الجزء الثالث
بعد مرور أسبوع
رنيم
استيقظت اليوم باكرا فعليا السفر برا لقصر عائلة والدي شامخ ارتديت بنطلونا ومعطفا يغطي كل جسدي حتى
ما يقارب الركبتين ووضعت حجابي ومضيت على بركة الله فسيقوم زوج خالتي وخالتي بإيصالي فهم ينوون
زيارة أصدقاء لهم , لقد اخترت أن أسافر اليوم لأن الوصية سيتم فتحها عند الغد ومن غير اللائق أن أذهب
غدا خصوصا أنني لم أحضر العزاء هناك لأن والدتي كانت متعبة ولم تكن لنا صلة بالعائلة فاكتفيت بالتحدث
مع الخالة سماح هاتفيا , آه أنا لا أصدق حتى الآن أنه توفي لقد كان بعد الله سندي وعضدي الذي أشد عليه وقت
الصعاب , ولكي أصدقكم حديثا أنا غير مرتاحة لهذه الزيارة فأنا لا أعرف أحدا وأبنائه كلهم ذكور سيكون
الأمر مربكا للغاية ولكن لن أخالف رغبة والدي شامخ في أن أحضر حتى لو كان فيها موتي
وصلت قصر العائلة عند أذان الظهر فالرحلة كانت متعبة رغم قرب المسافة نسبيا , لم أستغرب أن يكون
القصر من الخارج بهذه الفخامة فأنا أعلم أنه من أثرياء البلاد لقد كان العائل لي ولوالدتي طوال تلك السنين
ولم ينقصنا في حياته شيء على الرغم مما تركه لنا والدي وحتى العام المنصرم كله كان ابن له يدعى غيث
من تكفل بصرف راتب لي ولوالدتي ولكن بعد الوصية لا أعتقد أن الأمر سيستمر فالمال سيصبح من نصيب
الورثة
لم يكن يخطر ببالي أن أكون ممن يحضرون فتح الوصية أو أن يكون لي نصيباً فيها وكنت سأتخرج
وأعمل على أية حال , وقفت عند باب القصر حائرة طرقت ولم يجب أحد , ففي الخارج لا وجود للخدم ولا
يبدوا أن ثمة خادمات بالداخل , سمعت صوت خطوات ثقيلة تقترب مني فالتفت للخلف بسرعة وقف أمامي
شاب ببنية جسدية قوية وكأنه والدي شامخ يقف أمامي , وحتى العينين ذاتها سوداء قاتمة يطغي سوادها على
أغلب بياض العين وحتى ملامحه تشبهه فله ذات وسامته إلا أن لون الشعر مختلف تماما كان أسودا كثيفا أما
والدي فقد كان شعره بنيا غامقا , يبدوا لي أنه أحد أبنائه بكل تأكيد
كنت أكاد أتفتت وأنا أراه يدقق في ملامحي وكأنه يعرفني أو سيتعرف علي , شككت أنه سيقول أنت رنيم ,
رغم معرفتي الجيدة أنه لم يرني سابقا , كدت أحترق من نظراته النارية ما به هذا الرجل وكأنه يتمنى إحراقي
لأختفي من أمامه لو كان يعرفني لقلت بأنه يكرهني
غيث
كنت متوجها لأدخل القصر عندما صادفت أمام الباب فتاة غريبة ذات بشرة شديدة البياض حتى أنك تكاد
ترى عظام الوجه من تحتها لشدة بياضها وصفائها خدان متوردان وقد ازدادا توردا عندما رأتني فيبدوا أنها
شعرت بالتوتر والخجل , عينان سوداء كالليل كثيفة الرموش تعطي مع ذاك البياض تداخلا غريبا ومدهشا في
الألوان ولها فم وأنف صغيران للغاية , تقف في حيرة وتردد وكأنها تدخل هذا المكان لأول مرة , الفتيات لا يقمن
