الجزء الثامن
غيث
" أمي أين هوا بحر لم أره منذ أيام "
أجاب صهيب من فوره " إنه مع عائلة والده وسيعود بعد الغد "
قلت بابتسامة جانبية " هل يتحرك بحر حركة لا تعلم بها يا صهيب "
ابتسم وقال " بلى عندما يدخل الحمام هههههه "
قالت أمي بصوت هادئ يشبه الهمس
" أحوال بحر لا تعجبني صهيب أنت الأقرب إليه هل تعلم شيئا "
نظر صهيب لها ثم لي ثم أنزل رأسه في صمت , كلام أمي صحيح يبدوا بحر وكأنه تلقى
الصفعة الأعنف من والدي رغم بساطة ما طلب منه , ليته طلبه مني لوافقت بكل سرور
قلت بسخط محدثا صهيب " أين أنت طوال اليومين الماضيين دون علم أحد "
قال بضيق " هل تراني طفلا لقد كنت خارج العاصمة لدي مهمة سأعود الليلة لإكمالها
ولن آتي لوقت إن احتجت شيء بخصوص الأعمال اتصل بي "
قلت بحدة " أي مهمة هذه تعلم أنه عليكم تولي المسؤولية منذ الآن فعليك أن تكون هنا "
قال بلامبالاة " أخبرتك أني مستعد لفعل أي شيء فقط اتصل بي "
قلت بضيق " لنرى نهاية هذا كله "
قال مغيراً مجرى الحديث " أين هوا زبير علينا المغادرة فورا "
ضحكت وقلت " يبدوا أن الفتاة أعجبته وأنسته زمرد واسمه أيضا "
لاحظت وجه صهيب قد أكفهر وكأن كلامي لم يرق له فقاطعت والدتي الحديث قائلة
" إلى أين ستذهبان هوا تزوج بالأمس فقط "
قال صهيب ببرود " هوا من يصر على العمل لا دخل لي بذلك "
دخل حينها زبير قبل رأسها وجلس فقالت أمي متسائلة
" أين هي عروسك يا زبير لما لم تنزل معك "
قال ببرود " في الأعلى أين ستكون لو أرادت النزول لنزلت "
نظرت لي ولزبير بضيق ثم قالت
" الله الله في اليتيمتان يا ولداي لا تظلموهما فالظلم ظلمات يوم القيامة "
قلت بضيق " لما لا توصيهما هما ليرأفا بنا "
قال زبير معقبا
" كنت أسمع أن الأم تحب زوجة ابنها أكثر منه ولم أصدق , أما الآن فأنا آمنت بذلك حقا "
ابتسم صهيب وقال " إذا لن أتزوج أبدا "
قال زبير ضاحكا " هل أصبح الجميع يتمنى مكان بحر "
تنهد صهيب وقال " لا تتمنى مكانه لأنك لن تقدر على تحمل ما يتحمل "
فاجأني ما قال صهيب أنا حقا لا أفهم شيئا يبدوا لي ثمة أمور غامضة وغائبة عن
الجميع زبير أيضا خسر الكثير يبدوا صهيب أفضلنا حالا
نظرت لي والدتي وقالت ما لا أحب سماعه
" غيث ماذا عن عروسك ألن تذهب لإحضارها "
قلت بعبوس " ستأتي مع زوج خالتها هوا عمها من الرضاعة ووكيلها وسيصلان اليوم "
قالت بحدة " ولما لم تذهب أنت لتحضرها فهذا لا يجوز "
قلت بضيق " ولما عليا فعل ذلك هل علينا أن نكبر رأسها ثم هوا قادم معها على أية حال
فهم لا يريدون إتمام الزواج لديهم هناك "
قالت بضيق أكبر
" إن كانت لك شقيقة أو ابنة هل كنت ترضى أن تتزوج هكذا , تأخذها أنت لزوجها "
نظرت للجانب الأخر ولم أتحدث فقالت بحدة " قم وأذهب لها واحضرها "
قلت بغضب " أمي ارحميني أرجوك من الأفضل لي ولها أن لا أفعل "
وكزني زبير بمرفقه وقال بهمس " ما قصدك بذلك ألن تصبر حتى تصلا "
نظرت له بغيض وأنا أضغط فكاي بقوة فرمش بعينيه ثم قال
" أمزح يا رجل ما بك "
قالت أمي بنبرة استياء " هل كان عليكما أن تتزوجا بدون حفل زواج هما فتاتان صغيرتان
ولم يسبق لهما الزواج لما تحرمانهم وأنفسكم من ذلك يكفي أن زبير أحضرها البارحة
كالمخطوفة ولم أرها حتى "
قال زبير بضيق
" أمي والدي مضى على وفاته سنة واحدة انتهت للتو كيف سنحتفل بزواجنا "
قالت بعصبية " لو كانتا غيرهما لاحتفلتما سبعة أيام بلياليها فالفتاتين لا ذنب لهما مثلكما تماما "
تنهد صهيب وقال " أقيمي حفلا كبيرا متى شئتي وقدميهما للجميع الكثيرين يفعلون ذلك "
وقفت وغادرت للخارج وتركتهم جميعا أخرجت هاتفي المحمول وأعدته لجيبي أكثر من مرة
ثم رفعته واتصلت بزوج خالتها واستفسرت منه عن وصولهم , حمدا لله فقد قال أنهما
خرجا منذ ساعات وسيصلان قريبا ليس عليا الذهاب لجلبهم , ركبت سيارتي وتوجهت لحيت
سنتقابل ( عند باب السفارة بالطبع )
وصل بعد وقت فنزل من السيارة وتصافحنا , كان رجلا مهذبا وراقي الأسلوب في الكلام
رنيم كانت جالسة في السيارة وتشيح بنظرها عني للجانب الآخر , لا يبدوا لي أننا سنتعاشر
ولا ليوم واحد لا وتطلب مني أمي أن أذهب لإحضارها أقسم أننا ما كنا لنصل إلا للمستشفى
دخلنا السفارة وأتممنا الزواج ثم توجهنا للمحكمة وأغلقنا الوصية بموافقة الجميع على
شروطها ولن تفتح مجددا حتى يتم تقسيم الإرث في الوصية الجديدة أو حين يتنازل
أحد منا عن شرطه ويترك العائلة ونصيبه , باركا لي على المصيبة التي حلت بي
ثم خرجنا برفقة المحامي عارف قلت مخاطبا زوج خالتها ( هاشم )
" هيا رافقنا فالغداء لدينا اليوم ولتستريح من عناء السفر "
قال متعذرا " باركك الله , لي صديق هنا ينتظرني وعليا الذهاب إليه خذ عروسك وغادرا
على بركة الله ولا أوصيك يا غيث كن كوالدك شامخ عطوفا معها "
قلت بابتسامة " لنأمل من عند الله خيرا "
أعذرني فلا أعذك بما هوا فوق استطاعتي
توجه عمها ناحية سيارته وفتح لها باب السيارة ونزلت تحدثا معا حديثا لم أسمعه ثم
احتضنته مطولا وبدأت تمسح دموعها ثم اقترب إلينا وهي تتبعه ودعني هوا والمحامي
عارف ثم غادر كليهما فلم يتبقى غيري أنا واللعنة التي حلت بي , فتحت لها باب السيارة
من باب الذوق فركبتها بصمت وضعت حقيبتها فيها وركبت وانطلقنا متوجهين للقصر
ساد الصمت طويلا ثم كسرته قائلة
" هل وافق الجميع على شرط الوصية "
قلت مختصرا " نعم "
قالت ببرود " حمدا لله "
نظرت إليها وقلت " هل كنتي تخشين أن تضحي من أجل لا شيء "
