الجزء الحادي عشر
صهيب
ما كان عليا أن أتق بذلك الصعلوك ولا بالذي معه ما كان عليا تركها معه بعد الذي قاله
ماذا لو مسها بأذى ركبت سيارتي ومضيت لأنظر ما فعل صديقي سالم في أمر المنزل
الذي سأنقلها إليه فلا تكون إلا تحت رعايتي وحدي فساعدني في استئجار منزل مناسب
لذلك , ثم عدت لأخذها من هناك وعندما وصلت فوجئت بباب المستودع مفتوحا فقفزت
قفزا من السيارة ودخلت للداخل فلم أجد أحدا لا ميس ولا حامد ولا أي شيء أمسكت
رأسي بيداي من الصدمة وأنا أصرخ مناديا باسمها ثم خرجت كالمجنون أركض حول
المكان مناديا لها وكأنها ستخرج لي من هناك صرخت وصرخت وناديت وناديت ولكن
دون فائدة ركبت السيارة وانطلقت بسرعة جنونية وأنا أصرخ قائلا
" ما كان عليك أن تتق بأحد يا صهيب ولو كان مصيره بيدك لقد أضعتها وأضعت
وصية والدك لك "
ضربت على المقود بيدي وقلت بغيض
" لقد خذلت والدك الذي وتق بك وحملك هذه الأمانة دون الجميع خذلته يا صهيب وسيحاسبك
عليها يوم يلقاك عند الله "
كنت لا أرى أمامي إلا السواد اتصلت بهما مرارا ولم يجيبا أرسلت لهم رسائل أتوعدهم
فيها وبدون فائدة جلت كل الأماكن لأسأل عن مكان يعيشان فيه ولكن دون جدوى وبقيت
على ذاك الحال حتى حل الظلام
في صباح اليوم التالي اتصل بي جهاد صرخت به مباشرة ما إن فتحت الخط قائلا
" أعد الفتاة أيها القذر أو رأيت ما لم تره "
ضحك وقال " مهلك قليلا ولا تخف على معشوقتك "
قلت بغضب " هي أشرف منك يا نذل , إن لم ترجعها سليمة كما أخذتها وأنت تفهم ما أقول
فستكون اليوم في السجن لا بل من الأموات "
قال بسخرية " إن صرت في السجن فستنسى أن هذه الفتاة موجودة "
ثم أغلق الخط في وجهي اتصلت به فأجاب بتذمر " نعم ماذا تريد "
قلت بغيض " الفتاة "
قال ببرود " والمقابل "
قلت " لا شيء ستحضرها رغما عنك "
أغلق الخط مجددا في وجهي مرت عدة أيام وأنا أبحث بكل الطرق ودون جدوى ثم
تمكنت من معرفة عنوان بيته ذهبت له مباشرة فوجدته فارغا ولكن من ملاحظتي له كان
يبدوا أن ثمة من كان هنا اليوم جلست أنتظر وبعد ساعات دخلت ضالتي التي كانت جهاد
أمسكته بكل قوتي وضربته حتى الموت وأنا أصرخ به
" أين هي وإلا قتلتك تكلم الآن"
قال بصوت متألم " ليست معي "
صرخت به بحدة " كاذب أين هي يا جهاد "
صرخ متألما " ليست معي لقد أخذها حامد من هنا وغادر , بحثت عنه ولم أجده لقد أخدها
اليوم أثناء غيابي وذهب "
ضربته أشد من ضربي السابق له ثم رفعت وجهه المغطى بالدماء وقلت
" إن كنت كاذبا قتلتك يا جهاد سمعت قتلتك "
ثم رميت به بإحدى الغرف وأغلقتها عليه بالمفتاح كما أغلقت البيت وغادرت جاءني
حينها اتصال من غيث فتحت الخط وقلت بضيق
" نعم "
جاء صوته حادا " أين أنت يا صهيب ولما لا تجيب على اتصالاتي "
قلت بنفاذ صبر " ماذا تريد "
صرخ قائلا " ماذا أريد برأيك , هل تسأل سؤالا كهذا "
دخل على المكالمة حينها رقم حامد فقلت بعجل
" وداعا الآن يا غيث سنتحدث فيما بعد "
أنهيت الاتصال منه وهوا لا زال يتحدث وفتحت الخط لحامد وقلت بغضب
" كن عاقلا يا حامد وأعد الفتاة وإلا "
قال بجدية " الفتاة هي من لا تريد العودة وإنسا أمرها نهائيا "
صرخت قائلا " ما الذي تهدي به الآن "
قال ببرود " ما سمعت لن تراها بعد اليوم ولن يهمني ما ستفعل بي ولدي الطريقة التي
أتخلص بها من الشيكات "
ثم أغلق الخط في وجهي وتركني ضائعا في طريقي وتائها في تفكيري , ما الذي
حدث وأين أخذها ورحل سحقا لي ولحلولي الفاشلة بعد كل ما فعلته مع جدي وأعمامي
ها أنا أعود من حيث بدأت وها هي رحلة بحثي عنها لم تنتهي بل تطول أكثر
حور
سجنت نفسي في غرفتي لا أخرج ولا أتوقف عن البكاء سمعت طرقات على الباب ثم
جاءني صوت زبير قائلا
" حور هل لي بالدخول "
قلت بهدوء " أنا متعبة يا زبير ولا رغبة لي في الحديث أرجوك "
قال بذات الهدوء " حسننا أنزلي لتناول الطعام فالعشاء جاهز وأمي لن ترحمني إن لم
تنزلي معي أفعلي ذلك من أجلي حسننا "
تنهدت وقلت بقلة حيلة " حسننا من أجلك فقط فلا رغبة لي بالأكل "
لبست حجابي وخرجت ولم أجد زبير في جناحنا نزلت للأسفل وكان الجميع هناك عدا
صهيب وأديم طبعا هممت بالجلوس بجوار خالتي فقالت مبتسمة
" ما تفعليه بهذه العجوز أجلسي بجانب زوجك هناك "
نظرت لزبير ثم للطاولة ياله من موقف سيء ومحرج , سمعت حينها صوت ملعقة تضرب
الصحن بقوة وكأن أحدهم رماها فيه رميا , نظرت باتجاه الصوت وكان بحر من قام بذلك ,
لم أرى تعبيرا على وجهه فقد كان مطأطأ برأسه للأسفل
جاءني صوت خالتي من جديد " اجلسي هناك يا حور ما بك يا ابنتي "
توجهت بخطوات ثقيلة كالجبال سحبت الكرسي المجاور لزبير والذي كان يجلس
بجواره غيث ويفصله عن بحر فوقف بحر وغادر من فوره بصمت وبخطوات ثقيلة
غاضبة وسريعة
قالت خالتي منادية " بحر ما بك أنت لم تأكل شيئا "
ولكنه لم يجب ولم يتوقف حتى وخرج خارج غرفة الطعام بل وخارج القصر كله
لأن صوت بابه الضخم كاد يزلزل الجدران من شدة ضربته له وهوا يغلقه
خلفه , كنت أنظر جهة الباب كالمخدرة دون حراك
" أجلسي يا حور "