بزيارة قصرنا كثيرا فكلنا شباب ولا فتيات لدينا وأغلب الزائرات هن بنات عمي عاصم وحتى هما زياراتهم لنا
قليلة جدا ومن أجل جدي
قلت مبادرا بالحديث " عذرا يا آنسة هل أخدمك بشيء "
ازداد احمرار خديها حتى كادت تشتعل ثم قالت " هل هذا قصر المرحوم شامخ آل يعقوب "
قلت بهدوء " نعم وصلتي "
قالت بتوتر " أنا ... رنيم حيان لقـ "
قاطعتها قائلا " هل أنتي رنيم معذرة منك تفضلي بالدخول وستوافيك والدتي في الحال "
سماح
كان اليوم شاقا بالفعل كان عليا مراقبة كل تلك الخادمات حتى ينتهين من عملهن , لست أعلم لما يصر غيث
على عدم جلب خدم دائمين للقصر لقد أرهقني هذا كثيرا ولا بنات لدي , عليهم أن يتزوجوا لترفع نسائهم
الحمل عني , آه ولكن أي زوجات أنتظر إن كان غيث مضربا عن الزواج لا ويكره النساء أيضا وزبير يريد
الزواج بزمرد التي لن تجدي في شيء وبحر ... آه من بحر ... سامح الله من كان السبب
" أمي تبدين مستاءة كثيرا هل من مكروه "
كان هذا صوت أبني صهيب الذي كان داخلا حينها
قلت بضيق " إنه شقيقك يا صهيب يتعبني بهذا العمل كثيرا ولا أعلم لما يصر على عدم تثبيت خدم لهذا
القصر الضخم "
قال بهدوء " أمي إنهم يقومون بكل شيء قبل ذهابهم ما عليك إلا إلقاء نظرة على عملهم بين الفينة والأخرى "
قلت بذات الضيق " إن لم أشرف عليهم فسيفسدون كل شيء ولن يقوموا بعملهم بإتقان "
قال رافعا كتفيه للأعلى" لا حل أمامنا فغيث يصر بشدة على رأيه ولابد أن له أسبابه "
قلت بحدة " يوجد حل وهوا أن تتزوجوا لتريحوني فلم تعودوا صغارا , زبير أصغركم سننا بلغ
الرابعة والعشرين "
قال بلا مبالاة " زوجي الكبار أولا فأنا لازلت صغيرا أمامهم "
قلت بغيض " شارفت الثلاثين وتقول صغيرا ما أسعدني بك حقا "
قال بتذمر" أمي أي ثلاثين هذه التي شارفتها كلها ستة وعشرون سنة "
دخل حينها زبير واقترب منا متبسما كعادته وقال " مساء الخير أمي "
قال له صهيب بهمس " تعالى وأخرجني من هذه الورطة "
أجابه زبير بذات الهمس " عن أي ورطة تتحدث هل علينا الإقلاع فورا "
نظرتُ لهما نظرة باردة تدل على الاستياء فقال صهيب بابتسامة صفراء
" زبير لما لا تتزوج وتُفرح قلب أمك "
قال زبير مباشرة " جاهز والعروس جاهزة ... ولكن ماذا عنك , أنت اكبر مني يا رجل "
قلت بحدة " يكفي كليكما ولن اعتمد على زوجاتكم لأن اختياراتكم تبدوا لي ستكون سيئة للغاية "
أجاب زبير باستياء " أمي هل سنخرج من والدي لتعطليها أنتي "
قلت بضيق " والدك كان دائما أدرى الجميع بمصلحتكم والأيام ستثبت لك ذلك ولا أحد أدرى منا نحن
النساء ببعض "
كان جواب زبير هوا الصمت أعرف ابني جيدا عندما لا يعجبه الكلام يكتفي بالصمت يبدوا أنني لن أرى
لهم زوجات سوى زمردته تلك
قال زبير " أين جدي هل هوا مستيقظ "
قلت بهدوء " نعم تجده في غرفته مع عمك عاصم "
