حملت مايسى الأطباق المتسخة بسرعة إلى المطبخ, و أحضرت أخرى نظيفة, صبت لـ آبيغال ما تبقى فى زجاجة العصير ... كانت الجمل تتلاطم فى ذهنها طوال الوقت بما ستقوله لها و كيف؟ لكن عقلها تجمد جبناً و تردداً, فأعطت الكوب لـ آبيغال و جلست قابلتها بهدوء... ستلجأ إلى حيلة طفولية فتعد إلى عشرة و من ثم تتكلم....
لكن آبيغال ابتسمت لها ابتسامة غريبة:
ـ ستضطرين للشراب من هذا الكأس... لا يمكن للمرء أن يشرب نخباً لنفسه... صحيح؟ فهذا لا يجلب الحظ؟
ـ نخب؟!
ـ أصبحت مخطوبة.... و سأتزوج.
ـ تتزوجين
فضحكت آبيغال:
ـ كان عليك إظهار سعادة أكبر! خذى... أشربى نخب العروسين السعيدين
و راقبتها آبيغال و هى تشرب العصير ثم تضع الكوب من يدها, لتلتفت و تسألها :
ـ هل... أخبرت ديكى بالأمر؟
ـ لا..... لكنه لم يتردد فى طلب يدى.... و لن يتأخر زواجنا كثيراً. فهذه الليلة سيخبر تلك العجوز المشاكسة, و ستكون ضربة فوق عينيها, ألا تظنى ذلك؟
ـ لكن آبيغال....
ـ لقد كان ناعماً معى.... لطيفاً... و سعيداً. و لكن كيف؟ لا أستطيع أخبارك يا ماى... أعنى... أنتِ كنت دائماً واثقة من حدوث ذلك, أتعلمين ... عندما نلتقى الواحدة منا بالرجل المناسب تحس به هنا....
و أشارت إلى قلبها و أكملت:
ـ و الليلة, آهـ.... كم أحبه... يا ماى! سأكون زوجة طيبة له.
ـ آبيغال ... لماذا لم تخبريه؟
ـ ماذا أخبره؟
ـ حول المال... حول...
ابتسمت عينا آبيغال و التفتت إليها مقاطعة:
ـ أوهـ... لا أستطيع إخباره الآن.
ـ يجب أن تخبريه.... إذا كنتما ستتزوجان, لا يمكن بدء حياتكما بالكذب.
ـ هذا ليس كذباً, و سأخبره ....فيما بعد. فنحن نخطط الآن و هو سعيد...
ثم صمتت و امسكت بيد أختها متوترة و احمر وجهها السعيد..... و أكملت:
ـ ألا ترين ماى؟ كل شئ أصبح مختلفاً فلا تتخلى عنى الآن حتى تسير أمورى على ما يرام بعد أن ينتهى كل شئ.
عضت مايسى على شفتيها و أحست بالدموع تبلل عينيها.
و أحست ببرودة شديدة تتملك قلبها... لفت ذراعها بلطف حول آبيغال و قبلتها. فتنهدت الأخيرة, و عادت تجلس فى مقعدها.
و تبادلتا نظرات التفاهم الكامل .... فطمأنتها مايسى بصوت منخفض.
ـ لا داعى للقلق. أعدكـ.
ـ شكراً ماى.... و شكراً لتركنا وحدنا الليلة.... أنت ذكية جداً... هل ذهبت إلى مكان مميز....!
هزت مايسى رأسها, و بدأت تشغل نفسها بترتيب الغرفة.
ـ لا... ليس مكان مميز... ذهبت لأرى مايك فى المعرض, هذا كل شئ.
ـ إذن, سيكون كل شئ على ما يرام حقاً؟
ـ أعدكـ
فابتسمت آبيغال و أرسلت لشقيقتها قبلة فى الهواء:
ـ أنت ملاك!
اليوم التالى كان يوم السبت.... استيقظت مايسى باكراً و قدمت لـ آبيغال الشاى و هى فى السرير, و قالت:
ـ هيا... استيقظى و تنشطى!
رفعن الستائر لتدخل أشعة الشمس إلى الغرفة, فأغمضت آبيغال عينيها, فهى لم تنم أكثر من ساعتين... ثم فتحتهما من جدبد و اجبرت نفسها على أن تبدو مرحة و أخذت الفنجان.
ـ هذا تشريف غير عادى, أظن أننى سأتعود على الصحو باكراً. لقد استيقظت عند السادسة و النصف, أليس هذا أمراً رائعاً؟
ـ هل أنتِ بخير؟
ـ أوهـ.... أنا بخير تماماً. و لا مانع لدى للمرض... و الراحة... قال الطبيب إن راحة أسبوع تكفى, على الأكثر, سأكون بخير.
ارتشفت قليلاً من الشاى, و راقبتها مايسى عن كثب.... ثم قالت آبيغال:
ـ ماى.... أكنتِ جادة ليلة أمس؟ هل حقاً سيكون كل شئ على ما يرام؟ أتظنين أن بإمكانك....
