ثوب العرس كان قديماً ...يعود إلى أمها ثبتت طرحته على رأسها بزاوية حريرية من الزهور القماشية و اللآلىء. نظرت إلى نفسها فى المرآة فرأت الزهور أكثر بياضاً من بشرتها و اللآلئ تتدلى كالموع. فاشاحت بوجهها ...لقد حان الوقت.
عبر الغرفة كانت آبيغال على السرير تبكى بصمت.... فأحست مايسى برغبة جنونية للضحك, فهذا الزفاف أشبه بجنازة. و وقفت:
ـ آبيغال أرجوكِ ...لا تبكى الآن.... أرجوكِ توقفى.
نفخت آبيغال أنفها فى المنديل:
ـ لا أستطيع فهم ما تقدمين عليه.
ـ و لماذا يتزوج معظم الناس؟
ـ ماى! لا يمكنك إخفاء الأمر عنى! أنتِ لا ترغبين فى الزواج منه... لطالما كنت تكرهينه....
ـ هذا غير صحيح!
ـ لقد فاجأنى قرارك, زواج دون حفل أو حضور. الأمر فظيع مايسى!
ـ كورد....
و ترددت عليها أن تعتاد مناداته:
ـ كورد أراده زواجاً سريعاً قدر الإمكان.
ـ ماى... أنتِ تكذبين علىّ... فالأمر يتعلق بالمال, أليس كذلك؟
ـ بطريقة غير مباشرة.
ـ تلك هى غلطتى! الورطة هى التى جعلتك تقابلين كورد ثانية.... أوهـ ماى... أنا واثقة أنك مخطئة.
ابتسمت مايسى بلطف... هذا صحيح... ليس المال أو ما فعلته آبيغال هو ما دفعها للموافقة... أنه الماضى, و رجل استطاع احتضان الأنتقام عشر سنوات.
نظرت إلى ساعتها بقلق, ثم إلى عينى شقيقتها بيأس:
ـ حسناً... يجب أن نذهب الآن.
ـ لا تحزنى ...فتكدرى مايك.
خارج المنزل, سيارة كبيرة ضخمة كانت تنتظر, و كان مايك, رب عملها ينتظر, قبلها بحرارة, و ساعدها هى و شقيقتها على الصعود.
و ابتسم لها قبل أن تنطلق السيارة
ـ أتعلمين يا عزيزتى.... أنا لم أكن مسؤولاً عن تسليم عروس إلى عريسها من قبل حتى أننى لم أزواجاً من قبل... و منذ أكثر من عشرت سنوات.... كان يجب أن يحل والدك مكانى... و كان يجب أن تبرقى له.
ضغطت على يده بلطف:
ـ أنا سعيدة بوجودك منتديات ليلاس
غصت آبيغال ببكاء مكبوت, توقفت السيارة:
أوهـ ....ماى!
أمسك مايك بيد مايسى:
ـ أصمتى آبيغال أنها تعرف ما تفعله.
تركتهما آبيغال متقدمة أمامهما.... و استندت مايسى بضعف إلى ذراع مايك... ترددت قليلاً ثم رفعت الطرحة إلى الأمام لتغطى وجهها, و دخلت الكنيسة. كان الأرغن يعزف عزفاً ناعماً, داخل الكنيسة عتمة تنيرها شموع بنارها المتموجة المدخنة.... و كان المكان خالى تقريباً.
لكن مايسى لم تشاهد المقاعد الفارغة, و لا الأشخاص القليلين على جانبى الممر المؤدى إلى المذبح, فمنذ لحظة دخولها لم تشاهد سوى رجل واحد... ذلك الرجل الطويل الأسمر, الواقف و ظهره إليها عند المذبح.... تحركت نحوه و كأنه شبح, تحلم... غير واعية إنها تمشى... استدار الشبح حين اقتربت و التقت عيناه الرماديتين بعينيها. "أيها الأحبة الأعزاء...إجتمعنا اليوم هنا........" آخذ الكاهن يرتل الكلمات بدل من إلقاءها, و بدت الكلمات لـ مايسى و كأنها آتية من البعيد... حاولت أن تشيح بوجهها عن وجه كورد و لم تستطيع فيناه كانتا تحرقانها... وجه جدى, و تعابيره متجهمة.