قال صهيب بضيق " عمي عاصم هنا , كنت أنوي إلقاء التحية على جدي لكن لا بأس في وقت آخر "
مر حينها غيث قائلا وهوا متوجه للأعلى " أمي رنيم وصلت وهي في انتظارك "
قلت بابتسامة " حسننا سأذهب لها في الفور "
غيث لم ينادني بغير أمي أمامي وفي غيابي رغم أنه ليس ابني ولكني لم أعتبره يوما ابن زوجي بل أحد أبنائي
غادر صهيب وتوجه زبير لغرفة جده وذهبت أنا لاستقبال الفتاة
زبير
دخلت غرفة جدي ملقيا التحية على الرغم من كره الموجود بالداخل لي مع أنه لم يعارض زواجي من ابنته
زمرد , قبلت رأس جدي وسلمت على عمي ببرود مماثل لبروده
أعمامي غريبي أطوار ولا يحبون أحدا منا ولا أخفيكم القول فالشعور متبادل وهم السبب , عمي عاصم لديه
ابنتان وابن واحد وهم زمردتي وعلياء و إساف
ولعمي جسار ثلاثة أولاد عوف وأنيس وسليمان , بعضهم كآبائهم تماما مزاجيين جدا من ناحيتنا والبعض الآخر
على العكس منهم تماما
قلت مخاطبا جدي " كيف تبدوا اليوم أراك مشرقا "
قال بهدوء " بخير بني "
جدي قليل الكلام كما الحركة تلك عوائده ذو شخصية هادئة وغامضة يبدوا لي لا يحب تحمل مسئولية أي
شيء لذلك اقتسم ثروته على أولاده منذ سنين وأخلى ذمته من الجميع
قال مخاطبا لعمي " عاصم سأرافقك اليوم للمكوث معكم عدة أيام "
قال عمي عاصم بترحيب " على الرحب والسعة يا أبي "
قلت مازحا " هل تشعر بالملل منا يا جدي نحن الأكثر فعليك البقاء معنا "
قال عمي عاصم بضيق " هوا جد أبنائي كما هوا جدكم ومن حقه اختيار من سيمكث عنده "
آه ما به هذا لا يعرف المزاح قلت ببرود " كنت امزح فقط لما غضبت هكذا "
قال بحنق " لا تمزح في هذه الأمور "
بل لن أمزح أمامك أبدا , أنا أستغرب كيف وافق أن أتزوج ابنته , ألقيت التحية وخرجت قبل أن تكبر
المشكلة وحمدت الله أن صهيب لم يدخل معي لكانت الحرب ضروس بينهما الآن
( الجد لم يختر أحدا معيننا من أبنائه ليعيش معه فهوا يتنقل بينهم وهوا ملازم للسرير أغلب الوقت بسبب ألآم
بمفاصل ساقيه وقد وزع أملاكه وقسمها بين أبنائه الثلاث منذ سنين وهم شامخ وعاصم و جسّار ليصبح بعدها
غير مسئول إلا عن نفسه ولا دور له في حياة أي منهم )
رنيم
جلست على الكرسي وتوتري قد ازداد أضعاف ما كان , لما لا يأتي أي شيء ليخرجني من هنا ويعيدني من
حيث أتيت
" مرحبا بك بنيتي كم يسرني لقائك "
وقفت من فوري عند سماع الصوت فكانت أمامي امرأة في نهاية الخمسين من العمر تقريبا ذات عينين عسلية
اللون بشكل مبهر وبشرة بيضاء وشعر بني فاتح اللون , كان يبدوا عليها الجمال رغم كبر سنها نسبيا
قلت بابتسامة " مرحبا سيدتي لابد وأنك الخالة سماح "
أجابت بابتسامة حنونة " نعم وأنت رنيم أليس كذلك "
ذكرتني بوالدي شامخ فشعرت برغبة كبيرة لاحتضانها وكأنها ستحمل بقايا رائحته في ثيابها , احتضنتها