كان هذا صوت زبير الذي أوقظ عقلي من توقفه جلست بهدوء وبدأت أقلب الطعام
ولم آكل إلا اليسير ثم نظرت لصحن بحر الذي لم يأكل منه شيء رغم بدئهم الطعام
قبل وصولي بوقت وحتى زبير لم يأكل إلا بعض اللقيمات على ما يبدوا و رنيم وغيث
كذلك يبدوا لي أن الجميع ليسوا بخير هنا , وقفت واعتذرت عن الطعام وتوجهت للمطبخ
أنتظر أن تلحق بي رنيم لنغسل الأطباق والأواني فالخادمة غادرت منذ وقت وما هي
إلا لحظات حتى دخل زبير وقف بجواري وقال
" ما بك يا حور لا تبدين بخير "
تنهدت وقلت " متعبة قليلا وسأكون أفضل عند الغد "
غادر بصمت ولم يضف حرفا واحدا , أجل حالي لا يسر أحداً فماذا أقول عن حالي
لما لا تساعدني يا بحر لما تزيد من همومي , لماذا يفعل بي ذلك ما ذنبي أنا ما ذنبي
إن رحل وتركني منذ سنين ما ذنبي إن زوجني والدي وعمي دون رأيي ما ذنبي إن كان
زوجي شقيقه من بين كل البشر لقد أحرقوني وحكموا عليا بأن أموت كل دقيقة
جاءت رنيم بعد وقت لتخبرني أنهم أنهوا الطعام طلبت مني أن أترك لها العمل وحدها
ولكني رفضت فما ذنبها هي فيما يحصل لي وهل ستبقى تعمل هنا وحدها دائما
تعاونا على تنظيف الأطباق وغسلها والصمت يغلف المكان فيما عدا صوت الماء
قلت بهدوء " رنيم لا يبدوا لي أن أحوالك وغيث جيدة "
سكتت لوقت ثم قالت " ولا أنتي وزبير أليس كذلك "
كانت الإجابة أصعب من أن أخرجها ومما تخيلت فعلمت حينها أن سؤالي كان غبيا فقلت
" أنا آسفة حقا يا رنيم إن كان سؤالي غبيا ومحرجا "
ابتسمت وقالت
" ولما الأسف هذا هوا الواقع فكلنا هنا ضحايا وصية حكمت على الجميع بالموت "
قلت مستغربة " هل حكمت على البقية أيضا أنا لا أفهم "
تنهدت وقالت " بلى فكلن له نصيبه منها "
قلت بحيرة " هل سيزوجهم جميعا هكذا "
هزت رأسها وقالت " لا بل إنه حكم على بحر أن لا يترك العائلة حتى اقتسام الميراث وأن لا
يقرر قرارا يخصه وعلى أديم العمل في الجنوب صهيب وحده من نجا منها "
قلت بأسى " هذه ليست وصية إنها مذبحة
ضحكت وقالت " هوا أفضل وصف سمعته لها حتى الآن "
قلت " ولما يريدون أمرها سريا "
قالت بهدوء " بسبب الألسن أنتي تعلمي ألسن الناس لا ترحم "
قلت بعد صمت " ولما يمنع بحر من الرحيل "
قالت بحيرة " أنا لا أعلم ولا أفهمه حقا ما فهمته من خالتي أن بحر كان يتمنى دائما
أن يكون مستقلا ويبني نفسه بنفسه فكما تعلمي هوا ليس ابن هذه العائلة قد يكون
يعتبر نفسه مجرد منسوب لها فهوا لا يريده أن ينفصل عن العائلة "
قلت بهدوء " ونحن لا يمكننا الانفصال عنهم حتى الله وحده يعلم متى , هذا إن كان هناك انفصال "
قالت بضيق " أحمدي الله أن زبير يعاملك معاملة حسنة على الأقل "
قلت بحزن " نعم ولكنه ليس سعيدا معي هوا لا يعاملني كزوجة وكل منا ينام في غرفة لوحده
نحن كالأشقاء منذ تزوجنا "
سمعت حينها صوت مفاتيح تقع أرضا التفتت للخلف فكان بحر منحني للأسفل يرفع مفاتيحه
عن الأرض نظرت له فنظر إلي بصمت ثم غادر فنظرت لرنيم ويبدوا أنها كانت منشغلة ولم
تنتبه للصوت حيث أنها ضحكت قائلة
" إن كان كل منكما في غرفة فكل منا في جناح ونحن كالأعداء من قبل أن نتزوج "
وأنهينا باقي أعمالنا في صمت وقد غادرت رنيم في اليوم التالي لدولتها من أجل والدتها يبدوا
أنها تواجه مشاكل هناك وكأنه ينقصها هموم
غيث
كانت رنيم تلح بالتحدث معي في أمر ما ولكني ما كنت بمزاج يسمح حتى برؤيتها
أمامي , في صباح اليوم التالي سألت عنها أمي فأخبرتني أن زوج خالتها جاء لاصطحابها
فصرخت قائلا بغضب
" تغادر دون أذني من تراني هنا قطعة أثاث "
قالت أمي " ضننت أنها أخبرتك لقد قالت لي بالأمس أنها ستتحدث معك لتأخذها "
قلت بغضب " ولما تصر على اليوم ألم يكن بإمكانها تأجيل ذلك "
قالت بهدوء " أتصل بهما وأعلم ما الأمر قد يكون ظرفا طارئا "
تركتها وخرجت غاضبا اتصلت بزوج خالتها فأجاب من فوره وأخبرني أنهم
خرجوا من البلاد وهم الآن في الطريق طلبت منه أن يعطيني رنيم لأتحدث
معها فقال أنها نائمة , أعلم أنها تتعمد فعل ذلك وتعلم مدى فداحة خطئها شديدة
العناد باردة المشاعر تلك
" مرحبا غيث "
رفعت نظري عن هاتفي للداخل حينها وقلت
" مرحبا أديم جيد أنه لديك أيام إجازة لكنا نسينا رؤيتك تماما "
قال بضيق وعبوس
" لا يزيد همي إلا أيام الإجازات لو أبقى طوال عمري هناك سيكون أفضل فقد أعتاد على
وضعي الجديد "
قلت " هيا تعال للداخل وأخبرني ما صنعت هناك "
جلس وقال " لا أصنع شيئا سوى الجلوس والخروج وقد تشاجرت مع أحدهم أيضا وكنت
سأتسبب بطرد غيره "
ضحكت وقلت " هل فعلت كل هذا يبدوا أنك بدأت تستكشف مساوئ موظفينا هناك "
تنهد وقال " هي ليست مساوئ أكثر من كونها مشاكل ذلك العالم يجعلك تشعر بالانفصام "
قلت بتساؤل " عالم الفقراء تقصد "
قال بهدوء " نعم فالغوص فيه أمر يتعب الروح والبدن ولا تجد نفسك إلا منغمسا في مشاكلهم لما
فعل بي والدي هذا "
قلت بضيق " والدي ظلم الجميع دون رحمة ولا استثناء حتى أنه سحب بنات أصدقائه معنا "
وردني حينها اتصال من شخص استغربت أن يفعلها الآن فأجبت على الفور
بحر