قالت بذات البرود " بل خشيت أن أضحي من أجلك أنت فقط "
قلت بغيض " رنيم لا تتعمدي استفزازي لأنك وحدك من ستكون الخاسرة "
نظرت جهة النافذة وقالت بهدوء " أنت من بدأ أولا وفسرت الأمور كما تحب "
قلت بسخرية " وما هوا التفسير الصحيح لسؤالك "
نظرت لي بغيض وقالت بحدة
" أنا فكرت جديا في أخوتك وخشيت أن يتهور أحدهم ويفترق عنكم ماذا تظنني بلا قلب ولا مشاعر "
قلت بسخرية " جيد يبدوا لي أن قالب الثلج يسخن قليلا أحيانا "
ضحكت بسخرية وعادت تنظر جهة النافذة من جديد يا لا برود هذه الإنسانة عليك أن
تحترق في داخلك ألف مرة لتستفزها وتغيظها مرة واحدة , عدنا للصمت من جديد فهوا
الحل الأنسب لكلينا
وصلنا للقصر نزلتُ أولا وتبعتني هي للداخل كانت والدتي باستقبالنا فاستقبلتها بحب
وحرارة أنا أستغرب كيف كرهت أمي زمرد أنا أشك أنها تحب كل نساء الأرض
توجهت لجناحي في الأعلى وبعد قليل دخلت رنيم أشرت لها برأسي وقلت
" جناحك المجاور لجناحي "
نظرت لي بصدمة ثم باستهجان وقالت " بما تهدي ما سيقولونه عائلتك عندما يعلمون بذالك
الغرف هنا كثر سآخذ واحدة لي فأنا مازلت على اتفاقنا "
قلت ببرود " هذا الطابق ليس به سوانا وزبير وزوجته جناحهما بالجانب الآخر فاطمئني "
نظرت لي بسخرية وقالت
" لا اعتقد أنك تخشى سحري عليك فأنت تكرهني حد الموت ولن يضر بقائي هنا بشيء "
اقتربت إليها وأمسكت ذراعها بيدي وقربت وجهها من وجهي وقلت بغل
" حتى لو لم أكن أكرهك وأكره بنات جنسك جميعا فما كنتي لتسحريني وما رف لي جفن "
أمسكت بيدي ورمتها جانبا ثم أخذت حقيبتها لتخرج من الجناح دون كلمة , هنيئا لها بكل
هذا الصبر على الكلام ولكن من الجيد أن إهانتي استفزتها لتغادر تذكرت شيئا فقلت
" هيه انتظري قليلا "
التفتت إلي دون كلام أخذت هاتفها وقلت
" هذا الشيء ممنوع والخروج كذلك منعا باتا ودون نقاش "
قالت بحدة " ولما "
قلت ببرود " لأنه لا يؤتمن لكن جانب "
ثم دخلت غرفتي وتركتها استحممت وغيرت ثيابي ثم خرجت قاصدا الشركة
رنيم
ياله من وقح وقليل دوق لقد أهانني في أنوثتي ذاك المريض يكره كل النساء , هه وهل
تتشرف النساء بحبه لهن لقد أخذ هاتفي ويريد سجني هنا أي ورطة هذه التي ورطتني
فيها يا والدي شامخ
دخلت الجناح المجاور لجناحه كان فخما وراقيا يحوي غرفة نوم واحدة وردهة تفتح عليها
شرفة كبيرة وحمام وغرفة ملابس توجهت للغرفة استحممت وغيرت ثيابي ونمت من شدة
التعب بعد ساعات استيقظت صليت وغيرت ثيابي ونزلت للأسفل وجدت خالتي تجلس مع
فتاة رائعة بل فاتنة الجمال سلمت عليهما وجلست
فقالت خالتي بابتسامة " هذه حور زوجة زبير يا رنيم وهذه رنيم زوجة غيث "
قلت بابتسامة " سرني التعرف إليك يا حور أتمنى أن نكون على وفاق "
ابتسمت ابتسامة عذبة مثلها وقالت " وأنا أتمنى ذلك أيضا "
قالت الخالة " لقد كنت أتحدث للتو مع حور عن الأعمال في القصر فالخادمات لدينا غير
ثابتات يأتي فريق من شركة للتنظيف وينظف كل شيء وسنشرف على عمله وسنستلم
أعمال المطبخ مع خادمة واحدة تعمل لساعات معينة هنا وتغادر , أعذراني يا ابنتاي أعلم
أنكما عروستان والحديث عن هذا سابق لأوانه ولكنني وحيدة والأمر متعب لي كثيرا لقد
كنت أنتظر أن يتزوج أبنائي بفارغ الصبر لتساعدني زوجاتهم "
قلت بابتسامة " لا عليك يا خالتي معك حق هذا سيكون واجبنا اتجاهك "
قالت حور " ولما لا خادمات هنا "
تنهدت وقالت " غيث من يرفض ذلك وبشدة وحتى الخدم غير ثابتين أيضا يأتي من
يهتم بالحديقة وتقليم الأشجار في ساعات وأوقات معينة وتحت إشرافه أيضا "
تنهدت بحزن آه ياله من رجل غريب أطوار و يالك من محضوضة بالزواج به يا رنيم
قالت حور " هل غيث هوا ابنك الأكبر "
قالت خالتي بابتسامة " لا هوا ابن زوجي ابني الأكبر أسمه أديم وهوا يعمل في الجنوب ولدي
ابن آخر أكبر من زبير وابن من زوجي الأول "
أمضينا أغلب اليوم نتنقل بين أجزاء القصر ثلاثتنا وأعددنا العشاء أيضا بمساعدة الخادمة الوحيدة
كانت حور فتاة رقيقة جدا ومهذبة يبدوا أننا سننسجم كثيرا مع بعضنا نظرت لها وقلت
" حور هل لديك أخوة "
قالت بابتسامة حزينة
" لا فلقد توفي والدي بعد ولادتي مباشرة وتوفيت أمي وعمري أربعة أعوام "
قلت بحزن " أنا آسفة إن أحزنك سؤالي "
قالت بحب " لا بأس عليك يا رنيم فأنتي لا تعلمي بذلك "
ابتسمتُ وقلت " أنا أيضا ليس لي أشقاء والدي توفي وعمري أشهر فقط في الحرب التي دارت
جنوب هذه البلاد ولم تتزوج أمي بعده وكرست حياتها لتربيتي هي كل ما لدي من هذه الحياة "
قالت بابتسامة " يحفظها الله لك يا رنيم , والدي أيضا توفي في الحرب هذا غريب حقا "
قلت بابتسامة
" ليس غريبا فوالدي شامخ توفي له أصدقاء في الحرب لا استغرب أن تكوني ابنة أحدهم "
دخلت خالتي وقالت " سيأتي ضيوف اليوم وعلينا استقبالهم ليتعرفوا بكما كما أننا سنقيم
حفلا خلال الأيام القادمة لكما أيضا عوضا عن حفلة الزفاف "
قالت حور وعيناها أرضا
" اعذريني خالتي أشعر أنني متعبة قليلا قد لا استطيع استقبالهم معكم "
ظهرت علامات الاستغراب على وجهها وقالت
" هل تشعرين بشيء يا ابنتي هل من مكروه أصابك "
بدا على حور التوتر ثم قالت " لا شيء إنه مجرد إرهاق بسيط "
عند المساء جلسنا جميعا على مائدة الطعام ماعدا الغير متواجدان في المدينة وهما بحر
وأديم جلست بجانب حور وخالتي تجنبا للجلوس بجانب غيث وكان الكرسي الموجود
أمامي شاغرا تماما استأذنت حور بسرعة وصعدت للأعلى نظرت خالتي جهة زبير وقالت
