتى و أن كبرت و لم تعد صغيرتي المدللة ، فهي لا تزال محبوبتي التي أعشق منذ الصغر ...

و التي أفعل أي شيء في سبيل إسعادها
و التي لا زلت مشتاقا إليها أكثر من أي شخص آخر ...

و التي يجب أن أقربها مني أكثر من أي وقت مضى ...

فهي ...

صغيرتي الحبيبة المدللة ...

حلم حياتي الأول ...

محبوبتي منذ الطفولة ...

قد كبرت أخيرا ....

و أنا استفيق من النوم ، و أشعر بنعومة الوسادة تحت خدي ، و سمك و دفء البطانية فوق جسدي ، و النور يخترق جفني ...


بقيت مغمض العينين ...


حركت يدي فوق الفراش الدافئ الواسع ، و الوسادة الناعمة و أخذت أتحسسهما براحة و سعادة ...


ابتسمت ، و يدي لا تزال تسير فوق الفراش ، و البطانية ، و الوسادة مداعبة كل ما تلامس !



أخذت نفسا عميقا و أطلقته مع آهة ارتياح و رضا ...


كم كان النوم لذيذا ! و كم كنت أشعر بالكسل ! و الجوع أيضا !


آه ... ما أجمل العودة إلى البيت ... و الأهل ...




فتحت عيني ببطء ، و أنا مبتسم و مشرق الوجه

و على أي شيء وقعت أنظاري مباشرة ؟؟

على وجه أمي !



كانت والدتي تجلس على مقعد جواري ، و تنظر إلي ، و دمعة معلقة على خدها الأيمن ، فيما فمها يبتسم !


جلست بسرعة ، و قد اعتراني القلق المفاجئ و زالت الابتسامة و السعادة من وجهي ، و قلت باضطراب :


" أماه ! ماذا حدث ؟؟ "



والدتي أشارت بيدها إلي قاصدة أن أطمئن ، و قالت :


" لا لا شيء ، لا تقلق بني "



لكنني لم أزل قلقا ، فقلت مرة أخرى :


" ماذا حدث ؟؟ "




هزت أمي رأسها و مسحت دمعتها و زادت ابتسامتها و قالت :

" لا شيء وليد ، أردت فقط أن أروي عيني برؤيتك "


ثم انخرطت في البكاء ...


نهضت عن سريري و أقبلت ناحتها و قبلت رأسها و عانقتها بحرارة ...


" لقد عدت أخيرا ! لا شيء سيبعدني عنكم بعد الآن "

طبعا لم يستطع أحدنا النوم تلك الليلة ، غير وليد !


نام وليد في غرفة سامر ، إذ لم يكن لدينا أي سرير احتياطي أو غرفة أخرى مناسبة .


أنا لا أستطيع أن أصدق أن وليد قد عاد !

لقد آمنت بأنه اختفى للأبد

كنت اعتقد بأنه فضل العيش في الخارج حيث الأمان و السلام على العودة لبلدنا و الحرب و الدمار ...


لكنه عاد ... و بدا كالحلم !


لا يزال طويلا و عريضا ، لكنه نحيل !


كما أن أنفه قد تغير و أصبح جميلا !


البارحة لم أتمالك نفسي عندما رأيته أمام عيني ...


كم تجعلني هذه الذكرى أبتسم و أتورد خجلا !




" رغد ! كم من السنين ستقضين في تقليب البطاطا ! لقد أحرقتها ! "


انتبهت من شرودي الشديد ، على صوت دانة ، و حين التفت إليها رأيتها تراقبني من بعد ، و قد وضعت يديها على خصريها ...



ابتسمت و قلت :

" ها أنا أوشك على الانتهاء "




دانة حدقت بوجهي قليلا ثم قالت :


" لقد احمر وجهك من طول وقوفك قرب النار ! هيا انتشليها و انتهي ! "



أنا اشعر بأن خدي متوهجان ! و لكن ليس من حرارة النار !






انتهيت من قلي البطاطا ثم رتبتها في الأطباق الخاصة




مائدتنا لهذا اليوم شملت العديد من الأطباق التي كان وليد يحبها

والدتي أصرت على إعدادها كلها ، و جعلتنا نعتكف في المطبخ منذ الصباح الباكر !

ربما كان هذا الأفضل فإن أحدنا لم يكن لينام من شدة الفرح ...



و الآن هي بالتأكيد في غرفة سامر !





" دانه "



كانت دانة تقطع الخضار لتعد السلطة ، و التفتت إلي بنفاذ صبر و قالت :



" نعم ؟؟ "


قلت :

" هل كان وليد يفضل عصير البرتقال أم الليمون ؟؟ "



رفعت دانة رأسها نحو السقف لتفكر ، ثم عادت ببصرها إلي و هزت رأسها أسفا :

" لا أذكر ! حضّري أيا منهما "



قلت :

" أريد تحضير العصير الذي يفضله ! تذكري يا دانة أرجوك "


رمقتني بنظرة غضب و قالت :

" أوه رغد قلت لك لا أذكر ! اسألي أمي "



وقفت أفكر لحظة ، و استحسنت الفكرة ، فذهبت مسرعة نحو غرفة سامر !


في طريقي إلى هناك صادفت والدي ...





" إلى أين ؟ "


استوقفني أبي ، فقلت بصوت منخفض :


" أريد التحدث مع أمي "


ابتسم أبي و قال :


" إنها عند وليد ! "



تقدمت خطوة أخرى باتجاه غرفة سامر ، ألا أن أبي استوقفني مرة أخرى


" رغد "


التفت إليه

" نعم أبي ؟؟ "



لم يتكلم ، لكنه رفع يده اليمنى و بإصبعه السبابة رسم دائرة في الهواء حول وجهه

و فهمت ماذا يقصد ...






انعطفت نحو غرفتي ، و ارتديت حجابا و رداءا ساترا ، ثم قدمت نحو غرفة سامر و طرقت الباب طرقا خفيفا ...





سمعت صوت أمي يقول :


" تفضل "



ففتحت الباب ببطء ، و أطللت برأسي على الداخل ... فجاءت نظراتي مباشرة فوق عيني وليد !




رجعت برأسي للوراء و اضطربت ! و بقيت واقفة في مكاني ...


أقبلت أمي ففتحت الباب


" رغد ! أهلا ... أهناك شيء ؟؟ "


قلت باضطراب :


" العصير ! أقصد الليمون أم البرتقال ؟ "


أمي طبعا نظرت إلي باستغراب و قالت :


" عفوا ؟!! "



كان باستطاعتي أن أرى وليد واقفا هناك عند النافذة المفتوحة ، لكني لا أعرف بأي اتجاه كان ينظر !