كنت وزبير نتناقش في موضوع صهيب وأن عليا التحدث معه دخلنا للمطبخ فكانت
حور هناك طلب منها زبير سكب القهوة لنا فبدأت بذلك على الفور وفي صمت ثم التفتت
نحوي نظرت لعيناي ثم أخفضت بصرها وقالت
" كيف تريد السكر "
قلت بعد صمت وأنا أتأملها " معتدلة لو سمحتي "
ثم نظرت لزبير وقالت " وماذا عنك "
ابتسم وقال " ألا تعرفي قهوتي إنها حلوة "
قالت بتوتر " نعم ... لا ... يبدوا أنني نسيت "
والتفتت لتنهي تحضيرها ووضعتها أمامنا وعادت لعملها , كنت أعلم لما سألت
زبير عن ذلك فهي خشيت أن يتكرر موقف العصير , هي تعلم جيدا قهوة زبير
فهي من تعدها له , آه لو أني فقط أستطيع التحكم في أفكاري وتصرفاتي لو أني
أسيطر على نفسي عندما أرى اهتماما منها لشيء يخص زبير ولو أني أوقف
رغبتي الجامحة لتأملها كلما كانت أمامي
لما لا أقتنع أنها أصبحت ملكا لغيري وانتهى الأمر , حتى لو أنه ليس سعيدا معها
ولم يلمسها حتى الآن فهي زوجته ملكه وستئول له آجلا , آه ما أقسى الواقع وما أقسى
هذه الجمل التي تكوي قلبي بنارها كلما رأيتهما معا في مكان واحد , ولكن ما يضع عقلي في
كفي هوا كيف لزبير أن لا يقربها حتى الآن , فتاة بكل هذا القدر من الجمال كيف يمنع نفسه
عنها هل يعقل أنه يحب زمرد كل هذا الحب ولكن حور كفيلة بأن تنسيه عشرة من أمثالها
" قهوتك بردت يا بحر ألن تشربها "
كان هذا صوت زبير الذي أعادني إلى الواقع ابتسمت وقلت " بالتأكيد "
قال بهدوء " ما فعلت بشأن والدك "
قلت بالهدوء ذاته " لاشيء حتى الآن عليا محاولة أبعاده عن شلة الفاسدين تلك لأنه سيدمر
حياة أخوتي ووالدتهم فأنا من يمسك شره عنهم ويعيلهم الآن فماذا لو مت من سيكون لهم "
سمعنا حينها صوت تكسر زجاج على الأرض وحور واقفة تنظر له بصدمة ويدها على قلبها
وقف زبير وتوجه ناحيتها وقال
" ما بك يا حور هل أنتي بخير "
نزلت تجمع الزجاج المتكسر في صمت ثم وقفت وقالت
" زبير أريد زيارة منزل عمي اليوم هلا اصطحبتني إليهم "
عاد للجلوس بجواري وقال " أنا مشغول اليوم في وقت آخر "
قالت بحزن " ولكني لم أخرج منذ أكثر من شهرين لقد اشتقت لهم فهم عائلتي "
تنهد بضيق وقال " بحر الست من سيصطحب والدتي لزيارة ابنة عمها , خذ حور في طريقك "
قالت بضيق " أأنت زوجي أم بحر "
ثم خرجت مستاءة تلك الكلمة ضربتني كالرصاصة وشقت قلبي لنصفين
( زوجتك وليست زوجة بحر ) ما أبغضها من كلمة فهي من تذكرني بالواقع المرير
, لما هم متفقون علي لما يحبون تكرارها أمامي قلت لزبير بهدوء يشابه الهمس
" لا تضايقها يا زبير فلن تعرف قيمة ما لديك حتى تخسره "
ووقفت مغادرا حين استوقفني صوته قائلا " أنت تقولها يا بحر غريب حقا "
نظرت له وقلت " وما الغريب في الأمر "
قال وهوا ينظر لفنجان قهوته
" طوال حياتك تستهتر بقيمة الأشياء وتكره أن نقول لك تلك العبارة "
ابتسمت بحزن وقلت
" بعض الضربات تكون أقسى من الموت يا زبير وبعض الأشياء فقدانها ليس بالهين "
نظر لي نظرة غريبة لم أفهمها وقال
" لا تقلق يا بحر فأنا لن أعاملها إلا بالحسنى فهي وصية والدي لي "
خرجت بحثا عن والدتي وطلبت منها أن تلح على حور لتأتي معنا لنأخذها لمنزل عمها
وبعد جهد وافقت على أن تأتي بصحبتنا أردت بذلك أن أفعل شيئا يريحها ولكني لا أجلب إلا
التعب دائما لكلينا
زبير
خرج بحر وتركني كصخرة تضربني أمواجه العاتية التي تعلو وتسقط بعنف رغم
هدوءه سامحني يا بحر سامحني يا شقيقي فلو تعلم ما فعلت بك وما أنا فاعل فستكرهني
بالتأكيد فالأمر خارج عن إرادتي
خرجت لخارج القصر جلست بالحديقة واتصلت بصديقي الذي يستمع لكل أنواع همومي فتح
لي الخط بعد طول انتظار فقلت بحزن
" مرحبا يا صديقي هل تعلم ما كنت أفعل منذ قليل كنت أشاهد شقيقي يحترق أمامي وأنا
أحاول أن لا أسكب الوقود على ناره , لما يحصل معي ذلك لما أنا وليس غيري لما أنا
من حكم عليا والدي بهذا الجرم منذ أثنين وعشرون عاما , تصور أن يتحول حلمك
لسراب ثم أنت تحول حلم غيرك للشيء الذي أنت تعانيه , لم أعد أرغب في الحياة لم
أعد أريدها "
ثم أغلقت الخط دون أن أشكره أو أودعه كما في السابق وما هي إلا لحظات حتى وصلتني
رسالة من رقمه مكتوب فيها
( قال النبي صلى الله عليه وسلم
( كان برجل جراح فقتل نفسه , فقال الله بدرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة )
استغفرت الله كثيرا لما قلت وما فكرت , ثم ابتسمت لأني أحسست أن من أتحدث معه
دائما هوا مخلوق حي وموجود يستمع إلي وخاف على مصيري وأراد ردعي عن التهور
, خرجت وصادفت غيث يتبعه أديم خارجا فاليوم إجازته و كان على ما يبدوا لي مستعجلان
نظر غيث باتجاهي وقال
" زبير ألحق بنا فورا "
وركبا سيارة غيث وغادرا وأنا خلفهما ولا أفهم شيئا
رنيم
كان عليا الذهاب اليوم لوالدتي فأولئك الأنذال يهددونها ويطالبون بمقابلتي والتفاهم
معي لأني أنا ابنة غريمهم كما يقولون لذلك كان عليا الذهاب لأرى ما لديهم من جديد ,
فكرت فكرة غبية أن لي زوجا أختاره والدي شامخ ليكون معينا لي ولكن يا لا سخافة
أفكاري وسذاجتي فهوا لم يكلف نفسه حتى عناء الاستماع لي وصرخ بي وكأني متسول
