بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ..
ها أنا أعود إليكم بصبحة قصتي الثانية من مجموعتي
القصصية (( لم يكن
بالحسبان )) ..
و هذا رابط القصة الأولى :
مجموعة قصصية : لم يكن في الحسبان 1
و جميع القصص في هذه المجموعة تحمل نفس هذا العنوان ; إذ أنها جميعها تحمل في طياته ما لم يتوقع أبطالنا حدوثه ..
أتمنى لكم قراءة ممتعة أعزائي , و أرجو منكم أن تأخذوا بعين الاعتبار بأني أرى نفسي مبتدئة ..
و ردودكم و انتقاداتكم و مديحكم سيرفعي عاليا مهما كان ..
أترككم الآن مع القصة و لكن قبل ذلك يوجد تنويه :
***
في حال أراد أحدا منكم نشرها , فأرجو ذكر اسمي , فإني لا أحلل من ينسبها إليه ***
(( لم يكن بالحسبان ))
(( القصة الثانية ))
استيقظ كعادته في الصباح المبكر , هامسا لنفسه : " إنه يوم آخر ككل يوم , أقابل اصحاب الخطايا , و أعطي كل منهم ما يستحق ".
نظر حوله ببطء و هو يتساءل عن مكان ابنه الشاب , الذي لم يسمع عنه شيئا منذ يومان
" لابد أنه في مكان ما مع أصدقائه , فهذه عطلة نهاية الأسبوع , لكن كان لابد منه أن يتصل " .
نهض عن فراشه , و مارس عاداته الصباحية مثل جميع الأيام , قهوة خفيفة , رسائل ضرائب في البريد , صحيفة الصباح و ابتسامة باهتة لزوجته .
ارتدى بذلته و هو ينظر إلى ساعته " لقد تأخرت , خمس دقائق و تبدأ الجلسة ".
شق طريقه عبر المدينة المكتظة إلى المحكمة العليا , دخل إلى مكتبه على عجلة من أمره و ارتدى رداء القاضي و نظارته الطبية السميكة , حدق إلى نفسه بالمرآة هامسا : " لقد رأيت ما يكفي من الوجوه البائسة المذنبة حتى بدأت مشاعري بالموت ".
دخل إلى قاعة المحكمة و جلس على كرسيه المرتفع , ألقى نظرة سريعة على وجوه الحاضرين و هيئة المحلفين , ثم أعاد نظره إلى أوراق القضايا أمامه .
أمسك بمطرقته وضرب بها على الطاولة قائلا :
" الآن تبدأ الجلسة , القضية الأولى من فضلكم , أدخلوا المتهم ".
دخل شاب هزيل تكاد تخرج عيناه من الرعب و الأسى وهو يجر إلى مقدمة القاعة , حدق إليه القاضي بعدم تصديق .
" هذا مستحيل "
همس لنفسه و هو يتأمل ابنه الوحيد واقفا أمامه مكبل اليدان , أعاد نظره بسرعة إلى أوراق القضية و تصفحها عسى أن يجد ثغرة يخرج منها ابنه , وعسى أن يجد شيئا يقول عكس ما كتب في بداية الصفحات
. ( القتل عمدا ) .
استجمع قواه - هو يحاول أن يخفي الشعور القاتل بداخله – و بدأ بنقاش القضية , و هو يتمنى الموت ألف مرة في اللحظة .
و بعد أقوال الشهود و اعترافات الجاني ,
مر في عقل القاضي الالاف من عبارات الأسى و الرثاء لحالته المميتة .
شتم نفسه ..
شتم من عينه على منصبه ..
و شتم قراراته بأن يقيم العدل و الحق في هذه المدينة اللعينة .
" لقد مارست القضاء لعشرين عاما , أهذه هي نهايتي ؟! هل سأدفن نفسي و أسرتي بيداي , هل حان الوقت لأقيم العدل على نفسي ؟!"
نظر إلى ابنه بعينين ملأتها الدموع , و كأنما سكبت البحار دفعة واحدة في عينيه , وقابلته النظرات ذاتها .
" لا تفعلها يا أبي , أرجوك " همس الجاني بضعف .
" مذنب " , قال القاضي بصوت بالكاد مسموع " سيتم إعدامك شنقا حتى الموت " .
تنفس بصعوبة و برغبة مجنونة للصراخ عاليا و الخروج من هذا المكان الذي سرعان ما تحول إلى قبر ضيق , أمسك مطرقته بيدين راجفتين و عينين قتلهما الأسى وقال " رفعت الجلسة ".
اخرج الابن على الفور بهدوء قاتل , الجميع يعرف من الجاني و من القاضي ..
أب و ابن ..
حدق القاضي إلى الفراغ لثواني معدودة , ثم وقف بضعف و هو يترنح , همس بضعف : " سنأخذ استراحة لخمس دقائق " .
كاد أن يسقط لولا مساعدة أحد رجال الأمن له .
دخل إلى مكتبه و استند إلى الباب و هو يتأمل يديه بصدمة .
لقد قتلت ابني للتو , أليس كذلك ؟!
أخرج هاتفه النقال و اتصل على زوجته , رد عليه المجيب الآلي : " مرحبا , أنا لست في المنزل , الرجاء اتركوا رسالة بعد صوت الصفارة " .
" مرحبا عزيزتي , أردت أن أطلب منك فقط أن تدسي السم في غدائي , فلقد قتلت ابننا للتو , دسي السم و اختفي عن الأنظار , اختفي فحسب ".
-
بقلم : عذاري ...
(( أتمنى أنها نالت على إعجابكم , و سيكون لنا لقاء آخر مع قصص أخرى )) ..