" هل أصنع عصير الليمون أم البرتقال ؟؟ "



ابتسمت والدتي و قالت :


" كما تشائين ! "


قلت :


" ماذا يفضل ؟؟ "




و لم أجرؤ على النطق باسمه !


والدتي التفتت نحو وليد ، و كذلك فعلت أنا ، فالتقت أنظارنا لوهلة ...


قالت أمي :


" ماذا تفضل أن تشرب اليوم ؟ عصير البرتقال أم الليمون ؟ أم كليهما ؟ "



ابتسم وليد و قال :


" البرتقال قطعا ! "


ثم التفتت والدتي إلي مبتسمة ، و قالت :


" هل بقي شيء بعد ؟ "

" لا ... تقريبا فرغنا من كل شيء ، بقي العصير ... و السلطة "

" عظيم ، أنا قادمة معك "





ثم استأذنت وليد ، و خرجت و أغلقت الباب .






و عندما ذهبنا للمطبخ ، وجدنا سامر هناك ، و كان قد عاد لتوه من الخارج حيث أحضر بعض الحاجيات ...




بادلانا بالتحية ثم سأل :


" ألم ينهض وليد ؟ "


قالت أمي :


" بلى ! استيقظ قبل قليل "

" عظيم ! انا ذاهب إليه "






و ذهب سامر مسرعا ، فهبت دانة واقفة و رمت بالسكين و قطعة الخيار التي كانت بيدها جانبا و قالت بانفعال :


" و أنا كذلك "


و لحقت به و هي تقول موجهة كلامها إلي :


" أتمي تحضير السلطة ! "




و في ثوان كانا قد اختفيا ...






ماذا عني أنا ؟؟

أنا أيضا أريد أن أذهب إليه .... !





نظرت إلى أمي فقالت :


" أنا سأقطع الخضار ، حضري أنت العصير ...
قبل قليل ، جاءت رغد و وقفت عند باب الغرفة لعدة ثوان ...

أظن أنها جاءت تسال والدتي عن عصيري المفضل !


يبدو أنها نسيت ذلك ... لطالما كنت آخذها معي إلى في نزهة بالسيارة ، نتوقف خلالها لتناول البوضا أو عصير البرتقال ، أو حتى أصابع البطاطا المقلية !


يا ترى ... ألا تزال تحبها كما في السابق ؟؟




طرق الباب ، ثم دخل أخي سامر و دانة ...



أقبل الاثنان نحوي يحييانني و يعانقانني من جديد ...


قال سامر :


" أحضرت لك بعض الملابس يا أخي ! إنك بحاجة إلى حمام طويل جدا ! "




ابتسمت بشيء من الخجل ، فأنا أعرف أن هندامي كان سيئا ... و شعري طويلا ... و لحيتي نابتة عشوائيا بلا نظام ، و الملابس التي اشتراها لي سيف على عجل خالية من الجمال و الأناقة !


قلت :

" هل أبدو مزريا ؟؟ "


ضحكت دانة و قالت :


" بل تبدو كأحد نجوم السينيما الأبطال ! "



ضحكنا نحن الثلاثة ، ثم قلت :


" بطل بلا عضلات !؟ لا أناسب حتى لدور مجرم ! "



و جفلت للكلمة التي خرجت من لساني دون شعور ... ( مجرم ) ... ألست كذلك ؟؟





لكن أحدا لم يحظ تغير تعابير وجهي ، بل استمرت دانة تقول :


" بل بطل ! أليس كذلك يا سامر ؟ إنه ليس رأيي وحدي بل هذا ما تقوله رغد أيضا ! "



أثارت جملتها هذه اهتمامي البالغ ، هل قالت رغد عني ذلك حقا ؟ هل أبدو كذلك في نظرها ؟


تعلمون كم يهمني معرفة ذلك !



لقد كانت تعتبرني شيئا كبيرا عاليا في الماضي ، و الآن بعدما كبرت ... ترى ماذا أصبحت أعني لها ؟؟





فيما بعد ، نعمت باستحمام طويل و مركز !

نظفت جسدي و ذاكرتي من كل ما علق بهما من أيام السجن ... و بلاء السجن ...

بدوت بعدها ( شخصا محترما ) ، إنسانا مكرما ... رجلا يستحق الاهتمام ....








حينما حضر سامر للغرفة بعد ذلك ، أطلق صفرة حادة مداعبا !


" ما كل هذه الوسامة يا رجل ! بالفعل كأبطال السينيما ! "


ابتسمت ، ثم قلت


" يجب أن تصحبني إلى الحلاق اليوم لأقص شعري ! "

قال :


" أبقه هكذا يا رجل ! تبدو جذابا به ! "






ضحكنا كثيرا ، ثم خرجت معه من الغرفة فإذا بي أرى أمي و أمي يقفان في الردهة ...


ابتسما لرؤيتي ، و تبادلنا حديثا قصيرا ، ثم ذهبنا أنا و أبي و سامر لتأدية صلاة الظهر في المسجد .




عندما عدنا ، و ما أن وطأت قدمي أرض مدخل المنزل ، حتى هاجمت أنفي روائح أطعمة شهية جدا !


أخذت نفسا عميقا متلذذا بالرائحة الرائعة !





ظهرت أمي ، و قادتنا إلى غرفة المائدة ...


و ذهلت للأطباق الكثيرة التي ملأت المائدة عن آخرها ...


" أوه ! كل هذا !؟ "


نظرت إلى أمي بتعجب ، فابتسمت و قالت :


" تفضل بني بالهناء و العافية "




لا أخفيكم أن معدتي كانت تستصرخ !


انقبضت مصدرة نداء استغاثة ، ثم توسعت أقصى ما أمكنها استعدادا للكميات الكبيرة التي أنوي التهامها !





في هذه اللحظة تذكرت صديقي سيف ، قلت :


" سيف ! يجب أن اتصل بسيف ! "



و ذهبت إلى حيث يجلس الهاتف بسكون ، و اتصلت به في الشقة حيث كنا


اعتذر سيف عن الحضور و قال أنه لا يود التسبب بأي حرج على أفراد العائلة في هذا الوقت ، لكنه وعد بالحضور مساء ...




اتخذت مجلسي حول المائدة ، على يمين والدتي ... ، فيما سامر إلى يساره



و أخيرا أقبلت الفتاتان ، دانة و رغد ... فجلست دانة إلي يمين والدي ، و بقي الكرسي الأخير ... المقابل لي شاغرا ...