يتسول أمام بابه , يبدوا أنه لا حل لما بيننا لا حل
وصلنا بعد ساعات من السفر نزلت ركضا أبحث عن والدتي وما أن وجدتها ارتميت
في حضنها وبكيت بكاء مرا طويلا بطول عذابي كل تلك الأسابيع مسحت والدتي على
رأسي محاولة مواساتي ثم جلسنا سويا فأمسكت بيدي وقالت
" ما بك يا ابنتي لما كل هذا البكاء "
قلت بحزن " لاشيء يا أمي هوا الاشتياق لك والخوف عليك فقط "
ربتت على يدي وقالت " لا تخافي عليا يا رنيم المهم أنك بخير "
قلت بابتسامة ميتة مثلي " بخير أمي لا تقلقي "
تناولنا الغداء ثم جلسنا نتحدث ونقلب المواضيع وكأنني لم أرها منذ أعوام وبعد
العصر حظر زوج خالتي وابنه أدهم قال زوج خالتي
" هم قادمون بعد قليل كانوا يصرون على ذهابنا نحن هناك ولكننا تحججنا بمرض
والدتك فلن آمن مكرهم "
نظرت لوالدتي وقلت " إن فتحوا موضوع زواجي فلن نخبرهم زوجي من يكون حسننا "
قالت أمي باستغراب " ولما "
قلت بضيق " لأني لن أعتمد عليه في ذلك "
قال أدهم بغضب " ولما زوجوك له إذا "
صرخ والده قائلا " أدهم لقد انتهى الكلام في ذلك الأمر "
صمت أدهم بضيق ونظر للجانب الآخر مغتاظا وقال زوج خالتي
" هل أخبرتي زوجك عن قدومك "
قلت بضيق " لا لم أخبره "
قال بصدمة " لماذا "
نظرت لوالدتي ثم لأدهم ثم له و أخفضت بصري في صمت ففهم أنني لا أريد ذكر السبب
فتأفف أدهم مانعا نفسه من الحديث بعد قليل وصل الضيوف الغير مرغوب بهم طبعا
توجهت ووالدتي وزوج خالتي وابنه جميعنا لغرفة الضيوف حيث استقبلهم أدهم ووالده
كانوا أثنين وهما أكثر أفراد عائلتهم شرا وهي عائلة كبيرة ومعروفة هنا تكلم الأول قائلا
ما أن رآني
" أين هربت من دفع الحساب يا ابنة حيان "
قلت ببرود " لا حساب بيننا بعد حكم القانون "
صرخ الآخر " بلى بيننا حساب ولم نصفه بعد "
قلت بذات البرود " ها هي ذي أنا أمامكم فاقتلوني "
قال الأول بسخرية " نعم ولن يردعنا عنك أحد "
" بل هناك من يردعكم ويكسر رؤؤسكم أيضا "
التفتنا جميعا لمصدر الصوت الغاضب فكان غيث واقفا أمام الباب خلفه زبير وأديم
نظرت لهم بصدمة كيف وصلوا بهذه السرعة بل منذ متى وهم هنا
قال أحد الشابين " ومن أنت لتردعنا "
نظر له غيث نظرة حادة وقال
" زوجها والمسئول عنها وعن والدتها ولن يلمس أحد شعرة من رأسها مادمت على قيد الحياة "
نظر لي الأخر وقال بغضب " هل صحيح ما يقول "
قلت ببرود " ولما عليا أن أصحح لك فلا علاقة لك بالأمر "
صرخ قائلا " اسمعي يا كثلة البرود لديك حساب عليك دفعه لنا وزواجك منه يعني نهايتك ونهايته "
اقترب منه غيث امسكه من قميصه وقال بغيض " إن رفعت صوتك عليها ثانيتا حطمت
لك وجهك فحديثك معي وليس معها وأقسم وأنا أبن شامخ آل يعقوب أنني سأجرجركم
في المحاكم حتى تعلموا أن الله حق وسأرميكم للفقر والشارع إن لم تكفوا أذاكم عنهما "
ثم تقدم أديم من الأخر وأمسكه من قميصه أيضا وقال " أحمدا الله أن شقيقنا صهيب ليس معنا
الآن لأنكما حينها لن تناما الليلة إلا في المستشفى وها أنا أعاود تحذيركم بعد أخي أن مصير
من يقترب منهما سيكون السجن أو الموت "
قال زبير حينها " هل أتدخل أم لا حاجة لذلك الآن "
نظر لي أديم وقال " ما نفعل بهما يا رنيم قرري وسننفذ على الفور "
لقد شعرت حينها بالنشوة الغامرة بل شعرت أنني سأرقص فرحا من كلماته وأحسست
حينها أن والدي شامخ عاد للحياة من جديد فقلت بابتسامة نصر وأنا أنظر لهما
" إن عاهداكم على عدم تهديدي ووالدتي اخلوا سبيلهما حاليا "
نظر له أديم بحدة وزاد من شده على قميصه وقال بغيض " ها ما قلت "
قال الشاب " حسننا اتركونا نذهب "
تركه من يده كما فعل غيث كذلك ثم قال غيث " لا تفكرا أنكما ما أن تخرجا من هنا ستفعلان
ما يحلوا لكما فنحن ما تركناكم الآن إلا لأننا نستطيع اللحاق بكم ولو في آخر الأرض "
نظرا له بغيض وخرجا في صمت أعرفهما جيدا فهما لن يعودا لتهديدنا بعد اليوم لأنهما
جبانان ولا يستقويان إلا على الضعفاء
تنهدت براحة وقلت " الحمد لله تخلصنا منهم أخيرا "
نظر لي غيث وقال " رنيم هل لنا أن نتحدث قليلا "
نظرت له وللجميع ثم قلت " حسننا "
صرخ أدهم قائلا " لا تؤذيها يا هذا لأنك ستندم "
ابتسم غيث بسخرية وقال " ومن أنت لتتدخل في شئوني "
قال زوج خالتي بحدة " أدهم هل جننت "
صرخ ادهم " لا لم أجن ولكن عليه أن يعلم أنها ليست وحيدة فلا يتطاول عليها يكفي
أنه تركها تأتي معك عوضا عن الوقوف بجانبها "
قال غيث بغيض
" ولما لم تبرز كل هذه العضلات أمام من كانا هنا للتو بدلا من ترك الفتاة تتحدث معهم "
قال أدهم بغضب " لا تمن علينا بما فعلت يا هذا "
صرخت بهما قائلة " يكفي الآن "
قال ادهم " لا لم نكتفي بعد وعلى زوجك أن يعلم أنه ليس الحامي المنقذ الذي انتشلك
وحده من مشاكلك فأنا كنت سأتزوجك وأسافر بك لأحميك منهم فليس لأننا لا نملك
النفوذ والمال مثلهم يعني أننا نقف مكتوفي الأيدي عن حمايتك "
بدأ الشرر يتطاير من عيني غيث كالقذائف وهوا ينظر لي وقال بصراخ غاضب
" ما يفعله هذا هنا الآن "
أحسست برجفة الخوف تسري في كل أنحاء جسمي ولدت بالصمت فنظر لزوج خالتي وقال بغيض