ـ أجل... سيكون كل شئ على ما يرام. أمامى ثلاثة أيام, فى نهايتها سأتدبر الأمور آبى.... أعدكـ.
ـ أتعنين أنك حقاً سوف........
ـ لا تسألنى.... أقسم لك أن كل شئ سيكون على ما يرام, لكننى لن أتحمل... الكلام عن الأمر الآن, أتفهمين؟
أخفضت آبيغال رأسها متنهدة, فأكملت مايسى:
ـ آبى... من الأفضل أن تبتعدى عن الموضوع... لا تكلمى ليو عنه, أو أى شخص آخر. أتركى الأمر, يجب أن تتركى العمل.... و بإمكانهم تدبير سكرتيرة أخرى.... عدينى بذلك؟
ـ ليس الأمر صعباً! إن التفكير بالاقتراب من هناك يجعلنى سقيمة... هل أستقيل؟
ـ أجل... كلما كان أسرع, كان أفضل....
فوقفت آبيغال و اتجهت إلى الباب حيث توقفت:
ـ ماى.... تعرفين كم أحبك.... و أنا آسفة على ما قلته لك...
ـ لم يعد الأمر يهم.... ربما أنت محقة بطريقة ما.
ـ قد يتقلب الأمر إلى الأفضل مايسى....
ـ ربما هو خير ما ينتهى بخير... و الآن أذهبى... و لن نتكلم فى الموضوع.
بعد خروج آبيغال, أغتسلت مايسى و ارتدت ملابسها... أحست بأنها أفضل حالاً من ليلة الأمس, على الأقل هادئة.... لأنها عرفت أن لا طريق آخر للخلاص, و لا وقت للتردد, و لا مجال للتسوية.
يجب أن تقوى نفسها و تمحو كل الألم و الخوف.... فالمهم آبيغال و سعادتها.
لو أن الماضى بختفى, لو أنها تستطيع أن تنسنى... حتى تواجه الأمر ببرود... لكن مجرد التفكير به جعل نبضات قلبها تتسارع... و أطبقت الذكرى على جسدها ز كأنها الحمى.... ليلة أمس, لم تكن تحس بالبرودة أو عدم التأثر أو التخفظ.... هل هذا هو سبب إذعانها للأمر الآن....؟ سبب وعدها لـ آبيغال بسرعة, أهذا ما تريد أن أهذا ما تريد أن يحدث, فى سرها؟ لا.... أغلقت باب أفكارها لتبعد الفكرة, الأمر ليس هذا! ستخرج لتتمشى.... ستفعل أى شئ... فأسوأ شئ لها هو الجلوس و الأستسلام للتفكير.
بينما كانت تقرر .... رن جرس الباب... فقفزت مجفلة... و سارعت لترد. على الباب امرأة غريبة حدقت بها مايسى بدهشة.
كانت قصيرة, عريضة, مسترجلة قليلاً... عريضة الوجه لكن عينان حادتان حذرتان ذكيتان, و زرقاوان.
ـ لابد أنك مايسى....
ـ أجل.... أنا مايسى...
ـ أنا والدة ديكى.
و تقدمت المرأة إلى الأمام. فاستجمعت مايسى شتات نفسها و قالت :
ـ أوهـ لايدى تننت... تفضلى بالدخول.
ـ شكراً لكِ عزيزتى. آبيغال ليست هنا كما أعتقد؟ هذا ما ظننته... فأنا لم أتصل, و هذه فظاظة منى, لكنى أريد التحدث معط, عزيزتى, أنجلس هنا؟ جيد!
دخلت فوراً إلى غرفة الجلوس و نظرت حولها بإعجاب فعيناها لا تفوتهما شئ, ثم استدارت إلى مايسى مبتسمة:
ـ كم هذا رائع..... كم عرفت أنك أنتِ الشقيقة المتعقلة, و أنت بكل تأكيد لا تبدين مثل آبيغال.......
ـ هل اقدم لكِ بعض القهوة, .... أو الشراب؟
ـ لا شكر لكِ يا عزيزتى, لن أمكث طويلاً.
و سوت جلستها فى منتصف الصوفا, فجلست مايسى قابلتهاو عينا المرأة لا تغادران وجهها, و عادت إلى الابتسام:
ـ حسناً يا عزيزتى.... أمامنا مازق.... فماذا ستفعلين؟
احمر وجه مايسى و هى ترد:
منتديات ليلاس
ـ انظرى لايدى تننت.... أعرف أن هذا كان صدمة لكِ....
ـ صدمة ؟ بالتأكيد صدمة! أوهـ..... نعلم أن ديكى مجنون بحب آبيغال....و لم أكن و والده مضطربين حول الأمر.... إذ نعرف أن لا فائدة من الجدال معه.... و ها قد حصل ما كنا نخشاه.
ـ أظنهما سعيدان, لايدى تننت... و أنا واثقة من هذا.
ـ صحيح.... و لا تدعينا نتجادل بالتفاهات.... كنت آمل أن يتعقل ديكى مع الوقت... لكن من الواضح أنهما اتفقا على الزواج, لكننى لا أوافق على كل هذه الأمور العصرية... فى أيامى كان هذا مستحيلاً.... لكنه سهل هذه الأيام, و على الناس مواجهة نتائج أفعالهم.