أقبلت رغد فجلست مقابلي على ذلك الكرسي ، و اتضح لي فيما بعد أنني جلست على الكرسي الذي تجلس هي عليه في العادة !



كانت ترتدي رداءا طويلا ، و حجابا .



لا أخفيكم أنني كنت أشعر بشيء كلسعة الكهرباء كلما التقت نظراتنا عفويا



إنها صغيرتي رغد !

محبوبتي المدللة التي حرمت من رؤيتها و العناية بها لثمان سنين ...

تعرفون ما تعني لي ...

و قد كبرت و لم يعد بإمكاني مداعبتها كالسابق ...



إنني أريد أن أطعمها هذه البطاطا المقلية بيدي !





إنني أشعر بأنها تراقبني !

ليست هي فقط ... بل الجميع يراقبني


إنني رغم شهيتي العظمي للطعام تصرفت بلباقة و تهذيب ، و أكلت بنفس السرعة التي بها يأكلون ....


و لكن لوقت أطول ... و لكميات أكبر !


ما أشهى أطباق أمي !


كل شيء يبدو لذيذا جدا ... حتى الماء ...

لم أذق للماء طعما منذ ثمان سنين ...

و هل للماء طعم ؟؟



أنا أعتبر نفسي دخلت الجنة بخروجي من ذلك الجحيم ... السجن ...


الحمد لله ...










أمور كثيرة قد تحدثنا عنها ألا أن السجن لم يكن من ضمنها مطلقا


كما أنني لم أكن مقبلا على الحديث ، بل الاستماع ... و علمت عن أشياء كثيرة و تطورات جديدة حدثت في البلاد و الحياة خلال سنوات غيابي .






و كانت رغد أقلنا حديثا ، بل إنها بالكاد تنطق بكلمة أو كلمتين من حين لآخر



كنت أريد أن أتحدث معها ...

أسألها عما عملت في غيابي ...

أمسك بيديها ...

أمسح على شعرها ...

أضمها إلي ...

كما كنت أفعل سابقا ... فهي طفلتي التي اشتقت لها كثيرا جدا جدا ... أكثر من شوقي لأي شخص آخر ...

لست بحاجة لوصف المزيد فانتم تعرفون ...

لكنها الآن أمامي فتاة بالغة ترتدي الحجاب ... لا أجرؤ حتى على إطالة النظر إليها أكثر من بضع ثوان ...



هل تتصورون كيف هو شعوري الآن ؟؟




لقد قضيت ثمان سنوات من العذاب... تغير في الدنيا خلالها ما تغير ، ألا أن حبي لهذه الفتاة لم يتغير ... و إن لم أعد الماضي الجميل و علاقتي الرائعة بها فسوف أصاب بالجنون !








قلت ، في محاولة مستميتة لإحياء الماضي الميت و إشعارها و إشعار نفسي بأن شيئا لم يتغير :



" رغد ... صغيرتي ... إلى أين وصلت في الدراسة ؟ "



رغد رفعت بصرها إلي في خجل ، و قد تورد خداها ، و قالت :



" أنهيت الثانوية ! و سوف ألتحق بإحدى الكليات العام المقبل "



ابتسمت بسعادة ! فطفلتي الصغيرة ستدخل الجامعة !



" عظيم ! مدهش ! أبهجتني معرفة ذلك ! وفقك الله "



ابتسمت رغد بخجل شديد ، ثم قالت :


" و أنت ؟ هل أنهيت دراستك أم لا زال هناك المزيد بعد ؟؟ "








تصلبت تماما لدى سماعي هذا السؤال ...


و نقلت بصري إلى أمي ... أبي ... سامر ... و دانة ...


و علامات الذهول صارخة في وجهي ...




أبى قال مرتبكا :


" يكفي لحد الآن ! هل تظنين أننا سنتركه يغادر ثانية ! مستحيل "




نظرت إلى أمي و سامر ، فإذا بهما يتحاشان النظر إلي ...

أما دانة فكانت مشغولة بتقطيع الطعام و مضغه ...

و رغد ، حين عدت ببصري إليها وجدتها تبتسم ...





شعرت باستياء كبير لهذه الحقيقة التي فاجؤوني بها ...


لم يبد على رغد أنها تعلم ... أنني كنت في السجن !


هل أخبروها بأنني سافرت لأدرس ؟؟






انزعجت كثيرا لاستنتاج ذلك ، و فقدت شهيتي لتناول المزيد ...


لكنني شربت حصتي من عصير البرتقال كاملة ، لعلمي المسبق بأن رغد هي التي حضرته ...






بعد الغذاء ذهبت مع أهلي في جولة داخل المنزل لأتعرف على أجزائه ، و كان موضوع جهل رغد بأمر سجني يسيطر على تفكيري ... و يتعسني ...




و انتهزت أول فرصة سنحت لي فسألت والدي :


" ألا تعلم رغد بأنني ... كنت في السجن ؟؟ "


والدي تردد قليلا ثم أجاب :


" لم يكن بإمكاننا إخبارها بشيء كهذا ذلك الوقت ... ثم كبرت ... و دانة ... و لم نجد داعيا لإعلامهما بالحقيقة "






غضبت كثيرا من هذا التصرف ، فأنا الآن وضعت في وجه المدفع ... لا أعرف كيف ستتصرف رغد حين تعلم بالأمر ... و لا حتى دانة ...





الاستياء كان واضحا على وجهي ، فقال أبي :

" هون عليك يا وليد ... نتحدث عن ذلك فيما بعد "









كان الأمر شديد الأهمية بالنسبة لي ...





في المساء ، كنت أشاهد التلفاز مع والدي و والدتي في غرفة المعيشة ، ثم أردت الاتصال بصديقي سيف لأؤكد عليه الحضور





لم أشأ استخدام الهاتف الذي يقع فوق التلفاز مباشرة لذلك خرجت من غرفة المعيشة و توجهت نحو المطبخ ... و هو الأقرب إلى الغرفة ...




لقد كان الباب مغلقا ، لذا طرقته أولا ...



فتح الباب قليلا و ظهرت دانة


" أهلا وليد! أتريد شيئا ؟؟ "

" أردت استخدام الهاتف "


ابتسمت دانة و قالت :

" اذهب إلى غرفة المعيشة أو الضيوف !"