" أخرج ابنك من هنا قبل أن اخطأ بحقك وحقه "
أخذ زوج خالتي ادهم الغاضب وغادرا , بعدها أمسكني غيث من يدي وسحبني للخارج
ثم صعد بي لأحد الغرف أدخلني وأغلق الباب رفع يدي التي يمسكها من جهة الرسغ وقال
بصراخ غاضب
" هل لي أن أعرف لما أتيتي بدون أذني "
صرخت بحرقة " حاولت أخبارك مرارا ولكنك لم تكن تكترث لأمري ولا أهمك في شيء "
صرخ بقوة أكبر قائلا
" وإن يكن فلا تخرجي بغير إذني هل تريني طفلا أمامك أم نسيتي أني زوجك "
قلت وأنا أسحب يدي من يده " ولما تنسى أنت أنني زوجتك , أمي كانت تواجه الخطر هنا
وهم هددوها إن لم أحضر اليوم فسيؤذونها , هل كنت تتوقع مني أن أنتظر حتى ترأف
لحالي وتتحرك إنسانيتك لتسمع ما سأقول "
تنهد بضيق ثم بدأ يتنفس بقوة وكأنه يحاول تهدئة نفسه ثم قال بغيض
" مادام لديك من يترجل ويحميك فما حاجتك بي "
قلت والدموع تسقط من عيناي " لو كان لي به حاجة لما طلبت منك مرتين أن أتحدث معك
رغم معرفتي لكرهك لي ولسماع حديثي "
نظر لي مطولا بصدمة ثم قال بهدوء " أنا لا أكرهك يا رنيم "
قلت ببكاء " بلى تكرهني وتحملني أثم ذنوب أنا لم أرتكبها أصابع يديك ليست متساوية يا غيث "
قال بحدة " كرهي للنساء شيء وأن أكرهك كزوجة شيء آخر "
ابتسمت بسخرية وقلت " لو اخترت قدري ما كنت اخترتك يوما "
عبارتي كانت جارحة له ولكنه أراد أن يرى شيئا غير البرود فليجرب إذا
قال بتحدي " ولو اخترت قدري ما اخترت أي امرأة على وجه الأرض كانت من تكون "
قلت بهدوء " غيث لا نفع مما نقول دعنا ننهي هذا أرجوك "
قال بحدة " وخروجك دون إذني "
قلت بضيق " لن يتكرر "
قال بذات الحدة " وابن خالتك "
قلت باستياء " وما به ابن خالتي "
قال بغضب " لا يتدخل بشؤوننا ولا بك فأنا لا تنقصني مشاكل "
قلت " هذا شيء تطلبه منه وليس مني "
قال بحدة " بل عليه أن يسمعه منك لكي يقتنع بأن لا شيء له عندي "
ابتسمت بسخرية وقلت " ألم تقل سابقا أنه إن كان لدي شخص أحبه فعلي أخباره أن ينتظرني "
نظر لي بصدمة وقال " وهل تنتظري الفكاك مني لتتزوجي به "
قلت بألم " لن أتزوج به ولا بغيره طوال حياتي لقد أصبحت مثلك يا غيث لقد أكرهتني في الرجال "
ثم قلت بحزن " غيث أرجوك أن ترحمني أنا متعبة ولا رغبة لي في الشجار أكثر "
قال بضيق " لم تجيبي وابن خالتك "
قلت بنفاد صبر " سأتحدث معه "
الجزء الثاني عشر
بحر
بعدما ألححت على والدتي أن تصر على حور لتأتي معنا لأخذها لبيت عمها في
طريقنا ووافقت حور بصعوبة ركبتُ السيارة في انتظارهم ثم جاءت هي وأمي
ركبت في المقعد الخلفي خلف والدتي مباشرة فانطلقت جهة منزل عمها أولا فهوا
لا يبعد كثيرا
تصوروا أنها كانت هنا بقربي طوال الوقت ولم أعلم , لولا استهتاري لكنت سألت
وعلمت لكنت انتشلتها منذ أربع سنوات من منزل عمها انتشالا لتصير لي , لكنت
نمت تحت نوافذ منزلهم وأضربت عن الطعام والشراب وفعلت كل ما فعله العشاق
لأفوز بها أو أموت بدلا من الوقوف والنظر لها من بعيد .
عند منتصف الطريق وجدنا ازدحاما بسبب حادث مروري فسلكت طريقا آخر ساحلي
بعيد قليلا فاتكأت حور برأسها على النافذة تشاهد البحر في صمت خففت السرعة لأني
أعلم أنها تحتاج للخروج بعد كل ذلك السجن حتى أنها ممنوعة من حضور كل الاجتماعات
النسائية التي تأتي لوالدتي
كانت لا تحرك نظرها عن عرض البحر وعيناي لا تتوقف عن رصدها في كل
لحظة خرجت حينها أمي من صمتها وقالت
" ما بك يا بحر لما خففت السرعة لن نصل على هذا الحال "
انتظرت حور أن تعترض أو توافق لأعمل بما ستقول ولكنها اختارت الصمت فتابعت
على ذات السرعة غير مكترث بكلامها وصلنا بعد وقت فقلت لها وهي تهم بالنزول
" متى تريدي العودة يا حور "
سقطت من عينها دمعة لم تغفلها عيناي فهي قد سقطت في قلبي ومزقت أحشائي
كالحجر الذي يهوي في عمق البئر ويخبره من الأعلى عن هول وصوله للقاع
قالت بحزن " متى ما عدت بوالدتك "
ثم اختفت عني خلف باب منزل عمها كما تختفي عني كل حين خلف الأبواب الموصدة
حور
لا مهرب ولا منجى لي من ذاك الكابوس والمكان برمته إلا منزل عمي أشعر
بالاختناق وأحتاج للتنفس ولو قليلا أحتاج للهروب من أي مكان بحر يوجد فيه
أو حتى كان فيه رغم أنه غير موجود أغلب الوقت إلا أنني أشعر بالمرارة
إن كان بقربي أو بعيدا عني وحتى لبيت عمي كان قدري أن يوصلني هوا
إلى هناك أن أركب سيارته أن اشتم عطره واستمع لأنفاسه , لما حُكم عليا
بالعذاب لما أنت شقيق زبير يا بحر لما التقيت بك في حياتي
" ما بك يا بحر لما خففت السرعة لن نصل على هذا الحال "
كان صوت خالتي الذي كسر الصمت الموحش تمنيت أن لا يستمع لكلامها
تمنيت أن يشعر بقلبي وهوا يخبره أنني أريد بث همومي للبحر ولو في صمت
, للمكان الوحيد الذي كان يذكرني به طوال تلك السنين وحمدت الله كثيرا أن قلبي
أوصل له رسالتي
عند وصولي وأنا أهم بالنزول استوقفتني كلماته لا بل صوته وهوا يسألني متى أريد
العودة بل قل متى تنتهي مأساتنا متى نستفيق من هذا العذاب لنجده مجرد كابوس