أحست مايسى بالسقام.... إنها نفس كلمات كورد ليلة أمس.... و أكملت اللايدى :
ـ أنه لا يزال صغير جداً, فأنا لم أتزوج قبل الثلاثين... وكنت آمل أن يكون عاقلاً. و المرأة لا يمكنها ان تعيش حياة أولادهاعنهم....و لكننى أردت معرفة رأيك فى الموضوع.... هل سيكون الزواج كارثة؟
كانت تطرق الموضوع مباشرة, و بصراحة.... و لم تتمالك مايسى نفسها فابتسمت:
ـ اعتقد أن آبيغال صغيرة جداً.... أما ديكى فليست أدرى... لقد كان لطيفاً معها.
ـ أتعنين أنها ستكبر؟ .... حسناً... ربما يحدث هذا.
امعنت النظر إلى مايسى:
ـ إنها تحبه.... أليس كذلك؟
ـ كثيراً.
ـ هذا أمر سطحى فما كان هنا اليوم يتلاشى غداً.
ـ لايدى تننت.... أعلم تماماً ما تقصدينه... لابد أن آبيغال تبدو متهورة... صغيرة... و ربما متقلبة. لكنها ليست كذلك.... فى العمق هى شخصية قوية المشاعر, قوية الإرادة.... تحب أبنك. و تريد من كل كيانها أنتكون زوجة طيبة له... قالت لىّ هذا بنفسها ليلة أمس.
ـ أفهم هذا, نحن لا نعرف عائلتكما, طبعاً.... أمك ميتة, كم أعتقد؟
ـ ماتت منذ عشر سنوات.... و والدنا حى أنه يعيش خارج البلاد معظم الوقت... أنه كاتب.
كتمت مايسى ابتسامة تسلية... لو أنها تقول للايدى تننت عن سياسة أبيها, عن إيمانه الماركسى, عن عضويته للحزب الشيوعى ... فماذا ستقول؟
ـ كاتب؟ و ه ل سمعت عنه؟
ـ لا أظن.... فهو ليس اتب مشهور. و هل تظنين أن عائلتنا غير مناسبة لكم لايدى تننت؟
ـ أريد أن يكون أبنى سعيداً ... و لا أريد أن نتجرجر كلنا إلى المحاكم مستقبلاً لأجل الطلاق.
ـ لايدى تننت أرجوك.... آبيغال و أنا تربينا فى عائلة تفتقر إلى الأمن العاطفى... فزواج والدينا كان كارثة... بالكاد ... عاشا معاً... مع ذلك لم يتطلقا ألا ترين أن كل هذا يجعلنى و آبيغال نشعر باهمية الزواج, الحب, و الألتزام؟
بدت الشكوك على اللايدى و أجابت بصراحة:
ـ هذا ما يبدو عليك عزيزتى, و لا شك مطلقاً بصحة ما تقولينه أما بالنسبة لـ آبيغال؟ حسناً.... الوقت وحده كفيل بكشف هذا... أحس الآن بأننى أفضل حالاً... بعد أنا قابلتك.
ووقفت, مستديرة نحو الباب ترتدى قفازاتها ثم توقفت:
ـ أترين عزيزتى... لست قديمة الطراز’ إنما الزواج هو أهم خطوة تتخذها المرأةفى حياتها ... كل شئ يتوقف على قرارها الصحيح... الأولاد ... حياة الأخرين... سعادتها ... مستقبلها, مستقبل زوجها... كل شئ.... المسألة الكبرى هى فى كيف تقررين؟ يف تحكمين؟ كيف تعرفين؟ و كل ما آمله أن تكون آبيغال قادرة على إتخاذ القرار و أنها لن تتغير مستقبلاً... هذا هو حقاً ما جئت أسأل عنه.
أحست مايسى بكل شكوك العالم تتخبط فى ذهنها, فأخفضت عينيها ... و قالت بصوت منخفض:
ـ أظنها ستفعل.... و يمكن أن أحدثها إذا ظنت أن هذا مفيداً ... لكننى لا أظن أن هناك شيئاً لم أقله لها بعد.
ـ هذا ما أتمناه... و سأشعر بالسعادة أكثر لو فعلت يا عزيزتى... ألا تفكرين أنت بالزواج؟
ـ لا.... أبداً.... لماذا تسألين؟
فابتسمت اللايدى!
ـ لا شئ عزيزتى... مجرد سؤال عرضى... أرجوك... لا ترافقينى إلى الخارجو شكراً على جديتك معى... ألا تأتين لتناول العشاء معنا فى إحدى الليالى, عندما تكونين حرة؟ مع آبيغال طبعاً.
ـ سأحب هذا جداً... شكراً لكِ.
ـ جيد... و الآن يجب أن نبدأ بالتحضير لهذا الزواج... فهناك الكثير... و أظن أنهما مستعجلان.... هه؟
لوحت بيدها مسرعة و خرجت .... و راقبتها مايسى من النافذة و هى تبتعد....
منتديات ليلاســــــــــــــــ