استغربت ، فقلت :


" هاتف المطبخ لا يعمل ؟ "


ابتسمت مجددا و قالت :


" بلى ! لكن رغد بالداخل ! "






شيء أثار جنوني ... فقبضت يدي بقوة ... و قهر


بعد أن كانت رفيقتي أينما ذهبت ، أصبحت ممنوعا من الدخول إلى حيث توجد هي ...



لن يستمر الوضع هكذا لأنني سأجن حتما ...



لسوف أتحدث مع أبي بهذا الشأن في أقرب فرصة ... لا ... بل الآن !






و استدرت قاصدا غرفة الضيوف ألا أنني وقفت فجأة و بذهول ... حين رأيت باب المطبخ يتحرك ، و يفتح ، و يخرج سامر منه !



خرج سامر مبتسما و أغلق الباب ، و بقيت محملقا فيه بذهول ...




سامر نظر إلي و ابتسم و قال :


" غرفة الضيوف من هنا "




أنا بقيت واقفا مصعوقا ... و أخيرا تحرك لساني المعقود فقلت :


" رغد ... بالداخل ؟؟ "


أجاب مبتسما :


" نعم ! ... لم تجلب الحجاب معها "





جننت ، و لم أعد قادرا على فهم شيء أو تصور شيء !

ببلاهة و اضطراب و تشتت فكر قلت ، و أنا أشير بإصبعي إلى سامر :


" لكن ... أنت ... ؟؟؟ "




سامر رفع حاجبيه و فغر فاه بابتسامة استنتاج ، كمن فهم و أدرك لتوه أمرا لم ينتبه له من قبل ...




" آه ! تقصد أنا ... ؟؟ نعم ... فـ... نحن ... "




و ضحك ضحكة خفيفة ، ثم أتم الجملة التي قضت على آخر آخر ما كان في ّ من بقايا فتات وليد :


" نحن ... مخطوبان

مع احترامي دونياااااا

انتظروني هههههههههههههههه

 
 

 

عرض البوم صور دونيا ط  
قديم 30-03-05, 07:29 AM   المشاركة رقم: 15
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2005
العضوية: 14
المشاركات: 129
الجنس ذكر
معدل التقييم: دونيا ط عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 31

االدولة
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
دونيا ط غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : دونيا ط المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

السلام عليكم

الحلقة الثانية عشرة

لقد قضيت اليوم بكامله في المطبخ !


فبعد وجبة الغذاء العظيمة التي أعددناها صباحا ، الآن نعد وجبة عشاء من أجل وليد و صديقه الذي سيتناول العشاء في منزلنا .




إنني أشعر بالتعب و أريد أن أنام ! لكن دانة لي بالمرصاد ، و كلما استرخيت قليلا طاردتني بقول :


" أسرعي يا رغد ! الوقت يداهمنا ! "



كان سامر يساعدنا و لكنه خرج قبل لحظة ، و الآن أستطيع أن أتحدث عن وليد دون حرج !!



" أخبريني يا دانة ، ما هو التخصص الذي درسه وليد ؟؟ "


دانة منهمكة في صف الفطائر في الصينية قبل أن تزج بها داخل الفرن ...

قالت :

" أعتقد الإدارة و الاقتصاد ! "




صمت قليلا ثم قلت :


" و أي غرفة سنعد له ؟ أظنها غرفة الضيوف ! فالبيت صغير ... ألا توافقينني ؟ "



قالت :


" بلى "



انتظرت بضع ثوان ثم عدت أسأل :



" ألا يبدو أنه قد نحل كثيرا ؟ ألم يكن أضخم في السابق ؟ "


قالت :


" بلى ... كثيرا جدا ! لابد أنه لم يكن يأكل جيدا هناك "



قلت :


" أ رأيت كيف التهم البطاطا التي أعددها كلها ؟ لابد أنها أعجبته ! "



التفتت دانة إلي ببطء و قالت :


" و كذلك أكل السلطة التي أعددتها ، و الحساء الذي أعدته أمي ، و الدجاج و الرز و العصير و كل شيء ! بربك ! هل تعتقدين أن طبقك المقلي هذا هو طبق مميز ! "




قلت مستاءة :


" أنت دائما هكذا ! لا يعجبك شيء أصنعه أنا "



انصرفت دانة عني لتضع صينية الفطائر داخل الفرن ، و ما أن فرغت حتى بادرتها بالسؤال :


" ألا يبدو أقرب شبها من أبي ؟ فأنت و سامر تشبهان أمي ! "


قالت :


" لا أعرف ! "


ثم التفتت إلي و قالت :


" و أنت !؟ من تشبهين ؟؟ "



صمت قليلا ، ثم قلت :




" ربما أمي المتوفاة ! "


لكنها قالت :


" لا ! تشبهين بل شخصا آخر ! "


سألت باهتمام :


" من ؟؟ "


ابتسمت بخبث و قالت :



" الببغاء ! فأنت ثرثارة جدا ! "



رميت بقطعة من العجين ناحيتها فأصابت أنفها ، فأطلقتُ ضحكة كبيرة !


أما هي فقد اشتعلت غضبا و أقبلت نحوي متأبطة شرا !



تركت كرة العجين التي كنت ألتها من يدي و ذهبت أركض مبتعدة و هي تلاحقني

حتى اقتربت من الباب و كدت أفتحه

" انتظري ! وليد بالخارج "

أوقفت يدي قبل أن تدير المقبض و التفت إليها و قلت :

" صحيح ؟؟ "

قالت :

" نعم فهو من طرق الباب قبل لحظة ، دعيني أستوثق من انصرافه أولا "


تنحيت جانبا ، منتظرة منها أن تفتح الباب ، فأقبلت نحوي و على حين غرة ، و بشكل مفاجئ ، ألصقت قطعة العجين على أنفي و ضحكت بقوة و ركضت مبتعدة قبل أن أتمكن من الفرار منها !



أنا فتحت الباب بسرعة لأهرب لكن بعد فوات الأوان !




و تخيلوا من لمحت في الثانية التي فتحت الباب فيها ثم أغلقته بسرعة ؟؟


لقد كان وليد !





كم شعرت بالإحراج و الخجل و ابتعدت عن الباب في اضطراب


لا بد أنه رآني هكذا ... و قطعة العجين ملتصقة بأنفي ! أوه يا للموقف المخجل !




نزعت العجين و رميت به نحو دانة و أنا أقول :


" لماذا تقولي لي أن وليد خلف الباب ؟؟ "


رفعت دانة حاجبيها و قالت :


" بلى قلت لك ! "


" ظننتك تمزحين للإيقاع بي ! لقد رآني هكذا ! "




دانة ابتسمت ابتسامة صغيرة ، ثم قالت :


" أنت و وليد مشكلة الآن ! يجب ألا تغادري غرفتك بعد اليوم ! "


قلت :


" شكرا لك ! إذن أتمي تحضير الفطائر و أنا سأذهب للنوم ! "


في هذه اللحظة فتح الباب فدخل سامر ...