امسك بيدها خلال تلاوة المرأسم و لم يتحرك... و فجأة.... تلاشئ قلقها, بدا لها أن قوة ما تنبض فى أيديهما المتشابكة, من جسده إلى جسدها, فأحست على الفور بالطمأنينة, و بأمن غير عادى, سرى فى شرايينها مع الدم.
و التفت الكاهن نحوهما:
ـ "أتقبل بهذه المرأة زوجة لك, لتعيش معها كما أمر الرب فى سر الزواج المقدس؟ هل ستحبها, تواسيها, تحترمها, تحافظ عليها, فى المرض و لصحةو تخلص لها طالما أنت حى؟"
عينا كورد ما زالتا مسمرتان بها... ساد صمت طويل بارد. بدا لها أن كل الدماء جفت من شرايينها... و فكرت بجنون, سيكذب الآن و يجب أن تمنعه قبل أن يقسم يميناً كاذباً, و تصاعدت الكلمات إلى فمها, لكن الصمت انكسر و تعالى صوته العميق الآجش:
ـ سأفعل!
فماتت الكلمات على شفتيها.... و شحب لونها من هلع عندما استدار الكاهن إليها:
"هل تقبلين بذا الرجل....."
تمسكت بيد كورد ...تنظر إليه, إنه لا يرى وجها من خلف الخمار, لكنه قد يرى عينيها القلقتين اللامعتين.... ربما أحس بشئ ما, فتغير وجهه للحظة, طغت على السطح ذاكرتها صور الماضى و العلاقة القديمة و عواطف مكبوتة أطلقت عنائها الآن ملأت قلبها بالحب الذى انكرته على كورد...
و تناهت إليها كلمات الكاهن, بوضوح كامل, تحدد الزمن مع الذكريات, ليصبحوا إيقاعاً ضخماً يستولى على تفكيرها, و على نبضات قلبها... الأمر بسيط إذن... و ليس بهذا التعقيد... لقد رغبت بذلك قبيل أن تبلغ مشارف أنوثتها و نضوجها منذ زمن بعيد.... فى ذلك البلد. و ها هى الآن تحس أنها واقفة... فوق صخرة مرتفعة و الريح المنعشة تهدهدها.
"...تتخلين عن الآخرين.... تلتزمين معه... فى المرض و الصحة, تخلصين له, طالما أنتما أحياء؟"
ترك كورد يدها.... فاستدارت تنظر إلى الكاهن و دون تردد أو تأخير قالت:
ـ سافعل!
انتهى الأمر.... فسرت تنهيدة و كأنها ريح باردة عبر الحشد الصغير...و ارتجفت أنوار الشموع للحظات, كانت مغمضة العينين.. إنه صوتها... تكلمت... و أقسمت... لكنها لم تشأ لشفتيها أن تتحركا... ثم تذكرت لحظة الأنفصام. لأبد أن الكلمة خرجت من الموسيقى الصامتة فى قلبها.... أو من الماضى....صحيح أن امرأة ناضجة تقف هنا, إلا أن فتاة صغيرة هى التى تكلمت.... و أنتهى الأمر! و التفتا معاً إلى الكاهن ليقول كل بدوره بصوت مضطرب:
ـ بهذا الخاتم أتزوجك...."
كان خاتماً ذهبياً بسيطاً... كانت يداه ترتجفان و هو يضعه فى إصبعها, فأحست بلمسة باردة.... و تلاشت الموسيقى و آلم التفكير رأسها... لقد كذب, هذه الحقيقة أخافتها و حدقت بيديه... لم تكن قد أحست يوماً أنها أقرب من الآن من خطيئة إنسان... بقيت عيناه تنظران فى الأرض و لم يخبرها وجهه بشئ.
ركعا... تباركاً و صوت الكاهن صدى أنغام فوق رأسيهما المنحنيين.........
عاد الأرغن للعزف ثانية بعد أن وقفا.... فاستدار إليها كورد يرفع الطرحة عن وجهها, و التقت نظراتهما فحجب العالم من حولهما... أضاء الأمل فى نفسها لحظة لمس الخمار.... لكه انطفأ كما تنطفئ الشعلة من جراء النظرة الباردةالتى رأتها فى عينينه الرماديتين, و مال إليها و قال بصوت مرتبك:
ـ يجب أن أقبلك مايسى.