ليثني كنت أنا من استطاع أن يسأله ولكن ليس بكلمة متى بل بكلمة لما , لما فعلت
ذلك لما تركتني ورحلت
ولكن ما نفع السؤال لو كانت الإجابة لن تغير شيئا نزلت دمعة أحسست بحرارتها
وهي تعبر من قلبي ثم عروقي ثم أحرقت جفوني لتنهي مسيرتها متكسرة على صفحات
كف يدي , دخلت منزل عمي وأنا أريد الهروب من كل شيء قد تركته خلفي بل كل ما
تركته من ذكريات ورائي , طرقت الباب فكانت ولحسن حظي مرام هي من فتح لي
وليس الخادمة فارتميت في حضنها أبكي مرارتي بل أواصل بكائي الذي بدأ منذ دخلت
من الباب الخارجي للمنزل فقالت وهي تمسح على ظهري
" حور حبيبتي ما بك ستموتين من شدة البكاء توقفي أرجوك "
" ما بكما ما بها حور "
كان هذا صوت زوجة عمي شادية وهي تتوجه مسرعة نحونا ارتميت بحضنها وتابعت
مسيرة بكائي أبعدتني عنها وقالت بخوف
" ماذا حصل يا حور هل زوجك به مكروه أم هم أهله "
آه أنا التي بي كل مكروه مسحت دموعي وقلت
" لا هم بخير ولكني اشتقت لكم فأنا لم أفارقكم منذ سنين "
سحبتني مرام من يدي وهي تقول " أفزعتنا عليك أيتها الطفلة كل هذا شوق لنا فقط "
دخلنا جميعنا لغرفة الجلوس وحضرت شادن بعد قليل وحضنتني بحب لأول مرة
أعرفه منها لم تكن علاقتي بشادن سيئة أبدا ولكنها كانت علاقة سطحية جدا
بسبب اختلاف أفكارنا وطبائعنا وأعمارنا جلسنا نتحدث لوقت طويل ولم يتوقفن
بنات عمي عن استجوابي عن حياتي في قصر العائلة حتى قالت مرام
" متى سيأتي زوجك لأخذك هل ستقضي اليوم معنا "
تيبس لساني عن الجواب فما سأقول هوا لم يحظرني بل ولن يأتي لاصطحابي
وكزتني بمرفقها وقالت " هيه حور أين ذهبتي كنت أسألك "
قلت بتردد
" لا أعلم , عندما سيقوم شقيقه بإرجاع خالتي من عند قريبتها سيمران بي ولم أسأل متى "
قالت شادن بصدمة " ولما لا يأتي زوجك لأخذك "
قلت بهدوء " هوا مشغول كثيرا اليوم وشقيقه سيعود بوالدته على كل حال "
قفزت شادن بجواري وقالت بلهفة
" من هوا شقيقه هذا وما أسمه وهل يفكرون في عروس له "
عاد لساني للتيبس من جديد , من يكون ما اسمه كيف أقولها ويتزوج وعروس يستحيل
ذلك فسأموت من حينها , ولكني تزوجت أيضا
" هيا حور أجيبي ما بك "
تنهدت وقلت " بحر ... اسمه بحر "
شهقت مرام شهقة قوية خرجت رغما عنها كما يبدوا ثم نظرت لشادن بصدمة
والتي كانت تبادلها ذات النظرة ثم قالت بتوتر
" أأأ هل هل يسمون مثل هذا الاسم غريب "
ثم نظرت لي نظرة تسأل فيها عينيها عيناي إن كان ما تظن صحيحا وكأنها تتمنى أن
يكون الجواب مغايرا لتوقعاتها فابتسمت ابتسامة حزينة وأنزلت نظري للأسفل ولم اشعر
حينها إلا بيدها تسحبني من يدي وتخرج بي من الغرفة وتصعد بي السلالم للأعلى
وصوت شادن الغاضب يتبعنا وهي تقول
" غبيتان لما تذهبان وتتركاني "
ولكن مرام لم تتوقف بل أدخلتني غرفتها وأغلقت الباب خلفها بالمفتاح وقالت
" بحر يا حور هل هوا بحر ذاته "
ارتميت في حضنها أبكي بحرقة وقلت
" ما أتعسني من فتاة يا مرام لما تلاحقني تعاستي منذ صغري لما يحدث معي هذا أخبريني أرجوك "
قالت مرام بصوت مصدوم " كيف يكون شقيقه وليس لهما نفس الاسم "
ابتعدت عنها وتوجهت جهة السرير جلست على طرفه وعينيا في الأرض وقلت بحزن
" هوا شقيقه من والدته ويعيش معهم أيضا "
ثم نظرت لها وقلت ببكاء " هل رأيتِ ما ألت إليه , أنظري لحجم تعاستي يا مرام "
جلست بجواري وقالت بضيق " ولكنه تخلى عنك يا حور تركك ورحل لما تبكي عليه الآن لما "
قلت بحزن وأنا أهز رأسي نفيا
" لا أستطيع يا مرام كيف أقتل قلبي كيف , كيف اجبره على مالا يريد أنا أتعذب فلا تزيدي من عذابي "
صرخت بي قائلة" غبية .. غبية يا حور هوا لم يهتم لأمرك كل تلك السنين "
غطيت وجهي بيداي وقلت ببكاء " لم استطع , ما أن رأيته أمامي حتى تحولت لهباء تذروه
الرياح , ما إن رأيته أمامي حتى عاد الماضي وعادت الأشياء التي لم تمت يوما "
حضنتني وقالت بدموع
" أفهمك يا حور وأشعر بك ولكن عليك أن تستفيقي للواقع فأنت زوجة شقيقه الآن "
تنهدت تنهيدة طويلة بألم وابتعدت عن حضنها وقلت " لما شقيقه , لما هوا تحديدا لما أنا لا أفهم "
ربتت على كتفي وقالت " هوني عليك يا حور هذا قدرك وقدر الإنسان لا مفر له منه "
قلت بألم " ما أقساه يا مرام , ما أقسى ذلك إنه أشبه بالموت "
رفعت وجهي إليها وقالت " هل تحدثما يا حور هل سألته لما فعل ذلك "
أخفضت رأسي للأسفل وقلت " لا لم نتحدث , وما نفع الحديث الآن فما من داعي لذلك "
قالت بصوت هادئ يشبه الهمس " وماذا عنه هوا "
هززت رأسي وقلت بأسى " لا أعلم ولم أعد أفهم شيئا نظراته التي لا تفارقني كلما كنا في ذات
المكان تضايقه من أي شيء أفعله لزبير رغم أنه شيء عادي وتافه , ولكني لا اعلم ولا أفهمه "
قالت بإصرار " عليك أن تسأليه لما فعل ذلك يا حور "
ابتسمت بحزن وقلت " وما نفع السؤال الآن وما سيغير الجواب من الواقع "
تنهدت بحزن وقالت
" معك حق فما كان قد انتهى ولا فرصة للرجوع مهما كانت مشاعركما اتجاه بعض "
سكتت قليلا ثم سألتني قائلة " وماذا عن زوجك كيف هي علاقتك به "
قلت بهدوء حزين " جيدة وسيئة في آن واحد "