نظر مباشرة إلي و قال :


" ذهب إلى غرفة الضيوف ، إن كنت تودين الخروج "



نظرت إلى دانة ثم إلى سامر ، و الحمرة تعلو خدّيّ و قلت بمكر :


" نعم سأذهب ! "





و انطلقت مسرعة نحو غرفتي ...

غير آبهة بنداءات دانة المتكررة !





بعد أن غسلت وجهي و يدي في الحمام المشترك بين غرفتي و غرفة دانة توجهت نحو سريري و استلقيت باسترخاء


كم كنت متعبة !


إنني لم أنم البارحة كما ينبغي و عملت كثيرا في المطبخ


و للعلم ، فإن العمل في المطبخ ليس أحد هواياتي ، فأنا لا أهوى غير الرسم ، لكنني أردت المساعدة ...



تقلبت على سريري يمينا و يسارا و أنا أفكر ...


ما الذي سيقوله وليد عني !؟


فالفتيات البالغات لا يغطين أنوفهن بقطع العجين !


إلا إذا كانت طريقة جديدة لترطيب البشرة و تغذيتها !





شعرت بالدماء تصعد إلى وجهي بغزارة ... لابد أن وجهي توهج الآن ... لم لا ألقي نظرة !



قفزت من السرير و أسرعت نحو المرآة ... و رأيت حمرة قلما أرى لها مثيل على وجهي هذا !


أبدو جميلة ! و لابد أنني مع بعض الألوان سأغدو لوحة رائعة !


نزلت ببصري للأسفل و فتحت أحد الأدراج ، قاصدة استخراج علبة الماكياج بفكرة جنونية لتلوين وجهي هذه اللحظة !



الشيء الذي وقعت عليه يدي بمجرد أن أدخلتها داخل الدرج كان جسما معدنيا باردا .. أمسكت به و أخرجته دون أن أنظر إليه ثم رفعت به نحو عيني ّ مباشرة ...

إنها ساعة وليد ...






نسيت فكرتي السخيفة بوضع المساحيق ، و عدت حاملة الساعة إلى سريري و استلقيت ببطء


الآن .. الفكرة التي تراودني هي إعادة هذه الساعة لوليد ...


لابد أنه سيفاجأ حين يراها ... و يعرف أنني ظللت محتفظة بها و أرتديها أيضا خلال السنوات الماضية !


قمت فجأة عن سريري و ارتديت ردائي و حجابي و طرت مسرعة للخارج


دعوني أخبركم بأنني قلما أفكر في الشيء مرتين قبل أن أقدم عليه !








لقد أخبرني سامر أنه في غرفة الضيوف و مع ذلك مررت بغرفة سامر ، ثم غرفة المعيشة ، و بالطبع تجنبت المطبخ ، قبل أن أذهب إلى غرفة الضيوف حاملة ساعة وليد بيدي ...






حين وصلت عند الباب ، و كان مفتوحا ، استطعت أن أرى من بالداخل ، و لم يكن هناك أحد غيره ...




وليد كان جالسا على أحد المقاعد ، بالتحديد المقعد المجاور للمنضدة التي تحمل الهاتف و قد كان مثنيا جدعه للأمام و مسندا رأسه إلى يديه ، و مرفقيه إلى ركبتيه في وضع يشعر الناظر بأنه ... حزين !




طرقت الباب طرقا خفيفا ، ألا أنه لم يسمعه

فأعدت الطرق بشكل أقوى و أقوى ، حتى رفع رأسه ببطء و نظر إلي ...



و ما أن التقت أنظارنا حتى علت وجهه تعابير غريبة و مخيفة ...

بدت عيناه حمراوين و جاحظتين و مفتوحتين لحد تكادان معه أن تخرجا من رأسه !





و لمحت زخات العرق تقطر من جبينه العريض



حملق وليد بي بشدة أثارت خوفي ... فرجعت خطوة للوراء ... و حالما فعلت ذلك وقف هو فجأة كمن لدغته أفعى !



أنا ازدردت ريقي بفزع ثم حاولت النطق فجاءت كلماتي متلعثمة :

" كنت ... أعني ... لدي شيء أود إعطائك إياه ... "



وليد ظل واقفا في مكانه كالجبل يحدّق بي بحدّة ... ربما أزعجه أن أحضر بمفردي ... أو ربما ... ربما ...



لم أستطع حتى إتمام أفكاري المبعثرة لأنه تقدم خطوة ، ثم خطوة ، تلو خطو باتجاهي



لقد كنت أمسك بالساعة في يدي اليمنى ، و لا شعوريا تحركت يدي للخلف و اختبأت بالساعة خلف ظهري ...


لا أظن أن وليد رآها و لكن ...



حين صار أمامي مباشرة ، مد يده بسرعة و انقض على يدي اليمنى و سحبها للأمام بعنف




ارتعدت أطرافي و جفلت !



وليد قرّب يدي من عينه و أخذ يحدق بها بنظرات مخيفة و قاسية ، فيما يشد بقبضته عليها حتى يكاد يهشم عظامها ...




نطق لساني بفزع و اضطراب :


" أنا ... لم ... كنت ... سأعيدها إليك ! "



وليد ظل قابضا على يدي بقوة ، و يحدّق في عيني بنظرات تكاد تخترق عيني و رأسي و الجدار الذي خلفي ...



في تلك العيون الحمراء القادحة بالشرر ... رأيت قطرات الدموع تتجمع ... ثم تفيض ... ثم تنسكب ... ثم تشق طريقها على الخد العابس ... ثم تنتهي عند الفك المنقبض ...


لقد تهت في بحر هذه العيون و غرقت في أعماقها ...


أخذتني إلى ذكرى قديمة موجعة ... حاولت جهدي أن ألغيها من ذاكرتي ... فرأيت وليد و هو يبكي بمرارة و شدة ذلك اليوم و هو جاث ٍ فوق الرمال قرب السيارة ..
يمد يده إلي و يقول :


" تعالي يا رغد "



" وليد ... "


نطقت باسمه فإذا به يغمض عينيه بقوة و يعض على أسنانه بشدة .. و يشدد قبضته على يدي و يؤلمني ...