بحب ودموعي أرسلت جيوشها معلنة النزول وقلت بين عبراتي
" سامحيني يا خالتي لأني لم أكن هنا عند العزاء كم ينكسر قلبي لفقد والدي الذي رباني , الآن فقط شعرت
باليتم وأن ليس لي والدا "
مسحت على رأسي وهي تردد " كل من عليها فان يا بنيتي ولا يبقى إلا وجهه تبارك وتعالى "
جلسنا سويا وقلت متعذرة " اعذريني واعذري زيارتي دون موعد لقد حاولت الاتصال بك وكان رقمك مقفلا
ولم أستطع الاتصال برقم ابنك المدون لدينا "
قالت بهدوء " لا بأس يا ابنتي ليس عليك الاعتذار فالمكان كله متسع لك , أنا سعيدة حقا بلقائك أخبريني
كيف هي والدتك "
قلت بابتسامة " إنها بخير وترسل لك سلامها وتحياتها الحارة "
خرج حينها ذات الشاب الذي قابلت متوجها للخارج ووجه نظره وحديثه للخالة قائلا
" الجناح السفلي معد للآنسة يمكنها المكوث فيه كيفما شاءت "
أي مكوث هذا الذي يتحدث عنه ما إن تنفتح الوصية غدا حتى أرحل من فوري
غادر دون كلمة إضافية ودون أن ينتظر أن يسمع أي جواب أو تعليق , رافقتني الخالة للجناح الذي ذكر
وقالت بابتسامة
"أتمنى أن يعجبك وتجدي الراحة فيه لابد وأنك متعبة من شدة السفر سأحضر لك طعاما أعتقد أنك جائعة "
قلت متعذرة " شكرا لك سيدتي لقد تناولت طعامي لا تكلفي نفسك عناء ذلك "
قالت بابتسامة " حسننا نامي وارتاحي وتصرفي وكأنك في منزلك ونادني خالتي سيسعدني ذلك كثيرا "
يا لها من سيدة رائعة لا تختلف كثيرا عن زوجها , آه رحمك الله يا والدي شامخ
تركتني وغادرت كان جناحا فخما للغاية ومرتبا ونظيفا جدا يحوي غرفتي نوم وأخرى للجلوس هذا غير
ردهة الجناح التي معدة بأرائك للجلوس أيضا وتلفاز ضخم وحمام غير حمام الغرفة ومطبخ تحضيري
صغير , لقد كانت بمثابة شقة صغيرة وليس جناحا
قلت بابتسامة " كل هذا وتتمنى أن يعجبني "
توجهت لحقيبتي الصغيرة التي أحضرت معي فتحتها وأخرجت بيجامة النوم استحممت وصليت الظهر ثم
نمت من فوري من شدة التعب وأمضيت باقي النهار في الجناح ولم أخرج منه أبدا وتحججت أن لا رغبة لي
في الأكل كي لا أخرج لتناول العشاء معهم
أنيس
سحقا , كيف لذاك الإمعة ماجد أن يتغلب عليك يا إساف لابد وأنه صهيب وراء ذلك لقد هددنا بأن يلجأ إليه
أقسم أن تندم على أفعالك بي يا صهيب
دخل والدي وقال مستاء " ما هذا الذي فعلته أنت وابن عمك إساف "
قلت ببرود " لا دخل لي بما حدث والشرطة أخذته هوا ولم تأخذني أنا "
قال بغضب " وهل هذا مبرر يشفع لك , كم مرة سنتستر على فضائحكم "
قلت بغضب أكبر " إنه صهيب لا أحد غيره خلف ما حدث سأريه "
قال بحدة " أنت تعرف صهيب وشراسته جيدا فهوا لا لسان له إلا في يده فأبتعد عن المشاكل معه ولا تنسى
أنكما أبناء عم ستفضحوننا بين الناس "
قلت باستياء " هذا ما يهمكم فقط الفضائح وتتركوه يهين ويذل من شاء منا "