" حور تبدوا متعبة حتى أنها لم تتواجد مع الضيوف اليوم وقضت أغلب اليوم في غرفتها
أصعد لرؤيتها يا زبير "
قال زبير وهوا يتناول قطعة اللحم
" أنا من طلب منها أن لا تحضر الاجتماعات العائلية هنا ولا الحفلات أيضا "
نظر له الجميع بدهشة ثم قالت خالتي " ولما "
قال وعينيه على صحنه " لسبب لا أريد قوله لن تحضر وكفى "
قالت بغيض " ولكن هذا لا يجوز هل ستسجن الفتاة يا زبير "
رمى بالشوكة في صحنه بغيض وقال
" زوجتي ولا أريدها أن تكون معهم فلا تعاندوني في الأمر يا أمي "
وقفت وقالت " وماذا بشأن الحفل وما سنقول للناس , لا يمكنكم رؤية زوجة ابننا "
قال وهوا يقف مغادرا
" قولي ما تريدين وقولي أنني اسجنها إن أردتي المهم أنها لن تتواجد أمام أي أحد "
ثم غادر ونظرت خالتي لباقي أبنائها وقالت
" هل يعجبكم ما سمعتموه هل جن هذا الولد أم ماذا "
قال صهيب ببرود " زوجته وسيتفاهم معها , ماذا لو تحدثنا وهي كانت توافقه الأمر أي شيء
قد نناقشه فيه إلا خصوصياته يا أمي إن اشتكت زوجته فحينها سيكون لكل حادث حديث "
غادرت خالتي مستاءة وتوجهت لجناها الموجود بالطابق الأرضي
نظر غيث باتجاهي وقال
" لا يحق لنا التدخل زوجته وإن ضربها أمام أعيننا فقد تكون تستحق التأديب "
حتى الحيوانات لهم جمعية تسمى جمعية الرفق بالحيوان أيها المتحجر , أعرف لما تقول
ذلك ولكن علاجك عندي فتابعت الأكل دون كلام
بعد صمت قال صهيب " هذا في حال لم تشتكي من تصرفه لكن لو تحدثت بحرف واحد
أمامي فلن أقف مكتوف اليدين فلتعلما ذلك فلن أرضى أن تُظلم إحدى زوجاتكم أمامي وتستنجد
بي وأقف أتفرج فكلنا نعلم الظروف التي تزوجاكما بها "
قال غيث باستياء " و أليس هذا تدخلا في الخصوصيات الذي كنت تتحدث عنه "
نظر له صهيب بحدة وقال
" لا ... إلا الظلم يا غيث لو لم تكن زوجته موافقة على ما يفعل فسأمنعه من ذلك بنفسي "
اقسم أنك رجل لم تنجبه كل النساء يا صهيب يكفي كلمتك هذه ولو لم تطبقها
نهض غيث من على الطاولة وقال بتذمر
" انهض هيا أليست لديك مهمة وتريد مغادرة العاصمة "
ثم غادر وصعد لجناحه في الأعلى هممت بالوقوف لحمل الأطباق حينما أوقفني صوت
صهيب قائلا " اصبري على غيث يا رنيم إنه أفضلنا جميعا "
صمتت لبرهة ثم قلت بابتسامة " كل واحد منكم يرى الآخر أفضلكم , رحم الله والدي شامخ
فقد رباكم كما يجب أن تكون التربية ولكن ما بيني وبين غيث أكبر من ذلك بكثير "
ثم غادرت متوجهة للمطبخ
صهيب
كان عليا البقاء مع الفتاة ليلا لست مطمئنا لذالكم الصعلوكان ولكن لا خيار أمامي فلن يوافق
شابان جيدا التربية على هذا, ولا خيار أمامي سوى المستودع الذي وفره لي سالم لوضعها فيه
مؤقتا كي أبتعد عن الشوشرة ولا يكتشف أحد الأمر وما أخفي حتى يوفر لي المنزل المناسب
توجهت للمستودع برفقة حامد وكل منا في سيارة لتبقى السيارة معي فالمكان مقطوع تماما ولن
أضمن عودتهما إلي, كما أنني لا أترك لهما سيارة هنا كي لا يهرب أحدهم بالفتاة , لدى كل
واحد منهما مشاكل قانونية وشيكات بحوزتي من دون رصيد فمصيرهما بين يدي وصلنا إلى
هناك ثم خرجت وشريكاي للخارج فسألتهما مستفسرا
" ماذا حدث معكما هل قالت شيئا هل بكت هل نامت "
قال حامد " لا ... أمامي لم تنم ولم تبكي كانت تقاوم النوم طوال الوقت يبدوا لي أنها خائفة "
ثم قال جهاد " ولا اليوم أيضا كانت ترتجف من البرد فقط لا كلام ولا طعام ولا نوم "
قلت بحدة " ومن يأكل الطعام و أنت موجود يالك من جشع "
نظر لي بضيق وقال " كانت مرة واحدة فقط وهي لم ترغب به كنا سنرميه على أية حال "
صرخت به قائلا " أصمت الآن "
ثم قلت بحزم " عليكما العودة غدا صباحا مفهوم فلا يمكنني البقاء أكثر هيا غادرا "
دخلت المستودع وجلست كالعادة على أحدى الأعمدة على الجدار المقابل لها أما هي
فتلحفت بالبطانية في صمت وهدوء كنت أنظر لها متسائلا تبدوا صغيرة وأصغر حتى
من سنها لما لا تبكي وتنحب كباقي الفتيات فتاة أخرى غيرها يختطفها شبان كانت ستقلب
الدنيا على رؤؤسنا من البكاء والصراخ أتمنى أن يكون ما أفعله صوابا, ولكن لا حل أمامي
سوى تهديدهم لأني أعرفهم جيدا
بعد وقت لاحظت أن الفتاة أضجعت على الفراش ونامت , غريب هي لا تنام بوجود حامد أو جهاد
فلما تنام في وجودي هل فعلا شيئا أخافها يا ترى هل أطمئنت لوجودي معها , أنا لا أفهم حقا
بعد مرور ساعات وردني اتصال من غيث كان غاضبا ويصرخ
" هل جننت يا صهيب ما هذا الذي قلته لجدي وأعمامي "
قلت ببرود" ما سمعته "
قال بغضب أشد " وهل تري ما قلته شيء يمكن سماعه أو حتى تصديقه "
قلت بغيظ " بلي صدق ذلك فأوراق الفتاة معي ولن تتفاوضوا مع الخاطفين لدفع الفدية
قبل تنفيذ الشروط وليس لدي کلام غيره "
ثم أغلقت الخط واتكأت برأسي علي الجدار مغمضا عينيا فجاءني صوتها هادئا حزينا وهي تقول
" لا تتعب نفسك هم لن يدفعوا لك شيئا أقسم علي ذلك فدعني اذهب أرجوك "
فتحت عيناي ونظرت إليها ثم نظرت للأعلى بصمت
جلست وقالت " إن اختطفتموني طلبا للفدية فأنا اخبرکم أنكم لن تحصلوا عليها هم لن يدفعوا
من اجلي شيئا وأنا ووالدتي لا نملك المال فأنت تضيع وقتك لا أکثر "
قلت مقاطعا لها " اسكتي يا ميس فأنتي لا تعلمي شيئا "
قالت بحدة " من أين تعرفني وتعرف اسمي وعائلة والدي تلك وما الذي تريده مني "
قلت بحدة مماثلة " لا شأن لك بذلك فعودي للنوم "
قالت بصراخ غاضب بعدما أومأت بأصبعها في الهواء
" إن كنت تتأمل فيما لديهم فأعلم بأنك تتوهم فهم لا يحبونني ولم يريدوني يوما ولم يسألوا عني