بعدما فتح عينيه ، ظل يحدق في يدي قليلا ، ثم فجأة انتزع الساعة من بين أصابعي و رمى بها نحو الجدار و زمجر بقوة :



" انصرفي "






أنا انتفضت بذعر ... و ارتجفت جميع أطرافي ... فتحركت خطوة للوراء ... ثم انطلقت بأقصى ما أمكنني ... و بأوسع خطى ... و ذهبت إلى غرفتي ... فدخلت و أغلقت الباب بل و أوصدته مرتين ، ثم تهالكت على سريري ...



كان قلبي ينبض بسرعة عجيبة و أنفاسي تعصف رئتي بقوة ... و أنظر إلى يدي فأراها ترتعش ... فيما تشع احمرارا أثر قبضة وليد القوية عليها ...



بعدما هدأت قليلا اقتربت من المرآة فهالني المظهر الذي كساني

أصبحت مرعبة !

ألم أكن جميلة قبل قليل ؟؟




لا أعرف لماذا فعل وليد ذلك ...

هل غضب لأنني ظهرت من المطبخ و العجين يغطي أنفي ، فبدوت كطفلة غبية ؟؟

أم لأنني لم أكن ارتدي الحجاب وقتها ؟؟


أم ماذا ؟؟





و جعلت الأفكار تلعب في رأسي حتى أتعبته ...


الساعة !


لقد حطّمها !


لقد احتفظت بها كل هذه السنين لأعيدها إليه ... لماذا فعل ذلك ؟؟ لماذا ؟؟






شعرت بشيء يسيل على خدي رغما عني

بكيت من الذعر و الخوف ... و الحيرة و الدهشة ...

لا أعرف كيف سيكون لقاؤنا التالي ...

لم يعد هذا وليد !

وليد لم يكن يصرخ في وجهي و يقول :

" انصرفي "


كان دائما يبتسم و يقول :


" تعالي يا رغد !! "






~ ~ ~ ~ ~ ~ ~










رميت بجسدي المثقل بالهموم على أقرب مقعد للباب .. و أطلقت العنان لشلالات الدموع لأن تعبر عن قسوتها بالقدر الذي تشاء


لم يكن أمامي شيء يرى ... أو يسمع .. أو يثير أي اهتمام





لا شيء يستحق أن أعيش لأجله ... بعدما فقدت أهم شيء عشت على أمل العودة إليه حتى هذه اللحظة



رفعت رأسي إلى السقف و أردت لأنظاري أن تخترقه و تنطلق نحو السماء ...



يا رب ...

لقد كانت لدي أحلامي و طموحي منذ الصغر ...

و أمور ثلاثة كانت تشغل تفكيري أكثر من أي شيء آخر ...

الحرب ، و ها قد قامت و تدمر ما تدمر ، و لم يعد يجدي القلق بشأن قيامها

الدراسة ، و ها قد انتهت و ضاعت ... و قضيت أهم سنوات عمري في السجن بدلا من الجامعة ... و انتهى كل شيء و لم يعد يقلقني التفكير فيه ...

و رغد ...

رغد ..

أول و آخر و أهم أحلامي ...

رغد الحبيبة ... مدللتي التي رعيتها منذ الصغر ...

و راقبتها و هي تنمو و تكبر ...

يوما بعد يوم ...

و قتلت عمار انتقاما لها ...

و قضيت أسوأ و أفظع سنوات حياتي حتى الآن ... في السجن

منفيا مبعدا مهجورا معزولا عن الأهل و الدنيا و الحياة ... و نور الشمس ...

و ذقت الأمرين ... و سهرت الليالي و أنا أتأمل صورتها و أعيش على الأمل الأخير لي ... بالعودة إليها و لو بعد سنين ...



أعود فأراها مخطوبة لغيري !

و من ؟؟

لشقيقي ..؟؟

يا رب

رحمتك بي

فانا لست حملا لكل هذا

و لم يعد بي ذرة من القوة و الاحتمال ...






كنت أبكي بحرقة و لا أشعر بشيء من حولي ، حتى أحسست بيد تمسك برأسي و تأخذني إلى حضن لطالما حننت إليه ...




" ولدي يا عزيزي ما بك ؟ لماذا تبكي يا مهجة فؤادي ؟"


و أجهشت أمي بكاءا و هي تراني أبكي بحرارة


حاولت أن أتوقف لكنني لم استطع ...


لقد تلقيت صدمة لا يمكن لقلب بشر أن يتحملها ...

رغد !؟

رغد صغيرتي أنا ... أصبحت زوجة لأخي ؟؟


إن الأرض تهتز من حولي و جسدي يشتعل نارا و تكاد دموعي تتبخر من شدة الحرارة ...





لم أجد في جسدي أي قوة حتى لرفع ذراعي و تطويق أمي ... بكيت في حضنها كطفل ضعيف هزيل جريح ... لا يملك من الأمر شيئا ...








بعد فترة من الزمن لا أستطيع تحديدها ، حضر والدي و حالما رآنا أنا و أمي على هذا الوضع قال :




" يكفي يا أم وليد ... دعي ابننا يلتقط أنفاسه أما اكتفيت ؟؟ "





والدتي أخذت تحدق بي بين طوفان الدموع ...

قلت بلا حول و لا قوة و بصوت أقرب إلى النحيب منه إلى الكلام :

" أنا متعب ... متعب جدا ... لقد انتهيت ... انتهيت ... "





و بعد حصة البكاء هذه صعدا بي إلى غرفة سامر ، و جعلاني أضطجع على السرير و هما يقولان :



" ارتح يا بني ... نم لبعض الوقت "





ثم غادرا ...




و أنا مضطجع على الفراش و وجهي ملفوفا نحو اليمين ... و دموعي لا تزال تنهمر و تغرق الوسادة ، وقع ناظري على الهاتف ...




مددت يدي و أخذته و استرجعت بصعوبة رقم هاتف الشقة التي يقيم سيف بها و اتصلت به




" يجب أن تحضر الليلة "













بعدها جاء سامر يخبرني بأن سيف قد حضر ...




كان سامر يبتسم ، و إن بدت من نظراته علامات القلق ... خصوصا و هو يرى الوجوم الغريب على وجهي الذي كان مشرقا طوال النهار




ذهبت معه إلى حيث كان سيف و والدي يجلسان و يتبادلان الأحاديث ...