قال ببرود " ابتعد عنه كي لا تتعرض لذلك "
وهل تعرضنا له ليفعل , لكن اللوم على ماجد الذي لجأ إليه سيرى هوا وصهيبه ذاك
أشحت بنظري عنه للجانب الآخر باستياء فقال بغضب
" ولما لم تعد تذهب للمصنع لقد أجبرتني على شرائه من أجلك رغم رفضي لشراء أي ممتلكات وتتركه
الآن ببساطة "
قلت بتذمر " يمكنك بيعه إن كان يضايقك "
قال مغادرا بغضب " أقسم أنني عبثا أنجبت وربيت ولا فائدة ترجى منكم جميعا "
( أنيس هوا الابن الأوسط لجسار أكبرهم سليمان ثلاثون سنة متزوج ومسافر للعمل والأوسط أنيس
سبع وعشرون سنة والأصغر عوف خمس وعشرون وهوا الألطف بينهم )
أُديم
كنت وزبير داخلين بخطى ثابتة والأبواب تفتح أمامنا دون عناء موظفو الشركات أفضل مليون مرة من الحرس هههه
نظرت للسائر بجانبي وقلت بابتسامة " لقد تخلصت من تفقد فرع الجنوب بأعجوبة "
ضحك وقال " لهذا إذا كان غيث يشتكي منك كثيرا , فرع المدينة الجنوبية السبب "
قلت بتذمر " لا أعلم لما أصر والدي على بنائه هناك كان يمكنه بناء فندق أو مطعم أو حتى مجمع للتسوق بدلا
من فرع كامل لشركة لا نجني منها رواتب موظفيها "
ضحك وقال " لا يفهم والدي رحمه الله أحد فحسب قوله أراد به فرصة لنقل الجنوب خطوة للأمام فأنت تعلم أنه
بعد الحرب التي دارت فيه أصبح يتطور ببطء "
قلت بتذمري ذاته " وهل والدي رئيس الدولة ليفكر فيه لقد مضى على الحرب سنين طويلة الدولة هي السبب
في إهماله "
تقدمت إحدى الموظفات منا ونحن سائرين وقالت " سيد أديم ماذا بشأن ملف التقديم الشهر الماضي "
قلت دون أن أنظر إليها " حسننا خذيه للمكتب في الأعلى "
قالت بابتسامة " في الحال "
ضحك زبير وقال " لا أعلم لما حين تدخل أنت تتذكر جميع الموظفات الأمور المنسية "
ضحكت وقلت " لأنهن برؤيتك سابقا نسينها "
قال بضيق " يالك من مغرور وتحتاج من يكسر لك أنفك "
ضحكت وقلت " لماذا تضع اللوم علي "
وضعت يدي على كتفه وصعدنا بالمصعد سويا
( أُديم هوا الابن الثاني لشامخ والأول من زوجته سماح يبلغ من العمر ثمانية وعشرين عاما وهوا الأكثر وسامة
بين أشقائه له عينان عسليتان واسعتان وناعستان تشعرك بالنوم , وبشرة هي الأشد بياضا بين أخوته رغم بياض
بشرتهم وحاجبان مستقيمان ومحددان كالسيف وله لحية خفيفة لا تفارق وجهه وشارب كثيف بعض الشيء شعره
بني اللون قصير ومرفوع للأعلى وينزل منبته عند منتصف جبينه على شكل الرقم 7 وهوا المنافس الأول لصهيب
في الأناقة وفخامة الثياب )
سماح
لقد كان الجميع حاضرا لتناول العشاء على غير العادة فالوصية ستفتح في صباح الغد وكان عليهم الحضور
جميعا فلا سفر ولا أعمال خارج المدينة ولا نوم في غير القصر
نظر لي زبير وقال
" أمي هل تناولت الضيفة العشاء لوحدها كان عليك مشاركتها يبدوا أنها تخجل من الجلوس معنا "