طوال تلك السنين حتى مجرد السؤال , فلا تتعب نفسك وتتعبني معك واعدني من حيث جئت
بي وابحث لك عن رهينة أخري "
ثم قالت بنبرة حزينة
" كنت أعلم ذلك , أعلم أنهم لم يفكروا بي يوما ولولا إصرار والدتي ما أتيت "
ثم ابتسمت بسخرية وتابعت
" هه قالت هم من سيكونون سندا لي بعدها فلتأتي وتنظر عن أي سند تتحدث "
قلت بهدوء " وما أدراك بهم لعلهم .... "
قاطعتني بحدة " بلي أعرفهم وأعرفهم جيدا أيضا فمن لم يسأل عنك وعما تعاني لسنوات
لا يهتم لأمرك بالتأكيد سحقا لهم کم أكرههم جميعهم "
ما كان مني إلا أني تنهدت بأسي ولدت بالصمت فليس لدي ما أقول , معك حق في کل
ما قلتي يا ميس
نظرت لها مطولا فقالت بحدة
" ما بك تنظر إليا هكذا هل ترأف لحالي , اتركني اذهب إذا "
اكتفيت بالصمت وبعد لحظات قالت " أريد هاتفا لأتحدث مع والدتي "
قلت ببرود " ممنوع "
قالت بأسي " والدتي مريضة وشقيقها ذاك لن يعتني بها عليا تدبر الأمر مادُمت لا تفكر
بإطلاق سراحي و يمكنك سماع کل ما سأقول اقسم أنني لن أخبرها شيئا أرجوك "
أخرجت هاتفها من جيبي وتوجهت ناحيتها اتصلت لها بوالدتها وفتحت مكبر الصوت
ووضعت الهاتف أمام وجهها بعد وقت جاء صوت والدتها قائلة
" مرحبا ميس مرحبا يا ابنتي أين أنتي لم تتصلي ولم تعودي "
أجابتها بحزن " اعذريني يا أمي ولا تقلقي علي أنا بخير"
قالت والدتها " حمدا لله يا ابنتي وکيف هوا جدك وعائلة والدك "
ابتسمت بسخرية وقالت " إنهم رائعون واستقبلوني أروع استقبال "
ثم قالت بجدية " اسمعي يا أمي عليك الانتقال من عند شقيقك ذاك فقد أتأخر قليلا وأعرفه
جيدا فهوا لن يهتم بك ولا بعلاجك وسيأخذ ما لديك من مال , فعليك مغادرة منزله "
أجابتها بنبرة هادئة متسائلة
" وأين سأذهب يا ابنتي فليس لدي بعدك غيره وليس بمقدوري البقاء وحدي بمنزلنا "
قالت ميس ببرود
" إنه عديم نفع وبقائك معه لن يجلب لك سوي المتاعب أعرف جيدا شقيقك ذاك "
تنهدت والدتها بحزن وقالت " ألن تناديه خالي أبدا , لما لا تعترفي به "
أجابتها بحدة " لأنه ليس خالي وليس لي أقارب سواك بعد والدي فلن أعترف بأحد "
قالت والدتها بيأس
" لا فائدة ترجي من الحديث معك أعلم أنه سيء ولكن لا خيار أمامي غيره "
قالت ميس بجدية " سأتحدث مع جسيكا لتأخذك عندها حتى أعود "
أجابت والدتها " وما علاقة صديقتك بنا وما ذنبها لتتحملني "
قالت ميس بحدة آمرة لها
" لن تبقي مع شقيقك ذاك يا أمي سوف يقتلك بإهماله قبل أوانك "
قالت والدتها بيأس " لا يموت أحد قبل وقته , حسننا سأفعل ما تريدين فقط توقفي عن
الصراخ والغضب أيتها الشرسة "
تنهدت بضيق وقالت " أمي ألن تكفي عن قول ذلك دائما , حسننا وداعا الآن "
رفعت الهاتف إلي وجهي وأنهيت الاتصال فنظرت أليا وقالت
" أريد التحدث مع صديقتي "
قلت بهدوء " حسننا "
وبدأت بالبحث عن أسمها فجاءني صوتها حادا
" لما لا تعطيه لي لأتحدث وأنا أمسكه بدلا من وقوفك فوق رأسي هكذا ممسكا به , أطمئن فلن
آکله وسأبقي مكبر الصوت مفتوحا "
قلت بحدة مماثلة " ميس لا تلعبي بأعصابي فأنتي لم تري وجهي الحقيقي بعد "
قالت بلا مبالاة " آه جيد أنك أخبرتني "
تأففت بضيق ممسكا أعصابي عنها قدر الإمكان , هذا ولم تعرف أنني ابن عمها فكيف
لو علمت بذلك اتصلت برقم صديقتها ومددت يدي لتأخذه مني فأخذته من يدي بقوة وغيض
وأمسكت به أمام وجهها وتحدثت مع صديقتها قائلة
" مرحبا جسي "
قالت الأخرى " مرحبا ميسي هل أنتي بخير "
قالت ميس بغيض " أسمي ميس يا جاهلة ولست ميسي فلا تنادينني باسم ذاك "
ضحكت صديقتها وقالت " کم أتمني أن تحبي شخصا غيري أنا ووالدتك في هذا الوجود "
قالت بضيق " لا يا مغفلة أزيحي نفسك من القائمة أيضا يالك من مغرورة "
قالت ضاحكة " اعلم أنك تحبينني , ما هي أخبار عائلة والدك "
أجابتها بغيض " سيؤن للغاية أكرههم وأكره کل شيء يخصهم , اسمعي عليك أخذ
والدتي من بيت شقيقها السكير ذاك , دعيها في منزلك حتى أعود "
قالت الأخرى بمرح " وماذا لو لم تعودي "
أحابتها ميس بسخرية " ضعيها في دار المسنين يا متحجرة القلب فليس لها بعد الله غيري "
قالت جسيكا بحدة " كنت أمزح معك ميس ما بك سيئة المزاج اليوم هكذا , وشيء آخر
تعلمي أن أدوية والدتك كثيرة وتحتاج للمال وليس معي ما يكفي "
قالت مَيس بجدية " تصرفي يا جيسي وما أن أعود فسأدفع لك "
ضحكت صديقتها وقالت
" من أين لك يا معدومة فحتى عملك المتدني ذاك ستخسرينه بسبب تغيبك عنه "
أجابتها بنفاد صبر " سأبحث عن غيره وأدفع لك أيتها الجشعة "
قالت بمكر " لما لا تطلبي المال من عائلة والدك أو تزوجي من أحدهم لتنحل المشكلة هههه "
صرخت بها بغيض " جيسي توقفي عن قول الحماقات فلن أخذ منهم مليما واحدا لي أو لوالدتي
ولن أتزوج منهم ولو بقيت عزباء کل حياتي "
قالت بهدوء " حسننا حسننا لا تغضبي هكذا سأجلب والدتك لدي "
قالت ميس بحدة " اليوم "
قالت صديقتها " حاضر اليوم "
تم تابعت بضيق " ولكنك ستدفعين لي کل مليم سمعتي , ثمنا لصراخك بي "
أغلقت ميس الهاتف في وجهها ومدت به إلي فقلت " هل تريدي شيئا غيره "
قالت بهدوء وهي تنظر للأرض
" أريد أن أعلم مواقيت الصلاة هنا وأريد كتيب الأذكار الموجود بحقيبتي "
خرجت للسيارة اتصلت أولا بصديقتها وأخبرتها أنني سأرسل لها المال من أجل والدة ميس
وأن تُبقي الأمر سرا بيننا ثم أخذت ورقة وقلم ودونت مواقيت الصلاة فيها وأخذت كتيبها الذي
طلبت من حقيبتها وأخذتهم إليها وعدت حيث كنت أجلس متكأ على أحد الأعمدة فغلبني النعاس