و بصمت رفعت له وجهها مغمضة العينين, فأمسك بذراعيها و قبلها على جبينها, فأحست بقلبها يحترق.... إنه يقبلها كما يقبل طفلة ليطمئنها........
كان كورد قد رتي كل شئ... فذهب الجميع إلى منتديات ليلاس منزل قريب لأحد أصدقائه. كانت النار المشتعلة ترسل الدفء فى غرفة الأستقبال ورائحة الورود و الزنبق تفوح من السلال التى غص بها المكان... على الطاولة ى الزاوية كان الطعام و المقبلات و الشراب... لكنها كانت تنظر إلى ما حولها بعينين مكتئبتين, تحس و كأنها تتحرك بصعوبة و كأن صداعها يشل
منتديات ليلاس
حركتها. كان هناك مجموعة صغيرة من الضيوف... مايك كان هناك, يتحدث إلى اللايدى تننت, التى جاءت دون تردد بناء على إصرار مايسى, و كذلك ديكى مع آبيغال... و رجلان آخران لا تعرفهما مايسى, أصدقاء لـ كورد كما تعتقد...و كادت مايسى تنفجر بالضحك... هذا كله أمر سخيف.... هذه التمثلية التى اصر عليها كورد... إنها لا ترى ضرورة لها إلا إذا كانت رغبته فى أن يجعلها أكثر تعاسة مما هى عليه, كانت تتوقع احتفالاً بسيطاً متواضعاً... فى مكتب تسجيل العقود, و الشهود من الشارع.
ـ يا عزيزتى!
و التفتت لتجد اللايدى تننت تهنئ كورد, و تشير إلى أيام المدرسة مع أبنها... ثم تقدمت لتقبل مايسى مبتسمة:
ـ أنت كتومة و غامضة عزيزتى... لقد قلت لىّ أنك لا تفكرين بالزواج!
ـ لم أكن أفكر به.... لقد حدث فجأة.
ـ صحيح؟ لكنكما تعرفان بعضكما منذ الطفولة.... أظن أن آبيغال قالت ذلك.........
ـ هذا صحيح.
ـ أتمنى لكما السعادة عزيزتى... كم تبدين جميلة بوجنتيك المحمرتين.
مر الوقت بطيئاً, لكن دفء النار و الطعام الممتاز, و الجو الحميم, ترك تأثيره على مايسى فانسجمت بالأجواء التى مالت تدريجياً إلى المرح و الأرتياح و تخلى الساهرون عن تحفظهم فتجاذبوا الأحاديث و لم تنسى مايسى التودد إلى أصدقاء كورد... و مايك و أختها آبيغال.
تقدم ديكى مهنئاً مبدياً سعادته لما أقدم عليه كورد معلقاً :
ـ هذا أفضل ما حدث له فى حياته , أتعلمين
أرادت أن تسأله ماذا يعنى ... لكن صوت آخر شد انتباهها:
ـ مايسى... كيف التقيتما مرة ثانية بعد هذه السنوات.
التفتت بسرعة, لترى الوجه العريض ذى الشعر الأشقر المائل للاحمرار, هو أقل كثافة من شعر كورد, بدا وسيماً بفمه الطفولى, فنظرت فى عينيه الرماديتين و قالت بصوت منخفض:
ـ ليو!
و قبل أن تعترض تقدم منها يعانقها.
ـ كنت أظن أنكِ نسيتنى!
ـ لم أنساك أبداً.
و تحررت منه بسرعة, فبدت على وجهه السخرية :
ـ أوهـ ... لا تنظرى إلىّ!
اتسعت عيناه بطريقة صبيانية ورمقها بنظرة صريحة لم تكن تثق بها أبداً و أخفض صوته هامساً:
ـ و أنا ليست مدعواً و يفترض بىّ ألا أكون هنا. ألا يصدمك هذا؟ شقيق العريس... و صديق قديم لك.