أجبت مباشرة " لا لم تتناول عشائها قالت أن لا رغبة لديها "
قال بحر وهوا يعيد الكوب لمكانه " كان عليك أن تصري على أن تأكل لقد فعلت ذلك حرجا منا "
قلت بهدوء " معك حق بني كان يفترض بي فعل ذلك فهي منذ قدومها ظهرا لم تأكل شيئا وقالت أن
لا رغبة لها في الأكل "
قال صهيب بنبرة باردة " هل سنجبرها على الأكل قالت لا تريد أن تأكل "
تابع أديم قائلا " من الأفضل أن تأكل لوحدها "
قلت باستياء " إنها ضيفتنا ومن واجبنا إكرامها , ثم أنتم تعلمون جيدا ما تعنيه هذه الفتاة لوالدكم وأنت يا أديم
توقف عن الترفع على الناس "
قال أديم مدافعا " أنا لم أترفع عليها يا أمي لا تخلطي بين الأمور , قصدت أن .... "
قلت مقاطعة له بحدة " هذا إن كنت لا أعرفك جيدا "
إن كان ثمة من يستحق العقاب في وصية والدك فسيكون أنت , لتتعلم احترام من هم دون منك وارجوا أن
لا يكون عقابا قاسيا فأنا أعرف شامخ جيدا
تحدث غيث بصرامته المعتادة وقال " يبدوا أنكم ستتشاجرون على طاولة العشاء , لم يكن جمعكم اليوم
هنا بالفكرة السديدة , أمي خذي للفتاة طعاما وأصري على أن تتناوله وانتهت القضية "
ثم وقف مغادرا وبدءوا يلحقونه واحدا تلو الآخر
حملت الطعام لرنيم وأصررت إلا أن تتناول منه ولو شيئا يسيرا تناولت الطعام وأنا أراقبها بحب لقد
ارتاح قلبي لهذه الفتاة لما لا يتزوجها أحد أبنائي ولا يجلبوا لي زمرد ومثيلاتها , آه كم أتمنى أن تكوني
من نصيب أحدهم لو أنك خرجتي معي فقط فقد يعجب بك أحدهم , هههه ما بك يا سماح يبدوا أنك جننتي
بالفعل
نظرت لي رنيم وابتسمت فبادلتها الابتسامة وسألت " كم عمرك يا رنيم "
أجابت بعد برهة " بعد شهرين سأبلغ الثانية والعشرين "
رائع إنها أصغر من أبنائي جميعهم لما لا أحلم فالحلم لا شيء فيه ممنوعا
قلت بابتسامة " هل تدرسي أم أنهيت دراستك "
أجابت مبتسمة " هذه السنة كانت الأخيرة لي في الجامعة ولم يتبقى سوى أن تظهر النتيجة "
قلت بحنان " أتمنى لك النجاح بنيتي "
أمضيت معها بعض الوقت نتحدث في أمور عديدة أعجبني كثيرا كثرة استماعها لي أكثر من حديثها
وإجاباتها التي لا تخرج من جوفها إلا بعد صمت للتفكير
ثم تركتها وغادرت ومضت بنا تلك الليلة هادئة حتى الصباح الذي أعلن عن دخول يوم جديد
رنيم
استيقظت اليوم مبكرا استحممت ولبست تنوره طويلة سوداء اللون وقميصا شتويا أحمر اللون لوني المفضل
دائما وحجابا أحمر به بعض الخطوط السوداء الرقيقة المتداخلة , حاولت وضع بعض الماكياج على خداي
ليبدوان كلون بشرتي , يخجلني لونهم الوردي هذا الذي يزداد توهجا عند أي نوع من الانفعالات التي تطرأ
علي ثم خرجت وأنا اشعر بتوتر شديد وجدت الخالة في طريقي وكان ذلك من حسن حظي أخذتني لمكتب له
باب كبير جدا ما إن فتحته حتى ظهر لي خمس شباب يجلسون في أماكن متفرقة وبجلسات مختلفة كانوا يتحدثون