بلا شعور مني لأني كنت مسافرا منذ الفجر من أجل العمل لأعود ذات اليوم فنمت طويلا
حتى أحسست بأشياء صغيرة وقاسية تصطدم بعنقي وكتفي فتحت عيني فوجدت ميس ترميني
بقطع الحجارة الصغيرة نظرت إليها عاقدا حاجبي وقلت بغيض
" هيه توقفي ما الذي تفعليه الآن "
قالت بابتسامة " إنه وقت صلاة الفجر يكاد يخرج وأنت نائم ولم تصلي "
وقفت ووضعت يداي في وسط جسدي وقلت
" وهكذا يقوم البشر بإيقاظ بعضهم للصلاة "
رفعت كتفيها بلا مبالاة وقالت بذات الابتسامة
" وما كنت تريد مني أن أفعل , أهمس في أذنك باسمك الذي لا أعرفه "
هززت رأسي بيأس مبتسما وقلت " يالك من فتاة , حسننا شكرا لك على أية حال "
توضأت وصليت ثم عدت للجلوس مجددا نظرت ناحيتها فوجدتها عادت للإضجاع ويبدوا
أنها تريد النوم فقلت بهدوء
" ميس "
أجابت بضيق " نعم "
قلت " لم تنامي طوال الأمس والليلة السابقة له لما ... هل ضايقك الشابان في شيء "
قالت بهمس " وهل يهمك الأمر "
قلت بتأكيد " نعم , هل قالا أو فعلا لك شيئا "
قالت بهدوء " لا ولكنني كنت خائفة منهما "
قلت باستغراب " لما , ألست خائفة مني أيضا "
أغمضت عينيها وقالت " هما لا يصليان أبدا أما أنت فكنت تصلي فلم أخف منك "
ثم غطت وجهها بالبطانية وتركتني أنظر لمكانه بدهشة وحيرة بعد ساعات عاد حامد
وجهاد دخلا فوقفت ووقفت ميس أيضا
قلت وأنا أغادر المكان " جيد لم تتأخرا إنه دورك يا حامد سنغادر الآن "
وخرجت وجهاد وكانت ميس واقفة ولم تتحدث بكلمة
حور
لا أعلم إن مرت عدة أيام أو أسابيع على وجودي هنا ولم أغادر غرفتي إلا نادرا لمساعدة
رنيم وخالتي وفي صمت تام ولم أرى خلالها زبير إلا على طاولة الطعام أنا حقا لا افهمه ,
هوا يتحدث معي باحترام أمامهم جميعا ولا تعتب قدمه عتبة باب غرفتي ولا يدخل الجناح إلا
فيما نذر , يبدوا أنه يحب فتاة أخرى وحرموه من الزواج بها فهوا يبدوا مجبرا على الزواج بي
سامحك الله يا والدي لما تحددون مصير أطفال لم يكبروا بعد ولم تحسبوا حسابا لتغير
أمانيهم وأحلامهم مستقبلا كنت واقفة على حوض الغسيل أغسل بعض الأطباق وأصُفها
فوق بعضها ودهني غائب عني تماما عندما شعرت بأحدهم يقف عند الباب نظرت باتجاهه
فتسمرت قدماي وعيناي ولساني وكل شيء , أحسست بخلايا جسدي جميعها تتفكك عن بعضها
لقد شعرت بالهواء لا يدخل رئتي وتنفسي وقف حينها تماما من هول ما رأت عيناي, فتحت شفتاي
بصعوبة وكأنني أزيح جبلين عن بعضهما وقلت بهمس مخنوق وعيناي تمتلئان بالدموع
" بحر "
أبتسم بحزن وقال " أجل ... بحر "
هززت رأسي نفيا وقلت بألم " لا يمكن ... لا يمكن هذا "
توجه جهة الثلاجة حمل قارورة ماء وخرج من فوره شعرت حينها لأول مرة بدوران
الأرض شعرت وكأنه تم ضربي بسيف قسم جسدي لنصفين , كانت الأشياء جميعها
تدور وتدور ورأسي يلف معها حاولت أن أمسك بأي شيء لأتمسك به ولكن يدي
اصطدمت بالأطباق المصفوفة فوق بعضها وسقطت كلها وسقطتُ معها أرضا ولم
استيقظ إلا في غرفة غريبة عني نظرت مطولا لتتضح لي الصورة فكانت خالتي
تجلس بجواري وتقول
" حور هل أنتي بخير يا ابنتي هل تسمعينني "
هززت رأسي بنعم فمسحت على رأسي وقالت " حمدا لله بنيتي لقد أخفتنا عليك "
قلت بحيرة بين الواقع والحلم " ماذا حدث لي "
قالت بحنان
" لقد أغمي عليك بالمطبخ وسقطتي أنتي والأطباق جميعها أرضا حمدا لله أنها لم تؤذيك "
يا الهي يبدوا أنه كان حلما أو وهما قولي أنه كذلك يا خالتي أرجوك ثم سألتها بتردد
" ومن حملني إلى هنا "
صمتت قليلا ثم قالت " لم يكن أحدا هنا إلا بحر لذلك حملك هوا إلى هنا "
كانت تلك الضربة القاضية التي وجهتها إلي كانت كلماتها كالنار اشتعلت بداخلي فلم استطع
تمالك نفسي وبدأت بالشيق وبدون بكاء , لقد كنت أشهق بكاءً بدون دموع كمن غرق في البحر
وأخرجوه وهوا لا يتنفس سوى ذرات من الهواء احتضنتني خالتي وقالت
" ما بك يا حور سلامتك يا ابنتي ما حل بك , بسم الله عليك "
لم أتمالك نفسي وبدأت بالبكاء بل بالصراخ باكية وخالتي تهدئ من روعي في حيرة مما
أصابني وما كان لأحد حينها ليسكب الماء على النار المشتعلة بصدري ما كان لأحد في
كل هذا الكوكب ليتمكن من ردع الصدع في ضلوعي وجمع أجزاء قلبي المتناثرة كنت
ابكي وأبكي دون توقف وتحول بكائي لشهقات مكتومة حينما سمعت طرقا على الباب
وأحدهم ينادي من الخارج خرجت خالتي قليلا ثم عادت وجلست بجانبي محاولة تهدئتي
فقلت بهمس " من هناك عند الباب "
قالت بابتسامة " إنه بحر يسأل إن كنت تحتاجين لطبيب أو ننقلك للمستشفى "
نزلت دموعي من جديد ودون شعور مني ثم قلت بذات الهمس
" هل هوا أبنك هل يعيش هنا "
قالت بذات الابتسامة " نعم هوا ابني من زوجي الأول ويقيم أغلب الوقت معي "
ليتك لم تقوليها يا خالتي ليتك قلتي أي شيء إلا هذه كيف أتمنى لسنوات أن أراه ولو من بعيد
وحينما أدعوا الله أن لا التقي به أجده أمامي وبهذا الوقت وفي هذا المكان تحديدا
قالت بخوف من صمتي " هل أنتي بخير يا حور "
قلت بألم " لا لست بخير "
قالت بتوجس " هل نحظر الطبيب أم أتصل بزبير أم نأخذك أنا وبحر للمستشفى "
لا تقولي أسمه أمامي أرجوك فأنا أريد تكذيب الحقيقة فلما لا تساعديني على ذلك
قلت مندفعة " لا لا ... سأكون بخير فلا تقلقي علي "
أحدهم طرق الباب فخرجت خالتي وتركتني , تركتني لألمي وعذابي وتركت دموعي
تحكي للوسادة كل حكايتي تركت الألم يزداد ألما والنار تزداد اشتعالا حتى أحترق كل
شيء بداخلي كان ثمة زلزال يضرب قلبي وضلوعي دون توقف , حضنت الوسادة بكل
