فتساقطت الأوراق التى يمسك بها لتقع على الأرض. حركة الأوراق المفاجئة أعادت له وعيه, فتغيرت سيماء وجهه, و أخذت عيناه تتجولان فيها, من قدميها حتى و جههها حيث توقفتا, ثم ابتسم, ابتسامة كرهتها على الفور, فقد نجح أن يسجل فى بسمته مزيجاً من الإعجاب و الوقاحة, و بسرعة دفعت مايسى الباب وراءها لتقفله.
حدق بها متفحصاً الجسد النحيل متسائلاً....
ـ ما هذه الزيارة العجبية!
و ابتسم بخبث و وقاحة....فاضحاً تعويذة السحر العجيبة التى استحوذت عليها, لتجد نفسها غاضبة.... بل تغلى من الغضب.... غضب كبحته منذ حدثتها آبيغال.... هذا الرجل القذر الكريه! كيف يجرؤ على الأبتسام لها؟ خاصة بعد قاله لشقيقتها! و تقدمت إلى الأمام, و قالت بهدوء:
ـ سيد باكلير؟ أنت لا تذكرنى.....
فقاطعها ببرود شديدة:
ـ بالعكس, أذكرك جيداً, أنت مايسى.... أليس كذلك؟ ايسى هاريس.
الدهشة, أو شئ ما فى طريقة لفظه لاسمها, جعلاها تتردد...و جلس خلف طاولته, و وضع ساقيه فوق بعضهما, ليتكئ إلى الخلف برباطة جأش, يراقبها....و أشار إلى كرسى أمام الطاولة:
ـ لا تستغربى...تفضلى أجلسى...... لك وجه لا يُنسى, كما لكل أفراد عائلتك.
أحست مايسى بالدم يحرق وجنتيها.... لم تكن تتوقع ذلك.
لقد رائعاً أكثر مما توقعت.... و تنحنحت قائلة بهدوء:
ـ لن أجلس, و لن أتأخر. أظنك تعلم سبب وجودى هنا.
فرفع حاجبيه:
ـ و هل يجب أن أعرف؟
فإزداد غضب مايسى و قالت ساخرة:
ـ أظن هذا.....لقد جئت من أجل شقيقتى.
ـ حقاً؟ تعنين أنك لا زلت تكرسين حياتك لحمايتها؟
كان يتحدث بهدوء فى وقت ينظر فى عينيها, عيناه رماديتان باردتان, و للحظات ذكرها بأخيه, فتنفست بصمت لتثبت أعصابها...لا فائدة من الغضب, و يجب أن لا تثير غضبه, و يجب أن تكون مقنعة بطريقة ما..... تردتت قليلاً, ثم ابتسمت له أجمل ابتسامة أستطاعتها:
ـ ربما الأفضل أن أجلس.
ـ تفضلى.
بعد أن جلست, وضمت يديها معاً, مالت إلى الأمام تثبت عينيها عليه, و بدأت:
ـ أخبرتى آبيغال بكل شئ..... ليلة أمس.
ـ كل شئ؟
للحظات, رأت وجهه يتغير, و رأت شيئاً كالقلق الشديد يتحكم بعينيه, فتشجعت:
ـ أجل, أخبرتنى عن المال و... أرجوك ألا يمكن أن نتفاهم؟ ما كان يجب عليها أن تفعل ما فعلت, لكنها لم تدرك هذا سوى الآن. و لن يحدث ذلك ثانية.... فهى تشعر بخجل شديد, و قلقة حتى المرض حول ما حصل .... و نستطيع إصلاح الخطأ.... أعرف أن هذا بإمكاننا! لقد أحضرت كل حساباتى المتوفرة و استثماراتى ...و لو استطعت بيع اسهمى, لأعطيتك المال الذى أخذته.
و صمتت.... فقد تغير وجهه, و أرعبها التعبير الذى أكتساه, لكنه لم يرد, فتابعت:
ـ ليتك تساعدنا فقط.... كما اقترحت على آبيغال! أرجوك!