ـ ألم يدعك كورد؟
ـ بل أصدر أوامره الصارمة بالأبتعاد إلى مكان آخر. أتسأل لماذا؟ أتعلمين؟
نظرت إليه مايسى ببرود:
ـ إذن ألا يجدر بك أن تغادر؟ أظنه بإمكانك, فهو لم يرك بعد....
ـ أنت محقة يا حبيبتى... إنها تضحية جيدة, لكننى لا أعمل بالنصائح الجيدة... فهذا هو مبدئى.
ـ لم أكن أعلم أنك ذو مبادئ.
لكنه تجاهلها و أكمل كأنه لم يسمعها:
ـ كان يجب أن أراك, مايسى. تبدين جميلة. و كذلك آبيغال. كيف حالها؟ و هل سويتم تلك المؤامرة الصغيرة؟
ـ الأفضل لك أن تسأل كود فى هذا.
ـ حقاً؟
ـ أخرج من هنا!
إنه صوت كورد... و تقدم ينتزع يد أخيه من ذراع مايسى التى نظرت إلى وجهه فتلمست فيه الغضب لكنها اطمأنت لأن أحداً لم يشعر بما حدث. تراجع ليو, ثم استعاد رباطة جأشه و التقت عيناهما:
ـ اجبرنى على الخروج!
و نظر كورد فى وجه مايسى الشاحب ثم وجه أخيه الذى تثاقلت أنفاسه و تقدم من مايسى يتأبط ذراعها بعيداً عن ليو, اقترب مايك يبدد القلق رافعاً كأسه :
ـ أشربوا نخب العروسين السعيدين مايسى و كورد
التفت إليه الجميع و رُفعت الكؤوس و تعالت الضحكات.... و وسط الهرج المرج, ظهر الخادم بكل فخامة يجر أمامه عربة طعام عليها قالب حلوى مذهل.. لاحظت مايسى دهشة كورد مما فاجأه به الخادم فهذه الحلوى من صنع يديه.... فتقدمت مايسى إلى الأمام و شكرت الخادم بقبلة خجولة بينما كان كورد مقطب الجبين متجهماً.
ـ إنه جميل! شكراً لك.
ـ شئ متواضع, سيدتى.
رفع القالب بحذر ليضعه على الطاولة أمام الجميع, فتحلق الموجودون حوله... تظاهرت مايسى بالحيوية و السعادة و نظرت إلى كورد تمسك بسكينة فضية ملفوفة بمنديل سفرة أبيض ككانت بجانب القالب:
ـ يجب تقطيعها كورد.
استجمع كورد نفسه بصعوبة.
ـ طبعاً.
أمسكا بالسكين بيدين مرتجفتين ليوج كورد طرفها إل القلب الطابق الأول, ثم أمسك بأصبعها, يضغط عليها بقوة... و أجبر السكين أن تقطع عميقاً, لكن مايسى لاحظت أنه لا ينظر إلى القالب, بل إلى الطرف الآخر للغرفة, نحو ليو الذى كان يقف غير مبال, يتكئ على الباب ... تحين لحظة نظرت إليه فرفع كأسه بتحية ساخرة... فأشاحت بوجهها عنه.
أخذ الخادم يقطع الحلوى ليوزعها... لكن كورد نظر إلى ساعته و قال لها:
ـ يجب أن نذهب بعد قليل.
ـ الأفضل أن أغير ملابسى
ـ نعم... هذا أفضل.
انفردت مع شقيقتها فى الغرفة التى فيها ستبدل ملابسها و أحست بالارتياح... نزعت الخمار من شعرها و ساعدتها آبيغال على خلع الثوب, فلاحظت شيئاً ما على يد مايسى اليمنى فقلقت:
ـ أوهـ.... حبيبتى! أنظرى! ماذا حدث ليدك؟ أنه آثر السكين الذى أمسكت بهلابد أن كود لم يشعر كم ككان يضغطعلى يدك, علامة و كأنها الوشم حين يجمد خطاً دموياً تحت جلد يدك.
و ضحكت آبيغال:
ـ كورد لا يعلم مدى قوته. الأفضل أن تحذريه يا حبيبتى.