لابد أن الجميع قد لاحظ شرودي ... و عدم إقبالي على الطعام ، على عكس وجبة الغذاء التي التهمت حصتي منها كاملة تقريبا




" ما بك لا تأكل يا وليد ؟ كُلْ حتى تسترد الأرطال التي فقدتها من جسمك ! "



أجبت ببرود و بلادة :


" اكتفيت "




و بعد العشاء جلسنا في غرفة الضيوف نشرب الشاي ، و كانوا هم الثلاثة ، أبي و سامر و سيف ، في قمة السعادة و يتبادلون الأحاديث و الضحك ...



أما تفكيري أن فكان متوقفا و جامدا عند اللحظة التي قال فيها آخي :

( نحن مخطوبان )





بعد ساعة ، استأذن سيف للانصراف و أخذ يصافح الجميع و حين أقبل نحوي قلت :

" سأذهب معك "





أبي و سامر تبادلا النظرات ثم حدقا بي ، كما يفعل سيف ... و قالا سوية و باستغراب :


" ماذا ؟؟ "




و أنا لا أزال ممسكا بيد سيف و ناظرا إليه أجبت :


" إذ لا سرير لي هنا ... "


و توقفت قليلا ثم تابعت :


" و لا أريد ترك صديقي وحيدا "






كان سيف يعتزم السفر بعد يوم آخر ، لينال قسطا أوفر من الراحة بعد مشقة الرحلة الطويلة التي قطعناها ...



و انتهى الأمر بأن خرجت معه دون أن أودع غير والدي ، و سامر ...





في السيارة بعد ذلك ، فتحت الخزانة الأمامية و استخرجت علبة السجائر التي كنت قد دسستها بداخلها أثناء تجوالنا


و فتحت النافذة ، ثم أشعلت السيجارة و التفت إلى سيف و قلت :


" أتسمح بأن أدخن ؟؟ "




صديقي سيف لم يكن من المدخنين ، أومأ برأسه إيجابا و فتح نافذته ، و انطلق بالسيارة ...




بقيت صامتا شاردا طوال المشوار ، و لم يحاول سيف خلخلة صمتي بأي كلام





بعد فترة ، و نحن نقف عند الإشارة الأخيرة قبل المبنى حيث نسكن ، و فيما أنا في شرودي و دهليز أفكاري اللانهائي ، قال سيف :



" متى بدأت تدخن ؟؟ "



لم أجبه مباشرة ، ليس لأنني لم أسمعه أو أستوعب سؤاله ، بل لأن لساني لم يكن يدخر أي كلام ...






" السجن يعلّم الكثير ... "


قلت ذلك و ابتسمت ابتسامة ساخرة باهتة شعرت بأن سيف قد رآها رقم تركيزه على الطريق ...


تذكرت لحظتها تلك الأيام ...

و أولئك الزملاء في السجن ...

لماذا أشعر بهم الآن حولي ؟؟

كأني أشم راحة الزنزانة !

ربما أثارت رائحة السيجارة تلك الذكريات السوداء !

و هل يمكن أن أنساها ؟

و هل يعقل أن تختفي و أنا لم أبتعد عنها غير أيام فقط ...؟؟

ليتهم ...

ليتهم قتلوني معك يا نديم ...

ليتنا تبادلنا الأرواح ...

فمت ُّ أنا

و بقيت أنت ... و خرجت لتعود لأهلك و بلدك و أحبابك ...

أنا ... لا أهل لي و لا بد ...

و لا أحباب ...






لمحت الإشارة تضيء اللون الأخضر و أنا أسحق سيجارتي في ( الطفاية)

ثم انطلق وليد بالسيارة ...




أنوار كثيرة كانت تسبح في الظلام ...

مصابيح السيارات القادمة على الطريق المعاكس

مصابيح المنازل

مصابيح الشارع ...

لافتات المحلات الضوئية

نور على نور على نور ...

كم هو أمر مزعج ... لم أعد أرغب في رؤية شيء ...

أتمنى ألا تشرق الشمس يوم الغد ...

أتمنى ألا يعود الغد ...

أتمنى ... ألا أذكر رغد ...




كانت المرة الثانية في حياتي ، التي تمنيت فيها لو أن رغد لم تخلق ...








عندما دخلنا الشقة، و هي مكونة من غرفة نوم و صالة صغيرة و زاوية مطبخ و حمام واحد ... أسرعت الخطى نحو غرفة النوم و دون أن أنير المصباح دخلت و ألقيت بجسدي المخدر أثر صدمة النبأ على أحد السريرين ...




ثوان ، و إذا بسيف يقبل و يشعل المصباح



" كلا .. أرجو أطفئه "



قلت ذلك و أنا ارفع يدي ثم أضعها فوق عيني المغمضتين لأحجب عنهما النور ...



سيف بادر بإطفاء المصباح و بقي واقفا برهة ... ثم أقلق الباب و أحسست به يتقدم ... ثم يجلس فوق السرير الآخر و الموازي لسريري ...





ساد السكون لبعض الوقت ، إلا من ضوضاء تعشش في رأسي بسبب الأفكار التي تتعارك في داخله ...



" ماذا حدث ؟؟ "



سألني سيف بصوت هادئ منخفض ...



لم أجبه ... و مرت دقائق أخرى فاعتقدت أنه حسبني قد دخلت عالم النيام ... لكنه عاد يقول :


" أخبرني ... ، إنك لست على ما يرام "



بعد ذلك أحسست بحركته على السرير المجاور و بصوته يقترب أكثر ...


" وليد ؟؟ "



الآن فتحت عيني قليلا و لدهشتي رأيه يقف عند رأسي و يحدق بي ...


الظلام كان يطلي الغرفة بسواد تام ، إلا عن إضاءة بسيطة تتسلل بعناد من تحت الباب

و يبدو إنها كانت كافيه لتعكس بريق الدموع التي أردت مواراتها في السواد .



لحظة من لحظات الضعف الشديد و الانهيار التام .. توازي لحظة تراقُص الحزام في الهواء ... ثم سكونه النهائي على الرمال ... إلى حيث لا مجال للعودة أو التراجع ... فقد قضي الأمر ...



جلست ، ليست قوتي الجسدية هي التي ساعدتني على النهوض ، و لا رغبتي الميتة في الحراك ، بل الدموع التي تخللت تجويف أنفي و ورّمت باطنه و سدت المعبر أمام أنفاسي البليدة البطيئة ... و كان لابد من إزاحتها ...



تناولت منديلا من العلبة الموضوعة فوق المنضدة الفاصلة بين السريرين و جعلت أعصف ما في جوفي و صدري و كياني ... خارجا



إلى الخارج ...