وضعت يديها على طاولته, محاولة أن تنظر إلى تعابير وجهه كى لا تتردد....و أكملت:
ـ أتعلم؟ آبيغال تحب.... و تريد الزواج. لكن إذا أفتضح أمرها, فسينتهى كل شئ, فأسرته معروفة, و لن يسمحوا بمثل هذا الزواج... و هذا ما سيحطم قلبها!
فابتسم بهدوء: ـ أحقاً هذا ما سيحصل لها؟
فمالت إلى الأمام و قد اتسعت عيناها:
ـ ألا ترى هذا؟ إذا أعدنا المال فلن يتضرر أحد....أليس كذلك؟ طبعاً أعرف أن عليها ترك عملها هنا, لأنها.... خانت ثقة أبيك بها, و هو من ساعدها بكل لطف.... لكن..... الآن....حسناً لو أكتشف أخاك ما فعلت....و سيكتشف إذا لم تفعل أنت شيئاً.... فما سيحدث واضح.... أليس كذلك؟
ـ صحيح؟
ـ لكنك قلت لها بنفسك.... إنه سيقاضيها.... و سيكون مسروراً بهذا... إنه يكرهنا... نحن الأثنين.
ـ هكذا إذن!
حدق بها للحظات, ثم بحركة مفاجئة أخافتها... وقف و قال باختصار:
ـ أخشى أن لا أستطيع مساعدتكما.
ـ لكنك قلت لها بالأمس....
ـ ما قلته ليس له علاقة بهذا الأمر.
فجأة توثب غضب مايسى, فوقفت خلف الطاولة تواحهه, و صاحت به:
ـ ـ بل له علاقة! كيف تجرؤ على مساومتها بأمر كهذا؟ تعد بمساعدتها إذا عقدت معها اتفاقاً قذراً!
ـ أعقد ماذا؟
ـ اتفاقاً, ابتزازاً! لطالما كنت كاذباً.... لم تتغير كثيراً يا ليو.... و لا حتى فى عشر سنوات... أليس كذلك؟
ـ لست أتدرى عما تتحدثين.......
للكنها قاطعته بحدة:
ـ بل تعرف تماماً.... أيمكن أن تنسى تلك التغطية التى طبختها لها ليلة أمس؟ و هل ذاكرتك على هذه الدرجة من الضعف؟ كل ما يجرى عمل قذر مقرف يجعلنى أحس بالسقام! لكن على الأقل, آبيغال آسفة على ما فعلت, و أنا أحاول مساعدتها. بينما كل ما أنت مهتم به هو كيف تبتزها و تجعلها تذهب معك إلى الفراش.... أنت حقير و لا تحتمل!
سد صمت طويل متوتر لم تغادر عيناه خلاله وجهها, ثم استدار ببطء و كأنما مكرهاً, جلس وراء الطاولة مجدداً. و عندما التفت لتلتقى عيناها بعينيها, كان قد استعاد رباطة جأشة. و أخذ يراقبها بوقاحة, و نصف ابتسامة على وجهه.
ـ إذن.... لقد كشفتِ أمرى...ضُبطت .... على يد الأخت الشريفة.
ـ كيف تجرؤ! أتعنى بذلك أن آبيغال ليست....
فقاطعها رافعاً يديه:
ـ أوهـ.... أعرف تماماً ما هى آبيغال.
وهز كتفيه دون مبالاة.... فأحستبموجة قنوط تتملكها... أنها تتناول المسألة بشكل خاطئ .... لقد أغضبته أو فقد أعصابها معه ... فاخفضت نظرها عنه و عادت تتكلم بهدوء:
ـ ما كان يجب أن أفقد أعصابى.... فهذا لن يفيد... فأنا هنا لأقول لك شيئين, و أطلب منك شيئاً. أولاً: شقيقتى لا تنوى الأذعان لاقتراحك. ثانياً: سنرد لك المال, كما قلت. و أخيراً: أتمنى أن تساعدنا لما فيه مصلحة أختى, و لا أجد وسيلة أخرى للتخلص من هذا المأزق أو طريقة أفضل أسلك سبيلها.