نظرت لي باستغراب وقالت " لم أفهم "
قلت بحزن " هوا يعاملني معاملة حسنة جدا ولكن ليس كزوجة إنه لا يتحدث معي إلا للضرورة
حتى أننا لا ننام في ذات الغرفة "
انفتحت عيناها من شدة الصدمة وقالت " ولكن لماذا , هل يعلم بما كان بينك وبين شقيقه "
نظرت لها بجزع وقلت " لا لا تقولي ذلك "
قالت مطمئنة " ما بك يا حور أنا سألتك عن ذلك ولم أخبرك للعلم بالشيء "
تنهدت وقلت " يبدوا أنه كان يحب فتاة أخرى ويريد الزواج بها هذا ما فهمته "
قالت بأسى " إذا القلوب المحطمة كثيرة هناك "
هززت رأسي بنعم وقلت " يبدوا ذلك "
استوت في جلستها وقالت " احكي لي كل ما حدث معك يا حور "
حكيت لها ما مررت به وأنا أبكي ثارة وأشهق بألم ثارة أخرى حتى أفرغت كل ما كان
في قلبي وأكبته منذ أسابيع
تنهدت وقالت بحزن " كم قاسيتي يا حور "
طرق أحمد أبن عمي الباب ليخبرني أن بحر في انتظاري خارجا
فقفزت مرام لجهة النافذة وقالت
" أريد أن أراه , أن أرى من سلب عقل وقلب ابنة عمي الجميلة "
توجهت خلفها ناحية النافدة كان بحر يقف خارج السيارة مستندا بطوله عليها يكتف يديه
لصدره وينظر جهة باب منزلنا وكزتني مرام وقالت
" يبدوا وسيما وهادئا كاسمه "
ابتسمت بحزن ثم توجهت لعباءتي وحجابي لبستهما وودعت عائلة عمي بالدموع
كما قابلتهم وخرجت , ما أن عبرت البوابة الخارجية وكان رأسي أرضا حتى ركب
بحر السيارة ركبت بالمقعد الخلفي لمقعده وعيناي على يداي المتشابكتان مع بعضهما
وكلي توتر فخالتي لم تكن معنا انطلق بالسيارة فقلت بعد صمت
" هل عادت خالتي للقصر "
رفع نظره للمرآة فالتقت عينانا فأنزلت رأسي للأسفل فقال بهدوء
" سنمر بها الآن فمنزل عمك هوا الأقرب "
عدنا للصمت من جديد ثم قال " لما كنتي تبكي يا حور "
آه من هذا السؤال ومن السائل أيضا فما سأقول لك , كنت أبكي بسببك كنت أبكي
لأجلك أم ابكي لأنني لم أتوقف عن حبك رغم ما فعلت بي , فلم أجد إجابة أفضل
من الصمت لأن الحقيقة لا تقبل إلا الكتمان ساد الصمت من جديد حتى وصلنا ثلاثتنا
للقصر
أديم
لا تقلقوا سأحكي لكم باقي ما حدث ذاك اليوم
بعد خروجي من الشركة توجهت لمنزلها قبل حتى أن أتحدث مع المدير لأتأكد أولا
إن كان هوا من فصلها كي لا يشك بسؤالي المفاجئ عنها وصلت إلى شوارع ضيقة
جدا ومنازل متراصة وقديمة عبرت الشوارع وعيناي تتجولان في كل مكان كيف
لهم أن يعيشوا هنا وصلت لبيت بباب حديدي أسود اللون وكان البيت مطلي بالأبيض
فوق الطوب مباشرة وعلى الباب رقم كالرقم المدون لدي في العنوان كحال باقي البيوت
فكلها مرقمة نظرت للبيت بتفحص واستغربت أن يطمعوا فيه فهوا لا يساوي شيئا طرقت
الباب وبعد مدة فتحت ليان الباب قليلا تنظر من فتحة ضيقة من يكون الطارق ويبدوا
أنها تخاف قدوم أخوتها عندما رأتني ابتسمت وفتحت الباب قليلا بعد وقالت
" وسيم هل هذا أنت "
ثم دخلت قليلا وعادت فتحت لي الباب وأشارت أن أتفضل كتبت لها في الدفتر
الذي كنت أحمله معي
( هل يوجد أحد معك )
ابتسمت وأخذت مني الدفتر وكتبت ( نعم فعمي بالداخل هيا ادخل لتتعرف إليه )
دخلت خلفها كان منزلا ضيقا مفتوح من الأعلى تفتح على المكان مجموعة من
الأبواب أدخلتني إحدى الغرف وكان بها صالونا متواضعا ونظيفا جلست هناك وبعد
لحظات جاءت تقود شيخا كبيرا وضريرا أدخلته معها وقالت
" عمي هذا وسيم هنا إنه زميلي في الشركة "
ابتسم العم وقال " مرحبا بك يا بني "
قالت ليان بحزن " عمي هوا أخرس إنه لا يسمعك "
ضحك عمها وقال " وكيف لأعمى أن يتفاهم مع أخرس "
ابتسمت وقالت "وما افعله أنا هنا هات مد يدك لتسلم عليه "
مد العجوز يده فصافحته وجلسنا قال عمها
" ليان ما به جاء لزيارتك فلم يزرك زملاء لك من قبل "
ابتسمت وقالت " لابد أنه يريد شيئا بخصوص العمل "
يبدوا أنها لم تخبره عما حدث هناك وعن فصلها أو طردها كتبت لها
( لما لم تعودي تحضري للشركة أنا أسف يبدوا أنني تسببت لك بمشكلة )
أخذت الدفتر وكتبت ( لا عليك يا وسيم كان ذلك الأمر سيحدث إن عاجل أم آجل )
كتبت لها ( هل فصلوك من العمل )
كتبت ( لا أعلم المدير طلب مني أن لا أحضر حتى أنهي مشاكلي مع أخوتي ولم يتحدث
عن قرار فصلي قال أن الشركة لها سمعتها ويرفضون الشوشرة أنا أستغرب أنهم لم يفصلوني )
كتبت لها ( ولما لا تعطيهم المنزل هوا لا يساوي شيئا على أية حال )
كتبت ( وأين أذهب )
كتبت أنا ( إن كان ثمة من يريدك تزوجي وأريحي رأسك )
كتبت ( ومن يقبل بعمي فأنا لن أتخلى عنه ما حييت والمعدومين أمثالي لن يتزوجوا بي إلا من
أجل البيت ليعشوا فيه معي )
كتبت لها ( أنا آسف يا ليان لي قريب صديق لأبن مالك الشركة الأكبر وهوا من توسط لي لأعمل
هناك سأتحدث معه بشأنك )
كتبت لي ( لا تجلب المشاكل لنفسك بسببي يا وسيم فقد يفصلونك يكفي أنا )
كتبت لها ( ولكني تسببت لك بمشكلة وأنتي الآن بلا مُعيل فمن أين ستأتي بالمال )
ابتسمت وكتبت ( لا يأس من رحمة الله معي القليل الآن وسأبحث عن عمل )
ثم غادرت وعادت وقد جلبت لي القهوة نظرت للكوب مطولا فوضعته أمامي وتناولت
الدفتر وكتبت لي