قوتي وكتمت فيها صرخاتي الموجعة وأنا أتلوى وهي تتلوى وتتألم معي أدفن فيها وجهي
أدفن فيها عبراتي وصراخي ووجعي حتى سمعت خطوات راكضة تقترب مني وأيدي تحاول
أبعادي وأنا أرفض الفكاك وأبعاد وجهي عنها كانت أصوات كثيرة تتحدث ولكني لم أكن
أسمع منها شيئا لم أكن أسمع إلا عبراتي وشهقاتي وبقيت على هذا الحال لوقت طويل حتى
هدأت شيئا فشيئا وبدأت يداي ترتخيان عنها ووجهي لا يزال مدفونا فيها قامت حينها يد بسحب
الوسادة مني ثم مسحت على شعري ووجهي رفعت بصري فكان زبير يجلس بجواري وتقف
معه خالتي و رنيم قال بخوف
" حور هل أنتي بخير سيأتي الطبيب حالا "
قلت بصوت متعب " أنا بخير لا أريد أي طبيب لا أريده أرجوك "
قال بهدوء " حسننا ارتاحي أنتي الآن هل تريدين الصعود لجناحنا "
قلت باعتراض " لا لا أريد أتركني هنا أنا متعبة قليلا "
بل لا أريد أن أراه الآن , ضربة موجعة أخرى وسأموت بالتأكيد
وقف وقال " إذا سنتركك ترتاحي قليلا حسننا "
هززت رأسي بالموافقة وخرجوا ثلاثتهم تنهدت بألم وأنا استغفر الله كثيرا ثم غطيت
وجهي باللحاف وعدت للبكاء ولكن بصمت ولا ادري من أين كانت تأتي كل هذه الدموع
ولا إلى متى ستستمر بالنزول لماذا أنا حظي هكذا لما أنا الأتعس بين نساء الأرض
بحر
كنت اعلم أنه لا جدوى من هروبي ومهما رحلت فسأعود ومهما هربت فسترمي بي أقداري
إلى هنا فعدت لأواجه الواقع رغم كل قسوته , دخلت القصر فكان الصمت القاتل يعم المكان
سمعت بعدها بعض الأصوات تأتي من المطبخ لابد أنها أمي فحياتها كلها هناك والعروسان
لن تعملا من الآن بالتأكيد , آه عروس هل أصبحتي عروسا يا حور ولمن لأخي
اقتربت من باب المطبخ فصعقت لرؤيتي من بداخله , كانت حور كانت حوريتي التي لم
تغيرها السنين لا بل زادتها حسننا وجمالا تغسل الأطباق ويبدوا عليها الشرود وقفت أتأملها
أتأمل طيفا حرمت من رؤيته لعامين كاملين التفتت فجأة ناحيتي لترمي بحسن عينيها كالقذيفة
في قلبي وتجمدت في مكانها حتى ظننتها تحولت لتمثال حجري ثم حركت شفتيها بصعوبة
ونطقت حروف اسمي
اسمي الذي اسمعه للمرة الأولى من شفتيها أسمي الذي لم أعرفه رائعا وحارقا هكذا من قبل
, فابتسمتُ بألم رغما عني من وقوفي هذا الموقف الذي لم أتوقعه في حياتي توجهت مسرعا
للثلاجة وأخذت قارورة ماء صغيرة وخرجت , لم أكن أريد الماء ولا جئت لأخذه ولا أدري
كيف أمسكت يدي بها دوننا عن أي شيء وما هي إلا لحظات حتى سمعت صوت سقوط قوي
وأطباق تتحطم على الأرض ركضت مسرعا للمطبخ فوجدت حور ملقاة أرضا وقطع الزجاج
تتناثر حولها في كل جانب ركضت مسرعا إليها هززتها حاولت إيقاظها ولم يجدي ما فعلت نفعا
كانت تئن أنينا أوجع كل درة في قلبي تمنيت لو أحضنها لصدري وابكي تمنيت لو أضمها
لأطفئ وجع السنين ولكن الأميات لا تبقى إلا أميات , ركضت مسرعا للخارج أصرخ باسم أمي
فجاءتني مسرعة بخوف وقالت
" ما بك يا بحر ماذا هناك ومتى عدت "
قلت بفزع " أسرعي يا أمي حــ و ... ثمة فتاة مغمى عليها بالمطبخ "
ركضت أمي أمامي مسرعة وهي تصرخ " حور ما بها يا ترى "
دخلت المطبخ وأنا خلفها وكانت على حالها التي تركتها عليه اقتربت أمي منها وحينما
رأت الزجاج المتناثر بكثافة حولها وتحتها قالت
" علينا نقلها من هنا بحذر فالزجاج في كل مكان "
قلت بفزع " قومي بنقلها يا أمي "
قالت بقلة حيلة " لا يمكنني فعل ذلك لن استطيع حملها وزبير ليس هنا "
ما كان أمامي من خيار توجهت نحوها وحملتها بين ذراعي بحذر وقطع الزجاج
تخترق أصابعي وأنا أمرر يداي تحتها, حملتها برفق كما تحمل الأم رضيعها الذي
أنجبته بعد عناء سنين ووضعتها برفق على السرير في جناح الضيوف وخرجت
لخارج الغرفة , بعد عدة دقائق بل شهور وسنين سمعت أمي تحاول الحديث معها ثم
سمعت شهقاتها وبكائها بل وصراخها المتألم , توقفي عن ذلك يا حور ولا تزيدي ألمي
ألما توقفي ولا تسكبي وقود دموعك وعبراتك على نار القلبي المشتعل
كنت أدور في ردهة الجناح كالأسد المسجون وعقلي يكاد يجن توجهت للباب وطرقته
مناديا أمي فتوقف حينها صوت صراخها الباكي وشهقاتها وخرجت أمي إلي لم أعرف
ما أقول فقلت بعد صمت
" هل تريدون الطبيب "
نظرت لأصابعي المغطاة بالدماء وأنا أمسك مناديل ورقية محاولا وقف النزيف وقالت بخوف
" بحر يداك تنزفان بني "
قلت " لا عيك أمي مجرد جروح بسيطة ما هوا حال الفتاة "
هزت رأسها وقالت بحيرة " لا أعلم فالفتاة تكاد تجن من الصراخ والبكاء تبدو في حالة
هستيرية شديدة لا أعلم ما حل بها "
قلت بخوف " إذا سأحضر الطبيب أو لنأخذها للمستشفى فورا "
قالت وهي تدخل الغرفة " دعني اسألها أولا "
ثم دخلت وتركتني أسوء مما أتتني انتظرت طويلا ولم تخرج فطرقت الباب ثانيتا
فخرجت لتخبرني أنها أصبحت بحال أفضل ثم قالت
" علينا الاتصال بـــ "
وما كانت تنهي جملتها إلا وسمعنا صوت حور بصراخ مكتوما ومتألم بشدة تكسر الحجر
فكيف بقلب البشر وكيف بقلبي أنا , ركضت دون شعور لداخل الغرفة ووالدتي تركض
خلفي كانت تغمر وجهها في الوسادة وتعصرها بيديها بقوة وتصرخ وتتلوى , من صدمتي لما
رأيت وقفت عاجزا أمامها كانت ملامح وجهي متوقفة عن أي تعبير ويداي ساقطتان جانبا دون
حراك , اقتربت منها أمي وبدأت تهزها وتحاول نزع الوسادة منها ولكن دون جدوى فلم تكن تعي
ما يدور حولها ولم يكن يظهر منها سوى شعرها البني المخصل بخصلات ذهبية متناثرا حول
أطراف الوسادة وظهرها وكتفيها مغطيا لنصف جسدها العلوي بالكامل ركضت أمي خارجة
من الغرفة وهي تصرخ
" عليا الاتصال بزبير الفتاة سوف تجن يا بحر سوف تجن "