فرد بكل هدوء:
ـ يمكنك الذهاب إلى كورد.
حدقت به غير مصدقة : ـ لابد أنك مجنون! أنه يكرهنا.... بسب أمنا!
ـ كان هذا من زمن بعيد.
ـ أعتقد أنه لم ينس! إنه يلومها لطلاق والديك.... هذا ما يجب أن تعرفه.
ـ كانت ملامة.
احست مايسى بشحوب وجها... هذه هى الحقيقة... لكنها صدمة أن تسمعها بصراحة من شخص آخر, خاصة ليو, و أكمل يقول:
ـ قد يساعدك!
فاستدارت نحوه:
ـ كورد؟ إنه لا يساعد حتى رجلاً يحتضر فى الشارع!
ـ أوهـ حقاً؟
منتديات ليلاس
وقف ثانية مبتسماً ببرود.
ـ إذن.... ليس أمامكما خيار آخر, أليس كذلك يا مايسى؟ أنتما مضطرتان للاعتماد علىّ.
و استدار من منتصف الطاولة متقدماً نحوها.... أجبرت نفسها أن تواجهه و لا تخرج مهزومة.
ـ هل ستساعد آبيغال؟
ـ أوهـ ... أجل.
ـ أتعنى ذلك؟
ـ طبعاً... بشرط واحد صغير.
ـ لا! ..... لقد قلت لك...... آبيغال تحب.... و لن توافق .......
ـ أنا لا أتكلم عن آبيغال.
مد يده ليمسك ذراعها, فوق المرفق تماماً, وجذبها قليلاً نحوه و ابتسم لها:
ـ أنا أتكلم عنك. زهرة منسية
ـ ماذا؟
فضحك بخبث. ضحكة قصيرة كريهة مريرة.... ورد بوقاحة:
ـ عندما اقترحت هذه الصفقة, لم أكن قد رأيتك بعد.... منذ هشر سنوات....و الآن بعد أن رأيتك.... أتساءل عن معنى ملاحقتى لأختك.... لماذا لا ألاحق ما أستطيع الحصول عليه بسهولة؟
فأمامى من هى أكثر جاذبية.... فهل توافقينى يا مايسى؟
ـ أوافق على ماذا؟
فابتسم ببرود:
ـ أوهـ.... هيا الآن.... هل يجب ان أتلفظ بما ألمح إليه؟ سأفعل إذا أحببتِ... تعالى معى إلى الفراش مايسى.... و سأسوى الأمور مع شقيقتك.
أعاقت الصدمة تفكيرها, و ملأ الخوف نفسها فرفعت يدها لتصفعه على وجهه صفعة بدت آثار أصابعها جلية على خده. فخفت قبضته على ذراعها, لكنه لم يتركها, فانتزعت ذراعها و تراجعت بسرعة و هى ترتجف و قد أبيض وجهها:
ـ أيها ..... النذل! كيف يمكن لك......
و أحست بالأختناق فى حنجرتها, و لم تعد الكلمات قادرة على الخروج, و استدارت نحو الباب, فسمعت صوته البارد الهادئ يقول:
ـ لو كنت مكانك لفكرت بالأمر..... و بكل ما يتضمنه اقتراحى.
فتوقفت, و استدارت نحوه بحدة و هى تصيح:
ـ كيف تجرؤ على تهتديدى؟ كيف تجرؤ على تهديد شقيقتى؟ سأجد طريقة للتخلص من هذا المأزق دون مساعدتك.... و دون اقتراحك الوقح.... انتظر.... و سترى!
فضحك:
ـ أوهـ.... بالتأكيد سأرى..... لكننى أعتقد أنك ستعودين إلىّ فى النهاية.... ألن تفعلى مايسى؟
ـ أفضل الموت!
و خرجت مسرعة من الغرفة دون أنتظار لتقصف الباب وراءها بعنف.
منتديات ليلاســـــــ