( إنه كوب نظيف والماء مقطر لاحظتك لا تشرب من قهوة الشركة يبدوا أنك موسوس نظافة )
ابتسمت لها ثم رفعت الكوب وشربت القهوة كلها ثم وقفت مغادرا وكتبت لها
( آسف على إزعاجي لك ولكني أردت الاطمئنان عليك خشية أن يكونوا أخوتك قد ضروك بسببي )
ثم غادرت بعدما شكرتني وأوصلتني حتى الباب وما إن خرجت اتصلت بمدير الشركة
وطلبت منه أن يتحدث معهم بشأنها وطلبت أن يعيدوها بعد يومين كي لا تشك بالأمر
وها أنا وزبير الآن سنغادر دولة رنيم بعدما حللنا مشكلتها مع أولئك وعليا مباشرة عملي
عند الغد والسفر للجنوب من اليوم
ميس
لابد وأنكم تساءلتم عن مصيري سأحكي لكم كل ما حدث
لقد أخذني أولائك الصعلوكان معهما سألت كثيرا وحاولت فهم شيء ودون جدوى كانا شبه
يتشاجران ولكل منهما رأي جهاد يريد أخذي كرهينة حتى يسلم لهما ذاك الشاب الشيكات
الموجودة لديه , حامد كان يعارضه ويقول أني لا أعني له شيئا ليفعل ذلك من أجل
استعادتي وكنت أنا أستمع إليهما ككيس الخضار الذي يتناقشون أيبيعونه
أم يقايضوا به أم يأكلوه فقلت في محاولة أخيرة يائسة
" يا غبيان أنا لا أعني لذاك شيئا ليخسر من أجلي كل تلك النقود لما لا تطلقا سراحي
وتخبراه أنني هربت منكما ولم تجداني ولم ترياني منذ كنا في المستودع "
قال جهاد بغضب " وهل تضنينه غبيا ليصدق هذه القصة الغبية "
أحمق ما يعنيه بذلك هل أنا غبية ,لذت بالصمت وتركتهما يقرران مصيري الذي لم يعد
بيدي منذ أيام كثيرة لقد كان يتصل بهما ذاك الشاب طوال الوقت وهما لا يجيبان
, ماذا يريده بي هذا هل أنا أساوي كل هذه الثروة لديه وحتى إن كنت كذلك فعند تلك
العائلة أنا لا أساوي شيئا وهوا الأكيد وصلنا بعد وقت لمنزل صغير أدخلاني هناك
توقعته فارغا ولكنه كان غير ذلك ما إن دخلنا قابلتنا سيدة صغيرة في السن تحمل
طفلة في يديها نظرت لهما وقالت
" هل هذه هي نتيجة عملكما المستمر طوال الأسابيع الماضية يا لها من ثروة هل اختطفتماها "
صرخ بها جهاد " أخرسي وإلا قطعت لسانك "
صرخ به حامد " هل تصرخ بها في حضوري يا جهاد أنا لم أوافق تزويجك بشقيقتي لتهينها "
دفع بي جهاد للداخل وقال " أبقي هنا حتى نعود "
وخرجا وأغلقا الباب خلفهما بالمفتاح بعد أن أخد هاتف زوجته طبعا , وقف كلينا تنظر للأخرى مطولا
ثم قالت
" من أنتي وما علاقتك بزوجي وشقيقي "
تنهدت وقلت " قولي ما علاقتهما بي , أنا لا أريد من أحد شيئا ليتركوني أرحل بسلام "
قالت " كيف وجداك إذا "
تأففت وقلت " لقد اختطفوني من أجل الفدية ثم قاما هما باختطافي من زعيمهم لأجل ماذا
لا افهم وهذا كل شيء "
نظرت لي قليلا ثم قالت " يبدوا شكلك غريبا عن أهل هذه البلاد "
قلت بضيق " نعم أمي أيرلندية "
تذكرت حينها والدتي وأني لم أعد أعلم عنها شيئا منذ اتصلت بها أول مرة , آه ومدرستي
التي لم أذهب لها منذ وقت طويل نظرت لها وقلت
" أريد الحمام "
أشارت لي عن مكانه فذهبتُ إليه وعندما خرجت وجدتها تقف عند الباب فقالت لي
" يمكنك النوم في غرفة حامد إنها هناك "
توجهت لحيت قالت ونمت من التعب رغم صغر مساحة السرير والحجرة أيضا استيقظت
بعد ساعات وخرجت من الغرفة وجدت الطفلة وحدها في سريرها هناك جلست بجوارها
وبدأت ألاعبها كانت ناعمة وجميلة ليست كوالدها إطلاقا خرجت والدتها فنظرت لها وقلت
بابتسامة
" ما اسمها "
قالت متبسمة " شذى "
قلت " هل لي بحملها "
قالت مرحبة " بالتأكيد "
أمسكتها ولاعبتها كثيرا , الأطفال رائعون وليسوا أشرارا كريهين كالكبار لا
أتصور كيف لهؤلاء الناس أنهم كانوا يوما ببراءة الأطفال , مر باقي اليوم
تعرفت فيه على زوجة جهاد تبدوا لي محبطة وحزينة ولكن معها حق إن كان
زوجها وشقيقها هما هذان الاثنان
في صباح اليوم التالي عاد جهاد وما أن دخل حتى قالت له بحدة
" أين كنتما ولما تختطفان هذه الفتاة عليكم أعادتها من حيث جاءت "
صرخ بها جهاد قائلا " لا شأن لك بها واعلمي أنني لو أعدتها فسأسجن لسنوات هي
وسيلتي لاسترجاع الشيكات الموقعة بدون رصيد "
استمر الشجار بينهما فبدءا بالحديث عن أمور أخرى وكأنهما وجدا الفرصة للتنفيس
عن أنفسهما وكل منهما يفرغ ما في قلبه تركتهما وعدت للغرفة ولم أخرج منها إلا
للحمام حتى حل الليل ومر بي يوم آخر يتبعه آخر والكثير ولا شيء هنا سوى الشجار
والنقاش وبلا فائدة
في صباح أحد الأيام جاء حامد في وقت مبكر جدا طلب مني ومن شقيقته أن نجهز أنفسنا
للذهاب , لم أفهم شيئا مما قال ولكن لا شيء أمامي سوى الانصياع له فمصيري بيده الآن
خرجنا الأربعة أنا وحامد وشقيقته وابنتها وصلنا لمكان ما أنزل فيه شقيقته والطفلة وتركني
أنا معه فصرخت به قائلة
" إلى أين تأخذني "
قال بغيض " اصمتي يا فتاة ولا تتعبي رأسي "
لذت بالصمت ولعنت اليوم الذي طاوعت فيه أمي للمجيء إلى هنا وها هي أنا ذي
قد تم اختطافي للمرة الثالثة سحقا لكم آل يعقوب حتى بعض النقود استخسرتموها
لتحريري منهم وسحقا لذاك الشاب الذي جاء بي إلى هنا ورماني كالكرة بين أقدام
الصعاليك
نهاية الجزء
أتمنى يكونوا عند حسن ظنكم بروايتي ولا تحرموني تعليقاتكم الجميلة
بــــــــــــــ المشاعر ـــــــرد