( سوف تجن يا بحر سوف تجن , سوف تجن يا بحر سوف تجن ) كانت تلك الجملة التي
قالتها أمي بمثابة مفتاح التشغيل الذي قام بتحريكي جلست على السرير وأمسكتها من كتفيها
وبدأت أهزها بقوة وأصرخ
" توقفي يا حور توقفي عن ذلك فلا ذنب لك ولا لي فيما حدث , حور ارأفي بحالي وتوقفي
حور توقفي أرجوك "
ولم تفلح محاولاتي في شيء فلم تكن تعي أو تسمع مني شيئا , كم كرهت نفسي حينها لما سببته
لها من ألم كان عليا أن أتحدث معها منذ سنين لأخبرها أنني خطبتها من عمها وأنني لم أنسها
يوما وأني لازلت أحبها ولكن فيما سيجدي الندم الآن , كل ذلك لأنني مغفل دائما ولا أعي
لأخطائي حتى أتلقى صفعة توقظني من غفلتي , صدقت يا والدي شامخ , صدقت حين قلت
أنني لا أعرف قيمة الأشياء إلا حينما أخسرها
بعد لحظات عادت أمي وقالت " زبير في طريقه إلى هنا "
عندها وقفت ونظرت لحور نظرة مودع فلا يحق لي البقاء بجوارها ولا يحق لي أن اقترب
منها ولا أريد رؤية زبير هنا معها يحضنها بين ذراعيه , فخرجت وغادرت القصر نهائيا
أُديم
مرت عدة أيام على وجودي هنا ولو قلت الموت أفضل من حالي الآن لما عبرت عما أشعر
به , على أخوتي أن لا يتهوروا ويختاروا خرق الوصية والمغادرة فهذه الحياة التي تعتبر
مرفهة عند الفقراء تشعرني بأنني أدنى البشر منزلة فكيف لو كنت بلا منزل ولا عمل ولا نقود
, يا رب إلى متى سأتحمل هذا
وصلت للشركة متذمرا من كل شيء وأشعر بالملل والوحدة حتى أني صرت أتمنى أن
تثرثر تلك المدعوة ليان ليمضي الوقت , إنهما يعملان لساعات دون توقف أو كلل أو
كلام لقد سئمت العمل وسئمت كل شيء دخلت المكتب فوجدت شروق وحدها تجلس
بالداخل توجهت لمكتبي في صمت كالعادة وجلست أقلب حاسوبي المحمول بعد لحظات
دخلت ليان قائلة
" صباح الخير شروق "
ثم نظرت باتجاهي وقالت متبسمة "صباح الخير أيها الوسيم "
وتوجهت لمكتبها
قالت شروق ضاحكة " هل ستعاملين الشاب كصديقتك القديمة إنه لا يسمعك يا ليان "
قالت بضيق " وما شأنك أنتي أنا ألقيت عليه التحية فقط هل لأنه لا يسمع لن يكون علينا
أن نحييه فهوا أخرس وليس ميت ولا حجر لا يشعر "
قالت شروق بابتسامة
" هل ستفعلين كموظفات الشركة منذ وصل وهن يزرننا لأسباب تافهة فقط ليرينه "
قالت ليان بضيق إنهن سخيفات هل تضعين عقلي من عقولهن "
قالت شروق بمكر " طبعا سأعذرهن كما أعذرك لمناداته بالوسيم "
تجاهلتها ليان وجلست قائلة بضيق " لابد أن مصيبة أخرى في طريقها إلي "
نظرت لها شروق وقالت "وهل هناك أولى لتكون هناك أخرى "
تنهدت بضيق وقالت " إنه ثامر لقد نجوت منه بأعجوبة "
قالت شروق " هل عادوا لذلك مجددا , لذلك إذا تأخرتي "
تنهدت وقالت " لن ينتهي الأمر أبدا أعلم بذلك "
قالت شروق بأسى " كيف لهم أن يتصرفوا معك هكذا "
قالت ليان بذات الأسى " هم لا يروني أستحق إلا ذلك سحقا لهم من بشر "
نظرت لها بحيرة وقالت " ألا يوجد لديك أحدا يساندك ويخلصك من شرهم "
ضحكت ليان بسخرية وقالت
" أي سند هذا إن لم يكن أخوتي سندا لي فمن سيكون , هل لديك أنتي من يردع زوجك وشره عنك "
قالت شروق بألم " لا تسأليني كي لا أبكي لك "
نظرت لها ليان بمكر وقالت " ما رأيك أن نقتلهم جميعهم ونهرب هههههه "
قالت شروق بتذمر " وما الفائدة مادمنا سنهرب "
رن الهاتف حينها فأجابت شروق ثم قالت " ليان مدير القسم يطلبك "
تنهدت وقالت " ألم أقل لك ذلك أعرف نفسي منذ طفولتي لا تحصل لي مصيبة إلا وتبعتها الأخرى "
ثم وقفت وغادرت , دفعني فضولي أو لست أعلم ما يكون لمعرفة ما جرى فأمسكت بالورقة والقلم
وكتبت لشروق
( ما بها صديقتك متضايقة هل من مشكلة )
كتبت لي ( أخوتها من والدتها يطاردونها يريدون أخراجها من منزلها )
رميت بالورقة على المكتب وقلت لنفسي ( ما علاقتي بها وبهم , يبدوا أنني حقا أشعر بالملل )
بعد لحظات عادت ليان وجلست تردد بتذمر " تأخرت لدقائق فقط هل هذا عذر لخصم راتبي "
قالت شروق مازحة " هذا حق أخوك الذي هربتِ منه هههههه "
قالت بضيق " ما أسعدني بك من صديقة هل تناصرينه علي "
ضحكت شروق وقالت " الحق عليك لما لم تتزوجي من ذلك الرجل صاحب العقارات "
نظرت لها باشمئزاز وقالت " من ... أنا أتزوج من رجل لديه مال كثير الموت أهون علي
من ذلك لكي يتبجح وأهلة علي ويعايروني بفقري , حتى مشيتي حينها لن تعجبهم وسيقولون
أنها مشية فقراء معدومين لن أتزوج بثري مغرور ولو بقيت عانسا كل حياتي "
قالت شروق " حسننا تزوجي فقيرا مثلك إذا عله يكف شرهم عنك "
ضحكت وقالت " ومنذ متى كانوا الفقراء يستطيعون شيئا سنصبح في مشكلتين حينها
فسيتشاجرون معه وسيرملونني في أقرب فرصة "
قالت لها شروق بضيق " لا ذاك يعجبك ولا هذا يعجبك فبمن ستتزوجين إذا "
نظرت للأوراق أمامها وقالت
" لن أتزوج من أحد سأبقى هكذا وحيدة طوال حياتي يكفيني وجود عمي معي "
قالت شروق بحدة " عمك الشيخ الكبير الضرير فيما سينفعك , الحياة مليئة بالمخاطر يا ليان
فلا تستهيني بها أنتي بحاجة لمن تستندي إليه "
نظرت لها بنصف عين وقالت " شقيقك خريج السجون ذاك لن أتزوجه فهمتي "
قالت بضيق " وما به شقيقي ألا يعجبك , هوا أفضل لك من الوحدة والهروب من أشقائق في الشوارع "
رمت بيدها ناحية شروق وقالت " لو كان ذا نفع لأوقف زوجك عند حده من ضربه لك دائما ,
شروق أنا وأنتي كما الكثيرين غيرنا ليس لنا إلا الله فلن ننتظر العون من أحد "
قالت لها بضيق " فقط الحمقاء من تضيع فرصة كالتي أتتك يا غبية "
قالت ببرود