فعم الصمت حال رؤيتهم لي واعين الجميع كانت ترصد دخولنا , ألقيت التحية بصوت يقارب للهمس ونظرا
للصمت القاتل استطاعوا سماعي فسمعتهم يردون تحيتي , توجهت لأبعد مكان عنهم كان كرسيا فرديا في
طرف المكتب وجلست بصمت وعيناي لم تفارقا الأرض , عادوا للحديث مجددا مع بعضهم في شئون مختلفة
وكان يبدوا عليهم رقي أفكارهم وثقافتهم واحترامهم لحديث بعض وإنصاتهم لمن يتحدث دون مقاطعة , أنا لم
أستغرب أن يكون أبناء والدي الحبيب هكذا لأني كنت الحظ هذا عليه أيضا كلما جلست معه
" رنيم "
كان هذا صوت الخالة سماح الذي أخرجني من أفكاري ورفع نظري للجميع ثم تابعت قائلة
" أعرفك على أبناء والدك شامخ "
أشارت بيدها على الشاب صاحب النظرات النارية القاسية الذي وجدته عند باب القصر وتابعت
" هذا هوا ابنه الأكبر غيث وهذا أبني بحر أما هذا فهوا صهيب وهناك زبير وأديم "
كنت أنقل نظري مع يدها لهم واحدا واحدا الذي اسمه بحر كان الاختلاف في ملامحه عنهم واضحا أما الأكبر
فقد كان الأقرب شبها لوالدهم والثلاثة الباقون أخذوا بعضا من ملامح والدتهم لون العينين العسلي الفاتح
فيما عدا صهيب والشعر البني الفاتح أيضا وكانوا يتسمون بالوسامة ولكن أكثرهم وسامة كان الذي أسمه
أديم كما يبدوا عليه بعض الغرور والأكثر صرامة يبدوا لي غيث وصاحب النظرات الحادة الشرسة هوا
صهيب وزبير يبدوا الأكثر ودا وابتسامة أما بحر فيبدوا هادئا وساكنا لا تعرف ما يدور بداخله كاسمه تماما
ثم تابعت والدتهم قائلة " وهذه كما تعلمون ابنة والدكم المفضلة رنيم "
ابتسمت بخجل وقلت " سرني التعرف عليكم "
ابتسم الذي اسمه زبير وقال " ونحن كذلك "
ثم قال بحر وهوا ينظر للأرض "لقد سررنا بلقائك " واكتفى البقية بالصمت
تلقى بعدها غيث اتصالا من شخص ما فخرج وعاد ومعه رجل يبدوا لي في الستين من العمر قدمه غيث
للجميع قائلا " أعرفكم هذا السيد راجي من سيحضر معنا الوصية بطلب من والدي وأعرفك بالجميع هؤلاء
أشقائي وهذه الآنسة رنيم ابنة صديق والدي رحمهما الله "
قال السيد راجي مبتسما " صباح الخير , لقد سررت بلقائكم "
رد عليه الجميع التحية فيما عدا واحد منهم اكتفى بالنظر له ببرود وكأنه يعرفه وهذا ما استغربته ثم جلس
بجوار أديم , بعد قليل رن هاتف غيث مجددا فخرج دون أن يجيب عليه
نهاية الجزء الثالث
ما سيكون في الوصية وما ستحمله لكل واحد منهم من مفاجأات وما ستكون ردود أفعالهم حيال الأمر
فالبعض ستهدم ماضيه وحاضره والبعض ستهدم أمانيه وتجعله يهدم أماني غيره رغما عنه وبإرادته في
ذات الوقت فجحيم الوصية سيتخطى أفراد العائلة بكثير
تابعوا معي الأحداث القادمة لتعلموا كل ذلك ولا تحرموني من توقعاتكم وتشجيعكم
أختكم بـــــــــــ المشاعر ـــــــــرد