ابتسمت مايسى, و قد سرها أن ترى آبيغال سعيدة. ثم قالت بسرعة:
ـ أوهـ.... ليس مهماً.
و أكملت خلع الفستان, السيارة الفاخرة التى أحضرتها إلى الكنيسة أخذتهما إلى المطار... و بينما هما يغادران المنزل رشت آبيغال الأرز عليهما, و رمتهما اللايدى تننت بحفنة من الأوراق على شكل قلوب و أجراس ملونة... فى الطريق قال كورد لـ مايسى:
ـ أظن أننا سنصل ليلاً... الرحلة ستستغرق ست ساعات فوق المحيط... باريس دائماً جميلة, لكن للمرة الأولى يجب أن يشاهدها المرء ليلاً.
لم تفهم مايسى ما يعنيه كلماته جعلتها تتوتر, فهزت رأسها دون تعليق. و راقبها كورد صامتاً للحظات, ثم أشاح بنظره عنها.
فى الطائرة كلمها مرة أخرى:
ـ أعطنى جواز السفر لأنجز لكِ أوراق تذكرة الدخول.
أخرجت الجواز بصمت, هذا الجواز حصل عليه بمساعدة صديق له فى وزارة الخارجية, قبل ثلاثة أيام... كان الأسم عليه مايسى باكلير فأشاحت بنظرها عنه. إنها الآن زوجته, خاتمه فى إصبعها, و فى الكنيسة قطعت الوعد المقدس.
و بدأ الأمل يثور مجدداً خلف عينيها, و علمت أنها لو تركت نفسها للتفكير... لتدفقت الذكريات... ذكريات عن منززل قديم معزول, بنى عند عنق لسان عريض من المراعى يدخل فى البحر, وصيف طويل حار, و شقيقان. ذلك المساء تركت نافذة غرفتها مفتوحة, مستلقية فى فراشها الأبيض تصغى إلى هدير أمواج البحر عند الجرف الصخرى البعيد. كان الجو عابقاً برائحة طحلب الماء, و العشب الجاف, و العرزال و الخليج البرى... كورد قال ذات مرة: شعرك رائحته كـ الخلنج.
ـ بماذا تفكرين؟
استفاقت من ذكرياتها... أرادت أن تقول: أفكر بك... بالشخص الذى كنته لكنها احمرت خجلاً فهزت برأسها:
ـ لا شئ.
ـ سنصل بعد نصف ساعة.... و المسافة من المطار إلى افندق تستغرق ساعة... سنتناول العشاء حال وصولنا.
احست بالخوف ثانية فردت بسرعة:
ـ لا... لست جائعة, لكننى تعبة... و أنا...
ـ كما تشائين! سأطلب من الفندق إرسال العشاء إلى جناحنا فى حال غيرت رأيك.
كان الهبوط لططيفاً. و لم يكن المطار مزدحماً كثيراً, و مر عبر الجمارك ثم عبرا دائرة الجوازات بسرعة. أقلتهما سيارة مارة عبر الشوارع المزدانة بالأنوار و عندما توقفت, فهمت مايسدى ماذا كان كورد يعنى... أمامها تماماً امتداد المدينة السحرية, مدينة الصخب و الأنوار... و وقفت هناك, متخلصة من خوفها, ليخفق قلبها فقط بالسعادة.
كورد... أنها جميلة جداً. أريد رؤيتها كلها... كل شئ فيها.
ـ لا أستطيع التصديق... هل توافقين؟
فضحك و لأول مرة لم تشعر بالخوف منه... بدت عيناه أكثر دفئاً, و أمسكت بكم سترته دون تفكير. و على الفور أحست بحرارة يديه فوق يدها. فرفعت وجهها إليه شاكرة... كانا متقاربين أكثر مما ظنت, حين أحتضنها أحست بموجة حنين غير عادى فحبست أنفاسها, إنه احساس مطالب جاء رأساً من قلبها دون المرور عبر عقلها. و كأن دمها, ذاتها, هما المفكران. أحست بنفسها تلتصق بجسده, كانت أنفاسه قريبة من بشرتها, و فمه قريب كذلك. لكنه لم يكن بالقرب الذى تشتهيه نفسها الآن.
نهاية الفصل الخامس
قراءة ممتعة