" بل أنتي الغبية إن تزوج الفقير من الغني فسيكون قد رمى بنفسه للهلاك والعكس صحيح "
( أجل حقا صدقتي يا فتاة فالغني إن تزوج بفقيرة فسيصبح عرضة للسخرية والهجوم من
الجميع والغنية كذلك إن تزوجت بفقير, أما الفقير إن تزوج بغنية فسيشعر بالذل والمهانة
وسيرى الاستصغار من قيمته في أعين وكلام الجميع والفقيرة كذلك , هذا ما كنت أحاول
دائما أن يفهمه الجميع مني , ولكني لم أعتقد أن الفقراء أيضا يفكروا بهذا التفكير )
ثم وجدت نفسي لا شعوريا أنظر إليها ودهني غادر بعيدا
( لو أني أحمل ما يحملان من هموم كيف كنت سأتصرف وكيف لهم أن يضحكوا ويمزحوا
وهم يحملون كل هذا البؤس في قلوبهم , أنا لم تعرف الابتسامة شفاهي من أسابيع ولست
أحمل نصف ما يحملان )
أعادني من شرودي صوت شروق الهامس وهي تقول
" هيه ليان أسمعي الفتى الأخرس ينظر إليك منذ مدة لما لا تتزوجيه هوا هههههه "
نظرت إليا ثم لشروق ثم قالت مالم أتوقع أبدا
" ههههه تبدوا فكرة جيدة فلن يتشاجر مع أشقائي ولن يسمعهم سوف يصرخوا ويصرخوا
وهوا يمشي أمامهم مغادرا وفي عالم أخر بعيد عنهم هههههه سيموتون غيضا "
ثم نظرت لشروق بغيض وقالت
" سخيفة ... كيف تفكرين هكذا ماذا لو فهم أننا نتحدث عنه الآن "
ابتسمت شروق بمكر وقالت
" وما يدريه فهوا لا يسمعنا , تخيلي فقط أنك زوجة له ألست تنادينه بالوسيم "
قالت ليان بغضب
" إن لم تصمتي الآن كتبت له في الورقة أنك قلتي أنه معجب بك وينظر إليك وأنك تحبينه "
ضحكت شروق وقالت
" لن يصدق ذلك أبدا فأنا أكبر منه بكثير ولكن إن قلت له أنا ذلك عنك فسيصدقني بالتأكيد هههههه "
( هاتان الغبيتان تسخران مني وتتسليان بي ) أمسكت الورقة وكتبت فيها
( لما لا تعملان وتمضيان الوقت في التحدث وتنظرا لي وتضحكان هل بي ما يضحك )
نظرتا لبعضهما بصدمة ثم قالت ليان لشروق
" هل رأيتي , أنتي السبب لقد لاحظ أننا نتحدث عنه صحيح أنه أخرس ولكن ليس بغبي "
قالت شروق بهدوء " هيا أعملي بصمت قبل أن يهددنا بأن يخبر المدير "
( لو تعلما أني من مالكي الشركة فما ستفعلان ولكن حسابي معكما عسير على سخريتكما مني )
بعد ساعات كتبت في الورقة ( هل تريدان القهوة ) ورفعتها لهما فكتبت كل منهما
كيف تريد قهوتها غادرت للخارج ثم اتصلت بالمدير التنفيذي للشركة أجاب من فوره
مرحبا بي فطلبت منه تحويلي لمكتب الموظفين ولحسن الحظ أجابت ليان فقلت ببرود
" هل هذه مكاتب القسم الأرضي لموظفي الشركة هل أنتي أحدهم "
قالت بهدوء " نعم سيدي أنا ليان سعد عبد القادر أحدى الموظفين هنا "
صرخت بها قائلا " بل أحدى المستهترين هناك "
توترت نبرة صوتها وقالت " ماذا .. أنا لا ..... "
صرخت مقاطعا لها " الجميع يشتكي من الإهمال في المواقيت وكثرة الأصوات لديكم وتضييع
الوقت انتم في شركة محترمة لها سمعتها ولستم في سوق خضار أو في مزبلة حيكم "
سكتت مطولا ثم قالت " ولكن الكلام شيء مشروع للجميع "
قلت بغضب " وهل ستناقشينني فيما أقول أم ترينني أتبلى عليك "
قالت بنبرة حزينة وهادئة " آسفة أيها السيد لم أكن أقصد ولن تتكرر الأخطاء ثانيتا "
قلت بحدة " أرجوا ذلك فلوا تكرر الأمر فسيكون عقابي لكم عسيرا فهمتم "
قالت ببرود " فهمت "
قلت بذات الحدة " أرى كلامي لم يعجبك "
قالت بأسى " وما فعلت أنا لتوبخني كل هذا , أنا بشر مثلك وكلنا خطاءون وقد اعتذرت "
قلت بسخرية " حقا ما هذا الإبداع , صحيح أننا بشر ولكني لست مثلك "
يبدوا أن الصدمة من كلماتي ألجمتها فلم تضف حرفا واحدا فأغلقت الهاتف في وجهها
لأني لا أريد جرح كرامة أي أحد بكلماتي وها قد جرحت كرامتها
عدت مسرعا للمكتب لأرى نتائج انتصاري ولم آخذ لهم أي القهوة فهذا ما ينقص أن أعمل
على خدمتهم فصعقت عندما رأيتها جالسة على مكتبها تبكي وشروق تحاول تهدءتها وفهم
ما جرى معها جلست بمكتبي ظننتها أقوى من ذلك ولم أتخيل أن تبكيها كلماتي
قالت شروق وهي تمسح على ظهر ليان " اهدئي يا ليان ماذا قال لك مالك الشركة ليبكيك هكذا
ثم لما يتصل بنا هوا وليس بالمدير التنفيذي أو حتى مدير القسم "
بعد مدة هدأت ليان ومسحت دموعها ثم قالت " كم أكره الأغنياء المغرورين المتكبرين
هم هكذا دائما يستضعفون من هوا أضعف منهم لأنه محتاج لهم وللعمل لديهم ويعايرونهم
بفقرهم وحياتهم "
( يالك من سليطة لسان لقد رأفت لحالك منذ قليل وكاد يؤنبني ضميري ولكنك لم تتعلمي
الدرس على ما يبدوا)
ثم عادتا للعمل في صمت وشهقات ليان الشيء الوحيد الذي نسمعه بين الفينة
والأخرى يبدوا أنني أخطأت في حقها فعلا , لا لم أخطأ زودت العيار قليلا ولكن لم
أخطأ هذا لتتعلم أن لا تسخر مني هي وصديقتها, ثم كتبت في الورقة أسالها عن سبب
بكائها كي لا يشكا بأمري قرأتها ليان وابتسمت قائلة
" آه شكرا لاهتمامك أيها الوسيم, نحن حقا غبيتان ونستحق الضرب نسخر منك وأنت تهتم لأمورنا "
كتبت ليان في ورقة لديها ورفعتها لي وكان فيها
( لا شيء مهم شكرا لاهتمامك وأعذرني على خطئي بحقك ولا تسألني لما أرجوك )
ابتسمت لها مجاملا وعدت لعملي , على الأقل تعلمت الدرس جيدا ولن تكررها ثانية لأني
سأريها حينها
نهاية الجزء الثامن
ما يواجه ميس ولما قام صهيب باختطافها ولما ينكر ذلك ويخفيه عن الجميع وما الشروط التي تحدث عنها
أديم وعالمه الجديد هل سيبقى أخرسا عنهم دائما ومبتعدا أم ستجذبه الأحداث وتطورها
بحر وحور ما سيكون حال كل منهما وكيف سيواجه واقعه
غيث و رنيم وتأزم الأمور بينهما وإلى ما ستئول
كل هذه الأسئلة إجابتها عما قريب فكونوا بالقرب