يا دموعي و آلامي

يا أحزاني و ذكرياتي الماضي

إلى الخارج يا حبي و مهجة قلبي

إلى الخارج يا بقايا الأمل

إلى الخارج يا روحي ...

و كل ما يختزن جسمي من ذرات الحياة ....

و إلى الخارج ...

يا اعترافات لم أكن أتوقع أنني سأبوح بها ذات يوم ... لأي إنسان ...



" هل واجهت مشكلة مع أهلك ؟؟ ... بالأمس كنت ... كنت َ ... "

و صمت ...

فتابعت أنا مباشرة :



" كنت ُ أملك الأمل الأخير ... و قد ضاع و انتهى كل شيء ...


إنني لم أعد أرغب في العودة إليهم ! سأرحل معك يا سيف "




قلت ذلك و كانت فكرة وليدة اللحظة ، ألا أنها كبرت فجأة في رأسي و احتلت عقلي برمته ، ففتحت عيني و حملقت في الفراغ الذي خلقت منه هذه الفكرة ثم استدرت نحو سيف و قلت :



" أنا عائد معك إلى مدينتنا ! "



طبعا سيف تفاجأ و لم يكن الظلام ليسمح لي برؤية ظاهر ردود فعله أو سبر غورها

سمعته يقول :


" ماذا ؟ ! "


قلت مؤكدا :


" نعم ! سأذهب معك ... فلم يعد لي مكان أو داع هنا "



سيف صمت ، و لم يعلق بادئ الأمر ، ثم قال :



" أما حدث ... كان سيئا لهذا الحد ؟؟ "



و كأن جملته كان شرارة فجرّت برميل الوقود ...



ثرت بجنون ، قفزت من سريري مندفعا هائجا صارخا :


" سيئا فقط ؟؟ بل أسوأ ما يمكن أن يحدث على الإطلاق ... إنها خيانة ! إنهما خائنان ... خائنان ... خائنان "



مشيت بتوتر و عصبية أتخبط في طريقي ... أبحث عن أي شيء أفرغ فيه غضبي بلكمة قوية من يدي لكنني لم أجد غير الجدار ...


و هل يشعر الجدار ؟؟


آلام شديدة شعرت أنا بها في قبضة يدي أثر اللكمة المجنونة نحو الجدار ، و استدرت بانفعال نحو سيف الذي ظل جالسا على السرير يراقبني بصمت ...


" لقد سرقوا رغد مني ! "




لأن شيئا لم يتحرك في سيف استنتجت أنه لم يفهم ما عنيته ... قلت :



" أعود بعد ثمان سنوات من العذاب و الألم ... و الذل و الهوان الذي عشته في السجن بسبب قتلي لذلك الحقير الذي أذاها ... ثمان سنوات من الجحيم ... و المرارة ... و الشوق ... فقدت فيها كل شيء سوى أملى بالعودة إليها هي ... أعود فأجدها ... "


و سكت


لأنني لم أقو على النطق بالكلمة التالية ...


و درت حول نفسي بجنون ، ثم تابعت ، و قد خرجت الكلمة من فمي ممزوجة بالآهة و الصرخة و الحسرة :



" أجدها مخطوبة ؟؟ "




هنا وقف سيف ...


ألا أنني لم أكن قد انتهيت من إفراغ ما لدي


قلت بصوت صارخ جاد مزمجر :


" و لمن ؟؟ لأخي ؟؟؟ أخي ؟؟؟ "





حتى لو كانت الغرفة منارة لم أكن لأستطيع رؤية شيء وسط انفعالي الشديد ساعتها ...


لذا لا أعرف كيف كانت تعابير وجه سيف ...


و لكن بإمكاني رؤية خياله واقفا هناك ...



اندفعت كلماتي مقترنة بدموعي و زفيري القوي و صوتي الأجش المجلل ... و أنا أقول :



" لو كان ... لو كان شخصا آخر ... أي شخص ... لكنت قتلته و محوته من الوجود ... لكنه أخي ... أخي يا سيف ... أخي ...
كيف تجرأ على سرقتها مني ؟؟
كيف فعلوا هذا بي ؟؟
أهذا ما أستحقه ؟؟
ليتني لم أخرج من السجن
ليتني مت هناك
ليتني أفقد الذاكرة و أنسى أنني عرفتها يوما
الخائنة ...
الخائنة ...
الخائنة ... "



و انتهيت جاثيا على الأرض في بكاء شديد كالأطفال ...




" لقد أطعمتك بيدي ... كيف تفعلين هذا بي يا رغد ؟؟ أنا قتلته انتقاما لك أنت ...
أيتها الخائنة ... أكان هذا حلمك ...؟
اذهبي بأحلامك إلى الجحيم ... "



و أدخلت يدي إلى جيبي ، و أخرجت منه الصورتين اللتين رافقتاني و لازمتاني لثمان سنين ، لستين دقيقة من كل ساعة من كل يوم ...



أخرجتهما و أخرجت معهما القصاصة التي وجدتها تحت باب غرفتي ...


لم أكن أرى أيا مما أخرجت ، و لكن يدي تحس ... و تدري أيها صورة رغد ... فلطالما أمسكت بالصورة و احتضنتها في يدي لساعات و ساعات ...


الدموع بللت الصورتين و كذلك الورقة ...



" أيتها الخائنة ... اذهبي و أحلامك إلى الجحيم ... "



و قبل أن أتردد أو أدع لعقلي المفقود لحظة للتفكير ...


مزقت الورقة ... إربا إربا ...


و رميت بها في الهواء ...


و مزقت صورة رغد ... قطعة قطعة ... و بعثرتها في الفراغ ... إلى حيث تبعثرت آخر آمالي و أحلامي ...

و انتهت آخر لحظات حبي الحالم ...

و تلاشت آخر ذرات غبار الماضي ...

و لم يبق لي ...

غير حطام قلب ٍ منفطر

مع تحياتي وكل عام وانتم بخير

اختكم دونياا

 
 

 

عرض البوم صور دونيا ط  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أجمل قصة ، أنت لي
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t198.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 16-11-14 02:26 PM
Untitled document This thread Refback 05-12-10 10:55 AM
Untitled document This thread Refback 14-11-10 04:26 AM
Untitled document This thread Refback 15-09-10 12:43 AM
Untitled document This thread Refback 07-04-10 06:07 AM
Untitled document This thread Refback 15-12-09 12:00 PM
Untitled document This thread Refback 14-09-09 09:19 AM
Untitled document This thread Refback 25-08-09 10:44 PM
Untitled document This thread Refback 19-05-09 01:50 PM


الساعة الآن 08:05 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية